واقع الأمة ومستقبلها
بلا حدود

حرب لبنان والقراءة العربية لها

يقدم الدكتور محمود جبريل خبير التخطيط الإستراتيجي قراءة لواقع الأمة ومستقبلها من خلال نتائج الحرب بين حزب الله وإسرائيل.

– نتائج حرب لبنان ومدى استفادة العرب منها
– انعكاسات الحرب على ثقة أميركا في إسرائيل
– التحركات الأميركية ورحلة البحث عن حليف


أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على الهواء مباشرة من القاهرة وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج بلا حدود، رغم مرور أسابيع قليلة على حرب الثلاثة والثلاثين يوما التي قامت بين حزب الله وإسرائيل إلا أن العرب كعادتهم لم يقفوا عند هذه الحرب ونتائجها بالشكل الذي ينبغي أن يقفوا به وإنما وقفوا عند حد السنة والشيعة وتلاسنوا فيما بينهم إذا ما كانت هذه الحرب حرب بين العرب وإسرائيل أو حرب بين الشيعة وإسرائيل، لكن مراكز الأبحاث والدراسات في كل من إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا بشكل عام وربما العالم أجمع وقفت وقفات طويلة عند هذه الحرب ولا زالت تسعى لتحليل أسبابها ونتائجها ومستقبلها على المنطقة كلها وعلى التغيرات التي ينبغي أن يكون عليها الشرق الأوسط الذي أشارت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أنه سيولد من بين رحم هذه الحرب وفي هذه الحلقة نحاول أن نقدم قراءة لم يقرأها العرب لتلك الحرب ونتائجها مع خبير التخطيط الاستراتيجي الدكتور محمود جبريل ولمشاهدينا الراغبين في المشاركة يمكنهم الاتصال بنا على أرقام هواتف البرنامج التي ستظهر تباعا على الشاشة أو يكتبوا إلينا عبر موقعنا على شبكة الإنترنت www.aljazeera.net ، دكتور مرحبا بك..

محمود جبريل – خبير التخطيط الاستراتيجي: أهلا وسهلا..

نتائج حرب لبنان ومدى استفادة العرب منها

أحمد منصور: أود في البداية أن أسألك عن الشيء الذي تحدثت عنه في المقدمة وهو أنه في الوقت الذي انشغل الإسرائيليون والأميركيون ومراكز الأبحاث في أنحاء العالم بهذه الحرب ونتائجها إلا أن العرب لا زالوا منشغلين في قضية السنة والشيعة وفي نفس الوقت يتجادلون حول نتائج هذه الحرب إن كانت نصرا أم كانت دمارا للبنان، ما هي قراءتك لرؤية العرب لهذه الحرب؟

محمود جبريل: بسم الله الرحمن الرحيم، أولا أشكر على كريم الاستضافة كل عام وأنتم بخير ومشاهدينا بخير بمناسبة شهر الإرادة فهو شهر إرادة فعلا، أود في البداية أستاذ أحمد التنبيه إلى نقطة أعتبرها جوهرية وهي امتداد لهذه المقدمة، أرجو ألا تُعامل هذه الحلقة وهذا الحوار كما عُومل الحدث نفسه من حيث تصنيفات الأيدلوجيا أو فكر المؤامرة أو المواقف السياسية المسبقة، فما أحاول الإدلاء به أو ما أحاول المساهمة به سيكون قراءة وتأمل ووقفة للنظر من بعيد إلى حدث أعتقد أنه يُعتبر سابقة جديدة ومحورية وستشكل إن تكررت مسيرة الأحداث في المنطقة لأجيال قادمة بإذن الله، ما حدث أعتقد أنه كان ضحية لمثلث ذي ثلاثة أضلاع مرعبة..

أحمد منصور: ما هو هذا المثلث؟

محمود جبريل: المثلث يتشكل من ثلاثة أضلاع، الضلع الأول هو تحليل بأدوات متقادمة ومفلسة نشأت وترعرعت استجابة أو كردة فعل لأحداث مرت بالمنطقة وبالأمة العربية في النصف قرن الماضي وبالتالي كما يعرف علماء المناهج.. مناهج البحث أن أداة القياس لابد أن تكون متوائمة مع الظاهرة التي يراد قياسها، الناس اللي تدرس مناهج بحث.. أتكلم على ما يسمى (Reliability) و(Validity) أو صلاحية ومدى التعويل أو معولية هذه الأداة لقياس الظاهرة وبالتالي أدواتنا أدعي في النصف قرن الماضي كمثقفين وكمحللين كانت رد فعل لانكسارات وهزائم فنشأ خطاب نقدي معني بالدرجة الأولى إما بجلد الذات أو بالبحث عن المتهم وراء الانكسار ووراء الهزيمة أو جلد الآخر وبالتالي ليس خطاب يستطيع أن يحلل وقفة صمود أو وقفة كبرياء أو وقفة انتصار، هذا الضلع الأول.. أما الضلع الثاني فقد كان الحدث ضحية لمواقف رسمية مسبقة أُعدت بالتنسيق مع قوة خارجية وأعني الولايات المتحدة تحديدا والذي يريد أن يعود إلى جذور كيف بدأ هذا التنسيق يمكنه الرجوع مثلا إلى مجلة النيوزويك في 17 يوليو الماضي بعد خمس أيام من بدأ الحرب أو التايم في 24 يوليو ليرى كيف تم التنسيق بين بعض الأنظمة العربية والولايات المتحدة بشكل مسبق للتآمر على المقاومة ومحاولة القضاء عليها واتخاذ مواقف مسبقة في جامعة الدول العربية عند انعقادها، الضلع الثالث وهو أيضا من الأضلاع التي ساهمت ولو بحسن نية هو الموقف العربي الشعبي الذي يعبر عن غضب عربي شعبي حسن النية يشكل التفاف حول المقاومة اللبنانية ولكنه لا يستطيع من خلال غضبه أن يوفر زاد للاستمرارية أو ما يسمى بالـ (Sustainability) أو استمرارية الحرب فلا يستطيع أن ينتقل من قدرة على الغضب إلى قدرة على الفعل وبالتالي لا تأثير له على المستوى الأبعد وإن كان قد أحدث تأثير بسيط في الضغط على بعض الحكومات العربية كما تبدى في اجتماع بيروت الذي تلا الاجتماع الذي أعتبره اجتماع فاشل في القاهرة وبالتالي خرجنا بحالة من الخواء الفكري لم تستطيع أن ترى الحدث في أبعاده الحقيقية والتي من وجهة نظري قد تشكل منعطف كبير جدا في هذه الأمة إن قرأ بالطريقة الصحيحة..

أحمد منصور: ما هي الأبعاد الحقيقية لهذه الحرب؟

محمود جبريل: الأبعاد الحقيقية لهذه الحرب من وجهة نظري الخاصة لابد أن نرى أولا كيف أديرت المعركة، من وجهة نظري أنا النقطة الأولى أن المقاومة اللبنانية وهي إحدى المزايا لم تفقد زمام المبادرة للحظة واحدة طيلة الثلاثة وثلاثين يوما، كانت تختار الزمان وتختار المكان رغم الاندفاعات الإسرائيلية المتكررة في الجنوب اللبناني كانت هي التي تختار متى تضرب وأين تضرب، الأمر الثاني هو التجديد في استراتيجية القتال لأن ما تم معروف تاريخيا هو ما يعرف بالجوجي تسو وهي استراتيجية صينية قديمة حرب العصابات أو استراتيجية المقاومة الفدائية أو الشعبية، طور حزب الله أو طورت المقاومة اللبنانية هذه الاستراتيجية بدلا من الاعتماد على فكرة الكر والفر كانت فكرة الضرب المباغت ولكن الاستمرار في المعركة إلى نهايتها بدلا من الفرار وذلك يعتبر تجنيدا لهذه الاستراتيجية، الأمر الثالث التخطيط والذي يعتبر جديد بالنسبة للفكر الحربي العربي التخطيط المسبق أو التجهيز المسبق واستقراء ردود الأفعال المسبقة للعدو، أعطي أمثلة عمق الأنفاق التي حُفرت قبل الحرب بوقت كافي، أُخذ في الاعتبار أن يكون عمقها أكثر بكثير من مدى القنابل الذكية.. القنابل الموجهة بالليزر الأميركية والتي كان متوقع بشكل مسبق أن إسرائيل ستلجأ إلى استيرادها من الولايات المتحدة..

أحمد منصور: ده مداها من 17 إلى 30 متر..

محمود جبريل: من 17 إلى 30 متر، ثم الحركة اللولبية لهذه الأنفاق بحيث أن الضرب يتم في مكان وعندما تضرب إسرائيل تكتشف أن المقاومة أصبحت في مكان آخر، الأمر الثالث تشكيل وحدات يمكن أن يطلق عليها عسكريا الوحدات المكتفية ذاتيا، لا مركزية مطلقة.. إن هي دوائر متكاثرة متشكلة من أعداد بسيطة جدا داخل كل مجموعة ولا مركزية مطلقة في اتخاذ القرار فذلك شكل عائق كبير أمام ما يسمى بالتقطيع أوصال المقاومة، إن هو حتى لو ضربوا بؤرة واحدة لا يفت ذلك في عضد بقية الدوائر الأخرى التعبئة النفسية والتي كانت رابحة وبالذات بداية من ضرب البارجة الإسرائيلية وكسب المعركة الإعلامية عن طريق المصداقية والمفاجئات المتكررة للعدو الإسرائيلي التي أربكته وأربكت صانع القرار الحربي الإسرائيلي، بعد معركة أو مذبحة قانا تحديدا أصبح هناك ما يسمى بالـ (Turning point) أو انعطاف كبير جدا في تحول الرأي العام العالمي بدل أن كان معاضد ومساند لإسرائيل في بدايات الحرب تحول إلى مناهض إلى الهجمات على المدنيين المتكررة والتي أسفرت عن كثير من المذابح، هذه البوتقة من السبع عناصر لو وضعناها في إطار أمر جوهري قد تحدثنا عنه في حلقة سابقة هو مفهوم الإرادة.. الإرادة كانت متوفرة من (A) و(Z) من الألف إلى الياء..

أحمد منصور: حين تتوفر الإرادة تستطيع أن تقهر القوى المضادة مهما كان حجمها ومهما كانت قوتها.. إسرائيل أميركا كانت في المعركة بكل الوسائل بالسلاح بالتخطيط بتعطيل مجلس الأمن بكل هذه الأشياء، هل مجرد إرادة ثلاثة آلاف شخص مع قيادتهم تستطيع أن تقهر تلك القوة؟

"
لم يحدث في تاريخ الحروب أن هزم جيش نظامي حركة مقاومة شعبية
"

محمود جبريل: هو إرادة وهو تماشي مع الحالة السائدة في العصر.. أولا تاريخيا لم يحدث في تاريخ الحروب أن هزم جيش نظامي حركة مقاومة شعبية، لم يحدث إطلاقا الشيء، الثاني إنه ربما تحدثنا عن ذلك في حلقة سابقة أن البقاء اليوم للأسرع وليس للأقوى وقد أثبتت حرب الثلاثة وثلاثين يوما هذه الفكرة، القدرة على الضرب المباغت والاختفاء السريع بعد إنهاء المعركة الاختفاء السريع بعد إنهاء المعركة مباشرة، كل معركة ينتهوا يختفوا ما يظلوش في الميدان..

أحمد منصور: الصحفيين الذين قاموا بتغطية الحرب في الجنوب حتى المراسلين الغربيين بشكل خاص قالوا إنهم لم يشاهدوا مطلقا مقاتلين من حزب الله..

محمود جبريل: أنا أعتقد إحدى الظواهر الأخرى التي يمكن أن تضاف أو إحدى العوامل هي المعلوماتية التي كانت متوفرة وكيف أديرت المعلومات بسرية كاملة وأديرت ببراعة فائقة وبالذات في عملية اتخاذ القرارات المتوالية وتغيير الاستراتيجيات من معركة إلى أخرى..

أحمد منصور: دائرة الاستخبارات العسكرية في الجيش الأميركي أعدت دراسة سُربت ونُشرت في عشرة سبتمبر الماضي قالت فيها إن الجيش الإسرائيلي كان يتصرف وكأنه مصاب بالشلل وهذا دفع بعض المراقبين للقول بأن الحرب فعلا أحدثت شرخ بين أميركا وحليفتها إسرائيل حيث قدمت أميركا كل شيء ولم تستطع إسرائيل أن تحقق شيء من الأهداف الرئيسية للحرب، هل تعتقد فعلا أنه الحرب أحدثت شرخا بين أميركا وإسرائيل؟

محمود جبريل: هي أحدثت ارتباك في قناعة راسخة منذ سنة 1967، بعد الدعم الأميركي لإسرائيل بدأ يأخذ بُعده الكامل بعد حرب 1967 لأنه قبل 1967 كانت فرنسا هي الداعم الرئيسي وخصوصا بالسلاح للدولة الصهيونية، منذ ذلك الوقت تولدت قناعة بأن إسرائيل هي الحارس القوي الأمين على المصالح الأميركية الاستراتيجية في المنطقة وأنها عن طريق ما يعرف بالحرب الخاطفة وتفوقها النوعي والكمي من ناحية السلاح على الدول العربية تستطيع أن تحافظ على هذه المصالح إلى أبد الآبدين، ما حدث أحدث نوعا من الخلخلة في هذه القناعة، هذه القناعة أو هذه الخلخلة لم تبدو على مستوى البيت الأبيض أو على مستوى وزارة الخارجية ولكنها كانت واضحة على مستوى ما يسمى بالـ(Think Tank) أو..

أحمد منصور: مراكز التفكير.

محمود جبريل: مراكز التفكير التي تُعنى بالمصلحة القومية الأميركية فقط ولا يهمها من يشغل البيت الأبيض.. هل هم الجمهوريون أم هم الديمقراطيون، لو تكرر هذا الحدث مرة أو مرتين لا شك أن شرخا عميقا سيزداد اتساعا في هذه القناعة.

أحمد منصور: كيف نظرت هذه المراكز في ظل أن العرب الآن تقريبا كادوا ينسوا أنه هناك حرب وانشغلوا في أشياء جديدة لأن الاهتمامات بتصنع.. لنا نحن لا نصنع الاهتمامات وإنما تصنع لنا دائما الاهتمامات؟ في الوقت الذي العرب انشغلوا في الاهتمامات التي فُرضت عليهم كيف تناولت مراكز الدراسات في الولايات المتحدة الحرب ونتائجها؟

محمود جبريل: التناول الحقيقي سواء في الولايات المتحدة أو حتى لجان التحقيق التي شكلها الكنيست وبعض اللجان المحايدة وكذلك اللجان التي شكلها جيش الدفاع الإسرائيلي كلها بدون استثناء كانت معنية بنقطة واحدة الإدارة المختلفة للحرب وأسلوب القتال الذي لم يعهده الإسرائيليون أو الأميركيون في السابق، هل هذا سيكون نموذج في المستقبل يتكرر أم هو حدث عارض سيزول بانتهاء هذه الحرب ووضعت بعض السيناريوهات، ماذا لو تكرر ذلك في العراق؟ ماذا لو تكرر ذلك في لبنان مرة واثنين وثلاثة؟ ما هو موقف الولايات المتحدة من اعتمادها على إسرائيل كحليف؟ هذا بالنسبة للولايات المتحدة (Think Tank group) بالنسبة للإسرائيليين لو تكرر ذلك هل سيحدث ذلك شرخا في الوعي الجمعي الإسرائيلي أم لا؟ خصوصا أن الوعي الجمعي الإسرائيلي هو الركن الركين والركيزة الأولى في اللحمة الإسرائيلية الداخلية.

أحمد منصور: عوزي بنزمان في النقطة دي بالذات وهو كاتب إسرائيلي كتب في هارأتز مقال في 17 سبتمبر قال فيه أن حرب لبنان كشفت عن حجم الفساد والعفن الذي أصاب الجيش والمجتمع الإسرائيلي بسبب اضطهاده للفلسطينيين، هل فعلا.. كتبت مقالات كثيرة هذا نموذج فقط يعني يؤكد ما ذكرته، هل يمكن أن نقول إن هذه الحرب كشفت عن بداية تهلهل وتمزق وعفونة فعلا داخل نسيج المجتمع الإسرائيلي؟

محمود جبريل: هي لحظة استفاقة لأن المجتمع الإسرائيلي لا نستطيع ننكر أنه مجتمع ديمقراطي يحاسب ويكشف ويحاول أن يصحح..

أحمد منصور: هل فرضت هذه الحرب واقعا جديدا عليه؟

محمود جبريل: فرضت عليه أن يعيد حساباته وأن يراجع كثير من الأمور التي درج عليها المجتمع الإسرائيلي على مستوى الثقافة وعلى مستوى صورة الذات كما فرضت على متخذ القرار الإسرائيلي أن يعيد حساباته في كثير من الأمور، لماذا؟ لأن صورة إسرائيل لذاتها وصورة الولايات المتحدة عن إسرائيل هي الحلقة الحقيقية التي تشكل التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فلو فقدت إسرائيل هذه الميزة.. قدرتها عن طريق اليد الطويلة لضرب أي قوة في المنطقة..

أحمد منصور: بس بدت إسرائيل في هذه الحرب وكثيرون يقولون أن اللوبي الصهيوني وإسرائيل هي التي تدير الولايات المتحدة بدت إسرائيل كأداة في يد الولايات المتحدة لتحقيق أهداف أميركية بالدرجة الأولى.

محمود جبريل: ذلك صحيح، أنا أعتقد أن الدعاوى بأن إسرائيل هي التي تدير الولايات المتحدة هي دعاوى منا إحنا من داخل المنطقة كعرب دائما نرى إسرائيل اللوبي الصهيوني.. اللوبي الصهيوني هو عامل لكن الولايات المتحدة منذ مذهب منرو في السياسة الخارجية الأميركية لا تبحث إلا عن مصلحتها وبالتالي هناك إرهاصات ممكن أن نتحدث عليها فيما بعد، لو تكرر هذا النموذج.. نموذج المقاومة الناجحة ما هي انعكاساته بالنسبة للمفكر السياسي الأميركي؟ بالنسبة تفضل..

أحمد منصور: هل يمكن أن يؤدي ما حدث في لبنان إلى تغيير في التفكير الاستراتيجي العسكري في المواجهات المستقبلية التي يمكن أن تقوم بين أي دولة عربية وإسرائيل بمعنى عدم الدخول في مواجهة جيش إلى جيش وإنما تشكيل حتى عصابات داخل الجيوش العربية تقوم بمهمات مثل التي قام بها حزب الله؟

محمود جبريل: أنا أعتقد هذه إحدى التداعيات التي من المفترض أن تُقرأ بتأني شديد جدا بالنسبة للقادة العسكريين العرب في جيوشنا العربية في ظل الهوة التكنولوجية ما بين جيوشنا العربية والعدو الإسرائيلي وفي ضوء الهوة المعرفية.. يعني الاقتصاد الإسرائيلي اليوم الجانب المعرفي بيشكل فيه أكثر من 13%، الدول العربية المجتمع اقتصادها لم يصل بعد المكون المعرفي به إلى 1% فهذه الهوة وتزداد اتساع.. تقرير التنافسية الأخير بيقول إنه إسرائيل طلعت رقم 15 أقرب دولة عربية في تقرير التنافسية تونس رقم 30 ثم الإمارات 32 ثم قطر 38 وهكذا الكويت 44، إذاً فيه بون شاسع بنا وبين إسرائيل، على المستوى العسكري جانب المعرفة والجانب التكنولوجي لابد أن ينعكس على نوع الآلة العسكرية المتوافرة وعلى إمكانيات التقنية للمقاتل العربي، الحرب الأخيرة أثبتت أن صغر الحجم مع الاكتفاء الذاتي مع الاستعداد التكنولوجي المناسب قد يحدث فرقا في أي مواجهة قادمة فلعله آن الأوان بدل من هذه الديناصورات الكبيرة مائتين ألف مقاتل وخمسمائة ألف مقاتل ومليون مقاتل ربما يكون آن الأوان لتشكيل وحدات صغيرة مدربة تدريبا عاليا بمعرفة عالية.. يعني المقاومة اللبنانية الآن معروف أنها سن المقاتلين كان ما بين عشرين إلى خمسة وثلاثين ومتعلمين تعليم عالي جدا ويجيدون مهارة الكمبيوتر ويجيدون.. يعني هذه نوعية من المقاتل مختلفة يجيد لغة العصر ومهارة العصر ومسلح بإرادة عالية جدا ويمتلك التخطيط ويمتلك المبادرة، ماذا تريد أكثر من ذلك لأي معركة؟

أحمد منصور: مع عدم وجود عمق استراتيجي داخل إسرائيل، مع عدم أشياء كثيرة جدا يمكن أن تساعد على.. يعني بول كيندي المؤرخ الأميركي الشهير في كتابه نشوء وسقوط القوى العظمي قال هذه الجملة.. قال معظم القوى العظمى على مدار التاريخ سقطت بأسلحة بسيطة جدا أبسط كثير من هالة الإمبراطورية التي يمكن أن تحدث ودي ممكن أيضا مجرد صواريخ عند حزب الله وليست متطورة كثيرا استطاعت أن تحقق معادلة كبيرة في عملية الصراع، في 10 سبتمبر ثلاثين ألف إسرائيلي احتشدوا في ساحة رابين للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية حول نتائج الحرب كان من بينهم موشى إرنس اللي هو وزير الدفاع السابق.. الأسبق وقال للصحفيين إن الحرب في لبنان لم يكن لها مثيل في تاريخ الحروب التي خاضتها إسرائيل وانتهت بهزيمة لم يكن لها مثيل حيث انهزم الجيش الإسرائيلي أمام عدة آلاف من مقاتلي حزب الله، هل هذا التصريح بهذا الوضوح عن هزيمة الجيش الإسرائيلي أمام عدة آلاف من المقاتلين يشير إلى أن تكتيك واستراتيجية وآلية المعارك القادمة بين العرب وإسرائيل ستأخذ بعدا آخر غير الذي أخذته في الحروب السابقة؟

محمود جبريل: أنا أعتقد بالنسبة للمقاومة نعم، لكن بالنسبة للجيوش العربية هل ستتعظ..

أحمد منصور: ما هي من 1948 وهي بتنهزم.. يعني ما عدى 1973 يعني..

محمود جبريل: 1973 في أيامها الأولى نعم، لأن ما حدث في الحرب الأخيرة أعتقد كما أشرت يا أستاذ أحمد هو جديد حتى من زاوية أخرى، من زاوية أن التكنولوجيا ليست هدفا في حد ذاتها، هي نظرت لها كأداة وبالتالي إحنا لو نظرنا إلى التكنولوجيا الآن بتستورد من بره، تطوع بطريقة تخدم استراتيجية قتالية محددة، إحنا الاستراتيجيات القتالية غير موجودة أصلا أو أن هي مستنسخة وعندما نستورد التكنولوجيا من بره سواء كانت التكنولوجية الشرقية زي زمان أو تكنولوجيا غربية.. التكنولوجيا هذه روح وثقافة ثم يتبعها مهارة في الاستعمال، إن لم تجتمع الثلاث عناصر تبقى التكنولوجيا فيه هوة بينها وما بين ثقافة ومعرفة المقاتل الذي يمسك بهذه التكنولوجيا، في الحرب الأخيرة حصل هذا التطابق.. حدث، يعني أنظر إلى كيف طُورت هذه الأسلحة البسيطة لتدمير السمعة التي لا تقهر المركافا.. الدبابة مركافا ومنذ يومين فقط..

أحمد منصور: ما هو كل العقود تقريبا ألغيت مع إسرائيل، كل الدول التي كانت متعاقدة على المركافا ألغت عقودها..

محمود جبريل: منذ يومين علقت لمدة خمس سنين هما دخلوها المخازن حتى يشوفوا إيش اللي حصل لمركافا..

أحمد منصور: كانوا يتفاخروا بأنها أكثر الدبابات تحصينا في العالم..

محمود جبريل: هذا صحيح..

أحمد منصور: وبأنابيب بوتاجاز فجروها، طيب أنا لو رجعت الآن العرب لم يستفيدوا من المعركة، كيف كان لهم أن يستفيدوا من هذه المعركة؟

انعكاسات الحرب على ثقة أميركا في إسرائيل

محمود جبريل: الحقيقة أولا مرة ثانية أولا البعد عن الأيدلوجيا والمواقف السياسية المسبقة، أنا كقارئ أحاول أو أدعي شيء من التأمل المحايد ما يهمنيش هل هذا حزب الله ولا هذا حزب كذا ولا حزب كذا، هناك مقاومة سميها جماعة مسلحة.. سميها جماعة مسلحة في مواجهة آلة عسكرية تعتبر أقوى آلة.. رابع أقوى آلة عسكرية في العالم واستطاعت أن تصمد لمدة ثلاثة وثلاثين يوما وأن تحرم إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة للحرب وعندما نأخذ هذا التعريف تحديدا.. عندما تحرم دولة ما من تحقيق أهدافها المعلنة للحرب فهي هزيمة، هذا التعريف العلمي..

أحمد منصور: وزير الدفاع الأسبق قال هزيمة.

محمود جبريل: هي هزيمة ومش مكابرة..

أحمد منصور: وعشرات الكتاب والإسرائيليين يقولوا هي هزيمة.

محمود جبريل: ولا هو تحيز عاطفي، إحنا الآن اللي سواء داخل الدول العربية أو داخل لبنان ذاتها اللي مازلنا في جدل الجدل الحقيقي هو جدل أيدلوجي وجدل سياسي، هل هو انتصار أم لا؟ يا أخي إحنا محتاجين نفرح كعرب في تاريخنا فعندما تكون هناك نقطة مضيئة.. إسرائيل لما بتبحث عن شيء بسيط جدا بتعمل منه هيلولة كبيرة جدا وبتخلق ثقافة جديدة وبتخلق وعي جمعي جديد وبتخلق ثقة بالذات، ميزة هذه الحرب أنها ولأول مرة أعادت التوازن إلى ميزان القوى النفسي بين العرب وإسرائيل، هذا الميزان اللي منذ 1948 إلى الآن كان لصالح إسرائيل..

أحمد منصور: لكن الحكومات لم تستفد منه.

محمود جبريل: الحكومات لأنها منطلقة ومحكومة بمواقف سياسية مسبقة وبتحالفات..

أحمد منصور: والشعوب غرقت في التفسير الأيدلوجي إلى حد ما.

محمود جبريل: تفسير أيدلوجي أو اندفاع عاطفي لكن أنا الحقيقة يعني أتمنى فعلا ومن خلال منبر الجزيرة أن يكون هناك دعوة صادقة ونداء صادق.. الجزيرة ممكن تتبناه شيء بهذا الشكل إلى مفكرين من غير ذي اللون لا (Idoiology motivated) ولا ليه أيدلوجي وكذا..

أحمد منصور: اللي ما لوش لون ما لوش وجود يا دكتور..

محمود جبريل: لا المواقف الأخرى كيف تقسم الأشياء وننحاز لمن لكن الآن في معرفة ماذا حدث لنفهم الأول عشان نخطط مستقبلنا.. الآن الألوان يجب أن تلغى، نقرا الحدث بتجرد حتى نستطيع أن نخطط مسار الحركة المستقبلية، فأنا أتمنى فعلا أن يجتمع مجموعة من المفكرين العرب بشكل مباشر في حوار بدون أي أجندة مسبقة بدون أي تحيزات أيدلوجية للتحليل بالضبط زي ما تفضلت زي ما يحدث في واشنطن اليوم زي ما يحدث في إسرائيل..

أحمد منصور: نعم .. نعم..

محمود جبريل: ليش إحنا ما ندرس ليش لا نرى الحدث؟

أحمد منصور: كل مراكز الدراسات مفتوحة الآن على مصراعيها لدراسة هذه الحرب ما عدا مراكز الدراسات العربية.

محمود جبريل: فميزان القوى النفسي من وجهة نظري أنا أستاذ أحمد أحدث شيئا في منتهى الأهمية بالنسبة حتى لفهمي أنا البسيط أنه أعاد تشكيل الثقافة السياسة العربية أو هو في بدء إعادة تشكيل الثقافة السياسية العربية لهؤلاء الشباب الجدد اللي في خلال عشرين خمسة وعشرين الماضية ما كانوش بيسمعوا اللي أن إسرائيل غير قابلة للهزيمة، خطاب سلمي أو استسلامي سميه ما شئت، الآن أصبح هناك نموذج آخر..

أحمد منصور: وعايشين في إطار الزعامات العربية التي تقول لن نحارب لن نحارب..

محمود جبريل: ودخل مصطلح المقاومة إلى ثقافتهم إلى معجمهم لأول مرة، فهذا شيء مهم.

أحمد منصور: يعني معنى ذلك أن واقع العرب قبل الثلاثة والثلاثين يوم غير واقع العرب بعدها؟ واقع المنطقة قبل هذه الحرب غير واقع المنطقة بعدها؟

محمود جبريل: هي بداية ممكن أن تستثمر ويبني عليها.

أحمد منصور: هل سعى الغرب الآن أو سعت الولايات المتحدة إلى استثمار الهزيمة وتحويلها إلى نصر سياسي عبر الجولة التي تقوم بها كوندوليزا رايس.. الحلف الجديد في المنطقة الذي تحاول أن تتحرك من خلاله لتحقق من خلال هذا الحلف السياسي ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه من خلال الحرب؟ أسمع منك الإجابة بعد فاصل قصير، نعود إليكم بعد فاصل قصير لمتابعة هذا الحوار مع الدكتور محمود جبريل خبير التخطيط الاستراتيجي فأبقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

أحمد منصور: أهلا بكم من جديد، بلا حدود من القاهرة ضيفنا الدكتور محمود جبريل خبير التخطيط الاستراتيجي، نتحدث عن نتائج الحرب بين لبنان بين حزب الله وإسرائيل من وجهة نظر العرب، كيف تقبلوها؟ وكيف تعاملوا مع نتائجها؟ وكيف تقبلها الغرب وإسرائيل؟ وكيف يتعاملون مع نتائجها الآن؟ وللذين يريدون التواصل مع الدكتور محمود جبريل عبر كتاباتهم من خلال موقعه ال (Bloggers)http://onesquaremeter.blogspot.com للذين يريدون التواصل مع الدكتور محمود جبريل وكتاباته وأبحاثه وأعتقد أن العنوان الآن أو بعد قليل الآن هو موجود على الشاشة لمن أراد التواصل معه، كان سؤالي لك أنه من بين التداعيات محاولة الولايات المتحدة تحويل الهزيمة إلى نصر كما يقول بعض المراقبين وتقوم كوندوليزا رايس بجولة الآن في المنطقة ضمت لها ما يسمى بالدول الإسلامية المعتدلة، ما قراءتك لجولة كوندوليزا رايس وهذا الحلف الجديد؟

التحركات الأميركية ورحلة البحث عن حليف

محمود جبريل: هو الحقيقة التحرك الأميركي السريع بعد انتهاء الحرب هو أكبر دليل أن الحرب لم تكن في صالح الولايات المتحدة وإسرائيل، محاولة جني ثمار ما كانت ترنو الولايات المتحدة لجنيه بطرق أخرى بعد أن فشلت عن طريق إسرائيل في تحقيق هذه الأهداف، هناك ثلاث أطراف رئيسية الآن يحاولون ما يمكن تسميته خندقة المقاومة اللبنانية، مجموعة داخل لبنان معروفة مجموعة 14 آذار، بعض الأنظمة الرسمية العربية التي بدعاوى مختلفة سواء كانت دعاوى الشيعة.. دعاوى خدمة النفوذ الإيراني أن حزب الله هو اليد الأولى لإيران أو مخافة من هذه الشعبية التي تعاظمت نتيجة الحرب المقاومة اللبنانية من أن تحدث أو تشكل نوعا من التهديد الداخلي فتحدث نوعا من الإرباك أو التهديد داخل هذه الأنظمة، الطرف الثالث طبعا هو الولايات المتحدة.. الولايات المتحدة من وجهة نظري الخاصة تحاول الآن تشكيل محور جديد رغم نفي كوندوليزا رايس ورغم نفي أنظمة رسمية عربية التي شاركت في الاجتماع الأخير أنه ليس محورا ولكنه بوادر محور، الولايات المتحدة الآن في مأزق لم تمر به في خلال العشرين سنة الماضية، واحد فشل مركب في العراق يزداد يوم بعد يوم وكتاب بوب ودورد الأخير (State of denial) أو حالة إنكار أوضح أن الجنود الأميركيين في العراق يتعرضون لهجمة كل 15 دقيقة، الأهرام اليوم ناشرة أن في ثلاثة أيام الأخيرة فقط قُتل 17 جندي أميركي، يعني شدة وحدة الضربات المقاومة داخل العراق تزداد شراسة، اثنين موقف يزداد تأزما وانكشافا مع كوريا الشمالية، ثلاثة تقرير الـ (CIA) اللي من حوالي أسبوعين أوضح أن الإخفاقات الكثيرة في العراق وتدخل أميركا زاد من حدة الإرهاب في المنطقة، ثم كتاب بوب وودوارد الأخير، ثم أخيرا الفشل الإسرائيلي في لبنان، فالولايات المتحدة الآن في أمس الحاجة إلى حالة إنقاذ.. إلى قشة، اتجاه الأنظمة العربية رافعة الورقة الطائفية والتهديد بالمخاوف من الأطماع الإيرانية أو التهديد الإيراني هي ورقة خطيرة ومن أكثر ما واجه المنطقة خطورة في الفترة الأخيرة، ليه؟ لأن التركيبة السكانية في منطقة الخليج.. التركيبة الطائفية ووجود كثير من الأخوة الشيعة في كثير من الدول العربية في هذه الدول أحدث نوعا من الفزع واستجابة لهذه الدعوة، أنا خائف إن المرحلة القادمة ستحاول الولايات المتحدة إستراتيجيتها أن يحارب العرب العرب بدلا من أن يكون إسرائيل وأن تلوح في المقابل بتحريك العملية السياسية رغم أن العرب من حوالي ثلاثة أسابيع أعلنوا أن العملية السياسية فشلت وإن إحنا هنروح لمجلس الأمن، أول ما كوندوليزا رايس قالت تعالوا هموا خفافا وثقالا، نسوا إن من حوالي أسبوعين بنقول إن العملية السياسية فشلت ونروح لمجلس الأمن، كيف الآن راجعين مرة ثانية إلى الوسيط الأميركي الذي بعد ما تبدى بشاعة منظره في الحرب اللبنانية الأخيرة؟ يعني مفارقة محزنة وغريبة للغاية، فأنا أعتقد أن الولايات المتحدة الآن تلعب لعبة خطرة جدا، لو عن طريق تمويل النفط العربي والسلاح الإسرائيلي والموارد البشرية القتالية العربية سواء من مصر أو من دول عربية أخرى أصبح المواجه في خط المواجهة الأولى في مواجهة إيران أو في مواجهة ما يسمى بقوى التطرف ممثلة في حماس والجهاد وحزب الله التيار الإسلامي هذه نقلة خطيرة جدا أن يكون الدم العربي هو الذي يراق في مواجهة دم إسلامي أو في مواجهة دم عربي آخر، هذه نقلة خطيرة..

أحمد منصور: في مفارقة خطيرة في هذا الموضوع، الآن هناك تودد أميركي غير عادي إلى إيران، سمحوا للرئيس السابق خاتمي بأن يذهب إلى الولايات المتحدة وأن يلقى محاضرات هنا وهناك، سمحوا للرئيس الحالي نجاد بأن يلقى كلمته في مجلس الأمن، بوش استدعي كبير المحررين في الواشنطن بوست وأدلى له بحديث قال.. خاطب فيه الإيرانيين قائلا إننا نقدر ونحترم تاريخكم وثقافتكم كما أني أتفهم رغبتكم في تطوير برنامج نووي وأرغب بشكل جاد في إيجاد حل لهذه القضية، لا حاجة لي ولا رغبة لي في الدخول في نزاع معكم، أنا أؤيد ضرورة العمل على تطوير برنامج خاص لتبادل المعلومات والثقافة مع إيران، هذا الغزل الأميركي الواضح خلال الأيام القليلة الماضية إلى إيران ما الذي تقرأه فيه؟

محمود جبريل: هو عزل لما يمكن أن يسمى من وجهة نظر أميركا القوى المعتدلة داخل إيران وممثلة في خاتمي وغيره لإحداث نوع من الضغط على الحكومة الإيرانية الحالية وهو ضغط خارجي عن طريق قوى عربية ما يسمى بالقوى العربية المعتدلة ضغط خارجي أيضا عليه، فهو ضغط من ناحيتين.. من داخل إيران بمغازلة القوى المعتدلة وما يسمى بالمعتدلة وضغط على إيران من الخارج عن طريق ما يسمى تطويقها بواسطة القوى العربية المعتدلة أو ما يسمى القوى العربية المعتدلة..

أحمد منصور: ما هي السيناريوهات الأميركية المباشرة تجاه إيران؟

محمود جبريل: أيضا من تداعيات الحرب اللبنانية إن هي قد تكون (Pilot) أو تجربة أولى بروفة لما يمكن أن يحدث في حالة وجود إنزال أميركي داخل إيران، أنا أعتقد إحدى القراءات التي تم التمعن فيها جيدا..

أحمد منصور: وماذا عن القصف الجوي؟

محمود جبريل: القصف الجوي أوضحت أيضا الحرب أن ما يعرف بعقيدة السماء والطائرة المقدسة لم تحدث النتائج التي كانت مرجوة، عقيدة الأرض هي التي انتصرت، في حالة المقاومة لو جيوش نظامية أه محتاجة غطاء جوي، لكن الأرض المنحرقة بالنسبة لمجموعات بسيطة تختبئ تحت الأرض.. يعني السنجاب هو أكثر الأعداء فتكا بالثعابين، شوف حجمه وكيف يختبئ.. لكن هو القارض الأول للثعابين، عدو الثعابين الأول هو السنجاب فيمكن أن تسمى هذه نظرية السنجاب اللي هو يطلع من الحفرة ينقض على هذه الأفعى الضخمة يقتلها في ثواني..

أحمد منصور: ما هي استراتيجية الولايات المتحدة تجاه حزب الله؟

محمود جبريل: قد يكون هذا الكلام فيه شيء من شطح الخيال ولكن هي إرهاصات بعيدة المدى، واحد أعتقد أن إسرائيل في الفترة القادمة اليمين يطلع للحكم وهو اللي يستلم الحكم، إسرائيل قبل ذلك محاولة أخيرة أعتقد سيحاولون اغتيال قائد حزب الله السيد حسن نصر الله، إن فشلوا في ذلك سيحاولون بعض العمليات.. عمليات مش انتحارية العمليات الخاصة، عمليات إنزال وغيره البعض قد يقال محاولة لاستعادة صورة الإسرائيلي لنفسه مرة أخرى ومحاولة لاستعادة ثقة الولايات المتحدة في قوة إسرائيل التي..

أحمد منصور: هل إسرائيل يمكن أن تفيق من هذه الهزيمة في ظل كتابات كثيرة جدا لدي نماذج منها لعسكر إسرائيليين، محللين إسرائيليين عسكريين، جنود ممن شاركوا في الحرب.. هناك هزيمة نفسية كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي، لم يعد الجندي الإسرائيلي الذي يقاتل اليوم هو الجندي اللي كان يقاتل في 1967 و1956 و1948.

محمود جبريل: هذا صحيح وكثير من أعداد المتطوعين قلت بشكل شديد جدا أكثر من 60% قلت، الاحتياط نفس الشيء يعني الأعداد آه الشباب الإسرائيلي بثقافته المختلفة مش ثقافة الصهيونية التقليدية أيضا هذه الحرب رسخت كرههم للحرب أكثر لكن رغم ذلك لا ننسى يا أستاذ أحمد أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها حدود دائمة، الدولة التي ليس لها دستور حتى الآن وقامت منذ نشأتها وحتى هذه اللحظة على فكرة الطائرة المقدسة والقدرة عن طريق الحرب الخاطفة إن هي تقمع أي حد واكتسبت ثقة الولايات المتحدة كمحافظ على مصالحها من هذه الزاوية.

أحمد منصور: ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى تهافت الأوروبيين عبر قوات اليونيفيل، المستشارة الألمانية ميركيل قالت وهي بلادها للمرة الأولى تشارك منذ الحرب العالمية الثانية قالت إن الغاية الأساسية من المشاركة في هذه القوات هو ضمان أمن إسرائيل وهذه هي الجملة التي الولايات المتحدة تتحدث بها بشكل دائم، ضمان أمن إسرائيل، الآن ألمانيا أصبحت شريكة لها، أوروبا تداعت إلى المنطقة، قراءتك لهذه القوات المتوافدة إلى المنطقة ولتقوم بين إسرائيل وحزب.. ولبنان؟

محمود جبريل: هو في القوة الأوروبية هناك قوتان اللي هم قد تكون مؤثرتين في قوة اليونيفيل، بالنسبة للألمان أنا أتفهم في التصريح بتاع ميركيل من زاويتين.. زاوية تاريخية عقدة الهولوكوست لا زالت موجودة لدى الألمان وبالذات هذا الجيل جيل ميركيل، ثم التقرب من الولايات المتحدة باعتبار ما تمثله ميركيل بعد استلامها الحكم بعد شرودر، القوة الثانية هي فرنسا وقد تلعب دورا مؤثرا أيضا داخل اليونيفيل محاباة لقوى 14 آذار، هذه القوتين هي التي تصدر التصريحات في الفترة الأخيرة وإن هذه القوة قد تلعب دورا قتاليا وإن هي كذا وكذا وكذا، واحدة محاباة وتقرب الولايات المتحدة لألمانيا، فرنسا انحيازا لقوى 14 آذار، بقية القوة الدولة الموجودة داخل لبنان لا مخافة منها، ممكن أن تلعب دورا محايدا، القوتين قد تتجاوزا فقرات قرار 1701، عودة مرة أخرى لموضوع الولايات المتحدة.. لو فشل الإسرائيليون في استرداد شيئا من ماء الوجه واستعادة لثقة الولايات المتحدة وتكرر الفشل مرة أخرى لا أستبعد إطلاقا أن يبدأ حوار جديد على استحياء بين الولايات المتحدة والتيارات الإسلامية في المنطقة.. التيارات الإسلامية المقاومة وبالذات المقاومة اللبنانية وحماس والمقاومة العراقية، لا أستبعد..

أحمد منصور: دكتور عزمي بشارة في هذا الإطار طرح سؤال يعني كبير جدا في عدد 29 سبتمبر من صحيفة الحياة يقول فيه هل يمكن أن تفرز حرب لبنان مسارا تفاوضيا مثل حرب أكتوبر؟ هل يمكن أن يجلس هؤلاء جميعا الذين تحاربهم الولايات المتحدة على مائدة التفاوض التي بدأ السادات الجلوس عليها في العام 1977؟

محمود جبريل: ذلك ليس مستبعدا لأن حوالي سبعين ضابط قدموا وثيقة فعلا وأذكر أن بعد في سنة بعد 1973 أيضا 77 ضابط إسرائيلي قدموا وثيقة طالبين التفاوض، الآن سبعين ضابط من الجيش الإسرائيلي أيضا قدموا وثيقة لرئاسة الأركان طالبين التفاوض والدفع بالخط السلمي، نقطة أنا نسيت أذكرها دكتور أحمد بالنسبة لمغزى ما حدث بالنسبة للولايات المتحدة.. أن ما حدث يشذ عن الصورة النمطية اللي ما يعرف بالإرهاب الإسلامي التي تحاول الولايات المتحدة أن تسوق له، الانضابطية الشديدة التي بدت أثناء الحرب.. يعني إحنا لو شوفنا أرقام سريعة للخسائر التي بدت حركة أمل كان منها 17 قتيل، حزب الله 74 شهيد حسب تقديرات حزب الله خمسمائة قتيل..

أحمد منصور: اشمعنى دول قتيل ودول شهيد؟

محمود جبريل: لا 17 شهيد 74 شهيد خمسمائة قتيل حسب الرؤية الإسرائيلية أو وزارة الدفاع الإسرائيلية، إسرائيل منهم 44 قتيل مدني و119 قتيل عسكري شوف النسبة والتناسب بين المدنيين والعسكريين، يعني المقاومة اللبنانية كانت بتقتل العسكريين وبتستهدف المواقع العسكرية بينما الإسرائيليين وبالذات بعد الرابع.. اليوم الرابع للحرب نتيجة أن بنك الأهداف الذي وُضع في البداية 423 هدف لم يتحقق منها سوى 12%، اُستهدف 6 من قادة المقاومة لم يقتل أيا منهم فبدأ عملية حرق الأرض بمن عليها.

أحمد منصور: هل إسرائيل فكرت في استخدام قنابل محرمة دوليا زي النيتروجينية أو النووية؟ هل لديك معلومات عن محاولات أو تفكير لديهم؟ هل سربت معلومات حول هذا الموضوع؟

محمود جبريل: سربت بعض المعلومات عن طريق بعض المواقع الإسرائيلية التي أُغلقت بعد ثلاث أيام فقط، دان حالوتس رئيس الأركان في اليوم الخامس أو السادس للحرب طالب باستعمال القنبلة النيترونية وهي مشتق صغير من القنبلة النووية، طالب بالاستخدام فقط..

أحمد منصور: هذه التي تقتل الأحياء فقط.

محمود جبريل: تقتل البشر فقط، هذا إن دل على شيء فيدل على حالة الارتباك والعصبية الشديدة التي أصيب بها المخطط الإسرائيلي عند.. أن فشل يواكبه فشل وكل ما يحاول يعالج يفشل أكثر خصوصا أن المعلومات المخابراتية الإسرائيلية الموساد أكبر إخفاق لكل المعلومات اللي كان بيعطيها للقيادة عشان تأخذ قرارات كانت معلومات خاطئة وبالتالي العمليات كانت بتتم بشكل خاطئ فيحدث نوع من الإرباك أكثر وكثير من الخسائر خصوصا لو لا حظنا إن في الأيام الخمسة الأخيرة أكبر كمية خسائر عسكرية لإسرائيل كانت في آخر خمس أيام للحرب، محاولة حفظ ماء الوجه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فأحدث كثير من الارتباك وكثير من التخبط لصانع القرار الإسرائيلي.

أحمد منصور: تسمح لي في مشاهدين كثير آخذ بس واحد أو اثنين.

محمود جبريل: تفضل.

أحمد منصور: الأخ مفرح إبراهيم من السعودية، سؤالك يا مفرح؟

مفرح إبراهيم – السعودية: السلام عليكم ورحمة الله.

أحمد منصور: عليكم السلام ورحمة الله.

محمود جبريل: عليكم السلام ورحمة الله.

مفرح إبراهيم: كل عام وأنتم بخير أحييك وأحيي ضيفك العزيز.

أحمد منصور: وأنتم بخير، حياك الله، سؤالك.

مفرح إبراهيم: سيدي استمعت لحلقتكم من بدايتها واستمع بأننا نناقش أمور كل هدفها وهدف الغرب وهدف ما يحصل الآن لا من أميركا وحلفائها ولا من إسرائيل وتصرفاتها الهوجاء هو الإسلام أولا وأخيرا، آية في القرآن الكريم تصف اليهود بأنه ضربت عليهم اللة أينما ثقفوا ولا..

أحمد منصور: هل لديك سؤال يا مفرح لأن ليس لدي وقت؟

مفرح إبراهيم: نعم سيدي نعم سيدي.

أحمد منصور: سؤالك؟

مفرح إبراهيم: سؤالي متى هذا الذل؟ لو هيأ لي أن أجد الشيخ حسن نصر الله..

محمود جبريل: على متى هذا الذل.

مفرح إبراهيم: نعم سيدي لو هيا لي أن أجد..

أحمد منصور: شكرا لك محمد عبد الله، محمد شكرا لك محمد عبد الله من السعودية.

محمد عبد الله– السعودية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحمد منصور: وعليكم السلام، سؤالك؟

محمود جبريل: عليكم السلام.

محمد عبد الله: أولا هذا نصر..

أحمد منصور: عليكم السلام سؤالك؟

محمد عبد الله: نصر عظيم طويل العمر دون شك ولا كنا وصلنا على مرحلة متساوية من الإرهاق عند نهاية المعركة ولم يستطع حزب الله إكمال ولو ثلاثة أيام، نحن بحاجة إلى ثلاث أمور تحصين التحصينات والأنفاق، رسم خطة لتأمين الأعمال اللوجستية تحت أي ظرف لمدة أطول، ضرب مناطق عسكرية أكثر حساسية إسرائيلية في المرحلة القادمة فالمرحلة القادمة آتية لا ريب فيها والسلام عليكم.

أحمد منصور: شكرا لك أخ محمد.

محمود جبريل: وعليكم السلام.

أحمد منصور: تفضل يا دكتور ليدك تعليق؟

محمود جبريل: بالنسبة للأستاذ مفرح إلى متى هذا الذل أعتقد إن هذا نموذج أن الفرد يستطيع أن يقاوم أن الجماعة تستطيع أن تقاوم أن الصغار في عالم اليوم لديهم الكثير أن يقدموه، ما حدش اليوم يتفرج كل له دور وكل له واجب يستطيع أن يؤديه في قضية هذه الإفاقة اللي حصلت، بالنسبة للأستاذ محمد عبد الله إن حزب الله لم يكن ليستطيع الاستمرار أكثر من ثلاث أيام قد يكون ذلك صحيحا لأن الإمداد و و.. ولكن أيضا نفس الكلام ينطبق على إسرائيل التي قامت على فكرة الحرب الخاطفة لأن لا الاقتصاد الإسرائيلي ولا البنية الإسرائيلية خصوصا مع وصول مدى هذه الصواريخ إلى أكثر من حيفا تستطيع أن تستحمل أكثر من ذلك، كثير من الناس اليوم بيقول إن الولايات المتحدة وإسرائيل لم تكن لتوافق على وقف إطلاق النار، لو كان هناك إمكانية لإسرائيل للاستمرار أسبوعا آخر، لم يكن لديها إمكانية للاستمرار أسبوع آخر..

أحمد منصور: يعني فعلا الحرب وقفت في الوقت الذي وصلت فيه إسرائيل إلى نهاية التحمل.

"
تكلفة الحرب لمدة طويلة ليست في مقدور إسرائيل وبالتالي فكرة الحرب الخاطفة ستعود بالسلب على إسرائيل
"

محمود جبريل: تأكدوا تماما أنه استحالة أن ينتصروا عسكريا وأن إسرائيل وصلت آخرها من ناحية الاحتمال الداخلي، جبهتها الداخلية بدأت في التحلل، اقتصاديا بدأ يعني مذكور إن أحد الإحصاءات اللطيفة كان بيستهلك 170 ألف رغيف خبز في اليوم على الجنود العسكريين، فتلك طبعا هذا مجرد مثال ساخر بس.. إن تكلفة الحرب لمدة طويلة ليست في مقدور إسرائيل وبالتالي فكرة الحرب الخاطفة واستراتيجية الحرب الخاطفة نتيجة المدى الضيق لإسرائيل جغرافيا، نتيجة قدرة بعض الصواريخ إن هي تضرب في العمق الإسرائيلي هذا النوع ممكن أن يحدث شرخا وانقساما كبيرا داخل المجتمع الإسرائيلي لا قبل لها به.

أحمد منصور: باختصار شديد في دقيقة بقت كيف تنظر إلى سيناريوهات المستقبل في ظل هذه الصورة؟

محمود جبريل: واحد أنا أتمنى من الحكومات.. ما يسمى بالحكومات العربية المعتدلة أن تغتنم هذه الفرصة فرصة المأزق الذي فيه الولايات المتحدة وأن تبدي شيئا من مساومة طالما هي بتدخل في الركب يمكنها أن تساوم، أن تمد يد الصداقة لإيران وأن تستعمل الصداقة الإيرانية ككارت تستطيع أن تساوم به الولايات المتحدة، يمكن أن تلعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران..

أحمد منصور: حاجة واحدة بس..

محمود جبريل: نعم.

أحمد منصور: بقيت يعني ما عادش عندي وقت غير إنك تقولها..

محمود جبريل: الشيء الثاني أن ما حدث في لبنان من المقاومة اللبنانية هو نموذج لكل فرد في هذه الأمة أن يلعب دورا محددا ولو على مستوى المتر المربع الواحد شكرا.

أحمد منصور: شكرا جزيلا لك كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، ضيف الحلقة القادمة سأخرج بكم من هموم السياسة إلى هموم الدراما، الفنان محمد صبحي، في الختام أنقل لكم تحيات فريقي البرنامج من القاهرة والدوحة وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من القاهرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إعلان
المصدر: الجزيرة