تغير المناخ والنزاعات السياسية وراء صدمات العالم الغذائية
محمد الحداد
وقد حدد بحث جديد نشر الاثنين الماضي في مجلة "نيتشر ساستينابيليتي"، 226 صدمة غذائية تعرضت لها 134 دولة خلال 53 عاما.
وأشارت نتائج الدراسة التي أجراها فريق من الباحثين من جامعات أسترالية وأميركية، إلى تزايد وتيرة حدوث الصدمات الغذائية في جميع القطاعات الغذائية على نطاق عالمي.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة ريتشارد كوتريل من جامعة تسمانيا بأستراليا في تصريح للجزيرة نت، إن الدراسة تركز على الصدمات الغذائية التي تعتبر خسائر مفاجئة في المحاصيل أو المواشي أو الأسماك بسبب الظروف المناخية القاسية والأحداث الجيوسياسية مثل الحروب والاضطرابات السياسية.
وأضاف "أردنا أن نعرف هل هناك اختلاف في تواتر وأسباب الصدمات في إنتاج الأغذية البرية في المحاصيل والثروة الحيوانية، مقارنة بأنظمة الأغذية المائية مثل الأسماك البرية التي يتم صيدها واستزراعها؟ وهل توجد أية روابط بين الأمرين؟".
حلل الباحثون بيانات 53 عاما في الفترة بين عامي 1961 و2013 بشأن المحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية لتحديد أين ومتى حدثت الصدمات الغذائية.
وبمجرد التعرف على السلع التي تأثرت -مثل القمح- ومعرفتها، شرع الباحثون في التنقيب في الدراسات والمنشورات العلمية، أو تقارير الأخبار والمنظمات غير الحكومية لمعرفة ما حدث لسلعة معينة في وقت معين في بلد معين.
تطرف المناخ
وخلصت الدراسة إلى أن الظروف المناخية المتطرفة والأزمات الجيوسياسية كانت المحرك الرئيسي للصدمات الغذائية، ولكن آثار هذه الأسباب تفاوتت بين القطاعات الإنتاجية المختلفة.
فكانت معظم الصدمات التي أثرت على إنتاج المحاصيل ناتجة عن الظروف المناخية القاسية، مما عزز المخاوف بشأن مدى حساسية النظم الصالحة للزراعة للتقلبات المناخية في جميع أنحاء العالم.
وطبقا لنتائج الدراسة فإن الطقس القاسي هو المحرك الرئيسي للصدمات التي أثرت على الماشية بنسبة 23%، خاصة في المناطق التي تعرضت لنقص في غذاء هذه الماشية.
فمثلا، أدى الجفاف الشديد الذي أصاب منغوليا في الصيف بين عامي 2001 و2010 إلى انحسار المراعي وعدم توافر الأعلاف، مما تسبب في تذبذب حالة الماشية وأدى إلى حدوث وفيات جماعية خلال فترات الشتاء القاسية المناخ. كما ساهمت أمراض القدم والفم في 10% من صدمات المواشي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأزمات الجيوسياسية مثل اللامركزية الاقتصادية في أوروبا أو الصراع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تمثل أكبر نسبة من 41% من صدمات الثروة الحيوانية، وفقا للتحليل.
وأوضح كوتريل للجزيرة نت أنه وفريقه البحثي توصلوا إلى أنه بالنسبة للزراعة (المحاصيل والثروة الحيوانية على حد سواء) فإن الطقس القاسي -مثل الفيضانات والجفاف والعواصف- والأحداث الجيوسياسية -مثل النزاعات أو تفكك الدولة- هي المسببات الأكثر شيوعا للصدمات الغذائية. أما بالنسبة لإنتاج الأسماك، فإن عمليات الصيد الجائر للأسماك والأمراض التي ضربت المزارع كانت أهم مسببات الصدمة الغذائية.
الصدمات الغذائية ترتبط ببعضها
وأشار المؤلف الرئيسي إلى أن الفريق البحثي استنتج أن الصدمات الغذائية على اليابسة مرتبطة بالصدمات التي تحدث في البحر، والعكس بالعكس.
فمثلا، في الإكوادور ألحقت الفيضانات المرتبطة بظاهرة "إل نينو" عام 1998 أضرارا بالزراعة على نطاق واسع، كما عانت صناعة استزراع الجمبري في البلد من خسائر فادحة بين عامي 1998 و2000 بسبب تفشي مرض "البقع البيضاء".
ومع أنه لا يبدو أن هناك علاقة مباشرة بينهما، فإن الأحوال الجوية العاصفة على الأرض وبداية متلازمة "البقع البيضاء" يرتبطان بالارتفاع غير الطبيعي في درجة حرارة المياه، وهي ظاهرة شائعة خلال أحداث "إل نينو" في شرق المحيط الهادي.
وفي المقابل، عندما دمرت مزارع الموز بالدومينيكان في البحر الكاريبي بسبب إعصار "دافيد" عام 1979، شحت الأسماك لعدة سنوات، واضطر الناس إلى البحث عن مصادر دخل بديلة. وقد اكتشف الباحثون الصدمة الغذائية بعد بضع سنوات فقط في بيانات مصائد الأسماك، عندما تم الإبلاغ عن الصيد الجائر في المياه القريبة من الشواطئ.
وأوضح الباحث الرئيسي أنه يمكن للتهديدات المتزامنة لإنتاج الأغذية عبر قطاعات إنتاجية متعددة، أن تشكل تهديدا حقيقيا للأمن الغذائي. فملايين الناس حول العالم يعتمدون على الزراعة ومصائد الأسماك في آن واحد كإستراتيجية تكيف للتعامل مع التقلبات الموسمية في الموارد.
ووفق كوتريل فإن فهم هذه الروابط بين العوامل المناخية والجيوسياسية سيزداد أهمية، خاصة مع السعي الحثيث للدول لتحقيق أهداف الاستدامة العالمية، ولكن المناخ الذي ننتج فيه الغذاء يصبح أكثر تقلبا.
وتحديد الروابط المباشرة وغير المباشرة بين اليابسة والبحر وفهم التهديدات الرئيسية للإنتاج عبر كل قطاع غذائي، سيكون المفتاح للحفاظ على إنتاج غذاء مستقر وآمن في المستقبل مع نمو عدد السكان.