لماذا عادت الشرطة بدول الربيع العربي أكثر قمعا؟
كان فساد وقمع أجهزة الشرطة في العديد من الدول العربية وتحولها من حماية الشعوب إلى قهرها وإذلالها أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورات الربيع العربي.
لكن ما أصاب الربيع العربي أعاد هذه الأجهزة من جديد أكثر قمعا وبطشا بالشعوب، وأصبحت التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها شبه محمية من قبل الأنظمة التي تولت الحكم في تلك الدول، مما فتح الباب أمام ملف إصلاح أو إعادة بناء أجهزة الشرطة.
حلقة الأربعاء (18/3/2015) من برنامج (بلا حدود) استضافت البروفيسور يزيد صايغ كبير الباحثين في معهد كارنيجي للشرق الأوسط، للحديث عن كيفية وإمكانية إصلاح هذه الأجهزة الشرطية، والأسباب التي أخرت إصلاحها حتى الآن، ولماذا عادت إلى سابق عهدها بعد موجة الثورات.
يرى يزيد صايغ أن عودة أجهزة الشرطة في مصر وتونس إلى سابق عهدها بعد وقت قصير من الثورتين اللتين شهدتهما البلدان كانت مسألة وقت، ففي أعقاب الانتفاضات الشعبية كان جهاز الشرطة منهارا ومعنوياته "في الحضيض"، خاصة مع غياب الرئيس الذي كان يدعمهم ويفضلهم فأصبح الجهاز ضعيفا ومهزوما.
فرص ضائعة
وأضاف أن القوات المسلحة في مصر وتونس كانت بمثابة الميزان الداخلي، وأصبح قطاع الأمن محاصرا ومنبوذا من قبل الناس، مشيرا إلى أن هذه اللحظة كانت فرصة مواتية للبدء بعملية إصلاح لأجهزة الشرطة، لكن تأخر ذلك من قبل السلطات الانتقالية فضاعت الفرصة للمرة الأولى، ثم ضاعت للمرة الثانية من قبل الحكومات المنتخبة التي جاءت بعد ذلك.
أما عن سبب تأخر الحكومات التي تولت الحكم في مصر وتونس وغيرهما من دول الربيع العربي عن إجراء عمليات الإصلاح أو إعادة البناء لأجهزة الأمن، فيرى صايغ أن الكثير من القوى السياسية التي استلمت السلطة والحكم في هذه البلدان ولدت في العهد السلطوي، ومعتادة على النمط الفوقي للحكم، لذلك لم تفتح هذا الموضوع للحوار السياسي البناء مع قوى المجتمع السياسية والثقافية والإعلامية.
بل وعلى العكس من ذلك، حاولت الكثير من هذه القوى احتواء أجهزة الشرطة بإعطاء بعض المنافع والتحسينات، وأشار في هذا الصدد إلى أن الأسلوب الذي أدار به الرئيس المصري المعزول محمد مرسي هذا الملف كان مختلفا عما حدث في تونس.
وأوضح أن تحركات مرسي وتراجعاته كان وقعها أكبر من مثيلاتها في تونس، حيث عالجت حركة النهضة الأمر بشكل مختلف بالتركيز على المناطق البعيدة عن العاصمة وبالتالي البعيدة عن الأضواء.
إزاحة أم إصلاح؟
ويؤكد كبير الباحثين بمعهد كارينجي للشرق الأوسط أنه لا يمكن إحداث أي تغيير ديمقراطي في أي بلد عربي بدون إصلاح جهاز الشرطة، الذي اعتبره "صندوقا أسود" لا يعلم أحد من خارجه ما بداخله، حتى أولئك الذين تولوا الحكم.
ولفت إلى زاوية أخرى هامة في عملية الإصلاح، وهي حقوق الشرطة وعناصرها، معتبرا أن ذلك ضروري في ظل الظروف التي يعمل بها هؤلاء، وشدد على أن خيار الإزاحة التامة لأجهزة الشرطة "غير متاح وغير مفيد".
وردا على سؤال حول كيفية القيام بعملية إصلاح لأجهزة الشرطة في حال سقوط الأنظمة القمعية التي تحكم العديد من دول الربيع العربي حاليا كمصر وسوريا واليمن والعراق وغيرهم، قال صايغ إن الإصلاح لا يشترط سقوط هذه الأنظمة، بل يمكن القيام به وهي تحكم.
وأضاف أن أولى الخطوات للمعالجة والإصلاح هي إخضاع جهاز الشرطة للمساءلة والمحاسبة المالية والإدارية وأمام البرلمان ولجان التحقيق العادية.
وقال إن التحجج باعتبارات الأمن القومي لعدم إخضاع هذه الأجهزة للمساءلة غير صحيح، ففي الدول الكبرى كالولايات المتحدة تخضع هذه الأجهزة بما فيها القوات المسلحة للمساءلة والمحاسبة دون الخوف من المساس بالأمن القومي.
وتابع أن عملية الإصلاح لا بد أن تتم عبر حوار مجتمعي يشارك فيه المجتمع المدني والشرطة.