سامية التمتامي.. طب الوراثة البشرية
– السيرة الذاتية لسامية التمتامي
– الطريق إلى علم الوراثة
– إنجازات وأبحاث واكتشافات
– قضايا مهمة في علم الوراثة
– الأم.. الباحثة الحالمة
السيرة الذاتية لسامية التمتامي
روان الضامن: الأستاذة الدكتورة سامية التمتامي أول باحثة عربية تحصل على دكتوراه في علم الوراثة البشرية عام 1966 وتؤسس شعبة للوراثة البشرية في مصر تضم اليوم أكثر من مائة باحث وتكتشف أكثر من أربعين مرضاً وراثياً مسجلاً باسمها في المراجع العالمية. أهلاً وسهلاً بك في برنامج رائدات.
سامية التمتامي: أهلاً وسهلاً.
روان الضامن: ولدت في مدينة دمنهور في محافظة البحيرة لأسرة أبناؤها ولد وأربع بنات. كان ترتيبك الثالثة، أكبر منك سعاد وسعيد وأصغر منك سلوى وسهام. من كان وراء اختيار حرف السين لأسمائكم جميعها؟
سامية التمتامي: واضح أنه ماما، عشان ماما اسمها سيدة فكانت عائلة سين زي عائلة أسرة ميم، امبراطورية سين بقى.
روان الضامن: الوالد علي التمتامي خريج كلية الحقوق، والوالدة سيدة عطية محمد كانت مدرسة رياضيات قبل الزواج. ودرست في أربعينات القرن الماضي في مدرسة شبرا، ويقال إنك كنت حساسة كثيراً في المدرسة الابتدائية، كيف ذلك؟
سامية التمتامي: كانت المدرّسة تدخل وتزعّق وتقول، بطّلوا دوشة، بطلوا شقاوة أنا مش عارفة أدرّس منكم، أنتو ما تربيتوش أنتو ما عندكوش أخلاق. حاجات كده، فكنت أنا أتأثر جداً وأروّح أعيّط وأقولّهم أنا مش عايزة أروح المدرسة دي، المدرّسة بتشتمني. بابا قال، إزاي؟ تقدر تشتمك؟ أنا سآتي معك. فراح، قالت له، لأ، أنا لا أشتمها، عاوزني أقول، كل الفصل شقي وكله بيعمل دوشة إلا سامية؟
روان الضامن: كنتِ طوال سنوات المدرسة الأولى على الصف الدراسي، وحصلتِ لأجل ذلك على تعليم مجاني، رغم أن التعليم لم يكن مجانياً في ذلك الوقت.
سامية التمتامي: صح، مجانية التعليم، مجانية التفوّق.
روان الضامن: وكان الوالد له اهتمام خاص بمتابعة وتنظيم واجباتكم المدرسية، كيف ذلك؟
سامية التمتامي: الحقيقة يعني والدي الله يرحمه، كان كل يوم بعد.. كانت حياتنا منظمة جداً. يعني اتنين ونصف الغداء، كنا نسمع نشرة الأخبار ونتغدى، الساعة خمسة بالضبط نكون رحنا غرفنا، وطلعنا من الغرف ونبتدي بقى طابور، كل واحد يجيب الدروس بتاعته يسمّعها له، يحضّر الدرس بتاع بكره، فكان الاهتمام واضح جداً وكان عندنا نظام كأننا جيش.
سامية التمتامي: الروشيتة دي بقى يعني لها ذكريات، يعني يمكن هي السبب الرئيسي اللي خلاني أبقى طبيبة. ده الدكتور إبراهيم ناجي كان طبيب وشاعر معروف، ده إحنا كنا ساكنين في شبرا وهو كان الطبيب بتاع الأسرة في شبرا. فكنت أنا عييت عيا طويل، جالي Typhoid Fever وأنا في الابتدائية، كان عندي حوالي 9 سنين وشوية، وكان يجي تقريباً يزورني كل أسبوع، وكان يجي يقول، الراس الكبيرة دي حتطلع طبيبة. فأنا فعلاً كنت معجبة به جداً، بعلمه وفنه، وده يمكن من الابتدائي وأنا قررت أن أبقى طبيبة علشان قد إيه كنت برتاح له، وقلت قد إيه الطبيب بيبقى مريح، ودي مهنة إنسانية جميلة أحب أنا أشتغل فيها.
روان الضامن: ثم دخلت مدرسة الأميرة فوزية الثانوية، وفي ذلك الوقت دخل أخوك الأكبر سعيد كلية الطب. هل زاد ذلك من اهتمامك بأن تصبحي طبيبة؟
سامية التمتامي: طبعاً يعني أنا أول ما هو دخل الكلية وجاب الكتب بتاعة الأناتومي والفيسيولوجي، كل الكتب اللي كانت مقررة علينا، يوم ما جابها واشتراها، كنا.. مسكتها أنا قرأتها، يعني بقيت شغلي الشاغل أن أقرأ كتب الطب حتى قبل أن أدخل كلية الطب.
روان الضامن: هل صحيح أنك كنت تقرأين قواميس اللغة أيضاً؟
سامية التمتامي: فعلاً. كنت لما ألاقي أنني خلّصت الكتب أو قرأت كتير جداً كنت أمسك القواميس أقرأها وأشوف كل كلمة معناها إيه والمرادفات بتاعتها إيه.
روان الضامن: وقامت ثورة يوليو 1952 وأنت على أبواب دخول كلية الطب. هل كان الجو العام مهيأً للثورة أم أنه، يعني هل فوجئت بها؟
سامية التمتامي: لا، ما حصليش مفاجأة أبداً، علشان كان الشعب في ثورة جامدة جداً، وكان فيه حالة تذمّر، وكان يقال ساعتها، مجتمع الخمسة في المائة، والباقي كله يعني، كان فيه طبقات، فيه تفاوت كبير جداً في الطبقات، فكنا فعلاً متوقعين أن لازم سيحصل ثورة وأن الوضع هذا كان مش ممكن يستمر. واللي كنت ملاحظاه مثلاً، حتى في البعثات، طبعاً كل تطلعاتنا كانت دراسية، فكنا نلاحظ أن الناس، طبقات معينة، هي اللي تسافر بره وتتعلم. الحمد لله أول ما حصلت الثورة كلنا تفاءلنا وأحسسنا أن فيه أمل أننا ممكن نسافر بره ونتعلم بره وهذا فعلاً الذي حصل. في الشعب كله حصل فرح كبير جداً بهذه الثورة. ابتدوا كل الشباب بقى في الجامعات يعملوا حرس وطني، حتى في الآنسات، يعني كان عندنا حرس وطني وأنا كنت مشتركة في الحرس الوطني وحتى تعلمت إزاي أضرب بالبندقية وأحطها في كتفي وتروح خابطة كتفي للوراء كده، كانت أيام جميلة وكلها نشاط.
روان الضامن: دخلتِ كلية الطب وتغير اسم الجامعة من جامعة فؤاد الأول إلى جامعة القاهرة، هل كان هناك عدد كبير من الفتيات في ذلك الوقت في كلية الطب؟
سامية التمتامي: نعم، كان فيه، بس مش كتير أوي، يعني الدفعة بتاعتي مثلاً كلها كانت حوالي 300، كانوا الطالبات فيها حوالي 20 أو 25، من 20 لـ 30 كده فيعني نسبة مش بطّالة برضه.
د. إيزيس غالي/ صديقة سامية في الجامعة: الدكتورة سامية التمتامي طبعاً هي من أعز أصدقائي، كنا نذاكر سوا في بيتها. هي أولاً ذكية جداً جداً، ومتميزة، عارفة بالضبط ماذا ستعمل، يعني هي عارفة أننا حنخلّص الكلية، نعم بس سأتخصص في إيه؟
سامية التمتامي: اشتركت في فريق البينغ بونغ، وتنس الطاولة، وكنت أسافر وأعمل بطولات، وكمان كنت من أوائل الناس اللي اشتركوا في التجديف، وفاكرة كويس جداً أنني كنت أجدّف من أول، يعني كل النيل بتاع القاهرة من أوله لآخره. عمري ما حسيت أن الرياضة عطلتني عن أي حاجة، بالعكس كان نشاطي يزيد أكثر وتبقى قابليتي للدراسة أكتر من الأول… سنة 1952 بدأنا بقى في نفس عنابر القصر العيني نزور المرضى، ونشوف الأمراض المختلفة، على مدى الخمس سنين اللي بعد كده، كانت تستهويني الأمراض اللي هي عندهم تشوهات اللي حاسّة أن هي أمراض مزمنة، وما كناش عارفين سببها، يعني أقول يا ترى الطفل ده طالع بست صوابع ليه؟ طالع ما عندوش إيد ليه؟ طالع وجهه عامل كده ليه، منظره كده؟
روان الضامن: تخرّجتِ من كلية الطب عام 1957 بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف الأولى وكنت الأولى على الطبيبات الإناث، وعملت بعد ذلك في مستشفى أطفال جامعة القاهرة، مستشفى أبو الريش، ثم حصلت على دبلوم طب الأطفال وكنتِ الأولى على الدفعة. ماذا تذكرين عن عملك في المستشفى؟
سامية التمتامي: الحقيقة يعني طبعاً عملي في مستشفى أبو الريش كان هو الأساس لاهتمامي بالحالات المستعصية، كنت أقف أمامها محتارة وأتألم للألم بتاعها، كانت لغز، و أنا كنت فعلاً غاوية ألغاز، وكانت الوراثة يادوب بادية، في الوقت ده بالذات، سنة 1956 اكتشفوا العدد الأصلي للكروموسومات، قبل كده ما كانتش معروفة، فلما، يعني لقيت ده بقى..
روان الضامن: يعني العدد الأصلي للكروموسمات داخل خلية الإنسان هو أساس الوراثة يعني.
سامية التمتامي: بالظبط، اللي هو داخل النواة بتاعة الخلية هو الذي يحمل الصفات الوراثية. وقلت هو ده بقى العلم اللي حيكشف لي الألغاز اللي أنا مش عارفة أحلّها دلوقت.
د. مصطفى رأفت محمود/ زوج ساميةـ أستاذ بمعهد الأورام: باباها كان الحقيقة من الشخصيات المثالية، وما كانش مادي أبداً، وحتى قال لي بمنتهى البساطة، على قد أنت ما ستدفع أنا سأدفع، وأنتم الاثنين سأعطيكم الفلوس في إيدكم وروحوا جهزوا بيتكم بالطريقة اللي أنتم عاوزينها. بس كان أهم حاجة طلبها مني وأكدها تاني، خليها توفّي طموحها العلمي.
روان الضامن: تزوجت سامية التمتامي من زميلها الطبيب مصطفى رأفت محمود. وسافرا عام 1961 لدراسة الدكتوراه في أمريكا. وبالتحديد في جامعة جونز هوبكنز ببالتيمور في ميريلاند.
سامية التمتامي: الطريق ما كانش مفروش بالورود أبداً، يعني اللي يظن كده يبقى غلطان، يعني الحقيقة كان طريق صعب ما كانش ممهد أبداً، وكانوا طبعاً مستغربين أن سيدة آتية من مصر وطبيبة وآتية تدرس في أمريكا العلم الجديد ده، يعني كان فيها برضه نوع من التحدي، وكانوا يقولوا لي، خدي بالك أنت إذا ما نجحتيش في الامتحانات، يعني كان فيه امتحانات تمهيدية، يختبروا قدرات الواحد الأول، وبعدها يقولوا اللي ما ياخدش إيه flying colors في كل حاجة مش حايدخل علشان فيه مئات..
روان الضامن: الذي لا يحصل على أعلى الدرجات لا يُختار.
سامية التمتامي: آه، أعلى الدرجات في كل المواد، لا يمكن يلتحق وياخد منحة لدراسة الأمراض الوراثية أو الوراثة.
روان الضامن: هل زاد من الصعوبات أنك أنجبت ابنتك الأولى هناك، الكبرى؟
سامية التمتامي: نعم، طبعاً، هي بالذات كانت هذه أيضاً مشكلة، وأتذكر للأسف لاحظنا أن عندها عيب خلقي في القلب وكانت مريضة، فيعني مش بس أنها طفلة ولدت هناك مع صعوبة أن ما فيش أهل ولا قرايب، فكانت المشكلة أيضاً صحتها أنها كانت مريضة، فكانت هذه لوحدها صعوبة كبيرة جداً قابلتنا. كان لازم أنا والدكتور مصطفى نتعامل إحنا الاتنين ندرس فكنا نقسم وقتنا، هو ياخد باله شوية منها وأنا آخد بالي شوية، بس حتى أول ست شهور قعدت ما درستش تماماً، وفضلوا معلّقين المنحة بتاعتي لحد ما خلّصت وبعد كده كمّلت الدراسة.
روان الضامن: عملتِ تحت إشراف البروفسور فكتور مكيوزيك، وكنت محظوظة لأنه يُعتبر رائد الوراثة البشرية. ماذا تعلمت منه؟
سامية التمتامي: تعلمت منه الحقيقة حاجات كتيرة جداً، تعلمت منه حب العلم أكتر، يعني كان عنده في القسم بتاعه كنا خمسة، أول ناس درسنا علم الوراثة البشرية في العالم، كنا خمسة نعمل تحت إشرافه.
بروفسور فكتور مكيوزيك/ رائد علم الوراثة البشرية الطبية في العالم: الأول كان الدكتور إيمري عام 1965، الثانية كانت الدكتورة التمتامي عام 1966، والثالث الدكتور ريمون عام 1967 ثلاثتهم قادة الوراثة الطبية في العالم حتى اليوم. رسالة الدكتورة التمتامي كانت حول وراثة تشوهات اليد، وما فعلته هو جمع جميع الحالات التي استطاعت للأشكال المختلفة لتشوهات اليد.
" بحثت في تشوهات الأطراف وقسمتها لمجموعات، وهذه الأبحاث ستفيد العالم كله، وستفيد مصر وكل أطفال العالم " |
سامية التمتامي: وبعدين لما قرأت تشوهات العظام كلها لقيت فيها حاجات كتير من تشوهات الأطراف، قلت، الله ده يعني تشوهات العظام ناس كتير درستها وألفوا فيها كتب وحاجات إنما تشوهات الأطراف دي لقيتها ملخبطة تماماً، يعني لدرجة أن لما حد يوصف أي طفل عنده تشوه يقولوا بس تشوهات أطراف ما يقولوش نوعها إيه، فأنا ابتديت بقى أشوف أنها أنواع مختلفة وقسمتها لمجموعات معينة، كل مجموعة تختلف عن التانية، تختلف في المظهر وفي الوراثة وفي الأجزاء الأخرى من الجسم اللي فيها المرض، فحسيت أن هو Field جديد، فأنا حسيت فعلاً أنني إذا ضيّعت عمري في حاجة زي كده، ما حدش عملها قبل كده في العالم ستفيد العالم كله وستفيد مصر وكل الأطفال في العالم.
روان الضامن: ونتجت، يعني رسالة الدكتوراة مجلدين ضخمين، طوّرتها بعد ذلك في مرجع. ما أهمية هذا المرجع اليوم؟
سامية التمتامي: المرجع ده إلى الآن كل الناس تقرأه، إلى الآن، يعني شوفي حضرتك من سنتها لحد دلوقت أعيد طبعه ثلاث مرات، مليان صور وفوق عن ستمائة صفحة.
روان الضامن: وحتى الإهداء كان لهؤلاء الأطفال.
سامية التمتامي: نعم أنا كتبت هذا، إلى الأطفال المعاقين. والسلام.
سامية التمتامي: في جونز هوبكنز كان فيه ندوة كل سنة تتعمل لقصار القامة، الحاجة المهمة اللي فيه أنه مش مؤتمر علمي بس، يعني كانوا يدعون له العلماء المختصين بالموضوع من كل الأوجه، والمرضى أنفسهم مشاركين في هذه الندوة، يحضرون هذه الندوة، يحصل نوع من التوعية وأنهم نفسهم يفهموا هذا المرض بتاعهم، وبرضه يحسوا أنهم ليسوا الوحيدين اللي عندهم هذا المرض.
روان الضامن: ربما هنا يجب أن نتوقف قليلاً لتشرحي لنا بشكل مبسّط ما هو علم الوراثة البشرية، خاصة أنك ألفت كتاباً باللغة العربية لتوضحي أهمية هذا العلم.
سامية التمتامي: علم الوراثة البشرية أعتقد أن هو علم أساسي يعني لازم كل الناس تعرفه. علشان الوراثة هي أساس الحياة، يعني الحاجة اللي الواحد يوثها، الصفات اللي الواحد يرثها زائد البيئة المحيطة به هي التي تكوّن كل حاجة. يعني سواء كانت الحالة المرضية أو الحالة الصحية، الاثنين مبنيين على الوراثة والبيئة، فالبيئة لها اللي بيدرسوها والوراثة كمان لها اللي بيدرسوها.
روان الضامن: ربما أكثر شيء لا يفهمه الناس أن الشخص يكون حامل للمرض لكن غير مصاب به.
سامية التمتامي: لا هي دي سهلة جداً، يعني كل شخص مننا يرث من أمه كروموسوم ومن أبوه كروموسوم.. يعني نحن عندنا 46 كروموسوم، الـ 46 كروموسوم اللي في الخلية نصفهم من الأب ونصفهم من الأم. فالجينات يعني الناس تتصور كأنها خرزة في عقد، يعني عقد كده، العقد اللي هو الكروموسوم كل خرزة فيه، نقول ده جين، فالخرز ده برضه تبقى واحدة جاية من الأم، وواحدة جاية من الأب ففيه أمراض وراثية تظهر لما جين واحد يبقى مريض، فيه أمراض وراثية تظهر لما جينيان يبقوا مريضين.
روان الضامن: احتفلتِ في شباط/ فبراير عام 1966 بعيد ميلادك الواحد و الثلاثين وبأنك أول عربية تحصل على دكتوراه في علم الوراثة البشرية وقررت العودة إلى مصر رغم عدة عروض أمريكية مغرية. لماذا؟
سامية التمتامي: الحقيقة أنا من قبل ما أسافر أمريكا وأنا عارفة أنني سأرجع، عشان كنت دائماً أقول أن الواحد إذا ولد لأسرة فقيرة ومعدمة وبعدين طلع جنبه واحد جاره غني هل سيترك أسرته ويروح يبقى ابن الناس الأغنياء؟ مش ممكن، هذه أسرتي، هذه اللي ربتني، مصر هي اللي أنجبتني، إزاي علشان مصر مثلاً إمكانياتها مش زي أمريكا أروح وأقعد في أمريكا وما أرجعش مصر أفيدها، طيب لما كل الناس تروح وما ترجعش، الدول تنمو إزاي؟ طيب ما هو أي دولة في العالم تنمو بأبنائها، ما تتصوريش حضرتك اللذة والسعادة اللي الواحد يحسها لما يحس أنه يعمل حاجة لوطنه.. أنا رجعت، ما كانش حد في المركز القومي للبحوث يعرف ماهو علم الوراثة البشرية خالص، يعني أول ما رجعت المركز القومي للبحوث كنت لوحدي أشتغل كل حاجة بنفسي، ابتديت جبت مساعد فني اشتغل معي أكثر من عشرين سنة في الحتة دي، وبعدين هنا الغرفة هذه كانت طُرقة عملناها لوحدها كده، عزلناها وكنا حاطين فيها أول ميكروسكوب فلوريسنت عشان نفحص به الكروموسومات كان في الحتة دي. يعني ما تتصوريش كنت أشتغل حاجات بدائية جداً وطبعاً هذه كانت صعبة، مش حاجة سهلة، يعني لما تقارني الإمكانيات التي ابتدأت بها هنا مع الإمكانيات التي كانت متاحة في أمريكا، فرق كبير.
روان الضامن: من المصادفات أنك عدت في نفس العام الذي اشتُهر فيه اسم الطبيب والشاعر الكبير إبراهيم ناجي لأنه في عام 1966 غنت أم كلثوم الأطلال. كيف كان شعورك عندما اشتُهر اسم إبراهيم ناجي على المستوى العربي وهو الذي كان الحافز لأن تصبحي طبيبة؟
سامية التمتامي: طبعاً كنت سعيدة جداً، وأول حاجة عملتها جبت ديوان الشعر بتاعه، وإلى الآن عندي في مكتبتي وأحب أن أقرأه، يعني الحقيقة برضه الدكتور إبراهيم ناجي حببني في الشعر جداً وبدأت أقرأ أيضاً..
روان الضامن: يعني لك ميول فنية شعرية أو موسيقية؟
سامية التمتامي: جداً، شعرية، أحب الشعر وأحب الموسيقى، كل أنواع الموسيقى يعني أحبها كلها.
روان الضامن: من عام 1966 إلى عام 1977 عندما تأسس القسم..
سامية التمتامي: كنت مصرة..
روان الضامن: بقيتِ مصممة.
سامية التمتامي: فضلت مثابرة، مثابرة لحد، الحمد لله، سنة 1977 كان عندنا مدير متفهم جداً، يعني متفتح للعلم، الأستاذ الدكتور محمد كامل عرف أهمية الوراثة البشرية وأنشأ لها أول قسم.
د. حسام محمد كامل/ نائب رئيس جامعة القاهرة: دخل علي الوالد ومعه كتاب أطلس، عن التغيرات الوراثية في اليد، وقال لي، بُص في ده. فنحن كـ Undergraduates ما كنّاش ندرس علم الوراثة البشرية، فأنا أثار انتباهي هذا الأطلس وقعدت أقلّب فيه ولقيته أطلس من مستوى عالمي الحقيقة، يعني علم قيم جداً ومثير جداً، فقلت له، أنت جبت ده منين؟ فقال لي أن مؤلفة هذا الأطلس، هذا الكتاب، هي طبيبة في المركز القومي للبحوث، أستاذة اسمها الدكتورة سامية التمتامي.
سامية التمتامي: ابتدأت أحط حجر الأساس في كل فروع الوراثة البشرية. كنت أبتدي بواحد وعلى ما يبتدي يتعلم شوية أبتدي وراه بسنة أو بسنتين أبتدي أحط حد تاني، دائماً حاطّة في مخي فيه احتمال حد من الاتنين تجي له ظروف يضطر يسافر بلد عربية، يسافر بره، فدائماً بيبقى فيه حد احتياطي على أساس أن أضمن استمرارية الفرع ده، وكنا ملاحقين العالم كله في التقدم في علم الوراثة البشرية.
د. آمال محمود/ رئيسة شعبة الوراثة البشرية وأبحاث الجينوم: يعني سافرت مؤتمر، زارت معامل، معاها نوتة، تروح للـ Technician اللي واقف في المعمل وتقول له مثلاً، التكنيك ده الجديد علشان تنقله لمصر.
د. يحيى زكريا جاد/ رئيس قسم الوراثة الجزيئية الطبية: تشرفت أنني تتلمذت على يديها في الماجستير والدكتوراة، من أكتر الناس اللي أنا قابلتهم في حياتي عندهم دقة علمية شديدة. الأستاذ يبقى عنده بعض القلق من الصغيرين أنهم لما يكبروا أن ينافسوه، لكن هي عمرها ما أعطتنا هذا الشعور ولا واحد على مليون حتى. كانت دائماً تراعي.. وهذا سمة العالم الحقيقي، أنه يفرح لما أولاده يكبروا لأن عمرهم ما حينافسوه، وهو لما يكبروا هو بيكبر بهم، معاهم يعني.
هاني الناظر/ رئيس المركز القومي للبحوث: هذه ميزة موجودة فيها، أنها لما يجي خريج كلية الطب الجديد، لسه طبيب صغير يعمل معاها، تحتضنه، وبنفس الوقت تبقى قدوة له، علشان كده نجد مدرستها كلها باستمرار يفتخروا بها. يمكن أنا مرة حضرت مؤتمر كان في إيطاليا وكنا قاعدين نتكلم مع بعض فأعّرفهم أنني طبيب باحث في المركز القومي للبحوث، فأستاذ، قال لي أنت من عند الدكتورة سامية التمتامي؟ يعني شوفي قد إيه الأسم العلمي، وأنا كنت فخور ساعتها قلت له أيوه، ورغم أنه مش تخصصي قلت أيوه، لأن ده يدل على أن صاحب هذا الاسم له مدرسة علمية ليس فقط في الداخل ولكن على المستوى العالمي، فالحقيقة الدكتورة سامية باستمرار لما نسافر بره بتكون أحد الأسماء العربية البارزة. وأنا سعيد الحقيقة أنه في برنامجكم تذكروا هذا، لأننا دائماً متعودين، الحقيقة، نكرّم ونذكر علماءنا اللي في الخارج، لحد ما ننسى أن لدينا علماء في الداخل على مستوى يقارب، إن لم يكن يتميز عن، كثير من العلماء العرب الموجودين في الخارج.
روان الضامن: خلال ثلاثين سنة فقط تمكنتِ من تحويل قسم صغير للوراثة البشرية إلى شعبة للوراثة البشرية تضم اليوم سبعة أقسام فيها أكثر من مائة باحث، وأشرفت على ستين رسالة دكتوراه وخمسين رسالة ماجستير، ورغم ذلك أنت غير راضية عن تدريس علم الوراثة البشرية في عالمنا العربي. لماذا؟
سامية التمتامي: والله يا روان يعني ثلاثين سنة هذه مش فقط، هذا عمر، فيعني بالنسبة للتدريس بتاع علم الوراثة البشرية في العالم العربي كله، يعني أنا مش شايفاه ماشي مع قواعد اللي حطتها الـ (دبل إتش أو) الهيئة الصحية العالمية..
روان الضامن: منظمة الصحة العالمية.
سامية التمتامي: من سنة 1966، يعني لما رجعت من أمريكا كانت منظمة الصحة العالمية حطت خطوط Guidelines تقول للناس في الجامعات يدرّسوا الوراثة البشرية إزاي عشان برضه حسوا أن هذا علم المستقبل، وخصوصاً بعد النجاح في اكتشاف أن الـ (د.إن.إيه) التركيب بتاع الـ (د.إن.إيه) نفسه، الحمض النووي، واكتشاف الخريطة الجينية وفك الشفرات الوراثية وكل الحاجات دي وكل ده تقدّم كله في الوراثة البشرية وفي الهندسة الوراثية اللي هي فرع من فروع الوراثة البشرية.
روان الضامن: وشاركتِ مع باحثين مصريين وأجانب في أكثر من 240 بحثاً علمياً في دوريات طبية دولية ومحلية. وأحد الباحثين علّق يقول، الدكتورة سامية التمتامي لم تترك فرعاً من فروع علم الوراثة البشرية إلا وبحثت فيه. من أين وجدت الوقت لذلك؟
سامية التمتامي: والله ده توفيق من عند ربنا، أنني أقسّم وقتي، يعني أعطي لكل حاجة حقها، وبس طبعاً الوقت بتاع العلم طغى برضه، طغى على حاجات كتير. تقدري تقولي عشق للعلم مش حب بس، يعني أنا سعيدة جداً أنني عاصرت عصر السموات المفتوحة، وحتى اتصال مباشر بالعلماء علشان نقارن الحالات اللي عندنا وده لفايدة التشخيص بتاع المرضى.
د. مصطفى رأفت محمود: شغلها بياخد أغلب وقتها، عندها نوع جامد من المثابرة، يعني ممكن مثلاً تقعد على الكمبيوتر ثلاث أربع ساعات علشان عاوزة توصل لحاجة معينة. طبعاً لما الإنترنت دخلت بقى والكمبيوتر فتلاقيها بتقضي جزء كبير جداً من حياتها مع الإنترنت.
سامية التمتامي: الحمد لله مع وجود زوج متعاون، الدكتور مصطفى رأفت هو أستاذ في معهد الأورام، نساعد بعض وهو يشجعني جداً على البحث وعلى العلم… المكان ده كنا عاملينه أول عيادة استقبلنا فيها مرضى الأمراض الوراثية علشان هي مكان متطرف يعني بعيد في المركز فكنا نقدر العيانين يجولنا من بره هنا أو نشوفهم هنا، وكان عندنا سراير كشف نكشف عليهم ونعمل كل الفحوصات الإكلينيكية في هذه المنطقة. كنت أشوف ساعات حالات على السلم، يعني كان عندنا عيادة على السلم، بعدين برضه مع اقتناع الإدارة، لحد ما، الحمد لله، تم افتتاح عيادة خارجية ابتدينا بالوراثة البشرية، عندنا الآن عيادات طبية متكاملة في مبنى الوحدة الطبية في المركز القومي للبحوث.
روان الضامن: اكتشفتِ حتى الآن أكثر من أربعين مرضاً وراثياً مسجلة باسمك في المراجع العالمية وتُعرف بـ Timtamy Syndrome هل يمكن إعطاء مثال واحد على مرض وكيف اكتشفته؟
سامية التمتامي: الحقيقة يعني أنا معتزة جداً بأول مرض وراثي اكتشفته، علشان هذا بمجهود خاص بحت. يعني أنا لو تعرفي ابتديت إزاي، كنت ماشية في طُرقة، في جونز هوبكنز، لقيت حالة حتى ما كانت جاية للوراثة، لقيتها ماشية في الطُرقة، أقنعتهم أن يحوّلوا الطفلة إنها تجيلنا في عيادة الوراثة هناك علشان أنا اشتبهت على طول أن هذه حاجة جديدة، رحت بقى بصيت في الـ Literature كله، في كل ما تم نشره في العالم عن هذا المنظر، هذه المتلازمة، التشوهات المتعددة هذه، فاكتشفت أن أول واحد في العالم كان طبيب انجليزي جراح اسمه كاربنتر، وصف أخوات مصابين بالمتلازمة دي بالظبط زي البنت اللي أنا شفتها..
روان الضامن: نفس الشكل للحالة التي رأيتها؟
سامية التمتامي: نفس الشكل للحالة اللي أنا شفتها. بعدين أنا الحمد لله عندي قوة ملاحظة شديدة، فيعني أقارن بسرعة بين حاجة والحاجة التانية، ولاحظت بقى أنه في المراجع العلمية ناس يشخّصوا الحالات اللي بالشكل ده بمرض وناس تانيين يشخصوه مرض تاني، مافيش حاجة اتفقوا عليها. فأنا قلت لأ ده هو لا ده ولا ده، ده مرض جديد خالص وزي الحالات اللي وصفها كاربنتر، وجمّعت من المراجع الطبية حوالي 11 أسرة عندها المرض ده، ونشرتها في مجلة الأطفال الأمريكية. وحتى كنت أيامها في هوبكنز وأريت النتائج بتاعتي لماكيوزك، انبهر، فقلت له، طيب أحط اسمك معي، قال لي، لا يمكن، أنا ما حطتش حرف في البحث ده، تحطي اسمي إزاي؟ ده مجهودك وسهرك وشغلك وملاحظتك. ففعلاً كان أول بحث نشرته على مرض وراثي جديد، سميته Carpenter Syndrome، باسمي لوحدي وبمجلة أمريكية عالمية عن طب الأطفال.
روان الضامن: بعد ذلك، حتى الآن، 40 مرض وراثي جديد.
سامية التمتامي: الحمد لله، يعني زي ما تقولي بقيت هواية عندي.
روان الضامن: وصلك اليوم بحث علمي منشور في المجلة الأمريكية للوراثة البشرية الطبية، لباحث أمريكي يكتب عن مرض وراثي شبيه بأحد الأمراض التي اكتشفتها، وفي العنوان الرئيسي يقول، Similar to Timtamy Syndrome شبيه بـ Timtamy Syndrome.
سامية التمتامي: بقينا نوصل للجينات نفسها اللي بتعمل أمراض وبتتحدد ولكن إحدى المحاولات أن يعرف مكان الجين بتاع مرض Timtamy Syndrome .
روان الضامن: دلّت الأبحاث العلمية بما فيها أبحاثك أن أهم سبب للأمراض الوراثية هو زواج الأقارب، ما تفسير ذلك؟
" أهم سبب للأمراض الوراثية هو زواج الأقارب، وكلما قويت درجة القرابة، كلما ازداد تشوه الجينات " |
سامية التمتامي: تفسير ذلك، فيه جذر مشترك، فالجذر المشترك ده يوزّع الجينات فكل ما درجة القرابة قربت كل ما تشوّه الجينات زاد. يعني أي اثنين مقبلين على الزواج لما يكونوا سيتزوجوا قرايبهم لازم يعرفوا أن فيه خطورة، لأنه لو فيه مرض موجود بنسبة مثلاً.. يعني بتزيد النسبة على الأقل أربع مرات عن الشخص الطبيعي، يعني عن اللي لم يتزوج قريبه.
روان الضامن: دعا التوجيه الديني للابتعاد عن زواج الأقارب، لكن النسبة في العالم العربي تصل إلى 40 بالمائة وربما أعلى في مصر، يعني النسبة العالمية 10 بالمائة ومع ذلك ترين أن الناس يقولون فلان وفلانة أقارب تزوجوا وأنجبوا أطفال، زي الفل، يعني هل هو نقص في الوعي لدى الناس؟
سامية التمتامي: بيقولوا أنه فعلاً، زي ما حضرتك قلت، أن هؤلاء قرايب تزوجوا وجابوا قرايب زي الفل، علشان احتمالات، يعني حظهم، يعني زي ما مثلاً أسرة يبقى اثنين حاملين المرض احتمال 25 في المائة أنهم يجيبوا أطفال عندهم المرض، وهذا اللي بيخلي الناس مطمئنة، تتصور أن الـ 25 في المائة هذه حاجة نادرة، لأ دي حاجة كتير، كتير جداً.
روان الضامن: ربما يغضبون في البداية، لكن لو وجدوا مثلاً الأطفال مصابين بأمراض ستكون الصعوبة أكبر في حياتهم.
سامية التمتامي: علشان كده برضه أنا أحب أصلّح معلومة، أن الناس كلها فاكرة أن قبل الزواج تحاليل، يروحوا المعامل وبس، الكلام ده مش صح، يعني تحاليل وفحص، فحص إكلينيكي علشان العيوب الخلقية بالذات.
روان الضامن: وممكن أيضاً أن تُكتشف أثناء الحمل وبعد الولادة.
سامية التمتامي: طبعاً، لما يبقى فيه ناس حاملين المرض أو فيه تاريخ عائلي لمرض معين في الأسرة، ننصح أن يحصل فحص أثناء الحمل، فحص للجنين، ساعات فحص للكروموسومات، ساعات فحص بالأشعة الفوق صوتية، ساعات فحوص بيوكيميائية، ساعات فحوص للحمض النووي، علشان نقدر نتجنب ولادة أطفال مصابين، أو علاجهم مبكراً.
روان الضامن: يعني مع تقدم العلم أصبح هناك إمكانية للكشف المبكر عن أمراض وراثية لدى الأطفال حديثي الولادة وتجنيبهم الإصابة بإعاقات خطيرة ومنها كشف يتم من خلال أخذ نقاط دم من كعب قدم الطفل حديث الولادة، ويُنصح بتغيير نمط الغذاء مثلاً، وإذا لم يُكتشف ولم يُعالج في هذه المرحلة؟
سامية التمتامي: يحصل مضاعفات خطيرة، من أشدها طبعاً التخلف العقلي والإعاقة اللي تفضل ملازماهم كل عمرهم، يعني لو كل..
روان الضامن: لكن لو عولج يكون سليماً مائة بالمائة؟
سامية التمتامي: جداً.
روان الضامن: وتم معالجة حالات في مصر، تم تطبيق هذا الفحص. لماذا لا يُعمم مثل هذه الفحوصات على بلادنا العربية، هل هو نقص التمويل أم الخبرة؟
سامية التمتامي: لا أنا أعتقد، يعني أنا أتكلم عن مصر، إحنا ما عندناش نقص خبرة، بالعكس، يعني التحليل سهل، وممكن نعمله عندنا، وبرضه في بلاد عربية كتير أعتقد أن هذا سهل، يعني مش قادرة.. مش عايزة أقول نقص، مش عايزة أقول. هي طبعاً يمكن برضه مش بس التجهيزات وكده، يمكن تكلفة العلاج هي اللي عالية، يعني خصوصاً إذا كانت الألبان أو الأغذية تستورد من الخارج، فإحنا برضه من الحاجات اللي بنعملها في المركز أنه دلوقت فيه مشروع جاري أننا نحاول نعمل اللبن ده، أو الأغذية دي بصناعة محلية، أن نقدر نعمل إنتاج محلي..
روان الضامن: للأطفال الذين يُكتشف عندهم المرض للعلاج.
سامية التمتامي: بالظبط، علشان تبقى التكلفة أقل، وبعدين أظن بعد كده مش حيبقى فيه سبب أبداً أن لا نكتشفه في حديثي الولاده.
روان الضامن: لكن هناك أخطار وراثية لايمكن علاج آثارها، مثل اليورانيوم المحرّم دولياً، المشع، يعني مثل مثلاً في غزو العراق أو غيره أدى وسيؤدي إلى أضرار، لأنه حدثت طفرات جينية تنتقل من جيل إلى آخر.
سامية التمتامي: طبعاً المواد المشعّة، كل الحاجات المشعّة، تؤثر على الـحمض النووي فتعمل فيه طفرات، فترين أن الطفرة دي لا تختفي، تفضل، حتى من أيام هيروشيما وناغازاكي، اليابان إلى الآن تعاني من أثر الطفرات الوراثية اللي حصلت نتيجة للانفجار الذري، والحاجة اللي تدخل في الجينات لا تطلع منها… في اليابان عندهم كمان رعاية مهمة جداً، كان كل طفل زي ما حضرتك شايفة، كل طفل له الممرضة بتاعته، يعني اهتمام فائق، نظافة شديدة وعناية فائقة بالمعاقين، يعني المعاقين ما يقدروش يعملوا حتى حاجة خالص، إنما كان اهتمام فائق بهم يعني يا ريت نشوفه في البلاد العربية، وكان فيه طريقة جديدة طالعة، أن الكروموسومات بدل ما نشوفها صغيرة، كنا نشوفها صغيرة، ابتدوا يخلوها طويلة جداً، فرحت ودرست الطريقة دي واطّلعت على الطرق دي وجيت نقلتها برضه للقسم بتاعنا في المركز القومي للبحوث.. يعني كل الأساتذة اللي هم رؤساء الأقسام دول أولادي، والأقسام دي أنا اللي مفكرة فيها وأنا اللي أنشأتها كلها. أفرح اليوم جداً وأعمل لهم كل ما يمكن أن يحصل فيه تقدم في العلم في الفروع بتاعتهم، بكل الطرق، عن طريق الاتصالات الدولية، عن طريق أن أشترك في دوريات علمية وأجيبها على حسابي، وأهو فيه مكتبة كلها عبارة عن دوريات علمية حديثة جداً. الصورة دي في إيران، كانوا عاملين مؤتمر دولي عن الوراثة البشرية ودعوني كمتحدثة، ورحت زرت الجامعات هناك وشفت النشاط أمراض الوراثة، وعرضوا علي كمان، استشاروني في حالات أمراض وراثية كانوا مش عارفينها فأنا شخّصت لهم، الحقيقة كان مؤتمر جميل جداً، كان مؤتمر دولي. الصورة دي في ندوة في لوزان، الهيئة الأولمبية الدولية الطبية، علشان زي ما هم بيكشفوا على المنشطات، يعني من حاجات معروفة، بيشوفوا بياخدوا منشطات أثناء الدورة، لأ، فقالوا لازم كمان يتعمل اختبارات باستخدام طرق الحمض النووي عشان نفرّق السيدات من الذكور.
روان الضامن: شاركت في أكثر من 50 مؤتمر دولي ومحلي وأنتِ عضو في تحرير عدد من الدوريات العلمية الأمريكية والأوروبية، واستطعتِ عام 1989 عقد المؤتمر الأول للوراثة البشرية في مصر. ما أهم ما حققه هذا المؤتمر؟
سامية التمتامي: أهم حاجة حققها المؤتمر الحقيقة يعني زوّد الوعي برضه بالأمراض الوراثية وأهميتها، ما تتصوريش المؤتمرات دي تؤثر إزاي في الأطباء لما يشوفوا علماء دوليين كتير في التخصص يحسوا بأهمية العلم وأن الناس اللي يقرأوا عليهم في الكتب ويقرأوهم في المراجع وكده شايفينهم ويتكلمون معهم يبقى لها تأثير قد إيه.
روان الضامن: يعني مع توسع القضايا الخاصة بعلم الهندسة الوراثية كان هناك إباحة من المفتي هنا في مصر بأنه يجوز أن يعرف الأب والأم ما هي البويضة المُخصّبة، هل هي ذكر أو أنثى ويجوز لهم الاختيار. ماذا فعلتِ عندما علمت بذلك؟
سامية التمتامي: أنا حسيت أن هذا كان موضوع مش مدروس بدقة، وأنا اعتبرته أنه ممكن يبقى كأنه وأد مبكر للبنات، وهذا طبعأً لا يبيحه الدين، فبعتت فاكس الحقيقة لفضيلة المفتي وكانت استجابته سريعة جداً، أول ما قرأ رأيي العلمي الصحيح ووجهة النظر العلمية والاجتماعية تاني يوم على طول نزّل تصريح في كل المجلات والجرائد بأن ده مش مباح إباحة شاملة، بالعكس دي كانت حاجة محددة وفي ظروف خاصة اللي هي ظروف لأمراض وراثية معيّنة.
روان الضامن: يعني هناك فوائد كثيرة لعلم الوراثة البشرية، هل لأجل ذلك، ولزيادة الوعي عملت على تأسيس الجمعية القومية للوراثة البشرية في عام 2005؟
سامية التمتامي: بالظبط كده، أنا شايفة أن الجمعية القومية للوراثة البشرية دي حاجة ضرورية بالنسبة للطب عموماً، علشان كل الأمراض أساسها وراثي، وبعدين الوعي الوراثي مش منتشر في المجتمع بتاعنا، وبعدين ما عندناش كتير الجمعيات اللي هي الأهلية اللي تهتم بمرضى الأمراض الوراثية. يعني مثلاً من أحد أهدافنا أن نجمع تبرعات من القادرين ونعالج بها غير القادرين، يعني فيه بعض الأمراض تبص تلاقيه محتاج لعلاج حقنة في الشهر مكلفة جداً، فلما نلم تبرعات يقدر القادرين يغطوا اللي غير قادرين، علشان طبعاً التأمين الصحي صعب أن يغطي كل المصاريف هذه.
روان الضامن: في صيف عام 2006 تعرضتِ لابتلاء عظيم مس زينة الحياة الدنيا، المال والبنون، احترق جزء كبير من منزلك بما فيه وفقدت بعد ذلك، من آثار الحريق، ابنتك الكبرى رندة رحمها الله. كيف استطعت تجاوز هذا الاختبار القاسي؟
سامية التمتامي: الحقيقة اختبار قاسي جداً، يعني أنا أقول لحضرتك الموضوع ده مرّ عليه سنة، يومياً كنت أبكي. يا ريتك ما فكرتيني.
روان الضامن: الله يرحمها.
سامية التمتامي: الله يرحمها.
روان الضامن: حصلتِ على عشرات الجوائز وشهادات التقدير من عدة دول، منها النمسا، بريطانيا، ألمانيا، اليابان، الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب العديد من جوائز التفوق والتقدير من مصر، كان أولها في عيد العلم سنة 1958، عندما كنت من أوائل طلبة الجامعة وصولاً إلى جائزة الدولة التقديرية عام 2000. ما الجائزة التي كان لها الأثر الأكبر في نفسك؟
سامية التمتامي: الحقيقة هي بتاعة البكالوريوس، بصراحة يعني، هي علشان كانت في بداية حياتي فحسيت أن هذه هي الحاجة الـ.. الموتور اللي زقّني، يعني حسيت أنه هو أعطاني دفعة جامدة جداً، تقدير رئيس الجمهورية بحاله. الرئيس جمال عبد الناصر هو اللي بيديني شهادة البكالوريوس. طبعاً أنا مكبّرة الصورة دي ومعلقاها ورايا في مكتبي.
روان الضامن: كان بإمكانك منذ زمن أن تصبحي مواطنة أمريكية من درجة خمس نجوم ولكنك لم تفعلي ذلك، رجعت إلى أرض الوطن وأسست فيه أول مركز أبحاث للأمراض الوراثية وعيادة تطبيقية وساهمت في العديد من الأبحاث على المستوى الدولي واكتشفت أمراض وراثية وأسست جمعية طبية. ما هي رسالتك للمغتربين العرب الذين بقوا في المهجر بدعوى أن بلادهم لا تستطيع استيعاب مستواهم العلمي؟
سامية التمتامي: أنا أعتقد أن يعني إذا ما كانوش هم اللي سيرفعوا مستواها العلمي مين اللي سيرفعه؟ سنحضر أجانب علشان يرفعوها؟ فبالعكس أولى أن المغتربين هم اللي يرفعوا المستوى العلمي بتاع بلدهم. يعني أنا فاكرة كويس جداً أستاذي الدكتور فكتور مكيوزيك لما جاء في المؤتمر وقال، أنت باللي أنت عملتيه خليتي مصر دولة متقدمة مش دولة نامية، أنا أقول بالنسبة للوراثة مصر بقيت دولة متقدمة. وقال الكلام ده في المؤتمر. الحمد لله.
روان الضامن: وهل حالياً لديك تأثير على ابنتك الدكتورة منى، المدرّسة في كلية السياحة والفنادق، بأن تعود بعد عشر سنوات من الإقامة في بريطانيا للاستقرار في مصر مع أحفادك الثلاثة؟
سامية التمتامي: طبعاً، يعني أنا شبّعتها بالآراء دي، والحمد لله أنها اقتنعت، وحست أن الواحد يعني بترجع لأسرتها ومجتمعها.
د. منى مصطفى رأفت/ ابنة سامية: كانت على طول بتشتغل، يعني على طول في البيت حتى تقرأ رسائل وتصلّح رسائل وبيجولها دكتورات ودكاترة وكده، بس الصراحة الموضوع ده عمره ما أثّر على وقتنا مع بعض وكده يعني كنا على طول نخرج ونروح النادي، نقعد مع بعض، نتمشى مع بعض ونزور جدودي وكده، فيعني كان الشغل موجود، موجود في حياتنا بصورة كبيرة، لأنها كانت تروح شغلها يومياً وعلى طول، زي ما قلت لحضرتك، برضه في البيت بتجيب شغل كتير وكده، بس لما أنا مثلاً أحتاج منها حاجة دايماً يبقى فيه وقت أنها تتكلم معي، دائماً فيه وقت أنها تقعد معي.
روان الضامن: هل تشعرين أنك معروفة على المستوى الدولي أكثر من العربي؟
سامية التمتامي: أنا أعتقد ذلك. وحتى دايماً أقول برضه، لا كرامة لنبي في وطنه. يعني بجد، مش حاجة غريبة أن الناس تعرف الدكتورة سامية التمتامي لما تسافر أمريكا، يعني أنا مستغربة، ليه؟ يعني أبص ألاقيهم بيكلموني في التلفون، يقولوا لي ده أنا محوّلني الأستاذ فلان من أمريكا، أو محوّلني أستاذ فلان من ألمانيا أو من انجلترة. يعني ليه هناك يعرفوني أكتر من هنا؟ مش قادرة أفهم، يعني بالنسبة لي دي معادلة صعبة.
روان الضامن: عام 1957 مع تخرّجك من كلية الطب نشرت صحفية في مجلة الجيل صورتك مع موضوع حول حفل تخرج طلبة كلية الطب وكتبت تحتها، وبين الخريجات لفت نظري وجه جميل لآنسة رقيقة تلبس خاتم الخطوبة، فتقدمت إليها وسألتها إن كانت تنوي النزول إلى معترك الحياة أم ستكتفي بالشهادة والعريس فابتسمت وقالت، إزاي يا ستي أكتفي بدول بس؟ حرام عليك، ده أنا وزّعت ست سنوات من عمري بين المشرحة وقاعة المحاضرات ولازم أشتغل. وهنا علمت أنها الآنسة سامية التمتامي الأولى على نهائي طب… هل توقعت لسامية التمتامي هذا الإنجاز؟
سامية التمتامي: لأ طبعاً، كنت أحلم، والحمد لله يعني توفيق من ربنا أن كتير من أحلامي تحققت، يعني أنا لي أحلام أكتر من كده، يعني أنا حلمي أن المستوى الدولي في كله، يعني مش أنا بس، في كل اللي حولي يبقى مستوى دولي، ليه لأ؟ فعلاً أنا أعتقد أن الطموح في العلم ليس له حدود، وأن الحدود بتاعته هي السماء.