مستقبل حماس في ذكرى انطلاقتها السادسة عشرة
مقدم الحلقة: | أحمد منصـور |
ضيف الحلقة: |
خالد مشعل: رئيس المكتب السياسي لحركة حماس |
تاريخ الحلقة: | 24/12/2003 |
– إنجازات حركة حماس سياسيا وعسكريا واجتماعيا
– المحطات السلبية في مسيرة حماس
– الرؤية الإستراتيجية لحماس
– مستقبل خالد مشعل في حماس
– دور حماس في إفشال حوار القاهرة
– تأثير ورقة المقاومة الفلسطينية والعراقية في الانتخابات الرئاسية الأميركية
– مدى إمكانية قيام دولة فلسطينية طبقا للزاويتين الأميركية والإسرائيلية
– حدود تضييق الخناق على حماس
– أسباب رفض حماس التفاوض المباشر مع إسرائيل
– طبيعة الاتصالات الأوروبية المباشرة مع حماس
– مدى استعداد حماس لإقامة حوار مع واشنطن
– خسائر إسرائيل من الانتفاضة الثانية
– عوامل استمرار المقاومة الفلسطينية
أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييِّكم على الهواء مباشرة وأرحِّب بكم في حلقة جديدة من برنامج (بلا حدود).
مع احتفال حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بذكرى انطلاقتها السادسة عشر، والتي انبثقت فيها عن جماعة الإخوان المسلمين تبدو الساحة الفلسطينية كما كانت على مدار تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لها، مداهمات وقتل وتشريد وهدم للمنازل، ولعل الصورة التي يشاهدها الناس عبر شاشات التلفزة طوال اليومين الماضيين لما يحدث الآن في رفح خير دليل على أن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي لم تتوقف، رغم توقيع اتفاقات سلام مع الفلسطينيين ومع غيرهم، ومع وجود سلطة فلسطينية في الأماكن التي تقتحمها إسرائيل وتشرِّد أهلها وتُقتِّلهم.
في نفس الوقت هناك من يبحث عن السلام ويسعى لإيجاده، فهناك دعوة للحوار، وأخرى للهدنة، وثالثة لتفويض السلطة الفلسطينية، وضغوط دولية وأميركية وإسرائيلية حتى يقبل الفلسطينيون وحركات المقاومة تحديداً بما يرفضونه طوال السنوات الماضية.
وهناك أشياء أخرى كثيرة تموج بها ساحة العمل الفلسطيني، نحاول في هذه الحلقة فهم بعض.. بعض معالمها والتعُّرف على مستقبلها في حوار مباشر مع أحد أبرز صنَّاع القرار السياسي في الحركة السيد خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس).
ولمشاهدينا الراغبين في المشاركة يمكنهم الاتصال بنا على هواتفنا في الدوحة: 009744888873
ونعتذر عن عدم وجود فاكس أو مشاركة على الإنترنت لأسباب تقنية في هذه الحلقة. أستاذ خالد مرحباً بك.
خالد مشعل: يا مرحباً بك، حياكم الله.
إنجازات حركة حماس سياسيا وعسكريا واجتماعيا
أحمد منصور: احتفلتم قبل أيام.. أو يوم الأحد الماضي تحديداً في بيروت في.. بانطلاقة حماس السادسة عشرة، وتحدثتم فيها عن بعض معالم الحاضر وبعض معالم المستقبل، ولكن على مدى ستة عشر عاماً عمر حركة حماس، التي هي امتداد لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين، والتي تتواجد منذ أكثر من خمسين عاماً، بدايةً ما الذي قدَّمته الحركة من إنجازات على الصعيد السياسي، على الصعيد العسكري، على الصعيد الاجتماعي؟
خالد مشعل: بسم الله الرحمن الرحيم. أولاً: اسمح لي أخي أحمد باستهلال هذا اللقاء الطيب أن أوجِّه التحية الخالصة إلى أهلنا الصامدين في رفح وإلى أهلنا في كل فلسطين، ولكن مجزرة رفح بالأمس واليوم تبعث على الألم الذي يعتصرنا جميعاً، وتكشف عمق الجريمة الصهيونية، وهي والله طعنة في ضمير الإنسانية وعار في جبين العالم كله الذي لا يرى إلا الفعل العربي أو الفلسطيني فينتقده، ولا يرى الجريمة الصهيونية مهما بلغت بشاعتها، أكثر من عشر شهداء، عشرات الجرحى، عشرات البيوت التي هُدِمَت، ومع ذلك نقول (لشارون): مهما فعل شعبنا لن ينكسر، المقاومة ستستمر، والمستقبل لنا وليس للصهاينة.
أما بمناسبة مرور ستة عشر عاماً على الحركة وما قدمته الحركة، فأنا أختصر ذلك في جملة عناوين، العنوان الأول: هو على الصعيد العسكري، وأعتقد أن حماس نجحت –بفضل الله تعالى- إلى جانب أخواتها من الفصائل المقاوِمَة في إعادة الاعتبار للخيار العسكري بعد أن كاد يتوارى، وفَعَّلت هذا الخيار وجعلته ثابتاً دائماً في الحياة الفلسطينية، بعد أن ظن البعض أنه في الزمن الجديد، ليس فقط بعد 11 سبتمبر، بل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات أن الخيار العسكري انتهى، نحن أعدنا الاعتبار لهذا الخيار، طوَّرنا المقاومة، جعلناها خياراً ثابتاً، وطوَّرنا الأساليب رغم بساطتها، ولكنها نجحت في النهاية في استنزاف العدو الصهيوني، ثم جمعنا شعبنا على المقاومة، ونجحنا في توحيد الصف الفلسطيني عليها.
العنوان الثاني: هو العنوان السياسي من خلال جمل بسيطة: التمسُّك بالحقوق الفلسطينية، عدم السماح بشطب القضية الفلسطينية، عدم السماح لبعض مشاريع التسوية أن تشطب حقوقنا أو أن تصفي القضية وِفق الرغبة الأميركية أو الصهيونية، هذا كان ثابتاً مهماً: الحفاظ على القضية والحفاظ على حقوق الشعب والانحياز الدائم له.
العنوان الثالث: هو خدمة الإنسان الفلسطيني، الاقتراب من آلامه، تلمُّس معاناة الشعب الفلسطيني، بذل أقصى ما نستطيعه في تقديم هذه الخدمة الاجتماعية والإغاثية، وكنا -بفضل الله- نجحنا أن نكون جسراً أميناً بين المتبرِّع العربي والمسلم على مدار العالم كله وبين شعبنا الفلسطيني في الداخل، مما ساعد على صمود هذا الشعب.
العنوان الرابع: هو أننا نجحنا في تقديم منهج متميِّز في العلاقات.
أحمد منصور [مقاطعاً]: أي علاقات؟
خالد مشعل: العلاقات الفلسطينية، العلاقات العربية، العلاقات الإسلامية، العلاقات الدولية، قدَّمنا منهجاً متميزاً، لا هو في التبعية ولا هو في الصراع، إنما هو في قدر من.. في استقلالية حقيقية، ولكن احترام مع الآخر ومحاولة شرح عدالة قضيتنا وكسب الأنصار على الصعيد العربي والإسلامي والدولي كذلك، ثم على الصعيد الفلسطيني: السعي إلى توحيد الساحة الفلسطينية، والحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية كثابت لا يتغير على مدار السنوات.
وأخيراً العنوان الخامس والأخير: قدَّمنا منهجاً في التوازن الدقيق، والذي لم ينجح فيه الكثيرون، كيف نوازن بين المقاومة والسياسة؟ بين برامجنا السياسية وبرامجنا الاجتماعية الإغاثية؟ كيف نتوازن بين العمل بالاستراتيجية والعمل بالتكتيك؟ كيف تحافظ على التوازن بين المبادئ وبين المصالح؟ وهكذا.
كيف تظل محتفظاً بشخصيتك العربية الإسلامية؟ ومع ذلك أنت منفتح، أنت حركة منفتح على الجميع، هذا أعتقد حماس قدَّمت نموذجاً متميزاً بفضل الله تعالى أولاً قبل كل شيء، وكانت إضافة متميزة ونقلة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، لا نقول أننا ابتدعنا هذا الصراع أو هذه المقاومة، ونحن الذين بدأناها، ولكننا محطة مهمة، وستستمر مع بقية القوى حتى نظفر بالتحرير إن شاء الله.
المحطات السلبية في مسيرة حماس
أحمد منصور: ربما في مواقف التقويم أو التقييم للأعمال مثل ذكرى الانطلاقة، ذكرى مرور سنوات معينة، من المهم أن تقف الحركات موقف تتحدث فيه عن الإيجابيات، ولكن أليس من العدالة والإنصاف والشفافية أيضاً الحديث عن السلبيات والأخطاء؟ هل وقفتم مع أنفسكم وقفة لتتحدثوا عن السلبيات والأخطاء أو تتعرفوا عليها في ظل أن.. يعني غيركم يرصد لكم فقط أخطاءكم ولا يرصد بالنسبة لكم سلبياتكم؟ هل وصلتم إلى مرحلة من العدالة لتقولوا أخطأنا في هذه وأخطأنا في تلك؟
خالد مشعل: والله لدينا قدر كافي من الشجاعة ومن العدالة والإنصاف ومن الشفافية أن نعترف بالخطأ عندما نقع فيه، ونحن بشر، والجهد البشري من طبيعته أن يخطئ، ولكن أحب أن أطمئنك أخي أحمد والمشاهد الكريم أن أخطاءنا ليست في الرؤية ولا في المسار الكلي، ولكن أخطاءنا وعثراتنا هي في مجال التفاصيل، وفي مجال العمل الميداني على الأرض، وهذا شيء طبيعي، ونحن لا نستدرك على أنفسنا بعد عشر سنوات أو ستة عشرة عاماً، ولكن لحظة بلحظة، لأنه نملك هذه الشجاعة، ولدينا من المؤسسات الرقابية في الحركة وآلية اتخاذ القرار الجماعي والمحاسبة ما يضمن هذا، نحن..
أحمد منصور [مقاطعاً]: هل استفدتم من أخطائكم حينما –كما تقول أنت الآن- كنتم تقفون عندها.. عند حدوثها؟
خالد مشعل: بالتأكيد.. بالتأكيد، في مجالات عدة.
أحمد منصور: هل كان لها دور في تطوير أعمالكم؟
خالد مشعل: بالتأكيد، لأنه العمل أحد أسباب نجاحه أن تكتشف الخطأ فتتلافاه، وتأخذ منه الدرس والعبرة.
أحمد منصور: هل لديكم مانع من الاعتراف أو الإعلان عن بعض هذه الأخطاء؟
خالد مشعل: لا لا، لا حرج لدينا، لكن –كما قلت- يعني ربما استحضارها يحتاج إلى.. لأنها في التفاصيل، ليست يعني لم.. لم نخض تجربة مثلاً.. تجربة سياسية في العلاقات أو تجربة في عملنا الميداني مع شعبنا، وكانت تجربة خاطئة وصارخة، لأ، إنما في التفاصيل..
أحمد منصور [مقاطعاً]: ألم تتحمل القيادة..
خالد مشعل: يعني أعطيك مثلاً.. مثلاً أعطيك مثلاً..
أحمد منصور: تفضل، اسمح لي أسمع المثل بعد فاصل قصير.
[فاصل إعلاني]
أحمد منصور: هلا ذكرت لنا بعض الأخطاء التي وقعتم فيها؟
خالد مشعل: نعم، هناك مثال في الانتفاضة الأولى حصل قتل بالخطأ لأحد العملاء، غير مقصود، وعند ذلك اعترفنا بخطئنا، وقدمنا الدية لأهل القتيل..
أحمد منصور [مقاطعاً]: الشيخ أحمد ياسين اعترف بذلك في.. في (شاهد على العصر).
خالد مشعل: نعم.. نعم.. نعم، وهذا لا حرج يعني، وهناك تشريع في الإسلام للقتل العمد وللقتل الخطأ، في رام الله في الانتفاضة الأولى أذكر أن بياناً للحركة صدر ودعا لإضراب، وتبيَّن لنا إنه هذا اليوم في الإضراب هو يوم فيه أحد أعياد الإخوة المسيحيين، وأصدرنا بياناً آخر استدرك على الأمر وألغينا الإضراب، احتراماً لعيد الإخوة المسيحيين، وهكذا..
أحمد منصور [مقاطعاً]: لأ.. دي مش أخطاء يعني دي حاجات كده..
خالد مشعل: إذا عندك أخطاء اتفضل.
أحمد منصور: يعني..
خالد مشعل: أنا أقول هذه كلها أخطاء وعثرات في التفاصيل، هذا لا يعني أنها فقط هذا.. أن هذين المثلين هما الدليل على ما قلت، ولكن ربما هناك الكثير لكنه..
أحمد منصور [مقاطعاً]: فيه انتقاد شامل..
خالد مشعل [مستأنفاً]: ليس في سياق الرؤية والكليات..
أحمد منصور: فيه انتقاد شامل لكم من كثير من المراقبين الذين يرون أن رؤية حماس لا زالت رؤية قاصرة لا تقف عند رؤية المرحلة، على سبيل المثال اليوم ما ذكره وحيد عبد المجيد في صحيفة "الحياة": أن.. إنكم تفتقدون الإمكانات الضرورية لتقدير الموقف وتحديد متطلبات المرحلة، رغم أهمية الدور الذي تقومون به والتضحيات التي تتكبَّدونها –حسب قوله- فيما تثبت حركة "فتح" -على حد قوله أيضاً- أنها الأوفر وعياً وشجاعةً بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني، كونكم بعد ستة عشرة عاماً لم تصلوا لمرحلة إقناع بعض السياسيين والمراقبين بأنكم على كفء في الأداء السياسي، هذا أيضاً يستدعي منكم وقفة مع أنفسكم.
خالد مشعل: نعم، يعني يكفينا أن الأغلبية في الشارع الفلسطيني والشارع العربي والإسلامي هي مع حماس ومع خيار المقاومة، للأسف بعض الكُتَّاب ومن حقهم أن ينتقدوا ليس.. لكن ليس من حقهم أن يطلقوا مثل هذه الأحكام بالقطعية، بعضهم يظن أن الحكمة السياسية والحنكة هي أن نتفهم عالم ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول، بمعنى أن نخضع للمنطق الأميركي، وإنه خلاص عصر المقاومة أصبح صعباً وخاصة التبست به قصة الإرهاب الذي رفعته أميركا، وإنه لابد من بعض المناورات والتكتيكات، وأنا قرأت مقال الأستاذ وحيد، وإذا ظن إنه.. إنه.. إنه حماس لأنها لم تقبل فكرة الهدنة أو لم تقبل ما عُرِضَ عليها في القاهرة في موضوع التفويض هي ليس لديها الحكمة السياسية، هو مخطئ، وليعلم هذا الكاتب وغيره من الكُتَّاب أن حماس عندما تقول لا لأي طرح، حتى ولو جاءها من بلد كبير بحجم مصر التي نقدِّرها ونقدِّر أمتنا جميعاً، فنحن نصدق وخير الناس من صَدَقَكْ لا من صَدَّقك، نحن وظيفتنا أن نقول للناس الحقيقة، ثم مسار السنوات الماضية، عشر سنوات أظن كافية للحكم أن الذين راهنوا على هذا.. على ما يُسمَّى بالتكتيك السياسي أو الاشتباك السياسي هو رهان خاطئ، والأيام الآن تثبت أن.. أن رؤيتنا هي الأصح، وأن هذا العدو لا يصلح معه إلا الصمود والمقاومة.
الرؤية الإستراتيجية لحماس
أحمد منصور: هل معنى ذلك أن رؤيتكم أو أطروحتكم لا تقوم على سياسة رد الفعل التي تنتهجها معظم الحركات السياسية وحتى الدول العربية في رؤيتها لكثير من الأمور، تنتظر ما يطرح عليها ثم يكون رد فعلها حسب ما يُطرح عليها؟ لديكم رؤية استراتيجية واضحة في القضايا السياسية وفي المحاور الأساسية للحوار أو غيره؟
خالد مشعل: من يريد أن.. أن يكتشف الحقيقة بنفسه، دون أن أقولها بنفسي ليذهب ويقرأ ماذا قالت حماس منذ نشأتها، قبل ستة عشرة عاماً؟ ثم يقرأ مواقفها اليوم، ليعلم أنها تتصرف وتتحرك وفق رؤية استراتيجية، لو كانت حماس تتحرك بردود الفعل، لكانت انتقلت من نقطة إلى نقطة أخرى بعيداً عن مسارها، ولكن دائماً من يتصرَّف وِفق رؤية تجده ينتقل وِفق مساره المحدد، أما ردود الفعل فتحرك الإنسان إلى مسارات أخرى خارجة عن مساره الأصلي، ولذلك حماس مبادئُها مواقفها الثابتة والاستراتيجية في التمسُّك بالحقوق الفلسطينية في التأكيد على المقاومة، التأكيد على الوحدة الوطنية، عدم الدخول في صراعات جانبية، حصر الصراع في فلسطين، عدم التفريط والمساومة بالحقوق الفلسطينية، ثبتت مصداقيتها، ولذلك الشعب ينحاز لها، بل لا أقول عفواً بل إن فصائل المقاومة، بعض هذه الفصائل التي اشتغلت في الخيار السياسي في (أوسلو) وغيره اكتشفت الحقيقة منذ عام 2000، ودخلت معنا بقوة..
أحمد منصور: [مقاطعاً]: تقصد فتح مثلاً، وكتائب شهداء الأقصى؟
خالد مشعل: نعم.. نعم، نعم فتح وشهداء الأقصى دخلت بقوة في الانتفاضة الحالية، وكثير من الفصائل استعادت برامجها العسكرية، لماذا؟ لو كانت رؤيتنا خاطئة لما فعلوا ذلك، ولكن لأنهم اكتشفوا الحقيقة أن هذا العدو لا يُعطي إلا تحت ضغط القوة، وأن مجرد تقديم مبادرات تبدو حكيمة، وتبدو معتدلة، وتبدو تلتقي مع الرأي العام العالمي، لا تجدي، لأن هذا عدو لا يحترم أحداً ولا يحترم إلا لغة القوة.
مستقبل خالد مشعل في حماس
أحمد منصور: هناك مصادر صحفية أشارت إلى أنك قد انتهى دورك في المكتب السياسي لحركة حماس وفي قيادته تحديداً، وربما تكون مع نهاية هذه الحلقة قد انتهت ولايتك للمكتب، وهناك بدائل أخرى سوف.. أو شخصيات أخرى سوف تتولى قيادة المكتب، ما مدى حقيقة ذلك؟
خالد مشعل: أولاً دور الإنسان في أي حركة مناضلة كحركة حماس لا علاقة له بالموقع، نحن دورنا نقاتل ونجاهد وندافع عن شعبنا..
أحمد منصور [مقاطعاً]: كلام جميل، لكن أنا بأسألك عن الموقف.
خال مشعل: هذا مبدأ لابد من تثبيته، لابد.. أدوارنا لا تنتهي حتى نلقى الله شهداء وعلى العهد إن شاء الله، أما فيما يتعلق بالمواقع، نعم حركة حماس أصلاً جزء مما قدمته أنها حركة مؤسَّسية، حركة شورية ديمقراطية، وحركة تتغير قياداتها ولا تتأثر بغياب..
أحمد منصور [مقاطعاً]: إزاي؟ أنتم مثل الحكام العرب من المهد إلى اللحد..
خالد مشعل: كيف؟
أحمد منصور: يعني معظم القيادات في حركات العمل السياسي، ومنها حركة حماس أيضاً الوجوه التي يعرفها الناس منذ ستة عشرة عاماً ربما هي هي لم تتغير..
خالد مشعل: هذا ليس صحيحاً، أولاً: نحن..
أحمد منصور: قل لي.
خالد مشعل: عمرنا محدود 16 سنة، ومع ذلك كان هناك رئيس.. أول رئيس للمكتب السياسي الأخ العزيز الدكتور موسى أبو مرزوق، الآن أنا رئيس المكتب السياسي، وربما تجدون رئيساً آخر في شهور أو سنوات قادمة، هذا دليل على الديناميكية والحيوية التي تتمتع بها حركة حماس، وعلى مؤسسيتها العالية..
أحمد منصور: معنى ذلك أنك ستبقى في رئاسة المكتب إلى نهاية مدتك على الأقل في الخريف القادم؟
خالد مشعل: طبعاً هناك نظام داخل الحركة يحدِّد فترات المسؤولية..
أحمد منصور: متى تنتهي فترتك؟
خالد مشعل: ستعلمونه في حينه إن شاء الله.
أحمد منصور: يعني فترتك مفتوحة؟
خالد مشعل: أنا قلت تعلمونه في حينه،لم أقل مفتوحة، إنما الأجل..
أحمد منصور: أليس لها سنوات محددة؟
خالد مشعل: لها سنوات محددة.
أحمد منصور: متى تنتهي؟
خالد مشعل: تنتهي عندما..
أحمد منصور: سرية يعني؟
خالد مشعل: لا.. لا.. لأ، نحن فيه.. فيه هناك لاعتبارات عديدة تتعلق بظروفنا المعقَّدة وبالضغوط الأمنية التي علينا، نحن حركة ملاحقة مطاردة، وضعنا ليس سهلاً، وبالتالي هذا ليس من.. من التكتُّم على الأشياء لا يتكتم عنها ولكن هنا..
أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن أنت باق كرئيس للمكتب السياسي، وليس هناك تغيير؟
خالد مشعل: أنا الآن رئيس المكتب السياسي وعندما المؤسسات داخل الحركة تحدِّد الاختيارات الجديدة وِفق النظم المعمول بها سوف تسمعون عن المسؤول الجديد.
أحمد منصور: بالنسبة للحوار هناك انتقادات كثيرة وُجِّهت لكم، حمَّلتكم مسؤولية فشل حوار القاهرة الذي كان قائماً في الفترة من 4 إلى 7 ديسمبر الجاري في القاهرة، وفي الكلمة التي ألقيتها أنت في القصر (يونسكو) في بيروت في 21 ديسمبر يوم الأحد الماضي، قلت: كفى حواراً يتمحور حول التهدئة أو الهدنة، أي الوقف الشامل للمقاومة يبدأ موقتاً ثم يكون دائماً، هل يعني ذلك أن حماس بالفعل هي التي أفشلت الحوار وأنكم ذهبتم إليه دون قناعة وليس لديكم أي رغبة في عمل أي حوارات تتعلق بالهدنة أو بالتهدئة؟
[موجز الأخبار]
دور حماس في إفشال حوار القاهرة
أحمد منصور: هل سعيتم لإفشال حوار القاهرة وذهبتم بهذه النية إليه؟
خالد مشعل: بالتأكيد لا، نحن مع الحوار وخضناه مرات عديدة في الداخل والخارج، والجميع يعلم –أخي أحمد- أن عناوين الحوار في القاهرة المقرَّرة كانت ثلاثة عناوين، العنوان الأول: التحرُّك السياسي، العنوان الثاني: البرنامج السياسي، العنوان الثالث: المشاركة في القرار الفلسطيني.
أحمد منصور: ولكن الذي حدث كان غير ذلك.
خالد مشعل: نعم، جاء البعض ليختزل هذه العناوين فقط في عنوانين.
أحمد منصور: ما هما؟
خالد مشعل: وقف المقاومة أو الهدنة، أو الوقف المتبادل والمشروط بين الطرفين، والعنوان الثاني: تفويض السلطة الفلسطينية لحركة سياسية أو تحرك سياسي خلال عام 2004
أحمد منصور [مقاطعاً]: لماذا رفضتم الهدنة…؟
خالد مشعل: ولذلك –عفواً- نحن لم نذهب للإفشال، ولم نذهب أيضاً من أجل أن نبحث الهدنة، نحن ذهبنا لنتشاور فلسطينياً وبرعاية مصرية كريمة، كيف نتفاهم كفلسطينيين حول هذه العناوين، كيف نتوافق على برنامج سياسي يحدِّد الهدف، ويحدِّد المرحلة، ويحدِّد معايير وضوابط الأداء السياسي والميداني وعلى قاعدة التمسُّك بالحقوق الفلسطينية، ثم ذهبنا نتحدث عن المشاركة في القرار، كيف تكون هناك مشاركة حقيقية في القرار الفلسطيني دون أن يستفرد بها أحد، لا فتح ولا حماس ولا أي فصيل آخر، وأيضاً نتحدث عن التحرُّك السياسي في هذه المرحلة، لكن البعض اختزلها بالعنوانين المذكورين، ولذلك نحن رفضنا هذا لأنه لدينا تجربة، لقد قمنا بهدنة أو بوقف مؤقَّت في.. في أواخر شهر ستة من هذا العام، وكانت النتيجة بعد خمسين يوماً انتهت الهدنة، لأن الذي أفشلها العدو، صعَّد عدوانه، استمر في القتل والاغتيال والهدم، وكان لابد من الدفاع عن النفس، وبالتالي انتهت الهدنة، فالذي أفشلها شارون، والذي أفشلها كذلك الإدارة الأميركية التي لم تتحرك للجم طغيان وعدوان شارون.
أحمد منصور: معنى ذلك..
خالد مشعل: فلماذا نكررّها من جديد؟
أحمد منصور: معنى ذلك أنكم على استعداد لها لو توفرَّت لها الضمانات؟
خالد مشعل: أخي أحمد، نحن مع الحوار على قاعدة.. قاعدتين واضحتين، التمسُّك بحقوق شعبنا، والتمسك بحقنا في المقاومة والدفاع عن النفس، الآن موضوع الهدنة مع..
أحمد منصور [مقاطعاً]: هذا شيء مطلق، ولكن معطيات المرحلة والأمور الآنية فيها إفرازات، من بين هذه الإفرازات عرض الهدنة، ألم تفكروا في عرض الهدنة؟
خالد مشعل: الهدنة عُرضت من حماس في سنوات سابقة، ولكن الهدنة يمكن أن تكون مع العدو إذا انتهى الاحتلال أما المطلوب..
أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني معنى ذلك أنكم ترفضون الهدنة في هذه المرحلة على أي شكل كان طالما أن الاحتلال قائم؟
خالد مشعل: لأ، هذا.. نحن قلنا في القاهرة وقلناها في محطات عدة، نحن لا نرى تغيُّراً في الموقف الصهيوني، ولا نرى جدية في الموقف الأميركي، أميركا باختصار تريد تقطيع الوقت، تريد ملء الفراغ في عام 2004 لأنه هذا عام انتخابات أميركية وهي متورطة في الوحل العراقي من خلال المقاومة العراقية الباسلة، ولذلك هي تريد أن تملأ الفراغ، وليس في.. لديها الجدية ولا القدرة على إلزام العدو الصهيوني بالانسحاب، إذن يريدون منا –باختصار- موقفاً قاطعاً بوقف المقاومة وبالتهدئة دون أن يكون هناك أي ضمانة لوقف العدوان الصهيوني وللانسحاب من الأرض، نحن لا يمكن نقول لأي طرف تفضلوا إذا أتيتم لنا بأي عرض جديد نحن مستعدون أن ندرسه على قاعدة التمسُّك بحقوق شعبنا والدفاع عن هذا الشعب.
أحمد منصور: معنى ذلك..
خالد مشعل: أما أن نقدِّم خطوات مجانية تغري العدو بالمزيد كما فعل شارون، ونحن في القاهرة كان شارون يقول: هذا الحوار لا يعنيني، والمشكلة عند الفلسطينيين، ونحن نقول لإخواننا العرب وإخواننا الفلسطينيين: المشكلة ليست عندنا كفلسطينيين، المشكلة عند العدو الصهيوني، ليتغيَّر هذا العدو، ليعترف بحقوقنا، لينسحب من أرضنا، ليوقف عدوانه علينا، ليفرج عن الأسرى، آلاف الأسرى في سجونه، وعند ذلك نحن مستعدون أن ندرس إذا تبيَّن لنا أنه هناك موقفاً حقيقياً من العدو الصهيوني.
أحمد منصور: معنى ذلك أن إفشال الحوار كان هدفه أو من آثاره هو عدم إنقاذ (بوش) وشارون بالنسبة لفلسطين و.. بالنسبة.. بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وأن الحوار كان هدفه -كما أشار البعض- هو إنقاذ شارون وإنقاذ بوش؟
خالد مشعل: لا.. لأ، نحن لا نقول هذا، نحن نقول الذي أفشل الحوار في القاهرة هو أن شارون ومن خلفه الإدارة الأميركية لم يقدموا موقفاً حقيقياً يدفع الفصائل أن تدرس هذا العرض بجدية.
أحمد منصور: معنى ذلك لو قُدِّم عرض جاد أنتم على استعداد لدراسته والتجاوب معه؟
خالد مشعل: نعم، نحن إذا جاءنا عرض محدَّد حول حقوقنا الفلسطينية، حول موقف من هذا العدو بالانسحاب والاعتراف بحقوقنا، نحن مستعدون كفصائل وبقلوب وعقول مفتوحة أن ندرسه بجدية، أنا أعطيك..
أحمد منصور[مقاطعاً]: أن يعطيكم تعهُّد..
خالد مشعل: عفواً أخي.. أخي أحمد، أنا أعطيك مثل يؤكِّد رؤيتنا، الوفد المصري الكريم الذي زار غزة بعد حوار القاهرة حمل رسالة لحماس ولجميع الفصائل.
أحمد منصور: ما هي؟
خالد مشعل: بعد زيارة السيد الوزير عمر سليمان إلى أميركا وهي أن الإدارة..، ماذا عند الإدارة الأميركية؟ شيء محدَّد، إذا توافق الفلسطينيون على هدنة وتوقُّف عن المقاومة لمدة عام 2004 فإن الإدارة الأميركية لديها.. تعد ولديها الاستعداد أن تضغط على شارون ليوقف ممارساته والانسحاب إلى ما قبل 28/9، لاحظ يريدون من الطرف الفلسطيني موقفاً قاطعاً حتمياً غير.. غير آجل، بينما من الطرف الإسرائيلي مجرد وعد بالضغط، يعني لأ ليس هناك عاقل في الساحة الفلسطينية يمكن أن يقبل مثل هذا الموقف المائع، الذي نحن في قراءتنا السياسية له ليس إلا مجرد تقطيع وملء للفراغ في هذه المرحلة، لأنه أميركا مشغولة بأزمتها في العراق كما قلنا، ولأن شارون يعاني من مأزق حقيقي، مَنْ.. مَنْ رأى وتابع مؤتمر (هرتزليا) قبل أسبوع وهو مؤتمر في البحث الاستراتيجي لمستقبل هذا الكيان وأمنه ومناعته الأمنية، لاحظ عمق الانقسام في المجتمع الصهيوني بين يمين ويسار ووسط، مَنْ الذي صنع هذه الأزمة؟ الذي صنعها –بفضل الله تعالى- هي المقاومة، وهو الصمود الأسطوري الفلسطيني، لذلك لماذا.. لماذا نقدِّم مبادرات مجانية كالتي ذهبت إلى جنيف وذهبت إلى مدريد وحوارات مع ابن شارون وقادة العدو، مبادرات تريد أن تنقذ بصرف النظر عن النوايا، لكن مآلها وهي بالنتيجة إنقاذ لشارون من ورطته، البديل هو تعميق مأزق شارون حتى يخضع للمنطق الفلسطيني الذي تفرضه المقاومة.
أحمد منصور: يعني أنتم استراتيجيتكم قائمة على تعميق مأزق شارون؟
خالد مشعل: بالتأكيد، لكن.. لكن تعميق مأزق شارون لما بعده، بمعنى ليضطر العدو الصهيوني أن يأخذ قراراً اضطرارياً إجبارياً بالانسحاب من أرضنا والالتزام بحقوقنا، تماماً كما فعلت المقاومة المظفَّرة في لبنان حين أُجبر العدو على الانسحاب وليس احتراماً لقرار (425)، هو أصبح لانسحابه من جنوب لبنان شعاراً انتخابياً لرؤساء الوزارة في العدو الصهيوني.
أحمد منصور: وبالتبعية أيضاً زيادة أو تعظيم مأزق بوش؟
خالد مشعل: بوش لسنا في معركة معه رغم أنه يخوض المعركة معنا، ومع العراق، ومع فلسطين، ومع الأمة كلها، ولكن الآن بوش يجني ما صنعت يداه، جريمته في الاعتداء على العراق وجنون العظمة، وإحساس أميركا بأنها قادرة أن تفعل كل شيء قادها إلى هذا الوحل العراقي، والذي صنعته هي المقاومة العراقية وتماسك الشعب العراقي الذي قدَّم نموذجاً نعتز به.
تأثير ورقة المقاومة الفلسطينية والعراقية في الانتخابات الرئاسية الأميركية
أحمد منصور: هل صحيح أن المقاومة في فلسطين والعراق هي التي تملك مفاتيح إنقاذ الرئيس بوش أو هزيمته في الانتخابات القادمة؟
خالد مشعل: أعتقد هناك عاملان يؤثِّران على نتائج الانتخابات الأميركية، عامل: ورطة أميركا في العراق، وبالتالي فعل المقاومة في العراق إضافة إلى الصمود والمقاومة الفلسطينية العظيمة بفضل الله.
والعامل الثاني: لاشك هو الوضع الاقتصادي والوضع الداخلي الأميركي وكل ذلك سيؤثِّر، ولكن هذا يعطي -يا أخي أحمد- مؤشِّراً على أن ما كان البعض لا أقول يبشِّر به بل ينذر به من أننا نعيش العصر الأميركي والعصر الصهيوني، هذه المقولة عفا عليها الزمن وانتهت، الزمن الصهيوني في انحسار والتفرُّد الأميركي رغم كل مظاهر القوة، لكن أميركا ما عادت قادرة أن تفعل كل شيء، بدليل أزمتها في العراق، ولجوئها إلى الأمم المتحدة وإلى الأوروبيين من جديد ليساعدوها في العراق ولا تزال في ورطة حتى في أفغانستان، نحن اليوم نعيش زمن المقاومة، اليوم هو زمن وعصر المقاومة، المقاومة هي التي تتوقف عندها كل مشاريع العالم، يعني أميركا كل ما قدَّمته من مشاريع تتوقف عند أقدام المقاومة في فلسطين وكذلك في العراق، وهذا يعطينا ما هو المدخل؟ مدخلنا اليوم هو أن نثق بربنا –تعالى- لأنه واهب النصر والمُعين خاصة للضعفاء والمؤمنين، ثم نعتمد على أنفسنا ونتوحَّد على استراتيجية تقوم على قاعدتين بسيطتين ما فيش فيها تعقيد مشاريع التسوية..
أحمد منصور: ما هما؟
خالد مشعل: القاعدة الأولى: هي التمسك بحقوقنا، وعدم التفريط أو المساومة عليها، والقاعدة الثانية: المقاومة وحقنا في الدفاع عن النفس، عند ذلك سيحترمنا العالم وسيخضع لنا، يا رجل يعني ستأتي ربما الأحاديث التالية.. يعني الآن لأول مرة أميركا بنفسها تعترف بضرورة قيام دولة فلسطينية، بصرف النظر عن صدقها، حتى الصهاينة..
مدى إمكانية قيام دولة فلسطينية طبقا للرؤيتين الأميركية والإسرائيلية
أحمد منصور: هل مشروع الدولة الفلسطينية
خالد مشعل: حتى الصهاينة.
أحمد منصور: ممكن أن يتحقق؟
خالد مشعل: 60% منهم يقولون مع قيام الدولة الفلسطينية.
أحمد منصور: هل أنتم مع قيام أو مدى يعني إمكانية قيام دولة فلسطينية على الرؤية الأميركية والرؤية الإسرائيلية؟
خالد مشعل: الدولة.. لا طبعاً شوف إحنا لدينا رؤية مختلفة في موضوع الدولة الفلسطينية، كل شعب حر يريد دولة، ولكن هناك مقدِّمات، التحرير أولاً واستعادة الأرض، ثم تكون الدولة نتيجة طبيعية، لكن مَنْ يعكس الصورة يبدأ بالحديث عن الدولة قد يجد نفسه أمام دولة بلا أرض، أو دولة بلا سيادة، وما طرحه شارون في هرتزليا هو يدعونا إلى دولة مُسمَّى دولة أو اسم دولة، ولكن المحتوى حكم ذاتي هزيل بلا دولة على 42% من الأرض..
أحمد منصور[مقاطعاً]: معنى ذلك أنكم ترفضون ما طرحه شارون؟
خالد مشعل: بالتأكيد شيء مرفوض هذا، نرفض مضمون طرحه، ونرفض تهديده، ونعلم أنه في مأزق ولسنا في مأزق، ولكن بالمناسبة..
أحمد منصور: الآن المقاومة..
خالد مشعل: أخي أحمد، يعني نحن لدينا ثقة بالله –تعالى- ثم بأنفسنا، نعم نعلم أن الاحتلال الصهيوني صنع لنا معاناة هائلة وشديدة، لكن المقاومة في المقابل صنعت للاحتلال مأزقاً وأزمة شديدة.
حدود تضييق الخناق على حماس
أحمد منصور: المقاومة أصبح المرادف لها هو الإرهاب الآن، وهناك حملة عالمية ضد الإرهاب، وتُستنفر الدول العربية من أجلها، المقاومة في العراق أصبحت إرهاباً، أنتم أُدرجتم على قائمة الإرهاب في.. مؤخَّراً في أوروبا بعد ما أُدرِجتم قبل سنوات في الولايات المتحدة الأميركية، فالآن المقاومة أصبحت تعني الإرهاب، معنى ذلك أنكم مطاردون، أنكم ينحصر وتضيق الأمور عليكم شيئاً فشيئاً، والتمسُّك بهذا الخيار مستقبلاً سوف يكون محفوفاً بمخاطر كثيرة كما هو محفوف الآن؟
خالد مشعل: نعلم أن أميركا تخلط بين المقاومة والإرهاب، وهي تعلم أن هناك فرقاً، ولكنها قاصدة لهذا الخلط، وشارون ركب موجة.. موجة هذا الخلط لكن إذا كانت أميركا متفرِّدة وقوية في العالم، لكن ليس من حقها أن تحاربنا تحت شعار الإرهاب، وليس.. لا يجوز لنا كعرب ومسلمين وكفلسطينيين أن نخشى من هذه التهمة، أميركا وأوروبا مارست المقاومة ضد المحتلين، ولا يجوز لها أن تحرمنا من حقنا في المقاومة، عندما يرحل الاحتلال عند ذلك تتوقف المقاومة، المشكلة لماذا نحن نرفض قصة الهدنة وقصة المبادرات؟ لأنها تقوم على قاعدة خاطئة، المدخل الذي يأتون من خلاله هو أوقفوا المقاومة حتى نتفاوض ولعلكم تصلون إلى حقكم وإلى دولة على 67، نحن نقول: القاعدة الاحتلال بدأ أولاً فنشأت عنه المقاومة كرد فعل ودفاع عن النفس، وحق مشروع لأي شعب أن يتحرر من الاحتلال، المطلوب إذن مَنْ يريد أن يهدئ الأوضاع في المنطقة، فعليه أن يُنهي الاحتلال أولاً فتنتهي المقاومة، لكن أن يطلبوا منَّا وقف المقاومة –كما قلت- كالتزام قطعي غير آجل، ثم بعد ذلك نبقى نتسوَّل على أعتابهم حتى يعطونا دولة أو يعطونا حرية أو استعادة أرض، هذا أمر لا يمكن، هذا.. لذلك نعم نحن تضررنا -أخي أحمد- بعد 11 سبتمبر، لأنه أميركا فعلاً..
أحمد منصور[مقاطعاً]: والشعب الفلسطيني تضَّرر بنسبة كبيرة..
خالد مشعل: والشعب الفلسطيني تضرر، ولكن نحن تضررنا وسنتحمل..
أحمد منصور: حتى الآن المساعدات لأبناء الشهداء وعائلات الشهداء وغيرها أصبحت تدخل في إطار دعم الإرهاب، وأصبح هؤلاء أيضاً بلا دعم، أصبح كثير من الناس الذين كانوا يكفلون أيتاماً فلسطينيين يخشون من تحويل تلك الأموال حتى لا يُتَهموا بدعم الإرهاب.
خالد مشعل: يعني المشكلة الكبرى يا أخي أحمد، نعم نحن نقر أن القوي المتجبِّر يستطيع أن.. أن.. أن يُنشئ احتلالاً، ويستطيع أن يفرض بالقوة أموراً مادية على الأرض، لكنه -وفي كل مسيرة التاريخ- لا يستطيع أن يصادرنا من التمسك بحقوقنا، لا يستطيع أن يفرض علينا مصطلحاته، لا يستطيع أن يفرض علينا ثقافته ولغته، الشعوب الحرة هي التي تأبى هذا، نعم أنت قد.. أنت تستطيع أن تحتل أرضي، لكن لا تستطيع أن تُغيِّر.. أن تغيِّر معتقدي، وأن تغيِّر التزامي بأرضي وانتمائي لشعبي، مشكلة الأمة اليوم فوق هذا الاحتلال على الأرض تريد أيضاً أن تتساوق مع الأميركان في المصطلحات، وفي الثقافة، وفي المعايير، وفي القيم، هناك ازدواجية معايير..، والعالم أصبح يعي هذه الحقيقة، يعني الآن هناك تراجع في اللوبي الصهيوني في أوروبا، كما.. رأيتم استطلاعات الرأي، 60% أو 59% يقولون إسرائيل الخطر الأكبر على العالم، 43% من الأميركان أنفسهم يعتبرون إسرائيل هي الخطر الأكبر .
أحمد منصور: صح.
خالد مشعل: بل 37% من الأميركان يعتبرون أميركا هي الخطر الأكبر على العالم، إذن الناس بدأت تعي، السبب أن أميركا ما عادت تنفذ أمورها كما تريد، هناك.. هناك شعوب حرة، والأمة -الحمد لله- الأمة العربية والإسلامية -رغم ضعفها- تشكِّل الآن مناعة وقدوة للعالم في رفض هذا.. هذه الرغبة أو الإرادة الأميركية، وكذلك المشاريع الصهيونية في المنطقة.
أسباب رفض حماس التفاوض المباشر مع إسرائيل
أحمد منصور: أنتم تُرسلون رسائلكم إلى إسرائيل عبر.. عبر وسطاء وهم يرسلون رسائلهم عبر وسطاء ويتفاوضون معكم عبر وسطاء، هل أنتم على استعداد للدخول في حوار مباشر مع الإسرائيليين؟
خالد مشعل: لا حوار مع الاحتلال، ولا تفاوض مع الاحتلال.
أحمد منصور: على مدار التاريخ كل الأمم أو حركات المقاومة دخلت في مفاوضات مع الاحتلال.
خالد مشعل: صحيح، لكن متى؟ أعطيك دلالتين، أو مؤشرين، المؤشر الأول من.. من ثقافتنا الإسلامية، ربنا –سبحانه وتعالى- قال (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)، يعني بمعنى عدوك عندما يستوي باللغة العامة، عندما يُستنزف ويُجبر أن يتقدَّم خطوة لو سلَّم.. كما حصل أيام الحروب الصليبية وغيرها من حروب المسلمين، وكذلك مكة في صلح الحديبية، خلاص اعترفت بالحق الإسلامي، ولذلك قدَّمت خطوة (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)، لكن هل أحد يفسِّر سلوك شارون أنه جنوح للسلم، أم مزيد من التهديد والوعيد والجريمة كما جرى في رفح.
أحمد منصور: يمكن أن يأتي أحد غير شارون ويعرض..
خالد مشعل: هذا المؤشر، ليأتِ.. ليأتِ، تفضل هي الآن إسرائيل معروضة للاختبار، بعد هذا.. هذا الإنجاز العظيم للانتفاضة والمقاومة عبر ثلاث سنوات، وهي امتداد طبعاً لخمسين سنة من الصراع أو أكثر، يتفضل يأتي قائد صهيوني شجاع، ويعترف بأنه هذه مسيرة خاطئة ويُنهي الاحتلال.
أما المؤشر الثاني: الفيتناميون ظلوا رغم مفاوضاتهم في باريس مع الأميركان ظلوا يقاتلون، وكان الجيش الأميركي في فيتنام يعاني الأمَّرين من الضربات ومن الملاحقة من.. من المقاومة الفيتنامية، إنما الذي يجري اليوم لا، يريدون منَّا أن نُنهي المقاومة، ثم ننتظر رحمة الأميركان والصهاينة، طب هذا الأمر جُرِّب، يعني أوسلو فلسفتها كانت وقف الانتفاضة الأولى، هذه ورقة مهمة، إذا.. إذا صحت تسميتها بورقة، اثنين: الاعتراف بإسرائيل، لأول مرة مطلوب اعتراف بإسرائيل، هذا الكلام كان مع بداية أوسلو، وحصل أن قدَّم بعض الفلسطينيين هاتين الورقتين، ثم أصبحوا في العراء مكشوفين، وأصبح التفاوض عملية تسوُّل على أعتاب أميركا وإسرائيل، وكانت النتيجة لا شيء، نحن نقول: لابد من استمرار المقاومة، لابد من الموقف الصامد على الأرض، وعندما تُجبر إسرائيل على الانسحاب عند ذلك لكل حادث حديث، وهذا الذي جرى كما قلت نموذج في جنوب لبنان، نحن لا نتكلم عن مثاليات..
أحمد منصور: لكن أنتم.. أنتم ليس لديكم..
خالد مشعل: عن واقع.
أحمد منصور: استعداد لإيقاف المقاومة، مع بداية أي تفاوض مباشر مع الإسرائيليين إن وقع.
خالد مشعل: نحن مع استمرار المقاومة، وعندما يتغير الموقف الصهيوني ويُجبر على خطوة إلى الوراء لكل حادث حديث.
طبيعة الاتصالات الأوروبية المباشرة مع حماس
أحمد منصور: نشرت الصحف يوم الاثنين الماضي أخباراً مفادها أن أسامة حمدان (ممثل حركة حماس في لبنان) قد اجتمع سراً بوساطة قطرية مع مسؤولين أميركيين سابقين مؤَّخراً بغرض فتح حوار مباشر بين حماس والولايات المتحدة الأميركية، ما مدى دقة هذه المعلومات بداية؟
خالد مشعل: ليس صحيحاً.
أحمد منصور: على الإطلاق؟
خالد مشعل: ليس صحيحاً على الإطلاق.
أحمد منصور: ولم يحدث أي شكل من أشكال الاتصال؟
خالد مشعل: هو الأميركان يحاولون بين الحين والآخر أن يرسلوا لنا بعض الرسائل بصورة غير مباشرة ويريدون أن يقرءوا..
أحمد منصور: بصورة غير مباشرة يعني عبر وسطاء؟
خالد مشعل: ربما يعني لا أريد أن أدخل في التفاصيل.
أحمد منصور: قطريين وألمان كما يُقال؟
خالد مشعل: هناك.. هناك رسائل تأتينا من الأميركان، وهناك اتصالات مباشرة مع الأوروبيين، الجميع..
أحمد منصور: متى آخر رسالة جاءت من الأميركان؟
خالد مشعل: يعني، في الفترات الماضية..
أحمد منصور: متى آخر اتصال مع الأوروبيين، وقد أدرجوكم على قوائم الإرهاب؟
خالد مشعل: رغم إدراجنا على قائمة الإرهاب، لأنه هذا الإدراج جاء تماشياً مع الأميركان والصهاينة ونفاقاً.. نفاقاً للأسف، بسبب.. نحن نعيش كما قلنا في زمن الضغط الأميركي الصهيوني، ولكن..
أحمد منصور: رغم إدراجكم..
خالد مشعل: لكن الأوروبيين رغم ذلك يدركون أن سبب المشكلة –حقيقة- هي إسرائيل، ويعترفون بالحق الفلسطيني، ونتمنى أن يكون لديهم من الشجاعة أكثر بحيث يحترمون هذا الحق، ويمارسون دوراً أكبر في هذا الموضوع، رغم ذلك جرت اتصالات والنتيجة..
أحمد منصور[مقاطعاً]: رغم إدراجكم على قوائم الإرهاب الأوروبية هناك اتصالات أوروبية مع حماس؟
خالد مشعل: نعم.. نعم هناك اتصالات أوروبية مع حماس، هذا صحيح.
أحمد منصور: مباشرة؟
خالد مشعل: مباشرة، والجميع يريد يا أخي أحمد أن..
أحمد منصور[مقاطعاً]: معنى ذلك أن هذا موقف أوروبي، وليس موقف الدولة التي تتصل بكم أو الدبلوماسيين أو الأفراد الذين يمثلون..؟
خالد مشعل[مقاطعاً]: لا أنا أعتقد أنه هذا موقف أوروبي.
أحمد منصور: أوروبي شامل؟
خالد مشعل: يعني أنا..
أحمد منصور: الذين يتصلون بكم يعبِّرون عن الموقف الأوروبي ليس عن موقف..
خالد مشعل: ليس بالضرورة.. ليس بالضرورة حتى أكون دقيقاً، ربما يعبِّر عن موقف أوروبي عام، عن موقف دولته..
أحمد منصور[مقاطعاً]: ما طبيعة هذه الاتصالات؟
خالد مشعل: هم.. هم كما قلت الأوروبيون، ولديهم خبرة، وهم أكثر عقلانية من الأميركان، لكن دورهم أضعف بسبب رفض الصهاينة والأميركان لدورهم، هم يقرون أن المشكلة –حقيقة- في الاحتلال واستمرار العدوان، وبالذات سياسات شارون، هم يدركون هذه الحقيقة.
اثنين: يدركون أن المقاومة الفلسطينية شبَّت على الطوق، وأنها تفرض كلمتها على الأرض ولا يمكن تجاوزها، وبالتالي أصبحوا يدركون إنه بدون انسحاب حقيقي، بدون دولة فلسطينية حقيقية لن يكون هناك وقف للمقاومة والانتفاضة، وهم يقدِّرون وزن حماس في الفعل الفلسطيني العام، سواء الفعل العسكري أو السياسي أو الاجتماعي أو غيره، ومن هنا يتواصلون، وهذا منتهى العقلانية، ولكن -كما قلت- هم يحاولون أن يجدوا مخرجاً من خلال الحديث عن الهدنة والحديث عن وقف، ولأنهم لا يستطيعون أن يفرضوا منطق لينتهي الاحتلال أولاً، ثم تنتهي المقاومة، نحن صامدون، نحن واضحون، واضحون مع الجميع.. مع الدنيا كلها، نقول للجميع: نحن لا نمارس المقاومة لذات المقاومة، نحن المقاومة بالنسبة لنا وسيلة نحو هدف وهو رحيل الاحتلال، فإذا ما كان هناك أي وسيلة لرحيل الاحتلال بدون المقاومة، نحن نرحِّب بذلك.
أحمد منصور: هل الحوار الأوروبي معكم هدفه هو إبقاء قناة أوروبية مفتوحة مع حماس لمجرد أن تكون مفتوحة؟ أم أن هناك نقاط واضحة تتحدثون عنها بالنسبة لهذا الموضوع؟
خالد مشعل: لأ، هم يدركون إنه لا يمكن أن يكون هناك أي تحرُّك أو تطبيق لأي مبادرة أو مشروع على الأرض طالما هناك أطراف فلسطينية ترفض ذلك وعلى رأسها حركة حماس، وبالتالي لا يرون جدوى من أن يصنعوا مبادرات واتفاقات بينما الأطراف الفاعلة على الأرض تقول لا لذلك، ولديها القدرة على استمرار المقاومة، لذلك همَّ أتوا إلينا لأننا أصبحنا مفتاحاً مهماً، لسنا وحدنا طبعاً، نحن جزء من كل، نحن جزء من مسيرة النضال الفلسطيني ومعنا القوى المجاهدة الأخرى، نحن أصبحنا عاملاً مؤثراً، ولذلك نقول لإخواننا في السلطة وفي حركة فتح التي أيضاً لها أداءها وجهادها على الأرض، نقول للجميع: تعالوا نستثمر هذه الطاقة، نحن أصبحنا كفلسطينيين نتحكم في مفتاح اللعبة –إن صح التعبير- في المنطقة، رغم أن إسرائيل أقوى منا وأميركا أقوى منّا، لكن البعض –للأسف- يريد أن يُضيِّع كل هذه المنجزات والمكاسب للانتفاضة يضيِّعها من ناحية، وينقذ شارون من ناحية أخرى من خلال مبادرات مجانية كجنيف وغير جنيف.
مدى استعداد حماس لإقامة حوار مع واشنطن
أحمد منصور: هل لديكم استعداد للدخول في حوار مباشر مع الأميركان إذا طلب الأميركان ذلك؟
خالد مشعل: نحن باستثناء العدو الصهيوني المحتل؟ لأنه احتل أرضنا، ليس لدينا مانع في أي حوار مع الأميركان أو.. مع الأميركان أو غيرهم، ولكن على رؤيتنا وقاعدتنا السياسية الواضحة، ونحن –ولله الحمد- حركة لا تدَّعي مجرد ادعِّاء نحن نقول ونفعل، ونحن نقول ونلتزم، ونحن حركة كذلك لدينا تاريخ وسجل، اختُبرنا في محطات صعبة، ومُورست علينا ضغوط وتهديدات، وظلت يا أخي حماس، أخي أحمد ظلت حماس ملتزمة في مسيرتها الطويلة بثلاثية مهمة جداً في الأداء الفلسطيني، الثلاثية: الأولى فيها: هي الحقوق الفلسطينية لا تنازل ولا تفريط.
والثانية: هي المقاومة، حقنا في مقاومة الاحتلال والدفاع عن شعبنا.
والثالثة: هي الوحدة الوطنية، هذه ثلاثية مهمة بالنسبة لحماس محدِّد ومعيار وقاعدة أساسية تلتزم بها، سواء حاورت العرب، حاورت الأميركان، تحاورنا فلسطينياً أو سواء مارسنا في الميدان، نحن في جميع الصُّعد ملتزمون بهذه الثلاثية، لأننا أمناء أمام الله أولاً ثم أمام شعبنا وأمتنا.
أحمد منصور: هل تتوقعون اتصالاً من الأميركان في فترة قريبة لاسيَّما وأن الانتخابات الأميركية بعد عشرة أشهر، وربما تُسهمون بشكل آخر أو بآخر في إنقاذ الرئيس بوش؟
خالد مشعل: يعني لا يسعدنا أن ننقذ بوش، الذي أجرم بحق العراق وحق فلسطين وحق الأمة، ولكن لا يعنيني أن أتدخل في الشأن الأميركي ولا غير الأميركي، ولا ندخل في التوقعات، ولا ننتظر اتصالاً أو غير اتصال، نحن واضحون في مسارنا ومَنْ يريد أن يبادر فليبادر.
أحمد منصور: هل لديكم أجندة للحوار مع الأميركان أو الأوروبيين، أم أنهم هم الذين يفرضون الأجندة وأنتم تردُّون على ما لديهم؟
خالد مشعل: لأ، ليس لدينا أجندة، بمعنى لأنه لسنا الذين نبادر في الاتصال مع الأميركان أو الأوروبيين، الأوروبيين طبعاً كان لنا اتصالات متبادلة للأمانة والدقة، لكن أنا أقول لك لدينا رؤية واضحة أخي أحمد، لدينا رؤية واضحة، نحن عندما نلتقي..
أحمد منصور[مقاطعاً]: هل هي جامدة أم قابلة للحوار؟
خالد مشعل: لا.. لا.. لأ، رؤيتنا واضحة ومحددة: نحن ثابتون في المبادئ والكليات ومرنون في التفاصيل والتكتيك، لكن لا يمكن أن نخرج عن هذا المسار الذي قدمنا أنفسنا من خلاله لشعبنا وأمتنا، والذي اكتسبنا من خلاله مصداقية، يعني أنا مش ممكن أكسب رضا أميركا أو رضا العالم كله على حساب المقاومة، أو على حساب الحقوق الفلسطينية، أو على حساب الوحدة الوطنية الفلسطينية، أو على حساب انتمائي لأمتي، هذه مسائل.. أو على حساب حقوقنا طبعاً الواضحة القدس، الأرض، حق العودة، الإفراج عن الأسرى، هذه مسائل بالنسبة لنا ثابتة لا يمكن التفريط فيها.
أحمد منصور: وأنتم تستقبلون السنة السابعة عشرة لانطلاقة الانتفاضة، هل لديكم رؤى محددة وواضحة بالنسبة للمستقبل، أم أنكم تنتظرون ما تفرزه الأيام وتتحركون بنفس الرؤية التي بدأتم فيها.. بها من أول يوم؟
[فاصل إعلاني]
خسائر إسرائيل من الانتفاضة الثانية
أحمد منصور: كيف تنظرون للمستقبل بعد ستة عشر عاماً، وانتفاضتين؟ ومسيرة تسوية وأشياء كثيرة؟
خالد مشعل: نعم.. نعم، جيد، هو الحديث عن المستقبل لابد أن يسبقه تقييم وقراءة للموقف الراهن، يعني بعد ستة عشر عاماً، طبعاً نحن لا نختزل التاريخ الفلسطيني في.. في حماس أو في تاريخ حماس، ولكن نقول بعد ستة عشر عاماً لأنها –كما تفضلت- شملت انتفاضتين وشملت بينهما تجربة سياسية مريرة في التسوية، نقول: تعالوا نرى المحصلة اليوم، وهنا.. أنا أدرك طبعاً إنه اليوم الأمة كأمة مستضعفة، منقسمة، فيه تغوُّل أميركي، فيه احتلال طرأ جديد على العراق، لا شك هذه كلها عوامل سلبية، ولكن في المقابل تعالوا إلى طرفي الصراع أساساً الطرف الصهيوني والطرف الفلسطيني ومن خلفه الأمة، لأن هذا صراع الأمة وليس الصراع الفلسطيني مع الصهاينة، أما الطرف الصهيوني فتعالوا نرى ما هي حالته.. ما هي حالته بعد هذه السنوات من فعل الانتفاضة والمقاومة، أنا أتيت بمجموعة أرقام –أخي- وإحصائيات –أخي أحمد- حتى نختصر الوقت، وإن كانت هذه معلومة للناس، ولكن وكنت أتمنى أن..، يعني هنا في موضوع الهجرة الصهيونية المعاكسة، وهذه إحصائية بسيطة يمكن إذا قُرِّبت الكاميرا إليها تعكس -حقيقة- حجم التأثير، يعني لما نتكلم عن 40 ألف يهودي روسي عادوا إلى روسيا خلال السنتين الأخيرتين، فيه استطلاع للرأي 21% من الصهاينة يعني واحد من خمس صهاينة في فلسطين المحتلة يقول: كان سيغادر الكيان الصهيوني لو ضمن مكاناً آمناً وحياة كريمة في بلد آخر، 25% من اليهود الأميركان غادروا، في إحصائيات وزارة استيعاب المهاجرين الصهيونية 760 ألف إسرائيلي الآن يقيمون في الخارج، وهناك إحصائيات أخرى بمليون، وهكذا، اليهود الكنديين، تزايد المقبلين على السفارات الغربية للأخذ.. الجنسية، ومن الطريف إنه الهجرة ليست مقتصرة على الرعاع أو على الغلابة، إن كان فيهم غلابة الصهاينة، ولكن على أبناء وبنات أبرز قادة العدو، هذه قائمة من 8 حالات، مهم جداً أن يعلمها المشاهد الفلسطيني والعربي والمسلم.
أحمد منصور: (آرييل روني ميلو) ابن الوزير الحالي هاجر إلى الولايات المتحدة، (تالي بنيامين اليعازر) ابنة وزير الدفاع السابق للولايات المتحدة، (يوفال إسحق رابين) ابن رئيس الوزراء الأسبق إلى الولايات المتحدة، (أوريت) حفيدة مناحم بيجين، الولايات المتحدة، (ميكال يهود باراك) ابنة رئيس الوزراء السابق الولايات المتحدة، (إيجال موشي إرينز) ابن وزير الدفاع الأسبق الولايات المتحدة، (يوئيل حاييم هيرتزوج) ابن رئيس الكيان الصهيوني السابق سويسرا، (آلون) حفيد بن جوريون، سويسرا، منين المصدر دا؟
خالد مشعل: هذه كلها مصادر تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" هاي في فبراير/ شباط 2002، وبالتالي هذه من المصادر..
أحمد منصور[مقاطعاً]: دُول هاجروا هجرة نهائية..؟
خالد مشعل: نعم، هجرة نهائية يعيشون هناك، فتخيَّل، ولذلك هذا يؤكد ذلك فيه استطلاع للرأي قبل.. في.. جاء في رأس السنة العبرية، يعني قبل حوالي شهرين أو شهرين ونصف، 70% من الصهاينة في.. في عينة الاستطلاع يقولون: لا مستقبل آمن للجيل الشاب الإسرائيلي في الكيان الصهيوني.
أحمد منصور: هل المقاومة والانتفاضة وراء هذه..؟
خالد مشعل: بالتأكيد، أم هي (أوسلو) اللي جابت الكلام هذا؟ أوسلو أرجعتنا إلى الوراء وثبتت أركان الاحتلال وأعطته فسحة ليزداد استيطاناً وتوسُّعاً ومصادرة للأراضي، ثم إذا أتيت الآن.. أنت تعلم في.. في مؤتمر (هرتزليا) (آدي دختار) رئيس (الشاباك) انضم إلى.. إلى.. إلى مجموعة من اعترض على سياسة شارون أو مارس نقداً ذاتياً مثل..
أحمد منصور: ومع ذلك شارون شعبيته عالية في إسرائيل.
خالد مشعل: لا، لا انخفضت، هناك استطلاعات للرأي موجودة انخفضت، فيه استطلاعات وصلت إلى 33، وفيه بعضها إلى 54، تراجعت، لماذا؟ لأنه هذا الجنرال المتغطرس، الذي وضع الصهاينة ثقلهم خلفه، لعله يوقف المقاومة في مائة يوم مضى ألف يوم أو تسعمائة يوم، وهو عاجز عنها، ولذلك تراجع دوره، أنا أقول هذا دختار يقول: إنه نحن فشلنا.. إسرائيل فشلت في حماية شعبها وسكانها، وتكلم هو الذي..، قال: 901 قتيل إسرائيلي، ستة آلاف جريح كلها بفعل الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية، طبعاً بالمقابل هناك خسائر لنا، هناك ثلاثة آلاف شهيد، هناك أكثر من ستين ألف جريح، هناك كم ثمان آلاف أسير ومعتقل ربما انخفضوا إلى سبعة أو ستة آلاف، هناك حوالي 71 ألف بيت مهدوم، جزئي أو كلي في فلسطين.
أحمد منصور: على مدى 16 سنة هذه الإحصائية؟
خالد مشعل: لا.. لا هذه على مدار..
أحمد منصور: الانتفاضة الثانية، الثلاث سنوات..
خالد مشعل: نعم الانتفاضة الثانية.. الثلاث سنوات، 71 ألف بيت هُدموا جزئياً أو كليا، منه أربعة آلاف وأربعمائة منزل هُدِم كلياً، هناك 61 ألف دونم جرى تجريفه من المزروعات، هناك..
أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن الانتفاضة الأخيرة دي ليست انتفاضتكم وحدكم هذه..
خالد مشعل: بالتأكيد.
أحمد منصور: انتفاضة الشعب..
خالد مشعل: هذه انتفاضة شعبنا العظيم، شعبنا هو الأصل، والفصائل تأتي بعد هذا الشعب، لأنه الشعب هو الذي يحتضن المقاومة، أما.. تحدثت عن الخسائر الاقتصادية، 150 ألف مصلحة تجارية تم إغلاقها خلال الثلاث سنوات في فلسطين المحتلة، الـ 18% من الشركات أغلقت أبوابها، خسارة 8 ملايين سائح خلال الثلاث سنوات، خسارتهم تقريباً..
أحمد منصور: إسرائيل بتعوَّض كل حاجة.
خالد مشعل: لا تعوِّض، بالعكس الآن سبب الهجرة هو الوضع الاقتصادي..
أحمد منصور: قصدي أميركا تعوِّض يعني.
خالد مشعل: تعوضها أميركا، أميركا الآن في ورطة، وإسرائيل في ورطة والفضل لله -تعالى- ثم للمقاومة، ولصمود شعبنا وأمتنا..
أحمد منصور: الناس عايشة حالة منيلة –عفواً يعني- بالمصري يعني، والآن أنت بتقول لهم أميركا في ورطة وإسرائيل في ورطة!
خالد مشعل: يا أخي أحمد، شوف إذا نظرنا إلى المشاريع الكبيرة لا يجوز أن نغرق في بعض التفاصيل ونقيِّد أنفسنا، أو نحاسب المشاريع الكبيرة بميزان التفاصيل، أنا بدي أعطيك مثل: الأم وهي ترى ابنها يدرس في الجامعة لو رأت يعني سهره وتعبه ربما قالت له اخرج من الجامعة، لكنها لأنها تنظر للمستقبل، ليتعب ابنها، من طَلب العلا سهر الليالي، حتى يأتيها بعد ذلك مهندساً أو طبيباً، نحن كفلسطينيين وكعرب نعم نتعب ونشقى، وهناك شهداء وهناك جرحى وهناك أسرى، وهناك معاناة شديدة جداً، ولكنها تهون في سبيل الهدف الكبير،أن نعيش أعزة، محترمين كرماء، أن نستعيد أرضنا، الأمة في تاريخها لم تفرط في القدس..
أحمد منصور: يعني..
خالد مشعل: بعد مائتي سنة مع الصليبيين استعادت القدس، المشاريع الكبيرة لا يجوز أن تُحاسب وتُحاكم بمعايير المعاناة اللحظية، العبرة دائماً أن تسير نحو الهدف، لا أن تتراجع عن مبادئك الكبرى، لأنه البعض –عفواً- بيقول لك: يا أخي، وضعنا صعب، وإحنا الآن اخترنا برنامجاً أيسر لشعبنا الفلسطيني أفضل وأسهل.
أحمد منصور: بالضبط وهذه هو الواقع المفروض نحن نتعامل مع الواقع وأنتم تتعاملون مع الأوهام والأحلام.
خالد مشعل: هذه ليست واقعية، هذه انبطاح، هذا هو..، هذا استسلام، وثم يعني لا أريد أن.. أن أشنع بالاستسلام، لا، هو جُرِّب وفشل ولله الحمد، يا أخي أحمد، الأحرار يتعبون من أجل عزتهم وكرامتهم ومن أجل دينهم ومبادئهم وأرضهم، ونحن أمة حرة وأمة مؤمنة، ولا يمكن أن نفرِّط في حقوقنا ومقدساتنا..
أحمد منصور: كثيرون يقولون: لا أمل في هذا الجيل، وربما الأجيال القادمة تأتي فتفعل ونحن علينا أن نقبل بما هو مُعطى لنا، لأننا لا نملك القوة لتحقيق أكثر من ذلك.
خالد مشعل: لأ، شوف أخي أحمد، الأمل في الله –تعالى- أولاً، والأمل في هذا الجيل، لأنه هو الذي بدأ يضع البصمات وأيضاً التقدير للأجيال السابقة، لأنها بذرت هذه البذور الكريمة الأصيلة، فأينعت وأنبتت، والأجيال القادمة ستظفر بالنصر إن شاء الله، البعض يقول: إنه الآن ميزان القوى لا يسمح لنا، الضغوط هائلة، أنا أقول لك نحن في حماس تضررنا كثيراً من الضغوط الأميركية والصهيونية والضغوط وغيرها، تضررنا، تضررنا أمنياً، وتضررنا مالياً، وتضررنا إعلامياً، تضررنا كثيراً، والحصار في الداخل أضرَّ بشعبنا كله، ومع ذلك نقول: ميزة المقاومة الفلسطينية -أخي أحمد- في فلسطين أنها تنطلق من عوامل ذاتية، هي تجدد لها الطاقة باستمرار، مهما..نعم، الضغوط الخارجية عوامل مساعدة، سواء كانت سلباً أو إيجاباً، أما العوامل الذاتية.. هناك ثلاثة عوامل هي بذاتها ستضمن استمرار المقاومة مهما بلغت قسوة المواجهة والحصار.
عوامل استمرار المقاومة الفلسطينية
أحمد منصور: باختصار، ما هي؟
خالد مشعل: العامل الأول هو العنف الصهيوني، وجود الاحتلال وممارساته هي تصنع آلاف..، (موفاز) في آخر تصريحاته ربما يبالغ يقول: 50 ألف من حماس وفتح وبقية القوى في غزة مستعدون أو جاهزون لأشغال المقاومة والعمليات الاستشهادية.
العامل الثاني: هو أصالة الشعب، وسُنة التاريخ في الأمم، كل شعب تعرض للاحتلال جرت عليه سُنة الله إذا كان شعباً أصيلاً حراً وقاوم المحتلين، وانتصر عليهم في النهاية.
أحمد منصور: الثالث؟
خالد مشعل: العامل الثالث: هو الإيمان، نحن أمة مؤمنة، لنا يقين بالله تعالى، والإيمان يعطينا مدد ونصر، أنا قلتها مراراً، هذه الأم الفلسطينية أو الشيخ الفلسطيني –رغم شدة الحصار- ترى بيتها مُهدَّماً، ترى ابنها أسيراً أو جريحاً أو شهيداً، ومع ذلك.. تسمعونه باستمرار، ماذا تقول؟ اللي من الله مليح، يعني اللي من الله –تعالى- جيد، وهذا لعلها ترجمة بسيطة وعفوية لما.. لقولة الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي"، نحن أمة.. ولذلك سنهزم إسرائيل، وسنجبر العالم أن يحترم الحق الفلسطيني إن شاء الله.
أحمد منصور: اسمح لي بعض المداخلات ولسه، لم تحدثنا عن المستقبل، دكتور أسامة عبد الرؤوف من الإمارات. تفضل يا دكتور.
د. أسامة عبد الرؤوف: تأخرت عليَّ يا أخ أحمد أنت.
أحمد منصور: أنا آسف يا سيدي، ابعت لي الفاتورة أبعت لك.. إن شاء الله.
د. أسامة عبد الرؤوف: الحاضرين، علشان نكثف الحديث، وما أستغرقش أنا كلام، السلام عليكم يا أستاذ خالد.
خالد مشعل: عليكم السلام ورحمة الله.
د. أسامة عبد الرؤوف: لن أتحدث عن شرعية الجهاد..
أحمد منصور: ممكن تخفض صوت التليفزيون يا دكتور أسامة؟
د. أسامة عبد الرؤوف: خالص، دا أنا بأسمعك بقى لي نص ساعة في التليفون والله.
أحمد منصور: طب، كويس، تفضل.
د. أسامة عبد الرؤوف: لن أتحدث عن شرعية الجهاد ضد اليهود وإمكانية النصر، بل والثقة من النصر على اليهود، هذه مسألة شرعية يعني انتهى المسلمون منها.
أحمد منصور: لو ترفعون الصوت في الأستوديو يا شباب.
د. أسامة عبد الرؤوف: آلو..
أحمد منصور: نسمعك، تفضل.
د. أسامة عبد الرؤوف: هذه مسألة شرعية انتهينا منها، إن فرضية الجهاد ضد اليهود وحتمية النصر على اليهود، هذه انتهينا منها، إنما السؤال الذي أحب أن أُكثفه على مدار التاريخ، وبالنظرة إلى ما يكتنف حماس من مصاعب، هل يرى الأستاذ خالد أن حال الأمة العربية والضغوط الممارسة بصراحة وبدون الدخول في.. في مسائل يعني لا يمكن التطرق إليها يعني، أن حال الأمة العربية مع هذه الأنظمة وعلى مدار التاريخ، من ثورة القسَّام ومن قبل ثورة القسام، و.. التقسيم الذي حدث أولاً في فلسطين، وأن السبب في كل هذه النكسات كانت هي الأنظمة التي لم تصارح شعوبها بمدى قوة اليهود وتنظيمهم ومدى ضعف الأمة العربية والإسلامية، فقتال اليهود نحن يعني قادرين عليه إن شاء الله رب العالمين، وإنما هل تستطيع أي حركة، سواء إسلامية أو غير إسلامية، أن تقوم بمحاربة عدو خارجي والعدو الداخلي ينهش في أعضائها جميعاً؟ هذا.. هذا التكثيف الأول أو السؤال الأول.
النظرة الثانية: في إن الأستاذ خالد بيعتبر إن ما حدث في العراق أو ما يحدث الآن مقاومة، لن أتحدث كثيراً في الاحتلال الأميركي، ولأن هي أميركا نفسها بتقول إن هو احتلال، إنما هل هو يرى أن ما أصاب الشعب العراقي على يد صدام..
أحمد منصور: أرجو.. صوت السماعة في الأستوديو أرجو يا شباب أن ترفعوه؟
د. أسامة عبد الرؤوف: آلو.. آلو..
أحمد منصور: تفضل نسمعك يا سيدي، تفضل.
د. أسامة عبد الرؤوف: هل يرى الأستاذ خالد –من منطلق إسلامي- أن ما حدث للشعب العراقي على يد صدام حسين وعلى أمثاله من الأنظمة يقارن من تدمير وإهلاك للشخصية، وابتعاد عن الإسلام، وتدمير للكرامة، وتقسيم للشعب ووضعه في إناء يغلي بدعوى التوحيد ما بين الشيعة والسُنة، وكل هذه المظالم التي يندي لها الجبين، هل يعتقد أن هذه الأمة أو أمة بهذا الشكل قادرة على إحراز أي نصر على أي عدو؟ واعتبار المقاومة في العراق مقاومة للمحتلين، لا نرى إنها مقاومة للمحتلين حقيقة يعني، نرى أنها قتل للعراقيين فقط، بغض النظر عن كونه احتلال أو غير احتلال، هي أميركا نفسها معترفة إنه احتلال، فإذن أنا عندي هذين السؤالين..
أحمد منصور: شكراً لك يا دكتور..
خالد مشعل: ماشي.. ماشي.
أحمد منصور: شكراً لك، دكتور أحمد بن راشد من السعودية، تفضل يا دكتور..
د. أحمد بن راشد: السلام عليكم.
أحمد منصور: وعليكم السلام ورحمة الله.
خالد مشعل: وعليكم السلام.
د. أحمد بن راشد: أستاذ أحمد لن أطيل عليك، فقط أعطني فرصة لأعبر عن بعض النقاط الأساسية إذا تكرمت.
أحمد منصور: تفضل يا سيدي.
د. أحمد بن راشد: سأقول كلاماً ربما اعتبره بعض المستمعين خارج نطاق الواقعية، أو مُحلق يعني أكثر في الخيال قليلاً، لكنني أقول: إن الممارسات الأميركية والإسرائيلية في منطقتنا نابعة من اعتقاد راسخ وإيمان عميق بأن السلام غير ممكن مع العرب، وأن إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه هو ضرب من الانتحار لإسرائيل، ثم إن الأيديولوجية الصهيونية والمسيحية البروتستانتية الأميركية المتحالفة معها تؤمن بحتمية الصراع مع العرب، وهي التي ترسم هذه المواقف العدوانية ضدنا، وأذكر أن المتطرف اليهودي (مائير كهانا) ذكر في كتاب عبارة عن مقابلات عنوانه "آيات الله للإسرائيليون" (Israel of Ayat Alla) أنه لا سلام مع العرب لسبب بسيط، وهو أن العرب يعتقدون أننا لصوص، ويقول كهانا مضيفاً: وأنا أفهم لماذا يقول العرب إننا لصوص، ما يجري على الساحة الآن مرُّده -في نظري- هو الفهم الخاطئ والكارثي لطبيعة المعركة ولطبيعة المشروع الصهيوني، لا يزال العرب –للأسف- حتى الآن، يسيئون طبيعة المشروع الصهيوني، المراهنون على ما يوصف بالشرعية الدولية والضمير العالمي والحل السلمي، يراهنون على وهم كبير، فالمطلوب أن نكف عن المزيد من الوهن، عن المزيد من التهالك على أعتاب السياسة الأميركية والإسرائيلية، المطلوب إيقاف مسلسل التنازلات، إيقاف ظاهرة التخلي عن أسلحتنا التي اشتُريت وطُوِّرت من أقوات الشعوب، إذا أردنا إنقاذ أنفسنا من الذوبان والضياع والهزيمة فيجب إعادة الاعتبار لخطاب المقاومة والجهاد، ووضع فلسطين مرة أخرى في الصدارة، يجب تعريف الصراع لأجيالنا، الصراع في فلسطين هو صراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الحضارة والهمجية، بين الإنسانية والوحشية.
أخيراً: يجب أن نوقف مسلسل الدفاع عن الذات عندما نتباكى على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ونُخلِّد ونُسرِّد هذه الأحداث كأنه لم يحدث.. لم تحدث كارثة في العالم سوى هذه الأحداث، لنقل بوضوح: إن.. إن.. إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تحدث كل يوم في رفح، وإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تحدث كل يوم في جنين، وأن مئات المنازل تُدمَّر بعضها على رؤوس أصحابها، لنقل: إن هذا هو الإرهاب وأن هو الإرهاب الحقيقي، نقول لأميركا ولبريطانيا وللغرب: تعالوا إلى كلمة سواء، تعالوا نحدِّد ما هو الإرهاب، إذا اتفقنا أن ما يعمله شارون وما يعمله الإسرائيليون في فلسطين هو إرهاب، إذن سنقول: إن ما حدث عندكم من عدوان هو إرهاب، يجب أن.. يجب أن نتعامل..
أحمد منصور [مقاطعاً]: شكراً لك يا دكتور، شكراً جزيلاً. دكتور محمد ضاهر من باريس، تفضل.
د.محمد ضاهر: آلو، السلام عليكم.
أحمد منصور: عليكم السلام ورحمة الله.
د.محمد ضاهر: تحية للمناضل خالد مشعل.
خالد مشعل: تسلم، شكراً.
د.محمد ضاهر: نعم، سؤالي كالتالي: المعروف إنه شعبية إسرائيل في أوروبا شعبية متدهورة جداً، ولكن هذا -في الحقيقة- لم يُسعد حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، سمعتهم أيضاً في أوروبا غير جيدة، فهل من المعقول أن يصرِّح لنا السيد خالد مشعل الآن بأن يُحيِّد المدنيين، لأنه قتل المدنيين ليس حقيقة من سمة الإسلام، والمعروف أن عملية حيفا راح فيها عرب، يعني حتى عرب قُتل فيها، وأخي الكريم أنا أعطيك مثالاً: (يونيل جوسبان) عندما قال إن حزب الله إرهابي حتى مسؤولين فرنسيين كانوا ضده، لأنه حزب الله قد حيَّد المدنيين. فهذا السؤال الأول.
سؤال ثاني بسرعة إذا ممكن: بيقول لي ما هو.. لماذا دور مصر.. لتأخذ دور مصر هذا الدور الكبير، هل لأن لها علاقة مع الفلسطينيين ومع إسرائيل بآن واحد أم هناك شيء آخر وشكراً.
أحمد منصور: مصر كبيرة يا سيدي، مصر كبيرة تأخذ دوراً كبيراً على قدرها، تفضل، ليس لأني مصري يعني، ولكن هذه حقيقة يعني.
خالد مشعل: نبدأ من فين؟ طيب، أنا أتحدث يعني.
أحمد منصور [مقاطعاً]: خلينا نبدأ من النهاية تحييد المدنيين.
خالد مشعل: يعني الموضوع يطول شرحه، ولكن باختصار شديد، حالتنا ليست حرب على خطوط إطلاق نار بين دولتين متجاورتين محصورة بين جيشين، فلسطين تعرضت لغزو ولهجرة ولاحتلال، هؤلاء كل من يقيم على أرض فلسطين غزاة، ويشاركون في الجريمة، وأخذوا بيتي وأرضي، وهذا ينطبق على جميع الفلسطينيين، وبالتالي هؤلاء ليسوا يعني لا نستطيع أن نُطلق عليهم صفة المدنيين على إطلاقها، ومع ذلك.. ومع ذلك ورغم إنه كثير منهم مسلَّحون ومستوطنون، وتحت الخدمة.. الذين تحت الخدمة العسكرية ثلاثة أضعاف الجيش الصهيوني، ومع كل ذلك نقول: لقد عرضت حماس تحييد المدنيين منذ عشر سنوات يا أخي أحمد، أو إن.. يعني من 8 سنوات للدقة، عرضنا تحييد المدنيين أكثر من مرة ولكن العدو رفض، فماذا يريد العالم مني؟ يريد أن يكون الدم الفلسطيني مُتاحاً ومسفوحاً ومسموحاً سفكه من الصهاينة ولا نرد؟ ولذلك ربنا قال سبحانه وتعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)، ونحن في القاهرة قلنا لنحيد المدنيين وموضوع المدنيين موضوع كبير، ومع ذلك لا أميركا تقبلته ولا الصهاينة تقبلوه، وبالتالي هذا موقفنا وسياستنا، بالمناسبة تاريخياً -أخي أحمد- العمليات ضد المدنيين لم تبدأ من الفصائل الفلسطينية ومن حماس إلا بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 94، قبلها كان التركيز على الجنود والمستوطنين، بعدها أصبح هناك رد بالمثل، هذا حقنا الطبيعي، أما فيما يتعلق بـ..
أحمد منصور: شعبيتكم في أوروبا ليست.. ليست يعني أقل سوءاً من إسرائيل.
خالد مشعل: هذا لا يضيرنا، هذا قلت جزء من النفاق الغربي مع أميركا وإسرائيل، ولكن في النهاية هم يدركون أننا أصحاب حق، وصامدون ولا نبالي بقصة الـ..
أحمد منصور [مقاطعاً]: قل لي فيه نقطة مهمة قبل أن ينتهي البرنامج، إسرائيل منذ الاحتلال تسعى لضرب المقاومة، أنت تعرضت لعملية قتل بالسم ونجوت منها، الشيخ أحمد ياسين ضُرب بطائرات F16 وطلع من البيت بشكل..، وغيره من قيادات المقاومة، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وغيره، فيه سر في نجاة معظم قادة المقاومة أو قادة حماس من عمليات القتل الإسرائيلي، رغم استخدام أعنف وسائل القتل معهم؟
خالد مشعل: يعني هنا ملاحظتان، الملاحظة الأولى: الفضل في النجاة لله تعالى، (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً) ولذلك هذا الحمد لله.. يمنحنا الشجاعة والإقدام ولا نبالي، لأن كل واحد عمره مُقدَّر، ولذلك لا نخشى بل نُقبل على الموت في سبيل الله.
الأمر الثاني: إنه هذا يدل على أن إسرائيل ليست سوبر، ليست قادرة أن تفعل كل شيء، هي نجحت في حالات، اغتالت قادة لنا مثل: جمال سليم، جمال منصور، إسماعيل أبو شنب، صلاح شحادة، إبراهيم المقادمة، فتحي الشقاقي –الله يرحمه- أبو على مصطفى، وآخرين من القيادات لكل الفصائل، ولكنها فشلت في حالات، فشلت مع الشيخ أحمد ياسين، ومع إسماعيل هنية، الدكتور الزهار، الدكتور الرنتيسي، فشلت وستفشل، هذا شيء طبيعي ولذلك هذا.. المعركة سجال بيننا وبينهم، هنا أخي أحمد بس أحب..
أحمد منصور [مقاطعاً]: صحيح فيه شيخ سره باتع عامل لكم أحجبة كما يقول المصريون؟! وإسرائيل تبحث عنه فعلاً الآن لمحاولة الوصول له أو سر هذه الأحجبة؟!
خالد مشعل: يتفضلوا يستوردوه ويشوفوا الأحجبة ماذا تغني عنهم من الموت أو من الله شيئاً، بس أنا أحب أعلق على نقطة أثارها الأخ..
أحمد منصور: باقي 50 ثانية، تفضل.
خالد مشعل: 50 ثانية، على قصة صدام والعراق، نحن في حماس وكل الأحرار في العالم لا يقرون الاستبداد من أي حاكم كان عربياً أو فلسطينيا أو مسلماً، ولكن هذه قصة، وأن نقبل بالاحتلال الأجنبي سواء كان أميركياً أو صهيونياً قصة أخرى، نحن تعرضنا في الساحة الفلسطينية لظلم واستبداد، ومع ذلك صفحنا من أجل المعركة الموَّحدة مع العدو الصهيوني، وإشارة سريعة في موضوع الأسرى، الأسرى -يا أخي أحمد- لهم حق كبير على شعبنا وأمتنا وعلى الفصائل وهؤلاء سيبقون في ضميرنا. ثم أختم حديثي.
أحمد منصور: هل حزب الله سيُخرج أسرى فلسطينيين في عملية التفاوض؟
خالد مشعل: إن شاء الله يتمكَّن، ولكن تعثَّرت بسبب التعنُّت الصهيوني، وأختم أخي أحمد إذا سمحت لي: إن شعباً لديه صمود أسطوري في جنين وفي رفح وفي كل أماكن فلسطين شعب لن يُهزم، 50 مقاتل فلسطيني في جنين ركَّعوا العدو، ومنهم عمالقة أبطال: محمود أبو حلوة ومحمود طوالبة وأبو جندل، أبطالنا في رفح اليوم هذه البوابة الجنوبية لفلسطين، من.. هناك كثرة في اجتياحها ومع ذلك صامدة بأبطالها العظام مثل: طارق أبو الحسين وغيره من إخواننا الشهداء، نحن واثقون من النصر إن شاء الله.
أحمد منصور: بقي المستقبل.. بقي المستقبل لم نتحدث عنه.
خالد مشعل: المستقبل.. المستقبل للمقاومة ومن يقرأ الحاضر يعلم أن المستقبل لنا، وإسرائيل إلى زوال، وكل احتلال إلى زوال، لأنه فلسطين لابد أن تظل عربية مسلمة، ولكن بيد المقاومة وليس بيد التفريط أو المبادرات السياسية.
أحمد منصور: أشكرك شكراً جزيلاً، كما أشكركم –مشاهدينا الكرام- على حسن متابعتكم، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.