حكاية باكستانية أميركية تقلب التوقعات على الشاشة وفي الواقع

المخرجة إيرام بارفين بلال في لوس أنجلوس يوم 13 فبراير/شباط 2021 (نيويورك تايمز)

يروي أحدث فيلم طويل لإيرام بارفين بلال "سألتقي بك هناك" قصة جديدة: امرأة باكستانية أميركية شابة اسمها دوا (تلعب دورها نيكيتا تيواني) ترغب في العمل في مهنة الرقص، وهو مسار يثير الاستياء في باكستان.

وبدلا من ذلك يشجعها والدها المهاجر -وهو ضابط شرطة من شيكاغو يدعى مجيد- على متابعة حلمها.

وفي الوقت نفسه، أُمر مجيد (يلعب دوره فران طاهر) بمراقبة مسجد للتجسس على أهله، بما في ذلك والده الذي اختار هذا التوقيت بالصدفة لزيارته من باكستان.

وتشير الوقائع المنظورة للفيلم إلى خروجه عن الطريقة المعتادة لتصوير المسلمين ومواطني جنوب آسيا في السينما الأميركية، حيث عادة ما يتم تصوير الآباء على أنهم قمعيون ومتصلبون، ولا يتم إعطاء النساء سوى القليل من حرية التصرف.

وهذا، بالطبع يفترض أن محاولة فهم الإسلام لا ترتبط تلقائيا بالإرهاب، فيحكي فيلم بلال قصة عن كونها مسلمة أميركية بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وهي تجربة يمكن أن تعني تصادمات في الهوية الثقافية على أصعدة متعددة.

وكتبت بلال -التي ولدت في الولايات المتحدة ولكنها نشأت في نيجيريا وباكستان- السيناريو قبل 10 سنوات، لكنها بدأت في جمع التمويل بجدية في الأيام الأولى لرئاسة ترامب، وأفزعها حظر السفر الذي فرضته إدارته، والذي أثر على المهاجرين في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة ولكن تم إلغاؤه لاحقا، وجدد هذا الفزع رغبتها في تقديم المسلمين بصورة مختلفة على الشاشة.

تلقى الفيلم تقييمات إيجابية إلى حد كبير عندما تم اختياره العام الماضي لمهرجان "الجنون عن طريق الجنوب الغربي" (South by Southwest)، قبل إلغاء هذا المهرجان بسبب وباء كورونا المستجد، وفي آخر فبراير/شباط تم عرض الفيلم على منصات البث الرئيسية.

وقالت بلال (37 سنة) في مقابلة هاتفية حديثة "أعتقد أنني كنت محبطة من وضع المرأة المسلمة المضطهدة باستمرار، والذي يتم الترويج دائما له"، وذلك في إشارة إلى تصويرها في وسائل الإعلام، في التلفزيون والسينما الغربية.

وقالت "ان هذا النوع من تناولي الجديد والدقيق كان هو بالضبط سبب صعوبة الحصول على تمويل للفيلم بشكل لا يصدق، لأن هذا ليس بالضرورة -كما وجدت- مسارا محفزا جدا للمستثمرين في النظام القائم".

أما كيف دخلت بلال لصناعة الأفلام بنفسها فهي قصة مواجهة المألوف، فعندما وصلت إلى الولايات المتحدة من باكستان في عام 2000 في سن 17 عاما كان لديها مستقبل مشرق مضمون تقريبا.

وبعد التأهل إلى أولمبياد الفيزياء الآسيوي -وهو مسابقة دولية في الفيزياء- حصلت على منحة دراسية كاملة لحضور معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا المرموق، وواصلت دراستها للحصول على درجة علمية في الهندسة والعلوم البيئية بالإضافة إلى فرصة ممارسة مهنة مستقرة ومربحة كعالمة، وهي وظيفة كان من شأنها أن تجعل والديها -وهما عالمان من جنوب آسيا- فخورين.

وسيجد العديد من أبناء الأسر من جنوب آسيا مسار بلال مألوفا باستثناء ما حدث بعد ذلك، فقد تخلت عن كل شيء بعد التخرج بدافع هوى مفاجئ، حيث اختارت أن تصبح مخرجة أفلام، الأمر الذي أثار حيرة والديها اللذين لم يناقشا موضوع الفن هذا أبدا من قبل، كانت مهنة لا تعرف عنها سوى القليل، باستثناء أنها كانت متأكدة أنها في داخلها قصاصة وليست عالمة، فكتبت وأخرجت منذ ذلك الحين عدة أفلام قصيرة وفيلمين طويلين آخرين.

وفي مقابلة هاتفية، ناقشت تحولها من العلوم إلى صناعة الأفلام، وناقشت فيلمها "سألتقي بك هناك".

وفيما يلي مقتطفات من المقابلة تم تحريرها:

عندما  كنت تكبرين، هل كان والداك يضغطان عليك لمتابعة العلوم؟

والدي بدأ من الصفر، هاجر آباؤهم من الهند البريطانية إلى باكستان في فترة التقسيم وتركوا كل شيء، انتهى الأمر بجدي لأبي بإنشاء ورشة ميكانيك وسيارات، وكان والد أمي مدير مكتب بريد، بالنسبة لهم كان التعليم هو كل شيء.

كيف كان رد فعلهم تجاه تركك للعلوم لمتابعة صناعة الأفلام؟

لم يكونا متأكدين من أنني سأتمكن حتى من تغطية نفقاتي، قالت والدتي بوضوح شديد إن صانعي الأفلام والأشخاص في هذه الصناعة لا ينجحون إلا بناء على من يعرفونهم ومقدار الأموال التي يمتلكونها، فقالت "لا نعرف أحدا".

هل رفض والداك الأمر؟

رفضت والدتي بالتأكيد لفترة طويلة حقا على ما أعتقد، فكانت تجلس مع عماتي ويتحدث الجميع عن كيفية ذهاب أطفالهن للتعليم وكيف أنهم الآن يتابعون الهندسة أو أي وظيفة (عمل) في الشركات، وكانت تقول فقط "نعم، ذهبت إيرام إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ثم يكون هناك صمت، لكن الآن أعتقد أنها تتفهم ذلك، وهم فخورون بذلك، كذلك يصعب عليهم فهم معنى النجاح، بالنسبة لهم النجاح هو جائزة الأوسكار".

المخرجة إيرام بارفين بلال أعربت عن إحباطها من الوضع الذي يتم الترويج له باعتبار أن المرأة المسلمة مضطهدة باستمرار (نيويورك تايمز)

كيف ساعدت خلفيتك العلمية في صناعة أفلامك؟

أعتقد بشكل أساسي أن عقل الفنان وعقل العالم متشابهان للغاية، لأن كليهما منكفئ على حب الاستطلاع.

فيما يتعلق بالعلاقة بين الأب وابنته في الفيلم، هل حاولت عمدا تقويض توقعات الجمهور النمطية عن تصوير جنوب آسيا؟

الحقيقة هي أن هناك الكثير من الآباء في العالم لطيفون للغاية وإيجابيون تجاه بناتهم، وهذا موجود، حتى الجد لا يزال رجلا لطيفا للغاية، وقد سئمت نوعا ما من رؤية تلك الرواية، لا أعتقد أنه كان شيئا عن قصد "يا ربي، حسنا، إليك هذا الموضوع، دعنا نجعله نوعا من عكس كل ذلك"، أعتقد أنه كان دائما شيئا آخر كنت أعاني منه في كثير من الأحيان، وأشعر أنه في بعض الأحيان تكون النساء مهيئات لدفع استمرار النظام الأبوي أكثر.

ما هو التأثير الذي تعتقدين أن الفيلم يمكن أن يحدثه اليوم، خاصة بعد رئاسة ترامب؟

التعصب ضد المسلمين موجود بكثرة، المجتمعات العرقية عليها أن تحمي نفسها بشكل أكبر ضد المراقبة، وحقيقة أن هذه عائلة تشبه عائلتك تماما، (فيمكن للفيلم) أن يضفي الطابع الإنساني والارتباط حتى لا تفكر في المسلمين على أنهم أناس من كوكب آخر، لكنهم في الواقع مثل الأشخاص الذين قد تعرفهم، مثل جيرانك، لذلك نحن نأمل فقط في تقديم منظور آخر لما يعنيه أن تكون مسلما أميركيا، ونأمل أن نخلق المزيد من أوجه التشابه.

ولأنه في نهاية كل هذا، هذه قصة عن عائلة تحاول إعادة الترابط بينها، نعم، يتصادف أنهم هذه المرة مسلمون، لكن الأمر يتعلق بالأسرار، والصدمات بين الأجيال، والصراع، وتلك الأشياء.

 © مؤسسة نيويورك تايمز 2021

المصدر : نيويورك تايمز