تقلبات سوق تأجير السيارات تفسر حالة الاقتصاد في 2021

تلقبات سوق تأجير السيارات تفسر حالة الاقتصاد في ٢٠٢١
مكاتب لشركات تأجير السيارات في مطار أميركي (رويترز)

هناك القليل من الأسواق التي يمكنها أن تمثل الطبيعة المنقلبة رأسًا على عقب للاقتصاد الأميركي خلال جائحة كورونا أكثر من أعمال شركات تأجير السيارات.

فهذه الصناعة تظهر كيف أن القرارات الاقتصادية التي اتُخذت عام 2020 تظل لها عواقب جادة في عام 2021. وفي حين شهدت معظم القطاعات الأخرى تقلبات أقل حدة، فإن التفاعلات الأساسية هي نفسها؛ إذ تفسر تلك التفاعلات أسباب ارتفاع التضخم ونقص المنتجات في وقت سابق من العام، ولماذا بدأت التراجع ولكنها لم تقترب بعد من معدلات ما قبل الجائحة.

ففي ربيع وصيف عام 2020، كان هذا القطاع في حالة انهيار، إذ توقف الناس عن السفر، ومع وفرة السيارات حيث يتواجد معروض من السيارات القابلة للتأجير أكثر بكثير من الطلب انخفضت الأسعار، وباعت شركات تأجير السيارات مئات الآلاف من العربات، وأفلست شركة "هيرتز" (Hertz).

حتى كان سعر استئجار سيارة أو شاحنة أقل بنسبة 23% في مايو/أيار 2020 عما كان عليه قبل بدء الجائحة.

وإذا انتقلنا إلى العام التالي سريعًا، بعد توزيع ملايين اللقاحات، وأصبح الأميركيون مستعدين للسفر مرة أخرى؛ نجد أن قطاع تأجير السيارات ظل عالقًا مع أساطيله المتضائلة، وواجه صعوبات في تجديد هذه الأساطيل بسرعة، لأن صانعي السيارات كانوا يواجهون قيود العرض الخاصة بهم بسبب تراجع الإنتاج في عام 2020.

"قد يتبين لاحقا أن بعض التغيير الذي حدث ستكون له آثار طويلة الأمد بشكل مدهش"

فعلى سبيل المثال، في الربع الثاني من العام الجاري، كان الأسطول المشترك لشركتي "هيرتز" و"آفيس" (Avis) -وهما شركتا تأجير السيارات الرئيسيتان اللتان تقدمان بياناتهما بشكل علني- كان أصغر بمعدل 312 ألف سيارة عما كان عليه في الربع الثاني من عام 2019، وبانخفاض قدره 30%. (يذكر أن أسطول شركة "إنتربرايز هولدنغز" (Enterprise Holdings) أكبر من كل منهما، لكنها شركة خاصة).

وقال نيل أبرامز، رئيس مجموعة "أبرامز الاستشارية" (Abrams Consulting Group) والمدير التنفيذي السابق لشركة "هيرتز" إنه "في ربيع عام 2020 لم يكن أحد يعرف حقًا ما يجب توقعه"، وأضاف أنه "خلال 45 عامًا من العمل في هذا القطاع لم ير أحد شيئا مثل هذا، لقد رأيت دورات، وحالات ركود، وقمما ووديان، لكن لم أر شيئًا كهذا. الرجال الذين اضطروا إلى اتخاذ القرارات الإستراتيجية الكبرى لم تكن لديهم أي سابقة مشابهة".

ولكن في النهاية "عاد الطلب أسرع بكثير مما توقعه أي شخص، خاصة في ما يتعلق بالجانب الترفيهي"، حسب قوله.

ومع ارتفاع الطلب، واستمرار انخفاض المعروض من السيارات، قامت شركات تأجير السيارات برفع الأسعار؛ ففي وقت الذروة الذي كان يوم 19 يونيو/حزيران الماضي، كان متوسط سعر تأجير السيارات (من دون إضافة الضرائب والرسوم) 123 دولارًا في اليوم الواحد، ووفقًا لتطبيق النقل "هوبر" (Hopper)، كان ذلك ارتفاعًا من سعر أقل من 50 دولارًا في بداية العام.

 نيل أبرامز: "خلال 45 عامًا من العمل في هذا القطاع، لم ير أحد شيئا مثل هذا. لقد رأيت دورات، وحالات ركود، وقمما ووديان، لكن لم أر شيئًا كهذا. الرجال الذين اضطروا إلى اتخاذ القرارات الإستراتيجية الكبرى لم تكن لديهم أي سابقة مشابهة"

لكن الأسعار العالية لها طريقة ظريفة لإصلاح نفسها، إلى حد ما على الأقل؛ فأولئك الذين يفكرون في الاستئجار سيبحثون في وسائل النقل المختلفة إذا أصبحت أسعار استئجار السيارات باهظة، وقد يقرر البعض تعديل مسار رحلاتهم باستخدام مزيج من وسائل النقل العام و"أوبر" (Uber) من أجل التنقل، وقد يتجه بعضهم نحو بدائل للسيارة مثل "تورو" (Turo) أو حتى" يو هاول" (U-Haul).

وسينطبق هذا الأمر أكثر ما يكون على أولئك المسافرين بهدف الترفيه ممن يميلون عادة ليكونوا أكثر حساسية تجاه الأسعار المرتفعة من المسافرين من أجل العمل.

وقال رئيس النقل البري في شركة "هوبر" آني مالكاني "إذا كان الناس لا يستطيعون تحمل التكلفة فسيتأقلمون"، وتابع "المال ليس موردًا غير نهائي، وعليك أن تتخذ قراراتك بناء على الأموال التي تمتلكها".

وقد تكون هذه الحسابات التي يقوم بها المستهلكون عند قضاء إجازاتهم صمام تنفيس ضغط ارتفاع الأسعار.

وفي الوقت نفسه، قد يكون وصول تحور "دلتا" من فيروس كورونا أحجم بعض الرحلات المخطط لها، خاصة السفر من أجل العمل، مما قلل الطلب. وكذلك نهاية موسم السفر الصيفي المزدحم، وإعادة البناء التدريجي لأساطيل سيارات الإيجار؛ كل ذلك أعاد السوق إلى شيء قريب من توازنه الطبيعي، رغم أنه قريب إلى حد ما فقط.

وقال مالكاني "نحن نهبط من ارتفاع 13 ألف قدم إلى 10 آلاف؛ فاستئجار السيارة في هذا الوقت لا يزال مكلفًا للغاية".

ويختلف الانخفاض في الأسعار بشكل كبير في أنحاء البلاد المختلفة؛ إذ شهدت المدن التي تستقبل الكثير من الرحلات الصيفية -مثل سان دييغو وميامي وتامبا بولاية فلوريدا- أكثر الانخفاضات وضوحًا. ففي آخر يونيو/حزيران الماضي، كان متوسط إيجار السيارة في تلك المدن يكلف أكثر من 100 دولار في اليوم الواحد، أما الآن فيمكن استئجارها مقابل أقل من 50 دولارًا، في حين شهدت مدن مثل نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو انخفاضًا في الأسعار بنحو الثلث.

كما تعد قصة أسعار تأجير السيارات -رغم أنها فريدة من نوعها- مثالًا حيًّا على التفاعلات التي تنطبق على العديد من السلع الأخرى.

فحالات نقص المنتجات عام 2021 كانت ناتجة إلى حد كبير عن مجموعة من قرارات التوريد التي تم اتخاذها منذ أكثر من عام، والتي لا يمكن التراجع عنها، في حين أن الطلب عاد إلى طبيعته بسرعة لم يتوقعها كثيرون.

إن الأسواق فعالة للغاية في القيام بعملها المتمثل في الوصول إلى التوازن؛ فعندما ترتفع أسعار تأجير السيارات كما حدث في يونيو/حزيران الماضي، فإنها تحد من الطلب، وسيكتشف الناس طريقة أخرى، ولكن لمجرد أن الأسعار معتدلة لا يعني أنه يتعين عليها العودة إلى مستويات ما قبل الوباء، وقد يتبين لاحقا أن بعض التغيير الذي حدث ستكون له آثار طويلة الأمد بشكل مدهش.

© مؤسسة نيويورك تايمز 2021

نقلتها للعربية صفحة ريادة الجزيرة

المصدر : نيويورك تايمز