شركات دول أوبك تحل محل شركات الطاقة الغربية التي تخفض إنتاجها

"جاك" (jack) مضخة في ستانتون ، تكساس.(نيويورك تايمز)
مضخة "جاك" في ستانتون بتكساس (نيويورك تايمز)

هيوستن– بعد سنوات من ضخ المزيد من النفط والغاز تقوم الشركات الغربية العملاقة في مجال الطاقة مثل "بريتش بيتروليم" (BP)، و"رويال دتش شيل" (Royal Dutch Shell) و"إكسون موبيل" (Exxon Mobil)، و"شيفرون" (Chevron) بإبطاء إنتاج مع تحولها للطاقة المتجددة، أو تقوم بتخفيض النفقات بعد أن أثر فيها الوباء.

لكن هذا لا يعني أن النفط سيقل من العالم؛ لأن شركات النفط الحكومية المملوكة للدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية تستفيد من التخفيض الذي تقوم به شركات النفط الاستثمارية عن طريق زيادة إنتاجها.

هذا التحول الهائل يمكن أن يعكس اتجاهًا استمر عقودا ارتفع فيها إنتاج النفط والغاز المحلي في الولايات المتحدة، مما جعل البلاد مصدّرًا صافيًا للنفط والبنزين والغاز الطبيعي والمنتجات النفطية الأخرى، وما قد يجعل أميركا أكثر اعتمادًا على منظمة أوبك، وعلى الحكام "المستبدين" والدول المضطربة سياسيًا.

إن الدفعة التي تقوم بها الحكومات لزيادة إنتاج النفط والغاز يعني أن إمدادات الوقود الأحفوري العالمية قد تستغرق عقودًا لتنخفض، ما لم يكن هناك انخفاض حاد في الطلب على مثل هذه الأنواع من الوقود.

"شركات النفط الغربية تتعرض لضغوط من المستثمرين ونشطاء حماية البيئة الذين يطالبون بالتحول السريع للطاقة النظيفة"

ووافق الرئيس الأميركي جو بايدن فعليا على فكرة اعتماد الولايات المتحدة أكثر وأكثر على النفط الأجنبي، على الأقل عبر السنوات القليلة المقبلة. وكانت إدارته دعت حلفاءها ومنظمة أوبك إلى زيادة الإنتاج للمساعدة في خفض أسعار النفط والبنزين المرتفعة، حتى في الوقت الذي تسعى فيه للحد من الزيادة في إنتاج النفط والغاز في مياه وأراضي الحكومة الفدرالية الأميركية.

ونهج الإدارة الأميركية هو نتيجة لاثنين من الأولويات المتضاربة: فمن ناحية يريد بايدن أن يبعد العالم عن الوقود الأحفوري، وفي الوقت نفسه يحمي الأميركيين من الارتفاع في أسعار الطاقة. غير أنه من الصعوبة بمكان تحقيق كلا الهدفين على المدى القصير، لأن معظم الناس لا يمكنهم بسهولة استبدال السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي وأفران التدفئة العاملة بالغاز وغيرها من المنتجات المعتمدة على الوقود الأحفوري ببدائل تعمل على الكهرباء التي تولدها توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية أو مصادر أخرى للطاقة المتجددة.

كذلك فإن شركات النفط الغربية تتعرض لضغوط من المستثمرين ونشطاء حماية البيئة الذين يطالبون بالتحول السريع للطاقة النظيفة. وقال بعض منتجي النفط الأميركيين إنهم مترددون في زيادة الاستثمارات لأنهم يخشون من انخفاض أسعار النفط مرة أخرى، أو بسبب أن المصارف والمستثمرين أصبحوا أقل استعدادًا لتمويل مشاريعهم؛ ونتيجة لذلك يقوم بعضهم ببيع أجزاء من إمبراطوريات الوقود الأحفوري الخاصة بهم، أو يخفضون نفقاتهم على حقول النفط والغاز الجديدة.

وخلق هذا فرصة كبيرة لشركات النفط الحكومية، التي لا تتعرض لضغوط كبيرة من أجل تقليل الانبعاثات الكربونية، رغم أن بعضها يستثمر أيضًا في الطاقة المتجددة. في الحقيقة، ويريد غالبًا قادتها السياسيون من هذه الشركات أن ترفع إنتاجها للمساعدة في سداد الديون وتمويل البرامج الحكومية وخلق الوظائف.

فمثلًا، أعلنت شركة أرامكو السعودية (أكبر منتج للنفط في العالم) خطتها لزيادة طاقتها من إنتاج النفط، بما لا يقل عن مليون برميل يوميًا، لتصل إلى 13 مليونا بحلول عام 2030، وزادت الشركة استثماراتها في التنقيب والإنتاج بمقدار 8 مليارات دولار، لتصل إلى 35 مليار دولار.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين ناصر مؤخرًا لمحللين ماليين "نحن نستغل الفرصة"، وأضاف "بالطبع، نحاول الاستفادة من نقص الاستثمارات من جانب اللاعبين الرئيسيين في السوق".

مايكل لينش: "حصة الدول الـ23 التي تنتمي إلى أوبك بلس سترتفع من 55 إلى 75% بحلول عام 2040"

كما تخطط شركات النفط المملوكة للحكومة في دول الكويت والإمارات والعراق وليبيا والأرجنتين وكولومبيا والبرازيل لزيادة الإنتاج. وإذا ظلت أسعار النفط والغاز الطبيعي مرتفعة أو ارتفعت أكثر، فإن المزيد من الدول المنتجة للنفط ستميل إلى زيادة الإنتاج، حسب ما يقوله خبراء الطاقة.

وحسب مايكل لينش -رئيس شركة الطاقة الإستراتيجية والبحوث الاقتصادية في "أمهيرتس" (Amherts) بولاية ماساشوستس، الذي يعمل مستشارًا موسميًا لمنظمة أوبك- فإن حصة الدول الـ23 التي تنتمي إلى "أوبك بلس" (مجموعة تهيمن عليها شركات النفط الحكومية في أوبك والدول الحليفة مثل روسيا والمكسيك) من سوق النفط العالمية سترتفع من 55 إلى 75% بحلول عام 2040.

وإذا تحققت هذه التوقعات، فقد تصبح الولايات المتحدة أكثر هشاشة أمام الاضطرابات السياسية في تلك البلدان وأمام أهواء حكامها؛ فمنذ فترة طويلة يجادل بعض القادة والمحللين الأوروبيين بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستخدم احتياطات بلاده الهائلة من الغاز الطبيعي بمثابة هراوة، وهي شكوى تكررت مؤخرًا مع ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا إلى مستويات قياسية.

أما الدول الأخرى المنتجة للنفط والغاز -مثل العراق وليبيا ونيجيريا- فهي غير مستقرة، ويمكن أن يرتفع إنتاجها أو ينخفض بسرعة اعتمادًا على الطرف الموجود في السلطة، أو من يحاول الاستيلاء على السلطة.

وقال لينش إنه "من خلال تبني إستراتيجية لتقليل إنتاج النفط، فإن شركات النفط الغربية ستنقل التحكم في المعروض الى الشركات القومية في بلدان يمكن أن تكون أقل موثوقية كشركاء تجاريين، والدول ذات الأنظمة البيئية الأضعف".

إن الاعتماد المفرط على النفط الأجنبي يمكن أن يشكل مشكلة لأنه قد يقلل الخيارات المتاحة أمام صناع السياسة الأميركيين عندما ترتفع أسعار الطاقة، مما سيجبر الرؤساء على استجداء أوبك فعليا لإنتاج المزيد من النفط، كما أنه سيمنح الدول المنتجة للنفط سطوة أكبر على الولايات المتحدة.

وقال ديفيد غولدوين -مسؤول الطاقة البارز في وزارة الخارجية أثناء إدارة أوباما- "عندما علمنا اليوم أن شركات النفط الصخري الأميركية لن ترد على ارتفاع الأسعار بالاستثمار لأسباب مالية؛ فإننا نعتمد بذلك على أوبك، بغض النظر عن استعداد المنظمة لزيادة الإنتاج أو لا". كما قارن غولدوين اللحظة الحالية بأخرى في عام 2000، عندما "جاب وزير الطاقة بيل ريتشاردسون العالم مطالبًا دول أوبك بالمزيد من الإنتاج لتخفيف ضغط الأسعار".

هذه المرة، لا تسعى شركات الطاقة الحكومية فقط لإنتاج المزيد من النفط في بلدها الأم، بل يتوسع كثير منها خارج بلادها.

وفي الأشهر الأخيرة، استثمرت "قطر للطاقة" (Qatar Energy) في العديد من الحقول البحرية الأفريقية، في حين اشترت شركة الغاز الوطنية الرومانية امتياز إنتاج بحري من "إكسون موبيل". وفي حين تتخارج الشركات الغربية من الاستثمارات في الاحتياطات الملوثة مثل الرمال النفطية الكندية يتوقع أن تتدخل الشركات الحكومية، حسب ما يقوله خبراء الطاقة.

وقال راؤول لوبلانك -محلل النفط في شركة "آي إتش إس ماركت" (IHS Markit)، وهي شركة استشارات وأبحاث- إن "هناك كثيرا من الفرص السهلة التي يمكن للشركات الحكومية اقتناصها"، وأضاف "إنها فرصة كبيرة لهذه الشركات لتصبح من بين اللاعبين الدوليين".

© مؤسسة نيويورك تايمز 2021

نقلتها للعربية صفحة "ريادة الجزيرة"

المصدر : نيويورك تايمز