فريق مغربي يشارك باكتشاف غاز مذنب قادم من الفضاء الخارجي

تسيطر على الباحث رهبة كبيرة ممزوجة بدهشة واضحة، وهو يعلم علم اليقين أنه بصدد المشاركة في اكتشاف غير مسبوق، يلقي الضوء على معلومات جديدة لتكون المجموعة الشمسية.
يقول يوسف -طالب رابعة دكتوراه بكلية العلوم السملالية بمراكش- للجزيرة نت "في مراقبة السماء متعة لا توصف، لكن ما عشته تلك الليلة كان لحظة جميلة ومبهرة دون شك".
مذنب من خارج المجموعة الشمسية
ينتمي الباحث الشاب يوسف (27 عاما) إلى مرصد أوكايمدن للفلك الموجود بأعالي جبال الأطلس الكبير والتابع لجامعة القاضي عياض بمراكش، وهو ضمن فريق علمي مشترك بين المغرب وبلجيكا، كان له السبق التاريخي في اكتشاف جزيئات من الغاز في مذنب قادم من نظام نجمي خارج نظامنا الشمسي.

ويشرح الأكاديمي والأستاذ الباحث رئيس المرصد الفلكي أوكايمدن زهير بنخلدون للجزيرة نت أن المذنب الذي تمت تسميته بوريسوف إ2 (نسبة إلى اسم الفلكي الأوكراني الهاوي الذي اكتشفه في 30 أغسطس/آب المنصرم) هو الكائن الثاني المعروف حتى الآن، الذي تم تصنيفه من الأجسام القادمة من خارج المجموعة الشمسية.
ويضيف "ما يميز الاكتشاف الجديد هو أنه لأول مرة تم رصد غاز "سيانوجين"، مبرزا أن تلسكوبا عالي الجودة يسمى ترابيست شمال -مشترك بين جامعة القاضي عياض وجامعة لييج في بلجيكا- تمكن من رصد هذا الجسم مما جعل من الممكن توفير بيانات مهمة لقياس كمية غبار المذنب المنبعث منه.
تحليل معطيات الرصد
يستطيع يوسف كما جميع أفراد الفريق الاتصال عن بعد بالمعدات العلمية للمرصد بواسطة الحواسيب، ومتابعة أعمالهم البحثية من أي مكان.
يرتاح يوسف قليلا بعد عمل مضن، ليعود من جديد لمراقبة أطياف هذا المذنب الذي ظهر لمدة كافية في السماء وغاز السيانوجين الضروري لبدء الحياة في أي كوكب، على خلاف الكويكب الأول الذي اختفى بسرعة.
يضع يوسف فرضياته العلمية قبل أن يعمل على تدقيقها واحدة تلو الأخرى، مواصلا النقاشات العلمية مع فريق عمله، حسابات الباحثين الفلكية في المختبر لم تذهب بعيدا عن حدسه، إلى أن قدم نتائجه لأساتذته، ويعلن عن اكتشاف جديد.
ويوضح عضو مختبر فيزياء الطاقة العليا والفيزياء الفلكية الباحث بنخلدون أنها المرة الأولى التي يتمكن فيها علماء الفلك من اكتشاف هذا النوع من المواد في كائن قادم من خارج المجموعة الشمسية، مبرزا أن هذه النتيجة كانت بفضل استعمال تقنية فريدة لتصفية وعزل الضوء.
وعن أهميتها العلمية، يضيف الأكاديمي بنخلدون أن هذا الاكتشاف يمثل خطوة مهمة للأمام بالنسبة للعلم، حيث سيسمح الآن للعلماء بالبدء في فك رموز العناصر التي تصنعها هذه الأجسام بالضبط وكيف يمكن أن يقارن نظامنا الشمسي مع المنظومات الأخرى الموجودة في مجرتنا.
مرصد أوكايمدن
يشارك يوسف إلى جانب آخرين في البحث العلمي بمرصد أوكايمدن الذي كان له الفضل في اكتشافات مهمة في السنوات العشر الأخيرة منها رصد كويكب مزدوج، وسبع كواكب جديدة تدور حول نجم ترابيست1، سنة 2017.
فيما يحكي الباحث بنخلدون الحاصل على أول دكتوراه دولة في الفيزياء الفلكية وهو يستعرض صورة قديمة للمرصد تعود إلى بداياته سنة 1987، أن اكتشافات اليوم هي ثمرة عمل المرصد على مدى سنوات متواصلة .
ويضيف أن المرصد ومنذ تأسيسه كان واحدا من ستة مراصد في العالم تقوم بمراقبة الشمس بصفة مستمرة، وتم تجديد بنائه وتزويده بمعدات جديدة سنة 2007، ليصبح فريدا من نوعه على الصعيد الإقليمي.
ويشير الباحث إلى أن موقع المرصد الإستراتيجي في شمال الكرة الأرضية، ووجوده في منطقة جبلية صافية وعمله الجيد، جعلته محط اهتمام دول متعددة لعقد شراكات علمية مع أميركا وفرنسا وبلجيكا وسويسرا وأيضا مع كوريا الجنوبية.
ويبرز أنه بالرغم من أن ضعف الميزانية المخصصة للبحث العلمي في ميدان الفلك الذي ليس أولوية في المغرب، فإن الجهود الكبيرة للأساتذة الباحثين وحبهم لعملهم جعل المرصد محجا لكثير من الطلبة الباحثين، حيث يعتبر عددهم الأكبر بالجامعات المغربية كلها.
بحوث متواصلة
شارك يوسف مولان في تأليف ورقة تصف هذا الاكتشاف، وتم تقديمها إلى المجلة العلمية المختصة "رسائل مجلة الفيزياء الفلكية"، والإصدار الأولي متاح على خادم أرخايف (أرشيف)، وهو أرشيف لمسودات أوراق علمية إلكترونية.
ويقول الأستاذ بنخلدون إن الطالب يوسف قام بعمل رائع لتحليله بيانات مهمة لقياس كمية الغبار المنبعث من المذنب، وهو يتنبأ له إلى جانب الطالب الباحث خالد البركاوي بمستقبل زاهر.
اكتشاف اليوم ليس نهاية عمل الفريق، يؤكد الأستاذ بنخلدون، لأن معاودة مراقبة المذنب مستمرة، وسيتم رصد إن كان يحتوي على مكونات أخرى خاصة ثنائي الكربون ك2.
وفيما لا تزال صور المذنب تتلألأ في ذهن يوسف وهو يفتح حاسوبه من جديد، من أجل مواصلة عمله البحثي، يترقب الجميع -كما يقول أستاذه- إلى أين سيذهب به شغفه العلمي وبحوثه في مجال الفلك!