بلا حدود

الدور التركي في الأزمة السورية ج2

تواصل الحلقة الحوار مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الذي يتحدث عن إستراتيجية تركيا وخطواتها القادمة تجاه سوريا، كما يرد على التهديد الإيراني لتركيا والمفاوضات مع حزب العمال الكردستاني.

– حقيقة الموقف الدولي من الأزمة السورية
– معضلة اللاجئين السوريين في دول الجوار

– مناطق عازلة وممرات إنسانية

– الأزمة السورية والخيارات الإيرانية

– الموقف الروسي من وجهة النظر التركية

– تسليح الجيش السوري الحر

– تركيا وفتح باب الحوار مع حزب العمال الكردستاني

 

‪أحمد منصور‬ أحمد منصور
‪أحمد منصور‬ أحمد منصور
‪أحمد داود أوغلو‬ أحمد داود أوغلو
‪أحمد داود أوغلو‬ أحمد داود أوغلو

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحييكم من Ankara Palace في العاصمة التركية أنقرة وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج بلا حدود حيث نواصل حوارنا مع وزير الخارجية التركي الدكتور أحمد داود أوغلو حول السياسة الخارجية لتركيا ونخصص هذه الحلقة للأوضاع في سوريا وكذلك العلاقة مع حزب العمال الكردستاني، معالي الوزير مرحبا بك.

أحمد داود أوغلو: مرحبا بكم.

حقيقة الموقف الدولي من الأزمة السورية

أحمد منصور: تابع الجميع الخطابات التي ألقيت من زعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة الكل أدان وشجب النظام السوري وطالب برحيله لكن لا أحد يفعل شيئا، هل يمكن أن تفسر لنا بداية سر الموقف الدولي مما يحدث في سوريا؟

أحمد داود أوغلو: لقد أشرت إلى هذا الموضوع بشكل صريح بالخطاب الذي ألقيته في مجلس الأمن في الأمم المتحدة وانتقدت تقصير الأمم المتحدة فيما يتعلق بالموضوع السوري لقد كنا نتوقع من الأمم المتحدة أن تكون أكثر نشاطا في موضوع هام مثل هذا، في الأصل تم تأسيس الأمم المتحدة لإيجاد حلول لمثل هذه القضايا والمشكلة السورية لم تعد مشكلة داخلية لقد تحولت إلى قضية يتم فيها عقاب الشعب السوري جماعيا بالقتل، تحول الموضوع إلى جريمة ضد الإنسانية قصف المناطق المدنية الآهلة بالسكان بالطائرات والمدافع والدبابات أمر لا يمكن تبريره بأي حال، بالإضافة إلى أن لهذه القضية آثار إقليمية تهدد الأمن والاستقرار الإقليميين، ثمانية عشرة شهرا مرت على بدء الاضطرابات في سوريا وزادت كثافة الاقتتال في الاثنى عشر شهرا الأخيرة، كنا نتوقع من الأمم المتحدة اتخاذ موقف حازم من أول أيام الأزمة بسبب تطور الأحداث، للأسف التوازنات موجودة في الأمم المتحدة ومنطق الحرب الباردة منعا من اتخاذ قرار حاسم تماما كما حصل في حرب البوسنة والهرسك حيث تسبب تقاعس الأمم المتحدة وتثاقلها في مقتل مئات الآلاف من البشر واغتصابهم لمدة ثلاثة أعوام، في العام الماضي زار الأمين العام للأمم المتحدة برينتشا واعتذر على أن الأمم المتحدة لم تفعل شيئا لمقتل ثمانية آلاف مسلم بوسني في ليلة واحدة وقد قلت للسكرتير العام والوفد المرافق إنني أتمنى أن لا يأتي يوم بعد عشر سنوات أو عشرين ويزور فيه أمين عام آخر للأمم المتحدة مدن حماة وحمص وحلب ودمشق ويعتذر لشعبها بنفس الطريقة، للأسف تقاعس الأمم المتحدة نابع من توازنات القوى بين الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن، هذا موضوع هام يجب مناقشته، دول الجوار السوري هي أكثر المتأثرين بالمشكلة السورية لكن أيٌّ منها لا يتم تنفيذه في مجلس الأمن، دول الجوار السوري ليست متواجدة في آلية اتخاذ القرارات في الأمم المتحدة وعلى الرغم من أن الدول العربية هي الأكثر تضررا من المشكلة في سوريا إلا أن الأمم المتحدة وقفت مرتين في وجه تطبيق قرارات الجامعة العربية بل وأصدرت قرارات معاكسة لقرارات الجامعة، كما تعلمون تمثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمير العالم وقد قبلت الجمعية بقراري الجامعة العربية بخصوص سوريا بواقع 139 صوتا، بينما مجلس الأمن رفض ما أقرته الجمعية العامة على الرغم من إنهما جهازان يعملان في الأمم المتحدة نفسها، برأينا هذا الاختلاف دليل على  حالة عدم التوازن، دليل على وجود مشكلة في الأمم المتحدة على الكل أن يرى هذا الاختلاف الحالة نفسها يتم تكرارها في الموضوع الفلسطيني أيضا في الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت ما يزيد على 130 دولة لتأسيس الدولة الفلسطينية بل واعترفت بها لكن فيتو واحد في مجلس الأمن أبطل إرادة الدول 130 مثل ما تسبب فيتو دولتين في مجلس الأمن في إبطال إرادة 139 بخصوص القضية السورية، نرغب قبل كل شيء في رؤية أمم متحدة تتخذ قرارات تراعي فيها مصالح كل الدول بما يتوافق مع رسالة الأمم المتحدة للأسف التوازنات الموجودة بين الدول الخمس دائمة العضوية تمنع صدور قرار بخصوص سوريا وهذا ما اسميه بمنطق الحرب الباردة، الحرب الباردة الآن على الكل أن يعمل وفقا للقيم المشتركة وأن يصغي للضمير الإنساني وأن يقف إلى جانب الشعب السوري في محنته في هذه الفترة إن فشل الأمم المتحدة في إصدار قرار بخصوص سوريا وغيرها من القضايا يضر بالأمم المتحدة ويجعلها عرضة للانتقاد.

أحمد منصور: هل هناك عجز أم عدم رغبة لحل موضوع سوريا؟

أحمد داود أوغلو: كلاهما للأسف..

أحمد منصور: لمصلحة من؟

أحمد داود أوغلو: لا أحد له مصلحة في بقاء الأزمة السورية لأنه في حالة استمرار الأزمة السورية الكل سيخسر، الشعب السوري ينزف أصلا وجيران سوريا ينزفون كل الدول تتعرض للخسارة بسبب استمرار الأزمة السورية وحالة عدم الاستقرار بما فيها الدول الخمس، المشكلة الأساسية هنا هي أن الأمم المتحدة تفتقد لآليات إصدار قرارات حاسمة، لو أن هذه الآليات كانت تعمل ولو أن الأمم المتحدة فكرت في دعوة سوريا لوقف هذه المجازر بوقت مبكر لما كنا شهدنا مقتل ثلاثين ألف إنسان وفي حال عدم صدور قرار الآن فإن إثم مقتل الكثير من البشر سيكون على الدول التي تعطل صدور القرار، عدم إصدار الأمم المتحدة بقرار لوقف المجازر يعطي فرصة للنظام السوري للاستمرار في ارتكابها، للأسف الشديد نحن شاهدون على عجز العالم وعلى عدم اكتراثه أيضا.

أحمد منصور: الكل يتساءل لماذا سارعت الأمم المتحدة بإصدار قرار بالحظر الجوي في ليبيا و لم تسارع حتى هذه اللحظة بالحظر الجوي في سوريا؟

أحمد داود أوغلو: في الأصل هذا سؤال جيد، نرى اليوم الشعب السوري يدفع ثمن القرارات التي اتخذت بشأن ليبيا إن روسيا تمانع بإصدار قرار بشأن سوريا بدعوى أن قرارات الأمم المتحدة بخصوص ليبيا أسيء استخدامها، حسنا ما ذنب الشعب السوري؟ برأينا القرار الصادر بخصوص ليبيا كان صحيحا إذ أن القرار تضمن الشعب الليبي ونحن دعمنا القرار لكن دعونا نفترض جدلا أن قرار حماية الشعب الليبي كان خاطئا، لماذا يدفع الشعب السوري الآن ثمن هذا الخطأ، للأسف نرى أن العالم يكيل هنا بمكيالين، وأن المواقف المؤقتة هي الشاهدة، الأمم المتحدة أصدرت القرار الصحيح بشأن حماية الشعب الليبي والشعب السوري يحتاج للحماية بالشكل نفسه أيضا، هذه حاجة إنسانية، لقد أسئني وأحزنني كثيرا أن الأمم المتحدة في الجلسة المنعقدة برئاسة فرنسا عجزت عن إصدار قرار في الجلسة الثلاثين آب/ أغسطس بخصوص حماية اللاجئين، شاركت تركيا والأردن ولبنان والعراق في تلك الجلسة بصفتنا الدول الأكثر تضررا من تدفق اللاجئين إليها، في تلك الجلسة طالبنا باتخاذ إجراءات إنسانية لصالح اللاجئين لكن الأمم المتحدة عجزت عن إصدار قرار على الرغم من أن الموضوع أنساني، حتى رئاسة الجلسة لم تفلح في إصدار قرار ولا حتى تصريح صحفي، هذا وضع مؤلم، القضية السورية قضية قتل فيها 30000 إنسان ونزح فيه 500000 لاجئ وتحول ما يقارب من المليون إلى نصف المليون إلى لاجئين داخل أوطانهم، إن كانت الأمم المتحدة عاجزة عن اتخاذ قرار حول قضية في هذه، فمتى سيكون بإمكانها اتخاذ قرار؟ نحن محقون في توجيه هذا السؤال من اليوم الأول للأزمة قلنا لإخواننا السوريين إن أبوابنا مشرعة لهم والآن يتدفق علينا ما يزيد عن 5000 وحتى 10000 لاجئ في اليوم في بعض الأحيان، نحن نتشرف باستضافتهم، لقد زاد عدد المقيمين في المخيمات في تركيا على تسعين ألف ووصل مجموع اللاجئين مع من يقيمون في المدن أيضا إلى 130 ألف، عدد اللاجئين السوريين في الأردن قارب 200 ألف ويقال أن عدد اللاجئين في لبنان وصل ما بين 60 إلى 70 ألفا، لا أحد يستطيع التحديد، يجب على الأمم المتحدة أن تقول شيئا لهؤلاء الناس، متى يرجعون لبيوتهم بكرامتهم هم وعائلاتهم في منازلهم كما قلت نتشرف باستضافتهم في أي وقت من الأوقات.

معضلة اللاجئين السوريين في دول الجوار

أحمد منصور: هل أنت تتحملون الميزانية الكاملة بالنسبة للاجئين ولا تأتيكم أي مساعدات لا من الأمم المتحدة ولا من غيرها؟

أحمد داود أوغلو: حتى الآن مولت تركيا كافة الاحتياجات المقدمة للاجئين، تم تخصيص مبلغ 300 مليون دولار لصالح اللاجئين السوريين حتى الآن، كما تعلمون أنشأنا مدينة منازل سابقة التجهيز والعديد من المخيمات، نحن لا ننظر لما قدمنا لهم على أنه دين بل هو من مقتضيات الأخوة، لا أقول هذا لأشعركم بأن الشعب السوري عبء علينا لكن يجب علي أن أذكر أن مساهمات الدول الأخرى تبقى قليلة جدا، هناك عمليات تقوم بها المفوضية العامة لشؤون اللاجئين، لكن موجة النازحين كبيرة جدا لدرجة أن تركيا لوحدها هي من تستطيع استيعابها، أرقام مساعدات الدول الأخرى تبقى صغيرة جدا بالمقارنة بالأرقام الكبيرة للاجئين، نرحب بمساهمات الدول الراغبة بالمساهمة، لكن علي أن أقول بأن المساعدات القادمة ضئيلة بالمقارنة بعدد اللاجئين، نفس الأمر ساري المفعول بالنسبة للأردن ولبنان والعراق، هذه الدول بحاجة لمساعدات الدول الأخرى لاستمرار في تقديم الخدمات للاجئين السوريين، نحن جاهزون لتقديم ما نستطيع تقديمه للأخوة السوريين على سبيل المثال افتتح العام الدراسي في الأيام القليلة الماضية، فتحنا مدارس خاصة للطلاب السوريين المقيمين في المخيمات، في كل مخيم ستجدون مدارس من الروضة وحتى الثانوية وفتحنا باب الجامعات التركية مجانا ودون امتحان للطلاب الجامعيين السوريين، نحن نسخر الكثير من إمكانياتنا لهم، لكن مهما قدمنا لهم ومهما فعلنا من أجلهم، فان أعين وقلوب هؤلاء الناس ستبقى معلقة في وطنهم ومنازلهم.

أحمد منصور: على حساب الحكومة التركية؟

أحمد داود أوغلو: كل ما قدمناه لهم يعتبر هدية من الشعب والحكومة التركية للشعب السوري الشقيق، نحن ننظر إليهم على أنهم ضيوف وليسوا لاجئين نتقاسم معهم ما لدينا من إمكانيات، ما نفعله لهم..

أحمد منصور: رغم الانتقادات التي توجه لكم، بأنكم مقصرون في حق اللاجئين وأنكم تدفعونهم للعودة إلى سوريا؟

أحمد داود أوغلو: تركيا تحاول إظهار حفاوتها لكافة اللاجئين القادمين إليها بقدر ما تستطيع، لكن المخيم الذي ننشئه في شهر واحد يمتلئ خلال يومين، نحن لا نريد لضيوفنا أن يبقوا مبعثرين في أي مكان، كلما أنشئنا مخيما أخدنا مزيدا من اللاجئين، ليت بالإمكان إنشاء المزيد، دائما نحاول بذل أفضل ما لدينا، لكن الموضوع الأساسي هنا هو أن يرجع إخوتنا هؤلاء لحياتهم الطبيعية ولوطنهم، وأي يعيشوا حياة كريمة، تتناسب والكرامة الإنسانية، ونحن نحاول دوما..

مناطق عازلة وممرات إنسانية

أحمد منصور: في مبرر رفض المنطقة العازلة التي ناديتم بها في داخل سوريا؟

أحمد داود أوغلو: طرحنا هذا الأمر في  اجتماعات مجلس الأمن في الأمم المتحدة وفي الاجتماعات التالية أيضا، هذا وضع غير قابل للاستمرار، نحن نستقبل اللاجئين وسنستمر في استقبالهم، لكن في الحقيقة استقبالنا لهؤلاء اللاجئين يمنع من بروز القضية السورية عالميا، لو لم تستقبل دول الجوار السوري هؤلاء اللاجئين لكان العالم كله عرف أن مئات الآلاف من البشر متكدسون في الحدود التركية السورية والحدود الأردنية والحدود العراقية، للأسف قبولنا لهؤلاء اللاجئين جعل هذه الأزمة غير ظاهرة عالميا، مع ذلك لن نتوقف عن أخذ القادمين إلينا، لن نتراجع عن سياستنا في استقبالهم، لكن على الدول الأخرى أن تقوم بواجباتها أيضا، بعض الدول متخوفة من تكرار السيناريو الليبي أي أنها تخشى من أن تأسيس خط دفاع أو حزام منطقة آمنة للمواطنين سيؤدي لتبرير تدخل عسكري خارجي لكن الحل إذن، إذا كان لدى هذه الدول مخاوف بهذا الشأن سنقوم بإجراءات تزيل مخاوفهم هذه، لكن ماذا نقول للاجئين؟ تركيا تريد إجراءات تضمن حماية المواطنين، نريد توفير حماية لهؤلاء المواطنين حسب ما ينص علية القانون الدولي، نريد أن يتم حماية إخواننا هؤلاء في مناطق آمنة، ونريد أن لا توضع عقبات أمام المساعدات الإنسانية القادمة لهذه المناطق، نعم لقد استقبلنا 90 ألف شخص لكني دائم التفكير في عشرات الآلاف من اللاجئين الذين لا يستطيعون القدوم إلينا في حمص وحماة أو في الداخل السوري أو في دمشق، هناك أماكن وأحياء تشهد مأساة إنسانية حقيقية، خاصة في حمص مدينة كلها تحت الحصار بعض الأحياء ذات الأغلبية المعارضة تعاني.

أحمد منصور: الحظر الجوي أما يلعب دورا في تخفيف هذا بداية؟

أحمد داود أوغلو: هذا ما أقصده، قال لي مسؤولون من الأمم المتحدة أن النظام السوري يتعمد قطع الكهرباء والماء عن الأحياء ذات الأغلبية المعارضة، والنظام لا يوفر الخدمات إلا للأحياء التي تدعمه، الآن هؤلاء الأخوة المحاصرين في حمص محرومون من الكهرباء والماء والدواء والغذاء، لا يستطيعون الهرب إلى تركيا أيضا، كيف نوصل المساعدات لهم؟ يجب إنشاء ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية بأسرع ما يمكن، للأسف الشديد يأتينا الكثير من جرحى الاشتباكات والمصابين بحالات سيئة من حلب، الأفضل لهم أن تتم مداواتهم في مدينتهم، لكن مدينتهم خالية من المستشفيات، الدواء يكاد يكون مقطوعا، نحن نسمح بمرور كافة أنواع المساعدات الإنسانية لسوريا عن الغداء والعلاج وغيره، نريد أن نخلص إخوتنا هناك من الظروف الصعبة التي يعانون منها لكن الوصول لكل الأماكن غير ممكن.

أحمد منصور: يعني فلسفتكم في المنطقة العازلة ليست للتخلص من السورين وطردهم من تركيا وإنما تقوم على أن يعالج هؤلاء في بلادهم وأن تأتي المساعدات إلى بلادهم وأن يتم تغطية المدن التي لا يستطيع أهلها الخروج، هل هذا بالضبط؟

أحمد داود أوغلو: بالتأكيد يجب تأسيس ممرات للمساعدات الإنسانية للمدن الداخلية السورية، هذه الممرات يجب أن تكون أمنة بمعنى آخر قد تكون هذه الممرات من الجنوب من الأردن وقد تكون من الشمال من تركيا أو من دول أخرى، المهم أن تكون المساعدات تحت ضمانة الأمم المتحدة وتقام من خلالها، عدا عن ذلك يجب ضمان عدم القيام بأي نشاط عسكري في المناطق الحدودية المزدحمة باللاجئين، قبل أسبوعين تم قصف تل أبيض بالمدافع، دكت بالدبابات ولأن حدودنا مع سوريا حدود غير طبيعية كما قلت ذلك في البرنامج السابق، تصوروا أن جنوب سكة الحديد تعتبر أرض سورية فيما شمال السكة تعتبر أرضاً تركية أي أن المدينة نفسها مشطورة من المنتصف بعض القذائف الصاروخية وبعض قذائف الدبابات سقطت على مدينة أكشا قلعة، الطرف الأخر من المدينة الواقع داخل حدودنا وجرح بعض المواطنين هناك نتأثر نحن أيضا بسبب هذه الأمور، على الأمم المتحدة أن تسعى لتأمين الحماية على طول الحدود وفي الأماكن التي يكثر فيها اللاجئون والمواطنون العزل وألا تجري عمليات عسكرية في هذه المناطق.

أحمد منصور: هل تقفون الآن المشهد يبدو وكأن حلفائكم الغربيون تخلوا عنكم وتركوكم وحدكم تشربون الأزمة السورية وتدانون من العرب ومن السوريين أنكم مقصرون وأنكم تريدون طرد السوريون من بلادكم ولا تقومون بواجبكم الإنساني ولا الإسلامي ؟

أحمد داود أوغلو: لا يهمنا ما تقوله أي دولة كما لا يهمنا مواقفهم نحن نتحرك بما تمليه علينا مبادئنا سنستمر بأن نكون بجانب إخواننا السوريين في كل الأحوال، قد لا تكترث بعض الدول قد تكون الأمم المتحدة متثاقلة مهما يكن لن نتخلى عن سياستنا الساعية لتقديم المساعدة الإنسانية لأخوتنا السوريين لكن لا يجوز لأحد أن يتوقع أو يطلب أن تتحمل دول الجوار لوحدها أعباء مثل هذه الأزمة الكبيرة على الكل أن يقوم بما يجب أن يقوم به، بإمكاني القول بكل ثقة بأن تركيا تفعل كل ما تستطيع القيام به لكن الأزمة السورية أزمة حادة وعلى باقي دول المنطقة ودول مجلس الأمن في الأمم المتحدة والدول الغربية والشرقية أن توضح موقفها بشكل عاجل وإلا فإن هذه الأزمة ستتسبب في مشاكل أكبر بكثير.

أحمد منصور: تشعرون أنكم في تركيا في مأزق حقيقي بسبب الأزمة السورية ؟

أحمد داود أوغلو: بالطبع، بالطبع مأزق تقصد مشكلة ذلك أن الأزمة السورية تتسبب في مشاكل أمنية تأثر على استقرار تركيا سلبيا لذا يجب إيجاد حل لهذه الأزمة بأسرع ما يمكن.

أحمد منصور: ما خطورة ما يحدث في سوريا على تركيا؟

أحمد داود أوغلو: تركيا لا تتحرك من باعث الخطر لوحده قبل كل شيء هناك نظام يقتل شعبه أي أن هناك جريمة ضد الإنسانية، موقفنا نابع من رفضنا لهذه الجريمة، كذلك هذه الأزمة تؤثر على أمننا وهو ما ذكرته لكم في مثال التل الأبيض وهو أمراً يؤثر فينا مباشرة بالإضافة إلى أن النظام يفقد قوته..

أحمد منصور: فقط على الحدود ؟

أحمد داود أوغلو: لا سأتحدث عن الموضوع لاحقا، الخطر ليس على طول الحدود فقط، النظام يفقد قوته مما يولد مجالين للخطر؛ الأول أن بعض المنظمات الإرهابية وجدت مرتعا لها في بعض المناطق التي فقدها النظام مثل حزب العمال الكردستاني، كما أن من المحتمل بأن تستفيد منظمات إرهابية أخرى من هذه الحالة أيضا، هذا خطر داهم على تركيا وعلى دول الجوار وعلى دول المنطقة، الثاني هو ظهور مناطق شبه مستقلة على أرض الواقع نتحدث عن مناطق سنية ومناطق علوية ومناطق مسيحية ومناطق كردية ومناطق للتركمان والعرب وغيرها، أن نكرر التجربة العراقية أو ما حدث في لبنان هو ما سيؤثر سلبا على التوازنات الداخلية لدول مثل العراق ولبنان كما أن وضعا مثل هذا سيؤدي لظهور نزاعات مذهبية وإثنية في كل المنطقة لدينا مخاوفنا في هذا المجال، لا يمكن لنا أن نرضى بتقسيم سوريا على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي وإن حصل ذلك فإن المنطقة كله ستشهد أزمات حادة، هذا خطر داهم ليس لتركيا لوحدها بل للمنطقة.

أحمد منصور: أنت تحذر الآن من قيام حرب مذهبية وطائفية بسبب تداعيات سوريا.

أحمد داود أوغلو: بلا شك، نعم يعني الأزمة السورية قد تؤدي إلى حرب في كل المنطقة في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي وأثناء سفري لإيران صرحت للصحافة بأن على كل الدول أن تساهم ايجابيا في درء خطر حرب كهذه، وقلت في أكثر من مكان أننا لا نريد حربا بارد جديدة في المنطقة لن تنمح أثر الحرب الباردة في العالم ما زلنا نراها في مجلس الأمن في الأمم المتحدة لا نريد نزاعا سنيا شيعيا أو عربيا فارسيا أو عربيا كرديا، تركيا تعارض كافة أنواع الاستقطاب استقطاب مثل هذا يضر دول المنطقة كلها، ويؤدي إلى ظهور بيئة حرب باردة، في البرنامج الماضي ذكرنا أننا نريد إزالة الحواجز والحدود التي تعيق حركة تنقل البشر نحن نريد أن نزيل الحدود الموجودة وندعو لتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية، في حالة  ظهور حرب طائفية إثنية أو دينية سنرى مدن ستنشطر مثلا في حمص سنرى أن حارة ما تحت سيطرة مجموعة ما وحارة أخرى تحت سيطرة مجموعة أخرى، المدينة الفلانية للمذهب الفلاني، والمدينة الفلانية لمذهب آخر، انشطار مثل هذا سيلغم رؤيتنا التي ندعو إليها وسيزيد من المخاطر نعم هناك احتمال لخطر مثل هذا، يجب أن نكافح مثل  هذا الخطر ليس على مستوى رجال الدولة فقط بل وعلى مستوى المثقفين وعلماء الدين ومجتمعات العمل المدني علينا أن نقف في وجه احتمال اندلاع نزاع مذهبي أو ديني أو عرقي، في هذا الإطار نظمنا في اسطنبول اجتماعا هاما جدا قبل ثلاثة أسابيع جمعنا كافة رجال الدين ورجال المذاهب في المنطقة رجال الدين المسلمين والمسيحيين في بلدان الربيع العربي..

أحمد منصور: هنا في تركيا؟

أحمد داود أوغلو: في اسطنبول، في اسطنبول..

أحمد منصور: معنى ذلك أن لديكم مخاوف حقيقية؟

أحمد داود أوغلو: لدينا مخاوفنا في هذا الموضوع أقولها بصراحة.

أحمد منصور: هل النظام في سوريا يريد أن يصدر أزمته إليكم هنا ويورطكم في حرب مذهبية داخلية؟

أحمد داود أوغلو: أنا لا أتحدث عن خوف من اندلاع حرب كهذه داخل تركيا ليس خائفين من حرب داخل تركيا، كل المواطنين يستفيدون من الحريات نفسها بنفس القدر مخاوف أن تندلع مثل هذه الحرب في الشرق الأوسط.

أحمد منصور: بينكم وبين دول الجوار؟

أحمد داود أوغلو: مخاوفي متعلقة بحرب في دول الجوار دول المنطقة كلها، النظام السوري يسعى لحجب الأزمة التي يعاني منها باستفزاز الآخرين بكل الوسائل وهذا أمر خطير للغاية قد يؤدي موقف النظام هذا إلى نتائج خطرة للغاية.

أحمد منصور: الآن أنت التقيت مع الرئيس نجاد في الأمم المتحدة حينما كنت في نيويورك، عقد مؤتمر في القاهرة حضرته إيران ومصر للمرة الأولى منذ ما يقرب من ثلاثين عاما يجتمع وزراء خارجية تركيا ومصر وإيران في مكان واحد، الكل يقول أن إيران جزء من المشكلة كيف تدخلون جزءا من المشكلة في الحل؟

أحمد داود أوغلو: علينا أن نسعى لجعل دول المنطقة جزءا من الحل وليست من المشكلة عندما برزت الأزمة للمرة الأولى..

أحمد منصور: كيف؟

أحمد داود أوغلو: سأشرح لكم، منذ ظهور الأزمة ونحن على اتصال مع كافة دول المنطقة فقد بحثنا الأزمة مع إيران أيضا، نعرف الدعم الذي تقدمه إيران للنظام السوري ونعرف علاقات إيران بالنظام السوري، كما وكانت علاقاتنا الطبيعية والطيبة في الماضي أيضا حاولنا أن نستخدم علاقتنا الطيبة هذه قدر الإمكان مع النظام السوري كي لا يمارس القمع ضد شعبه بل أن جهدنا لمدة تسعة أشهر كي لا يغضب شعبه، ذهبت أنا والسيد رئيس الوزراء لدمشق في سبيل منع ضغوط النظام على شعبه، وعندما رأينا أن النظام السوري يظلم شعبه رغم كل نصائحنا وضعنا موقفنا بشكل صريح، ما نريده من إيران هو وضع موقف واضح وحازم ضد هذه الهجمات التي لا يمكن السماح لها من وجهة نظر الإسلام أو وجهة نظر الإنسانية، حاولت شرح موقفنا لإيران في اجتماعنا الثلاثي مع السيد أحمدي نجاد في القاهرة وفي اجتماعنا في الأمم المتحدة الموقفان التركي والمصري حيال الأزمة السورية متطابقان مئة في المئة رؤيتنا واحدة مقاربتنا واحدة، إيران ومن ثم أخرى في المنطقة فعلينا إقناعها معا لأن عليها أن توضح موقفها بشكل واضح أمام الجريمة ضد الإنسانية التي تشهدها سوريا وأن تساهم إيران ايجابيا في تأسيس مرحلة الاستقلالية تناقشنا هذه المواضيع بكل وضوح وصراحة مع إيران.

أحمد منصور: هل أبدوا أي استعداد للاستجابة إلى هذا وأن يتخلوا عن دعم النظام في سوريا؟

أحمد داود أوغلو: عليها أن نجرب كل الطرق الممكنة، قبل أن أنام كل ليلة أسأل نفسي، هل هناك شيء في إمكاني فعله لإخواننا في حلب وحمص ودمشق، ولم أقم به، كثيرا ما لا أستطيع النوم، نحن مجبرون على تجربة كل الطرق والوسائل نتحدث معهم في كل المواضيع وكنت قد قلت لأصدقائي الإيرانيين ولزملائنا الآخرين وبكل صراحة إن هذه الأزمة ليست قتالا عرقيا وليست نزاعا شيعيا سنيا ولا مذهبيا وليست تدخلا خارجيا، للأسف نحن أمام أزمة خلقها نظام غير مسؤول ضد شعبه الذي طالب بمطالب محقة وعادلة، ستكون هناك كتلتان في المنطقة على الكل أن يصرح مع من هو؟ الكتلة الأولى أنظمة متصالحة مع شعبها تستمد قوتها من شعبها، ذكرتها في البرنامج السابق تونس مصر ليبيا والدول التي تتكيف مع الظروف الجديدة في المنطقة، ومن جهة أخرى هناك من يحاول الاستمرار على حاله السابق، هؤلاء سيكونون خارج تيار التاريخ مهما كان مذهبهم أو عرقهم أو دينهم، هل بالإمكان حكم سوريا حكما استبداديا استنادا على ارث جاء من الواجب لابنه، هل من الممكن الاستمرار في الحكم بنظام حزب البعث نظام الحزب الواحد في عصر التويتر والفيسبوك وثورة الاتصالات، دوما حاولنا أن نشرح ذلك لبشار الأسد نصحناه أن يقوم بالإصلاحات بنفسه وبأن يتصالح مع شعبه نصحناه لمدة تسعة سنين لكنه لم يصغ على كل الأنظمة بما في ذلك إيران أن تضع مواقفها بشكل واضح ليس على أساس المذهب أو العرق بل على أساس الـ..

أحمد منصور: هل من بين هذه الخيارات بالنسبة لإيران أن تتخلى عن النظام السوري وأن تقبل بأن يختار الشعب السوري من يحكمه، أسمع منك الإجابة بعد فاصل قصير نعود إليكم بعد فاصل قصير لمتابعة هذا الحوار مع وزير الخارجية التركي الدكتور أحمد داود أوغلو حول سياسة تركيا الخارجية فيما يتعلق بالأزمة السورية فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

الأزمة السورية والخيارات الإيرانية

أحمد منصور: أهلا بكم من جديد بلا حدود من  Ankara palaceفي العاصمة التركية أنقرة حيث نواصل حوارنا مع وزير الخارجية التركي الدكتور أحمد داود أوغلو حول سياسة تركيا الخارجية فيما يتعلق بالأزمة السورية ومشكلة حزب العمال الكردستاني، تحديداً كان سؤالي لك من خلال مفاوضاتكم مع الإيرانيين والرئيس نجاد هل يوجد لدى إيران أي استعداد للتخلي عن النظام الحاكم في سوريا وترك الشعب السوري يختار من يحكمه؟

أحمد داود أوغلو: بالطبع يوجد اختلاف في وجهات النظر بيننا وبين إيران وهو واختلاف مبدئي وشرحت هذا، لكنه من الصعب القول بأن إيران ستحافظ على موقفها نفسه، في لقائنا الأخير قالوا لنا إنهم لا يوافقون على وسائل النظام السوري وأنهم جاهزون للتباحث مع السوريين حول الفترة الانتقالية، بالتأكيد علينا أن نتحدث معهم في تفاصيل الموضوع نعتقد أنه سيكون من الخطأ فرض أي حل لا يقبل به الشعب السوري وأن ذلك غير قابل للتطبيق أيضاً، نتباحث مع كل الأطراف مع روسيا مثلا حيث سافرنا مع السيد رئيس الوزراء لروسيا في شهر تموز/ يوليو وسنستقبل السيد بوتين بعد أسبوعين في أنقرة سنتحدث الآن مع الصين وإيران أيضاً وفي أحاديثنا لمسنا من كل الأطراف شعورهم بأن الاستمرار مع هذا النظام غير ممكن وأنه يجب احترام إرادة الشعب السوري نتحرك مع الدول التي أعلنت عن نفسها أنها صديقة لسوريا.

أحمد منصور: يعني الإيرانيين الآن قبلوا أن يتحدثوا عن المرحلة الانتقالية؟

أحمد داود أوغلو: بالتأكيد نتحدث معهم عن المرحلة الانتقالية وكما تذكرون كنا قد تحدثنا معه عن الموضوع في اجتماعات جنيف، ذلك أن إيران تقول إن قرارات  جنيف صحيحة وأنها تشكل إطارا صحيحاً وهم يقولون إنهم يقبلون بوجوب المرور بمرحلة انتقالية علينا أن نتباحث معهم تفاصيل المرحلة الانتقالية هذه، كيف ستكون المرحلة الانتقالية وأي المراحل ستمر؟ هذه شؤون قابلة للتباحث لكن وعلى كل حال قنوات اتصالنا مفتوحة حتى مع الدول التي نختلف معها في وجهات النظر كما ونقول لكافة الأطراف وبصراحة بأن على هذا النظام الذي أدى إلى ظهور مثل هذه  المجازر الكبيرة أن يحاسب أمام شعبه عليه أن يشرح لشعبه لماذا فعل، أي حل لا يرضي الشعب السوري لن يجد طريقه.

أحمد منصور: الكل يقول أن المجتمع الدولي يعطي بشار الأسد كل يوم المزيد من الوقت لقتل المزيد من الشعب السوري؟

أحمد داود أوغلو: نحن أكثر من انتقد هذا الوضع للأسف العدلُ عن الإتيان بموقف موحد والسماح لبشار الأسد بمهل زمنية متتالية أدى إلي ارتفاع وتيرة هذه المجازر لم يقللها، كوفي أنان عمل كل حسن النية لكن بعد الإعلان عن وقف القتال زادت الهجمات على الشعب كماً وكيفاً وبشكل غير عادي، في العام الماضي أعلنت الأمم المتحدة فترة وقف هدنة ووقف قتال فور الإعلان عنها بدأ النظام بهجمات جدية زادت وتيرة القصف المدفعي والقصف بالدبابات، يعني ومنذ الآن يجب وضع مواقف صريحة وحازمة لا أن نعلن عن مهل زمنية أخرى يجب مطالبة النظام السوري بشكل حازم بأن يَخطو خطوات محددة وواضحة وقبل كل شيء يجب إيقاف قصف المدن والمناطق الآهلة بالسكان بالطائرات والمدافع والدبابات إذ أنها وسائل عقاب جماعي وهي جريمة ضد الإنسانية، أي ضمير يرضى بأن تقصف دمشق بالمدافع من فوق جبل قاسيون لن يستطيعوا قصف حلب بالطائرات الحربية، هل من الممكن  تبرير ذلك بالإدعاء بأن إرهابيين موجودون في حلب، كيف تقصف منطقة سكنية مأهولة في حرب غزة قامت إسرائيل بقصف المناطق المسكونة وكنا الدولة التي أبدت أشد اعتراض على ذلك، إنما من قتل في غزة بشر أولا ومسلمون ثانياً ومن يقتل في حلب وحمص هم بشر ومسلمون كذلك على الدول المسلمة كلها أن تبدي ردود الفعل نفسها.

أحمد منصور: قل لي باختصار لماذا تصرون أنتم الأتراك على علاج الأزمة في الإطار الإقليمي وترفضون تدويلها؟

أحمد داود أوغلو: مبدئيا نريد دوماً أن تحل مثل هذه المشاكل داخلياً في البداية وإن لم يكن ذلك ممكناً نريد أن تحل إقليمياً، لا نود التدخلات الخارجية بقدر ما كان ذلك ممكناً أما لم يكن هذا الحل ممكناً أيضاً فأننا نريد من المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءاته وأن يتدخل، في العام الماضي بذلنا جهداً بقدر ما نستطيع لإيجاد حل بعدها بذلنا جهداً مع الجامعة العربية بصفتها مبادرة إقليمية شاركنا في كل نشاطات الجامعة العربية، النظام السوري لم يستمع لنصائحنا  لم يأبه للمبادرة التي طورناها مع الجامعة العربية.

أحمد منصور: ولا يستمع إلي أحد!

أحمد داود أوغلو: صحيح.

أحمد منصور: حتى إقليميا لا يستمع لكم!

أحمد داود أوغلو: لكن في الوقت الحالي هم لا يأبهون في المبادرات الإقليمية لذلك نعتقد أنه جاء الوقت لتطوير مبادرة دولية في الوقت الذي تبقى فيه المبادرات الإقليمية غير كافية يجب أن تكون هناك مبادرات دولية، نظمنا قمة أصدقاء سوريا في الأول من شهر نيسان/ أبريل في اسطنبول شاركت فيها 100 دولة من مختلف أنحاء العالم ليس من المنطقة لوحدها من كافة الأنحاء، نحن ننظر للموضوع على أنه أزمة دولية وبأن على المجتمع الدولي أن يتدخل.

الموقف الروسي من وجهة النظر التركية

أحمد منصور: نريد أن نفهم الموقف الروسي من المنظور التركي؟

أحمد داود أوغلو: ناقشنا الموضوع مع روسيا بكل صراحة في كل المراحل، روسيا دولة جارةٌ لنا كما قلت قبل قليل، موقف روسيا من الموضوع نابع من مخاوف بعض الدول في مجلس الأمن في الأمم المتحدة خاصة الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، أعني أن بعض الدول متخوفة من أن يحدث ما حدث في سوريا ما حدث في ليبيا عندما أسيء استخدام قرار الأمم المتحدة حولها قلنا لزملائنا الروس صراحةً إننا نتوقع منهم مساهمة إيجابيةً في الأزمة السورية إذ إن روسيا شريكة في الدول الأربع فيما يخص المشكلة الفلسطينية ولها إسهاماتها الايجابية في المنطقة، للأسف النظام السوري يزداد جرأة بفعل الموقفين الروسي والصيني في الأمم المتحدة ويزداد جرأة بفعل الموقف الإيراني في المنطقة، قلت لروسيا انه يجب إيصال رسالة حازمة وصريحة لسوريا إن أردنا نضع حداً للأزمة.

أحمد منصور: سؤال أخير فيما يتعلق بإيران تصريح رئيس الأركان الإيراني عن أن تركيا دولة مستهدفة هل يعني أنكم على خلاف كبير بينكم وبين الإيرانيين؟

أحمد داود أوغلو: من البديهي بيننا وبين إيران اختلافا كبيراً في وجهات النظر فيما يخص سوريا، لكن العلاقات التركية الإيرانية علاقات قديمة جداً وذات مبادئ مستقرة، رددنا على تصريح هيئة الأركان الإيراني بتصريح مقابل وطلبنا منه استيضاح حول التصريح لا يحق لأي حد يتحدث مع تركيا بهذا الأسلوب  قلت هذا للسيد أحمدي نجاد في لقائي معه في نيويورك وعند قدوم الوفد الإيراني لتركيا أبلغتهم وأبلغهم السيد رئيس الوزراء الأمر نفسه، تباحثنا معهم هذا الموضوع في كل المستويات قالوا لنا إن التصاريح المعتمدة في مثل هذا المواضيع هي تصاريح رئيس الجمهورية الإيرانية ووزير خارجيته كما وأبلغونا بأنهم لا يشاطرون رئيس هيئة الأركان رأيه لكن مهما يكن نريد من إيران أن تنأى عن نفسها في مثل هذه التصريحات لا يحق لأحد استهداف تركيا، تركيا تتبع سياسة مبدئية في هذا الموضوع، قبل عامين وعلى الرغم من كل الضغوطات الممارسة علينا في مجلس الأمن في الأمم المتحدة صوتنا بلا ضد قرارات لممارسة مزيد من الحصار على إيران تصويتنا هناك كان  نابعاً من سياسة المبدئية وموقفنا من سوريا ومن هذا النظام الظالم نابع من نفس السياسة أيضاً كما أننا نتحرك من السياسة نفسها عندما نقدم دعمنا للشعب السوري نتحدث للإيرانيين بشكل صريح وبخصوص هذه التصريحات ونقول لهم بأنه لا يمكن القبول بهذه التصريحات تركيا لا تقبل بأن يلقنها احد درساً كما أنها لا تتحمل أن يقول عنها شخص ما بأنها مستهدفة.

تسليح الجيش السوري الحر

أحمد منصور: كثير من التقارير في الصحافة الغربية تتحدث عن عدم رغبة الدول الغربية في وصول أي سلاح متطور إلى الجيش السوري الحر، لماذا يرفض الغرب  تسليح السوريين بالشكل يدافعون به عن أنفسهم ضد النظام الذي يقتلهم بالطائرات والدبابات وبكل شيء؟

أحمد داود أوغلو: على المجتمع الدولي أن يجيب على هذا السؤال، السيناريو نفسه تكرر في البوسنة والهرسك من قبل، كما تعلمون أحد الأطراف كان يقصف البوسنة والهرسك بما يمتلك من مدافع ودبابات ويصيب المواطنين بالقناصين وكان يقتل البشر في سربينيتشا، حدثت مأساة إنسانية كبرى لأن المجتمع الدولي لم يستطع ولمدة 3 سنين ونصف أن يصدر قراراً موحداً بهذا الشأن وفي وقتنا الحالي لا يمكن القبول بأن يترك الشعب السوري دون دعم في الوقت الذي يتم فيه قصفه بالمدافع والدبابات والطائرات العسكرية، ماذا نقول إلى الشعب السوري إذن؟ يعني مجلس الأمن في الأمم المتحدة لا يستطيع إصدار قرار حتى المسائل الإنسانية مثل اللاجئين والنازحين لا يمكن إيجاد حلول لها، إذن ماذا نقول إلى الشعب لسوري قبل كل شيء يجب أن يصدر قرار واضح وصريح من مجلس الأمن في الأمم المتحدة يمنع النظام السوري فورا من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ويمنعه من قصف المدن والاعتداء عليها بالأسلحة الثقيلة، يجب اتخاذ موقف يمنع مثل هذه الاعتداءات على الأقل، لا يمكن تبرير الصمت الحاصل بالاعتماد على تجارب سالفة أول بالقول بان هذا النزاع داخلي، إذن الحديث عن سيادة الدولة يجب أن يكون محدود وغير مطلق عند حصول مثل هذه  المآسي الإنسانية، آمل ولا أريد أن يرتفع التوتر.

أحمد منصور: أنا أفهم من كلامك هذا شيء خطير جداً هو أن سيناريو البوسنة ربما تتكرر نتيجته في سوريا وتكون هناك دولة مفككة وضعيفة في النهاية وتخضع لسيطرة دولية بحيث تظل إسرائيل آمنة فيما يتعلق بسوريا؟

أحمد داود أوغلو: قلتها هذا في اجتماعات الأمم المتحدة هناك أطراف. 

أحمد منصور: بنفس هذا.

أحمد داود أوغلو: تريد هذا لسوريا وأن تعاني من الاشتباكات الداخلية وأن تفقد قوتها بهذا الشكل، تركيا تريد أن ترى سوريا قوية ناهضة كريمة وذات عنفوان متصالحة مع شعبها مرفهة وقوية نؤمن بأن سوريا ضعيفة لن تكون مفيدة للمنطقة وستكون خطراً عليها، وستكون ضد احترام الشعب السوري، بالخطاب الذي ألقيته في الأمم المتحدة ذكرت أن من ظلم الشعب السوري لابد وأن يحاسب تماماً كما حصل في البوسنة والهرسك وكما نحترم الشعب البوسني لا نكن سوى الاحترام للشعب السوري وندعمه في نضاله المشرف لكن لا نريد أن يتم فرض معاهدة دايتون أخرى مثلما فرض على البوسنة والهرسك في نهاية الحرب، لا نريد أن يحصل لسوريا ما حصل للبوسنة والهرسك لا نريد أن تتحطم السلطة فيها لا نريد أن نرى بنية الدولة فيها ضعيفة ومفككة مثلما فُرض على البوسنة والهرسك باتفاقية دايتون، نريد سوريا أن تستمد قوتها من شعبها ذات برلمان منتخب وحكومة منتخبة دولة نموذجية في ديمقراطيتها، نريد سوريا أن تدافع بأقوى ما لديها عن القضية الفلسطينية، الدولة السورية لم تكسب المشروعية في عين شعبها إن هي لم تحتضن القضية الفلسطينية، نؤمن بأن سوريا القوية التي تدافع عن القضية الفلسطينية وقضيتها في الجولان ستكون مفيدة للكل ستكون مفيدة للسلام، نؤمن بأن سوريا القوية مثل هذه فقط ستكون مفيدة في تحقيق سلام الشرق الأوسط، سوريا الضعيفة لم تستطيع الإسهام في سلام الشرق الأوسط، سوريا القوية فقط تستطيع تحقيق سلامها الداخلي وأن تساهم في مسيرة السلام في الشرق الأوسط وتستطيع أن تكون محورا هاما في المنطقة، سنعمل أقصى ما نستطيع لسوريا قوية لن نسمح بإضعاف سوريا.

تركيا وفتح باب الحوار مع حزب العمال الكردستاني

أحمد منصور: ظهر في تهديدات كثيرة داخل تركيا في خلال الفترة الأخيرة ربما بسبب موقفها من سوريا حزب العمال الكردستاني قوي وكثرت عملياته ضد الأتراك، تهديدات، تفجيرات، عمليات إرهابية في أماكن كثيرة، أعلن رئيس الحكومة عن استعداد تركيا للحوار مع حزب العمال الكردستاني، ما مغزى إعلام أردوغان عن الاستعداد للحوار ومع من سيكون الحوار؟

أحمد داود أوغلو: قبل كل شيء علينا أن ندرك أمراً كما قلنا قبل قليل، هناك رؤيتنا تتصادمان في المنطقة، لا أقول مذهبان يتصادمان ولا دينان يتصادمان، ولا عرقان يتصادمان أقول بأن هناك رؤيتنا تتصادمان وأصحاب هاتين الرؤيتين قد يكونون مجموعون من المذاهب والأديان والأعراق المختلفة، الرؤية الأولى والجديدة رؤية أنظمة تستمد قوتها من شعبها، أنظمة قائمة على السلام والديمقراطية والحرية والرفاه في المنطقة، ورؤية أخرى قديمة لأنظمة ذات شخصية سلطوية تعتمد على إرث من الصراع مع شعبها وتستعمل العنف وسيلة لها، الأنظمة صاحبة الرؤية الأولى بدأت تظهر في المنطقة، أما أصحاب الرؤية الثانية القديمة فهم أمثال بشار الأسد الذي يريد الاستمرار في طريقة حكمه الموروثة الحكم من خلال الأقلية من خلال نظام شمولي يعتمد القمع، العامل المشترك بين بشار الأسد ومنظمة حزب العمال كلاهما يمتلكان الرؤية القديمة، بشار يرغب في دوام الحال السابق كي يبقى في الحكم وهو يستغل منظمة حزب العمال لخلق حالة عدم استقرار في منطقة السلام الآخذة في النشوء، ما يجمع بين بشار الأسد وحزب العمال الكردستاني هو..

أحمد منصور: يعني أنت تتهم بشار الأسد ونظامه بأنهم هم الذين يقفون وراء حزب العمال وما يقوم به ضد تركيا؟

أحمد داود أوغلو: نعم، نعم في السابق كانوا قد دعموا المنظمة أما الآن فتعرفوا أنه يدعم هذه المنظمة في بعض المناطق في سوريا، ذلك أن منطق بشار الأسد هو منطق المنظمة، يلتقيان فيما يخص ظلم الشعب، كلاهما يعتمدان القمع وسيلة للبقاء كلاهما ماركسيان سابقان من النوعية القديمة، لا يسمحان بالتنوع ولا بالاختلاف، يعتمدان العنف وسيلة، الذين يحاولون الوقوف أمام رؤيتنا يستغلون منظمة حزب العمال الكردستاني كورقة ضغط، أحد الأسباب التي جعلت منظمة حزب العمال الكردستاني يصعد من عملياته في الفترة الأخيرة هو محاولة إضعاف الأنظمة المستمدة في قوتها على الشعب، تركيا دولة ديمقراطية، الآن سأجيب على سؤالكم، بفضل الإصلاحات الأخيرة التي قمنا بها في السنوات العشر الأخيرة بإمكان تركيا أن تناقش كل الفروقات فيما بينها، خطونا خطوات كبيرة في موضوع المسألة الكردية حالياً نقوم بأعمال صياغة الدستور في البرلمان التركي لصياغة الدستور، طلبنا أربعة أعضاء من كل حزب  في البرلمان ليشتركوا في لجنة الصياغة، نحن الحزب الأكبر في البرلمان لدينا (326) نائباً فيه، نحن سنمثل أربعة نواب في اللجنة، وحزب السلام والديمقراطية القريب من منظمة حزب العمال الكردستاني سيمثل في اللجنة بـ (4) نواب أيضاً، مع العلم أن عدد نوابه في البرلمان (30)، لقد قبلنا بأن نكون متساويين مع كل أحزاب المعارضة على الرغم من أن عدد نوابنا أكثر من مثلي مجموع أعداد أحزاب المعارضة، قلنا لهم تعالوا نعيد صياغة الدستور الجديد بشروط متساوية، الآن في الوقت الذي نصوغ فيه الدستور في البرلمان ويتم الحديث بالكردية بكل يُسر وفي كل مكان، سيتم تدريس اللغة الكردية كدرس اختياري مع العام الدراسي الجديد، يتم البث باللغة الكردية بالكثير من القنوات بينما تتم مناقشة كل المواضيع في كل مكان بكل حرية، عندها لا يمكن للمنظمة البالية أن تدعي بأنها تدافع عن حقوق أخوتنا الأكراد، عندها علينا أن نفهم بأن المنظمة تخدم هدفاً آخر، وهو الوقوف ضد هذه البنية الجديدة الآخذة بالانبثاق بالشرق الأوسط الجديد، الوقوف ضد نظام السلام الجديد هذه هي نقطة التفاهم بينهم وبين بشار الأسد، طريقة التفكير يمثلها بشار الأسد أصبحت بالية، ومنظمة حزب العمال الكردستاني أصبحت بالية أيضاً، بهذا الشرق الأوسط الجديد لا محل لبشار الأسد ولا محل لمنظمة حزب العمال الكردستاني أيضاً، لا مكان لنظام بشار الأسد لا مكان لحزب البعث، علينا أن نفتح الطريق أمام طريقة تفكير جديدة منفتحة على كل الأديان والمذاهب والإثنيات وعلى كل التراكمات، بالنسبة لي أؤمن بأن علينا أن نكون متفائلين في مستقبلنا أعرف بأن علينا سلوك طرق مؤلمة مثل الطريق التي تمر سوريا به الآن، مثل الطريق التي مرت به ليبيا العام الماضي، لو قيل لنا قبل عامين أننا سنرى حكومات منتخبة في كل من مصر وتونس وليبيا والمغرب هل كنا سنستوعب ذلك ونصدقه، في العام الماضي في مثل هذه الأوقات لو قيل لنا بأن القذافي سيرحل وستجري في ليبيا انتخابات حرة هل كنت ستصدق، تم إعداد الكثير من سيناريوهات الكوارث لمصر ما بعد حسني مبارك، والأهم هم يعدون سيناريوهات كوارث لسوريا ما بعد بشار الأسد، إنما نوجه سؤال ماذا سيحصل لمصر بعد مبارك وهم ينتظرون ماذا سيحصل لسوريا بعد بشار الأسد، هؤلاء لا يثقون بشعب مصر، تركيا قد أظهرت ثقتها بالشعب المصري عندما قالت بأن على مبارك أن يذهب ومصر ستقرر ماذا سيحدث بعد ذلك، على من يحاولون أن يوقفوننا من ذهاب بشار الأسد أن يدركوا شيئاً هاماً وهو أن الشعب السوري هو من أكثر شعوب الشرق الأوسط ثقافة والأكثر تعليما والأكثر دراية، بإمكانه تحديد مصيره في حال مُنح حق أن يحدد مصيره بنفسه وعلى من يريدون إزعاج تركيا سواءً عن طريق منظمة حزب العمال الكردستاني أو من خلال وسيلة أخرى عليهم أن يدركوا أن تيار التاريخ يمشي باتجاه الأنظمة التي تستند على ثقة شعوبها وعلى ثقتها بنفسها، أما من بقي خارج التيار سيتم إلقاؤهم في مزبلة التاريخ.

أحمد منصور: معالي الوزير أشكرك شكراً جزيلاً نحن لم نجر حواراً فقط وإنما أيضاً غصنا في أعماقك، واستخرجنا الكثير من الأشياء فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية، نأمل أن يكون مشاهدونا قد يعني تعرفوا بشكل عميق على الرؤية المستقبلية وعلى وجهة النظر التركية في الكثير من القضايا، شكراً جزيلاً لك.

أحمد داود أوغلو: شكراً، شكراً  جزيلا.

أحمد منصور: كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الختام أنقل لكم تحيات فريقي البرنامج من أنقرة والدوحة وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من Ankara Palace والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.