بلا حدود

البنك الدولي

ما طبيعة الدور الذي يقوم به البنك الدولي؟ ما الفرق بين دور البنك وصندوق النقد الدولي؟ ما حقيقة الهيمنة الأميركية على اتخاذ القرارات في البنك؟ ما علاقة البنك في العلاقات العربية الإسرائيلية؟
مقدم الحلقة أحمد منصور
ضيوف الحلقة – د. إسماعيل سراج الدين، نائب رئيس البنك الدولي
تاريخ الحلقة 21/07/1999

undefined
undefined

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على الهواء مباشرة من القاهرة، وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (بلا حدود).

يعتبر البنك الدولي أحد الهيئات الاقتصادية العالمية التي أنشأها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية لتكون أحد أدواتها لتحقيق النفوذ الاقتصادي في أنحاء العالم، ورغم أن التنمية الاقتصادية، والتعمير، وإقالة عثرات الدول النامية والفقيرة هي الرسالة المعلنة للبنك، إلا أن كثيراً من التقارير والدراسات التي رصدت أنشطة البنك وممارساته منذ إنشائه في ديسمبر عام 45 حتى الآن، تؤكد على أن البنك الدولي مع مؤسسات مالية عالمية أخرى خضع للهيمنة الأميركية والغربية وعلى رأسها.. مع مؤسسات أخرى على رأسها صندوق النقد لدولي قد خضع للهيمنة الأميركية والغربية.

كما أن هذه الدول قد عملت على تحويل كثير من الدول النامية إلى دول فقيرة، كذلك عملت على زيادة فقر الدول الفقيرة لتصبح أكثر فقراً، وأصبح الغرب الغني عبر البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية العالمية الأخرى يستنزف ثروات الدول الفقيرة والنامية، ويمتص دماء شعوبها.

وفى هذا الإطار يشير (روبن ريكلبيرو) السكرتير العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الأونكاد، إلى أنه في الوقت الذي لا تستطيع فيه الدول النامية توفير مبلغ ستة مليارات دولار للتعليم، فإن أوروبا وأميركا ينفقان سبعة عشر مليار دولار سنوياً على طعام القطط والكلاب، كما أن أوروبا وحدها تنفق سنوياً على بند الآيس كريم أحد عشر مليار دولار.

فى نفس الوقت هناك واحد وعشرون مليون طفل معرضون للموت هذا العام بسبب نقص الغذاء والدواء، وفي تقرير نشرته صحيفة "الهيرالد تريبيون" في يونيو الماضي، اتهمت فيه كل من البنك الوطني والصندوق بأنهما يلعبان دوراً في التعامل مع أزمة المديونية العالمية، كما أنهما تلقيا حتى الآن من الدول المدينة مبالغ مالية أكبر بكثير مما أقرضاه لهذه الدول.

إعلان

ومع تفاقم مشكلة الديون نجد أن أفريقيا -على وجه الخصوص- تمثل أحد نماذج الاستغلال من قبل المؤسسات المالية الغربية، وعلى رأسها البنك الدولي، فمن بين 42 دولة هي الأفقر في العالم هناك 33 دولة إفريقية يبلغ حجم ديونها حسب تقرير أخير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية 329 مليار دولار، وتبلغ قيمة خدمات وفوائد هذه الديون ما يزيد على 86 مليار دولار، وهو ما يمثل 60% من الناتج المحلي لإفريقيا، وبهذا الشكل فإن كل مواطن إفريقي سواء كان طفلاً، أم شاباً، أم كهلاً، رجلاً كان أو امرأة مدين للدول الغربية الغنية بمبلغ 379 دولاراً، كما أن القسم الأكبر من الناتج المحلي الإفريقي ليس مخصصاً لسداد الديون وإنما لسداد فوائدها.

إذن فنحن أمام معضلة كبرى بحاجة إلى فهم، لا سيما إذا أدرك كل منا أن قوت يومه -وليس النمو والازدهار الاقتصادي- أصبح مرهوناً برضا السبع الكبار، ومدى خضوع نظام وسياسات بلده بشروط البنك الدولي، وكذلك الصندوق، وهو ما يدفع الكثيرين إلى وضع البنك الدولي مع الصندوق في دائرة الاتهام.

تساؤلات عديدة حول طبيعة الدور الذي يقوم به البنك الدولي تجاه الدول النامية والفقيرة، وحقيقة كونه أداة استعمارية في أيدي الدول الغنية، أطرحها في حلقة اليوم على أحد صناع القرار في البنك الدولي الدكتور إسماعيل سراج الدين (نائب رئيس البنك)، ولمشاهدينا الراغبين في المشاركة يمكنهم الاتصال بنا على الأرقام التالية: مشاهدينا في مصر 5748941 مع إضافة كود القاهرة للمقيمين خارجها، أما مشاهدينا في جميع أنحاء العالم فيمكنهم الاتصال بنا على 5748942-00202 أو 43 أما الفاكس فهو 5782131 دكتور إسماعيل، مرحباً بيك.

د. إسماعيل سراج الدين: مرحباً بيك يا أستاذ أحمد.

أحمد منصور: البنك الدولي متهم بأنه أحد أدوات الاستعمار الاقتصادي للدول الغربية، فما هي -بداية- طبيعة الدور الذي يقوم به البنك الدولي تجاه الدول النامية والفقيرة؟

د. إسماعيل سراج الدين: البنك الدولي إحدى المؤسسات الدولية التي تمخضت بعد الحرب العالمية التانية، وكان المسؤولية الكبرى لها أن تقوم بتمويل المشروعات على المدى الطويل في الدول ما بعد الحرب لإعادة بناءها، ثم للدول النامية للتنمية، وتختلف مهمته عن مهمة صندوق النقد الدولي الذي المفروض إنه كان ينظر إلى القضايا النقدية وعلى المدى القصير.

وكان فيه مؤسسة تالتة وقتها كانت فكرة مؤسسة التجارة العالمية، ولكن لم يوافق عليها فسميت بـ (الجات)، أو اتفاق، أو الجات، ثم مؤخراً أصبحت منظمة التجارة الدولية، وكان هذه المؤسسات الثلاث هي رؤي لها أنها تساعد في تنظيم حركة الأموال وحركة الاستثمارات في العالم بعد الحرب.

أحمد منصور: هل هناك فوارق أساسية ما بين البنك والصندوق؟

د. إسماعيل سراج الدين: بلا شك، الصندوق نظرته قصيرة المدى، بينظر إلى الخلل النقدي، بينظر إلى سعر الصرف، بينظر إلى الخلل في الاقتصاديات الكبرى على المدى القصير، بينما البنك الدولي أساساً بيعطي الدول التي ليس لها بسهولة مقدرة على الاقتراض أن تقترض على المدى البعيد، وبالذات بالنسبة للدول الفقيرة جداً بيعطيها قروض ميسرة على مدة أربعين سنة، وعشر سنوات بدون خدمة، وبدون سعر فائدة.

إعلان

أحمد منصور: هل دور البنك والصندوق يكمل كل منها دور الآخر، أم أن كل منهما يعمل في إطار بعيد، تماماً عن التنسيق بين الهيئتين؟

د. إسماعيل سراج الدين: لأ، وجب أن يكون هناك فيه تنسيق، لأن في النهاية فيه دولة واحدة.. الدولة المقترضة، هذه الدولة أساساً لها سياسة واحدة فيه سياسة نقدية، وفيه سياسة استثمارات، ويجب إن كل هذه السياسات تكون متسقة مع بعضها، و إلا لن يكون هناك النمو الاقتصادي المرجو من هذه السياسات، فبالضرورة إن هذه الدولة الواحدة التي تتعامل مع الصندوق على المسائل النقدية والقصيرة المدى، ومع البنك على الاستثمارات طويلة المدى إن تكون الاتنين مع بعض مع الدولة في تصور واحد للأولويات بتاعة هذه الدولة.

أحمد منصور: هل نستطيع -أيضاً- أن نقول بأن الاتهام الموجه للبنك -تحديداً بصفتك نائب رئيس البنك- من أنه فعلاً هو أحد الأدوات التي وضعها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية من أجل السيطرة على الدول الفقيرة والغنية، هو شيء صحيح ودقيق؟

د. إسماعيل سراج الدين: ما أظنش، أولاً إن الفكرة الأساسية اللي كانت وراه إعادة تنظيم التصور العالمي الجديد بعد الحرب العالمية التانية كان هو الأمن والاستقرار بصورة عامة، وإنه بصورة أخص بالنسبة للبنك كان الفكرة الأساسية اللي هو بنك الإنشاء والتعمير، وكان بالإنجليزية Reconstruction والفكرة منها كان طبعاً إعادة البناء بعد الحرب للدول الأوروبية، وكان القرض الأول موجه إلى فرنسا، وكانت اليابان، وإيطاليا، وغيرها من هذه الدول كانت من المستفيدة الأولى من هذه القروض، اللي هي النهارده بتعتبر في المعسكر الغربي، فإذا لم يكن الغرض من أميركا إنها تهمين على هذه الدول بقدر ما كانت إنها تساعدها في هذه الفترة، وأصبحت فيما بعد -طبعاً- في نفس المعسكر.

أحمد منصور: لكن دي مرحلة وانتهت، انتهت هذه المرحلة مع نهوض هذه الدول بعد سنوات قليلة ومحدودة من نهاية الحرب العالمية الثانية، وأصبح ثقل البنك وتوجهه كله إلى الدول النامية الفقيرة.

د. إسماعيل سراج الدين: صحيح، وأكثر من هذا إن فيه في قانون البنك إن بعد ما الدول تصل إلى مرحلة معينة، لا يصح لها الاستمرار في الاقتراض، ولذلك على عبر السنين بعض الدول اللي أنا اشتغلت عليها زي (أيرلندا)، و(أسبانيا)، و(اليونان) كانت دول مقترضة، والآن ليست من الدول المقترضة من البنك، لأنها بتصل إلى حد معين في دخل الفرد الذي لا يسمح لها إنها تكون من الدول المقترضة، ولكنها تستمر في عضوية البنك، وتشارك مع باقي الدول في صنع القرار.

أحمد منصور: دكتور، ما هي الآليات التي يتعامل بها البنك مع الدول الراغبة في الاقتراض؟ دولة فقيرة أو نامية تريد الاقتراض من البنك، ما هي الآليات والخطوات التي يقوم بها البنك من أجل تلبية حاجة هذه الدولة؟

د. إسماعيل سراج الدين: الدولة تتقدم بطلب للبنك إنها عايزين نمول مشروع طرق، مشروع مدارس، مشروع كهرباء، والبنك له خبراؤه في الموظفين بتوعه خبراء مستقلين، يقوموا بتقييم هذا المشروع، ويقدموا دراسة جدوى، يعيدوا النظر، دراسة الجدوى والتأثير البيئي عليها إلى آخره، وتتقدم هذه الدراسات عن طريق رئيس البنك إلى المجلس التنفيذي للبنك، المجلس التنفيذي للبنك هو ممثلي الدول الأعضاء جميعاً، ولهم حق التصويت على أي قرار..

أحمد منصور [مقاطعاً]: الدول الأعضاء 184 دولة.

د. إسماعيل سراج الدين: نعم، أكثر من أظن 182 دولة.. 184 دولة..

أحمد منصور [مقاطعاً]: كل الدول ممثلة في مجلس الإدارة؟

د. إسماعيل سراج الدين: باستثناء.. باستثناء.. باستثناء (كوبا) و(كوريا) الشمالية أظن كل الدول أعضاء، وكلها ممثلة في مجموعات، 24 كرسي.

أحمد منصور: عدد أعضاء مجلس الإدارة للبنك حوالي 24 تقريباً، كيف أن الدول التي ليس لها حصة أكبر ممثلة من بين 102 أو 184 دولة؟

إعلان

د. إسماعيل سراج الدين: المفروض إن ما يبقاش فيه كرسي من هذه الكراسي عنده أقل من 3% من الأصوات، والتصور في البنك إنه زي شركة مساهمة كبيرة، إن ثقل الصوت مرهون بحجم ما يدفعه العضو في رأسمال البنك، وهذا مرهون بحجم اقتصاد الدولة نفسها، والدول الصغيرة تتجمع في مجموعات

أكبر، والدول المتوسطة في مجموعات أصغر، بحيث إن كل منها يبقى لها كرسي في.. في المجلس التنفيذي للبنك.

أحمد منصور: إذا كانت الولايات المتحدة تملك 17% من رأس مال البنك، معنى ذلك أن لها أيضاً النصيب الأكبر في عملية اتخاذ القرار داخل البنك، وإذا ضممنا لها الدول الأوروبية الحليفة لها، فبالتالي تصبح الهيمنة الأساسية للقرار داخل البنك هي لهذه الدول، التي تعتبر لها سياسات استعمارية تجاه الدول النامية والفقيرة.

د. إسماعيل سراج الدين: هو بصورة واضحة طبعاً إن في أي شيء اقتصادي عالمي، هذه الدول اللي هم السبعة الكبار -كما أشرت إليهم- لهم الوزن الأكبر في الاقتصاد العالمي النهارده، وفي صناعة القرار الاقتصادي العالمي داخل أو خارج البنك الدولي، واللي موجود في المجلس التنفيذي فعلاً إن أميركا لها 17%، وإذا تحالف معها عدد من الدول الصناعية الأخرى بيبقى لها الكفة الراجحة في ذلك، إنما ليس هذا دائماً، في أكتر من مشروع اعترضت عليه أميركا، ولكن وافقت عليه دول أخرى مثل ألمانيا واليابان وغيرها، ومر المشروع رغم الاعتراض الأميركي.

ولكن طبعاً هذا بيحتاج إن يبقى فيه اتفاق ما بين الغالبية الكبرى من

الدول، ولذلك البنك ما فيهوش (فيتو) كما هو في مجلس الأمن، يعني ما فيش دولة ممكن تعترض اعتراض يوقف المشروع، ولا حتى أميركا.

أحمد منصور: لكن فيه مقاعد دائمة لثماني دول تقريباً بشكل مستمر، وهي أيضاً ربما يكون لها القرار الفصل في ذلك الأمر، وحضرتك الآن إذا بتتكلم عن مشروع، فمشروع، أو مشروعين، أو تلاتة إلى جوار مئات، أو آلاف المشاريع التي يكون للولايات المتحدة الهيمنة الرئيسية فيها، بيعتبر شيء استثنائي وبسيط.

د. إسماعيل سراج الدين: لأ، هو الغالبية العظمى من المشروعات بتمر بالموافقة الإجماعية، يعني قلما توجد صراعات داخل المجلس بالصورة اللي بتتصورها، وبعدين من الكراسي المستديمة مثلاً المملكة العربية السعودية لها كرسي لأن حجم مساهمتها في رأس المال بتسمح لها إن يبقى لها كرسي مستقل، فإذن القضية مش مجرد الدول الغربية فقط، ولكن فيه إحدى الدول العربية لها كرسي، الصين لها كرسي، الهند لها كرسي، لأن حجم اقتصادها في الميزان العالمي بيسمح بأن يبقى لها هذا الكرسي لوحدها من غير ما تشاركه مع مجموعة أخرى من الدول النامية.

أحمد منصور: إيه طبيعة.. ما هي طبيعة الشروط التي يفرضها البنك على الدول المدينة، أو التي ترغب في الاستدانة منه؟

د. إسماعيل سراج الدين: المطلوب في أي مشروع يمول إنه يبقى له جدوى اقتصادية محسوبة، إنه يسهم في التنمية، وإنه بصورة أخص ما يبقاش له تأثيرات سلبية على البيئة، أو على بعض السياسات اللي إحنا وضعناها، منها مثلاً طرد الناس العـزل من مناطق معينة، وطبعاً كان فيه تجربة أخفق فيها البنك في هذه العملية، وأكدت على التركيز إلى أهمية هذه الناحية، أنا كنت من الناس اللي شاركوا في التأكيد على أهمية النواحي الاجتماعية دي.

أحمد منصور: لكن فيه أشياء أثبتت إن البنك مول بعض الحاجات اللي كان لها تأثير على البيئة، مول كثير من الأنظمة أيضاً، التي تعتبر أنظمة استبدادية، وحقوق الإنسان فيها تنتهك، نظام (موبوتو سيسيكو)، و(ماركوس)، و(بينوشيه)، و(سوهارتو)، و(دوفالييه)، كل هذه الأنظمة مولها البنك، ومول مشروعاتها لمجرد أنها أنظمة سياسية موالية للسياسات الأميركية، وتنفذ سياسات الدول التي لها الهيمنة الكبرى في البنك، فهناك دور سياسي الآن بيمارسه البنك أيضاً من خلال الدعم الاقتصادي الذي يقدمه لبعض الدول.

د. إسماعيل سراج الدين: أتصور أن السؤال ده عايز يجاب عليه في حتتين: الحتة الأولى: إن قضية حقوق الإنسان قضية مهمة جداً، ولا يمكن إن واحد يتصور طبعاً إن بنتكلم في التنمية من غير ما ندور عن كرامة الإنسان، وتوسيع رقعة الحرية، والحد من الفقر، ولكن في دستور البنك وضع نصاً صريحاً إن البنك ليس له أن يأخذ بعين الاعتبار النوعية السياسية للنظام القائم في أي دولة، وأنت النهارده طبعاً تكلمت عن بعض الدول اللي فيها كان فيها أنظمة استبدادية يمينية، ولكن كذلك انتقد البنك انتقادات كبيرة جداً من -مثلاً- إدارة (ريجان) في الثمانينات، لأنه إزاي بنمول الصين الشعبية، و(رومانيا)، وغيرها من الدول الشيوعية التي كانت اشتركت في البنك وقتها الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية لم يشتركوا، فكانت الإشارة دائماً إلى إن الدستور بتاع البنك واضح في هذه النقطة، إن المعيار الوحيد الذي يؤخذ بعين الاعتبار هو قضية الجدوى الاقتصادية، وفي أحيان معينة أنظمة مثل نظام موبوتو سيسيكو لما امتنع البنك عن تمويله كان أساساً بيبني هذا الامتناع على أساس سوء إدارته للاقتصاد المحلي، ودي فعلاً كانت من المشاكل التي مازالت قائمة في مدى حدود وإمكانيات البنك إنه ينظر لقضايا غير القضايا الاقتصادية بما فيها القضايا السياسية اللي أنت أثرتها.

إعلان

أحمد منصور: أليس هناك شروط سرية بيفرضها البنك على الدول الراغبة في الاستدانة مثل الدخول في أحلاف عسكرية أو سياسية؟

د. إسماعيل سراج الدين: بالمرة ما فيش، كل الشروط معلنة، ويجب إنها بتوزع على الدول الأعضاء في المجلس التنفيذي بتاع البنك لأخذ القرار، النظام في البنك إن مدير.. رئيس البنك ليس له حق في إنه يصرف مليم أو سنت واحد من البنك إلا بموافقة المجلس التنفيذي، ولكن المجلس التنفيذي ليس له أن يصنع قرار إلا إذا طرح الاقتراح عليه رئيس البنك، فهذا الميزان ما بين رئيس البنك من ناحية، والمجلس التنفيذي من ناحية أخرى بيخلي إذن إن القرار لازم يكون علني، وكل الدول الأعضاء يجب أن يصلها نفس المعلومة.

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني هل رئيس البنك أيضاً من النزاهة إلى إن هو يكون مستقل بقراره، وأميركا تصر دائماً أن يكون رئيس البنك أميركي ليعكس سياسات الولايات المتحدة تجاه الدول التي يتعامل معها البنك، وهناك تقارير تؤكد في هذا الإطار على أن هناك شروطاً وضغوطاً فرضت على كثير من الدول للدخول في أحلاف وتحالفات بتأثير من البنك ومن الصندوق والبنك على وجه الخصوص؟

د. إسماعيل سراج الدين: والله أنا ما شفتش هذه التقارير اللي إنت بتتكلم عنها بخصوص إن الضغوط على أحلاف سياسية، وأحلاف عسكرية من البنك الدولي، ولا أظن إن هذا سليم، إنما قضية إن رئيس البنك أميركي هذا عرف وليس شيء قانوني، لأنه لما أقيمت المنظمتين بعد الحرب العالمية التانية، طبعاً كانت أميركا طالعة من الحرب وهي الدولة الكبرى فيهم.. في العالم كله، وسألت الدول الأخرى إذا كانت أميركا سترشح للمنظمتين الرئاسة، فتم الاتفاق إن أميركا سترشح على منظمة واحدة، وأن الدول الأوروبية الأخرى المنتصرون –كما قلت في البداية- الحرب هم حيشاركوا في الترشيح للمنظمة الأخرى، وشاءت الظروف إن البنك يكون رئيسه أميركي، ولم تتقدم أميركا أبداً –مثلاً- بشخص لرئاسة الصندوق، وهذا عرف بين أميركا وما بين الدول الأخرى، ولكن ليس دستوراً.

أحمد منصور: البنك الدولي متهم بأنه يلعب دوراً في السعي لتوطيد العلاقات العربية الإسرائيلية عبر بعض المشاريع؟

[موجز الأخبار]

أحمد منصور: دكتور إسماعيل سراج الدين (نائب رئيس البنك الدولي)، كان سؤالي لك عن الاتهامات الموجهة للبنك الدولي في أنه يلعب دوراً في ترتيب العلاقات العربية الإسرائيلية.

د. إسماعيل سراج الدين: أتصور إن مسألة العلاقات العربية الإسرائيلية مسألة سيادية متروكة للدول العربية، فيه بعض دول عربية دخلت في اتفاقات سلام مع إسرائيل، وفيه بعض الدول رفضت ذلك، وليس للبنك إنه يقوم بأي شيء إلا بموافقة هذه الدول المعنية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن تقديم مشروعات مشتركة، تقديم مقترحات وهذا الدور اللي يقوم به البنك، يعني ما تعليقك على التقرير أو المقترح الذي أعلنه البنك في عام 96 من أنه عرض على لبنان بيع مياه نهر الليطاني لإسرائيل في مقابل مردود عالي جداً، في الوقت الذي يوجد فيه عجز مائي لدى سوريا ولدى الأردن وهي دول مجاورة للبنان، ولم يتدخل البنك أو يقدم أي مشروعات، أو مقترحات لعلاج هذا؟

د. إسماعيل سراج الدين: أتصور طبعاً إن هذا كان اقتراح جانبه التوفيق على أقل ما يمكن أن يقال، ولا أدري بدقة إذا كان هذا الاقتراح قدم في إطار دراسة من الدراسات اللي يقوم به البنك، البنك بيقوم بالإضافة إلى المشروعات اللي بيمولها بدراسات كثيرة جداً، يعني مئات الدراسات بتقام، وهذه الدراسات بيقوم بها خبراء، وبيقدموها طرحاً لإثراء الحوار في قضايا التنمية…

أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن هذه الدارسات -عفواً يا دكتور- لا تقدم بشكل اقتصادي مستقل، وإنما هي أيضاً تدخل في مخططات الولايات المتحدة تحديداً، والدول الحليفة لها من أجل فرض الهيمنة السياسية والاقتصادية على الدول الفقيرة، يعني الأمر لا يقدم من أجل البر والصدقة والإحسان بقدر ما هو بيخدم على سياسات الهيمنة.

د. إسماعيل سراج الدين: ما أتصورش إنها مجرد يعني هذا تبسيط للأمور، هو الأوقع إن فعلاً فيه تصور سائد للاقتصاد العالمي في ظل تيارات العولمة، بيؤدي إلى ازدياد هيمنة الدول الغنية، وإن البنك والمؤسسات الاقتصادية الأخرى في إطار عالمي سواء كانت مؤسسات تجارية، أو مؤسسات مصرفية، أو مؤسسات دولية بتبقى في إطار التصور الاقتصادي العام.

ولكن الحقيقة أنا أشاركك في كثير من الكلام اللي أنت قلته في مطلع هذا الحديث، بأن المشكلة الكبرى اللي إحنا بنعاني منها كلنا النهارده لما أي واحد إنسان بيرى اللي بيحصل في العالم هي ازدياد الفوارق ما بين الأغنياء والفقراء، بين الدول وداخل الدول، ويجب إن إحنا نقول.. أنت اتكلمت عن 17 مليار اللي بتصرفها أميركا وأوروبا على أكل القطط والكلاب، دا صحيح، وأيضاً صحيح إن داخل أميركا نفسها أكبر دولة، وأغنى دولة، وأكثر دولة منتجة للغذاء فيه 27 مليون أميركي بيجوعوا، وفيه 38 مليون أميركي ما عندهمش أمن صحي، فالأزمات الموجودة دهين [هذه] في كل الدول أزمات شديدة جداً، والمطلوب إن الدول المسؤولة، والحكومات المسؤولة، والرأي العام المسؤول في هذه الدول إنه يطور هذه المفاهيم، وإنه يطالب بتغيرات داخل الدول وبين الدول.

فالمشكلة أصعب من إنها مجرد تقول إن فيه مخطط، وإن فيه مؤسسات تشتغل فيه، فيه مسؤولية مطروحة قدام المثقفين في الدول، المجتمع المدني، قدام الحكومات في كل الدول إنها تتعامل مع هذا الواقع المتغير…

أحمد منصور: معنى ذلك إنك بتحمل الدول المدينة أو الفقيرة المسؤولية بالدرجة الأولى، وليس البنك الدولي، والولايات المتحدة، والأنظمة العالمية التي تسعى للهيمنة؟

د. إسماعيل سراج الدين: لأ، لا، لا، أنا أحمل كل مسؤوليته، البنك الدولي له مسؤولية، وجزء من هذه المسؤولية بيعملها في إطار المجلس التنفيذي بتاعه، لأنه لا يحق له أن يأخذ قرار إلا في المجلس التنفيذي، وفعلاً فيه وزن أكبر للدول الصناعية في المجلس التنفيذي ده واقع، إنما أيضاً القيادات في كل الدول هي لها أن تتعامل مع هذا الواقع، ليه بنجد في دولة.. يعني هـأديك مثال بسيط جداً: دولتين آسيويتين قريبتين من أميركا، الاتنين داخلين في النظام الرأسمالي كلية، الاتنين فيه وجود عسكري كبير جداً لأميركا فيهم، الاتنين أخدوا دعم كبير جداً من USAID، والحكومة الأميركية وغيره، الاتنين كان عندهم (…) عسكرية بقدر متفاوت من الفساد، واحدة (الفليبين)، والتانية (كوريا الجنوبية)، على مدى 30 سنة.. من 30 سنة كانت الفليبين معدل الدخل فيها 3 أضعاف معدل الدخل في كوريا، الآن معدل الدخل في كوريا يمكن 5 أضعاف معدل الدخل في الفليبين..

أحمد منصور [مقاطعاً]: ما فيه فساد داخلي..

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: لأ، مش فساد، اللي أنا عايز أقوله إن إذن كل الدعم الخارجي متماثل ما بين الاتنين دول، التحالف الأميركي متماثل ما بين الاتنين دول، إيه اللي خلى واحدة منهم تنهض هذا النهوض والتانية تتردى بهذا الشكل، فيه مسؤولية للقيادات الداخلية، فيه مسؤولية للأنظمة الداخلية في الدول كيف تتعامل مع واقعها، الجزء الخارجي اللي بيبقى موجود من البنك الدولي أو من الجهات الأخرى هو جزء صغير مساند لهذه السياسات.

أحمد منصور: أصبح كبير لدى كثير من الدول حينما تصل مديونيات كثير من الدول الآن بالذات في آسيا، وفي أفريقيا على وجه الخصوص، وفي أميركا الجنوبية إلى عجز هذه الدول عن أداء فوائد الديون –يا دكتور- أصبحت المشكلة الآن ليست مشكلة داخلية…

د. إسماعيل سراج الدين: صحيح.

أحمد منصور [مستأنفاً]: بقدر ما هي تلبية حاجة الضغوط التي يفرضها البنك والصندوق والدول الغنية على هذه الدول التي لم.. يعني حتى تملك الآن قوت، إذا كل إفريقي مدين بأكثر من 370 دولار الآن، كل واحد فينا مديون، لا يملك حتى ما يعيش عليه ولا ما يلبسه، علاوة على ديون يجب أن يؤديها، فهذا أيضاً جانب غير أخلاقي من الغرب، ومن الدول الغنية تجاه الدول الفقيرة.

د. إسماعيل سراج الدين: صحيح.

أحمد منصور: يعني الحقيقة الإحصاءات والأرقام يعني مذهلة للغاية حتى للدول، دول النمور التي كان من المعتقد أن تقوم هذه الدول.. تتحول من دول فقيرة إلى دول من المفترض أن تكون غنية، حدثت فيها الأزمة الكبيرة التي بدأت في 95، وتفاقمت في 97، ولازالت مستمرة حتى الآن، وتتحمل.. البنك متهم أيضاً بأنه لعب دوراً في هذه الأزمة هو وصندوق النقد الدولي عبر الدول التي تهيمن على سياستها البنك والصندوق؟

د. إسماعيل سراج الدين: أنا لا شك أنا أشاركك تماماً في إن مشكلة المديونية عايزه حل، بس أنت الطريقة اللي بتطرحها بتدي الصورة إن مشكلة الديون مشكلة ديون للبنك، المديونية بتاعة الدول النامية النهارده أكتر من 2200 مليار دولار، مديونية صافي البنك الدولي من هذا 100 مليار، فإذن أنت بتتكلم عن 100 من 2200، العبء بتاع المديونية عبء كبير جداً ويجب تخفيفه.

فالحقيقة إنصافاً لرئيس البنك الحالي (جيمو بنسون) هو اللي تقدم بمشروع سماه (HIPC) helping investment for country كما سمي منذ سنتين وقال إن لازم إن نعمل حاجة لتخفيف وطأة الديون عن الدول الفقيرة جداً، للأسف إن الدول الغنية مش بس في إطار البنك، إنما في إطار استعدادها إنها هي تمول عملية إطفاء هذه الديون، أو إلغاء هذه الديون لم تكن من.. إذا السماحة الكافية، وبالتالي تحركت داخل هذه الدول تيارات في فكر بتاع المجتمع المدني من الكنائس، من المهتمين بحقوق الإنسان، من المهتمين بالتنمية، وطالبوا هذه الدول إنها تقوم بدور أكبر، وفعلاً في الاجتماع الأخير بتاع مجموعة السبعة بدأ يبقى فيه تحرك.. تحرك غير كافي..

أحمد منصور [مقاطعاً]: دا تحرك.. دا تحرك يمثل أكبر خديعة تقوم بها الدول الغربية للدول الفقيرة، حينما يعلن عن تخفيض ديون 65 مليار دولار، ويكتشف أن الـ 65 مليار دولار التي مست مجموعة كبيرة من الدول لم تمس أصل الدين، وإنما ثلث الفوائد المستحقة على هذه الدول، فهذا أيضاً خديعة لهذه الدول، وإعلان من الدول الغنية التي نهبت مقدرات الدول الفقيرة من أنها منت عليها بهذا الإحسان الذي أعلنته.

د. إسماعيل سراج الدين: والله يعني هذا -طبعاً- شيء يشاركك فيه في هذا الرأي العديد من الناس المسؤولين في التنمية، ومنهم قيادة البنك الدولي، ورئيس البنك الدولي، من أول واحد قال في مؤتمر (هونج كونج) إن ما تعطيه الدول الغنية غير كافب لمعالجة هذه المشكلة، طيب إنما -زي ما قلنا- البنك جزء صغير من هذه المشكلة، 100 مليار من 2200 مليار، أغلب هذا.. هذه المديونية ماهياش مجرد للدول الفقيرة جداً، إنما للدول المتوسطة بالذات أميركا اللاتينية، وبعض النمور الآسيوية -كما تفضلت- وبالتالي مطلوب إيجاد حل أفضل من الحل القائم، هذا الحل…

أحمد منصور [مقاطعاً]: من يوجد هذا –يا دكتور- وأصلاً أيضاً قضية عملية فوائد الديون وتخفيض الديون كلها مبادرات من الدول التي تملك الثروات، الدول الفقيرة ليس لديها أي مبادرات، ويبدو أنها ليس لها الحق أيضاً أن تطالب الدول الغنية في أن ترفع عنها حتى مجرد فوائد الديون التي عجزت هذه الدول بدخلها القومي عن أن تؤديها؟

د. إسماعيل سراج الدين: هو طبعاً الدول المدينة بتقترح اقتراحات، ولكن بعضها يعني هذه الاقتراحات كان اقتراحات أساساً في إطار سياسي، ولما بتخش في إطار سياسي بتطلع من إطار المفاوضات البنكية والمصرفية إلى إطار سياسي، إنما أنا أتصور إن أغلب المسؤولين عن التنمية لا يمكن أي واحد في التنمية يقول لك النهارده إن استمرار المديونية.. عبء المديونية الكبير جداً على الدول الفقيرة جداً شيء مطلوب وشيء مطالب الاستمرار به، إنما هو السؤال كيفية الخروج منه، إذا كانت مفاتيح هذا الخروج سواء عن السماح بتمويل عن طريق البنك الدولي، أو طريق الصندوق أو غيره بيمر بالدول الغنية، فإذاً مطلوب إن الرأي العام في الدول الغنية يؤثر على هذه الحكومات، وإن التفاعل ما بين المثقفين في الدول النامية يتفاعل مع هؤلاء المهتمين بهذه القضايا في الرأي العام في الدول الغنية، ويغير من هذه المفاهيم، لأن في النهاية هي الدول الغنية اللي يجب أنها تطرح ذلك، وأظن أنت تتذكر إن عن قريب كان فيه اقتراح بتاع بيع الدهب بتاع صندوق النقد الدولي، وكان الاعتراض جاي من..

أحمد منصور [مقاطعاً]: جزء من الاحتياطي…

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: وكان جزء من الاعتراض..

أحمد منصور [مقاطعاً]: على اعتبار إنه ثاني قوة تملك هذا الاحتياطي بعد الولايات المتحدة.

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: آه، وإن كان فيه جزء من هذا الاعتراض جاي من الولايات المتحدة على هذه القضية، فإذاً حتى لما تكون اقتراحات بتيجي من الموظفين أو من القيادات اللي موجودة في هذه المؤسسات، في النهاية لازم الدول الأعضاء توافق عليها، اللي حيغير رأي الدول الأعضاء هو الرأي العام بتاعها.

أحمد منصور: يعني عايز أسألك سؤال قانوني هنا، ماذا لو حدثت انتفاضة من الدول الفقيرة وأعلنت رفض أداء الديون للدول الغنية التي بالفعل -كما تقول كل التقارير التي اطلعت عليها- استردت معظم ديونها وفوقها أيضاً من خلال الفوائد الباهظة المركبة التي تدفعها الدول الفقيرة على هذه الديون؟

د. إسماعيل سراج الدين: لأ، أولاً الدول الفقيرة جداً –طبعاً- الفوائد بتاعها أقل بعض الشيء، إنما نتكلم في النقطة الأساسية ماذا حدث حيحصل أساساً أن التسهيلات المصرفية –دا سؤال فني يعني- التسهيلات المصرفية المتاحة لهذه الدول هتشح فوراً، لأنه حيحصل تخوف من القطاع المصرفي العالمي إنه يفتح قروض لدول رفضت دفع القروض اللي عليها، صعب جداً لأية دولة إن يمكنها إنها تتعامل مع احتياجاتها كلها في احتياجات التجارة الخارجية، واحتياجات الاستثمار، واحتياجات كل حاجة من غير ما تقترض أي شيء، وبالتالي التفاوض بدا للدول النامية إنه أسلم لها من التصادم مع الدول الغنية.

ولذلك أنا أرى –في الكلام اللي بأقوله- إنه يجب إن إحنا نعبئ الرأي العام في الدول الغنية، ونقول لهم إن ده بالنسبة لكم ولا حاجة خالص يعني اللي بتخدوه.. فعايز نعبئ الرأي العام في الدول الغنية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: ماذا.. أيضاً ماذا أيضاً لو شطبت الدول الغنية ديون الدول الفقيرة لا سيما بعدما استردت حقوقها بالفعل، من خلال التقرير واضح إنها استرددت حقوقها، وإن تأثير إيه شطب الديون هذا؟ أما يساعد هذا أيضاً في تنمية عجلة الاقتصاد العالمي بشكل أفضل؟

د. إسماعيل سراج الدين: هو الناس المعترضة على شطب الديون بتثير تلات نقط، النقطة الأولى: إن من الناحية المحاسبية لما بتيجي تشطب دين يجب إنك أنت إذن في الموازنة العامة بتاعة هذه الدول إنك أنت تقيم قدر من أموال الدولة إلى هذا العمود، لأن ده إذن هيبقى له تأثير على الموازنة الداخلية، ودا بيطرحوه في إطار التعامل مع مصاريفهم الداخلية في هذه الدولة.

النقطة التانية: إن البعض بيثير قضية إنه لما بنرفع الديون على دول بالذات كانت عرفت بسوء الإدارة، وعرفت.. أنت أثرت موبوتو سيسيكو وغيره من هؤلاء

الناس، بينما نجد دول أخرى سواء (كوستاريكا)، أو (بتسوانا)، أو (موريشيوس) أو غيرها من الدول، أو (…) مثلاً في أفريقيا انضبطت في تعاملاتها المالية، وكانت حريصة ألا تقترض فوق طاقتها، والتزمت بكل هذا مرة واحدة، هذه الدول التي آثرت إنها تكون حريصة في صرفها، حتلاقي إن التانيين اللي صرفوا صرف بدون حساب مرة واحدة، كل الديون اترفعت من عليهم، وهم اللي حاسبوا على نفسهم قوي وجم على نفسهم، النهارده يقول لك: طب أنت بتكافئ الآخر ولماذا.. لماذا لا تكافئني أنا؟

لذلك أنا في تصوري الشخصي أن معالجة هذه القضية يقتضي مش فقط إنك أنت تخفض الديون، إنما يجب إن إحنا نزيد من دعم الدول التي أدارت شؤونها الاقتصادية إدارة طيبة وتفادت المشكلة، ده مطلوب.

أحمد منصور: لكن الواضح إن نسبة العجز في الأداء، نسبة ارتفاع الدول الأكثر فقراً بتزداد لا تقل، وفي كل عام تقريباً يزيد العدد، وتندرج دول ربما كان لها مقدرة اقتصادية أفضل على أنها تزيد، لأن زيادة أعباء وفوائد الديون بيؤدي إلى ذلك، ومعنى ذلك أن العالم ستحدث فيه هوة ضخمة، وإن كانت حادثة بالفعل الآن، وستصل الدول إلى حد العجز حتى عن الوفاء بالتزامات القوت إلى.. إلى أبنائها.

د. إسماعيل سراج الدين: دا صحيح، بس فيه نقطة إضافية، هو مش مجرد المديونية اللي مسؤولة عن هذا، هو جزء كبير المسؤول عن هذا هو الانخفاض في كل أسعار المواد الأولية، وأغلب هذه الدول الفقيرة جداً بتعتمد أساساً على المواد الأولية، فنفس القدر من القهوة، أو الكاكاو، أو.. أو من الصادرات اللي كانت موجودة عندها بيبقى دخله وريعه بالنسبة للدولة أقل بكثير جداً مع استمرار المديونية، فبيبقى العبء متضاعف عليها.

بالإضافة إلى هذا إن كلها فيها نمو سكاني سريع جداً، ومتطلبات كبيرة جداً في التعليم، وفي الصحة، وغيرها من الحاجات الأساسية.. الإنسانية الأساسية، فبتجد نفس الدولة نفسها في.. مطحونة ما بين الحاجات دي كلها، تخفيف وطأة الدين طبعاً شيء مطلوب وأساسي، ولكن في تصوري إنه مش وحده حيبقى كافي، لأنه فعلاً على المدى البعيد حتجد إن كل الأسعار بتاعة المواد الأولية في انحدار..

أحمد منصور [مقاطعاً]: إذاً المسؤولية –دكتور- المسؤولية الأخلاقية والإنسانية هنا على الدول الغربية والدول الغنية مسؤولية ضخمة جداً..

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: كبيرة جداً.. ضخمة جداً.

أحمد منصور: والعالم الفقير لن يرحم هذه الدول إذا ما تغيرت المعادلة، وربما ينتقم بنفس الطريقة التي يتعامل بها الغرب مع الدول الفقيرة الآن؟

د. إسماعيل سراج الدين: والله أنا أرجو إن.. إن.. إن العالم النامي يبقى له دور أكبر في إدارة شؤونه، وإذا نظرنا مثلاً إلى التجربة اللي كنا بنتكلم من شوية عليها بتاعة كوريا الجنوبية، يعني إذا نظرت سعادتك لتقرير البنك الدولي سنة 55 عن كوريا الجنوبية حتجد إن هيقولك دي دولة مطحونة من الحرب، كلها لاجئين، ما فيهاش بنية أساسية، ما فيهاش صناعة، غير قادرة إنها تغذي نفسها، غير قادرة إنما تعيش إلا تحت الحماية العسكرية الأجنبية.

السؤال الوحيد المطروح: هل هذه الدولة في يوم من الأيام سيمكنها إنها تضمن القوت القليل لسكانها، إذا كان واحد وقتها –سنة 55- قال تصوروا إن في ظرف جيل واحد هذه الدولة حتصدر سيارات وإلكترونيات إلى أميركا.

وفعلاً سنة 85 (هيونداي اكسل) كانت بتتباع في أميركا، (سامسونج إلكترونيك) كانت بتتباع في أميركا، كان هذا التصور غير معقول، الإرادة اللي كانت موجودة في كوريا، إرادة لمسناها إحنا.. تعاملنا مع كوريا على طول، إرادة القيادات إنها ستبني هذه الدولة، بينما بجوارها دولة كان وضعها أحسن بكتير جداً اللي هي الفليبين تردت أوضاعها واستاءت، ودخلت في كل المشاكل اللي اتكلمت عنها، إذن فيه دور إن هذه الدول تاخد نفسها..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني فيه قرار سياسي لابد..

د. إسماعيل سراج الدين [مقاطعاً]: أساسي.. أساسي، وإن القيادات في كل هذه الدول يجب إنها تتفاعل، وتعطي مكان لأبناء هذه الدولة إنهم يصنعوا مصيرهم مستقبلاً، دا المطلوب ودا المطروح، في هذه الظروف حتجد إن الدعم اللي بيجي من المؤسسات الخارجية سواء كانت مؤسسة زي البنك الدولي، مؤسسة زي (اليونسكو)، مؤسسات أخرى حيبقى له ريع كبير جداً في هذه الدول، بينما في الدول اللي هي القيادات فيها مهياش مهتمة بهذه الأمور، وبتقوم بمشروعات فخفخة بدل من المشروعات التنموية الحقيقية، هذه الدول الدعم الخارجي حيبقى مردوده قليل جداً..

أحمد منصور: إذن هناك مسؤولية كبيرة أيضاً على القيادات السياسية في هذا الجانب الذي..

د. إسماعيل سراج الدين: في كل الدول النامية، إنما.. إنما هذا لا يقلل من مسؤولية الدول الغربية باعتبارها الدول المهيمنة على النظام العالمي ككل.

أحمد منصور: تسمح لي، المشاهدين من بداية الحلقة تأخرت عليهم، وأعتذر لهم جميعاً عن التأخير، صالح البحري من اليمن، اتفضل يا أخ صالح.

صالح البحري: السلام عليكم يا أستاذ أحمد.

أحمد منصور: وعليكم السلام ورحمة الله.

صالح البحري: أولاً: نشكرك ونشكر برنامجك الشيق هو (بلا حدود)، ولكنه بحدود.

أحمد منصور: لا، تفضل، اسمح لك بلا حدود في الكلام.

صالح البحري: نشكرك، ونشكر الدكتور إسماعيل.

أحمد منصور: حياك الله.

د. إسماعيل سراج الدين: حياك الله.

صالح البحري: أولاً: لا يليق الكرسي الذي سيكون في البنك الدولي إلا بمصر، مصر هي الرائدة للدول العربية، وهي اللي تخطت.. اللي حلت المشاكل التأشيرات، والتنقل بين المواطنين، فهي تكون الرائدة في العالم العربي، الاقتصاد العربي، ودخوله وقفته أمام البنك الدولي بكوادره، بما يشهد به الشخصية اللي أمامك، وأنا أعرفه سابقاً، وشكراً.

أحمد منصور: أشكرك شكراً جزيلاً يا أخ صالح، عصام عميرة من القدس.

عصام عميرة: السلام عليكم ورحمة الله.

أحمد منصور: عليكم السلام ورحمة الله.

د. إسماعيل سراج الدين: عليكم السلام.

عصام عميرة: في الحقيقة أنا أحب أن أقسم تعقيبي، أو مداخلتي إلى برنامجكم الطيب إلى ثلاثة أقسام.

أحمد منصور: اتفضل.

عصام عميرة: قسم بيني وبين الأخ أحمد، وجازاه الله خيراً، وبلا مجاملة.

أحمد منصور: شكراً لك.

عصام عميرة: لأنه طرح قضية هامة وجادة، القسم الثاني مع الدكتور إسماعيل، وسأبقيه إلى نهاية.. التعقيب، ومداخلتي كنصيحة أخوية، أما القسم الثالث وهو الأهم في هذه المسألة: أن البنك الدولي وما يقوم به من أعمال وممارسات، وبما تفضلتم به في المقدمة من أرقام وإحصاءات مذهلة هزت مشاعري كمسلم من المسلمين، الذين يهتمون بهذه القضايا، أحب أن أسأل سؤالاً، وأقول قولاً في البنك الدولي، هذا السؤال هو: من المسؤول عن هذا الواقع المتردي الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية جراء ممارسات البنك الدولي علينا حتى دخل بيوتنا، وأصبحنا مدينين له كأفراد؟ يعني بمعنى آخر إنه السياسة الاقتصادية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: واضح.. واضح السؤال يا أخ عصام.

عصام عميرة: بارك الله فيك.

أحمد منصور: الجزء الثاني؟

عصام عميرة: باقي المداخلة، فقد تصادف وأنا أعد الملاحظات لهذه المداخلة إطلاعي على فقرة من كتاب "السياسة الاقتصادية الـمثلى" يتحدث فيه عن أخطار القروض الأجنبية، وكيف أن إنجلترا قد استعمرت مصر عن طريق هذه الديون، واحتلت فرنسا تونس أيضاً عن طريق الديون، وكانت المبالغ زهيدة في ذلك الوقت، يعني في عام 1875م بلغت الديون حوالي 95 مليون، وقياساً بالأرقام الحالية يعني يعتبر مبلغ متواضع، فأحببت أن يكون هذا هو السؤال.

أحمد منصور: شكراً لك، هل تضيف شيء في النهاية للدكتور،كما..؟

عصام عميرة: أخيراً بالنسبة للدكتور –جزاه الله خير- وأشكره على ما تفضل به من معلومات فنية وإحصائية، أما بالنسبة له كموظف في البنك الدولي، هل سأل نفسه يوماً سؤالاً أن العمل الذي يقوم به جائز شرعاً، والله –سبحانه وتعالى- يقول له وللذين يأخذون قروض: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين).

أحمد منصور: شكراً لك يا أخ عصام.

عصام عميرة: … الخطرة.. حياك الله، مع السلامة.

أحمد منصور: شكراً لك، مجدي عبد الله من القاهرة، الأخ مجدي.

مجدي عبد الله: السلام عليكم.

أحمد منصور: اتفضل، عليكم السلام.

مجدي عبد الله: تحياتي لك ولضيف الحلقة.

أحمد منصور: حياك الله يا سيدي.

مجدي عبد الله: أنا لي عدة أسئلة للدكتور إسماعيل.

أحمد منصور: نأخذ منها واحد أو اتنين.

مجدي عبد الله: بالنسبة للعملية السياسية في البنك ذاته، كما تراءى للجميع الضغط الأميركي بالنسبة للبنك في القرض اللي كانت طلبته روسيا، فالدكتور بيقول إن البنك مالهوش أي أهداف سياسية خارجية، وبالنسبة لعملية عدم إدخال دولتين من ألد أعداء الولايات المتحدة اللي هي كوريا وكوبا.

أحمد منصور: صحيح.

مجدي عبد الله: لماذا أبعدت هذه الدولتين بالذات دون كل الدول الأعضاء اللي دخلت؟

أحمد منصور: شكراً لك.

مجدي عبد الله: شكراً.

أحمد منصور: دكتور، من المسؤول عن الواقع المتردي الذي وصلت إليه الأمة من جراء ممارسات البنك، مدى مسؤولية البنك الدولي عن وضع العالم الإسلامي على وجه الخصوص؟

د. إسماعيل سراج الدين: ما يهيأ لي إن مسؤولية البنك بالنسبة للعالم الإسلامي صغيرة جداً، وإن المشكلة الأساسية: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وإن الأوضاع المتردية في كثير من الدول الإسلامية بيرجع إلى الأوضاع في هذه الدول نفسها، ويرجع أساساً أيضاً طبعاً لمعاداة غربية شرسة لهذه الدول، وأنها بتبقى متربصة لها في الميدان السياسي بصورة عامة، ولكن نذكر على سبيل لمثال لا الحصر الإنجازات العظيمة التي تمت في بعض الدول من (ماليزيا) إلى (إندونيسيا) قبل هذه الأزمة الأخيرة…

أحمد منصور [مقاطعاً]: خربت هذه الدول.

د. إسماعيل سراج الدين: نعم؟

أحمد منصور: ضربت هذه الدول، وكان بيعتقد أن تكون..

د. إسماعيل سراج الدين [مقاطعاً]: لا.. لا، خلينا نبقى موضوعيين، الإنجازات اللي حصلت في هذه الدول كانت إنجازات كبيرة جداً، المشكلة الأساسية اللي موجودة في إندونيسيا اليوم أساساً مشكلة سياسية داخلية اللي هي كيفية استبدال نظام بتاع (سوهارتو) بنظام جديد باستمرارية بسيطة، بينما أغلب الدول اللي في شرق آسيا اللي مرت بهذه التجربة زي كوريا مثلاً اللي مش بس مرت بهذه التجربة، إنما حاكمت رؤساء سابقين للفساد والإفساد -كما تعلم- هذه الدول تمكنت إنها تسيطر على الأزمة وتحصرها بسرعة أكبر، ففيه عامل أساساً داخلي، وعمل خارجي سياسي، ولكن دور البنك قليل، البنك في مجمله اللي بيموله من الاستثمارات بتاعة الدول النامية ما بين 1% و3%، فإذن 97% من الاستثمارات القائمة في الدول النامية مش جاية من البنك الدولي، يعني يجب إن إحنا نبقى صرحين، ولا نتفادى مسؤوليات القيادات الموجودة في كل الدول.

أما النقطة اللي أحب أرجع لها -اللي أثارها الأخ مجدي عبد الله- دي نقطة مهمة جداً، البنك ما أبعدش دول من عضويته، اللي حصل أساساً إن بعد مؤتمر (بيرتنوودز) لما كان الاتحاد السوفيتي حضر مؤتمر (بيرتنوودز) إنما المشترط إن لازم تبقى عضو في صندوق النقد لكي تكون عضواً في البنك الدولي، وعضوية صندوق النقد تقتضي إنه يبقى فيه ممارسة، بيسموها في الفقرة الرابعة في هذا الدستور إن كل سنة يبقى فيه تفاوض ما بين الصندوق والدول الأعضاء على وضعها في ميزانيتها اللي موجودة فيها، الاتحاد السوفيتي رفض هذه الفقرة، وبالتالي لم ينضم إلى عضوية البنك الدولي -ككل- إلا بعد طبعاً ما انهار الاتحاد السوفيتي، وانضمت كل هذه الدول.

ولكن بعض الدول الشيوعية مثل الصين، ومثل رومانيا، ويوغسلافيا انضمت للبنك الدولي برغبتها وبرأيها، والنهارده إن كنت أشرت إلى أن كوريا الشمالية…

أحمد منصور: وكوبا.

د. إسماعيل سراج الدين: وكوبا لن ينضموا فهذا من رغبتهم.

أحمد منصور: لكن أيضاً السؤال الخاص بالتدخل، أو الدور السياسي في القروض، ومنع أو تدخل الولايات المتحدة بالنسبة للقرض الروسي.

د. إسماعيل سراج الدين: بالنسبة للقرض الروسي يمكن قدر التدخل بيبقى اهتمام، وفيه وجهات نظر متضاربة فيها، وجهات النظر المتضاربة فيها هي الآتي: إن روسيا تمر بأزمة شديدة جداً، وإن مسؤولية البنك الدولي في هذه الفترة لما يبقى فيه أزمة شديدة جداً إذا كان فيه شبه أمل من إن القرض ممكن يساعد الدولة تطلبه، إنه يحاول إنه يساعدها، في ظروف معينة البنك -بتيجي يقول لك stufe بتاع البنك الموظفين بتوع البنك بيبقى رأيهم إن مهما وضعت من قروض فلن يثمر، ولكن بتبقى هذه قلة، في هذه اللحظة بقى دور أو التصور العالمي بيلعب دور، وفعلاً إن يبقى فيه التعاطف أكبر، فيبقى فيه استعداد إن زي ما بيقولوا the benefit of the doubt ..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن هنا.. هنا عايزين نسأل سؤال هام يا دكتور، لمصلحة من يعمل البنك الدولي؟ هل لمصلحة الدول المتنفذة، والدول الغنية، والدول المهيمنة، والدول الاستعمارية والاستبدادية، أم لمصلحة الدول الفقيرة البسيطة التي عجزت حتى عن سداد فوائد ديونها؟

د. إسماعيل سراج الدين: لأ، أنا أتصور البنك يعمل لمصلحة الدول الأعضاء، الدول الأعضاء تضم الاتنين، من حيث المقترضين.. الدول المقترضة كلها من الدول فقيرة، والدول الفقيرة أساساً بتقترض من البنك بطريقتين، فيه البنك القروض اللي بفوائد اللي بتروح لدول زي البرازيل ودول زي المكسيك، وفيه القروض اللي بتروح بدون فوائد على مدى أربعين سنة بعشر سنين سماح للدول الفقيرة جداً.. الدول الإفريقية، ده بيسموها الت AIDA، ودي بيسموها AIDA فالدول الفقيرة اللي بتجد إن في مصلحتها إنها تقترض تقترض، اللي في مصلحتها ما تقترضش ما تقترضش، مصر مثلاً قللت جداً من افتراضها من البنك الدولي..

أحمد منصور [مقاطعاً]: بسبب ضغوط البنك، وشروطه القاسية عليها.

د. إسماعيل سراج الدين: بسبب تصورها في سياسة حكيمة في تعاملها مع المديونية الخارجية، مصر مرت بأزمة مديونية كبيرة في فترة معينة، بعدما خفت هذه الأزمة، فيه سياسة بتقلل من الاقتراض الخارجي حتى لا تتعرض اقتصاديات الدولة لأية هزة، وتجد نفسها الدولة في هذه الأزمة…

أحمد منصور: النقطة.. فيه نقطة مهمة جداً أشار لها عصام عميرة من القدس، وهي عملية زيادة الديون وتأثيرها على أنها تصل إلى مرحلة الاحتلال، ربما كان هناك في السابق احتلال عسكري بتقوم به الدول الغربية بالنسبة للعالم الإسلامي، الآن هناك احتلال سياسي، وهناك احتلال اقتصادي، واحتلال عسكري -أيضاً- موجود بأشكال مختلفة في بعض الدول، وكثير من الدول الغنية العربية بدأت تدخل في دوامة الديون، وشروط البنك، وشروط الصندوق التي تصل إلى حد التأثير في النظام السياسي القائم وتحديد مساراته.

د. إسماعيل سراج الدين: دا نقطة مهمة جداً، إن لا شك فعلاً إن التجربة القديم.. القديمة بتاعة القرن التاسع عشر إدتنا كلنا مفهوم إحنا كمصريين قضية صندوق الدين، وما حصل في صندوق الدين إلى آخره، ولا أكتمك أنا من جيل الستينات، ولما دخلت البنك الدولي كان عندي بعض التحفظات لتاريخ السد العالي وغيره، ولكن الحقيقة رئيس البنك الدولي وقتها في سنة 72، 73 تحدث إلى الكوادر الشابة، وقال "أنا عايزكم تشتغلوا معاي في تطوير هذه المنظمة بحيث إنها تهتم بقضية الفقر والفقراء"، كان هذا التحول كبير في 73 بالذات لما دخلت، ودا اللي خلاني استمر فترة في البنك لهذا العمل.

أنا وجدت إن في هذه الفترة إن البنك فعلاً في مجمله، وأنا أثير نقطة في مجمله، لأن إحنا بنتكلم عن مشروعات البنك الدولي فيه 1600 مشروع حالياً تحت التنفيذ، وفيه حوالي 700 مشروع تحت الإعداد، إحنا بنتكلم عن كم هائل من المشروعات والقروض، كل مشروع بمعدل تقريباً 100 مليون دولار من القروض، ففي هذا الكم الهائل من المشروعات، بدأ يحصل تحول عبر الفترة الطويلة، بإن إحنا نهتم أكثر بتنمية القوة البشرية، بمسائل المدى البعيد، وأصبح البنك النهارده..

أحمد منصور [مقاطعاً]: أنت بتبين لنا البنك كأنه جهة بر وإحسان، وشفقة على البسطاء؟!

د. إسماعيل سراج الدين: مش شفقة، لا، لا، بالعكس، البنك ماهواش جهة بر وإحسان، فيهUNT دا اللي بيدي عطاء، البنك مقرض، فإذن أنت بتقرض، وبتستعيد هذا القرض، دا جزء لا يتجزأ من النظام بتاع المؤسسة نفسها..

أحمد منصور [مقاطعاً]: بتستعيده مضاعف، الدولة التي تدخلها في نطاق الاقراض بتحولها -حتى لو هي دولة غنية- إلى دولة نامية، ثم إلى دولة فقيرة، ثم إلى دولة مدينة، ثم إلى دولة لا تجد القوت الذي يعني تدفعه إلى.. يعني الدخول في شرك البنك الدولي هو الدخول في شرك الفقر حتى للدول الغنية.

د. إسماعيل سراج الدين: هذا غير صحيح.

أحمد منصور [مقاطعاً]: دا الواقع والأرقام والإحصاءات التي ربما لا يتسع الوقت للحديث عنها.

د. إسماعيل سراج الدين: لا، لا، الواقع والأرقام أنا قلت لك رقم بسيط جداً إن فعلاً مشكلة المديونية الكبرى اللي حاصلة، البنك نصيبه فيها 100 مليار من 200.. 2200 مليار، فإذن فيه 2100 مليار التانية دا هي، دي جهات أخرى هي اللي داخلة في هذا الشرك.

أحمد منصور: ما هي نفس الجهات التي أيضاً تمثل البنك يعني.

د. إسماعيل سراج الدين: لأ، ما هو طبعاً فيه تداخل عالمي ودول أعضاء، إنما أنا أتصور إن المشكلة الكبيرة قدامنا هو إن إحنا يجب كمثقفين -وإحنا دلوقتي في برنامج مفتوح على كل المفكرين العرب- إن إحنا نطرح تساؤلات على النظام العالمي الجديد والعولمة، وماذا نطلب من حكوماتنا أنها تعبر عنه من.. آمالنا وتطلعاتنا في تغيير هذا النظام الجديد، وإحنا على مشارف القرن الجديد.

أحمد منصور [مقاطعاً]: أنت تحمل حكوماتنا جزء كبير من المسؤولية.

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: مش حكومتنا إحنا بس، أحمل كل الحكومات، لأن في النهاية أية مؤسسة دولية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: أنا ما أقصدش حكومة واحدة، لكن حكومات الدول، الفقيرة أو المدينة ، أو التي تخضع..

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: لا.. لا.. لا، والدول الصناعية بالقدر الأول، الدول الصناعية…

أحمد منصور [مقاطعاً]: دول عارفين مصالحهم كويس، ولديهم خططهم -يا دكتور- ولن يغيروها لصالحنا نحن!

د. إسماعيل سراج الدين: لا، لا، لا، يجب إن إحنا نؤثر على الرأي العام في هذه الدول، ونغير الصورة، يعني أديك مثال بسيط جداً، أميركا النهارده بتدي 0.016 يعني 16% من 1% من الدخل القومي بتاعها لما تسميه الإعانة، وجزء كبير منه رايح إلى إسرائيل، يعني هذا الرقم البسيط جداً، إذا سئل الرأي العام الأميركي عن المساعدات الخارجية يقول دا المساعدات الخارجية كتيرة جداً، عملوا إحصاءات سألوا رجل الشارع الأميركي كم تتصور من ميزانية أميركا تروح للمساعدات الخارجية قال لك 20%، الواقع إنها 1%، سئل نفس هذا رجل الشارع..

أحمد منصور [مقاطعاً]: والجزء الأكبر لإسرائيل.

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: سألوه طيب، أنت ترى يبقى قد إيه مناسب، قال 5% يبقى مناسب، فرجل الشارع لما بيقول أنا أرى 5% يعني خمس أضعاف اللي بتدفعه أميركا النهارده للدعم، الحكومات كلها سواء أميركا أو غيرها ليها مسؤولية أساسية، لأنها من الدول الغنية، هذه الدول الغنية النهارده 20% العليا بتاخد أكتر من 85% من الدخل العالمي كله، هذه الدول الفقيرة 20% الفقيرة 1.3، من 30 سنة كانت 20% العليا دا هي اللي هي الدول الصناعية 30 مرة أغنى من الدول الفقيرة، النهارده 60 مرة أغنى، والنهارده يقول لك أنا ما أقدرش أدي تلت من 1% من دخلي إسهاماً لهذه الدول، إحنا يجب…

أحمد منصور [مقاطعاً]: بالرغم أنه يستنزف ثروات هذه الدول، وأموال هذه الدول مودعة لديه، ويستفيد منها، ومن عوائدها في تنمية اقتصاده.

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: والكثير من هذا كله، فإذن علينا إحنا إن إحنا نعبئ الرأي العام، ونعبئ الرأي العام، ويبقى فيه وفاق بين تيارات الرأي العام والمجتمع المدني في الدول الصناعية والدول النامية، ونطالب حكوماتنا بتغيير هذه الأوضاع.

أحمد منصور: مهندس محمد رؤوف أباظة، أشكرك على تقريظ البرنامج وتقريظ.. أشكرك شكراً جزيلاً، ويقول لك -دكتور سراج الدين- أعتقد بصفتك مصري عشت تجربة عبد الناصر مع البنك الدولي في تمويل السد العالي، ما هو سر دفاعك عن البنك الدولي؟ ولماذا لا تنادي مثلاً بإنشاء بنك لدول العالم الثالث، وليكن اسمه بنك الفقراء العالمي -مثلاً- لمواجهة البنك الدولي، وفضح أساليبه التي يتبعها تجاه الدول الفقيرة والنامية؟

د. إسماعيل سراج الدين: أتصور –زي ما قلت لك من شوية- إن أنا طبعاً دخلت البنك الدولي بتحفظات نظراً للتجربة اللي مرينا بها في السد العالي، ولكن الحقيقة أنا من الناس اللي أسهمت بقدر ما في مشوار البنك الدولي، البنك الدولي ما كانش بيهتم بقضايا الاجتماعية، ماكانش بيمول في التعليم إلا التعليم الفني والمهني، ولم يمول التعليم الابتدائي إلا بعد حين، ماكانش بيمول الصحة، ماكانش بيمول التغذية، ماكانش بيمول حاجات كتيرة زي البيئة، ماكانش بيمول حاجات كتيرة من هذا النوع، تطورات تصورات البنك في هذه المفاهيم.

والحقيقة أنا كنت من الناس اللي أسهموا في تطوير هذه المفاهيم، ومنها قضية بنوك الفقراء اللي فعلاً اشتركت في توسيع هذه التجربة، ودي تجربة مهمة جداً، طبعاً انطلقت من بنك (جرامي) في (بنجلاديش) وهي دولة إسلامية، وفيه رواد كثيرين بيحاولوا إنهم يعملوا مشروعات من هذا النوع في دول كثيرة، نذكر الأمير طلال ابن عبد العزيز الذي له محاولات في بنك (الأمل) في مصر، وغيره من المحاولات في العالم العربي اللي نجحت إلى حد ما، وبعضها لسه في الطريق، إنما هذه المحاولات يجب إنها تكون لها تتعمل وتستمر، ولكن لا ننسى القضية اللي كنت باتكلم فيها قبل هذه المداخلة، وهي إن تغيير في النظام العالمي ككل مطلوب، وإن إحنا علشان نعمل هذا التغيير.

أحمد منصور [مقاطعاً]: لن يغيره إلا الأقوياء.

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: لا، يجب إن إحنا يحصل تحالف بيننا وبين الناس اللي عندهم ضمير إنساني في كل هذه المجتمعات الغنية، وجزء كبير منهم -فعلاً- ما عندوش الوعي الكافي بقضايا الدول النامية والفقيرة، وإن إحنا بالتالي التحالف، ودور الإعلام، ودور المثقفين في دول العالم النامي إنها تخش في هذا التحالف وتغير هذا الوضع.

أحمد منصور: مصطفى مجدي من الرياض، أعتذر عن التأخير لك يا أخ مصطفى، اتفضل.

مصطفى مجدي: آلو.

أحمد منصور: اتفضل يا سيدي.

مصطفى مجدي: إزيك يا أستاذ أحمد؟

أحمد منصور: حياك الله.

مصطفى مجدي: ممكن أكلم الدكتور إسماعيل.

أحمد منصور: اتفضل يا سيدي.

مصطفى مجدي: والله.. إزيك يا دكتور؟

أحمد منصور: اتفضل بسؤالك يا أخ مصطفى مباشرة.

مصطفى مجدي: والله أنا لي مداخلة بسيطة، أنا بأحيي الدكتور إسماعيل في دوره العظيم لتطوير البنك الدولي الحقيقة، وفي تاريخه ومساعدته (الأنجوس) المنظمات الأهلية وحتى إن له صوت مسموع حتى في الأمم المتحدة -إن شاء الله- وأتمنى له النجاح والتوفيق في ترشيحه لمنظمة اليونسكو إن شاء الله.

أحمد منصور: شكراً لك، نور الدين من الولايات المتحدة.

د. إسماعيل سراج الدين: شكراً لك.

نور الدين أبو باديس: آلو.

أحمد منصور: تفضل يا أخ نور.

نور الدين أبو باديس: السلام عليكم.

أحمد منصور: عليكم السلام ورحمة الله.

نور الدين أبو باديس: يا أخي، أنا أطرح سؤالي من خلال هذا المثال، نرى أن مثلاً فرنسا تشتري الكيلو جرام الواحد من ساحل العاج بفرنك فرنسي…

أحمد منصور [مقاطعاً]: أي كيلو؟ أي كيلو.. أي كيلو؟

نور الدين أبو باديس: الكيلو جرام الواحد من القهوة.

أحمد منصور: من القهوة، نعم.

نور الدين أبو باديس: ويباع الفنجان الواحد بثمن ثمانية فرنك فرنسي في المقاهي، ثم تأتي فرنسا كدولة وتأخذ الكيلو الجرام الواحد من القهوة بعشرة فرنك –مثلاً- ولا داعي لإعطاء القروض التي لا تزيد البلدان إلا ضعفاً وتمزقاً، ولا يستفاد منها المواطن البسيط، وتذهب في الرشاوي، وتذهب عند من يحكمون الحكم..

أحمد منصور: شكراً يا..

نور الدين أبو باديس: ألم تحل البنك الدولي محل قارون، والأمم المتحدة محل فرعون؟! وما هو الدافع للدول العربية والإسلامية التي تزق بثرواتها أن تستدين، وأن تضع نفسها في هذه المذلة؟ وجزاكم الله خير.

أحمد منصور: شكراً لك، اتفضل يا دكتور، تعليق موجز على كل هذه..، والقضية ليست قضية القهوة فقط، وإنما كل شيء تقريباً.

د. إسماعيل سراج الدين: ما أنا أساساً من شوية كنت بأثير هذه النقطة إن فعلاً فيه انخفاض في كل أسعار المواد الأولية، وإن هذا الانخفاض على المدى البعيد، يعني لو تنظر على الإحصائيات على مدى..

أحمد منصور [مقاطعاً]: فرنسا يأخذون القهوة، بريطانيا تأخذ الشاي من سيلان ومن غيرها أيضاً من قديم، ويعلب إلينا، ويؤتى بأضعاف ما يؤتى به، وكل الصناعات بهذا الشكل حتى النفط وغيره.

د. إسماعيل سراج الدين: ولكن الواضح إن إحنا بننتقل المزيد من النظام العالمي الجديد تجاه ما يسمى باقتصاد المعرفة، وإن المدخل من المواد الأولية في الناتج العام بيقل، يعني القميص اللي أنت لابسه ده التكلفة بتاعته النهائية الجزء اللي جاي من القطن اللي فيه يمكن 3% أو 4%منه، بينما الجزء اللي داخل في التصنيع، والجزء اللي داخل في التفصيل وفي الحياكة وإلى آخره، بيزداد نسبياً مرة بعد مرة، ودا طبعاً هو جزء من المشكلة، إذا الدول النامية لم تتمكن من إنها تسيطر وتأخذ على جزء من التصنيع، وأنها تحول هذه الأمور، واعتمدت فقط على أسعار المواد الأولية، فلن تتمكن من إنها تخرج من الأزمة اللي هي فيها، لأنها على المدى البعيد في مجال انخفاض هذه الأسعار، فالمطلوب -إذن- إن هذه الدول تصنع بنفسها، هذا مش مستحيل، لما نذكر مثلاً إن الصناعات اللي كانت موجودة في الغزل والنسيج، في الجزم، في غيره إلى آخره، وحتى في الحديد والصلب اللي كان موجود في أميركا، دلوقت كلها انتقلت إلى الدول النامية من البرازيل، إلى ماليزيا، إلى المكسيك، إلى غيره، وانعدمت دلوقت الآن في أميركا، طبعاً أميركا انتقلت إلى أنواع جديدة من الصناعات من الكمبيوتر، إلى الطائرات، إلى السوفت وير Soft ware إلى آخره.

والخطر الحقيقي ماهواش في مسألة سعر الفرنك بتاع القهوة، إنما هو الهوة العظيمة اللي عامله تحصل ما بين العلم والمعرفة اللي موجود في الدول الصناعية، وقدرتها إنها تخصخص العلم عن طريق البراءات إنها تسيطر على مداخل للفقراء لهذا العلم، وشفناه في تمن الدواء وغيره، هذا هذه الهوة الكبيرة جداً قضية خطرة جداً، مين كان من عشرين سنة يقدر يتصور لو سألت ثروة أغنى رجل في العالم حتبقى جاية من إيه؟ إنه يقول لك جاية من برامج الكمبيوتر.

أحمد منصور: (بيل جيتس)، نعم.

د. إسماعيل سراج الدين: جاية من برامج الكمبيوتر، وده مثال لبداية ما نسميه باقتصاد المعرفة، الدول النامية إذن مش حتحل مشاكلها إن لم تتمكن من استثمار جذري في تعليم أبناءها، في تعليم بناتها بصفة خاصة، في تطوير أنظمها العلمية بحيث إنها تتمكن إنها تخش في هذه المنافسة الشرسة.

أحمد منصور: حاتم جعفر من القاهرة، اتفضل يا أخ حاتم.

حاتم جعفر: السلام عليكم.

أحمد منصور: وعليكم السلام ورحمة الله.

حاتم جعفر: تحياتي للأستاذ أحمد، وتحياتي للدكتور إسماعيل.

أحمد منصور: حياك الله.

حاتم جعفر: لي -حضرتك- استفسارين أو مداخلتين بشكل عام، وبشكل خاص.

أحمد منصور: اتفضل.

حاتم جعفر: المداخلة الأولى متعلقة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي اللي بيتبناه صندوق النقد والبنك الدوليين، من حيث الانتقادات الموجهة ليهم بشأن تركيزهم على جانب الطلب والآليات المرتبطة به، وإهمالهم لجانب العرض، ودا اللي يهم الدول النامية عموماً ومصر من بينهم، دا الجزء الأول.

والجزء التاني: ما هي تصورات دكتور إسماعيل بشكل.. بصفته الوظيفية من حيث محاور خروج الاقتصاد المصري نحو تحسين معدلات الناتج وتشجيع الصادرات بعد نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي في جزئه الأول اللي هو برنامج التثبيت، اللي بيرعاه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، شكراً.

أحمد منصور: شكراً لك، الأخ سليمان من القدس، اتفضل يا سليمان.

سليمان عبياد: السلام عليكم.

أحمد منصور: وعليكم السلام.

د. إسماعيل سراج الدين: وعليكم السلام ورحمة الله.

سليمان عبياد: شكراً لك يا أخ أحمد على البرنامج هذا.

أحمد منصور: حياك الله.

سليمان عبياد: وشكراً للدكتور إسماعيل.

د. إسماعيل سراج الدين: شكراً.

سليمان عبياد: على البراءة التي يصف بها البنك الدولي، لكن تحت يدي يا أخي..

أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن الدكتور أدان البنك في بعض الأشياء أيضاً يعني، فأرجو.. الدكتور أدان البنك في بعض الأشياء، لم يمنعه مكانه ولا منصبه من أن يتحدث عن ذلك بشكل واضح، اتفضل.

سليمان عبياد: تحت يدي نص استقالة السكرتير العام لـ (إكسفون)، (بير جالان) يقول فيها يعني أو آخذ منها بعض المقتطفات، يقول: "بعد أن أتيحت لي فرصة الاطلاع خلال الثلاث سنوات على سلوك البنك الدولي، فأنني أضم نفسي إلى بعض زملائي في المنظمات غير الحكومية الذين يعتقدون أن الطريق الوحيد للعدالة والصدق بين شعوب الأرض هي مقاطعة البنك الدولي"، هذا السكرتير العام وهو أحد العاملين في البنك الدولي، ثم يقول أيضاً..

أحمد منصور [مقاطعاً]: تعرفه يا دكتور، لو تعيد لنا اسمه؟

سليمان عبياد: (بير جالان) السكرتير العام لـ (إكسفون)، هذا النص من كتاب "القارة التائهة" للصحفي الإيطالي (جيني).

د. إسماعيل سراج الدين: آه، بير جالان، ok نعم ماهواش موظف في البنك خالص.

سليمان عبياد: بيقول كمان بيقول: "بعد خمسين عام عمل بالبنك الدولي يعني أقول لكم بصراحة كفى، لقد سيطرتم على أفكار وآراء المنظمات غير الحكومية حول التنمية، وحول التنمية الاقتصادية، وحول الفقر، وحول دور المشاركة الشعبية، ثم في نفس الوقت اقترحتم سياسة إصلاح هيكلي تفاقم الآفات الاجتماعية في الدول الجنوبية في الكرة الأرضية".

إذن هو يحمل البنك مسؤولية ما يسمونه بالإصلاح الهيكلي الذي يطلبه البنك في الدول عندما يتدخل في شؤونها الداخلية، بيقول إنتو بتتدخلوا في الشؤون الخارجية للدول كثيراً، وتدعون أنكم تريدون أن تحاربوا الفقر، بينما الإصلاحات الهيكلية التي تطالبون الدول بها ترفع هذه المشاكل الاجتماعية والآفات الاجتماعية.

أحمد منصور: شكراً لك يا سليمان، واضحة المداخلة، اتفضل يا دكتور.

د. إسماعيل سراج الدين: شكراً، أنا قرأت وأعرف بير جالان جيداً، وماهواش موظف في البنك الدولي، هو كان يمثل مجموعة..

أحمد منصور [مقاطعاً]: هذا لا يمنع إدانته للبنك…

د. إسماعيل سراج الدين: لا، لا، طبعاً لأ، بس عشان نبقى واضحين، نص الاستقالة كان كممثل من المنظمات غير الحكومية في لجنة، وأنا كنت من المشاركين في صناعة هذه اللجنة لانفتاح البنك على آراء المنظمات غير الحكومية، هو كان مشارك في هذه، وكان سكرتير اللجنة دي فترة من الزمن ثم استقال منها، وقال إنه يرى إنه لا جدوى من العمل مع البنك، وهو كان من اللي قادوا الحملة سموها (50 years inf) 50 سنة هي كافية.

فإذن هذا الكلام معروف، أنا الرد بتاعي بسيط جداً، إن فعلاً فيه تصورات معينة كان يمكن إن الواحد يعملها أحسن بكتير، وكل المنظمات يجب إنها تحسن من مؤداها بما فيها البنك الدولي، ولكن الحقيقة اللي يجب إنها تذكر إن الانفتاح بتاع البنك الدولي على المنظمات غير الحكومية أدى إلى تطوير كثير من الفكر التنموي، فيعني مثلاً كل قضية فكر البيئة والاهتمام بالبيئة، ما هو جه أساساً من المنظمات غير الحكومية، لم تكن الحكومات أساساً هي التي اهتمت بقضايا التلوث وقضايا البيئة، ولكن كانت الأفراد والجماعات والتحركات الشعبية، وكذلك جزء كبير من الحركة النهارده ضد قضية المديونية وتخفيف وطأة المدين بتقوم بها جماعات غير حكومية.

ولذلك أنا من الناس اللي مقتنع بأهمية دور الحكومات.. المنظمات غير الحكومية، ولكن لا يكفي بالمرة إنك أنت تعتمد فقط على تحركات المنظمات غير الحكومية، والدليل على كده إن يمكن من أنجح المنظمات الغير حكومية في العالم هي في بنجلاديش، ومع ذلك لبنجلاديش تعتبر من أفقر دول العالم، لأن التنمية أيضاً بتحتاج بالإضافة للجهود الأهلية والجهود الشعبية، وهذا أساس المشاركة فيها، حتحتاج إلى طرق، وإلى كهرباء، وإلى مواني وإلى حاجات كتيرة جداً، ويجب إنه تكون دور الدولة بتلعبه..

أحمد منصور [مقاطعاً]: بنية أساسية في حاجة..

د. إسماعيل سراج الدين [مستأنفاً]: وفيه دور حكومي يجب أن تقوم به، بالإضافة إلى…

أحمد منصور [مقاطعاً]: في إيجاز تصورك لمحاور خروج مصر من موضوع الدين والإصلاح الاقتصادي؟

د. إسماعيل سراج الدين: والله أنا أرى إن برنامج الإصلاح الاقتصادي –كما تفضل الأخ حاتم جعفر- يعني فعلاً عملية التثبيت نجحت جداً في مصر، وبدأ إن في السنتين الماضيتين معدلات النمو ترتفع بصورة ملحوظة، وإن المؤشرات الاجتماعية من حيث مثلاً توقعات الحياة بتتحسن عن الـ 20 سنة اللي فاتت بصورة واضحة، وإن فيه أمل كبير جداً إذا استمر –إن شاء الله- الدفعة الاقتصادية الموجودة في مصر على النغمة اللي هي عليها من السنتين اللي فاتوا، إن حيبقى فيه تحسين ملحوظ في الأوضاع الموجودة اقتصادياً في مصر.

أحمد منصور: مصطفى حمدي من (إنجلترا)، اتفضل يا أخ مصطفى.

مصطفى حمدي: مساء الخير يا أستاذ أحمد.

أحمد منصور: مساك الله بالخير يا سيدي.

مصطفى حمدي: أولاً أنا لي فيه شكوى.. على قناة (الجزيرة).

أحمد منصور: ممكن تخلينا في إطار البرنامج، والشكوى ترسلها.

مصطفى حمدي: لا، لا، لا، هي حاجة بسيطة، أحياناً الصوت بتاع الإرسال بتاعكم بيضيع، بس شكراً.

أحمد منصور: طيب، دي حاجة هندسية، وإن شاء الله..

مصطفى حمدي: خلاص..، والحاجة التانية، أولاً مساء الخير دكتور إسماعيل.

د. إسماعيل سراج الدين: مساء الخير يا افندم.

مصطفى حمدي: أولاً أنت حضرتك بتمثل البنك الدولي.

د. إسماعيل سراج الدين: نعم.

مصطفى حمدي: كويس، البنك دا بنك ما يفرقش عن أي بنك خالص، من الطبيعي جداً إن أنا علشان آجي أسلف دولة ما أو شركة ما، لازم أطمئن على ميزان المدفوعات بتاعها، وعلى الوضع الاقتصادي.

د. إسماعيل سراج الدين: صحيح.

مصطفى حمدي: علشان أنا حأديك حترجع لي إمتى، آدي حاجة، الحاجة التانية -سيدي الفاضل- مديونية القارة الإفريقية عالية جداً، لأن الفلوس اللي اتاخدت ما راحتش للتنمية، يعني مع الرقم اللي الأستاذ أحمد قاله ما يدينيش يعني مؤشر إن الفلوس دي راحت للتنمية، فالنهارده الأصول إن البنك لازم بيتأكد وبيعمل Follow up للقرض اللي بياخده.. اللي بيديه، أولاً البنك ما هواش مؤسسة خيرية، فيه ناس –زي ما بالضبط- أنا حطيت فلوسي في بنك (لايت) أو في أي بنك (أميركان انترناشيونال)، كويس، حضرتك لازم أطمئن إن الناس اللي بتاخد الفلوس دي حترجعها، وإلا أنا كمودع مش حأحط.

د.إسماعيل سراج الدين: صحيح.

أحمد منصور: إذن -يا أخ مصطفى- أنت تتفق على وجود دور سياسي للبنك أيضاً.

د. إسماعيل سراج الدين: دور تجاري.. دور تجاري.. دور تجاري للبنك، هو يتكلم عن دور تجاري للبنك مش!!

أحمد منصور: وسياسي يا دكتور!!

د. إسماعيل سراج الدين: لا، الأخ مصطفى يقول البنك كبنك.

مصطفى حمدي: دكتور إسماعيل، أنا محاسب ومختص في دراسات الجدوى كويس، النهارده دراسة جدوى لشركة زي دراسة الجدوى لدولة، المفهوم واحد، فالنهارده حضرتك إنتو تكلمتوا عن مصر، مصر لما.. المديونية..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يا أخ مصطفى، لأن الوقت عندي قرب على الانتهاء.

مصطفى حمدي: هي دي الملحوظة اللي أنا عاوز أعرفها في ثواني، هل البنك عنده الآلية إن هو يستشف -فعلاً- الميزانيات الحقيقية للدولة المقترضة؟ هو دا.. هو دا.. هو دا السؤال يعني.

أحمد منصور: شكراً لك.. شكراً لك.

د. إسماعيل سراج الدين: سؤال وارد، أنا حأرد عليه في كلمتين، البنك فعلاً -زي ما قلت قبل كده- ما هواش بر و إحسان، إنما هو بنك وبيقرض، إنما الاختلاف بينه وبين بنك (لويز) أو أي بنك تاني إنه لا يقرض إلا للدول الأعضاء، وبالتالي لابد من..

أحمد منصور [مقاطعاً]: كل دول العالم أعضاء.

د. إسماعيل سراج الدين: لا، دستور، إذن هو بيقرض أساساً اللحكومات بتاعة هذه الدول، الجزء التاني إن فعلاً البنك بيحاول دايماً إنه يرى قضية الاسترجاع، ولذلك الدول الفقيرة جداً لا تأخذ قروض من البنك، ولازم تأخد من اللي بنسميه (الأيدا) اللي هي 40 سنة و10 سنين إلى آخره، لأنها غير قادرة على السداد للبنك، رغم إن البنك على عكس البنوك التجارية ما بيحاولش إنه يضاعف الربح بتاعه.

أحمد منصور: شكراً يا دكتور، شكراً جزيلاً لك دكتور إسماعيل سراج الدين (نائب رئيس البنك الدولي)، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، حلقة الأسبوع القادم هامة للغاية، وكذلك ضيفها، وأقدمها لكم من القاهرة -إن شاء الله- في الختام أنقل لكم تحية فريقي البرنامج من القاهرة والدوحة، وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من القاهرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: الجزيرة