
تراجع الدول العربية في البحث العلمي
– عوائق البحث العلمي والعلاقة بين العلم والسياسة
– كيفية نشوء المجتمع العلمي وأهمية توطين العلم
– أهمية البحوث النظرية وواقع القطاع التعليمي العربي
– شمولية المشروع النهضوي وسبل القيام بنهضة علمية
![]() |
![]() |
أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على الهواء مباشرة من العاصمة الفرنسية باريس وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج بلا حدود. تنهض الأمم بنهضة علمائها وسيادة مجتمع المعرفة والثقافة والحضارة بها، ولا يتأتى ذلك دون نظام سياسي وقائد يحب وطنه ويعمل من أجل أمته، وهذا ما جعل العرب يسودون الدنيا حتى قرون قليلة مضت، أما الآن فقد انتقلت النهضة إلى أمم أخرى وانتقل معها العلماء بعدما تسلط المستبدون ومغتصبو السلطة واستولوا على معظم أنظمة الحكم في العالم العربي فأعادوا الأمة إلى الوراء وأهانوا العلماء وحطوا من مكانتهم وعلمهم وقدموا عليهم البغايا وسفلة الناس وأراذلهم فجلبوا الهزائم والخزي والعار والانحطاط لأمتهم، وفي حلقة اليوم نحاول فهم ما جرى لأمتنا وعلمائنا وإذا ما كان هناك سبيل للنهوض بعدما أصبحنا في ذيل الأمم وذلك في حوار مباشر مع أحد أبرز علماء العرب المهاجرين في الغرب البروفسور رشدي راشد مدير الأبحاث في المركز القومي الفرنسي للبحث العلمي. ولد رشدي راشد في مصر في القاهرة عام 1936 حصل على ليسانس الفلسفة من جامعة القاهرة وكان عمره عشرين عاما، ابتعث إلى باريس وحصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة والعلوم، عمل لمدة عامين باحثا معيدا في قسم الفلسفة في جامعة هومبولد في ألمانيا ثم عاد إلى باريس حيث يعمل منذ العام 1965 في المركز القومي الفرنسي للبحث العلمي، شغل طوال 45 عاما مناصب علمية مرموقة من أهمها مؤسس وأول رئيس لفريق البحث العلمي في نظرية المعرفة وتاريخ العلوم وتاريخ المؤسسات العلمية في جامعة باريس السابعة، رئيس قسم دراسات الدكتوراه في نظريات المعرفة وتاريخ العلوم في نفس الجامعة، عمل أستاذا متفرغا وزائرا للعشرات من جامعات العالم منها جامعة طوكيو في اليابان والمنصورة والقاهرة في مصر ومونتريال في كندا، وجامعات أميركية وإيطالية وعربية أخرى عديدة، حصل على جوائز وأوسمة عالمية من أهمها وسام الفارس الشرفي من رئيس الجمهورية الفرنسية عن كافة أعماله في خدمة العلم والمعرفة، ميدالية ألكسندر كورييه وهي أعلى ميدالية تمنح في تاريخ العلوم في العالم، ميدالية وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ميدالية ابن سينا الذهبية من اليونسكو، ميدالية وجائزة الملك فيصل العالمية عن الدراسات الإسلامية، ميدالية المركز القومي الفرنسي للبحوث وغيرها من الميداليات والجوائز العالمية الأخرى، عضو في الكثير من الأكاديميات العلمية ومراكز البحث في العديد من دول العالم، أصدر ما يزيد على 46 كتابا نشرت بالعربية والإنجليزية والفرنسية والتركية وترجمت إلى لغات أخرى عديدة، لكن أهم ما قام به رشدي راشد هو أنه أحيا من خلال مؤلفاته التي كتب بعضها باشتراك مع علماء غربيين أحيا تاريخ العلوم عند العرب، مثل مؤلفات ابن سينا وشرف الدين الطوسي وابن سهل وابن الهيثم وثابت ابن قرة وابن سنان والخازن والقوهي وابن السمح وابن هود والكندي وعمر الخيام ونعيم بن موسى والخوارزمي، وأصبح الغرب يستفيد من هذه العلوم التي أقام عليها حضارته بشكل كبير. ولمشاهدينا الراغبين بالمشاركة يمكنهم الاتصال على أرقام هواتق البرنامج التي ستظهر تباعا على الشاشة، +(974) 44888873، دكتور مرحبا بك.
رشدي راشد: يا أهلا وسهلا بك.
عوائق البحث العلمي والعلاقة بين العلم والسياسة
أحمد منصور: سيرتك الذاتية طويلة وأرهقتني في اختصارها، لكنني لاحظت شيئا أنك تقريبا كرمت في معظم دول العالم ما عدا بلدك مصر.
رشدي راشد: يعني هذا لا اختيار لي فيه، هذا ما تم. وإن كان هناك من الأصدقاء والزملاء في مصر الذين يعرفون الأمور ويحاولون الكلام عن هذه الأمور ولكن هذه حقيقة.
أحمد منصور: من خلال عملك في البحث والمعرفة طوال ما يقرب من 55 عاما ما هي أهم المشكلات والعوائق التي تقف أمام البحث العلمي ومسيرة العلماء في العالم العربي؟
رشدي راشد: في عوائق عديدة، في عائق يمكن أن نسميه عائق أيديولوجي منذ البداية، هذا العائق أنه منذ البداية حتى في فترة محمد علي الكبير أن الاتجاه كان هو الاهتمام بالعلوم التطبيقية دون الاهتمام بالعلوم الأساسية، يعني العلوم النظرية، فهذا كان يفهم في فترة محمد علي الكبير بمعنى أنه كانت هناك مشكلة للتحديث العلمي ومن ثم أخذ ما يمكن أخذه وترجمت المئات من الكتب في هذه الفترة وكان لهذا الجهد كان من الممكن أن يستثمر هذا الجهد، وأعيدت هذه التجربة فيما بعد بعد الخمسينيات وأيضا لم يستفد من الخبرة السابقة وكان التركيز مرة أخرى على التطبيق أكثر من الاهتمام بالبحث العلمي الأساسي، هذا عائق أساسي وبعد هذه التجربة بعد الخمسينيات ليس هناك لا اهتمام لا بهذا ولا بذاك، هذا العائق الأول، العائق الثاني هو الوضع الاجتماعي للعلماء، بمعنى مثلا نأخذ على سبيل المثال ونتكلم بشكل محسوس وملموس، إذا كان أستاذ في جامعة مثل جامعة القاهرة أو جامعة الاسكندرية أو جامعة دمشق أو إلى آخره في ماهية معينة في حدود فلنقل ألف دولار، عندما تريد..
أحمد منصور (مقاطعا): لا، أنت حضرتك بتبالغ شوية.
رشدي راشد: عندما تريد أن تقتني أن تكمل البحث العلمي وتقتني بعض الكتب الكتاب مثلا في الرياضيات لا يقل عن مائتي دولار فمعناه أن هو لن يستطيع حقيقة بعد الرجوع إذا أخذ الدكتوراه من بلد أجنبي ورجع فبعد رجوعه لن يستطيع يعني أن يستمر في هذا البحث إلا بوجود مؤسسات يعني المؤسسات التي تقتني الكتب والمؤسسات التي تشجع البحث إلى آخره، هذه المؤسسات للأسف الشديد غير موجودة وعندما توجد فتوجد عندما ينتهي الباحث ينهك الباحث حتى يستطيع أن يبدأ من جديد يعني ما لاحظته أن بعض الزملاء الجيدين والمميزين والممتازين ذهبوا إلى بعض دول النفط وكان ممكن أن يعني يأخذوا مكتبة غنية وإلى آخره ولكن هو وصل إلى دولة في حالة من الانهاك العلم من ناحية وأن ترك البحث لمدة طويلة وأصبح له اهتمامات أخرى، فالعوائق عدة وأهمها هي عدم وجود المؤسسات البحثية على المستوى العالمي البحث العلمي ليس محليا ولا يمكن أن يكون محليا، البحث العلمي عالمي بمعنى إن لم تسبق في الاكتشاف سيسبق آخر وأنت ستصبح في الوراء..
أحمد منصور (مقاطعا): معنى ذلك أن هناك علاقة وثيقة بين البحث العلمي والنظام السياسي؟
رشدي راشد: أكثر من هذا، يعني النظام السياسي الذي ليس له مشروع حضاري وثقافي وبمعنى آخر مشروع نهضوي لن يكون فيه بحث علمي بالمعنى الأكيد لأنه لن يهتم بهذا..
أحمد منصور (مقاطعا): هل هذا يعكس تردي البحث العلمي ومكانة العلماء في العالم العربي؟
رشدي راشد: هذا يعكس على الأقل في بعض البلدان العربية التي أعرفها مثل مثلا مصر هذا يعكس بالضبط الوضع الحالي بمعنى أنه ليس هناك مشروع حضاري ونهضوي فإذاً ليس هناك اهتمام بتكوين الكوادر العلمية -على المستوى العالمي أقول- التي يمكن أن تفيد وتستفيد، لماذا هذا؟ لأنه لا يمكن النهضة بجزء بدون النهضة بجزء آخر بمعنى أنه إذا كان هناك محاولة لنهضة اقتصادية واجتماعية لا بد أن يلزمها البحث العلمي ويلزمها التعليم العالي القوي في حين عدم وجود هذا فليس هناك اهتمام حقيقي بالبحث، اهتمام بمظاهر البحث ولكن ليس اهتماما بالبحث الحقيقي.
أحمد منصور: نلاحظ أن التردي، تردي مكانة العلماء وتردي البحث العلمي في الدول العربية ينتشر بشكل أساسي في الدول التي تخضع لحكم العسكر والتي قامت أو وصل إليها حكامها من خلال انقلابات عسكرية أو ورثوا السلطة عن طريق ضباط آخرين أو حكام عسكر كانوا قبلهم، هل التسلط والاستبداد يمكن أن يساعد على نهضة ونشوء أي بحث علمي أو يعطي مكانة للعلماء؟
رشدي راشد: يعني في أنواع عديدة من الاستبداد، ليس هناك نوع واحد من الاستبداد، في نوع من الاستبداد مع مشروع، مع مشروع حضاري هذا وجد..
أحمد منصور: زي مثلا الاتحاد السوفياتي أو الصين مثلا.
رشدي راشد: زي الاتحاد السوفياتي أو الصين أو إلى آخره، فهذا وجد وفي الحقيقة لبناء دولة وبناء مجتمع متقدم إلى آخره شجع البحث العلمي بطريقة قوية جدا، ولكن مثلا لو أخذنا المثل اللي أعطيته حضرتك اللي هو الاتحاد السوفياتي طبعا المواد المتعلقة بالدولة كان يهتم بها أكثر من مواد أخرى، أو كان هناك بعض التدخلات زي في البيولوجيا أو إلى آخره كانت مسيئة..
أحمد منصور: وجه العلماء لخدمة النظام.
رشدي راشد: إلى حد ما، بس في نفس الوقت..
أحمد منصور: من خلال مشروع.
رشدي راشد: أيوه، من خلال مشروع وكان المسؤولون عندهم جزء كبير من الذكاء فأعطوا أيضا للأشياء يعني لأغلب الميادين الإمكانيات للتقدم يعني لم يهتموا فقط بالصناعة العسكرية ولكن مثلا في الاتحاد السوفياتي كان في أكبر مدرسة من مدارس الرياضيات لأنهم كانوا يعرفون جيدا أنه بدون وجود هذه المدرسة أو هذه المدارس لن يكون هناك أيضا شيء في التقدم. تسمح لي أحكي لك قصة بسيطة جدا؟
أحمد منصور: تفضل.
رشدي راشد: في اليابان كان هناك قانون يمنع تعيين أساتذة أجانب في الجامعات الوطنية زي جامعة طوكيو وجامعة كيوتو ثم غير هذا القانون وأصبح..
أحمد منصور: أنت درست في الجامعة.
رشدي راشد: نعم، أنا كنت أستاذا في جامعة طوكيو، غير هذا القانون وبعد هذا القانون أنا فعلا أصبحت أستاذا لهذا السبب أن القانون تغير، فسألت مدير الجامعة لماذا غيرتم هذا القانون؟ قال لي لسبب بسيط نحن الآن أكثر البلاد تقدما في التقنيات حتى نكون أكثر البلاد تقدما في التقنيات بعد 15 سنة أو 10 سنوات يجب أن نهتم بالبحث الأساسي، ولهذا زادت ميزانية الجامعة ولهذا فتحنا الباب للعلماء الأجانب أنهم ممكن يأتوا حتى يدرسوا هذه المواد. فيعني في سياسة علمية، ففي أغلب البلدان العربية التي تتكلم عنها ليس هناك سياسة علمية، في حين أنه في دكتاتوريات مثل ديتاتورية الاتحاد السوفياتي على سبيل المثال كان في سياسة علمية لأنها لم تكن مجرد دكتاتورية، كان في أكثر من هذا يعني كان في مشروع جانب الدكتاتورية ولهذا انتصروا في الحرب.
أحمد منصور: طيب لو أخذنا مثال الصين في هذا الموضوع وقارنا ما بين الصين ومصر أو ما بين الهند ومصر لأن مشروع الهند في النهضة بدأ مع مصر في الستينيات..
رشدي راشد: على يد نهرو.
أحمد منصور: مشروع ماليزيا بدأ عام 1981 في الوقت الذي حسني مبارك حكم فيه مصر مش حنروح لبعيد خمسين سنة، ومع ذلك كل هذه الأمم نهضت ونحن مش وقفنا مكاننا نحن تقهقرنا.
رشدي راشد: في عدة أسباب، في فترة من الفترات زعم البعض أنهم يريدون تطبيق نظام اشتراكي في مصر، انتهى هذا النظام الاشتراكي إلى نوع من الدكتاتورية وإلى نوع من يعني لن نعيد التاريخ الآن، فلم ينجح، بعد هذا حصل تخصيص أو خصخصة القطاع العام وإلى آخره وجاء الانفتاح وإلى آخره على أساس عمل لرأسمالية، ليس هناك رأسمالية يعني الموجود في مصر هناك نوع من الفساد العام نوع يعني اخطف ما يمكن أن تخطفه واهرب به لكن ليس هناك استثمار بالمعنى الحقيقي..
أحمد منصور (مقاطعا): هو ده ممكن يكون مشروعا حضاريا برضه!
رشدي راشد: آه يعني..
أحمد منصور: اخطف واجر يعني ممكن يكون فعلا سياسة بيضعها حاكم ويضع كل الأنظمة والقوانين والأشياء التي تساعد على الفساد والخطف..
رشدي راشد: في حين أنهم في الصين بدؤوا بنظام أرادوا أن يكون اشتراكيا اللي هو مع ماوتسي تونغ وطبقت قوانين بعضها قاس وبعضها أقل قسوة كما تريد يكون الواحد يحكم ولكن بنيت الأسس ثم تحولت الصين إلى النظام الرأسمالي يعني عندما تذهب إلى الصين، يعني أنا سألت أحد الزملاء الصينيين أستاذ كبير هناك ما هو النظام الصيني؟ قال لي رأسمالية حمراء، يعني ويحكون قصص كثيرة، فعندما تذهب إلى الصين..
أحمد منصور: أنت ذهبت إلى الصين؟
رشدي راشد: نعم.
أحمد منصور: ومن المؤكد أنك اطلعت على التجربة الصينية، ما الذي أدى إلى نجاحها في ظل الاستبداد؟
رشدي راشد: شيئان، الشيء الأول هو أنه بنيت الأسس وكونت الكوادر بشكل قوي تحت ماوتسي تونغ وتحت هذه الفترة بشكل قوي ومستمر وبدون تردد.
أحمد منصور: إيه مكانة العلماء هناك؟
رشدي راشد: مكانة العلماء يعني في فترات، في الفترة الأولى كان العالم كان مواطنا عالما كالآخرين ولم يكن في وقت من الأوقات رعايا علماء ولكن مواطنون علماء، في حين في بلد مثل مصر لم يكن في وقت من الأوقات يعني مفهوم المواطن غير موجود، يعني هم حتى أساتذة الجامعات هم رعايا أساتذة، فهذا وضع أساسي، فكيف يمكن أن تساهم بقوة وبحماس في بناء وأنت فقط..
كيفية نشوء المجتمع العلمي وأهمية توطين العلم
أحمد منصور (مقاطعا): لماذا يبدع العلماء العرب في الغرب بينما هم في بلادهم بين الإحباط والعجز؟
رشدي راشد: أولا في علماء عرب ممتازون ومميزون وموجودون في البلدان العربية لا شك في هذا، ولكن المشكلة هي مشكلة حاجتين الشيء الأول هو الإمكانيات، أن يعطى الإمكانيات حتى يقوم بهذا البحث ولكن هذه الإمكانيات غير موجودة الآن، في قوانين بتظهر جديدة حسبما عرفت يعني ممكن أن تضحك أنه يجب أن يكون الأستاذ مقيما في الكلية لمدة كم ساعة وإلى آخره يعني أشياء من هذا النوع، أشياء التي يضعها لا يعرف ما هو البحث العلمي، هذا هو الشيء الأول، إذا الشيء الأول هو الإمكانيات والشيء الثاني هو تكوين مجتمع علمي، يعني هناك أفراد علمانيون محترمون ولكن في فرق ضخم ما بين وجود أفراد علميين وما بين وجود مجتمع علمي..
أحمد منصور: كيف؟ قل لي كيف ينشأ المجتمع العلمي؟
رشدي راشد: المجتمع العلمي هو ينشأ بنشوء المؤسسات وبنشوء الجماعات العلمية المترابطة..
أحمد منصور: لا بد نرجع إلى النظام السياسي.
رشدي راشد: لا بد طبعا، لا يمكن فصل العلم عن المجتمع ولا فصل العلم عن السياسة.
أحمد منصور: أنا خلال الأسبوعين الماضيين يعني عشتهم بين كتاباتك وفي عمقها وفي تغطيتها للتاريخ وغطت عندي جانب كان مهما كان نفسي زمان أقرأ فيه، فأنا بأشكرك يعني رغم أنه للأسف الشديد أنت علم في الغرب ومعرفتك في العالم العربي ليست بالقدر الذي تستحقه وربما هذا من دوافعي أيضا لتقديمك للعالم العربي من خلال هذا البرنامج، لكن وأنت تتكلم عن مصر لاحظت وأنت تتكلم عن نشأة المجتمع العلمي ده، المجتمع العلمي نشأ في مصر في نهاية القرن 19 وحتى 1952 الجمعيات العلمية الجمعيات الجغرافية، بعد 1952 ما فيش غير الشرطة والجيش والأمن والحاجات دي هي التي التهمت وذهب العلماء وذهب المجتمع العلمي لم يعد له وجود بالشكل الذي تتحدث عنه. كيف نشأ المجتمع العلمي في مصر؟ حتى يفهم الناس لأن مصر كانت قبلة العرب في التعلم يعني الكل كان بيروح جامعة القاهرة يتعلم، دلوقت ما حدش بيروح يتعلم للأسف إلا القليل يعني.
رشدي راشد: هو نشأ على عدة مراحل، المرحلة الأولى اللي هي في فترة محمد علي وهي إرسال البعثات، وأهم من إرسال البعثات هو يعني قدوم الأساتذة الأجانب للتعليم وبالعربية وبمعنى وهذا سؤال هام جدا التعليم والمجتمع العلمي لن يكون إلا بلغة المواطنين.
أحمد منصور: آه دي مهمة.
رشدي راشد: ونرجع إليها.
أحمد منصور: إحنا الآن اللغة العربية لم يعد لها وجود والذي لا يتقن الإنجليزية أو الفرنسية لن يستطيع أن يحصل على العلم والمعرفة.
رشدي راشد: لن يؤسس علم على هذا الأساس.
أحمد منصور: لا بد أن يكون العلم باللغة الأصلية.
رشدي راشد: بلغة المواطنة.
أحمد منصور: حتى الطب والهندسة.
رشدي راشد: حتى الطب والهندسة يعني أنت..
أحمد منصور: وكله مستحيل الآن في ظل التقدم العلمي أن يكون هناك تعليم باللغة العربية للطب والهندسة.
رشدي راشد: يعني اعذرني هذه خرافة، يعني يمكن..
أحمد منصور: تقول هذا وأنت تقيم في الغرب منذ العام 1955.
رشدي راشد: يعني أعطيك أمثلة، يعني التعليم في اليابان باليابانية وليس بالإنجليزية، الوحيد الذي كان يدرس بالإنجليزية هو الأجنبي اللي موجود في اليابان، يعني أنا لم أستطع تعلم اليابانية بسرعة، التعليم في الصين بالصينية فيعني..
أحمد منصور: كل العلوم على أعلى المستويات، الرياضيات العلوم الطب الهندسة كل شيء؟
رشدي راشد: كل العلوم. التدريس بلغة المواطن والطالب يدرس له بلغته الأم، هذا هو.
أحمد منصور: أنت هنا بتؤكد أنه لن تكون نهضة علمية في الوطن العربية إلا باللغة العربية.
رشدي راشد: إلا باللغة العربية، أما وجود تعليم بالإنجليزية هذه.. وليس هو بالإنجليزية يعني أنا كنت أذهب إلى كلية العلوم في مصر في الزمن السابق لم يكن بالإنجليزية، كان بنوع من الإنجليزية الركيكة المختلطة بالعربية، كيف يستقيم الذهن بهذا؟ هذه واحدة. إنشاء الجامعات الأجنبية هذه أيضا خرافة، لن يكون هناك تقدم بمجرد أنك أنت أنشأت جامعة أجنبية لأن الجامعات الأجنبية في شيئين فيها مهمين..
أحمد منصور: ما هما؟
رشدي راشد: الشيء الأول أنها جامعات تقنية أكثر منها جامعات أساسية، الشيء الثاني يعني من هم الأساتذة الأجانب الذين سيجيئون إليك؟ إذا كان أستاذا هاما وعنده تلاميذه وأبحاثه وإلى آخره، تعتقد هو سيترك مركزه حتى لو أعطيته ملايين الدولارات حتى يأتي يدرس في جامعة أجنبية؟ أيضا غير ممكن.
أحمد منصور: معنى ذلك أن الذين يأتون هم الأقل.
رشدي راشد:بكثير بكثير، يعني الذين..
أحمد منصور: اللي بيسموهم الخبراء..
رشدي راشد: أيوه، بكثير، هذا من ناحية، من ناحية أخرى أنه لا يمكن مثلا أن جامعة حيجي الأستاذ يدرس شهرين أو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أو أربعة أسابيع ثم يغادر الجامعة، هذا ليس تعليما. وهناك قصص عديدة يعني لن أشغل البرنامج بها يمكن أن أحكيها وأقصها وكيف.. فإذا هو..
أحمد منصور (مقاطعا): إحنا هنا بنرجع للمجمتع العلمي وأشكاله.
رشدي راشد: المجتمع العلمي. ففي البداية هذا ما بدأ بفترة محمد علي وكانت هذه البداية أكيدة وصريحة ومع كل العقبات التي ستقابلها بما فيها الهزيمة العسكرية في وقت من الأوقات..
أحمد منصور (مقاطعا): في كتاباتك هزيمة 1967 لعبت دورا أساسيا في كتاباتك في حياتك في تأثيرها. تأثير هذه الهزيمة على العلماء العرب بشكل عام؟
رشدي راشد: هي تأثير الهزيمة لها أسباب عديدة، التأثير الأهم أنه كانت رغبات هذا الجيل بما فيهم العلماء في السماء، يعني التقدم والتحقق والتصنيع وإلى آخره فكشفت هذه الهزيمة مدى ضعف النظام الموجود ومدى عدم قدرته حتى على هذا المستوى الذي كان يستثمر فيه كل ما كان يريد أن يستثمره، هذه واحدة، أقسى من الهزيمة هو النهوض بعد هذه الهزيمة، أنه بعد الهزيمة لم تؤخذ مقادير الأمور بشكل جدي وبشكل سريع وبشكل بناء، طبعا كان في هناك محاولة لبناء الجيش المصري خاصة والجيش السوري وكانت هذه محاولة إلى حد كبير جادة وساعد فيها الاتحاد السوفياتي إلى آخره لكن بعد هذا تركت الأمور ولم تؤخذ على محمل الجد، يعني ممكن تكون هزيمة ممكن أيضا أن تمضي معاهدة زي كامب ديفد بس في هذه الأثناء تبني قدراتك العلمية وقدراتك الاقتصادية وقدراتك الاجتماعية وقدراتك، هذا لم يتم، فمعناها هزيمة وأكثر من هزيمة، يعني الهزيمة لم تكن فقط سنة 1967 ولكن الهزيمة هي العشر سنوات بعد 67 طبعا.
أحمد منصور: بس عشرة بس؟!
رشدي راشد: يعني. دول أربعين سنة بعد الـ 67، لا، بالعكس زادت الأمور.
أحمد منصور: هذا الأمر أدى إلى عملية إلى شكل من أشكال الإحباط الهائل لدى العلماء ولدى المبدعين ولدى أساتذة الجامعات ولدى عقل الأمة، يعني حينما نتكلم عن العلماء إنما نتكلم عن عقل الأمة، حين يصاب عقل الأمة بالإحباط وبالشلل ما الذي يمكن أن يحدث؟ وماذا تقول للعلماء العرب الذين يعيشون حالة الإحباط والعجز؟ أسمع منك الإجابة بعد فاصل قصير، نعود إليكم بعد فاصل قصير لمتابعة هذا الحوار مع العلامة والمفكر البروفسور رشدي راشد فابقوا معنا.
[فاصل إعلاني]
أهمية البحوث النظرية وواقع القطاع التعليمي العربي
أحمد منصور: أهلا بكم من جديد بلا حدود من العاصمة الفرنسية باريس، ضيفي هو البروفسور رشدي راشد مدير الأبحاث في المركز القومي الفرنسي للبحث العلمي وأبرز العلماء العرب الذين ترجموا كتابات الخوارزمي وكثير من العلماء العرب ونشروها خلال الخمسين عاما الماضية. كان سؤالي لك حول الإحباط الذي يعيشه كثير أو معظم العلماء العرب جراء الأنظمة السياسية المتردية التي يعني لا تعطي أي مكانة للعلماء أو للبحث العلمي طوال الخمسين عاما الماضية.
رشدي راشد:يعني أولا هو أكبر تحد الآن يواجه البلدان العربية حقيقة أكبر تحد هو التقدم العلمي والبحث العلمي وهذا التحدي إذا لم تأخذه الدول على محمل الجد وبتنشيط البحث العلمي في كل الميادين فيعني هذا لا يعني أن العلماء يعني..
أحمد منصور: يستكينوا.
رشدي راشد: يستكينوا، لا، يعني في المرحلة الحالية هو أولا التركيز على على تنشيط مؤسسات البحث العلمي القائمة ودعم هذه المؤسسات وذلك يجب أن يطالبوا به وأن يلتزموا به وأن يأخذوا موقفا علميا وسياسيا..
أحمد منصور (مقاطعا): يعني الآن في ظل الاحتجاجات الكثيرة التي تحدث في مصر على سبيل المثال الآن أنت تدعو العلماء أيضا أن يأخذوا دورهم..
رشدي راشد: أن يأخذوا دورهم آه..
أحمد منصور: وأن ينادوا.. لأن هذا أمر يتعلق بمصير أمة مش..
رشدي راشد: مش بمصير أشخاص وبعضهم ينادي وبعضهم أيضا يهان وإلى آخره لأنه ينادي ويضرب في المظاهرات إلى آخره وأنا أعرف بعض الحالات في كلية العلوم وممكن أن أذكرها، على أي حال من الأحوال فإذاً هذا تنشيط هذه المؤسسات مؤسسات البحث العلمي القائمة، أنا لا أقول إن إحنا نبني كل شيء من جديد ولكن تنشيط هذه، إنشاء بحث في العلوم النظرية بجانب مؤسسات البحث التطبيقي بمعنى أن المركز القومي المصري للبحوث العلمية هو مركز تطبيقي، ليس هناك مركز للبحث النظري الحقيقي..
أحمد منصور: إيه مفهوم البحث النظري هنا؟
رشدي راشد: يعني البحث في الرياضيات النظرية الفيزياء النظرية البيولوجيا علوم الحياة إلى آخره..
أحمد منصور: كلها متعلقة بالجانب التطبيقي؟
رشدي راشد: لا، مش ضروري.
أحمد منصور: يعني بالجانب العلمي أقصد.
رشدي راشد: بالجانب العلمي، التطبيقي بيجي يعني يأتي فيما بعد.
أحمد منصور: يعني هنا لا نقصد الكلام في الفلسفة أو في النظريات الأدبية..
رشدي راشد: لا، وهذا أيضا، لا يمكن أن تقوم بالبحث في ميدان وإهمال الميادين الأخرى، من المستحيل..
أحمد منصور: يعني النهضة لا بد أن تكون شاملة.
رشدي راشد:أن تكون شاملة وإذا نظرت إلى..
أحمد منصور (مقاطعا): نهضة ماليزيا كانت كده و..
رشدي راشد: طبعا والصين هكذا..
أحمد منصور: ويعني الهند والصين وكله نعم.
رشدي راشد: وهكذا والهند أيضا.
أحمد منصور: يعني العلوم الإنسانية لها مكانتها إلى جوار العلوم التطبيقية.
رشدي راشد: أساسية، لا يمكن أن تخلق مجتمعا علميا بمجرد تعليم الرياضيات.
أحمد منصور: إحنا عايزين مشروعا حضاريا كده.
رشدي راشد: مشروع حضاري. الشيء الآخر هو إصلاح التعليم يعني الطالب المتخرج الذي عنده البكالوريا أو حتى المتخرج من الجامعة الآن لا يمكن أن يكون..
أحمد منصور: (مقاطعا): إيه تقييمك لمستوى التعليم في العالم العربي؟
رشدي راشد: يعني مأساة، حقيقة.
أحمد منصور: أنت تحاضر أحيانا في الجامعات المصرية.
رشدي راشد: نعم.
أحمد منصور: كيف ترى الطالب والأستاذ والوضع العلمي؟
رشدي راشد: لا يمكن أن يؤخذ أن هذا الطالب يصبح في يوم من الأيام باحثا بالمعنى الحقيقي بدون إعادة تكوينه.
أحمد منصور: ما المقارنة بينه وبين الطالب والبحث العلمي والتعليم في الدول المتقدمة؟
رشدي راشد: الدول المتقدمة يعني فيها الجيد وفيها الأقل جودة ولكن فيها على الأقل مؤسسات لاختيارية أو تفضيلية في هذه المؤسسات بيبنى الأفراد.
أحمد منصور: لكن ممكن حد يرد عليك بسهولة وحأجيبها من أحد مقالاتك، هناك 175 جامعة في العالم العربي وألف معهد على علاقة بالبحث العلمي، ألف معهد، عندنا ألف معهد! بيتهيأ لي أميركا ما فيهاش ألف معهد، مش عارف. هناك عشرة ملايين خريج للجامعات في العالم العربي بينهم سبعمئة ألف مهندس. هذا الكم الهائل هذه الجيوش الجرارة أما تكفي لصناعة نهضة علمية في العالم العربي؟
رشدي راشد: تكفي إذا كانت هناك الإرادة وإعادة تكوين من يأخذون الريادة، وتكفي فعلا.
أحمد منصور: إحنا عايزين رأسا فوق الرؤوس؟ لا بد أن يأتي الأمر من الرأس لتصنع.. محمد علي عمل مشروع النهضة، مهاتير محمد عمل مشروع ماليزيا، الآن في تركيا رئيس الوزراء هو الذي يعمل مشروعا، أيضا في الصين في الهند نهرو، كل دول عملوا مشاريع بلادهم، فهل يمكن أن تحدث نهضة بدون رأس مفكر مبدع يأتي يقود الأمم؟
رشدي راشد: يعني بدون مشروع وطني ومشروع نهضوي لا يمكن، لا، لكن يمكن.. يجب ألا نستكين يعني هناك أيضا وسائل للعمل في هذه الأثناء..
أحمد منصور (مقاطعا): في ألف معهد على علاقة بالبحث العلمي في العالم العربي هذا شيء غير بسيط.
رشدي راشد: أيوه بس لو نظرت للمنشورات العلمية بتاعتهم لا تكافئ منشورات بلد واحد متوسط الحال.
أحمد منصور: عندنا 175 جامعة في العالم العربي، المصريون بيقولوا "العدد في الليمون"!
رشدي راشد: ممكن يكون عندك جيش مثلا فيه مليون واحد ويهزمه بلد عدد سكانها لا يزيد عن أربعة مليون.
أحمد منصور: طبعا ما فيش ولا جامعة من دول في أول خمسة آلاف جامعة في العالم يعني ما فيش ولا جامعة من الـ 175 لها مكانة بين أول خمسة آلاف جامعة في العالم.
رشدي راشد: لا، ما فيش لا، لكن في شيء آخر برضه أدعو إليه أن لا نستكين بمعنى أنه في مثلا إمكانيات هي أن يعني تؤخذ المبادرة لإنشاء جمعيات بين الأساتذة وبين الباحثين على الأقل تواصل فيما بينهم ولمناقشة الأمور العلمية فيما بينهم ويعني لعودة الروح..
أحمد منصور: هذه المبادرة لا بد أن يقوم بها العلماء؟
رشدي راشد: لا بد.
أحمد منصور: وأن يتجاوزا فيها الأنظمة السياسية؟
رشدي راشد: لا بد.
أحمد منصور: لأن في النهاية هي دعوة للعلم والنهوض بالأمة.
رشدي راشد: نعم.
أحمد منصور: بعض المؤتمرات التي تعقد من آن لآخر أليست كافية أيضا لابتعاث مثل هذه النهضة العلمية في العالم العربي؟
رشدي راشد: أنا أخشى أن تكون هذه المؤتمرات هي وسيلة لعدم البحث العلمي.
أحمد منصور: كيف؟
رشدي راشد: يعني بمعنى أن يعني مؤتمرات فتلقى فيها بعض الأبحاث التي ألقيت فيما سبق في مؤتمرات أخرى وتنتهي الأمور يعني يجب أن نفرق بين مؤتمر علمي ومهرجان، عادة يختلط الأمر بيصبح المؤتمر العلمي في بعض البلدان العربية أكثر منه مهرجان منه مؤتمرا علميا فهذا لا يكفي ولكن وجود الجمعيات العلمية تأسيس الجمعيات العلمية وأؤكد لك هناك شباب حقيقة قادر وممكن أن يعمل بس هل إذا أنشأ جمعية علمية سيسمح له بإنشاء هذه الجمعية ولا سيحارب إذا أنشأ مثل هذه الجمعية؟ لا أدري لكن الذي أدريه أنه لخلق مجتمع علمي يجب أن يحصل هذا التواصل يجب أن يعني على الأقل مثلا في إمكانيات ممكنة، توحيد المجلات العلمية يعني هناك مجلات نأخذ الرياضيات في مجلة رياضية مصرية مجلة رياضية سعودية مجلة رياضية جزائرية إلى آخره، كل هذا لا داعي يعني يكفي مجلة واحدة على مستوى أعلى من هذه المجلات..
أحمد منصور: وتأخذ مكانة عالمية.
رشدي راشد: آه وتأخذ مكانة عالمية، يعني في إمكانيات صغيرة على المستوى الفردي وعلى مستوى الجماعات العلمية ممكن الاستفادة منها، أذكر على سبيل المثال أنه كونت رابطة بفضل واحدة من قطر اللي هي الدكتورة موزة الربان وهي لعمل فقط شبكة اتصالية شبكة بين العلماء العرب الموجودين والمغتربين، لا أدري يعني مدى نجاح هذا فيما بعد ولكن..
أحمد منصور (مقاطعا): متخصصون في الاقتصاد فقط؟
رشدي راشد: لا، لا، في العلماء في كل العلوم على أساس أنهم التعارف، هذه إحدى..
أحمد منصور: عملوا أكثر من مؤتمر في الدوحة ودعوا علماء مغتربين.
رشدي راشد: لا، ده موضوع آخر لكن دي الشبكة هذه هي المفروض أن يكون فيها المعلومات عن العلماء العرب الموجودين والمغتربين، عن نشراتهم إلى آخره، يعني اللي أقصده لا أدري هل ستنجح أم لن تنجح -أنا مشترك فيها طبعا- لكن كل ما أستطيع أن أقوله إنه يجب ألا نستكين وأن تكون هناك مبادرات حتى يأتي الفرج.
شمولية المشروع النهضوي وسبل القيام بنهضة علمية
أحمد منصور: الآن أنا أعود وأركز على نقطة مهمة أنك تقول إن النهضة العلمية ومجتمع المعرفة في العالم العربي لن يسود ولن يكون بغير اللغة العربية.
رشدي راشد: مستحيل.
أحمد منصور: وبالتالي لا بد أن نعود إلى اللغة لننهض بها وننهض بمجالات مختلفة فيها حتى يكون هذا بداية أو مقدمة للنهضة في هذا الموضوع. دكتور أنت يعني أنفقت معظم عمرك في.. قدمت ابن سينا، شرف الدين الطوسي، ابن سهل، ابن الهيثم، ثابت ابن قراب، ابن سناء، الخوارزمي، ابن هود، الكندي، عمر الخيام.. قدمت هؤلاء وكتبت أكثر من 46 كتابا تناولت فيها، هل هذه العلوم القديمة مفيدة الآن؟
رشدي راشد:لا يعني هو في شيء يعني هناك شيئان، الشيء الأول هو تخصص يعني تاريخ العلوم بمعنى العلوم في الحضارة الإنسانية فكان يجب إعادة هذا الجزء لمكانه لا أكثر ولا أقل..
أحمد منصور: حتى يتواصل بالحاضر وبالمستقبل.
رشدي راشد: حتى يتواصل بالحاضر وبالمستقبل وحتى لا يهضم، وهذا كان مشروعا أيضا ممكن نسميه في تفكير نهضوي في هذا الميدان، ده الشيء الأول. الشيء الثاني يعني أن تاريخ هذه العلوم لو أردت أن تقيم حضارة علمية بالمعنى الحقيقي للكلمة فيجب أن تتواصل مع هذا الجزء من الحضارة..
أحمد منصور (مقاطعا): هل استفاد الغرب منه؟
رشدي راشد: طول الوقت.
أحمد منصور: طول الوقت؟
رشدي راشد: طول الوقت.
أحمد منصور: طيب إحنا ليه ما بنستفدش منه وده تاريخنا وتراثنا إحنا؟
رشدي راشد:لنفس السبب الذي تكلمنا عنه فيما يخص البحث العلمي.
أحمد منصور: آه، هناك انقطاع وعدم..
رشدي راشد: هناك انقطاع وعدم اهتمام، أو إذا اهتم به فهو على سبيل الدعاية وعلى سبيل التفاخر..
أحمد منصور: كان أبي.
رشدي راشد: كان أبي، لا على سبيل العمل العلمي المحقق الدقيق، هذا أيضا أحد الأشكال يعني على سبيل المثال للرد على سؤال حضرتك، ليس هناك معهد في كل البلدان العربية والإسلامية معهد واحد على قدر من الكفاءة في هذا الميدان يعني نتكلم..
أحمد منصور: ميدان تاريخ العلوم، وتاريخ العلوم عند العرب؟
رشدي راشد: وتاريخ العلوم عند العرب والمسلمين، يعني مثلا بلد مثل مصر ليس فيها معهد واحد ممكن أن تقول عنه إن هذا معهد، والمحاولات التي هناك محاولة هنا أو هناك كلها باءت بالفشل. فإذاً كما قلنا في السابق لا يمكن أن تنهض بميدان واحد، النهضة شاملة في الرياضيات..
أحمد منصور: في كل الأمم النهضة كانت شاملة.
رشدي راشد: وفي التاريخ كانت شاملة يعني عندما تنظر للتاريخ العربي أو الإسلامي في القرن التاسع كانت شاملة، لا يمكن أن تفصل النهضة في ميادين اللغة عن ميادين التاريخ عن ميادين الفقه عن ميادين الجبر عن ميادين الهندسة إلى آخره، لو تنظر إلى النهضة في أوروبا في القرن السادس عشر والسابع عشر نفس الشيء، لو تنظر للنهضة في ألمانيا في القرن السابع عشر نفس الشيء يعني فسأعطي مثلا بسيطا وسريعا جدا، عندما جاء ديغول هنا يعني أصبح رئيس الجمهورية أهم شيء عمله رأسا هو مشروع القنبلة الذرية ومشروع اسمه عن الحواسيب، هذان المشروعان الأوليان ابتداء من هذا شجع البحث العلمي خلقت وظائف للبحث العلمي إلى آخره إلى آخره، أنا لا أقول إن ديغول عمل نهضة لا أعتقد هذا ولكن أقول حتى لمجرد بداية جديدة أو دفعة جديدة لا يمكن أن تفصل، في هذه الحالة ستهتم بكل الأمور بكل هذه الميادين في نفس الوقت.
أحمد منصور: لكن نرجع ونقول إن دائما هناك زعيما وقائدا صاحب مشروع هو الذي يبعث النهضة في الأمة.
رشدي راشد: لا، هناك مجتمع يريد أن تكون هناك نهضة حقيقية.
أحمد منصور: ما هو المجتمع عايز والزعيم مش عايز.
رشدي راشد: يعني الزعيم مش عايز ده أكيد بس هل المجتمع عايز؟ لو المجتمع عايز لا بد أن يقاوم يعني لا يمكن أن يستكين بهذه الطريقة و يعني أنت عندك أكثر من ثلاثمئة مليون عربي اليوم، ثلاثمئة وشوية يعني 350، 360، لا أدري، يعني طيب إيه مساهمتهم في العلوم ومساهمتهم في الحضارة؟ يعني تقدر بماذا يعني؟ هذه هي المشكلة يعني.
أحمد منصور: النقطة المهمة أيضا هي الترجمة، الترجمة لعبت دورا مهما في نشأة المدينة العلمية في الدولة العربية الإسلامية.
رشدي راشد: نعم.
أحمد منصور: ما مكانة الترجمة الآن؟ وهناك مصطلح لك وجدته يتكرر في كل كتاباتك هو توطين العلوم، لا بد أن توطن العلوم، لا تستورد.
رشدي راشد:نعم، لا تستورد، لا يمكن.
أحمد منصور: لا يمكن. كيف يمكن للترجمة أن تلعب الدور في التوطين وليس في الاستيراد؟
رشدي راشد: عندما تأخذ الخبرة التاريخية ستجد أنه في نوعين من الترجمة، في الترجمة الأساسية وهي مرتبطة بالبحث يعني عندما يبدأ البحث وينشط البحث حقيقة فهناك ستكون الترجمة بالمعنى الحقيقي للكلمة بمعنى أن الترجمة تخدم البحث، لكن لا يمكن أن تترجم الكتاب إن لم يكن يعني على هذا المستوى إن لم يكن هناك الباحث الذي سيقرأ هذا الكتاب فأكيد يعني ممكن أن تترجم أكبر كتاب في الرياضيات الآن في فرنسا مثلا في إحدى اللغات في وسط إفريقيا هل سيكون له فائدة؟
أحمد منصور: ولهذا أن بعض الدول مثلا مثل تركيا، تركيا حجم الكتب التي تترجم إلى التركية قد حجم الكتب التي يترجمها العالم العربي من كل اللغات، الإسبان نفس القصة، فيعني على قدر ارتفاع ونهضة الأمة على قدر ما يكون حاجتها إلى العلم والترجمة.
رشدي راشد: فدي الترجمة المرتبطة بالبحث، فعندما يبدأ وينشط البحث ويصبح فعلا يعني نبدأ مجتمع معرفة فهناك ستكون ترجمات أخرى لخلق الوعي العلمي نفسه يعني.
أحمد منصور: ما هي المراحل التي يمكن من خلالها قيام نهضة علمية في العالم العربي بغض النظر الآن عن هذه الأنظمة التي لا يرجى من ورائها الكثير ولكن لو أردنا أن نبعث شيئا من الأمل وأنا في الأسبوع الماضي تحديدا قدمت في هذا البرنامج شبلا مصريا عمره 17 عاما وحقق أكثر من 44 اختراعا مميزا أخذ الفرنسيون والأميركان بعضها وللأسف الشديد لا يملك ثمن تسجيل هذه الاختراعات ولا يوجد به الاهتمام..
رشدي راشد: نعم في حالات من هذه.
أحمد منصور: فيعني ما هو السبيل لقيام نهضة علمية في العالم العربي في ظل حالة التردي القائمة؟
رشدي راشد: يعني السبيل هو التالي يعني مثلا هو تكوين.. يعني أحد الأشياء التي يجب أن تتم الآن وأنا كاتب مشروعا في هذا، هو إنشاء مؤسسة علمية ولو بشكل فردي يعني إنشاء مؤسسة علمية يكون الدور الأساسي لها هو إعادة تأهيل الأساتذة أساتذة الجامعات..
أحمد منصور: أساتذة الجامعات.
رشدي راشد: إعادة تأهيل أساتذة الجامعات، لماذا؟ لأن عادة عندما يعودون بعد انتهاء الدكتوراه في بلد أجنبي بينقطعوا عن البحث وهذا لا يمكن فإذاً يعني أنا أقترح على أقترح على أحد الدول إنشاء هذه المؤسسة وعلى أساس أن في هذه المؤسسة يكون فيها يعني عدة أقسام في الأول لا كل الأقسام ويؤخذ لها أكبر الأساتذة الموجودين في العالم في هذا الميدان مهما كانت جنسياتهم دياناتهم..
أحمد منصور: الرياضيات والعلوم وكل شيء.
رشدي راشد: بعض هذه بعضها ومهمة هذه المؤسسة هي أن يستطيع الأستاذ في جامعة القاهرة أو في جامعة دمشق أو في جامعة بيروت أو في أي جامعة أن يأتي للتأهيل في هذا الميدان لمدة سنة ليقوم بالبحث فقط بمساعدة هؤلاء الأساتذة الكبار الذين يعينون في هذه المؤسسة، يعني هذه لن تكلف كثيرا بالنسبة.. لن تكلف ثمن طيارتين أو ثلاث طائرات لا أكثر من هذا.
أحمد منصور: الطيارات فيها عمولات يا دكتور إنما دي ما فيش فيها عمولات.
رشدي راشد:لا، دي فيها دفع. وهذا النظام ليس غريبا يعني هذا متبع في أكبر بلدان العالم الآن اللي هو تأهيل إعطاء الفرصة للأساتذة الذين يدرسون لمدة سنة..
أحمد منصور: والدورات العلمية.
رشدي راشد: والدورات العلمية.
أحمد منصور: ولا قطع الأستاذ ولا العالم عن التعلم.
رشدي راشد: والدورات العلمية والمدارس الصيفية أيضا، المدارس الصيفية ويؤتى لها بأكبر المتخصصين في الميدان للعمل لا لمجرد الكلام يعني للعمل مع الأساتذة الموجودين، هذه خطوة أولى في انتظار أن يأتي الفرج..
أحمد منصور: ويأتي المخلص لهذه الأمة.
رشدي راشد: ويأتي المخلص لهذه الأمة، وهذا لن يكون إلا بالنظام السياسي.
أحمد منصور: بروفسور رشدي راشد مدير الأبحاث في المركز القومي الفرنسي للبحث العلمي أشكرك شكرا جزيلا على ما تفضلت به ونأمل أن يمثل هذا ولو بداية بسيطة لتحرك بعض العلماء وسعيهم لاستعادة مكانتهم ومكانة العلم والعلماء في العالم العربي، شكرا جزيلا لك.
رشدي راشد: شكرا.
أحمد منصور: كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم وأعتذر للذين بقوا على الهاتف بسبب ضيق الوقت، في الختام أنقل لكم تحيات فريقي البرنامج من باريس والدوحة وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من باريس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.