فطريات تأكل الإشعاع.. يمكن أن تحدث ثورة في حماية الإنسان

وجد الباحثون أن فطر كريبتوكوكوس نيوفورمانز ينمو أسرع في وجود الإشعاع (ويكيميديا)
وجد الباحثون أن فطر كريبتوكوكوس نيوفورمانز ينمو أسرع في وجود الإشعاع (ويكيميديا)

طارق قابيل

في البيئة الغريبة المخيفة داخل محطة تشيرنوبل النووية المهجورة، اكتشف الباحثون الذين يسيرون الروبوتات عن بعد فطريات سوداء اللون تتزايد على جدران المفاعل النووي المحطم رقم 4.

أثار نمو هذه الكائنات الحية حفيظة العلماء، وبدا لهم أنها تسببت في تحلل الغرافيت المشع من قلب المفاعل نفسه. بل الأكثر من ذلك، يبدو أن هذه الفطريات تنمو بسرعة نحو مصادر الإشعاع، كما لو كانت تنجذب إليها.

أجرى العلماء العديد من التجارب على هذه الفطريات الخارقة، وعلى الرغم من أنه لم تنشر نتائج التجارب البحثية حتى الآن، فإن المجتمع العلمي ينتظرها بفارغ الصبر لأنه من المتوقع أن تحدث ثورة في حماية الإنسان من مستويات الإشعاع المرتفعة، فضلا عن تطبيقات تكنولوجية متنوعة أخرى.

كارثة تشيرنوبل
تعد أكبر كارثة نووية شهدها العالم، وقعت في 26 أبريل/نيسان 1986 في المفاعل رقم 4 من محطة تشيرنوبل للطاقة النووية شمال أوكرانيا السوفياتية، وتم إجلاء أكثر من مئة ألف شخص من المناطق المحيطة بالمفاعل.

نتج الخلل عن تراكم أخطاء بشرية وأدى إلى إغلاق المصانع وتعطل المزارع، وقدرت الأمم المتحدة عدد من قتلوا بسبب الحادث بأربعة آلاف شخص، وقالت السلطات الأوكرانية إن عدد الضحايا يبلغ ثمانية آلاف شخص.

كما تسببت الحادثة في تلوث 1.4 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في أوكرانيا وروسيا البيضاء بالإشعاعات الملوثة، وتم قطع ودفن العديد من الأشجار بسبب مستويات الإشعاع العالية.

‪اكتشف الباحثون فطريات سوداء تتزايد على جدران المفاعل النووي المحطم‬ (بيكسابي)
‪اكتشف الباحثون فطريات سوداء تتزايد على جدران المفاعل النووي المحطم‬ (بيكسابي)

سر الميلانين
عام 1991، وبعد خمس سنوات من الكارثة التي هزت العالم، تم العثور على فطريات سوداء تنتشر على جدران المفاعل المهجور الذي غمرته المياه. وأثار هذا حيرة العلماء، فكيف تمكنت هذه الكائنات من البقاء على قيد الحياة في مثل هذه الظروف القاسية؟

وبعد أكثر من عقد من الزمان، نجحت د. إيكاترينا دادشوفا الأستاذة بكلية ألبرت آينشتاين للطب في نيويورك وزملاؤها في الحصول على بعض هذه الفطريات ووجدوا أنها تنمو بشكل أسرع في وجود الإشعاع مقارنة بالفطريات الأخرى، واكتشفوا أنها تنمو فعليا باتجاه الإشعاع كما لو كانت تنجذب إليه.

ووجد الباحثون أن الأنواع الثلاثة التي تم اختبارها كانت تحتوي على كميات كبيرة من الميلانين، وهي الصبغة التي تمنح اللون لبشرة الإنسان وشعره وعينيه، والتي تساهم في حماية الجلد من الضرر الذي قد يحدث نتيجة التعرض لأشعة الشمس.

واكتشفوا أن الفطريات زادت في الكتلة الحيوية في بيئة كان مستوى الإشعاع فيها أكثر خمسمئة مرة من البيئة الطبيعية.

ومن المعروف أن الميلانين يمتص الضوء ويبدد الإشعاع فوق البنفسجي، وتحمي الأصباغ الميلانينية الكائنات الحية الدقيقة مثل الفطريات ضد الضغوط التي تؤدي إلى تلف الخلايا، ويحمي الميلانين أيضا من الأضرار الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة والضغوط الكيميائية والتهديدات الكيميائية الحيوية.

لكن يبدو -بالنسبة للفطريات- يمتص الإشعاع ويحوله إلى طاقة كيميائية للنمو، وأظهرت الأبحاث أن الفطريات التي تحتوي على الميلانين قادرة على استخدامه صبغة بناء ضوئي تمكنها من التقاط أشعة غاما وتسخير هذه الطاقة للنمو.

وأرسل باحثو مختبر الدفع النفاث ثمانية أنواع لدراستها، تم جمعها من المنطقة إلى محطة الفضاء الدولية التي يتعرض سكانها إلى ما بين أربعين وثمانين مرة للإشعاع مقارنة بالأرض. ويأمل الباحثون من وراء هذا الجهد أن تنتج الفطريات جزيئات يمكن تكييفها في عقاقير يمكن إعطاؤها لرواد الفضاء لحمايتهم من الإشعاع في المهام طويلة الأجل.

التصنيع الإشعاعي
أدى تعريض فطر كريبتوكوكس نيوفورمانز لمستويات عالية من الإشعاع غير المؤين (من عشرين لأربعين دقيقة) إلى تغيير الخواص الكيميائية للميلانين، وزيادة معدلات النقل الإلكتروني بوساطة الميلانين من ثلاثة إلى أربعة أضعاف مقارنة بالخلايا غير المعرضة للإشعاع، مما يشير إلى أن الفطريات الميلانينية قد تكون قادرة أيضا على استخدام إشعاع الضوء أو الحرارة للنمو.

‪أرسل الباحثون ثمانية أنواع من الفطريات لمحطة الفضاء الدولية لدراسة تأثرها بجرعات الإشعاع‬ (بيكسابي)
‪أرسل الباحثون ثمانية أنواع من الفطريات لمحطة الفضاء الدولية لدراسة تأثرها بجرعات الإشعاع‬ (بيكسابي)

جذبت عملية التصنيع الإشعاعي هذه انتباه العلماء بسبب تداعياتها المحتملة، حيث يمتص الميلانين الإشعاع الكهرومغناطيسي ويحوله إلى أشكال أخرى من الطاقة بما في ذلك الكهرباء، ويمكن استغلال هذه الخاصية كقفزة بيولوجية محتملة لتحويل الإشعاع إلى طاقة كهربائية لتشغيل الأجهزة الكهربائية وتطوير الألواح الشمسية.

فضلا عن ذلك، من المتوقع أن تجد هذه التكنولوجيا مكانها أيضا بالتكنولوجيا الحيوية، وفي مجالات تطوير الأدوية لأنها غير سامة، كما ستؤدي إلى قفزة نوعية في مجالات حماية مرضى السرطان ومهندسي محطات الطاقة النووية وطياري الخطوط الجوية من امتصاص جرعات مميتة من الأشعة.

المصدر : الجزيرة