عروض الشفق القطبي الزاهية الألوان.. هل يمكن رؤيتها يوما في العالم العربي؟

الشفق القطبي الوردي كما شوهد في النرويج يوم السبت 26 سبتمبر/أيلول 2020 (صورة ماركوس فاريك/سبيس ويذر)

مع دخول فصل الخريف ابتداء من يوم الاعتدال الذي وافق يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي، وبدء انحسار أشعة الشمس رويدا رويدا عن أطراف النصف الشمالي من الكرة الأرضية، يبدأ الليل بالعودة مجددا إلى تلك المناطق التي ستفقد أشعة الشمس أياما طويلة، بل ربما إلى 6 أشهر في نواحي القطب.

وبغياب الشمس يسود الليل مدة أطول فأطول، وتبدأ مظاهر الشتاء بالبروز شيئا فشيئا، فيبرد الطقس بسرعة كبيرة، وتهطل الأمطار، وتكتسي الأرض حلة بيضاء تستمر أسابيع وشهورا.

ومع هذا الليل الطويل، يعود سكان البلدان الشمالية المتطرفة كالنرويج وآيسلندا والسويد وفنلندا وكندا وشمال روسيا، لاستقبال تلك العروض السماوية ذات الألوان الزاهية المعروفة بالشفق القطبي أو الأضواء الشمالية.

حيث تتاح لهم في كل ليلة تقريبا رؤية بعض هذه العروض، باختلاف في لمعانها وطول مدة ظهورها، وفقا لدورة النشاط الشمسي التي تتكرر كل 11 سنة.

الشمس.. مصدر كل الأنوار

ويعود السبب في إضاءة النهار والغسق والشفق والقمر والكواكب والمذنبات إلى ضوء الشمس، فكلها تضيء بسبب نور الشمس المباشر.

لكن ضوء الشفق القطبي يختلف عن ذلك كله، فهو أثر من آثار الطاقة الشمسية المتفاعلة مع أعالي الغلاف الجوي للأرض على شكل جسيمات مشحونة تقوم بتأيين ذرات الأكسجين والنيتروجين الوفيرة هناك، وتطلق منها ألوانا تتنوع بتنوع الذرة المتأينة، فمنها الأصفر والأزرق والأخضر والأحمر والوردي والبنفسجي.

يتوقع علماء المناخ أن تكون دورة الشمس الـ25 الحالية التي بدأت عام 2020، من الدورات الهادئة (ألان فريدمان-ناسا)

وقد سجلت كتب التاريخ العربي أحداثا كثيرة لظهور عروض الشفق القطبي في مناطق عربية، بلغت اليمن نزولا عند خط عرض 15 شمال خط الاستواء، وهذا يعني أن الشفق القطبي لم يكن يومها مقتصرا على تلك البقة الواقعة بين خطي عرض 60-80 درجة شمالا، كما هو حال ظهور الشفق في أيامه العادية.

كما ظهر الشفق القطبي فوق ألمانيا بتاريخ 1 يناير/كانون الثاني 1203 للميلاد، وشوهد في فرنسا في مارس/آذار 1204 للميلاد، وفي المشاهدتين ظهرت أعمدة عظيمة تتخللها النيران الملتهبة، وكانت السماء ذات لون أحمر.

أما في الدليل العربي الذي وضعه الفلكي العراقي الدكتور وفيق شاكر رضا، فقد جاءت مشاهدة الشفق القطبي من تاريخ اليمن، حيث يذكر المؤرخ اليمني يحيى بن الحسين صاحب كتاب "غاية الأماني في أخبار القطر اليماني" ما نصه:

"وفي صفر من هذه السنة 600 للهجرة (حوالي 3 أكتوبر/تشرين الأول 1203 للميلاد)، ظهرت آية من آيات الله الباهرة، وهي حمرة حدثت بعد المغرب، غلب ضوؤها ضوء الصباح، وذلك في جبال اليمن ومشارقها، وفي تهامة ظلمة شديدة استمرت 3 أيام، وحكى الفقيه أحمد بن محمد المحلى، المدرس في ذي مرمر عن رجل من زبيد أن هذه الظلمة حدثت ليلة الأربعاء، بعد أن طلع القمر فعمّت البلاد واستمرت إلى يوم الجمعة ثم انقشعت".

وكذا في اليابان، فقد سجلت كتب التاريخ ظهور شفق قطبي فيها سنة 671 للميلاد، أحمر ملأت السماء حمرته.

رسم للشفق القطبي كما شوهد في اليابان قبل حوالي 1400 سنة (مجلة سيكونداي للثقافة والدراسات الاجتماعية)

دورة النشاط الشمسي الحالية

وكما هو معلوم، فإن الشمس تمر كل 11 سنة في دورة نشاط تحددها البقع الشمسية الظاهرة على سطحها، فبزيادة أعداد هذه البقع، تكون الدورة نشطة وخطيرة في بعض الأحيان، وتتسبب كذلك في ظهور متكرر وغير منقطع لعروض الشفق القطبي.

ولم يسجل التاريخ الحديث (خلال الـ200 عام الماضيتين) مشاهدة للشفق القطبي من خطوط عرض متوسطة، ولا منخفضة بالطبع.

ويتوقع علماء المناخ أن تكون دورة الشمس الـ25 الحالية -التي بدأت لتوها عام 2020- من الدورات الهادئة التي ربما تلعب دورا في تغيير المناخ، من حيث تأثيرها على ظاهرة الدفيئة وذوبان القمم الجليدية ومن ثم ارتفاع منسوب الماء بالنسبة للمدن الساحلية.

مخطط الدورة الشمسية الـ25 كما يتوقعها العلماء بأعداد بقع شمسية أقل (هاني الضليع)

ولأنها لا تزال في أولها، فلا يمكن الجزم بهدوئها أو نشاطها إلا من خلال الاستقراء المبني على شكل الدورات الشمسية السابقة.

وفي حال أظهرت الدورة أمرا غير اعتيادي، فسينعكس ذلك مباشرة على السماء، بحيث سيكون بمقدور بعض الناس رؤية عروض الشفق القطبي الخلابة.

المصدر : مواقع إلكترونية