باحثون يعثرون على القارة الثامنة المفقودة مدفونة تحت أوروبا

Said سعيد - بيكسابي/ بعض شظايا أدريا الكبرى ظلت فوق مستوى سطح البحر، وأصبحت في نهاية المطاف أجزاء من إيطاليا، مثل تورينو والبندقية، - باحثون يعثرون على القارة الثامنة المفقودة مدفونة تحت أوروبا
شظايا من أدريا الكبرى أصبحت في نهاية المطاف أجزاء من إيطاليا مثل تورينو والبندقية (بيكسباي)

طارق قابيل

بدت خريطة العالم مختلفة جدا قبل 240 مليون سنة، حيث ضمت قارات الأرض الحديثة معا في قارة عظمى واحدة على شكل لعبة أركيد (باك مان) الشهيرة، وتعرف باسم "بانجيا"، التي انقسمت في نهاية المطاف إلى جزأين: "لوراسيا" في الشمال و"غوندوانا" في الجنوب.
 

الأولى أصبحت أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية، وتفرقت الأخيرة لتشكيل قارة أفريقيا الحديثة، والقارة القطبية الجنوبية، وأميركا الجنوبية، وأستراليا. ولكن مؤخرا كشف العلماء النقاب عن القارة الخامسة التي ولدت من حضن "غوندوانا"، والتي أطلقوا عليها اسم "أدريا الكبرى".

أدريا الكبرى
اكتشف الباحثون أدريا الكبرى بعد بحوث مضنية استمرت عشر سنوات كاملة، حسب الدراسة التي نشرت في دورية "غوندوانا ريسيرش" العلمية المختصة بعلوم الأرض يوم الثالث من سبتمبر/أيلول الجاري.

وأفاد الباحثون بأنه في البداية كانت بعض أراضي أدريا الكبرى مغمورة بالمياه بالفعل، ولكن كلما توغلت نحو وشاح الأرض (الطبقة الداخلية الصخرية من كوكبنا)، تم تقشير طبقتها العليا بعيدا، لتشكل عليقا (علفا) للجبال في ما يشكل الآن نحو ثلاثين بلدا أوروبيا.

وأشاروا إلى أن القوى الجيولوجية دفعت ببطء كتلة أرضية بحجم غرينلاند تحت جنوب أوروبا قبل ما بين 100 و120 مليون سنة مضت.

وللتبسيط، قال دوي فان هينسبرغن، المؤلف الرئيسي للدراسة، والخبير في العلوم التكتونية العالمية وعلم الحفريات في قسم علوم الأرض بجامعة أوتريخت، لصحيفة "بيزنس إنسايدر"؛ "لنفترض أنك ترتدي سترة وأنت كنت تدفع ذراعك تحت الطاولة، يبقى كُم السترة خلفه، فيطوى ويبرز صعودا لأعلى.

وأضاف فان هينسبرغن أن الكُم المطوي هو "ما يعادل الكيلومترات القليلة العليا من قشرة أدريا، وذراعك هو اللوحة التي تغرق الآن فى الوشاح، ومئات أو حتى آلاف الكيلومترات تحت أقدامنا".

أصبحت "طيات السترة" تلك أحزمة الجبال الأوراسية، مثل الأبنين في إيطاليا، والديناريدس في البوسنة والهرسك، وجبال الألب السويسرية، وجبال زاغروس في إيران، وجبال الهيمالايا.

وفقا للعلماء، فإن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط هي منطقة  فوضى جيولوجية (بيكسابي)
وفقا للعلماء، فإن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط هي منطقة  فوضى جيولوجية (بيكسابي)

إعادة بناء التاريخ الجيولوجي
قضى فان هينسبيرغن وزملاؤه عقدا من الزمن في تجميع البيانات الجيولوجية من بلدان في جميع أنحاء أوروبا وشمال أفريقيا وغرب آسيا لاستكشاف ما كانت عليه أدريا الكبرى في الماضي.

ووفقا للعلماء، فإن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط هي منطقة "فوضى جيولوجية"، وذلك لأن كل ما تبقى من الأجزاء نتيجة الاصطدام تحطمت ورميت.

وبعد مضي نحو 130-150 مليون سنة اصطدمت بقارة أوروبا، مما نتج عنه انقسام "أدريا الكبرى" واختفت تحت أوروبا، ولم يبق منها سوى بعض الأجزاء التي يمكن مشاهدتها في المنطقة بين إسبانيا وإيران.

كما قام فان هينسبرغن وفريقه بجمع وتحليل الصخور من أدريا الكبرى، حيث فحص الباحثون اتجاه المعادن المغناطيسية الصغيرة المحاصرة داخل الصخور، ويمكن أن تساعد المغناطيسات التي تحدث بشكل طبيعي في القشرة الأرضية العلماء على تتبع حركات الصفائح التكتونية التي يبلغ عمرها 240 مليون سنة، حيث تحافظ الصخور على تلك المحاذاة، ويمكن للعلماء استخدام توجهها الجغرافي لحساب أين كانت تلك المغناطيسات على هذا الكوكب منذ مئات ملايين السنين.

ودرس الباحثون الصخور المغناطيسية من 2300 موقع أثري قديم في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، ثم استخدموا تلك البيانات لإنشاء خرائط مفصلة للقارة القديمة، ولتأسيس محاكاة حاسوبية لتحركات الصفائح التكتونية للأرض قبل وأثناء وبعد هبوط أدريا الكبرى إلى وشاح الأرض.

ووجد الباحثون أن القارة الخفية انفصلت عما يعرف الآن بأفريقيا قبل 220 مليون سنة مضت، ثم انفصلت أكثر عما أصبح لاحقا شبه الجزيرة الإيبيرية بعد أربعين مليون سنة.

وقال فان هينسبيرغن لمجلة "لايف ساينس" "قبل نحو 140 مليون سنة مضت كانت أدريا الكبرى على الأرجح سلسلة من الأرخبيلات (الجزر)".

في ذلك الوقت ربما كانت أدريا تبدو مثل زيلانديا في العصر الحديث، وتسمى أيضا زيلانديا الجديدة، وهي قارة صغيرة مغمورة في المحيط الهادئ بعد انفصالها عن القارة القطبية الجنوبية قبل 130 مليون سنة، والتي تدعم جزر نيوزيلندا الشمالية والجنوبية.

7% من مساحتها التي تصل إلى نحو 3.5 ملايين كيلومتر مربع فوق مستوى سطح البحر، ولهذا فهي تتفوق في المساحة على جرينلاند والهند، وتعد أكبر قارة حاليا في المحيط الهادئ.

وقبل ما بين 120 و100 مليون سنة مضت، دفع تصارع الصفائح التكتونية للأرض أدريا الكبرى إلى أسفل في اتجاه وشاح الأرض، تحت ما يعرف الآن بجنوب أوروبا. وقال فان هينسبيرغن إن "أعمق الأجزاء تقع الآن على عمق 1500 كيلومتر تحت اليونان".

واكتشف القائمون على الدراسة أيضا أن بعض شظايا من أدريا الكبرى لم تنزرع تحت أوروبا، وبدل ذلك ظلت فوق مستوى سطح البحر، وأصبحت في نهاية المطاف أجزاء من إيطاليا، مثل تورينو والبندقية، ومنطقة إستريا في كرواتيا.

المصدر : مواقع إلكترونية