أشعة سينية فائقة القصر لفهم العمليات البيولوجية المعقدة

محمد شعبان
على الرغم من مقدرة العلماء على فهم الآلية الأساسية لعملية التمثيل الضوئي، فإن الكثير من تفاصيلها الهامة لا تزال غامضة. إذ إنها تحدث في فترة زمنية قصيرة للغاية بما يجعلها عصية على البحث والتدقيق. ويستدعي هذا تطوير التقنيات الحالية لتوفير أبعاد إضافية تمكننا من الفهم الأمثل لتفاصيلها.
لذا، ففي دراسة جديدة نشرتها دورية "نيتشر كوميونكيشنز" بالرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، قام فريقا بيترا فروم ونادية زاشبين -من مركز التخليق الحيوي بكلية العلوم الجزيئية وقسم الفيزياء في جامعة ولاية أريزونا- باستخدام نبضات الأشعة السينية فائقة القصر والموجودة بمركز "أوكسڤيل" في هامبورغ بألمانيا لدراسة بنية النظام الضوئي الأول (PSI) أحد نظامي عملية التمثيل الضوئي.
التصوير البللوري التسلسلي
باستخدام مسارع الإلكترونات الجديد في أوكسڤيل، أنتج الباحثون نبضات من الأشعة السينية أسرع تسعة آلاف مرة من نظيراتها في المسارعات الأخرى. مما مكن الباحثين من تصوير أفلام جزيئية للعمليات البيولوجية سريعة الحدوث.
ولذلك ترى زاشبين -فيما نقله موقع "فيز أورغ"- أن مسارع أوكسڤيل "يعد مرحلة هامة لتطوير علم التصوير البللوري التسلسلي في أزمنة دقيقة جدا تقدر بالفيمتو ثانية. والذي كان نتاج جهد دؤوب لعلماء من مختلف التخصصات على مدار سنوات عدة".

ويضيف كريستوفر جيسرل -الباحث الأول المشارك بهذه الدراسة- أن هذه التقنية الثورية "أتاحت لنا الحصول على بيانات تسلسلية في أزمنة صغيرة جدا مما يجعلها هامة جدا للمهتمين بدراسة علاقة شكل الإنزيمات بوظيفتها. الأمر الذي تأكد لنا من خلال نجاحنا في الحصول على بنية واحد من أكثر البروتينات تعقيدا".
ويضيف جيسي كو الباحث الأول المشارك بأنه "من المثير أن نرى ثمار هذا العمل الجاد" الذي يعد "خطوة كبيرة على المسار الصحيح لفهم عملية نقل الإلكترون والتي عززتها الطبيعة على مدار مليارات السنين".
تطبيقات ثورية
تستطيع عملية التمثيل الضوئي -من خلال نظامها الضوئي الأول- تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية، والتي تعد من مآثر الطبيعة.
وقد قام العلماء باستخدام نبضات الأشعة السينية فائقة القصر لدراسة النظام الضوئي الأول، والذي يتألف من 36 نوعا من البروتينات و381 من العوامل المساعدة والتي تشمل 288 صبغا من أصباغ الكلوروفيل الخضراء التي تمتص الضوء.
واستخلصت هذه البروتينات من البكتيريا الزرقاء، ثم فصلت بعناية لكي تحتفظ بشكلها النشط في حالتها الطبيعية، ومن ثم تم تحويلها إلى حالة بللورية.
ووضعت هذه البروتينات بعد ذلك في نفس اتجاه مسار الأشعة السينية المنتَجة من تسارع الإلكترونات لسرعة قريبة من سرعة الضوء. وقد أدى ذلك إلى تشتت الأشعة السينية أثناء مرورها بذرات البروتين المختلفة منتجة أنماطا من الحيود (الانحراف) مما مكن العلماء من تحديد الشكل التركيبي للبروتين بدقة بالغة وصلت إلى 2.9 إنجستروم.
كما أتاح للعلماء التقاط صور للبنية الذرية للبروتين في شكل مقارب لشكله في حالته الطبيعية، ولأن نبضات الأشعة السينية المنتجة من مسارع أوكسڤيل ذات عمر قصير جدا فإنها تلتقط صورا سريعة جدا للبروتين قبل أن يحدث أي خلل في شكله التركيبي.
تقول فروم عن أهمية هذا الاكتشاف "هذا العمل مهم جدا، إذ يمكننا من كشف الشكل التركيبي لأحد أكبر وأعقد البروتينات الغشائية في عملية التمثيل الضوئي، وهو يمهد الطريق لتصوير الحركة الجزيئية لمسار الإلكترون الناتج عن امتصاص الضوء أثناء عملية التمثيل الضوئي. كما قد يساعد على فهم كيفية مهاجمة عقاقير السرطان للبروتينات العطبة".
ولذلك فإن كشف أسرار عملية التمثيل الضوئي قد يمكننا من تحسين الزراعة والمساعدة في تطوير جيل جديد من أنظمة تخزين الطاقة الشمسية.
آفاق مستقبلية
البروتينات الموجودة بأغشية الخلايا -مثل بروتينات النظام الضوئي الأول- تعد ضرورية لجميع العمليات الحيوية مثل التنفس ووظائف الأعصاب وعمليات الامتصاص. ولذلك تستهدفها عقاقير شركات الأدوية بنسبة تصل إلى أكثر من 60% من استهدافها للبروتينات الخلوية الأخرى.
ورغم أهميتها، فإننا نعرف أقل من 1% عن البنى التركيبية لها وذلك لصعوبة فصلها وتكوين بللوراتها اللازمة لدراستها. ولهذا فإن التقدم الكبير في تصوير تلك البللورات باستخدام آلية التبللر المتسلسل في زمن الفيمتو ثانية قد يمكننا من دراسة العديد من هذه البروتينات الغشائية في المستقبل.