صورة عامة - بلاحدود 21/4/2010
بلا حدود

دور التلوث في التغيرات المناخية

تستضيف الحلقة مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة أخيم شتاينر ليتحدث عن دور التلوث في التغيرات المناخية، وحجم تضرر الدول العربية وسبل تقليص المخاطر.

– نتائج مؤتمر كوبنهاغن ومخاطر تغير المناخ
– حجم تضرر الدول العربية وسبل تقليص المخاطر

– حجم التلوث البيئي ومسؤولية الأفراد والحكومات

 

أحمد منصور
أحمد منصور
أخيم شتاينر
أخيم شتاينر

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحييكم وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج بلا حدود. تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية وذلك بسبب التغيرات المناخية التي أخذت تعصف بالعالم جراء التلوث والعبث بالكون الذي تمارسه الدول الصناعية الكبرى فقد شهدت أوروبا والولايات المتحدة والصين وكثير من دول العالم مناخا ثلجيا عاصفا هذا العام لم يشهدوه منذ عقود طويلة فيما تهدد العواصف والأعاصير والزوابع وذوبان الثلوج كثيرا من دول العالم ومناطقه بالزوال، وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول الفقيرة للضغط على الدول الكبرى حتى تلتزم بالمعايير التي تضمن استقرار الكون وبقائه فإن الدول الكبرى لا تعبأ إلا بمصالحها الضيقة ومكاسبها الآنية الصغيرة فيما تتجه باقي البشرية لا سيما الدول الفقيرة للفناء، وفي حلقة اليوم نحاول فهم حجم المخاطر المحدقة بالكون وبنا جراء التغيرات المناخية مع أخيم شتاينر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. سيد شتاينر مرحبا بك.


أخيم شتاينر: شكرا لكم.

نتائج مؤتمر كوبنهاغن ومخاطر تغير المناخ


أحمد منصور: أنصار البيئة كانوا يتطلعون إلى مؤتمر كوبنهاغن الذي عقد في ديسمبر الماضي ليكون طوق النجاة ويلزم الدول الكبرى لكي تخفض الانبعاث الحراري ومن ثم يتم الحفاظ على البيئة إلا أن كثيرين يرون أن المؤتمر قد فشل في تحقيق ذلك، ما هي أسباب ذلك؟


أخيم شتاينر: دعني أبدأ بسؤالك فهناك مصالح اقتصادية ومصالح وطنية منعتنا من إحراز تقدم في الاقتصاد العالمي وفي المجتمع الدولي بأشكال كثيرة وكما حدث هذا بالنسبة لاستخدام الموارد الطبيعية والصيد في البحر نحن أيضا نكافح في كوبنهاغن لنخرج من هذا الإطار وننظر إلى المدى البعيد، أيضا هناك تحد آخر وهو أن عددا من الدول كانت مستعدة للتقدم إلى الأمام بينما أخرى لم تكن كذلك، بنهاية المطاف كوبنهاغن كان خيبة أمل وفشل في أن يلبي مطالب الاتفاقية الملزمة ولكنه لم يكن فشلا تاما فهناك بدايات خارج إطار كوبنهاغن فيما يتعلق بشراكات بالنسبة للبيئة ولكن هل يمكن أن نقوم بها بسرعة وبشكل شامل؟ هذا سؤال ما زلنا ننتظر الإجابة عنه.


أحمد منصور: استقالت وزيرة الطاقة والمناخ في الدنمارك كوني هاغرت قبل يومين من نهاية المؤتمر، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغيير المناخ إيفو ديبور استقال في 18 فبراير الماضي، هناك احتجاج من القائمين على موضوع المناخ والبيئة ضد الدول الصناعية الكبرى على ما يقومون به من عملية تلويث للبيئة والمناخ.


أخيم شتاينر: أعتقد أن الاستقالة التي رأيناها قد يكون وراءها أسباب أخرى، قد يكون هذا الشخص اتخذ هذا القرار لأنه بعد ثلاثة أعوام من تسهيل هذه العملية الهائلة هو وضع أولويات مختلفة ونظر إلى إمكانات مختلفة إذاً لا أقول إن هذه الاستقالة لوزراء تنفيذيين هي عبارة عن أزمة أو تعبير عن أزمة، ولكن لا شك أن التغيير المناخي يواجه اختبارا عصيبا وإن لم يكن هناك حاجة على تقديم شيء ذي مصداقية للدول الغنية والفقيرة فسيكون من الصعب أن يكون هناك شراكات بالنسبة للبيئة وبدلا من ذلك سنرى مصالح إقليمية ووطنية تطغى على الوتيرة التي يعالج فيها العالم التغييرات المناخية وهذا سوف يكون تراجعا كبيرا لا شك.


أحمد منصور: ما هو الاختبار العصيب الذي يواجهه تغير المناخ؟


أخيم شتاينر: إنه بسيط فنحن نعرف من العلم اليوم بأنه يجب أن نصل إلى مرحلة يكون فيها النمو الاقتصادي لا يؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات والهيئة الحكومية قالت يجب أن نحد من انبعاثات الغازات على مدى عشرة أعوام، هذا هو التحدي لكن الآن العكس تماما ما يحدث، إذاً إعادة فصل هذين الأمرين أمر مهم، هناك تركة تاريخية لدى الدول الصناعية وهناك تحديات بارزة من الاقتصادات البارزة أو الصاعدة إذاً حتى لو أوقفت أميركا انبعاثاتها الغازية غدا ما زلنا سنواجه أمرا في التغيرات المناخية، على سبيل المثال الصين لها آثار كبيرة إذاً إن لم يعمل العالم بتوازن ومعا فلن نستطيع الحد من تأثيرات الانبعاثات الغازية.


أحمد منصور: لاسيو شيوم رئيس دولة المجر نشر مقالا في أعقاب مؤتمر كوبنهاغن قال فيه إن الدول الكبرى عادة ما تعود إلى أعمالها المعتادة بعد نقاشات المؤتمرات وأن النقاش لا يعدو كونه نقاشا مخمليا. مسؤولية الدول الكبرى الآن عن هذا التلوث القائم في الكون والتخريب القائم في البيئة؟


أخيم شتاينر: ما نراه الآن هو أن عددا من الدول اتخذت دورا رياديا ولا ينبغي أن ننكر بأننا رأينا أيضا قيادة في كوبنهاغن ولكن لم تكن كافية، رأينا الاقتصادات الصاعدة اتخذت خطوات هائلة في كوبنهاغن في إندونيسيا على سبيل المثال وجنوب إفريقيا والصين والهند كلها قامت بالتزامات طوعية لكي تعالج هذه المشكلة ورأينا أيضا الكتلة الأوروبية مستعدة على تقليص بنسبة 30% إن تحركت أطراف أخرى مع الولايات المتحدة بقيت نقطة تحد لأن سياساتها المحلية لا تسمح للرئيس الأميركي والذي هو أكثر من أي رئيس أميركي تحدث عن هذه القضية وحاول أن يعالجها وإذاً فبالفعل فهناك تحديات كبيرة على اتفاقية دولية بشأن التغيرات المناخية.


أحمد منصور: لكن الأمر قد يصل إلى حد الجريمة، هناك جزر ودول سوف تختفي، مجلس وزراء المالديف عقد اجتماعه في باطن البحر تحت البحر حتى يرسل رسالة إلى أن المالديف هذه الجزر الخلابة سوف تختفي، هناك أرخبيل توبالو أيضا سوف يختفي، هذه تعتبر جرائم ضد البشرية ونحن نصمت ونقول إن الرئيس عاجز وإن الرئيس لا يستطيع وإن هذه لها مصالح وطنية وهذه لها مصالح ضيقة!


أخيم شتاينر: دعني أبدأ بالقول بأنه لو لم يكن الأمر للأمم المتحدة والهيئة الحكومية لفتح أعين الناس عما يعني معالجة هذه المشكلة فالعالم لكان في وضع أكثر صعوبة إذاً نحن الآن نحاول أن نجعل العالم يفهم بأنه لا يمكن تحمل اختفاء دول بأكملها أو جزر وهذا يؤثر على حقوق الناس سواء كان عددهم كبيرا أم بسيطا أو قليلا ولهذه الأسباب تم طرح هذه المسألة في مجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن الدولي ولكن العالم كان محجما في كثير من أرجاء العالم، علينا أن نكون صادقين بأنه على مدى أعوام كثيرة معظم الدول لم تر نفسها ريادية في معالجة هذه المسألة. الآن هذا الوضع تغير لأنه من وجهة نظر حقوق ومن وجهة نظر اقتصادية لا يمكن لنا أن نسمح للعالم أن يستمر فيه التغير المناخي وأن تزيد حرارة الأرض ثلاث درجات، النظام الأمازوني البيئي سوف يزول عن الوجود لو زادت درجة الحرارة إلى أربع درجات إذاً فهذا الأمر خطير جدا وأيضا مستوى البحر سيرتفع وسيبيد جزرا بأكملها وأيضا هناك أضرار كثيرة، الاقتصاد أيضا والمجتمع لا يمكنه أن يسمح لهذه السيناريوهات أن تستمر.


أحمد منصور: يعني الآن السماح عبر مؤتمر كوبنهاغن بزيادة درجة الحرارة درجتين سيمهد لزيادة درجة الحرارة إلى أربع درجات ومن ثم تحدث كل هذه الكوارث بأيدي الدول الكبرى.


أخيم شتاينر: الأمم المتحدة نشرت برنامجا عن كل التعهدات المرتبطة باتفاقية كوبنهاغن، 170 دولة الآن التزمت بالعمل ضمن هذا التعهد ولكننا رأينا أن هذا لن يكون كافيا في الوقت الحاضر حتى لتحقيق هدف الدرجتين، ولكن دعونا نكن واقعيين، إن استطعنا أولا ضمان درجتين كأرضية للانطلاق يمكن من خلالها أن نزيد الجهود لنصل إلى 1,5 أو حتى درجة واحدة ينبغي أن يكون هذا الهدف، وأيضا اتفاقيات أخرى بدأت بحافة بسيطة وفيما تقدمت العلوم والتكنولوجيا وسعت أهدافها إذاً فالعالم قادر على زيادة تحركه ولكن الآن العالم مشلول وهذا هو مكمن الخطر الكبير.


أحمد منصور: لكن أنتم في الأمم المتحدة متهمون بأنكم تتواطؤون مع الدول الكبرى التي تضغط على هذا الموضوع وتتوافقون مع مصالحها.


أخيم شتاينر: أعتقد أن الأمم المتحدة سينظر إليها بطبيعة الأمر من طرف أو آخر بأنها متواطئة أو ما شابه وأقول إن نظرنا إلى تاريخ التغير المناخي أولا الأمم المتحدة هي من وضعت العلم في المركز فالعلم ليس له طرف أو تحيز ونحن أيضا نقوم بتطوير برنامج وهو يتعلق ببرامج استجابية، هذا الأمر يعتبر تحديا سواء كان الأمر يتعلق بالتكيف وأيضا وضع الفرص وأنا أطلب من الذين ينتقدون الأمم المتحدة أن يشيروا إلى أمثلة لأنه بدون الأمم المتحدة وبدون العلم والمفاوضات في الاتفاقات وكيوتو فالعالم لن يكون أمامه شيء الآن أبدا، بنهاية الأمر نحن انعكاس للمناقضات الموجودة في العلاقة بين الدول الأعضاء..


أحمد منصور (مقاطعا): لكن هذه البرامج التي تتحدث عنها تطبقونها على الدول الفقيرة فقط ولا تستطيعون إجبار الولايات المتحدة والدول الكبرى على القبول بها.


أخيم شتاينر: أولا نتاج المفاوضات الأولية لكوبنهاغن قصد منها أن تقدم الدعم للدول الضعيفة والأقل قدرة في العالم، والأمم المتحدة هي المكان الذي تتفاوض فيه الدول وهو موطئ العدالة والتفاوض ولكن إن كان هناك تفاوض ثنائي سيكون هناك نتائج غير عادلة، ثانيا اتفاقية كوبنهاغن ارتبط بها ثلاثون مليار دولار على مدى 36 شهرا قادما وهذه كمية كبيرة تهدف لمساعدة الدول المستضعفة وأيضا إن كان هناك سعر لما يجري فإننا سنكون قادرين على تقديم الطاقة النظيفة والطاقة البديلة، قضية الطاقة البديلة هي لا تخدم الدول الضعيفة هذا أمر أنا أطعن فيه وأيضا هناك من يقول بأن على إفريقيا أن تنتظر ثلاثين عاما قبل أن تقوم باستخدام هذه التقنيات، نحن نهدف إلى مساعدة إفريقيا أن تكون في واجهة هذه التطورات وهذا هو هدف النظام القائم الحالي.


أحمد منصور: أنت تتحدث عن 36 مليار دولار ستصبح خلال الثلاث سنوات القادمة، دراسة صدرت عن البنك الدولي في أكتوبر الماضي قالت إن التغير المناخي يكلف الدول الفقيرة مائة مليار دولار سنويا، يعني في مقابل 36 مليار مقررات كوبنهاغن هناك ثلاثمائة مليار تخسرها الدول الفقيرة، منظمة أصدقاء الأرض الأميركية اعتبرت اتفاق كوبنهاغن كارثة على الفقراء، مجموعة الـ 77 بقرض السودان اعتبرت اتفاق كوبنهاغن محرقة ويدعو إلى انتحار إفريقيا.


أخيم شتاينر: دعني أبدأ بالتفسير للحظة بأن الأمم المتحدة أنا لست هنا لأدافع عن الخطوات التي تتخذها ولكن أنا أقول إن الأمم المتحدة والجميع أمام العامة نحن ندعو الدول الصناعية أن تتخذ دورا رياديا، نحن وضعنا هذا الرقم المائة مليار دولار كخطوة أولية وتم قبولها من حيث المبدأ، نحن نتحدث عن تحديات وتغييرات جوهرية، من غير العدل أن نلوم الأمم المتحدة بسبب إحجام الدول الأعضاء عن التحرك وأيضا الأمر ليس فقط في الدول الصناعية ولكنه في الدول النامية والاقتصادات الصاعدة فهناك مصالح أيضا وطنية لا تسمح لها بأن تتخذ العمليات البيئية التغييرية اللازمة ولكن الحقيقة هي أن الدول التي ستعاقب أكثر شيء هي ستكون الدول الفقيرة لأنها تركت لتدفع ثمن عدم التحرك من قبل الدول الغنية وهذا أيضا كان في قلب عملية التفاوض على مدى عشرة أعوام مضت.

حجم تضرر الدول العربية وسبل تقليص المخاطر


أحمد منصور: نحن كدول عربية نقع في إطار هذه الدول الفقيرة، كيف تنظر إلى واقع الدول العربية وحجم تضررها جراء التغيرات القائمة في البيئة؟


أخيم شتاينر: أولا يجب أن نميز، هناك الدول العربية بالثراء الاقتصادي الذي تولده وهي قادرة على الاستثمار باقتصاد مستقبلي وهناك دول أخرى في العالم العربي هي مصادرها قليلة وهي فقيرة ولا تستطيع الاستثمار في تقنية المعلومات أو في اقتصاد خدمي إذاً علينا أن نميز هنا، بالنسبة لبعض الدول العربية وخاصة في الخليج نحن رأينا الاقتصاد المستقبلي يتم الاستثمار فيه اليوم وإن نظرت إلى الإمارات العربية المتحدة بوجود المشاريع المختلفة المتعلقة بالطاقة المتجددة التي تتبلور في المنطقة لبعض الدول اقتصاد الغد هو قائم اليوم وبدأ يتم الاستثمار فيه ولكن ما هو يقلل من قيمته إن كنت فقيرا أو غنيا فإن كلفة التغير المناخي فيما يتعلق بالتكيف وتقليص الخطر على موارد الطبيعة والأنماط الجوية هذه أخطار هائلة على الاقتصادات في المنطقة بقدر ما تشكل خطرا على الناس، الزراعة ستتأثر أيضا وأعتقد أنه في هذا السياق فإن العالم العربي بدأ أن يكون لاعبا مهما في المفاوضات الدولية للتغير المناخي لأن المفاوضات أتت والتغير المناخي لن يحدث في الولايات المتحدة أو في الصين ولكنه سيحدث هنا إن كنت في الأردن أو الجزائر أو المغرب أو السعودية.


أحمد منصور: هذه المناطق عرضة الآن للخطر، التصحر يهاجم الدول العربية، نقص المياه يهاجم الدول العربية، كيف تستطيع الدول العربية مواجهة هذه الكوارث القادمة؟


أخيم شتاينر: إن مبدأ التكيف ينص على أن تبدأ خططك بفهم ما الذي سيكون عليه العالم في حال التغير المناخي إذاً عليك أن تنظر بالنسبة للبنية التحتية والمياه والزراعة وإعادة النباتات وأنت تحدثت عن التصحر فالعالم العربي يواجه تحديا كبيرا بالنسبة للتصحر، إذاً إعادة التأهيل في النظام البيئي جزء مهم من الدفاع ضد التغيرات المناخية، في الوقت ذاته الكفاءة في استخدام المياه عامل مهم أيضا وخطط تحلية المياه قد تسمح للدول الغنية في العالم العربي أن تتغلب على التحديات بالنسبة للماء ولكن على المدى البعيد هناك أناس ملايين منهم يريدون أن يؤمنوا مواردهم المائية إذاً عليك أن تستثمر في الطبيعة، وغريب أنه في بداية هذا القرن رأينا الكثير من التحديات أمامنا لأن الماء والهواء والقدرة على زراعة الطعام تعتمد على التربة السليمة الصحيحة وهذه التحديات تواجهها المنطقة ولكن بدرجات مختلفة بالنسبة للاستجابة والرد.


أحمد منصور: هل يمكن تقليص الخطر الذي يواجهه العالم العربي فيما يتعلق بالبيئة والمياه والتصحر بعيدا عن أجواء التغير العالمي الذي يتم في المناخ؟


أخيم شتاينر: ليس بشكل منعزل فهناك تنويع اقتصادي وهناك قدر ممكن يمكن للمرء أن يقوم به بالنسبة للتدوير المحلي، الفرص هي في التقنيات الحديثة بأن يؤتى بها إلى المنطقة وهذا يوفر قدرة على خلق وظائف ومشاريع تنموية وإن أخذت على سبيل المثال أوروبا وشمال إفريقيا والنظر إلى الشبكة الواسعة من الطاقة الكهربائية المولدة من الشمس فهذا سيرتبط مع الجزء الشمالي من الدول المتوسطية ويمول الطاقة لأوروبا، إذاً فإمكانية استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء أمر كبير جدا وهو قريب من المناطق الأوروبية كزبائن، هذا النوع من المشاريع الذي سوف يخلق فرصا اقتصادية كبيرة في المستقبل وقد يأخذ الضغط عن كثير من هذه الموارد وإن استخدمت الطاقة لخلق مياه نظيفة من خلال التحلية علينا أن ننظر ما هي الموارد التي سنستخدمها، الاستثمار في هذه الاقتصادات الجديدة الخضراء كما تسمى هو أيضا أمر مهم وله علاقة بالعالم العربي.


أحمد منصور: الآن هذه نقطة مهمة جدا أشرت إليها وهي الطاقة النظيفة أو الطاقة الخضراء أو الاقتصاد الأخضر بالنسبة للطاقة، العالم العربي معروف أنه الأكثر إنتاجا للنفط ولكن هناك طاقة هائلة موجودة في الرياح وطاقة هائلة موجودة في الشمس يمكن للعالم العربي أن يستفيد منها، كيف يمكن للعالم العربي أن تكون لديه طاقة متجددة نظيفة من خلال الشمس ومن خلال الرياح يتم الاستعانة بها في تطويره صناعيا والبعد عن المخلفات التي تؤدي لهذه الآثار؟ أسمع منك الإجابة بعد فاصل قصير، نعود إليكم بعد فاصل قصير لمتابعة هذا الحوار مع مدير بنامج الأمم المتحدة للبيئة ومساعد الأمين العام السيد أخيم شتاينر فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

أحمد منصور: أهلا بكم من جديد بلا حدود في هذه الحلقة التي نستضيف فيها مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة السيد أخيم شتاينر. كان سؤالي لك حول البيئة أو الطاقة النظيفة أو المتجددة التي يمكن للعالم العربي أن ينتجها بديلا عن النفط حيث يتمتع بكميات هائلة من الطاقة الشمسية ومن طاقة الرياح يمكن أن تساعد في هذا الموضوع، هل لديكم برامج في الأمم المتحدة لمساعدة الدول العربية الراغبة في الاستفادة من هذه الطاقة وتنميتها؟


أخيم شتاينر: نحن ولعدد من الأعوام نعمل مع بعض من الدول بشأن النظر إلى الإمكانية بأن يكون هناك موارد كعملية للتقييم لهذه الطاقات المتعلقة بالرياح والشمس وأيضا نحاول أن نساعد الحكومات على وضع سياسات تشجع المستثمرين للنظر في هذه التقنيات، على سبيل المثال هناك برنامج تشارك فيه عدد من الدول بحيث تضع هذه الدول تعرفة على هذه الطاقة وهذا يساعد المستثمرين أن يستثمروا في الطاقة المتجددة، في كينيا على سبيل المثال هذا القانون الذي قدم هذا البرنامج أدى إلى إيجاد مزرعة رياح الكبرى في المنطقة وهذا يعتبر عن 350 كيلو واط بمساعدة من المجتمع المحلي وأيضا يقدم مشورة لهذه الدول وهذا يجمع الحوافز لمساعدة الحكومة وتشجيعها ووضع التقنيات الملازمة بحيث نخلق فرصا للاستثمار ويقلل من فرص الاعتماد على الوقود الأحفوري والغاز وهذا برنامج نرى فيه عددا من الدول في الخليج تنظر إلى مشاريع إبداعية كهذه من شأنها أن تخلق الوظائف أيضا.


أحمد منصور: بخلاف الوظائف والفوائد الاقتصادية، الفوائد البيئية لمثل هذه المشروعات ما هي؟


أخيم شتاينر: أولا نحن نتحدث هنا عن انبعاثات الغازات والوقود الأحفوري، اقتصاد الوقود الأحفوري في القرن العشرين كان اقتصادا غير كفء وقذر وأيضا الصحة البشرية هي التي ستتأثر وأيضا الطاقة المتجددة الأمر المهم فيها هو فيما يتعلق بكلمة المتجددة، إن لم تشتر موارد جديدة طوال الوقت فإنك ستكون قادرا على أن تنتج طاقتك في بلدك والقيام بذلك على مدى بعيد وهذا هو مصدر الجاذبية في هذه المسألة وإن كنت أيضا تقوم بالاستثمار لعشرة أعوام أو مائة عام فلن يكون النفط متوفرا طوال هذا الوقت ولذا فالتحول للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة أمران مهمان، وأؤكد هنا في كثير من دول المنطقة الآن هناك بنى تحتية يتم بناؤها ويمكن أن نستثمر أيضا في كفاءة الطاقة وهذه أسهل وأنجع الطرق لتوليد الطاقة لأنه إن وفرت الطاقة فليس عليك أن تبددها.


أحمد منصور: هل تجربة دول شمال إفريقيا وتحديدا المغرب مع الدول الأوروبية فيما يتعلق بإنشاء أكبر مزرعة للطاقة الشمسية واستخدامها من قبل الأوروبيين يمكن أن يكون بداية لكي تصبح هذه الدول تدر على نفسها دخلا ماديا وفي نفس الوقت تحصل على طاقة نظيفة من الشمس لدرجة كافية لحاجة السكان؟


أخيم شتاينر: أعتقد ذلك، المشكلة الآن هي أن هذه ما زالت فكرة، وأمران سيكونان مهمين، أولا هل يمكن للأموال الاستثمارية أن تكون كافية لتشكيل البنية التحتية ليس فقط في المغرب ولكن في عدد كبير من الدول، إن كان رأس المال هذا موجودا والتقنيات متاحة فيمكن أن تنجح هذه المشاريع وأيضا نستطيع أن نتفاوض بشأن صفقة عادلة بالنسبة للدول الشمال إفريقية ما هي المنافع الاقتصادية لبيع الطاقة؟ هل يمكن لهذا أن يساعد أيضا بتوفير الكهرباء لدى المواطنين الذين ليس لديهم كهرباء؟ إذاً في عملية التفاوض هي حزمة الاستثمار يكمن نجاح هذه الخطة ولكن أقول بالنسبة للتقنيات الأمر ممكن ولكن المسألة هي الأمور الاقتصادية المرتبطة بها وهذا سنحدده على مدى عامين أو ثلاثة قادمات.


أحمد منصور: هل الأمر أيضا بحاجة إلى قرار سياسي؟


أخيم شتاينر: واضح يجب أن يكون هناك التزام وأنه إن أشركت عددا من الدول فإنك توجد شبكة وتطلب من مناطق كأوروبا أن تعتمد على موارد الطاقة في دول خارج نطاقها السياسي وهناك مشاركة سياسية ضرورية في هذا الصدد ولكن بنهاية الأمر الأمور الاقتصادية هي التي ستحدد إن كانت السياسة مستعدة للتحرك أم لا إذاً فالاثنان يربط بعضهما البعض ولكن الرؤية لازمة وعلى هذا الأساس قد نرى في خلال خمسة أو عشرة أعوام الأمور الهائلة تحدث بالنسبة للصحارى والسهول هل سيمكنها أن توفر طاقة متجددة أم لا، البعض يقول هذه رؤية للقرن التالي ولكني أقول يمكن أن تحدث في خلال العقد.


أحمد منصور: هناك نوع من الطاقة أيضا أنتم في ألمانيا -أنت ألماني الأصل- نجحتم فيه بشكل كبير جدا وهو طاقة الرياح، ربما ألمانيا تستخدم 50% من طاقة رياح العالم بالفعل ونحن منطقة أيضا غنية بالرياح وبدأت بعض الدول العربية تتجه إلى استخدام طاقة الرياح، هل يمكن لطاقة الرياح أن تكون طاقة بديلة في العالم العربي الغني أيضا بالمواقع التي يمكن فيها إنشاء مثل هذه المحطات؟


أخيم شتاينر: بكل تأكيد إن نظرت إلى ثورة طاقة الرياح فالناس كانوا يقولون إن هذا الأمر قد يعطينا 1% أو 2% وأنت ذكرت ألمانيا، ألمانيا وفي خلال عشرة أعوام فقط استثمرت وبشكل كبير في تطوير طاقة الرياح 15% من حاجتها الكهربائية اليوم تولد منها وهذه هي أكبر دولة مصدرة حتى العام الماضي ورأينا أيضا الصين تتغلب على ألمانيا والولايات المتحدة بحيث أنها أصبحت أكبر منتج لهذه الطاقة، إذاً في هذه المنطقة حيث هناك ظروف طبيعية متاحة بالنسبة للرياح هناك فرصة للبدء بالاستثمار في توليد الطاقة الكهربائية في المستقبل ومن شكل أسهل إن لم يكن هناك أيضا محطات تعمل على الفحم فهذا يعتبر أيضا جزء من المشكلة في كثير من الدول التي استثمرت في تكنولوجيا سوف تصبح ملغية وقديمة وعتيقة وغير قابلة للاستخدام إذاً فنحن بحاجة إلى توجه جديد، في المنطقة العربية هناك فرص هائلة لأن هناك بنى تحتية يتم إنشاؤها، لماذا نعود إلى تكنولوجيا القرن العشرين بينما تكنولوجيا القرن 21 موجودة؟


أحمد منصور: في ظل هذه الصورة استمرارية الدول الكبرى لا سيما الولايات المتحدة والصين والهند والدول الصناعية الرئيسية في استخدام الوقود الأحفوري من النفط ومن الفحم الحجري ومن الغاز هل هو لعدم رغبتها في استثمارات جديدة أم عملية استسهال أم استرخاص في الوقت الذي يكون فيه دمار كبير للبيئة من وراء هذه الوسائل القديمة؟


أخيم شتاينر: دعني أولا أقل إنه في اقتصاد كالصين يزيد وينمو بنسبة 8% إلى 10% فإن زيادة الطلب على الكهرباء يجب أن يكون مرضيا الآن وفي المستقبل، إذاً بالنسبة للاستراتيجية الآن هي تكمن في توسع موارد الطاقة التقليدية ولكن إن نظرت إلى الصين أو البرازيل وهما اقتصادان صاعدان رئيسيان بالإضافة إلى الهند فهما يتحولان وبشكل كبير إلى الاستثمار بهذه التقنيات الجديدة، إن أخذت الأزمة المالية على سبيل المثال وما يسمى الحزمة التحفيزية الاقتصادية فالصين وكوريا رأينا أكبر كمية استثمارية في الاقتصاد الأخضر كالذي يركز على طاقة الشمس والأساليب غير المضرة في البيئة، أيضا نرى في الصين كميات كبيرة من الماء تنتج عن طريق الطاقة الشمسية ونرى هنا في أماكن أخرى في العالم توجهات أخرى إذاً في الصين هناك توربين يبنى باستمرار، العام الماضي فقط الاستثمار في الطاقة المتجددة كالشمس وما شابه كانت 150 مليار دولار كقيمة وهذا أكثر مما أنفقه العالم على الطاقة النووية والنفطية وما شابه إذاً فاقتصاد الطاقة المتجددة هو عبارة عن أمر يتم اليوم وعلى الدول أن تنظر إليه لكي لا يفوتها القطار.


أحمد منصور: هل معنى ذلك أنك توجه أنظار العالم العربي إلى أن يبدأ في النظر إلى الطاقة المتجددة وإلى استخدامها من الآن بدلا من الإنفاق بمبالغ طائلة في وسائل الطاقة القديمة؟


أخيم شتاينر: أنا أظن أن هناك عنصرا أساسيا أن نفعل هذه الأمور ليس فقط كأفكار ولكن رأينا مؤخرا أنه وسط الحكومات ووسط قطاع الأعمال هناك قدر كبير من الاهتمام بهذا ولو نظرت إلى دولة كالأردن، أنا كنت مع وزير البيئة في الأردن في لقائنا السنوي قبل بضعة أسابيع وهناك عدد من الدول أيضا طلب منا الوزراء أن نأتي وأن ننظر إلى اقتصادهم من وجهة نظر اقتصاد وبيئة نظيفة، القضية الآن كيف لا ننظر إلى هذا فقط كتجربة ولكن أن نزيد من قدر هذه الجهود وهذا الأمر مرتبط بسياسات حكومية وفرص استثمارية وخليط من الحاجات البيئية مع المنطق والحكمة كما هو في أجزاء كثيرة في العالم هناك أمر يرتبط بمستقبل العالم العربي والتطور الاقتصادي بشكل أساسي.

حجم التلوث البيئي ومسؤولية الأفراد والحكومات


أحمد منصور: هناك دراسات بعضها منسوب للأمم المتحدة تقول إن البشرية مسؤولة عن التلوث البيئي بنسبة 90%.


أخيم شتاينر: يمكن أن تأخذ أرقاما مختلفة ولكن إن حددت المشهد خارج سياق الكوكب فأقول إن الأمور ستأخذ مجراها بشكل طبيعي، نحن كنا مليار واليوم نحن سبعة مليارات وسيزيد عددنا، في مائة عام دمرنا نصف المناطق الزراعية وهناك موارد وغابات دمرت وقطاع الصيد على وشك الانهيار ونحن أثرنا على الطبقة الجوية أو الغلاف الجوي وهذا يؤثر على قدرتنا على العيش بالنظر للثقب في طبقة الأوزون وهكذا، علينا أن ندرك أن الاقتصاد والتنمية أمران مهمان للعالم وخاصة للدول الصناعية ولا يمكن أن يستمر فيما نقوم به الآن ولذلك برنامج الأمم المتحدة يركز على جهود الحكومات والمستثمرين وعلى الاقتصاد الأخضر، إن الأمر مهم جدا وفور ما بدأنا الاستثمار بهذه الفرص سيكون من الأفضل بدلا من أن ننتظر الآخرين أن يقودوا هذا السياق لأن هذا سيخلق اقتصادا سينفع الدول المبتدئة وهنا مكمن الفرص للعالم العربي ولإفريقيا ولآسيا وأميركا اللاتينية وليس فقط للدول الصناعية.


أحمد منصور: أشرت إلى قطاع الصيد والزراعة وهذا يعني الغذاء بالنسبة للإنسان، الغذاء الآن الذي كان مصدرا للصحة والعافية أصبح بسبب التلوث مصدرا للمرض وللسقم وللموت حتى للإنسان.


أخيم شتاينر: نعم نحن في وضع غريب حتى في دولة كاليابان والولايات المتحدة هناك ثراء اقتصادي ولكن التلويث بالكيماويات على أطفالهم يزيد الآن وهذا هو أحد غرائب هذا القرن وهذه الحضارات بحيث أنه كلما أصبحت أكثر ثراء تلوث أكثر وإن أكلت أنواعا معينة من السمك اليوم فإنك تطعم أطفالك الزئبق وهذا يعتبر مصدر خطر كبير وأيضا سمك القرش يتزايد على مدى أجيال وبذلك يكون مستوى الزئبق خطرا أكثر على البشرية، نحن نعمل على هذه الأمور منذ وقت طويل وقد نظرنا إلى الوقود وإخراج الرصاص منه وهناك محاولات لإخراج كل الرصاص من الوقود اليوم ونحاول العمل بشأن هذا مع معادن أخرى مهمة لصحتنا، كل هذا جزء من اقتصاد أخضر، يجب أن نفهم أن هذا الأمر لا يرتبط بوقف عمل ما ولكن يجب أن يمشي هذا مع إعطاء الناس وظائف وإن نظرت إلى العالم العربي ونظرت إلى الطاقة والسياحة والماء هذه مجالات ثلاثة من الاقتصاد كلها يمكن أن تكون بالتي تقود المجتمع وتقود المستقبل الاقتصادي وهذا يعتبر مصدر تحد يجب أن نفتح أذهان الساسة بالنسبة له من خلال تشجيعهم لأنه إن لم نتحرك الآن فهناك ثمن باهظ سندفعه أنا وأنت وأطفالنا وأحفادنا لا محالة.


أحمد منصور: ما هو هذا الثمن الذي يمكن أن يتم دفعه في صحتنا في طعامنا في شرابنا إذا لم نتحرك الآن للحفاظ على البيئة وهذا الكوكب الذي يعيش فيه الجميع؟


أخيم شتاينر: سيكون هناك أجزاء من العالم لن تكون قابلة للعيش فيها، حضرنا تقريرا عن السودان حيث نظرنا إلى آثار تراكمية فيما يتعلق بالتغيرات الجوية وحقل الماشية وإعداد الماشية، لا يمكن أن نسمح للعالم أن يقوده وضع تنافسي بحت فنحن دائما لا نستطيع حل الصراعات ولا نستطيع أن نوفق بين المصادر الطبيعية وأن توزع بشكل عادل، عندما لا يكون هناك مياه فهذا خطر على حياة الناس وعندما يكون هناك صراعات أيضا، علينا أن ننظر إلى مصادر المياه بشكل عابر للحدود الوطنية وأن ننظر إلى إمكانية وجود تربة خصبة بحيث نستطيع أن نطعم أنفسنا فيما يزداد عدد السكان، هذه هي الآثار السيئة التي قد ندفعها وعندما ينهار النظام البيئي فإن الجيل القادم لا يمكن أن يعيد الحياة له ثانية لأن الأمر قد يستغرق أجيالا كاملة لفعل ذلك، أيضا البحار نرى فيها تغيرا سلبيا ونرى مناطق اختفت في الاتحاد السوفياتي ونرى أيضا هناك مشاريع في مالي لإعادة الحياة لبعض البحار والمناطق الصالحة للزراعة التي تم تدميرها والآن علينا أن ننفق أعواما كثيرة لإعادة ما كان دعامة للحياة الأساسية للملايين من الناس، هذا الفرق بين التحرك الآن وترك الأمور للأجيال القادمة وأن نترك المسؤولية عليهم.


أحمد منصور: هل يمكن الارتكان فقط لتحقيق هذه الأشياء على الجوانب الأخلاقية للبشر أم لا بد أن يكون هناك قوانين رادعة لإجبار الذين يقومون بعملية تدمير الكون على التراجع والذين يريدون إصلاح الكون أن يتقدموا؟


أخيم شتاينر: هذه نقطة مثيرة للاهتمام، الكثيرون يقولون إنه ليس عندنا القيم للقيام بالاختيارات التي لها بعد يتجاوز الأجيال ولهذا فالقيم الأخلاقية نحن بحاجة إلى المزيد منها لأنها هي التي تخلق الريادة وهي ما يميز المسؤولين من غير المسؤولين، ولكن علينا أن نكون واقعيين ولهذا أكدت على البعد الاقتصادي في هذا السياق، القرن العشرين كان دائما حدد بفكرة أنه إذا فعلت شيئا للبيئة فسيكون على حساب الاقتصاد وإن طورت الاقتصاد فسيكون هناك ثمن تدفعه البيئة، هذا خطأ وعلينا أن نغير طريقة تفكيرنا وعلينا أن نوقف الادعاء بأن هذا المنطق سوف يؤدي بنا إلى التقدم، التطور في القرن 21 مرتبط بالاستدامة لأنه بدون الإدامة فإننا نكون ندمر هذا القرن والقيم هي في جوهر الإدراك بأن علينا أن نعمل كمجتمع متكامل، الأمم المتحدة وبكل فشلها وإخفاقاتها ما زالت صاحبة الرؤية المستقبلية لبسط القيم لكي يعمل الناس من خلالها معا ولا أن يضر بعضهم بعضا ولكن أن ينفع بعضهم بعضا وأنت تعرف كم نحن بعيدون عن إدراك هذا الهدف الآن وخاصة فيما يتعلق بالتغيرات البيئية المناخية.


أحمد منصور: كيف تنظر إلى المستقبل في ظل هذه الصورة التي تبدو قاتمة لدى كثيرين ولا يلوح فيها بوارق أمل؟


أخيم شتاينر: قد يفاجئك الأمر ولكن غالبا أنا أسأل عن قضايا كهذه، ألا تشعر بالإحباط وأقول أنا أحبط لأنه بكل المعرفة المتاحة لنا إلا أننا نعمل ببطء شديد ولكنني متفائل بطبعي لأنه إن نظرت إلى رحلة العقود الماضية الأربعة وإن نظرت إلى تجربتي حيث عملت مع الأمم المتحدة كيف تغير الوعي، في كوبنهاغن كان هناك زعماء من دول وحكومات وكان هناك هيئة حكومية تم تأسيسها والعالم كان يضحك على هذه الأمور وعلى أنها عبارة عن نمط من الخيال ولكننا تحركنا إلى جعل العالم يدرك بأن هناك مشكلة والرد والاستجابة سوف تغير أساسات اقتصاداتنا، المشكلة التي تحبط وتجعلني أتساءل هي أين هو العالم وهناك الكثيرون من الناس الذين يؤمنون بأنه يمكن الاستمرار كما هي الأمور الآن دون تحرك ولكن مهمتي ومهمة كل مواطني العالم ألا نجلس ونرتاح ونحبط لأن البشرية لا تدمر ذاتها بذاتها والبشرية أيضا تتمتع بالأخلاق وبنهاية الأمر إن أردت ترك عالم لأطفالي وأحفادي في عالم أفضل فهذا أمر يكون مسؤولا وأنا لا أعتقد ان أغلبية الناس سوف يتحركون بشكل غير مسؤول.


أحمد منصور: هل معنى ذلك أنك تحمل البشر الجمهور عموم الناس مسؤولية لكي يتحركوا لإنقاذ حياتهم وأجيالهم ولا يعتمدوا فقط على الحكومات أو المنظمات الدولية؟


أخيم شتاينر: بمرور الوقت أنا آمنت بأن الساسة نادرا ما يقودون ولكنهم يتبعون مجتمعاتهم ويطورون الشجاعة عندما يدعمهم المجتمع، عندما ننتخب زعيما في كل أربعة أعوام أنت من يقرر..


أحمد منصور (مقاطعا): تنتخبون في بلدكم، نحن لا ننتخب، يفرضون علينا.


أخيم شتاينر: أعتقد أن هذا تعميم ولكن أقول القيادة سواء كانت في الدول الديمقراطية أو القيم المجتمعية السائدة تعتمد على إن كان الناس مستعدين على أن يسيروا مع القادة عندما يسيرون في مجال ما، من السهل أن نشير إلى الأعلى أو الأسفل ولكن نحن من يتخذ القرار بشان إدارة منازلنا وقيادة سياراتنا والمنتجات التي نستثمر بها إذاً فالسوق أيضا تستطيع أن تحدد إن كان هناك منتجات أقل ضررا بالبيئة أو لا نعتمد ذلك إذاً فالأمر خليط، الساسة يجب أن يتحركوا والقطاع الخاص وقطاع الأعمال يجب أن يستثمر بمستقبل اقتصادي أخضر، بنهاية الأمر ما هي السوق؟ السوق هي أنا وأنت، إن كنت غنيا أم فقيرا نحن من يشتري المنتجات أو من لا يشتريها نحن من يشتري الطاقة الكهربائية المتجددة أو الوقود الأحفوري وهكذا فإن الطاقة ستأتي من مجتمعاتنا ومن مواطنينا ولهذا فإن الوعي والتفهم والتفاؤل والمعرفة يمكن أن نقوم بهذه الأمور وهي أمور جوهرية.


أحمد منصور: معنى ذلك أنك تطالب بأن تقوم المجتمعات بعملية رقابة أيضا على الطعام والشراب والتلوث الذي يتم فيها في ظل أن في الدول الفقيرة والدول العربية لا توجد رقابة كافية على الغذاء مثل التي توجد في أوروبا؟


أخيم شتاينر: أنت ترى السوق الحالية وتقرر إن كنت تريد أن تذهب إلى مزارع مسؤول وتشتري منه أم لا، على سبيل المثال السوق التي تنتج المواد الطبيعية الآن قدرها خمسين مليار دولار في السوق العالمية وهي تزداد نموا لأن هناك مستهلكين، وفي دولة كأوغندا هناك مائتا ألف مزرعة تعمل بطرق طبيعية وهذا يمكن أن يكون محك تغيير بالنسبة لي ولك عندما نشتري منها إذاً يجب أن يكون هناك المزيد من الناس يراقبون ما يجري في السياسة لأن القادة لا يمكن لهم أن يفرضوا قرارات من القمة خاصة فيما يتعلق بما أفعله في بيتي أو في السوق وكيف أحافظ على الماء أو لا أحافظ على الماء وأيضا أمور التسعير ولكن إن عرفنا أن المحافظة على الماء أمر مهم ليس فقط لتوفير المال عندها سيكون هناك إمكانية للعمل في سياسات توصلنا إلى النجاح.


أحمد منصور: بعيدا عن الشغب الذي يحدث من قبل أنصار البيئة في المؤتمرات الدولية هل ترى أن حضور أنصار البيئة في المؤتمرات يلعب دورا لصالح البيئة والإنسان في النهاية؟


أخيم شتاينر: لقد رأيت مظاهرات في كوبنهاغن وأنا ذهلت بمدى صبر ممثلي المجتمعات المدنية فقد كانوا هناك في درجات حرارة تحت الصفر وكانوا يحاولون أن يأتوا بأصوات شعوبهم إلى كوبنهاغن وقد كانت المظاهرات سلمية ولكنها أثرت فينا من حيث رؤية التعاضد والتضامن فالناس ينظرون إلى الساسة وكلنا عندنا قدرة لإحداث تغيير لتغيير ودفع هذا النقاش قدما وتغيير الوضع الحالي وهذا صحيح إن كنت شركة كبيرة ودولة كبيرة تلوث بشكل كبير أو إن كنت دولة منتجة للنفط في أوروبا أو المنطقة العربية، كل زعيم يمكنه أن يحدث تغييرا وفرقا وفي كوبنهاغن يمكن أن تضع قائمة من زعماء الدول الذين كانوا يحاولون الوصول إلى نتيجة وتحقيق نجاح أو الذين لم يقولوا دعونا نجلس وننظر ما الذي سيجري، وهذا الأمر سوف يكون مهما في المستقبل ونحن في الأمم المتحدة ما زلنا نؤمن بأن سياسة تغيير إقليمية في المناخ أمر مهم وسوف يواجه تحديات التغيرات المناخية.


أحمد منصور: في الختام ما هي المسؤولية التي تضعها على الفرد على الإنسان تجاه نفسه تجاه أسرته تجاه مجتمعه لكي يعمل على أن يبقى هذا الكون نظيفا وأن تبقى البيئة نظيفة وأن تستفيد الأجيال القادمة من الحياة على هذا الكوكب لا أن يعيشوا وسط الأمراض ووسط الأجواء غير الصالحة للحياة الآدمية؟


أخيم شتاينر: قد تظن أن الأمر ساذج لأن الأفراد لا يمكن لهم أن يغيروا التاريخ ولكن التغيير لم يكن قد أتى من أناس لم يضربوا الأمثال، إن هناك من يكون يضرب الأمثال للناس وهؤلاء يمكن لهم أن يغيروا لأنهم هم من يحظون بالاحترام، المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا هؤلاء حظوا باحترامنا وهم من يجسد الرغبة بالتغيير فالأمر يعود لنا كلنا أن نحاول أن نظهر من تحركاتنا بأننا قادة، أنا قائد في مدرستي وفي عائلتي وفي بيتي وهكذا تبني أخلاقا اجتماعية وقيما عليا تؤدي بنهاية الأمر إلى أن نستطيع العيش بسلام في هذا الكوكب.


أحمد منصور: أخيم شتاينر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة شكرا جزيلا لك، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.