حلم الحصول على طاقة الاندماج يشق طريقه إلى الواقع
إثر عقود من التقدم البطيء المخيب للآمال، هل أصبح السباق من أجل توليد الطاقة عن طريق الاندماج متكاملا؟ لا بد أن يقفز لأذهاننا هذا التساؤل حينما نرى الحكومات ومؤسسات البحث العلمي الخاصة والحكومية تنفق مليارات الدولارات على هذه التكنولوجيا التي من المحتمل أن تغير العالم.
استهلاك أكثر من الإنتاج
في تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، كتب دينيس وايت أستاذ الهندسة مدير مركز علوم البلازما والاندماج رئيس قسم العلوم والهندسة النووية في معهد ماساتشوستس عن مدى تحول حلم توليد الطاقة بالاندماج إلى واقع قد يساهم في إنقاذ الكوكب.
وأوضح الكاتب أن عملية الاندماج تحدث في النجوم على غرار شمسنا عند انصهار ذرات الهيدروجين لتنتج الهيليوم مع كميات مذهلة من الطاقة، ومن هذا المنطلق شغلت آفاق الوصول إلى الاندماج الباحثين باعتبار أنها قد توفر مصدرا آمنا للطاقة النظيفة غير المحدودة.
وأشار إلى أن الحاجة الماسة إلى توفير الطاقة ساعدت على إدراك قيمة تحقيق حلم الاندماج الذي قد يشكل تقدما هائلا في المعركة ضد تغير المناخ، ومع ذلك واجه هذا الحلم العديد من التحديات التقنية، لعل أهمها إنشاء نجم صناعي صغير.
وقد حقق العلماء الاندماج بطرق مختلفة لكنهم استهلكوا من الطاقة خلال هذه التجارب أكثر مما أنتجوا.
برنامج تجريبي
خلال السنوات الأخيرة بدأت العقبات بالانهيار بفضل استخدام الحواسيب العملاقة لتصميم وتعزيز نماذج أنظمة الاندماج، إلى جانب استخدام جيل جديد من الموصلات الفائقة التي تزيد قوة الحقول المغناطيسية للنجم الصناعي وتقلل بشكل كبير حجم الأجهزة المطلوبة للوصول إلى الاندماج.
وتحدث الكاتب عن إسراع العديد من الحكومات والمؤسسات العلمية إلى التفوق في مجال الاندماج نظرا للوعي بانتقاله الوشيك من المرحلة النظرية إلى مرحلة التطبيق العملية.
وقد مثل إعلان وزارة الطاقة عن السماح ببرنامج تجريبي لتشجيع القطاع الصناعي الخاص على استخدام موارد المختبرات الوطنية الأميركية بهدف التسويق لطاقة الاندماج آخر التطورات في هذا السباق.
مشروع دولي
ويبدو أن المشهد الدولي في هذا المجال يستكمل أركانه، حيث استثمرت الصين ما يقارب المليار دولار في برنامج طاقة الاندماج، في حين تعهدت المملكة المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي برصد مبلغ 246 مليون دولار لتطوير محطة لتوليد الطاقة عن طريق الاندماج قابلة للتطبيق تجاريا بحلول 2040.
لكن أكبر الجهود العالمية لتحقيق الاندماج تضمنت تعاونا بين الصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، حيث ساهمت هذه الدول بعشرات المليارات من الدولارات في تجربة اندماج عملاقة في الجنوب الفرنسي تحت مسمى "المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي" لإنتاج الطاقة الصافية.
وذكر الكاتب أن أشغال البناء كانت قد بدأت عام 2010 على موقع مساحته 103 فدانات لكن حدث بعض التأخير، ومن المتوقع أن يكون المفاعل جاهزا بحلول 2025 لإنتاج أول طاقة بلازما صافية.
اهتمام المستثمرين
وأوضح الكاتب أن التطورات التكنولوجية في السنوات الأخيرة حفزت اهتمام المستثمرين -خاصة في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا- بشأن احتمالات الاستثمار التجاري للاندماج، وهو أسرع وأكثر اقتصادا.
ويرى الكاتب أن لدى الولايات المتحدة فرصة لقيادة العالم في مجال الاندماج عن طريق الاستفادة من برامج الأبحاث القوية في المؤسسات الأكاديمية والمختبرات الوطنية التي ترعاها الحكومة، إضافة إلى جمعية فيوجن للصناعة التي لديها أكثر من 12 شركة تعمل على مناهج مختلفة لطاقة الاندماج.
وفي هذا السياق، قام مجتمع الاندماج الأميركي بمبادرة لتحسين التنسيق بين الحكومة والأوساط الأكاديمية والصناعات الخاصة للعمل على أهداف مشتركة في مجال طاقة الاندماج، وتركز هذه المبادرة الجديدة على تطوير أول خطة إستراتيجية شاملة للبلاد لطاقة الاندماج منذ عقود.
وبين الكاتب أن هذه الشراكات بين القطاعين العام والخاص ستكون ضرورية لتحقيق تقدم أسرع في هذا المجال.