غادة مراد.. القضاء السوري
– الطفولة والأسرة
– التدرّج في الدراسة واختيار كلية الحقوق
– امرأة في القصر العدلي
– أول امرأة كمحام عام أول
– إنجازات ومحطات هامة
[شريط مسجل]
سلامٌ من صبا بردى أرقّ
ودمعٌ لايُكفكفُ يا دمشقُ
وقيلَ معالمُ التاريخِ دُكّت
وقيلَ أصابها تلفٌ وحرقُ
دمُ الثوارِ تعرفهُ فرنسا
وتعلمُ أنه نورٌ وحقّ
جزاكم ذو الجلالِ بني دمشق
وعِزّ الشرق أوله دمشقُ
كتبها أحمد شوقي في القصف الفرنسي على دمشق عام 1925… حُرقت بيوت وآثار، حتى سُمي حيّ في دمشق حيّ الحريقة. في هذا الحي، هنا في دمشق ولدت غادة مراد، ضيفتنا في رائدات.
[نهاية الشريط المسجل]
الطفولة والأسرة
روان الضامن: أول امرأة تُعيّن في سلك القضاء في سورية، وأول امرأة عربية تصل إلى منصب النائب العام للدولة. أهلاً وسهلاً بك في برنامج رائدات.
غادة مراد: أهلاً بك.
روان الضامن: ولدتِ في عام 1941 في حي الحريقة بمدينة دمشق لأسرة مهتمة بالعلم، الجدّ كان مدير دار المعلمات وكان شاعراً، والوالد محامي. ماذا تذكرين عن بيتكم القديم في دمشق القديمة؟
غادة مراد: كان عبارة عن ثلاثة طبقات أول طبقة كانوا يعملوها للضيوف، طبعاً فيها فسحة سماوية كبيرة…
[شريط مسجل]
غادة مراد: هنا يوجد درج تطلعي له للطبقة الثالثة، هناك كان يوجد غرف أيضاً، كان فيه بحرة كبيرة، هلّق بقي قسم منها، قسم راح مع البيوت التانية. وماما أول ما تزوجت، الله يرحمها، تزوجت لبيت جدي. الوالد والوالدة من شهر العسل باسطنبول. والدي أنا اللي بحضنه وأختي اللي أكبر مني.
[نهاية الشريط المسجل]
روان الضامن: كنتِ أصغر الأبناء بعد أخيك غازي وأختك عفاف، وتوفي الوالد، رحمه الله، وأنت لم تبلغي الثانية من العمر، وتحمّلت الوالدة السيدة إنعام القصار، رحمها الله، مسؤولية العائلة بالكامل. هل أدى ذلك إلى علاقة خاصة معها؟
غادة مراد: أنا باعتباري أصغر الأبناء، بتعرفي الأم دائماً متعلقة.. بيقولوا لها من أحب أولادك لك؟ تقول لهم، الغائب حتى يأتي، والمريض حتى يشفى، والصغير حتى يكبر. باعتباري أصغر واحدة، مهما بلغت من العمر، تقول بنتي الصغيرة، حتى صرت محامية أقول لها، ماما يعني مابيصير تقولي بنتي الصغيرة، تقول لي، لأ، أنت ابنتي الصغيرة، أصغر واحدة. لذلك كانت رابطتي قوية كتير فيها. جدي، والد ماما، كان له محل بمدخل سوق الحميدية هو عبارة عن محل شرقيات، كنا بالعيد، كل أول يوم عيد، كانت الوالدة تاخدنا على محل والدها، تضعنا بالطابق الثاني نتفرج على السيد رئيس الجمهورية كيف مارق والحرس والـ…
[شريط مسجل]
غادة مراد: وقت حرب فرنسا، ضربت قذيفة على هذا البيت، نزلت القذيفة وما انفجرت، لذلك ماما خافت علينا اتصلت بخالها، باعتبار ما عندها أخوة، هي وحيدة، اتصلت بخالها قالت له، تعال خذنا لأن الدنيا ليل..
روان الضامن: هذا تقريباً صار بالـ 1945؟
غادة مراد: بالـ 1945 تقريباً، أذكر أنه حملني على أكتافه ومشينا بين الحارات، وكان خايف علينا كتير لأنه الثوار واقفين، وبعدين نحن كنا شقر كتير بصغرنا، خاف يفكرونا فرنسيين، وهو كان أشقر، بقى صار فوراً كل ما يشوفهم يسلم عليهم بالعربي. بس أنا بتذكر اللحظة لأني كنت خايفة، امرق ولاقي عساكر والدنيا ليل. أخذنا من هون لبيته، وهو بيته بالإيمرية، بتنا عنده، وبعدها ماما قررت أن تطلع من هذا البيت، بأول عيد جلاء كنا منقولين عالمهاجرين.
[نهاية الشريط المسجل]
التدرّج في الدراسة واختيار كلية الحقوق
روان الضامن: انتقلتم بعدها للسكن في حي المهاجرين بدمشق، وسكنتِ في ذلك الحي منذ ذلك الوقت حتى اليوم، درستِ في مدارس حكومية، كان آخرها مدرسة التجهيز الأولى الثانوية. من أشرف وتابع الاهتمام بتعليمك ودراستك؟
غادة مراد: طبعاً الوالدة، بغياب الوالد هي التي تابعت التعليم، كان عندها محاسبة شديدة على العلم، ما كانت تتساهل معنا أبداً، يعني أنا أذكر تماماً أنه في فصل الشتاء لما تكون المدارس فاتحة، هي كانت تنقطع عن الزيارات العائلية، تنقطع تماماً، وتكرس نفسها أنه كل يوم لازم تسمّع لنا وتتابعنا، وهي معها شهادة ابتدائية، متخرّجة من الخامس، باعتبار تزوجت صغيرة، لكن كان مستوى دراستهم كويّس، وهي كانت تتابعنا يعني حتى ولو أن تمسك الكتاب، ونحن بالتاسع، وتسمع لنا، أنه لازم فيه مين مهتم فينا.
[شريط مسجل]
غادة مراد: في وزارة التربية والتعليم، ولكن سابقاً لما كنت بالعاشر أنا كانت هذه مدرستي، هي التجهيز الأولى للبنات، وكانت هذه أحلى سنين العمر. كانت الوحدة بأولها، كنا نحب أن نطلع، كان المرحوم القائد جمال عبد الناصر جاء إلى سورية، قعد حوالي سبع أيام، يكون هو بقصر الضيافة، نروح نشوفه مشان يطلع يخطب فينا، بقى نحن صفوفنا كانت على الشارع، هذا الفرعي، يأتوا الشباب من تحت طالعين مسيرة ويصفّروا، أنه وين البنات لازم يطلعوا البنات، نحن نصير نضوّج من فوق، بدنا نطلع مسيرة، تقوم المديرة تقول، إيه طلعوهم…. كان عنّا معاونة مديرة شديدة جداً، اسمها الأستاذة سامية قدورة، كنا نخاف منها أكتر من المديرة، مديرتنا كانت طيبة جداً، السيدة صبرية الطرزي، كنا نخاف كتير من معاونة المديرة. لذلك كانوا أي تصرف يعملوه خارج عن النظام، يتباهوا فيه وينبسطوا أنه نحن تمردنا على معاونة المديرة.
روان الضامن: كنت شقية ولاّ هادئة أيام الدراسة المدرسية؟
غادة مراد: لأ بالثانوية كنت شقية.
[نهاية الشريط المسجل]
روان الضامن: ذهبتِ في رحلة مدرسية وأنت في المدرسة الثانوية إلى مصر للمشاركة في مؤتمر إفريقي آسيوي.
غادة مراد: رحلة مصر بالذات، أنا يعني أعدّها مثل تغيير بحياتي، لأنه كنت دائماً ما أطلع خارج البلد..
روان الضامن: كنت بعمر 16 سنة تقريباً؟
غادة مراد: كنت صف عاشر، نعم، كانت الوالدة دائماً نطلع مع العائلة إذا بدنا نروح مصيف أو أي محل، إلا هذه كنت بدي روح لحالي، وبالقبل فيه ناس يعني أنه كيف بدّك تبعتيها وصغيرة وهاد، قالت لهم، لأ أنا بعرف أنه بنتي شو، وصتني، قالت لي، هلق أنت صرت مسؤولة على نفسك، بدك تعتمدي على حالك، بدّك تديري بالك على حالك. وأنا كتير انبسطت أنه أنا سأتحمل مسؤولية نفسي، المدرسة متحملة مسؤوليتنا بس أنا اعتدّيت بحالي، قلت لها، خلص بدك تلاقيني قد المسؤولية تمام.
روان الضامن: بعد إنهاء الثانوية، الفرع العلمي، التحقتِ بكلية الحقوق، لماذا الحقوق؟ هل أردت متابعة خطى الوالد، رحمه الله؟
غادة مراد: لا والله، أنا ما كنت مفكرّة بالحقوق أبداً، يعني أنا كنت مفكرة من صغري أن أكون مهندسة، لأن لي ابن عم مهندس وهو كان مشهور كتير، الأستاذ بسام مراد، كنت أمرق لاقي بنايات وحاطّين لافتات، المهندس بسام مراد. يعني عندي كان نزعة أنه لازم أكون مشهورة أنا، من صغري يعني أنه لازم أنا أكون مميزة، أكون مشهورة، لازم أعمل شي أبيّن فيه. بقى خطرت لي فكرة، أنه والله بيقولوا المهندسة غادة مراد، تصميم البناء المهندسة غادة مراد، وكنت أحب الرياضيات كتير لذلك استهوتني أنه أنا لازم أكون مهندسة. لما أخدت البكالوريا العلمي، الهندسة كانت بحلب، الوالدة ما رضيت تبعتني لحالي، قلت، لأ، أرجع أدخل حقوق مثل الوالد، وممكن آخد دعوى انشهر بها ويطلع اسمي وأبيّن، وبالفعل دخلت الحقوق.
روان الضامن: في 28 أيلول، سبتمبر حدث الانفصال، يعني الوحدة بعد قيامها بثلاث سنوات. كيف كان الجو الطلابي، وأنت في الجامعة آنذاك، خاصة وأن كلية الحقوق كلية عريقة جداً في دمشق وتخرج منها مئات العرب الذين كثير منهم دخلوا العمل السياسي فيما بعد؟
غادة مراد: لما صار الانفصال، فيه ناس لسه مؤيدة للوحدة، وفيه ناس ضد الوحدة. أنا من نوع اللي زعلت كتير أنه كيف صار الانفصال، مع أنني لست منتسبة لأي حزب، ولكن زعلت، يعني كنت أفضل أن تتصلح الأخطاء اللي صارت، أو أي شي، وتبقى الوحدة تستمر. أما كان فيه عنا طلاب قاموا بمظاهرات، ليش انفكت الوحدة، واعتصموا بالجامعة، ورموهم بغازات مسيلة للدموع..
[شريط مسجل]
غادة مراد: هذه الحديقة الداخلية لكلية الحقوق، وكان فيه معنا كلية الطب البشري هنا. كنا أحياناً نترك الحديقة الخارجية باعتبار أنه فيها كتير زحمة، ندخل هنا أحياناً ندرس أنا وزميلاتي.. هذه أنا بطريق الجامعة السورية، نحن وطالعين من كلية الحقوق.
[نهاية الشريط المسجل]
امرأة في القصر العدلي
غادة مراد: خلّصت من كلية الحقوق بالـ 1965 وبالـ 1966 دخلت محامية متمرنة، كنت أتمرن عند ابن عمي الأستاذ عبد المنعم مراد، الله يرحمه. بعدين الوالدة فكرت أنه.. فكرت أن أستأجر مكتب وأستقل لحالي لأنه صار عندي شغل كويس والحمد لله، قامت قالت لي لأ، ليش نستأجر، ليش ما نشتري واحد يكون مِلك، طالما أنت طول عمرك رح تبقي محامية، ما راح تغيري لأي مهنة، بدّك تبقي محامية، أحسن ما ندفع أجار لأ نشتريه مِلك. وأخذت هذا المكتب ودخلت له… فيه كتير من المحامين كانوا يعرفوني، طيب أنت غادة مراد شو اسم أبوك؟ أقول لهم عبد النبي مراد، يقولوا لي، هذا زميلنا، الله يرحمه. كنت أنا أشعر بغصّة، بظلم الحياة، أنه هو بيعرف والدي وأنا لا أعرفه، بعدين أقول هذه مشيئة الله تعالى… كان فيه محاميات قبلي، كان فيه الدكتورة ملك قدارة، فيه الأستاذة فريزة عجلاني، فيه يعني مسجلين، لكن ما كانوا يتابعوا وينزلوا. أنا لما نزلت على المهنة، ما نزلت كلقب أنه أنا محامية، نزلت لأشتغل بالمهنة، لذلك كنت كل يوم أنزل مع ابن عمي وأشوف الدعاوي وأحياناً يبعتني لوحدي أشوف الدعاوي.
روان الضامن: تنزلي عالمحاكم يعني والقصر العدلي؟
غادة مراد: نعم، كنت لحالي بالقصر العدلي، كفتاة، لحالي بالقصر العدلي، وكأنه مافي محاميات قبلي.
روان الضامن: وكانت بسهولة يعني الناس تأتي لمحامية فتاة لتوكلها في دعاويها؟
غادة مراد: بقيت تسع سنوات محامية، ولا امرأة جاءت وكّلتني. لأن المرأة تشعر أنها هي عاجزة، كيف بدها توكّل واحدة عنها وهي ليس لها ثقة فيها؟ لأنه إذا فاقدة ثقتها بنفسها فقدت ثقتها بالآخرين. كان يأتي لي رجال. أول ما توكلت، توكلت لإنسان قروي بسيط عنده خلاف على أراضي، وكانت قطعته صغيرة شوي، وخصمه قطعة طويلة وعريض، اتفقت أنا وهو على الأتعاب، وأدافع بالمحاكم. بعد شهر جاءني مصفرّ وجهه وزعلان وكتير مهموم، قال لي: شو بدك على هالدعوى بس اربحي لي ياها. قلت له: ما تشارطنا خلص. قال: لأ، قولي شو بدّك، قدّيش بدّك، بدّك زيادة بعطيك، بس بدّي تربحيها. قلت له: أنت صاحب حق، بدّك تربحها، ليش أنت هيك عامل؟ قال: لأنه امبارح خصمي بالجامع عيّرني. قلت له: شو قلك؟ قال: قال لهم، هذا ما هو رجّال، ودليل أنه مانو رجال، راح وكّل حرمة تدافع عنه. قلت له: قال لك، شقفة حرمة؟ قال: شو عرّفك؟ قلت له: لأنه هيك لغتهم، بيقولوا شقفة حرمة. قام ضحك، قال لي: بقى شو بدّك؟ قلت له: ما بدّي شي، بس راح أربحلك إياها. خلصت الدعوى، بالفعل ربحتها. بعد فترة شهر تقريباً جاءني الخصم، فات لعندي، قال لي: عندي دعوى ومشكلة شو بتريدي عليها لأوكلك؟ قلت له: كيف جاي توكّل شقفة حرمة؟ قال لي: ما وكّلنا الرجل، خسر الدعوى، طلعتِ أحسن من الرجال أنت، لذلك بدّي أوكّلك…. هذه كنت محامية، صار مؤتمر عندنا، أنا مشاركة بالمؤتمر..
روان الضامن: في أي فترة تقريباً؟
غادة مراد: 1975.
روان الضامن: هل صحيح أنه في هذه الفترة كانت دائماً المسابقات التي تطلب قضاة تشترط أن يكونوا ذكوراً؟
غادة مراد: هو قانون السلطة القضائية صدر عام 1961، وإذا بتلاقي القانون تقرأيه، بتلاقي شروطه القاضي أن يكون سمعته حسنة، أو أي شيء، ما في أي شرط بيقولك ذكورة، أنه ماضروري يكون ذكر. لكن ما كانت الدولة متجهة أن تأخذ بنت قاضية. كانوا يكتبوا بنهاية المسابقة أنها للذكور فقط، أو بالشروط أن يكون ذكراً. لذلك نحن البنات، حتى اللي بيشتغلوا بالمحاماة أو أخذوا حقوق، ما حدا فكّر أنه بدي أصير قاضية، أنا نفسي ما فكرت يوماً ما أنه بدّي أصير قاضية… بعام المرأة، الرئيس الخالد أحب يكرّم المرأة، بعام 1975 قال لهم بدنا نختار قاضية، ولذلك القيادة مين بدهم يختاروا؟ قالوا، أحسن ما نحضر واحدة جديدة وما تعرف، وما عندنا مسابقة قضاة، عندنا مسابقة محامين، نحضر محامية تكون تعرف بالدولة تعرف بالمحاكم، وجه مألوف، اختاروا محامية كويسة نحطها قاضية. الفرقة الحزبية بعتت ورائي، قال، ترشحتِ أنت من القيادة أن تكوني أنت أول امرأة تدخل القضاء. طلع المرسوم لعند السيد الرئيس، علموا به بعض الأشخاص اللي لا يؤمنون بالمرأة، أو يقولون أنه بالإسلام حرام المرأة تتولى القضاء، أو هيك، صاروا يطلعوا لعند الرئيس الخالد ويترجوه أن لا يصدر المرسوم. يقول لهم طيب ليش، يقولوا له لأ. حتى مرّة، كان عندي كشف، طالعة أنا وقاضي شرعي، قاضي شرعي محترم، طالعة بدعوى، كشف، بالطريق قال لي: صحيح يا أستاذة أنت بدك تتعيني قاضية؟ قلت له: والله بعتوا لي مرسوم، ما بعرف. قال: بتعرفي أنه نحن طلعنا عند السيد الرئيس وترجيناه يلغي الفكرة. قلت له: يعني معترضين عليّ ولاّ على المبدأ؟ قال: لأ، على المبدأ. قلت له: على المبدأ ما لي حكي، هذا رأيك الشخصي، أما لو كنت معترض عليّ، أجابهك. قال: لأ على المبدأ. تأخر المرسوم بس بعدين طلع وتعيّنت وكيل نيابة.
غادة مراد: لما بيختاروني أنا أول امرأة لأكون بالقضاء، عندي مجالين فقط، إما أفشل و أفشّل نسائي ورائي وأصيبهم بخيبة أمل، وما ممكن بقى ياخدوا قاضية ثانية بعشر سنين بخمسة عشر سنة، أو أنجح وأثبت أن المرأة ممكن تنجح بالقضاء، وأفتح الباب لغيري. أنا ما عادت مسؤوليتي مسؤولية نفسي، أنا صار عندي تحدي، إما أخدم المرأة بهذا المجال، وأخدم نفسي، وإلا بلا ما أروح هالروحة. قلت لهم: أفكر؟ قالوا، ما في مجال تفكري وأنت أول امرأة بالقضاء. قلت لهم: لبكرة. رجعت فكرت، قلت، والله أنا أحب التحدي وهذه الروحة فيها تحدي، وممكن أن أفتح الباب للنساء بعدين.
روان الضامن: هل توقعت آنذاك أن تصلي لمنصب النائب العام؟
غادة مراد: لأ، ما كنت مفكرة بمنصب النائب العام، لأني أنا كنت دخلت وكيل نيابة. ولكن كنت مفكرة بالنجاح، مفكرّة أنه لازم أنجح. لذلك أول ما تعينت كان ابني صغير لا يذكر هذه المرحلة، كان عمره سنتين، كنت أشتغل بالبيت حوالي العشر ساعات متواصلة، حتى الوالدة، الله يرحمها، تقول لي، لو بقيتِ محامية مو أحسن لك؟ عشر ساعات ما عدا الأشياء، المجابهات التي أجابهها، الناس الذين قاموا ضدي. يعني كتير كتير أنا أول فترة عانيت.
روان الضامن: ما هي المهام التي وكّلتِ بها كوكيل نيابة عامة؟
غادة مراد: كوكيل نيابة عامة تمثّلين أحد الأقواس، تمثلين الحق العام بأحد أقواس المحاكم. أنا مثّلت الأحداث، جنايات الأحداث. تشاهدي قرارات، يكلفونك بأعمال ثانية، يكلفونك أن تؤدّي مطالبات للقاضي قبل أن يفصل الدعوى، برأيك أنت بهالجريمة، ينحكم ولاّ ما ينحكم؟ على أي مادة تنطبق؟ شو نوع الجريمة؟ تعملي مطالبتك لقاضي التحقيق، تبعتيها له، إما يلتزم فيها أو لا يلتزم فيها. إذا ما التزم فيها يحق لك أن تطعني بها كنيابة عامة، يعني لا يروح صوتك، لأ، يبقى صوتك.
روان الضامن: كيف كان رد فعل الرجال من حولك في موقع العمل؟
غادة مراد: والله لأقل لك، الرجال كانوا قسمين، قسم كان معي، وكان فرحان بي وأنه هذه امرأة. الأغلبية كان ما بدهم، ما بدهم حتى مو منشان الدين يعني، فيه منهم ناس مسيحيين هاجموني. قلت لهم طيب ليش عمبتهاجموني، فهمنا الإسلام عمبيقولوا هذا ضد الدين، على حد رأيهم، أما أنتم شو؟ قال، لأ هذا السلك بالذات ما بدنا امرأة تدخل له، إذا أنت نجحت بعملك سيصير فيه نساء تانيين، لا نريدك أن تنجحي. وأنا هذا كان يصير عندي ردة فعل، وكنت أتحمس أكتر أنه لازم أنجح.
روان الضامن: كيف كان رد فعل الجمهور، المواطنين؟ يعني هل صحيح أن شخصاً خرج من المحكمة لأنه لايريد قاضية امرأة؟
غادة مراد: الجمهور، طبعاً فيه ناس ما تقبّلوني، يعني ما اعتادوا يفوتوا يلاقوا عالمنصة إلا رجل، أما يفوت يلاقي امرأة وبدها تحكم له.. يعني بأحد المرات، جاء أحد الناس له دعوى، ما لقي القاضي، راح لعند رئيس المحكمة، قال له: إذا ممكن بدي أشوف دعوى، لي دعوى اليوم هكذا.. قال له: روح عالمحكمة، القاضي هناك. قال له: ما لقيت غير حُرمة والكاتب. قال له: هذه مو حُرمة، هذه قاضي متلي متلها وأحسن مني. قال له: هيك عمبتقول؟ قال: نعم. قال له: غنانا الله عن هالدعوى. دشّر الباب ومشي. رئيس المحكمة ما حكالي ياها، يعني هو كان من النوع الذي يؤمن بالمرأة، لا يريد أن أتفاجأ. بعد فترة، قررنا استجواب هذا الشخص على الدعوى، ويوم الاستجواب صدف أنه دوري عالقوس، دخل الرجل ونظر فرآني، إذا رجع سيخسر الدعوى، قال، لأ، أكمل وأمري لله. دخل واستجوتبه أنا، وأنا لا أعرف بما حدث، استجوبته عادي، وخصمه كانت امرأة، والموضوع كان فيه عقد بيع، استجوبته، سجلت له، أسأله بهدوء، وشو بده كتبت له، وطلع. هو وطالع، لقيته وقف عند الباب كأنه واحد بده يحكي شي، رجع. قلت له: نسيت شي؟ نسيت هويتك؟ قال: لأ، والله يا بنتي، سامحيني. قلت له: على شو بدي سامحك؟ قال لي: أنا ظلمتك بزماني، أنا فكّرتك أنه أنت تتحيزي للمرأة، أو ما بتقدري تحكمي بالحق، لكن بالحقيقة أنت مثل الرجال وأحسن… لما دخلت القضاء كمان، لما اشتغلت مستشارة، اشتغلت مع قضاة كبار، ولهم سمعتهم بالقضاء. تعلمت من المرحوم، الله يرحمه، أبو الخير عابدين، كان هو رئيس استئناف ثالثة، كنت أنا مستشار عنده، بداية عملي المدني كانت عنده. كنت أنا بالجزاء، فاراد أن يغيّر مستشار عنده، جاء لعندي، وقال لي: تقبلي تأتي لعندي عالمدني؟ قلت له: ما عندي خبرة بالمدني، كنت أنا بالنيابة وهلّق مستشار جزاء. قال لي: خلص، اقعدي ثلاث أشهر، لا تشتغلي، اقرأي الدعاوى وشوفي كيف نحكم. فأنا قلت، شو أقعد ثلاث أشهر، لا أقبل، مع أنه فيه قضاة كتير بيتمنوها هذه، أن لا يشتغلوا. من أول أسبوع، أحضر الدعاوى يريد أن يقسمهم، يقسمهم بين الرئيس والمستشارين، قال له، هذه لك وهذه لي، وقلت له: أنا وين حصتي؟ قال: لأ، أنت هلّق تقرأي، ما بدنا منك شي. قلت له: لا أقبل إلا آخذ أنا كمان، أخذت ثمانية دعاوي. فصلت، أتيت له، قرأها، قال لي: كتير كتير كويس. قلت له: لا تجاملني، هذا قرار، سيطلع حكم، ما بدنا نضيع حقوق الناس. قال لي: كتير كتير رائع، لم أتصور أنك تشتغلي هكذا… جرأة القرارات أنا لا أعتبرها مشكلة لأنه أنا كنت أعمل الصح. لذلك لو كنت أتحدى مثلاً شخص له خلفية أو شي، وما معه حق، ولا أعطيه ما يريد، ما كنت أشعر أنه هذه مشكلة، شو المشكلة اللي بدها تكون؟ بدهم يشيلوني من هذا العمل، يحطوني بعمل تاني؟ ما بتفرق معي، المعاش معاش، إن كنت قاعدة بمحكمة البداية ولاّ بمحكمة بداية الجزاء ولاّ بمحكمة بالنيابة العامة، حسب رتبتك تأخذين راتبك..
روان الضامن: طيب حصل معك ذلك؟
غادة مراد: طبعاً حصل. كنت بالاستئناف الأولى، وأصدرت قرار، والقرار كان فيه ناس مهمين طلع مو لصالحهم. نقلوني عالنيابة التمييزية، النيابة التمييزية مو كنائب عام، كمحامي عام، كمحامي عام ما بيعود له كتير قيمته بالنيابة التمييزية، يعني هناك يبقى مع المحاكم، وكنت رئيس استئناف أول، يعني شغلة ما هي هيّنة. لما نقلوني هناك ضحكت أنا، قلت، طيب، ارتحت. يعني كان هناك عندي عبء كبير وهلّق جاءت هذه فترة راحة بالنسبة لي، حتى أذكر أول راتب قبضته، كنت قاعدة عند النائب العام للجمهورية، باعتبار أنه هو رئيسي المباشر، فمسكت المعاش وفتحته وضحكت، قلت له: تاري ما نقص معاشي، كما هو. يعني متل اللي عمبيضحك، أنه نقلتوني لهون، شو خسرت؟
[ فاصل إعلاني]
أول امرأة كمحام عام أول
روان الضامن: تدرجتِ في عدة مناصب قضائية، يعني من رئيس نيابة عامة إلى مستشار بمحكمة الجُنَح ثم الاستئناف المدني ثم رئيس غرفة استئناف، وعدة أماكن وصولاً إلى محام عام أول بدمشق ندباً، وهو منصب لم تصله أي امرأة على مستوى الوطن العربي من قبل، ممكن أن تشرحي لنا المهمة الرئيسة لهذا المنصب، محامي عام أول بدمشق؟
غادة مراد: محامي عام أول، يعني مسؤول عن كل الجرائم، مسؤول عن كل النيابة العامة الموجودة بهذه المحافظة. وأنا استلمت بوقت كان ريف دمشق ليس مفصولاً عن دمشق، يعني كانت دمشق موسعة، محافظة دمشق وريف دمشق محافظة واحدة. لذلك كان عملي كبير، وأقسام الشرطة كلها مرتبطة بي، كلما صارت جريمة يخبروني، ولما تكون جريمة شوي كبيرة أو حساسة لازم أطلع أنا بالذات، يعني لازم، حتى مشّي الأمور بسرعة. كمان فيه عنده يأخذوا منه موافقات إذا بدهم يعملوا، سمعانة بالتلفزيون، أنهم بدهم يتحرّوا محل أو يتحرّوا منزل ما بيقدروا الشرطة يدخلوا إلا يأخذوا إذن من المحامي العام الأول.
[شريط مسجل]
غادة مراد: يعني هو أعلى منصب بالدائرة الاستئنافية للنيابة العامة، بده سرعة بديهة، بده يكون دائماً يقظ، بدّه يشتغل 20 ساعة تقريباً بالـ 24 ساعة، إضافة إلى التلفونات، بدّه يكون تصرفه سريع، بدّه يكون حازم، بس هي عمل متعب جداً جداً للرجال، بقى ما رأيك أنا امرأة.
[نهاية الشريط المسجل]
غادة مراد: بأحد المرات، أنا ما كنت عارفة أنه صوتي بيطلع على اللاسلكي مع الشرطة. يأتي ابني بالليل، كنت معيّنة جديد، يقول لي: ماما صوتك بالشارع على اللاسلكي هيك، هذا القاضي ما لقيتوه، اعملوا هيك، هذا كذا. قلت له: معقول؟ قال: إيه والله. سألت تاني يوم ضابط، قلت له: ليش هيك امبارح صوتي؟ قال لي: كل شرطي معه لاسلكي، لما بيحكي مثلاً وزير داخلية، بيحكي محامي عام أول، بيحكي كذا، البقية كلهم بيسمعوه باللاسلكي، بيشغلوا اللاسلكي ليسمعوا التوجيهات. أنه ربما فيه شغله لازم يتوجهوا أو شي. قال لي: لذلك هيك بينسمع صوتك. فانتبهت أنه معناها بالليل صوتي عمينسمع…. عملوا ندوة أمنية، افتتحوها، كنت أنا مدعوة، قعدت، أكثرهم كانوا ضباط شرطة..
روان الضامن: يعني يبدو في أكثر من صورة أن جميعهم رجال وأنت المرأة الوحيدة.
غادة مراد: نعم، لأنه بالشرطة ما كان فيه نساء، وخاصة بالرتب العليا.
[شريط مسجل]
روان الضامن: عندما كنت محامي عام أول هنا حدثت حادثة خاصة أمام مبنى المحكمة.
غادة مراد: أخبِرت أن هناك جريمة قتل وقعت أمام محكمة الجنايات، أمرت فوراً بإغلاق الأبواب حتى لا يهرب القاتل، وطلعت لهنا لقيت الناس متجمّعين، والشرطة، وما عارفين شو بدهم يعملوا. نظّمت الشرطة، بتطلعوا الناس لبعيد، بتسكروا الأبواب مكان الجريمة. لقيت إنسان مسطح بالأرض، عيونه مفتوحة لساها بشكل، يعني منظر بالحقيقة مأساوي، قلت لهم: أعطوني جلالة طاولة. أخدنا جلالة الطاولة غطيناه لبينما حضر الطبيب الشرعي وعملنا الكشف، بعدها خبّرت الإسعاف أن يأتوا، عنا قتيل تعالوا خذوه، فيجاوبني بكل بساطة، يقول لي: نحن لا نأخد قتيل، نحن نأخد مريض، نحن إسعاف. هددته، قلت له: قسماً بالله إذا لم تأتوا خلال عشر دقائق، أنت والإسعاف وطقم الإسعاف كلكم ستكونون بالنظارة، أنا المحامي العام الأول عمبحكي. فجاؤوا أخذوه. وقدرنا نمسك القاتل لأنه ما قدر يهرب باعتبار أغلقنا الأبواب.
[نهاية الشريط المسجل]
روان الضامن: عام 1989 شاركتِِ في مؤتمر القاضيات العالمي الذي عُقد في واشنطن. كيف كان رد فعل القاضيات لوجود قاضية مسلمة وعربية بينهم؟
غادة مراد: هم تفاجأوا طبعاً، هل أنت بسورية محامي عام أول؟ نحن المحامي العام الأول هنا منصب سياسي وشغلة كبيرة، يحاكم رئيس جمهورية، هل يعقل أنت بنت، محامي عام أول؟ المهم، تفهّموا بعدين الوضع، بس تفاجأوا أكثر أنهم كان ثلاثة أرباع المؤتمر أخذ منهم، كيف بدهم يخلصوا المرأة الأمريكية من ظلم الرجل؟ وكيف بدهم يهرّبوها لما يقتلها هي وأولادها، وكيف هالوحشية اللي عندهم. تفاجأوا لما شرحت لهم الدين الإسلامي. نحن المرأة مكرمة ومعززة وما بيقدر الرجل يضربها، وما في داعي نفتح بيوت. وهي عنّا حتى لما تتضايق شوي، بيت أهلها موجود، تتصل بأبيها فيأتي ليأخدها، معززة مكرمة. لدرجة أن أستاذة بكلية الحقوق، ترجّتني، قالت لي: خلينا نعمل غداء عمل، وتشرحي لنا عن الدين الإسلامي بهذا العمل.
روان الضامن: حكمتِ بالإعدام ثلاث مرات، وهذا لدى بعض الناس، يقولون، هذا عمل غير مناسب للمرأة يعني.
غادة مراد: قالوا لي مرة، حكمت بالإعدام، الاثنين، الرئيس و.. ، أنه بنت ما معقولة تقول إعدام. قالوا لي: إعدام؟ قلت لهم: نعم إعدام، طيب اقرأوا الجريمة كم هي بشعة. قالوا لي: والاثنتين الأخريتين؟ قلت لهم: على أبشع، يعني أنا لو عندي عقوبة أكتر من الإعدام كنت حكمتهم.
روان الضامن: لم تنضمي إلى أي حزب سياسي وحتى لحزب البعث، الذي بالمناسبة، مرّ على تأسيسه 60 عام منذ عام 1947؟
" أنا مؤيدة لأفكار حزب البعث، وأنا مع حزب البعث لكني لا أحب أن أرتبط " |
غادة مراد: نحن فيه عندنا مادة بقانون السلطة القضائية تقول، أنه يحظّر على القاضي أن ينتسب إلى أي حزب أو أي جمعية، حتى يضمن حياده، يبقى حيادي. لكن هذه تساهلوا فيها، يعني فيه عندنا قضاة.. أنا مؤيدة لأفكار حزب البعث، وأنا مع حزب البعث ولكن لا أحب أرتبط، لكي، إذا جاءني زميل لي بحزب البعث وجاءني واحد غريب لا أشعر بشوية حرج.
روان الضامن: أنت معروفة أنك لم تخشِ في الحق لومة لائم، حتى أنك أحياناً وقفتِ في قضايا كانوا لأبناء مسؤولين كبار في سورية، ووقفت مع الحق. هل يمكن أن تذكري لنا مثال لذلك؟
غادة مراد: إحدى المرات فيه ابن مسؤول كبير جداً، بفترة من الفترات يُعدّ الرجل الثاني أو الثالث بالدولة، اشترى طابق ثالث والسطح مشترك لكل الطوابق، ووضع باب بنصف الدرج بشكل أن كل سكان البناية ما بقى يقدروا يصلوا للسطح، وأخذ السطح يريد أن يعمّره. البقية خافوا، فيه سيدة بهالبيت هي وأبوها ما خافت راحت اشتكت، قدّمت دعوى وجاءت عرضتها علي، قلت لها، أنا دعوى ما بقدر على أساس أنا محامي عام أول ما لي علاقة بالدعوات، تابعي دعوتك. بعد يومين وضع لهم الباب أوطى أكتر، بشكل أنه كمان ضايقهم أكتر. جاءت لعندي، خلال 24 ساعة هذا يُعتبر اعتداء غاصب، أقدر أنا أتصرف كمحامي عام أول. فكلّفت معاون نيابة، قلت له: اطلع وصِف لي. وصف لي، قال هلق عمينبنى. بعتت قوة فوراً هدّيت له البناء. أبوه المسؤول، كان طلب مني، لما علم بالمسألة، قال لي، شرّفي لعندي، اشربي فنجان قهوة أو شي، اعتذرت، قلت له: وقتي لا يسمح. شاءت الصدف أنه لما صرت أنا بالاستئناف الأول جاءت دعوى الباب الثاني عندي، حكمت فيها، المحامي كان جاي هو وإياه، هو وابن المسؤول، فات، لما تبلّغ الحكم، فهّمته الحكم، جمد، أنه هل يعقل أنت تحكمي ضد فلان؟ حكمنا بأن يهدّ الحيط الثاني ونمكّن الناس كلها، السكان، تطلع على السطح. الوزير بعد فترة أرسل وتشكرّني.
روان الضامن: كثير من الناس يعني لا يتصرفون هكذا، كيف تعلمتِ أن تكوني هكذا؟
غادة مراد: لما بدّك تدخلي قاضية، عمتحلفي اليمين أن تحكمي بالحق، بالعدل. هل تنكثين اليمين؟ ما معقول أن أنكث اليمين أنا. ولكن بعض القضاة، أقول لك، يكون عندهم غلطات، غلطات فاحشة أو شي، بيجوا بيترجوا مسؤولين أن يغطوا لهم عليها، فبيكلفوهم بشغلة، واحدة بواحدة أو هيك، يعني بتعرج شوي بالحكم. الحمد لله، أنا لأ، تمسكت باليمين الذي حلفته.
[شريط مسجل]
القاضي يوسف اليونس/ المحامي العام في دمشق: شخصيتها قوية جداً جداً جداً، معروف عنها بالوزارة كانت شخصيتها قوية، وفهيمة وصدرها واسع، وحليمة ومُطلعة بالقانون وقادرة ومقتدرة.
[نهاية الشريط المسجل]
غادة مراد: تصوري يعني نحن لما كان عندنا يمكن حوالي 10 آلاف دعوى، كان عددنا 850 قاضي. هلق عندنا 40 ألف دعوى، عددنا 1300. يعني بالفعل القضاة مُرهَقين.
[شريط مسجل]
روان الضامن: المفاجأة الكبرى، كانت عام 1998 عندما أصبحت غادة مراد أول امرأة نائب عام في الوطن العربي، وأصبحت حُكماً، عضواً في هذه الغرفة، في مجلس القضاء الأعلى بسورية.
[نهاية الشريط المسجل]
غادة مراد: كنت قاعدة عمبسمع شهود، فاتصل الوزير يقول لي: اطلعي. قلت له: عندي شهود. قال: لا، لا، اتركي شهودك واطلعي. طلعت. قعد وحكى لي، قال لي، جاء مرسوم عن النائب العام، جاء جواب السيد الرئيس عن النائب العام، ووقعت عليك. أنا ما فهمتها، لأنه ذهني منصرف، أولاً مع الشهود، وثانياً منصرف أنه مستحيل أن أكون نائب عام. قلت له: علي مين؟ ما فهمتها أنه عليك، قلت له: علي مين؟ قال لي: عليك.
[شريط مسجل]
القاضي نائل محفوظ / رئيس محكمة النقض: الأستاذة غادة مراد كانت عضواً في مجلس القضاء الأعلى فكانت تمثل الصوت الحر، تقف بصلابة، في كثير من الأحيان، وتواجه جميع أعضاء المجلس، الستة الآخرين، تواجههم بصلابة، ويكونون برأي واحد وهي برأي وحدها، وكانت، في بعض الأحيان، تفوز برأيها.
[نهاية الشريط المسجل]
المحامي غادي فخري / ابن غادة: صحيح أنها كانت أول سيدة دخلت هالمنصب على مستوى الوطن العربي، لكن، مقابل هالمنصب، كم تعبت؟ كم تعذبت؟ كم سهرت ليالي؟ هذه الناس لا يعرفونها، أنا كنت أعرفها. ممكن تكون، مثلاً، بالمنزل الساعة 10 بالليل، تصير مشكلة، يحكوا معها، تكون، مثلاً، مستعدة لتروح للنوم، تلبس وتنزل. هذه، مثلاً، كتير بتصير. كنت ألاحظ أنها بالمنزل، دائماً عندنا ملفات، ويكون فيه عمل، يعني بحدود حوالي ثلاث، أربع ساعات يومياً. يعني كنت مثلاً أنا أكون..
روان الضامن (مقاطعة): بالمنزل إضافة للعمل؟
غادي فخري: طبعاً. أنا أكون مثلاً جايي من مدرستي.. نحن عندنا طاولة بيصير العمل عليها، أقول لها أحياناً، أنا خلصت قبلك، أنه يعني يكفي، لكي ترتاح، لا ترضى، بل تكمل.
روان الضامن: هل هناك مثلاً قضايا كبيرة، قضية تذكرينها، تعاملتِ معها بشكل خاص، يعني وأنت في منصب النائب العام لمدة ثماني سنوات؟
غادة مراد: يعني القضية الكبيرة اللي جاءتني، هي عبارة عن شخص قتل اثنين وحاول قتل الثالث، لسبب سافل وهو السرقة، وكانت بحي المهاجرين، بحيي يعني، هزت البلد بوقتها، يعني الناس كلها تحكي فيها، هذه تعاملت معها أنا. وفيه قضايا المخدرات نحن باعتبارنا بلد عبور، نحن ما عنّا إنتاج مخدرات ولكن بلد عبور، كل المخدرات اللي بدها تمرق من باكستان، من أي دولة شرقية، بتمرق من عنّا لتركيا لأوروبا. كان فيه عنّا كمان قضية كبيرة مخدرات، كمان تعاملت أنا فيها.
روان الضامن: توليتِ جميع هذه المناصب القضائية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، هل تمكنت من مقابلته بشكل شخصي؟
غادة مراد: للأسف أنني لم أستطع أن أقابله بشكل شخصي، و أنا لم أطلب، لأنه لم يكن لدي أي موضوع هام أريد أن أعرضه عليه، ووقته كان ثمين جداً أيضاً، مو معقول أطلع مشان أقول والله أنا بس بدي أقابلك.
روان الضامن: كيف كان وقع وخبر وفاته المفاجئ، رحمه الله، في يونيو حزيران من عام 2000؟
غادة مراد: هذا يوم لا يُنسى بالفعل من الحزن، يوم لا يُنسى بالحزن، بتمرقي بالشوارع بتلاقي الناس عمتبكي. الناس كلها لبست أسود، بشكل. يعني تفاجأنا جداً جداً. ولكن الحمد لله الدكتور بشار يتابع المسيرة وبشيء من التطوير والتحديث، والبلد إن شاء الله بخير ومن خير إلى أكثر إن شاء الله.
إنجازات ومحطات هامة
روان الضامن: قمتِ بالاهتمام بشكل خاص بتجميع قوانين المرأة والطفل، لماذا اهتممت بهذه القوانين تحديداً؟
" المرأة والطفل في العالم العربي لديهما جهل في الحقوق " |
غادة مراد: نحن فيه عندنا المرأة ولاّ الطفل في عندهم جهل كتير بحقوقهم. لما كنت أمرق بالمحاكم الشرعية ألاقي الأطفال جايين للإراءة، الأهل متنازعين، الولد قاعد شايف المجرم، الشرطي، أحياناً تصير خناقة، مرة ولد بدهم يسلموه هرب ما بده أبوه ياخده، اندعس بالطريق، كتير يحزّوا بنفسي. قلت لازم أعمل شيء، فلمّا سلّموني رئاسة لجنة التنسيق بين وزارة العدل واليونيسيف، صرت أطلع عالمحافظات أطلب من المحافظ أو من رئيس الفرع عقار لكي نعمله مكان للإراءة، حتى ما يبقوا بالمحاكم يشوفوا أهلهم، ثم، من اليونيسيف، أفرشه لهم، أجيب لهم كل مستلزماته. الحمد لله تمكنّا هلّق بكل المحافظات فيه مراكز إراءة.
روان الضامن: اللي هي أماكن اللقاء الأسري، هذه التجربة؟
غادة مراد: فيه فكرة طرحتها أنا بمنتدى المرأة والتربية، ما مشي حالها، هلق رجعت أطرحها، مسألة مؤخر الصداق. عنّا نحن لما تتزوج الواحدة بينكتب لها مهر، المفروض المهر كله يندفع، هذا اسمه مهر الزوجة، العادات والتقاليد قالوا، لأ نصف بنصف، بيعطيها النصف بالأول وبيخلّي النصف لوقت الطلاق أو وقت الوفاة لتأخذه..
روان الضامن(مقاطعةً): ما يسمونه المهر المؤجل.
غادة مراد: المهر المؤجل. بيسمّوا مهر معجل ومهر مؤجل، أما بالقديم شو كانوا يكتبوا، مثلاً، 500 ليرة مقدّم، 500 ليرة مؤخّر، هذه تطلقت بعد 30 سنة، هلّق أعطيها 500 ليرة، شو بدها تعمل فيها؟
روان الضامن(مقاطعةً): يعني ما يساوي 10 دولارات تقريبا؟
غادة مراد: تقريباً، يعني شو بدها تساوي فيهم، هل يعقل؟ بقى أنا أنادي أن نعطيها إياه بما يعادل قيمته الحقيقية بتاريخ الوفاء، بتاريخ الطلاق أو الانفصال أو.. فيه عنّا كتير رجال قضاة ورجال دين هم لوحدهم أحسوا أن المرأة مظلومة، كتيرين رفعوا المؤخَر للزوجة.
روان الضامن: في تشرين أول، أكتوبر عام 2005 صدر مرسوم جمهوري بتعيينك رئيس اللجنة القضائية السورية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق المرحوم رفيق الحريري، وقد قمت باستجواب أشخاص سوريين في مناصب هامة وحساسة وردت أسماءهم في تقرير اللجنة الدولية..
[شريط مسجل]
غادة مراد: ..التحقيق في قضية اغتيال المرحوم رفيق الحريري، والتعاون مع لجنة التحقيق الدولية التي يرأسها القاضي الألماني ديتليف ميليس، ومع السلطة القضائية اللبنانية، في سبيل التوصل إلى الحقيقة، والكشف عن هوية فاعل الجريمة وكل من ساهم في ارتكابها.
[نهاية الشريط المسجل]
روان الضامن: كيف تعاملتِ مع هذا التكليف؟
غادة مراد: أولاً، التكليف انا أعدّه ثقة كبيرة من السيد الرئيس لي، وتكريم لي، صحيح أن المشكلة شاقّة وكبيرة ولكن عددته كأنه وسام لي، أن أتكلف بأعلى لجنة. لكن المهمة صعبة لأنه لم يسبق أن مجلس الأمن تدخّل بهكذا موضوع، مجلس الأمن يتدخل بالنزاعات بين الدول، أما اغتيل فلان أو فلان بدولة عربية، يتدخل بتشكيل لجنة، هذه لم تسبق..
روان الضامن: يشكل لجنة ويشكل محكمة كمان.
غادة مراد: شكّل لجنة وهلّق سيشكلوا محكمة والتحقيقات ما انتهت. إسرائيل اغتالت كذا شخصية من فلسطين، وكلهم مهمين وكلهم لهم مراكزهم، ليش ما شكلوا لجنة؟ تأكدي تمام، أنا سمعت شهود، وشهود كانوا بلبنان، بيقولوا لي صار الانفجار، لسه ما نعرف مين الانفجار، شو هو، مين اللي اغتيل، مين اغتال، شو هو الحادث، سمعانين الصوت، بتجي باصات بتنزل أشخاص لبنانيين بيكتبوا على الحائط سورية قتلت الحريري، قال لي، لسه ما تبين أنه قُتل أم لم يُقتل. حتى فيه ناس لبنانيين جاؤوا وشهدوا عندي هالشهادة.
روان الضامن: في التقرير السابق للجنة ميليس قالوا، أن سورية لم تتعاون بالدرجة الكافية، ما تعريف الدرجة الكافية قانونياً؟
غادة مراد: ميليس أولاً ما اشتغل بوصفه قاضي، ميليس كان موجّه سياسياً، كان شو يقولوا له، سورية ما تعاونت، يقول سورية ما تعاونت. أما الحقيقة نحن من أول يوم كان يهمنا أن نعرف الحقيقة، نحن يهمنا نعرف الحقيقة مثلنا مثل لبنان، خاصة كمان أدانونا. وعرضنا على ميليس، وأنا لما استلمت اللجنة بعثت له أكثر من رسالة وطلبت منه نتعاون، ما رضي يتعاون معنا. المفروض يعطينا التحقيقات، يطلعنا على التحقيقات، يطلعنا على مكان الحادث، على ضبط التفجيرات، على.. لم يقبل أن يتعاون معنا أبداً…
[شريط مسجل]
غادة مراد: باعتبار أن المعهد يوازي دراسات عليا باعتبار أن الطلاب متخرجين من الحقوق، كانوا يجيبوا لي كل واحد أن أكلفه أن يقول اجتهاد ونعرضه للمناقشة، يعني هالاجتهاد صح أو خطأ، أحياناً فيه تعارض بالاجتهادات، نقول لهم طيب مين مع هذا الاجتهاد، مين مع هذا الاجتهاد، يعني كان فيه حركة فكرية على طول بالصف ومناقشة، إحدى الطالبات هي وطالعة عمتستلم شهادتها تقول لي: ستكونين أنت قدوة لي.
المحامي ماهر الصمادي: كنا عند أحد القضاة، أنا أترافع بقضية، فذكرت للقاضي الرأي الفقهي اللي موجود عندي، فاستغرب القاضي، قال لي: هذا الرأي الفقهي صار له زمان وغريب أن تستعمله بهالوقت، قلت له الأستاذة غادة مراد هي التي أعطتني هذا الرأي، فهو قال لي، الأستاذة غادة مراد وهو مستغرب، قال لي: هذه أستاذتنا كلنا.
[نهاية الشريط المسجل]
روان الضامن: تدرّجتِ في اثني عشر منصباً قضائياً خلال أكثر من 30 عاماً، وبعد التقاعد الحكومي في آب/أغسطس عام 2006 عدتِ إلى مهنة المحاماة التي بدأتِ بها. هل المحاماة والقضاء وجهان لعملة واحدة؟
غادة مراد: هم هيك بيقولوا، لكن الحقيقة ليسوا وجهين لعملة واحدة، لأن القاضي يكون يحكم بالحق، بالعدل بين اثنين، المحامي يكون يدافع عن وجهة نظر موكله، يحاول أن يُظهر الحقيقة، ولكنه يدافع عن موكله، حتى لو جاءك إنسان مجرم وتعرفينه أنه مجرم تحاولين تساعديه، تخلقين له أسباب مخفِفة ليخففوا عنه العقوبة، القاضي لأ، القاضي يحكم بالحق وبالعدل.
روان الضامن: القاضي عندما تكون أم، هل تستطيع دائماً أن تحكم بالعدل؟ أيهما أصعب القضاء أم التربية؟
غادة مراد: القضاء أم التربية؟ القضاء، عندك قضية معينة عمتحكمي فيها. التربية، طفل بده ينشأ وياخد منحى بحياته، التربية أصعب.
غادي فخري: أخدت قراري أنا من زمان أنه بدي أدخل بنفس المجال، بس ما قلت لها، خليتها بنفسي، لأنه كانت تعارض هي أن أدخل نفس المجال.
روان الضامن: ليه كنت تعارضي أن يدخل حقوق؟
غادة مراد: لأني أعرف أن مهنة المحاماة مهنة حلوة ولكن شاقة، مهنة القاضي مهنة شاقة جداً. بس أفتخر فيه، يعني لما بيجوا قضاة بيحكوا لي عنه، أول ما دخل على المحاماة ما حدا بيعرفه أنه ابني، لأنه كنيته فخري وأنا كنيتي مراد، بعدين لما يدروا أن هذا ابني يأتوا يقولوا لي، والله وقفته حلوة، مؤدب، مهذب. إيه أنا انبسط، أنه صحيح يقولوا لي، إيه قد حاله ومدري شو، أقول لهم: معقول، غادي قد حاله؟ أنا أفتخر فيه أنه الحمد لله كان كوّيس.
روان الضامن: بجهد متواصل، وإرادة قوية، فتحت المجال للمرأة أن تصل إلى أعلى المناصب على مستوى الوطن العربي، وأيضاً اليوم في سورية هناك أكثر من 180 امرأة في سلك القضاء، هل أنت راضية عن هذه النتيجة؟
غادة مراد: الفتيات وصلوا إلى مراكز مهمة بالقضاء. مثلاً هلق عنّا رئيسة غرفة، اثنتين بمحكمة النقض، عندنا مستشارات بمحكمة النقض، عندنا رؤساء غرف استئنافية كمان سيدات، عندنا محاكم البداية ثلاثة أرباعهم سيدات قاعدين على الأقواس، عندنا مفتشات قضائيات، فيه عندنا بالتشريع سيدة أيضاً، الحقيقة وصلوا لمناصب وأثبتوا موجودية. يعني المرأة عندنا لم تفشل بالقضاء أبداً، الحمد لله، ما بدي أقول، أحسن من الرجل، يقولوا أنها منحازة، لكن مثل الرجل، الحمد لله.