الشركات المتوسطة في وادي السيليكون

الأعين كلها تتعلق بالشركات الكبرى مثل آبل، لكن وادي السيليكون مليء بالشركات المتوسطة التي تستحق الاهتمام (الفرنسية)

لا تترك أسطورة وادي السيليكون مجالًا للشركات التي لا تحقق نجاحات هائلة ولا إخفاقات هائلة، ولكن لفهم صناعة التكنولوجيا بصورة كاملة تمامًا، والتأكد من أن أهدافها لا تخرج عن مسارها، نحتاج إلى التحدث أكثر عن الشركات الموجودة في الوسط.

ربما يعرف البعض الأسطورة التي أشير إليها. هناك قصص نجاح لشركات جامحة بدأت من لا شيء تقريبًا، ونمت لتصبح آبل (Apple) أو فيسبوك (Facebook) أو أوبر (Uber)، ثم هناك قصص مرعبة عن الشركات الناشئة التي لمعت محترقة قبل أن تفشل بشكل مذهل، مثل الشكل الأول لشركة وي ورك (WeWork) الناشئة لتأجير المكاتب وشركة فحص الدم ثيرانوس (Theranos).

هذه الأقطاب المتناقضة هي الشركات الناشئة التي عنها يكتب الناس الكتب ويصنعون الأفلام. والصور التي نحتفظ بها في أذهاننا لشركات التكنولوجيا، هي عن المنبوذين منها وعمن لا يغتفر لهم.

لكن الحياة ليست إما نجاحًا أو فشلًا فحسب، إنها المنتصف الرخو من ذلك كله، وهذا ينطبق على معظم الشركات الناشئة أيضًا. وهناك مساحة وسطى واسعة في عالم شركات التكنولوجيا الناشئة التي يتم التغاضي عنها، وهي بالتأكيد شركات ليست رابحة ولكنها ليست خاسرة أيضًا.

أنا أتحدث عن شركات مثل دروب بوكس (Dropbox) وبوكس (Box) وكلاوديرا (Cloudera) التي كانت جذابة بما يكفي لتظهر على أغلفة المجلات التجارية، وصمدت، ولكنها نادرا ما تفعل شيئا يقلب العالم. إنها ليست حيتانًا وليست صغيرة أيضًا. دروب بوكس، وهي خدمة تخزين ملفات رقمية، تقدر بنفس قيمة شركة الملابس ليفي ستراوس (Levi Strauss).

إن شراء أسهمها لم يحول مجموعة من الناس إلى فاحشي الثراء. وقد وافقت كلاوديرا، التي تبيع برامج للشركات من أجل ضبط بياناتها، يوم الثلاثاء على بيع الشركة بسعر سهم أقل بكثير مما دفعه مستثمر كبير عندما كانت كلوديرا شركة ناشئة نسبيًا في عام 2014. أما دروب بوكس، وبوكس -وهي أيضًا شركة برمجيات تجارية- فتساوي تقريبًا أو تقل عما كانت عليه في الأيام التي تم طرحها للاكتتاب العام في 2018 (دروب بوكس) وفي 2015 (بوكس). وأثبتت تقنيات هذه الشركات أنها ليست ذات أهمية فائقة، أو تم استبدالها بشيء أفضل.

وهناك الكثير من الشركات الناشئة التي انطلقت خلال فترة الازدهار التكنولوجي التي أعقبت الأزمة المالية، وحصلت على إعجاب من التقنيين، والكثير من المال، وحصلت على اكتتاب عام أولي، ثم… ماذا أقول؟! بعضها على ما يرام، والبعض الآخر من الشركات تم بيعه أو اختفى في صمت.

(هناك ملحوظة استدراكية: كنت سأضع شركة سكوير (Square) في الشركات المتوسطة حتى العام الماضي أو نحو ذلك، وذلك حينما أثبتت تقنيتها -بما في ذلك واجهات المتاجر الرقمية للشركات الصغيرة- أهميتها الحيوية الفائقة خلال جائحة فيروس كورونا، بما في ذلك واجهات المتاجر الرقمية للشركات الصغيرة. وهذا يدل على أن الشركات يمكن أن تتحول بسرعة في بعض الأحيان من شركات متوسطة إلى كبرى أو من شركات متوسطة إلى ميتة).

وتكمن المشكلة في أن الأشخاص في مجال التكنولوجيا وما حوله، يسعدون بالحديث عن الشركات، قائلين "إن تلك ستكون هائلة"، ثم بالكاد يذكرونها عندما لا يصبحون نجوما.

إن تجاهل الشركات المتوسطة يجب أن يهمنا جميعا لسببين: أولاً، أنها ستكون فرصة ضائعة لفهم ما حدث بشكل صحيح وما حدث من خطأ.

ولقد قلت مازحة على تويتر إنه يجب أن تكون هناك "قائمة ميدس" (Midas List) -التي تستخدم لتصنيف الشركات- ولكن للشركات المتوسطة، في إشارة إلى تصنيفات فوربس السنوية لأكثر المستثمرين نجاحًا في الشركات الناشئة. ولما لا؟ فالأشخاص والشركات الذين لم يرقوا إلى مستوى الضجة حولهم قد يمثلون دروسا لنا.

وثانيًا، فإن إقصاء الشركات المتوسطة يشوّه صورة وادي السيليكون ويعكس اتجاها خطرًا للنظر في أن أي شيء أقل من فكرة تغيير العالم لا يستحق حتى الملاحظة. وهذا يخلق دافعًا مستمرا للمبالغة في تضخيم أي شيء جديد، والتغاضي عن أفكار الشركات الناشئة التي قد تؤدي إلى شركات جديرة بالاهتمام ولكنها غير مدهشة.

أتمنى أن يحظى كل ما هو عادي بمزيد من الاهتمام. ويمكن أن يؤدي إطلاق العنان للطموحات في وادي السيليكون إلى غوغل (Google) وفيسبوك (Facebook)، ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى وي ورك (WeWork) وثيرانوس (Theranos). ولا أريد أن تكون الشركات المتوسطة هي الهدف، لكني أتمنى أيضًا ألا يكون المتوسط غير مرئي كما هو الحال الآن.

© مؤسسة نيويورك تايمز 2021

نقلتها للعربية صفحة ريادة-الجزيرة نت

المصدر : نيويورك تايمز