اكتشاف أقدم الفطريات التي سكنت اليابسة منذ 810 ملايين عام
محمد شعبان
ما زال لغز نشأة وتطور الحياة على سطح الأرض محيرا، وهو ما يدفع للتساؤل: كيف بدأت الحياة المعقدة في أعماق المحيط الرطبة؟ وكيف وجدت على اليابسة؟
يعتقد العلماء أن هذا الحدث بدأ منذ 541 مليون عام، إذ لا يزال أصل مملكة الفطريات -المرجح كونها الشريك الرئيس للنباتات الأولى التي استعمرت سطح الأرض- غامضا للغاية، فحتى وقتنا هذا تم تحديد 2% فقط من الفطريات، وذلك لطبيعتها الحساسة التي تجعل الحصول على حفرياتها أمرا نادرا للغاية، كما أنه يصعب تمييزها عن الكائنات الحية الدقيقة الأخرى.
ويرجع العلماء عمر أقدم حفرية لفطر إلى 460 مليون عام، إلا أن بعض الحفريات -التي ظلت صامتة لعقود في متحف بلجيكي- قررت أن تجيب عن هذا التساؤل، إذ أشارت دراسة جديدة إلى أن هذه الحفريات هي لهياكل فطرية يرجع عمرها من 715 إلى 810 ملايين عام، وهو ما يجعلها من أقدم الفطريات المعروفة حتى يومنا هذا.
وأعاد العلماء تحليل الحفريات التي جمعت من جمهورية الكونغو منذ سنوات، مما أدى إلى هذا الاكتشاف المثير عن مدى قدم الفطريات، والذي نشر في دورية ساينس أدڤانسز في 22 يناير/كانون الثاني الجاري.
توقيت ظهور الفطريات
عن أهمية هذا الاكتشاف يتحدث الجيولوجي ستيف بونڤيل -المشارك في الدراسة من جامعة ليبر دو بروكسل- فيما نقله موقع ساينس أليرت قائلا إن "اكتشافا مثيرا كهذا يدفعنا إلى إعادة النظر في الجدول الزمني لتطور الكائنات الحية على سطح الأرض".
فكما كنا نعلم من قبل فإن الفطريات كانت موجودة عندما بدأت النباتات الأولى في الظهور، أي منذ حوالي 500 إلى 600 مليون سنة مضت، إلا أن الساعة الجزيئية للفطريات تخبرنا أنها قد ظهرت في وقت مبكر عن ذلك.
ويستخدم العلماء الساعة الجزيئية كمؤشر لتحديد التاريخ التطوري للكائن الحي، وذلك بقياس معدل طفرة الجزيئات الحيوية في الحمض النووي للكائن الحي، وبالتالي فلو ظهرت الفطريات في نفس توقيت ظهور النباتات فإن الساعة الجزيئية للفطريات سوف تخبرنا بذلك.
لكن الساعة الجزيئية للفطريات وضحت أنها ظهرت منذ أكثر من مليار عام، مما يمثل لغزا كبيرا بين ما يؤرخه السجل الأحفوري وما تشير إليه الساعة الجزيئية.
وتم اكتشاف بقايا خيوط الفطرية المتحجرة -أو ما يعرف بالغزل الفطري- في الصخور التي يرجع تاريخها من 715 إلى 810 ملايين عام، وهي نفس الفترة التي كانت فيها الحياة في طور مهدها على اليابسة، إذ إن هذه الصخور القديمة المكتشفة قد تشكلت في بحيرة أو بيئة ساحلية.
وهو ما يصرح به بونڤيل قائلا "إن وجود الفطريات في هذه المنطقة الانتقالية بين الماء واليابسة يدفعنا للاعتقاد بأن هذا الفطر المجهري كان شريكا مهما للنباتات الأولى التي استعمرت سطح الأرض".
البقايا العضوية مفتاح اللغز
يذكر أن البحوث السابقة كانت تستخدم المعالجة الكيميائية للتعرف على الحفريات الفطرية الموجودة في الصخور، وهو ما "يلحق الضرر بالمركبات العضوية للأحافير الفطرية، مما يؤدي إلى تفسيرات غير صحيحة بشأن الفطريات والتي تعتمد فقط على الخصائص الشكلية التي قد تتشارك في العديد من الكائنات الحية المختلفة" كما يوضح بونڤيل لموقع فيز أورغ.
لذلك استخدم العلماء في هذه الدراسة تقنيات جديدة مثل المجهر الفلوري والمجهر الإلكتروني، وكذلك التحليل الطيفي للإشعاع السنكروتروني للبحث عن أي بقايا عضوية للفطريات في الصخور، وهو ما عثروا عليه بالفعل متمثلا في مركب الكايتين الذي يعتبر المركب الأساسي لجدران الخلايا الفطرية.
وعن أهمية هذه الدراسة يضيف كرانيندونك غير المشارك في الدراسة والجيولوجي في جامعة نيو ساوث ويلز أن "هذا الاكتشاف يخبرنا بما كانت عليه الفطريات، مما قد يساعد في استكشاف حيوات أخرى خارج حدود الكرة الأرضية".