صناعة السيارات تراهن بمستقبلها على البطاريات
بينما يقوم صانعو السيارات -مثل جنرال موتورز وفولكس فاغن وفورد موتور- بتقديم وعود جريئة بشأن الانتقال إلى مستقبل كهربائي خال من الانبعاثات، أصبح أمر ما واضحا: إنهم سيحتاجون الكثير من البطاريات.
إن الطلب على هذا المكوّن الذي لا يمكن الاستغناء عنه يفوق العرض بالفعل، مما أدى إلى اندفاع عالمي يضم مستثمرين، وشركات عريقة، وشركات ناشئة تتسابق جميعها لتطوير التكنولوجيا وبناء المصانع اللازمة لإنتاج ملايين السيارات الكهربائية.
البطاريات، التي كانت تعتبر لفترة طويلة من مكونات السيارات الأقل إثارة للاهتمام، قد تكون الآن واحدة من أكثر الأجزاء إثارة في صناعة السيارات. لم يتغير تصنيع السيارات بشكل جذري منذ 50 سنة، وهو مربح بالكاد، لكن صناعة البطاريات لا تزال مؤهلة للابتكار. التكنولوجيا تتطور بوتيرة تذكرنا بالأيام الأولى لأجهزة الحاسوب الشخصية، أو الهواتف المحمولة، أو حتى السيارات، كما أن تدفق رأس المال من شأنه أن يصيغ ستيف جوبز أو هنري فورد الجديدين.
تتوقع وود ماكينزي، وهي شركة أبحاث واستشارات في مجال الطاقة، أن تشكل السيارات الكهربائية حوالي 18% من مبيعات السيارات الجديدة بحلول عام 2030. وهذا سيؤدي إلى زيادة الطلب على البطاريات بنحو 8 أضعاف ما يمكن للمصانع إنتاجه حاليا. وهذا تقدير متحفظ، إذ يتوقع بعض المحللين أن تنمو مبيعات السيارات الكهربائية أسرع من ذلك بكثير.
إن صناع السيارات منخرطون في سباق محموم للحصول على التركيبة الكيميائية التي يمكن أن توفر أكبر قدر من الطاقة بأقل سعر وفي أصغر صندوق ممكن. لقد تم اعتبار إعلان جنرال موتورز في الشهر الماضي أنها ستتحول بالكامل إلى الكهرباء بحلول عام 2035، بمثابة لحظة بارزة من قبل صانعي السياسة ودعاة حماية البيئة. لكن بالنسبة لكثير من العاملين في صناعة البطاريات، أعلنت الشركة عما هو واضح بالفعل.
وقال فينكات فيسواناثان الأستاذ المساعد في جامعة كارنيغي ميلون، والذي يعمل على أبحاث تكنولوجيا البطاريات: "كان هذا هو الإعلان الأخير في موجة من الإعلانات التي أشارت بوضوح شديد إلى أن السيارات الكهربائية أصبحت هنا بالفعل".
تهيمن شركات مثل تسلا وباناسونيك وإل جي كيم و بي واي دي تشاينا و سي كيه إنفوشين -وتقع مقراتها جميعًا تقريبًا في الصين أو اليابان أو كوريا الجنوبية- على تصنيع البطاريات، ولكن هناك أيضًا العديد من اللاعبين الجدد الذين يدخلون إلى اللعبة باستمرار. والمستثمرون، الذين يشعرون بوجود أرباح هائلة على المحك، يلقون بالأموال على الشركات الناشئة التي يعتقدون أنها على وشك تحقيق طفرات.
قال آندي بالمر الرئيس التنفيذي السابق لشركة أستون مارتن، والنائب غير التنفيذي الحالي لرئيس شركة إنو بات أوتو، وهي شركة ناشئة للبطاريات: "أعتقد أننا في مرحلة البداية"، وقال: "توجد أموال أكثر مما توجد أفكار".
تعمل كوانتم سكيب -وهي شركة ناشئة في وادي السليكون، من مستثمريها فولكس فاغن وبيل غيتس- على إنتاج تقنية يمكنها أن تجعل البطاريات أرخص وأكثر اعتمادية وأسرع في إعادة الشحن، لكن ليس للشركة مبيعات كبيرة، وقد تفشل في إنتاج وبيع البطاريات. ومع ذلك، يرى المستثمرون في سوق الأسهم أن الشركة أكثر قيمة من شركة رينو الفرنسية لصناعة السيارات.
وتضخ الصين والاتحاد الأوروبي موارد حكومية في تكنولوجيا البطاريات. إذ ترى الصين أن صناعة البطاريات جوهرية لطموحها إلى الهيمنة على صناعة السيارات الكهربائية. وردا على ذلك، ساعدت الحكومة الصينية شركة أمبيركس تكنولوجي الحديثة -المملوكة جزئيًا للدولة- لتصبح واحدة من أكبر موردي البطاريات في العالم، بحسب الظاهر، بين عشية وضحاها.
يدعم الاتحاد الأوروبي إنتاج البطاريات لتجنب الاعتماد على الموردين الآسيويين، وللحفاظ على وظائف في صناعة السيارات. في الشهر الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية -الذراع الإدارية لذلك التكتل- عن تمويل بقيمة 2.9 مليار يورو (3.5 مليارات دولار) لدعم أبحاث وتصنيع البطاريات.
وحاليا هناك العديد من مصانع البطاريات إما في مرحلة التخطيط أو البناء في الولايات المتحدة، بما في ذلك مصنع تقوم شركة جنرال موتورز ببنائه في ولاية أوهايو مع إل جي، لكن المحللين قالوا إن الحوافز الفدرالية لإنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات، ستكون محورية لخلق صناعة مزدهرة في الولايات المتحدة. وكذلك سيكون التقدم التكنولوجي من قبل الباحثين الذين تمولهم الحكومة، والشركات المحلية مثل تسلا وكوانتم سكيب، والتي وضعت خططها لتخفيض التكلفة وتحسين أداء البطاريات في الخريف الماضي.
قالت مارغريت مان، وهي مديرة مجموعة في مركز علوم النقل التكاملي في المختبر الوطني للطاقة المتجددة، وهو من وحدات وزارة الطاقة الأميركية: "لا يخفى على أحد أن الصين تشجع التصنيع والتطوير الجديد بقوة". وقالت بشأن قدرة الولايات المتحدة على تحقيق مكاسب في إنتاج البطاريات "لست متشائمة، لكني لا أعتقد أن جميع المشكلات قد تم حلها بعد".
قال رواد الأعمال العاملون في هذا المجال إن هذه كانت الأيام المبكرة، وإنه ما زال بإمكان الشركات الأميركية التقدم على المنتجين الآسيويين الذين يهيمنون على الصناعة.
وقال رواد الأعمال في هذا المجال إن الوقت ما زال مبكرا، وإن الولايات المتحدة يمكنها أن تقفز فوق المنتجين الآسيويين الذين يهيمنون على تلك الصناعة.
وقال جاغديب سينغ الرئيس التنفيذي لكوانتم سكيب -ومقرها في سان خوسيه بولاية كاليفورنيا- إن "بطاريات اليوم ليست على قدر المنافسة"، وأضاف: " للبطاريات إمكانيات هائلة، وهي ضرورية لاقتصاد الطاقة المتجددة، لكن يجب أن تتحسن".
في معظم الأحيان، تأتي الأموال التي يتم إنفاقها على تكنولوجيا البطاريات كأخبار طيبة، فهي تدفع الرأسمالية للعمل على حل مشكلة عالمية. لكن إعادة ترتيب صناعة السيارات تلك ستحصد أيضا بعض الضحايا، كالشركات التي تصنع قطع غيار السيارات والشاحنات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، أو شركات صناعة السيارات والمستثمرين الذين يراهنون على التكنولوجيا الخطأ.
وقال فينكات سيرينيفاسان مدير المركز التعاوني لعلوم تخزين الطاقة التابع لمختبر أرغون الوطني إن "الابتكارات المتعلقة بالبطاريات لا تحدث بين عشية وضحاها"، وأضاف: "يمكن أن يستغرق الأمر سنوات عديدة، ويمكن أن يحدث الكثير من الأمور حتى ذلك الوقت".
ومعظم الخبراء على يقين من أن الطلب على البطاريات سيقوّي الصين التي تقوم بتكرير معظم المعادن المستخدمة في البطاريات، وتنتج أكثر من 70% من كل خلايا البطاريات. ستتراجع قبضة الصين على إنتاج البطاريات فقط بشكل بسيط خلال العقد المقبل، على الرغم من الخطط الطموحة لتوسيع الإنتاج في أوروبا والولايات المتحدة، وفقا لتوقعات شركة رولاند بيرغر الألمانية للاستشارات الإدارية.
إن الأولوية الأولى للصناعة هي خفض سعر البطاريات. قال سيرينيفاسان إن البطاريات الكهربائية لسيارة متوسطة الحجم تكلف حوالي 15 ألف دولار، وهو تقريبا ضعف السعر الذي تحتاجه السيارات الكهربائية لكي تحقق قبولا على نطاق شعبي.
يمكن تحقيق هذا التوفير من خلال إجراء عشرات التحسينات الصغيرة، مثل إنتاج البطاريات بالقرب من مصانع السيارات لتجنب تكاليف الشحن، وتقليل النفايات، طبقا لرولاند بيرغر. فحوالي 10% من المواد المستخدمة في تصنيع البطاريات يتم إهدارها بسبب أساليب الإنتاج غير الفعالة.
على المدى الطويل، فإن الهدف الأسمى للصناعة هي البطاريات الصلبة، والتي ستستبدل بالليثيوم السائل في قلب معظم البطاريات، طبقات صلبة من مركب الليثيوم. ستكون بطاريات الحالة الصلبة أكثر استقرارا وأقل عرضة لارتفاع درجة الحرارة، مما يتيح أوقات شحن أسرع، ووزنا أقل.
وقد استثمرت شركة تويوتا وشركات أخرى في تلك التكنولوجيا بكثافة، ونجحت بالفعل في بناء بعض بطاريات الحالة الصلبة. الجزء الصعب هو إنتاجها بكميات كبيرة بتكلفة معقولة. إن الكثير من الإثارة حول كوانتم سكيب تنبع من تأكيد الشركة أنها وجدت مادة تحل أحد العوائق الرئيسية أمام الإنتاج الواسع لبطاريات الحالة الصلبة، وبالتحديد نزوعها إلى التوقف عن العمل إذا كان فيها أي عيوب.
ومع ذلك، لا يتوقع معظم المنخرطين في الصناعة أن تتاح بطاريات الحالة الصلبة على نطاق واسع قبل عام 2030. قال إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا -في مؤتمر عبر الهاتف مع محللين- إن إنتاج البطاريات بشكل واسع هو "أصعب شيء في العالم، فالنماذج الأولية سهلة، لكن توسيع نطاق الإنتاج صعب للغاية".
لكن هناك شيء واحد مؤكد: أنه وقت رائع للحصول على شهادة في الكيمياء الكهربائية. أولئك الذين يفهمون خواص الليثيوم والنيكل والكوبالت وغيرها من المواد، يمثلون بالنسبة للبطاريات، ما يمثله المبرمجون لأجهزة الحاسوب.
© مؤسسة نيويورك تايمز 2021