القوة الخامسة للطبيعة.. الاكتشاف الذي يحل لغز المادة المظلمة
ليلى علي
تشير ورقة بحثية جديدة منشورة على آركايف ARXIV في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى توصل العلماء في معهد أتومكي للبحوث النووية في المجر إلى وجود أدلة إضافية تدعم وجود جسيم 17 إكس الغامض، الذي يدل على وجود قوة أساسية خامسة للطبيعة لم تكن معروفة من قبل.
من المعروف أن هناك أربع "قوى أساسية" تحكم الطبيعة، وتشمل قوة الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية القوية، والقوة النووية الضعيفة. وهي القوى المسؤولة عن تجميع وتفكيك كل شيء في الكون، وتحريك أكبر الأجسام في الكون إلى التأثير على المكونات متناهية الصغر داخل نواة الذرة، هذه القوى هي التي تجعل عالمنا يبدو على ما هو عليه.
تفسير المادة المظلمة
وفي حال تأكيد الاكتشاف، فإن معرفة المزيد عن 17 إكس لن يجعلنا نفهم القوى التي تحكم عالمنا بشكل أفضل فقط، بل سيمهد الطريق لنظرية القوة الخامسة الموحدة، تلك التي تجمع القوى النووية الكهرومغناطيسية القوية والضعيفة كـ "مظاهر لقوة أعظم وأكثر جوهرية"، على حد تعبير الفيزيائي النظري جوناثان فنغ في عام 2016.
كما سيساعد هذا الاكتشاف العلماء على حل لغز المادة المظلمة، حيث يعتقد الباحثون بالدراسة الجديدة أن 17 إكس هو الجسيم الذي يربط عالمنا المرئي بالمادة المظلمة.
والمادة المظلمة هي مادة نظرية يفترض أنها تمثل حوالي 85% من إجمالي الكتلة في الكون، ولكن لم يتعرف عليها بعد، حيث إنها لا تتفاعل مع الضوء بأي شكل من الأشكال، وهذا ما أدى في السابق إلى كثير من الادعاءات بوجود قوة أساسية خامسة لتفسيرها وهو ما لم يكن صحيحا.
أما الآن، فأصبح وجود قوة خامسة أمرا شبه مؤكدا بعد رصد نشاطات مرتبطة بقوة فيزيائية خامسة، ناشئة من انحسار نظير الهيليوم، ووفق الفريق البحثي فإن نواة الهيليوم يمكن أن تنتج "بوزونا" قصير العمر، يشيرون إليه باسم جسيم 17 إكس، وهو بوزون جديد كليا، ترجع تسميته إلى احتساب كتلته عند 17 ميغا إلكترون فولت.
ليست المرة الأولى
هذه ليست المرة الأولى التي يزعم فيها الفريق البحثي أنهم اكتشفوا الجسيم 17 إكس، فقبل ثلاث سنوات، شاهدوا ذلك في انحسار نظير البريليوم، حيث رصد الفريق نفسه مثالا على القوة الغامضة ذاتها، والجسيمات التي يعتقد أنها تحملها.
وكان أتيلا كراسناهوركاي وزملاؤه من معهد البحوث النووية في المجر، قد اشتبهوا بحدوث شيء غريب عام 2016، بعد تحليل الطريقة التي يبعث بها البريليوم -8 الضوء أثناء انحساره. وكان فريق العلماء يبحث بالأساس عن "فوتونات داكنة"، وهي جسيمات افتراضية يعتقد أنها "تحمل" المادة المظلمة.
لإلقاء نظرة على هذه القوى الغريبة، استخدم الفريق مسرع الجسيمات لإطلاق الجسيمات من خلال أنبوب فراغ بسرعات عالية. كان الهدف هو مراقبة الطريقة التي تتحلل بها النظائر بعد اندفاعها إلى حالات الطاقة العالية، حيث يمكن أن تشير الحالات الشاذة في سلوك الجسيمات إلى وجود قوى غير معروفة.
لذلك، راقب الفريق عن كثب تحلل البريليوم -8 المشع، وهو نظير غير مستقر. عندما تتحلل جزيئات البريليوم -8، لاحظ الفريق انبعاثات ضوئية غير متوقعة، تميل الإلكترونات والبوزيترونات من النظير غير المستقر إلى الابتعاد عن بعضها البعض عند 140 درجة تماما. وهذا ما لا ينبغي أن يحدث، وفقا لقانون الحفاظ على الطاقة. وقد أشارت النتائج إلى أن جزيئا غير معروف أنشئ أثناء مرحلة الاضمحلال.
جسيم جديد غير معروف
يعتقد أن اللحظة التي تتحلل فيها الذرة فإن الطاقة الزائدة بين أجزائها المتكونة لفترة وجيزة تخلق جسيما جديدا غير معروف، يتحلل فورا تقريبا إلى بوزيترون وزوج إلكترون يمكن التعرف عليهما.
وقد أشارت التحليلات اللاحقة إلى أن هذا الجسيم كان نوعا جديدا من البوزون، يمكن أن يساعد وجوده في تفسير المادة المظلمة والظواهر الأخرى في الكون.
حيث اقترح فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا، إيرفين، أن الجسيمات المجهولة لم تكن فوتونا مظلما، بل هي بوزون، وعلى وجه التحديد بوزون "إكس بروتوفوبيك" boson X-protophobic، مما يدل على وجود قوة أساسية خامسة.
والبوزونات هي جزيئات في ميكانيكا الكم تحمل الطاقة، وتعمل بوصفها "الغراء" الذي يجمع المادة معا ويتحكم في التفاعلات بين القوى الفيزيائية.
اكتشاف يغير فهمنا للكون
لا يمكن أن يكون هذا الـ"بوزون" الجديد أحد الجسيمات التي تحمل القوى الأربع المعروفة (في النموذج القياسي للفيزياء، كل من القوى الأساسية الأربع لديها بوزون خاص بها)، وذلك بفضل كتلته المميزة التي تقارب 33 ضعف كتلة الإلكترون. لذا، فإن كل الدلائل تشير إلى أن الـ"بوزون" هو حامل لقوة جديدة خامسة.
ويتميز البوزون الجديد بميزة مثيرة للاهتمام، هي التفاعل فقط مع الإلكترونات والنيوترونات على مسافات قصيرة، في حين تعمل القوى الكهرومغناطيسية على البروتونات والإلكترونات".
إن اكتشاف قوة خامسة للطبيعة ستغير تماما فهمنا للكون، وفي حال تأكد الاكتشاف الجديد، يأمل علماء الفيزياء تدشين ما يعرف باسم "نظرية الحقل الموحد"، التي من شأنها تفسير جميع القوى الكونية تفسيرا متماسكا، بدءا من تكوين المجرات وصولا إلى الطبيعة الغريبة للكواركات.