الأرض نقطة زرقاء باهتة.. صورة تاريخية من مركبة "فوياجر-1"
هاني الضليع
منذ انطلاق مركبتي الفضاء "فوياجر1″ و"فوياجر2" عام 1977 إلى الفضاء الخارجي وهما لا تزالان تتجهان نحو الأفق البعيد.
فقد كان من المفترض إطلاق "فوياجر-1" أولا بحكم اسمها وموعد إطلاقها، لكن ثمة أسبابا أخرت إطلاقها إلى ما بعد فوياجر-2 بأسبوعين، مما جعلها تفقد لقاء مرتقبا مع كوكبي أورانوس ونبتون، اللقاء الذي تحقق لـ "فوياجر-2" فقط.
ففي عام 1979 التقت كلتا المركبتين بكوكب المشتري، ثم كان لقاؤهما بزحل عامي 1980 و1981. غير أن "فوياجر2" كتب لها لقاءان تاريخيان مع كل من كوكب أورانوس عام 1986 ومن ثم كوكب نبتون عام 1989.
حيث أظهرت الصور الملتقطة -التي استغرق وصولها آنذاك خمس ساعات ونصف الساعة بسرعة الضوء- أظهرت حلقات الكوكب الأزرق وبقعة داكنة على سطحه، لتبقى حتى اليوم الصورة الأوضح والأجمل لكوكب نبتون، إذ لم تزره بعد ذلك أية مركبة فضاء.
أما المسار الذي اتخذته "فوياجر1" فاختلف بضع درجات عن مسار "فوياجر2" أعلى مدار البروج، فلم تجد بدا أن تكون في الفضاء الخالي بعد ذلك دون كواكب تلقاها. لكنها وبعد أن وصلت على مسافة ستة مليارات كيلومتر من الأرض استدارت لتلتقط صورة تاريخية نادرة للأرض آنذاك.
الأرض.. نقطة زرقاء باهتة
هو عنوان صورة فوتوغرافية لكوكب الأرض التقطها المسبار الفضائي "فوياجر-1" يوم 14 فبراير/شباط 1990 من مسافة قياسية تبعد حوالي ستة مليارات كيلومتر عن الأرض، كجزء من مجموعة صور للمجموعة الشمسية.
وقد أطلق عليها العالم الأميركي "كارل ساغان Carl Sagan" هذا الاسم "نقطة زرقاء باهتة Pale Blue Dot" حيث تظهر الأرض فيها بحجم أقل من البكسل (أصغر مربع ضوئي بالصورة الفوتوغرافية) فكوكبنا يظهر نقطة صغيرة جدا مقارنة بالفضاء الشاسع، ضمن حزم من ضوء الشمس القريبة المتناثرة في عدسة الكاميرا، والصورة.
وتتكون الصورة من ستين صورة مجمعة بجانب بعضها البعض ومأخوذة من زاوية 32 درجة أعلى مدار البروج، وللصدفة جاءت بقعة الأرض وسط ألمع تلك الحزم الضوئية.
وقد أكملت مركبة الفضاء "فوياجر1" مهمتها الرئيسية وغادرت المجموعة الشمسية، لكنها أُمرت من قبل ناسا أن تدير كاميرتها وتلتقط صورة للأرض عبر مدى كبير جدا من الفضاء، بناء على طلب عالم الفلك وكاتب الخيال العلمي ساغان صاحب فكرة مشروع "سيتي SETI" للبحث عن كائنات عاقلة في الكون.
وقد اختيرت الصورة من بين أفضل عشر صور علمية، وذلك في استفتاء أجراه موقع "سبيس دوت كوم" سنة 2001.
رسالة الكون للإنسانية
عام 1994 قام ساغان بتسمية أحد كتبه "نقطة زرقاء باهتة.. رؤية لمستقبل الإنسان في الفضاء" على نفس اسم الصورة. وفي الكتاب، قام بالتعبير عن أفكاره حول معنى أعمق للصورة، نقتطف منها بعض العبارات، يقول:
من تلك البقعة البعيدة الممتازة قد لا تبدو لكوكب الأرض أي أهمية خاصة. ولكن بالنسبة لنا يختلف الأمر، انظر مرة أخرى إلى هذه النقطة، إنه هناك: الوطن، ها نحن.. فعليها يوجد كل من تحبه، كل من تعرفه، كل من سمعت عنه، كل إنسان كان موجودا في أي وقت.
هي جملة أفراحنا ومعاناتنا، آلاف الأديان والأيديولوجيّات والمذاهب، كل صياد أو رحالة، كل بطل أو جبان، كل بانٍ أو مدمر للحضارة، كل ملك أو فلاح، كل أم وكل أب، كل طفل واعد، كل مخترع ومكتشف، كل معلم للأخلاق في تاريخ، نوعنا قد عاش هنا، على هذه الذرة من الغبار المعلقة في شعاع شمس.
إن كوكب الأرض هو العالم الوحيد المعروف حتى الآن كمأوى للحياة، ولا يوجد أي مكان آخر يمكن أن يهاجر إليه نوعنا في المستقبل القريب.
إننا نقدر فقط القيام بزيارات، أما الاستقرار، فليس بعد، وبالنسبة لي، فإن هذه الصورة تؤكد مسؤوليتنا في التعامل مع بعضنا البعض بمزيد من الرعاية والعطف، ومسؤوليتنا في حماية هذه النقطة الزرقاء الباهتة والاعتزاز بها، فهي الوطن الوحيد الذي عرفناه".
(اسمع النص المقروء بصوت ساغان):
فعاليات فلكية حول العالم
تقديرا لهذا الكوكب العظيم الذي نعيش عليه وفي الأسبوع من 13-20 فبراير/شباط 2020، يحتفل الاتحاد الفلكي الدولي بالذكرى الثلاثين لهذه الصورة التاريخية في أكثر من مئة فعالية حول العالم تقام في مختلف الجمعيات والمدارس والأندية الشبابية وهواة الفلك.
وقد عقدت وستعقد في قطر فعاليات خاصة بهذه المناسبة ضمن أنشطة "أولمبياد كتارا المدرسي لعلم الفلك 2020" الذي تنظمه القبة الفلكية بالمدينة الثقافية كتارا والاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، بالتعاون مع وزارة التعليم والتعليم العالي ودار التقويم القطري بدعم من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي.
وسيقوم خمسمئة طالب وطالبة بعمل مجسمات وكتابة أبحاث عن هذه المشروع التاريخي، وذلك من أجل للتنافس على جائزة أفضل مركز بهذا الأولمبياد للعام الجاري 2020.