مع مهمة "تشانغ إي-5" هل تصبح الصين ثالث دولة تجلب عينات من القمر؟
مع إطلاق مهمة "تشانغ إي-5" مساء 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري يمكن أن تصبح الصين ثالث دولة في العالم تجلب عينات من القمر، وهو إنجاز تكنولوجي يهدف إلى التحضير لمهام أخرى في السنوات القادمة.
وفي تقرير نشرته صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية، يقول الكاتب بيار بارتليمي إن هذه المهمة لم يعلن عن تاريخ انطلاقها مسبقا كما هو الحال بالنسبة لأغلب المهام الفضائية الصينية.
وكان مقررا أن تغادر "تشانغ إي-5" إلى القمر قبل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لجمع عينات من القمر والعودة بها إلى الأرض، لكن لم يتم الإعلان عن تاريخ محدد.
وعندما نقل صاروخ "لونغ مارش 5" يوم الثلاثاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني إلى مركز "وينتشانغ الفضائي" (Wenchang Space Launch Centre) في مقاطعة هاينان جنوب الصين أصبح العالم على دراية بالإقلاع الوشيك للمهمة، وهو ما حدث يوم الاثنين 23 نوفمبر/تشرين الثاني الساعة 11:30 مساء بتوقيت الدوحة.
مهمة "أبولو مصغرة"
ويعتقد فيليب كوي -الذي ألف العديد من الكتب حول التجارب الفضائية الصينية- أن "الهدف من المهمة تكنولوجي بالأساس، تماما مثل ما هو الحال مع معظم مهمات تشانغ إي".
ويضيف "تتقدم الصين خطوة تلو الأخرى، إذ بدأت بالتحليق حول القمر بمركبتي تشانغ إي-1 وتشانغ إي-2، ثم الهبوط مع تشانغ إي-3 وتشانغ إي-4، والآن يتم الانتقال إلى المستوى التالي، وهو الذهاب والعودة من القمر".
وحسب الكاتب، فإن "تشانغ إي-5" عبارة عن مهمة "أبولو مصغرة"، لكن دون وجود إنسان على متنها.
وتنقل المهمة مسبارا فضائيا مكونا من 3 عناصر، أولا: مركبة إنزال مماثلة لتلك الموجودة في المهمتين السابقتين، تلتقط ذراعها الروبوتية عينات من التربة بعمق يصل إلى مترين.
ويتم تخزين "العينات" في الوحدة الثانية، وهي عبارة عن طابق صغير على مركبة الإنزال، ثم يبتعد المسبار عن جاذبية القمر للانضمام إلى الوحدة التي بقيت في المدار.
ويوضح الكاتب أن صعود المسبار من على سطح القمر بعد جمع العينات وانضمامه إلى الوحدة التي بقيت في المدار هما التحديان الكبيران اللذان يواجهان المهمة الصينية.
ووفقا للخطة، يفترض أن تنقل العينات كبسولة قادرة على اختراق الغلاف الجوي للأرض -تم اختبارها عام 2014- ثم تعود المهمة إلى الأرض، وإذا سارت الأمور على ما يرام فستهبط الكبسولة في غضون أسابيع قليلة في منغوليا الداخلية.
عينات من مناطق جديدة
ويرى الكاتب أنه لا ينبغي الاستهتار بالهدف العلمي للمهمة، والذي يقترن بهدف رمزي يسعى الصينيون لتحقيقه، وهو أن تصبح الصين الدولة الثالثة التي تجلب عينات من القمر، بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وقد عملت جيسيكا فلاهاوت الباحثة المتخصصة في جيولوجيا القمر والمريخ من مركز البحوث البتروغرافية والجيوكيميائية بجامعة لورين (Universite de Laurraine) الفرنسية مع باحثين صينيين لتحديد "هدف" مثير للاهتمام.
وتقع منطقة الهبوط المتوقعة في "محيط العواصف"، أكبر البحار القمرية، ولا يعني مصطلحا "بحار" و"محيط" وجود مساحات شاسعة من المياه السائلة على القمر، وإنما يشيران إلى سهول بازلتية داكنة اعتبرها علماء الفلك القدماء بحارا.
وتتميز منطقة الهبوط المختارة بأنها صغيرة نسبيا (عمرها 1.2 مليار سنة، فيما يبلغ عمر القمر 4.5 مليارات سنة).
وفي هذا السياق، تقول فلاهاوت "لم نقم مطلقا بزيارة مجال يعود لمثل هذه الفترة الزمنية، وقد وصلت مهمات أبولو -التي هبطت أيضا في بحار مسطحة وسلسة للغاية يسهل الوصول إليها- إلى مناطق بلغ متوسط عمرها 3.6 مليارات سنة".
وتشرح فلاهاوت الأسباب العلمية وراء البحث عن عينات من مناطق جديدة على القمر "مكنت رحلات برنامج أبولو من استخراج صخور تحتوي نسبا عالية من مادة التيتانيوم، وأخرى تحتوي نسبا ضئيلة ستمكن الرحلات التي يقوم بها المسبار الفضائي "تشانغ إي-5″ من استخراج صخور تحتوي نسبا متوسطة من التيتانيوم".
وتضيف فلاهاوت "في الواقع، لم تركز بعثات أبولو بالأساس على استخراج عينات متنوعة من مساحات مناطق مختلفة على القمر، بل حطت الرحال في مناطق تعتبر شاذة من منظور كيميائي، وفي المجمل، يقدر العلماء أن العينات المأخوذة من القمر تناهز 4% من مجمل التضاريس القمرية".
مشاركة العينات مع دول أخرى
بالنسبة للباحثين، يعد المسبار الفضائي "تشانغ آه-5" فرصة حقيقية لتعزيز المعرفة بجيولوجيا القمر، لكن ذلك يتطلب تعميم العينات التي ستعود بها المهمة.
وتشير فلاهاوت إلى أن "هناك مفاوضات جارية بين وكالات الفضاء وبين المختبرات بهدف مشاركة العينات مع دول أجنبية".
وتضيف الباحثة الفرنسية أن الصينيين منفتحون على التعاون في هذا المجال رغم أن خطط العمل على تحليل العينات لا تزال غير محددة بشكل واضح.
وقالت "لقد شاركوا برحابة صدر البيانات التي جمعها المسبار الفضائي تشانغ إي-4 المتعلقة بالجانب غير الظاهر من القمر".
ويؤكد الكاتب أن احتمال فشل مهمة "تشانغ إي-5 يبقى قائما نظرا لما تتضمنه من تحديات تكنولوجية، لكن ذلك لن يمنع الصينيين من أن يحاولوا مجددا حسب قوله، وأن يرسلوا توأمه المسبار الفضائي تشانج إي-6".
وفي هذا السياق، يقول فيليب كوي إن "البعثات الصينية تجد البديل دائما"، فالمسبار الفضائي "تشانغ إي-2" كان بديلا لـ"تشانغ إي-1″، والمسبار "تشانغ إي-4″ كان بدوره بديلا لـ"تشانغ إي-3".
ويضيف أنه إذا نجح المسبار "تشانغ إي-5 في مهمته فإن "تشانغ إي-6" ستوكل له المهمة ذاتها في عام 2024 تقريبا، لكنه سيعمل على أخذ عينات من منطقة مختلفة من القمر، وهي القطب الجنوبي.
ومن المنتظر أن يكرس الصينيون "رحلات المسبارين "تشانغ إي-7″ و"تشانغ إي-8" بالكامل لدراسة القطب الجنوبي، وفق ما أكده كوي.