بلا حدود

مستقبل الهوية والشخصية العربية في ظل الضغوط الأميركية

دور الأنظمة السياسية العربية وتأثيرها في هوية الأمة وبناء الإنسان العربي وتكوينه، التأثير السلبي لوسائل الإعلام والتعليم والثقافة والفنون وغياب دور الأم والأسرة في إعداد الأجيال القادمة.

مقدم الحلقة:

أحمد منصـور

ضيف الحلقة:

د. هاني السبكي: عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية واستشاري الطب النفسي

تاريخ الحلقة:

08/10/2003

– المقصود بمفهوم الهوية ومفهوم الشخصية
– أثر الدعوات الأميركية على الشخصية والهوية العربية

– أثر غياب دور الأسرة على شخصية الأبناء

– أثر الخلافات الزوجية على تكوين شخصية الأبناء

– تأثير مناهج التعليم على هوية الإنسان العربي

– الفنون وتأثيرها في تكوين الشخصية والهوية العربية

– أثر غياب دور علماء الدين في تكوين وتوجيه المجتمع

– الاستبداد السياسي وتأثيره في بناء نفسية وهوية الشعوب العربية

– كيفية الحفاظ على هوية الأجيال العربية

undefinedأحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على الهواء مباشرة من القاهرة، وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (بلا حدود).

تتعرض الهوية والشخصية العربية لعملية تذويب خطيرة ربما كانت سرية من قبل، لكنها الآن تتم بشكل علني منظم ومباشر تقوده الولايات المتحدة الأميركية، حيث أعلنت (إلينا رومانسكي) المسؤولة عن مبادرة المشاركة الأميركية الشرق أوسطية في وزارة الخارجية الأميركية في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي أن الإدارة الأميركية تسعى إلى تغيير المناهج التعليمية في الدول العربية بما يؤدي إلى التخلص من الحقد والتحريض على الكراهية والعنف في المنطقة، ذلك أن الأجيال القادمة ليست بحاجة إلى مزيد من العنف -على حد قولها- وإن ما تسعى له الولايات المتحدة من تغيير المناهج التعليمية هو تكريس التسامح والإخاء بين الشعوب.

وقبل هذا أكد مسؤولون أميركيون كثيرون على رأسهم الرئيس الأميركي (بوش)، ووزير الخارجية (باول)، ومستشارة الأمن القومي (كونداليزا رايس)، وعشرات آخرون من المسؤولين على هذا الأمر.

والأمر لا يتوقف عند مناهج التعليم فحسب، فهناك عشرات القنوات التليفزيونية العربية، ومنها قنوات تعمل على مدار الساعة تبث الأفلام والقيم والثقافة والعادات الأميركية مع تغييب متعمَّد للهوية والثقافة العربية، بل وتدمير لها واضح مساهمة من حكومات المنطقة وغياب لدور الأسرة والأم والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية.

فما هو التأثير النفسي على بناء الفرد العربي وهويته وتكوينه؟

وهل الأجيال القادمة من أبنائنا سيكونون عرباً يحملون موروثات أمتهم وتاريخها وحضارتها ولغتها، أم سيتحولون إلى شيء آخر، أم تحولوا بالفعل؟

وما الذي يمكن أن يؤول إليه وضعنا إذا استمر عليه هذا الحال عقداً أو عقدين من الزمان؟

وما هو المخرج وما هو الحل لإنقاذ الأمة وإنقاذ الأجيال من تلك المخططات المدمرة والتي أصبحنا جميعاً شركاء فيها حتى بصمتنا عليها؟

تساؤلات عديدة حول هذا الموضوع أطرحها في حلقة اليوم على أحد خبراء الصحة النفسية العالميين وهو الدكتور هاني السبكي (عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية واستشاري الطب النفسي).

وللمشاهدين الراغبين في المشاركة يمكنهم الكتابة إلينا عبر موقعنا على شبكة الإنترنت: www.aljazeera.net

أو الاتصال عبر الهاتف: 009744888873

ربما سيظهر على الشاشة في.. من الدوحة، أما الفاكس هنا أيضاً في القاهرة: 0020284400484

فسوف يظهر على الشاشة تباعاً مع الرقم الآخر، دكتور مرحباً بيك.

د.هاني السبكي: أهلاً وسهلاً.

المقصود بمفهوم الهوية ومفهوم الشخصية

أحمد منصور: بداية ما هو مفهوم الهوية؟ ما هو مفهوم الشخصية؟

د.هاني السبكي: نتكلم عن الشخصية، الشخصية هي النمط السلوكي للإنسان الذي يعبر من خلاله عن اتجاهاته الفكرية والعقائدية والتاريخية.

الهوية هي ما تحمل من طيات في خلال هذه الكلمات تحمل التاريخ والمعتقدات، والظروف البيئية، والظروف المناخية، والظروف الأسرية، كل المتوارثات التي ورثتها من خلال حياتي ومن خلال تعاقب الأجيال، تعاقب أجيال قديمة تتجمع في خلالي من خلال النمط السلوكي اللي هو بيظهر في شكل الشخصية.

أحمد منصور: أيه العوامل والإفرازات التي تؤدي إلى تشكيل الهوية والشخصية.
د.هاني السبكي: الشخصية العوامل في تكوينها ثابتة في جميع أنحاء العالم، فهي ثابتة بالنسبة للإنسان، وهي مراحل تطور الإنسان منذ ولادته.. منذ الساعة الأولى من ولادته حتى منتهى عمره، يمر بظروف كثيرة جداً بدءاً من فترة الحمل ثم فترة الولادة وما يعقبها من تأثيرات من الأم والأب والمجتمع المحيط من لغة ومن مسمع.. مسامع يسمعها ومن أساليب يراها، يكتسب كل هذا في مخزونه، ويحتفظ به كل مرحلة يستوعب فيها ما يستطيع أن يدركه العقل المناسب لهذا السن، ينتقل من مرحلة إلى مرحلة إلى أن تظهر هذه المراحل في جُمَّاع متكامل عند سن الـ18، سن الـ18 هو دا السن اللي إحنا بنحكم عليه تقريباً سن تكامل تكوين الشخصية.

أحمد منصور: تتكامل في سن يعني 18.

د.هاني السبكي: الثامنة عشر.

أحمد منصور: وبالتالي كل المؤثرات من الولادة وحتى سن الـ18 تلعب دوراً في تشكيل وبناء ومحورة الشخصية.

د.هاني السبكي: بالضبط، لأن هي..

أحمد منصور: وكذلك الهوية.

د.هاني السبكي: وكذلك، يحيط بهذه.. هذه هي المؤثرات الثابتة في العالم، الأسرة الإنجليزية تتولى ابنها بالتربية عبر مراحل معينة والأسرة المصرية كذلك وهي..

[فاصل إعلاني]

أثر الدعوات الأميركية على الشخصية والهوية العربية

أحمد منصور: كونداليزا رايس في 9 أغسطس الماضي نُشر لها مقال ترجمته "الشرق الأوسط" عن "الواشنطن بوست" عن تحويل ملامح الشرق الأوسط، (وليام بيرنز) مساعد وزير الخارجية الأميركي، ألقى خطاباً في مؤتمر عُقد في واشنطن من 16 لـ18 مايو الماضي حول ضرورة التغيير في الشرق الأوسط، (ريتشارد هاس) مدير تخطيط السياسة في وزارة الخارجية الأميركية، إعادة تشكيل الشرق الأوسط، هذه (اليزابيث تشيني) ابنة (ديك تشيني) والمسؤولة أيضاً عن التغيير في الشرق الأوسط.

باول نفسه يدعو إلى إصلاحات في الشرق الأوسط يجب أن تؤدي إلى تحول مخطط لإدارة بوش من أربع أضلاع للتغيير في المنطقة نشره (بروبن وايت) في.. في "لوس أنجلوس تايمز"، (توماس فريدمان) أيضاً الكاتب المعروف المهتم بالمنطقة كتب عدة مقالات حول هذا الموضوع، إدارة بوش تعلن أن الديمقراطية في الشرق الأوسط هي المهمة الأخلاقية لها في هذا العصر، وأخيراً توَّجت (إلينا رومانسكي) المسؤولة عن تنفيذ مبادرة الشراكة الديمقراطية، الموضوع عندما تناولت أنا في المقدمة عن أن المدخل إلى تغيير مناهج التعليم هو المدخل لتغيير الشرق الأوسط والقيام بهذه المهمة النبيلة التي عجزت حكوماتنا العربية على مدى العقود القادمة عن القيام بها، ماذا يعني ذلك بالنسبة للهوية والشخصية العربية؟

د.هاني السبكي: هو الهوية لا يمكن أن تتكون إلا من خلال ذاتها من خلال البيئة الطبيعية لصاحب هذه الشخصية، دخول أي عناصر خارجية لتغيير هذه الشخصية لن يتم، ولكن يمكن أن ينجح في تشويش الشخصية، لا أستطيع إطلاقاً أن أُصدِّق أن كل هؤلاء يدعون إلى تعديل الشخصية العربية، هذه ادِّعاءات، أو تغيير المناهج، أو وضع الديمقراطية من أجل رفعة شأن هذه المنطقة.

أحمد منصور: هم قالوا هذا صراحة.

د.هاني السبكي: قالوه صراحة.

أحمد منصور: وقالت إن الإنسان العربي الآن ليس بحاجة إلى العنف، يعني وصفت الداء من عندها والدواء وبتدي جرعات.

د.هاني السبكي: بالضبط كده.

أحمد منصور: والحكومات ما عندهاش مانع، بغض النظر مش هأدخلك في السياسة.

د.هاني السبكي: طيب.

أحمد منصور: أنا عايز أناقش الانعكاسات على النفسية والبناء، الآن الإنسان العربي قنوات تليفزيونية بأموال عربية تصب عليه بالليل والنهار الثقافة الأميركية، فيديو كليب بالليل والنهار يبث عليه أشياء جنسية فاضحة وغرائزية، مناهج تعليم سيتم تغييرها، كيف يستطيع الإنسان أن يحافظ على هويته، على ثقافته، على شخصيته في ظل هذا التأثير اللي من كل مكان محيط به؟

د.هاني السبكي: هو هذه المؤثرات اللي حضرتك تحدثت عنها سواء وسائل الفيديو كليب أو أفلام أو جنس أو ما شابه، دخل بعنف شديد جداً عبر وسائل التكنولوجي الحديثة، ودخل وكأن البيئة مهيأة لدخوله، يعني كان فيه مرحلة قبل كده هيأت لدخول هذه المرحلة، هذه المرحلة ساعد فيها الطرفين، الطرف الغربي الدخيل ونحن أنفسنا ساعدنا في هذا، ساعدنا في هذا بإهمال مسألة بناء الشخصية العربية أو حتى المحافظة على ما كان موجود.

أحمد منصور: هل ظهر آثار سلبية لهذا الموضوع؟

د.هاني السبكي: طبعاً.

أحمد منصور: من خلال معايشتك أنت للحالات، أنت مرضاك ليسوا مصريين فقط، ولكن من أنحاء العالم العربي.

د.هاني السبكي: نعم.. نعم.

أحمد منصور: فبالتالي ما هو تأثير هذا على العينات على الأقل التي عايشتها؟

د.هاني السبكي: أستطيع أن أذكر لك أن كنا في الماضي نرى مرضى مصنَّفين كمرضى، النسبة بتاعة المرضى في العمل الإكلينيكي أصبحت تقريباً 50% بالنسبة لأصحاب المشاكل الشخصية أو الإعوجاجات الشخصية، أو المشاكل الزوجية، أو الانهيارات النفسية ليست بسبب أمراض، ولكن بسبب تداعي بناء الشخصية أصبح هناك حالة من التوهان عند هؤلاء جميعاً يأتون إلى العيادات وكأنهم يبحثون عن حل وهمي، يبحثون عن حل لإنقاذ ما بذاتهم، لا يستطيعون أن يشكوا ولا يعرف لماذا يشكو؟ وبأي شيء يشكو؟ ولكنه يأتي حاسس بنوع من البعزقة يعني مش راضي..

أحمد منصور: ممكن تضرب لنا نماذج؟

د.هاني السبكي: أنا هأضرب لك مثل صغير جداً لسه كان قريب جداً، جاء لي طفل عنده 12 سنة، وواحدة جايه معاه أنا تصورت إنها أمه، فلما بأستطلع عن تاريخ الطفل منها فلقيتها مش عارفة حاجة، قلت لها: إزاي؟ فقالت لي: أصل أنا مش أمه، أنا جارته، بأقول لها وأمه فين؟ قالت لي: أمه بتغيب بالثلاث أيام، لأن عملها بيستدعي أن تسافر خارج البلاد وتأتي، وأبوه رجل أعمال يسافر أيضاً إلى بلاد كثيرة، وأنا رحمة بالأطفال بأرعاهم إلى أن تأتي أمه وتأتي أبوه، هذا الطفل كان يشكو من حركات عصبية وبحاجات غريبة جداً عرضته على طبيب الأعصاب فنفى أن به عيب، وقال لها: دي حالة نفسية، فبسؤال بسيط لقيت إن هذا الطفل بيسهر أمام التليفزيون حتى السابعة صباحاً، ثم يغلبه النوم فينام إلى الظهيرة.

أحمد منصور: والمدرسة.

د.هاني السبكي: دا في الإجازة.

أحمد منصور: آه.

د.هاني السبكي: آه، أما المدرسة فحدِّث ولا حرج، أكيد بيبقى فيه غياب وبيبقى فيه تدهور تعليمي، وهذا الطفل مشتت الذهن ضعيف البنية، لأنه في سن الـ12 سنة رأى وسمع ما لا تحتمله عقليته ولا إدراكاته، فوصل إلى هذه الحالة من الضياع، وأتت به الجارة وليست الأم.

أحمد منصور: نسب هذا أيه يا دكتور في المجتمع الآن؟

د.هاني السبكي: ما أقدرش أدي لك نسبة محددة..

أحمد منصور: ما بأقولش المجتمع المصري، ولكن المجتمعات العربية، لأنه الصورة دي هتلاقيها في كل بيت في كل دولة عربية.

د.هاني السبكي: الحقيقة أنا بألاقيها في..

أحمد منصور: أو في نسبة من البيوت..

د.هاني السبكي: دا صحيح.. دا صحيح و.. وبيأتي لي ناس من كل حتة بأجد إن هذه نسبة لا.. لم أستطع حتى الآن أن أحصيها أو أعمل لها دراسة إحصائية.. إحصائية، ولكن الواضح أنها بدأت تزيد، وبدأ.. بدأت أرى أن هناك مشاكل من نوع جديد يمكنني أن أقول لك لم.. لم تصنف في الكتب التي قرأناها.

أحمد منصور: يعني معنى كده إن دور الأسرة غائب.

د.هاني السبكي: دور الأسرة غائب، دور المجتمع غائب للأسف الشديد.

أثر غياب دور الأسرة على شخصية الأبناء

أحمد منصور: طيب لو جينا للأسرة تقييمك أيه لدور الأسرة ودور الرجل تحديداً في عملية بناء الشخصية بالنسبة لأبنائه؟

د.هاني السبكي: نعم، هو دور الرجل ودور المرأة الحقيقة الاثنين تاهوا، يعني أصبح..

أحمد منصور: كيف؟

د.هاني السبكي: كيف؟ لأن أصبح فيه اختلاط في الأدوار لم يعد لا الزوج ولا الزوجة يعلم ما هو واجبه وما هو دوره، كلٌّ يرمي دوره على الآخر بحجة السعي وراء كسب العيش أو العمل أو ما شابه، والحقيقة أن عدد كبير منهم لا يكسب عيش ولا يجتهد هو عايش، يمكن يكون عايش على حساب الزوجة، وهنا بألاقي الزوجة مسكينة مضطرة تعمل لأن زوجها لا يعمل، كسلان أو مالوش مزاج أو أي حاجة من هذا القبيل.

أحمد منصور: حالات بهذا الشكل..

د.هاني السبكي: كثير، أصبح نخوة الرجل في أن يعمل ويكد ويشعر أنه هو صاحب هذه الإمرة أو القوامة تداعت تماماً، ومراته بتشتغل.

أحمد منصور: معنى كده إن القيم الأساسية والمواصفات الأساسية في الشخصية أيضاً بدأت تتغيب..

د.هاني السبكي: نعم بدأت تتداعى..

أحمد منصور: النخوة، الرجولة، المروءة، الشهامة.

د.هاني السبكي: المسؤولية.

أحمد منصور: المسؤولية.

د.هاني السبكي: المسؤولية تجاه أولاده حتى أو تجاه زوجته، غير موجود.

أحمد منصور: يعني هنا بأشتغل زوج بس.

د.هاني السبكي: بأشتغل زوج، بالضبط كده، وهي خلاص قبلت به زوج بس، لأن ما عندهاش حل ثاني، وإذا سألتها تقول لك: أين سأجد الزوج الكريم المعطي.

أحمد منصور: طيب الخلل هنا.. خلل القوامة، لأن قوامة الرجل بما ينفق يعني.

د.هاني السبكي: بالضبط.

أحمد منصور: فلم يعد الرجل ينفق..

د.هاني السبكي: فتحولت إلى رجل وامرأة.

أحمد منصور: أيه الخلل اللي بيحدث هنا على الأبناء اللي هم مقصدنا الأساسي في بناء الشخصية؟

د.هاني السبكي: الخلل اللي بيحصل على الأبناء في مرحلة معينة للأطفال هي مرحلة إدراك النموذج أو المثل الأعلى، تبدأ في سن الثالثة من العمر، هذه المرحلة، يكتشف الأمور كلها، يكتشف الجماد، ويكتشف الماديات، ويكتشف المعنويات، وينادونه باسم محمد، وينادون أباه باسم مثلاً أحمد، وأمه باسم سلوى، فيدرك أنهم يقولون له: تعالَ.. وتعالَ، وقت اللي بيقولوا لأمه تعالي وخذي، هناك فرق في الضمير، إذن أنا مختلف عن أمي، وأنا أنتمي إلى هذا الرجل، هذا الرجل كبير في الحجم وطويل وله قدرات عضلية، ويقوم بأشياء لا أستطيع أن أقوم بها، ويشاركني في أمي أيضاً هذه الأم المفيدة جداً ليَّ، إذن متى سأكون مثل هذا الرجل؟ أتطلع منذ هذا السن لأن أكون مثل هذا الرجل، وأبدأ عملية ما نسميها بالتوحُّد، وأبدأ في تقليده، أقلده في كل ما يفعل، لاحظ.. أقلِّده في كل ما يفعل، سواء ما يفعله صحيح أو خطأ، إذا أهان أمي اختزنت هذه المعلومة، وعندما يكون لي زوجة مثله في المستقبل التعامل معها سيكون بالإهانة، وجدته متخاذلاً في مسؤوليته ونخوته غير.. غير ظاهرة، هذا هو مستوى من النخوة اللي أنا اطلعت عليه، هذا الطفل بيبقى عامل زي الهارد ديسك بتاع الكمبيوتر الفاضي بأسجل عليه كل ما.. ما يراه ويختزنه ويستعمله في حينه في يوم من الأيام، سأكون محترماً عاملاً جاهداً، كيف أتعامل مع ضيوفي، كيف أتعامل مع الناس..

أحمد منصور: من خلال ما يلتقطه من أمه وأبيه داخل البيت.

د.هاني السبكي: بالضبط، هل سأصلي؟ هل سأتجه لزيارة الأقارب؟ هل سأقوم بواجباتي الاجتماعية والترابطات الأسرية؟ هل سأحترم الكبير؟ هل سأعطف على الصغير؟ كل هذا اختزنه من خلال رؤيتي لأبويا وأمي، وكيف يحدث أمي بالاحترام والواجب والعكس صحيح، ثم أعود في حياتي أستقبل المراحل التي تتكون بداخلي تباعاً، وأنضج وتتكون شخصيتي.

أحمد منصور: عند سن الـ18.

د.هاني السبكي: عند سن الـ18 بما مررت به من مراحل، هل أخذت حقوقي من الحنان والرعاية من الأم والأب؟ وهذه مرحلة مهمة جداً، أول مرحلة بأبدأ بيها في حياتي أن أطمئن أن أشعر بالأمان في هذه الدنيا.

أحمد منصور: من الأم والأب.

د.هاني السبكي: من الأم والأب.

أحمد منصور: وبالتالي استقرار البيت له دور أساسي في بناء شخصية الطفل.

د.هاني السبكي: بالضبط.

أحمد منصور: عندي إحصائية، وإن كانت من مصر، ولكن ممكن أيضاً تطبيقها على كثير من الدول العربية، الدكتورة إجلال إسماعيل (أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس) نشرت في أكتوبر 2002 دراسة خطيرة قالت فيها: إن مصر يحدث فيها يومياً سبعة ونصف مليون خناقة زوجية -ما أعرفش عدتهم إزاي- إما الزوج بيضرب زوجته، وإما الزوجة تكون مفترية وهي اللي تضرب الراجل علقة محترمة.

د.هاني السبكي: صحيح.. صحيح.

أحمد منصور: راجل غلبان.

د.هاني السبكي: أيوه.

أحمد منصور: أثر الخلافات الزوجية أيضاً على الشخصية والأبناء والأجيال القادمة.

[موجز الأخبار]

أثر الخلافات الزوجية على تكوين شخصية الأبناء

أحمد منصور: دكتور، 7.5 مليون خناقة زوجية في اليوم.. في اليوم كل يوم في مصر، إما الزوج يضرب زوجته، وإما الزوجة الفتوة تضرب الراجل الغلبان، وهذه دراسة علمية نشرتها الدكتورة إجلال إسماعيل (أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس)، ويمكن أن نقيس عليها باقي الدول العربية.

د. هاني السبكي: مافيش..

أحمد منصور: الأخرى طبعاً كمقياس في هذا الموضوع، تأثير هذا على الشخصية، على الأبناء، على عملية التكوين التي تتم للأجيال القادمة؟

د. هاني السبكي: هو الحقيقة يمكن دي إحصائية للخناقات الفعلية..

أحمد منصور: آه.

د. هاني السبكي: ولكن فيه خناقات غير ظاهرة.

أحمد منصور: يعني العملية ممكن تكون أكبر من كده؟

د. هاني السبكي: آه، دا عنف إيجابي واضح، هناك العنف السلبي في صمت.

أحمد منصور: مثل.

د. هاني السبكي: أعاديك وأبتعد عنك ولا أحدِّثك ولا أعترف بوجودك في صمت دون عراك.

أحمد منصور: نسبتها كبيرة أيضاً.

د. هاني السبكي: نسبتها يمكن تساويها.

أحمد منصور: فيه حالات كثيرة بتأتي؟

د. هاني السبكي: أكثر كلما ارتفع المستوى الثقافي والعائلي في الأسر انخفض مستوى الضرب وتحولت الخناقة إلى خناقة سلبية وهي العراك السلبي..

أحمد منصور: أيه الأسباب؟

د. هاني السبكي: الفتور وما شابه من.. من مشاكل كثيرة في العلاقات الزوجية، دي هأقول لحضرتك عليها بعد ما أقول لك تأثير هذا على هذا الطفل المسكين اللي بيشوف المنظر دا، الطفل أول نقطة بيولد بيها لما بنقطع الحبل السري بتاعه بينفصل عن أمه، بتتكون عنده بداية لعقدة الانفصال، انفصل عن مصدر الحياة، ويعيش بعد ذلك في كنف هذا التكوين الزوجي اللي هو الأب والأم، إذا انفصل هذا التكوين بخناقة أو بمشكلة أو بصمت أو فتور شعر الطفل بينهما أنه انقسم مرة أخرى.

أحمد منصور: يا سلام.

د. هاني السبكي: في المرة الأولى انفصلت وعشت واطمأنيت، وأشعر الآن أني منكما أنتما الاثنين، إذا انفصلتم شعرت بانقسام داخلي، تشتت، الطفل لما بيشوف الأب والأم بيتخانقوا ما بيبقاش عارف معنى الخناقة ولا بيقولوا أيه، ولكن تجده يبكي فوراً رعباً على نفسه وعلى مستقبله وعلى حياته، هز.. هزيت القاعدة الأمنية اللي هو واقف عليها، هددته في كل مشكلة، وفي كل عراك وفي كل صمت، وكل عدم تفاهم، هددت كيانه من جوه، إذا هددت القاعدة الأمنية لهذا الطفل، وهي أول قاعدة يبدأ نشأته فيها في الحياة قس على ذلك أن كل ما بُني فوق هذه القاعدة مهزوز، لأن الأساس اهتز.

أحمد منصور: معنى ذلك إن الأم والأب بيرتكبوا جريمة في حق أبنائهم وفي حق الأجيال القادمة.

د. هاني السبكي: يومياً ويمكن كل ساعة، تصور هذا الطفل يشعر دائماً أنه مهزوز، ثم نشكو، الطفل ما بيركزش، الطفل ما بينامش، الطفل شقي، الطفل فيه عنف شديد جداً، الطفل فيه عداء بالنسبة لإخوانه في المدرسة، الطفل ما بيحصلش، الطفل ما بيأكلش، الطفل بيعيى كثير قوي بيكح كثير جداً، حتى جهاز المناعة بيتأثر سلباً بهذه المؤثرات، يروح الطفل للدكتور.. نموه بيتأثر، إذن البنية الجسدية والبنية النفسية بتتأثر تأثر شديد جداً.

أحمد منصور: الإفرازات الخارجية لها دور، أيه الحاجات اللي بتؤدي أيضاً إلى زيادة هذه المؤثرات في ظل إن المرأة الآن بتبحث عن حقوقها، وحقوقها مهضومة ولا تؤدى، ففي ظل هذا الوضع الذي تبحث فيه المرأة عن حقوقها وعن مؤتمرات كلها مؤتمرات المرأة، حقوق المرأة، وضع المرأة، أيه تأثير هذا على أم ابنها الرضيع تروح تضعه في حضانة لمدة 8 ساعات أو عشر ساعات ثم تعود له في سبيل البحث عن حقوقها؟

د. هاني السبكي: هو نعترف أن المرأة حقوقها ليست ضائعة، ولكن حقوقها أُهملت فترات من الزمن، وأُهملت بخصوص بعض الزوجات تجاه بعض الأزواج، ليس كل الأزواج أكلوا حقوق المرأة، وليست كل الزوجات أو المرأة تنتظر حقوق، هناك عدد كبير من الإناث حصل على حقوقه بالكامل، ولكن نسي ما واجباته، فأصبح تفكيرها حقي.. حقي.. حقي.. حقي، أين حقي؟ ولكن لم تفكر ماذا واجبها، هذه المؤتمرات التي تعقد من أجل المرأة مؤتمرات هامة جداً، ولكن..

أحمد منصور [مقاطعاً]: طبعاً الغرب وراها بالدرجة الأولى والهدف أيضاً هو تذويب هوية الجميع في بوتقة معينة تعارض قيم كثير من الأمم والشعوب كما يحدث في معارضة هذه المؤتمرات.

د. هاني السبكي: ويجب أن نكون في يقظة لهذه النقطة، نستغل هذه الفكرة لإعطاء المرأة.. المرأة حقوقها، وأن نعلمها واجبها، وأن نعطيها حق مهم جداً في ظل ظروف المرأة العاملة، المرأة العاملة النهاردة بتخرج الساعة الثامنة صباحاً وتبدأ عملها وتعود في الخامسة.. السادسة، هلكت واستُنفذت وامتُّصت في العمل.

أحمد منصور: عندك نماذج لبعض المؤثرات مثل هذه الأشياء؟

د. هاني السبكي: طبعاً، لو اتجهنا في مؤتمر المرأة لأن نُدعِّم موقف المرأة في أن تعمل نصف الوقت، إذن ستبني في المجتمع وتعمل، لأننا لسنا ضد عمل المرأة، ولكننا ضد عدم عمل المرأة كأم.

أحمد منصور: دا تأثيره على بناء البيت أيضاً أيه؟

د. هاني السبكي: تأثيره زيادة الخيانات الزوجية، تأثيره أن الخادمة التي تعمل في البيت ارتقت بوضعها من خادمة أو موظفة في البيت إلى صاحبة شأن في صنع القرار في البيت، ارتقت إلى أن تتدخل في تربية الابن وتوريثه محتواها من تراث ومن فكر ومن فنون شعبية أتت بها من بيئتها، تغني له ما أتت به، تحكي له أمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة، هذا هو التراث اللي بتنقله له، لأن الأم غير موجودة.

أحمد منصور: فبالتالي الشخصية بيتم تشويشها وتشويهها.

د. هاني السبكي: بيتم تشويشها، وأضف إلى هذا أن هذه الشغالة ما يطلق عليها الآن، إحنا كل شوية على فكرة بنغير اسمها من خادمة إلى شغالة إلى ناني، اللفظ الجديد هو ناني علشان نبين إن إحنا جايبين حاجة راقية في البيت.

أحمد منصور: دي ناني دي جديدة شوية.

د. هاني السبكي: دي جديدة آه.

أحمد منصور: بس كويس المشاهدين يعرفوها عشان يستخدموها.

د. هاني السبكي: للعلم ودي ثقافة، آه، ستقضي وقتاً ما في هذا المنزل، وتضيف إلى هذا الطفل ويرتبط بها عاطفياً ويشعر منها بأمومة، لأنه قد..

أحمد منصور: والزوج كمان من اللي هيجهز له الأكل، من يجهز له الملابس وزوجته غايبة بره 12 ساعة أو أكثر.

د. هاني السبكي: دي أصبحت مهمة جداً في حياة الزوج، لأن من غير هذه الناني فيه أمور كثيرة جداً ضاعية في البيت، يحصل.. يحدث خلاف مع هذه الناني وتمشي، ونأتي بأخرى من جنسية أخرى فتضيف بدلوها في هذا الطفل، وتمشي وتأتي جنسية ثالثة، كلهم كل واحدة اتكلمت بلهجة، كل واحدة اتكلمت بلغة، كل واحدة جت بتراثها وأفكارها وتاريخها، هذا الوعاء اللي بنصب فيه هذا كله، هذا الطفل أصبح عامل زي الكوكتيل، حاجات كثيرة جداً ليس لها لا طعم ولا رائحة ثابت، اللي هي الهوية، ماذا يميز إنسان عن إنسان؟ هويته، مجموع هويتي مع هويتك مع هوية الآخرين يمثل المجتمع، هوية المجتمع خليط من هويتنا كلنا، ثم هوية الدولة كلها.

إذا استطعت أن أضع في كل شخص أكثر من هوية، وهوية الخادمات زائد الأم والأب والأقارب..

أحمد منصور [مقاطعاً]: يعني خلينا نقرِّب الصورة شوية، هوية الخادمة في البيت، هوية المدرسة الأجنبية بره، هوية الفيديو كليب اللي بيصب عليه، هوية القناة التليفزيونية اللي بتبث له أفلام مترجمة مش قناة واحدة الآن، قنوات عربية كثيرة بتقدم له ثقافة أميركية أو غربية بالليل والنهار بيتفرج عليها لـ 7 الصبح كما ضربت لنا أحد النماذج، أب.. أم غائبة عن البيت، أب لا يقوم بدوره أيضا وهو غائب..

د. هاني السبكي: وهو غائب أيضاً.

أحمد منصور: يمكن أن يكون غائب، في ظل هذا أيه شكل أو الهوية أو الشخصية العربية اللي موجودة الآن؟

د. هاني السبكي: إنسان أصبح لا يعي نفسه، بتعرف أنت لما.. لو بصيت في المرايا وما لقيتش صورتك في المرايا، هتقول: دي مش مرايا، أنا صادق، إنما المرايا غلط، أنا عارف نفسي، إنما إذا لقيت صورة في المرايا وقلت: هو أنا دا، ومرايا ثانية لقيت نفسك شكل آخر أنا دا، تصل إلى أن تسأل نفسك من أنا؟ ومن أكون؟ وماذا سأكون؟ وماذا أفعل؟ وما هو حقي؟ وما هو واجبي ؟ أنا لا شيء.

أحمد منصور: الحالة دي وصل لها المجتمع العربي بالفعل يعني من خلال النماذج..

د. هاني السبكي: بعض.. ما أقدرش أقول إن المجتمع وصل، ولكن هناك نماذج بدأت تفرز بهذا الشكل، فيه صور غريبة جداً.

أحمد منصور: اضرب لنا أمثلة.

د. هاني السبكي: آه، هأضرب لك مثل، يعني لما تلاقي واحد جاي يقول لك: أنا فشلت في دراستي، وفاشل في زواجي، وفاشل في عمل اجتماعيات، وفاشل مع أسرتي، أنا أحسن حاجة أهاجر بره البلد، هو تصور أن الفشل من الزوجة ومن المجتمع ومن..، هو لأ، فتصور إنه راح.. إذا راح مجتمع آخر سيجد نفسه وسيجد هذا كله، هو لم يعِ أنه لا شيء، فمتصور أن المسألة مسألة مكان إذا انتقل إلى مكان آخر، هذه كلمة أسمعها كثيراً: أنا رافض، أنا عايز أهج من البلد، عايز أشوف أي حتة تقدرني، كلمة تقدرني دي بقى هي اللي بتلفت نظري.

أحمد منصور: إزاي؟

د. هاني السبكي: لأن هذا الإنسان منذ صغره لم يرَ التقدير، أنا علشان أُعطي ابني التقدير لازم أشعره بوجوده من خلال اهتمامي وحرصي على تربيته وبث فيه ثقافات أو.. أو إلى آخره، يشعر بوجوده عندما يرى أمه مهتمة به، وليست ولا تضعه في الحضانة بديلاً لها، هذا الطفل عندما يشعر من أمه وأبوه إنهم بيرموه في الحضانة من سن 40 يوم بينشأ على إنه شخص غير مرغوب فيه، عندما أرى أن أقرب الناس إليَّ لا يرغبون فيَّ سأكره نفسي، ولن أحترم نفسي، ولن أسعى لتكوين شيء في هذا التكوين.

تأثير مناهج التعليم على هوية الإنسان العربي

أحمد منصور: أريد أن أقترب كثيراً من الواقع في الوصف وفي التوصيف أكثر من العموميات قليلاً، هذا وضع الأسرة وتأثيرها، المؤثرات على الشخصية إلى أن تبلغ، وهذه النتيجة التي ذكرتها في النهاية.

التعليم بيلعب دور خطير، وأميركا تريد أن تدخل من مدخل التعليم وتؤثر فيه بشكل أساسي على اعتبار أن التعليم هو الذي يصنع الشخصية، أيه تأثير مناهج التعليم بوضعها الحالي على شخصية وهوية الإنسان العربي؟

د. هاني السبكي: هناك فرق بين التعليم والتعلُّم، يجب أن نتعلم كيف نتعلم.. نتعلم دا فعل أنا اللي أقوم بيه، أنت تنوِّر لي الطريق، وتعطيني الوسائل لأتعلم، ولكن عندما أعلمك أنا، إذن أنا الملقن وأنت المتلقي.

أحمد منصور: وهذا الوضع الحالي.

د. هاني السبكي: وهذا هو الوضع الحالي.

أحمد منصور: تلقين وليس تعليم.

د. هاني السبكي: تلقين وليس تعليم.. تلقين وليس تعليم.

أحمد منصور: حفظ وليس فهم.

د. هاني السبكي: بالضبط، مافيش أي نوع من التوجيه..

أحمد منصور: لذلك لدينا أجيال جامعية أمية لا تعلم شيء.

د. هاني السبكي: دي حقيقة.

أحمد منصور: حتى في المجالات الرفيعة مثل الطب والهندسة تجدونها هذه..

د. هاني السبكي: نعم، بكل أسف أصبح الخريج الجديد لكلية الطب أنا لا ألومه، ولكن ألوم وسيلة التعلُّم، أصبح يعتمد في حلوله للمسائل على العلاقات الغير مفهومة، لما بأشوف دي يبقى دي موجودة، لما بأشوف دي كلها ارتباطات شرطية وليست نتيجة حس إكلينيكي تدرب عليه بيده وبنظره كما تعلمنا في الأجيال السابقة.

أحمد منصور: انعكاس أيه دا يا دكتور؟

د. هاني السبكي: انعكاسه على المريض، المصيبة أن انعكاسه على المريض، قلَّت نسبة التشخيصات الصحيحة إذا أداها الطبيب فقط، لابد أن أعتمد حالياً على كل وسائل التكنولوجي في التشخيص، تشتكي لي من برد بأقول لك برد.. بأقول لك: اعمل لي أشعة كذا وأشعة مقطعية، أشعة بشكل أو آخر، وأقول لك كمية من التحاليل كان يدركها الطبيب في الماضي بحكم أنها عرض بسيط ويكتب العلاج، وأكتب لك روشتة ما أنزل الله بها من سلطان من عشر أدوية، لعل أحدهم يصيب، لأني غير فاهم، عندما أتدرب على يد طبيب آخر من الجيل القديم يمكن أن أفهم، انتهت مشكلة التبني التي كنا نراها في كلية الطب.

أحمد منصور: وهذا أيضاً من الإفرازات الأساسية.

د. هاني السبكي: طبعاً.

أحمد منصور: يعني الآن الشخصية يعني انتهت منها أشياء كثيرة المروءة، الرجولة، هذه عملية التوريث، وهي قضية أساسية الأستاذ فهمي هويدي أمس في مقاله في "الأهرام" أشار لها وقال: لم يعد هناك مرجعية، لم يعد هناك من يسمون بالكبار الذين يلجأ لهم الناس ليحتموا بهم في الملمات أو يعلموهم، لم تعد هناك شخصيات كبيرة، الكبار أصبحوا الفنانين والرقاصين ولاعبي الكرة، دول أصبحوا القدوة بالنسبة للناس.

د. هاني السبكي: دا صحيح.

أحمد منصور: العلماء، المتخصصين، المبدعين بعضهم ربما لا يجد قوت يومه.

د. هاني السبكي: صحيح.

أحمد منصور: كإفرازات موجودة، ماذا يعني هذا، اختفاء القيمة، لم يعد هناك قيمة؟

د. هاني السبكي: لم يعد هناك قيمة ولم يعد هناك هذا التوريث الإنساني الذي تتحدث عنه عندما كان الطبيب يعلِّم تلميذه الإنسانية وكيفية التعامل بالرحمة مع المريض، ويعلمه كلمة طب من الطبطبة، كلمة طب جاءت من هذه الكلمة من هذا..

أحمد منصور: القيم الرديئة جت منين وهي ليست موجودة في الغرب الذي إحنا بنستقي من الغرب يعني مساوئه وليست محاسنة؟

د. هاني السبكي: جاءت من تغلُّب الوضع المادي على النفسي، أصبحت الإنسانية ستعطلني، الطبطبة ستعطلني، أريد أن أكسب، تأثرت بالمادية جداً، وانخفضت نسبة الإنسانية فهذه هي الوسيلة.

أحمد منصور: النموذج أين؟ المثل، القدوة، أبطال التاريخ، المرجعية اللي دائماً لها دور في الهوية؟

د. هاني السبكي: اختفت من التعليم، شفت بنلف إزاي.

أحمد منصور: التعليم له دور رئيسي.

د. هاني السبكي: التعليم له دور رئيسي جداً، ما هو كم التاريخ الذي ندرسه في المدارس لكي ترسخ في أذهاننا شخصيات أقتدي بها.

أحمد منصور: وأسلوب التدريس نفسه، المدرس..

د. هاني السبكي: المدرس محتاج آسف لهذه الكلمة، المدرس أصبح يدرس ولا يربي، لأنه هو نفسه محتاج أن يُرَّبى من جديد، المدرس عاجز عن أن يعطي شيء، فاقد الشيء لا يعطيه.

أحمد منصور: إحنا عندنا متوالية الآن مليئة من مشكلة لمشكلة، من الطبيب، إلى المدرس، إلى المهندس، إلى كل دوائر المجتمع كلها.

د. هاني السبكي: كلها واصلة ببعض.

أحمد منصور: وتحمل أمراضاً متشابهة.

د. هاني السبكي: بالضبط هي مرض واحد، لا تستطيع إطلاقاً أن تفصل فئة عن فئة كلها حلقات متصلة، دايرة كهربائية..

أحمد منصور: وهذه الدائرة تجر الأجيال القادمة والشخصية والهوية العربية إلى مصير..

د. هاني السبكي: إلى هذا المصير المظلم إذا استمرينا بهذا الشكل، الشخصية الآن ضائع يبحث عن هوية، الأمل في أنه لازال يبحث، أخشى أن يصل إلى ألا يبحث، ييأس بحيث لا يبحث.

الفنون وتأثيرها في تكوين الشخصية والهوية العربية

أحمد منصور: الفنون دائماً بترتقي بأذواق الناس، ترتقي بوجدان الناس، أيه تأثير.. ما هو تأثير هذه القنوات اللي يتسمى فنون الآن، ما يبث للإنسان في كل مكان من وسائل وأساليب فقط تركز على الغريزة.

د. هاني السبكي: زي ما حضرتك قلت..

أحمد منصور: تأثيرها الباطني أيه على بناء الشخصية والكيان؟

د. هاني السبكي: الفن بكل أشكاله هدفه الأول السمو بالحس الإنساني ليتغلب به على الغرائز، الغرائز تتملكنا جميعاً كبشر، ولكن علينا أن نرتقي بالدين أو بالفنون أو بالثقافات، لما آجي في الفنون وهي أسرع وسيلة أدخل بها إلى عقلك من خلال أذنك ومن خلال سمعك ومن خلال نظرك، وأشعل الغرائز في صورة فنون، يبقى أنا بأحارب الحس الإنساني بتغليب الحس الجسدي عليه، فظهر الفيديو كليب، وأصبح هناك تغالي في هذا، وأقول: الغريب بقى إن بعض الفنانين يقول لك: والله الفن الجيد بيفرض نفسه، يا سيدي أنا متأكد من هذا، ولكن الفن الحقير يفرض نفسه أكثر، لأنه أقرب إلى غريزتي، وهناك أعمار لا تستطيع أنها تميز ما بين الرقي وما بين الفساد، عليَّ أن أفرض على الناس، لا أنتظر أن تنتقي الناس فنونا بطبعها، لأ، أنا أفرض على الناس الفنون الراقية لأرتقي بحسهم عشان يتعود على الحس الراقي، ولكن إذا سبته هو يختار وهو جاهل سيختار الرقص طبعاً.

أحمد منصور: هل دا له تأثير على انتشار الاختلاط ووصوله إلى مراحل فيها معارضات كبيرة لقيم المجتمع حتى أننا نجد في مجتمعاتنا العربية أن الأمر وصل إلى مرحلة الـ boy friend، والـ girl friend بكامل صورتها وشكلها كما هي في الغرب.

د. هاني السبكي: وصلت بكامل صورتها في الغرب مع استباحة كاملة من الأسرة بعض الأسر..

أحمد منصور: اضرب لنا أمثلة.

د. هاني السبكي: يعني أما تيجيني..

أحمد منصور: أنا مش عازي أدخل في خصوصيات مرضاك، ولكن..

د. هاني السبكي: أيوه.. أيوه، هي أمثلة عامة عادة بتتكرر، ولكن لما تيجي أم بتتشدق بحسن تربيتها لبنتها وتقول لي: أنا مصادقة بنتي واصحاب بتحكي لي على كل حاجة حتى ما يتم مع.. ما بينها وما بين صاحبها أنا بأعرف كل حاجة علشان أقدر أوجهها وأتعامل معاها، هي افترضت أصلاً أن هذه العلاقة علاقة سليمة، ومن شأنها أن ترتقي بالبنت، صاحبها.. صاحبها دا لما بيتكلم في التليفون أو بيجي في البيت بيرحب به في البيت جداً أهلاً وسهلاً ويختلي بهذه الفتاة، وصاحبها مافيش مانع.

أحمد منصور: أيه الآثار المترتبة؟

د. هاني السبكي: هذا النموذج اللي هي الأم لما تكون بتسمح بهذا لبنتها، الآثار إن مع الفنون اللي حضرتك اتكلمت عنها اللي خلت الولد والبنت نظرتهم مش إنسانية بقدر ما هي جسدية، فهذا الدافع بيؤدي إلى العلاقات الجسدية المشبوهة، الآثار أن هذه الفتاة بتتزوج يمكن من هذا الفتى لنظرتها السطحية جداً، إنه ولد شيك، أو بيتكلم حلو، أو دمه خفيف، أو غني، لم ترَ إلى مكنونه من جواهر.. جوهريات أساسية في الإنسان، فتتزوجه وتحبه 7 سنوات و8 سنوات، وتقول لي: يا دكتور، مع إن إحنا اتجوزنا عن حب 7 سنين بعد سنتين بنتطلق.

أحمد منصور: دي ظاهرة فعلاً.

د. هاني السبكي: كثير جداً.

أحمد منصور: الآن الشائع إلى إن الزواج عن حب هو الذي أكثر تعميراً وأكثر وهو الأساس، وفيه بنات يقولوا إن إحنا مش هنتجوز إلا عن حب.

د. هاني السبكي: دا كلهم، وهذا هو الشائع الزائف، فالعبرة بالنتيجة، تعال نشوف الإحصائيات.

أحمد منصور: أية النتائج.. الإحصائيات.

د. هاني السبكي: الإحصائيات بتقول أن منذ انتشرت هذه القاعدة "أتزوج من أحب قبل الزواج" أنا ما فيش مانع إحنا نحب.

أحمد منصور: والعلاقات اللي بتتم.

د. هاني السبكي: آه، والعلاقات اللي بتتم، إحنا الحقيقة قبل الجواز لما أقعد سبع سنين أحب فيها وتحب فيَّ، أنا خلَّصت ما عندي، ما أنا بقي لي سبع سنين بأحب قلت كل حاجة وقالت لي كل حاجة لم يعد فيها جديد، ولم أرَ منها ما سيتم فعلياً بقى في الممارسة الزوجية، حياة، أنا أعمل وتشد من أزري أو بنعمل أيه وهنربي إزاي، بنتزوج ونكتشف إن إحنا مش عارفين يعني أيه جواز، كنا فاهمين إن إحنا فاهمين كل حاجة، والناس تقول الجيل الحالي فاهم أكثر مننا، لأ الحقيقة مش فاهم حاجة خالص، هو يفهم كيف يحب، ولا يفهم كيف يتوج هذا الحب بزواج ناجح، فوصلت بالنسبة يا سيدي الفاضل إلى 34% نسب الطلاق في من أحبوا قبل الزواج.

أحمد منصور: عندي 35% في مصر وقطر والكويت، 40% نسبة الطلاق في الإمارات، 45% في السعودية نسبة الطلاق العامة.

د. هاني السبكي: أيوه.

أحمد منصور: لكن تقول أنت إن نسبة الطلاق أعلى فيمن أحبوا قبل الزواج.

د. هاني السبكي: دا صحيح، وكلهم بيندهشوا هو ليه؟ فبأقول لها أو بأقول له: لأنك عندما حبيتها أحببت فيها شكل أو أحبيت فيها معاني تستفيد منها في مرحلتك قبل الزواج، ولم ترَ في محتوياتها هل ستكون زوجة وأُم أم لا، وبعد الزواج بدأت تشكو، وبدأت هي تشكو وتقول: أنا اكتشفت بعد الجواز إنه طلع رجل شرقي تقليدي، وكأن الرجل الشرقي التقليدي دي وصمة أو شتيمة، أو تقول لك: دا طلع سي السيد، من هو سي السيد دا؟ إحنا مش عارفين هو مين سي السيد، قصة قالها نجيب محفوظ في نموذج أصبحت نبراساً ندلِّل بيه على كل زوج لا يرضي زوجته.

أحمد منصور: في دراسة ماجستير أعدتها الباحثة نهى عاطف العبد في كلية إعلام جامعة القاهرة، وحصلت عليها في سبتمبر 2003 فقط، قالت: أن 99.9% من الأطفال المصريين الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 15 عاماً يشاهدون التليفزيون، شيء عادي، لكن المفزع في الدراسة أن متوسط المشاهدة اليومية لهؤلاء هو ست ساعات وخمسين دقيقة يعني سبع ساعات تقريباً، يعني نصف الوقت اللي بيقضيه الطفل مستيقظ، الشريحة الأكبر سناً متوسط استخدامها للتليفون والموبايل يومياً أربع ساعات كمان في اليوم، عملية إهدار الوقت في هذه التفاهات، في الوقت اللي موجود فيه في أوروبا أكثر من 70 قناة فضائية مخصصة للأطفال، عندنا 3 قنوات في العالم العربي بتبث كارتون وحاجات مدبلجة وما فيش فيها أي برامج للنهوض بالطفل العربي، 400 مجلة متخصصة في الولايات المتحدة الأميركية يقابلها مجلات في العالم العربي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة وكلها أيضاً عملية تقليد وحاجة خالية من التوجيه المباشر، كيف يتم بناء الشخصية وبناء طفل المستقبل في الوقت اللي أطفال العالم العربي 120 مليون طفل، 120 مليون، يعني حوالي 35% من عدد سكان العالم العربي، وتقريباً هم قد عدد أطفال أميركا.

د. هاني السبكي: تقريباً.

أحمد منصور: تقريباً، في ظل هذا الوضع أجيالنا القادمة شكلها أيه، شخصيتها شكلها أيه، هويتها شكلها أيه؟

د. هاني السبكي: أجيالنا القادمة الحالية، الأطفال حالياً يأكلون ما لا يستطيعون أن يهضموه، فبيحصل لهم عسر هضم فكري، لما الطفل يأكل أكلة فوق احتمال بطنه فيحصل له عسر هضم ومش هينمو، اللي بيحصل إنه أطفالنا دلوقتي ما بيشوفوش في التليفزيون غير ما هو للكبار، بعض البرامج فقط هي الموجهة للأطفال، وللأسف مستواها ضعيف جداً، فالطفل بيلجأ إلى برامج الأطفال الأجنبية، بتعجبه جداً، ولكنه بيستقي فكر وثقافة غربية لا تلائم بيئته في كل الأحيان، فبيضطر يطَّلع على التمثيليات والأفلام العربي، ونسبة التمثيليات والأفلام العربي المخصصة للكبار أو للصغار هذا التصنيف مش موجود عندنا، يعني هو مباح للكبار والصغار والشيوخ والعواجيز، وصانعي هذه الأفلام والتمثيليات بيبثوا في هذه الأفلام -بعضهم- ما تحمله بيئته الحقيقية، بيئته الحقيقية أحياناً بتبقى بيئة تعبانة، قليلة الثقافة والفكر والوعي وكل حاجة.

أحمد منصور: وكل رواسبها التي أشرت لها في نفسه.

د. هاني السبكي: في نفسه.

أحمد منصور: فبيطلعها على المجتمع.

د. هاني السبكي: يعرضها في فيلم ويشاهده الملايين، يا له من نصر يعني، ويا له من اعتلاء، وأشبع ذاتي جداً، ويراه الأطفال والصغار والكبار، هناك بعض الأفلام قلبت بعض الموازين في فترة معينة في القيم الاجتماعية.

أحمد منصور: إزاي؟ اضرب لنا أمثلة.

د. هاني السبكي: أضرب لك مثل، فيه فيلم حول بعض العاملات في المنازل، اللي همَّ الشغالات أو الخادمات، حولهم إلى شخصية أخرى، وجدت إنها من أحق بهذا الزوج من زوجته، أنت سيدتي، كيف أكون سيدتي ورأيت فيلماً يشير أن سيدة المنزل ليس لها قيمة، ومن لها قيمة كانت الخادمة التي رفعت من شأن السيد، وهو الزوج، فخرجت هذه الخادمة إلى المنزل حانقة على.. على كل حظها في الدنيا، تقول لك أنا أحق بحق.. أنا أحق بهذا الزوج.

أحمد منصور: وكان له تأثير مدمر على المجتمع..

د. هاني السبكي: كان له تأثير مدمر، تمثيلية أخرى كانت تتحدث عن جحود الأبناء بالنسبة للأمهات، وإن لما الست كبرت حجروا عليها وهي سليمة العقل، وحاولوا إنهم يستولوا على..، وابتدوا يتعازموا على بعض، مين هيأويها وهتروح فين؟ طب نرميها في بيت مسنين، جاءت في العيادات، وهذه حقيقة.. عدد كبير من المسِّنات في هلع ورعب، تقول لي ولادي كويسين قوي معايا، ولكن أنا خايفة أن يحصل لهم تغيير زي ما شفت في التليفزيون، هل نبني أم نهدم؟ هل نطمئِّن أم نثير الهلع والرعب في نفوس الناس؟

أحمد منصور: كل هذا يتم.

د. هاني السبكي: من خلال.

أحمد منصور: من خلال الحكومات القائمة ومن خلال أموال المسلمين.

د. هاني السبكي: قطعاً، نفسد أنفسنا بأموالنا وبذاتنا، "وما بكم فمن أنفسكم"، قس على هذا أنا يعني صعب أن أسرد كم هائل من المعروض في التليفزيون.

أحمد منصور: الصور مثلاً

د. هاني السبكي: الصور.

أثر غياب دور علماء الدين في تكوين وتوجيه المجتمع

أحمد منصور: صورة الشيخ أو العالم دايما تيجي مزدراة، ودايما مشترى ذمته، ودايما كذا، فأصبح أيضاً انعكس هذا على صورة المؤسسة الدينية، والواعظ والعالم، أصبحت صورته صورة هزيلة عند الناس، وأصبح غير موثوق فيه، وهنا أسألك عن دور المؤسسة، دور علماء الإسلام أو علماء الدين بشكل عام.. سواء حتى من حيث الزي أو الشكل أو تأثيرهم على المجتمع أيه في بناء الشخصية والهوية؟

د. هاني السبكي: حقيقة الأمر أن هؤلاء العلماء الأفاضل أجلهم وأحترمهم وأنتظر منهم أن يظهروا لنا أكثر من ظهور المجتهدين، ولكن ماذا يضطرني لأن أتجه إلى مجتهد أو مدعي أو أي شيء إلا إذا اختفي هذا العالم.. العالم، هذا العالم للأسف الشديد، إذا تحدث تحدث بلغة ربما تكون صعبة.. ربما تكون صعبة على بعض الفئات والثقافات، لا تتواصل مع حقيقة المجتمع الدائر الكلام اللي إحنا بنقوله دا، هو..

أحمد منصور: هو إفراز أيضاً لكل الصور التي أشرت إليها، هو جزء من المجتمع.

د. هاني السبكي: بالضبط.. هذا العالم الذي يظهر أحياناً على تليفزيون أو يدلِّل على نفسه أو ينادى له، للأسف الشديد تغاضى عن أهم كلمة كنت أحترمها، وإحنا في حياتنا العامة نقول لما نيجي نستفتي نقول: طب نسأل شيخ، لم أعد أرى كلمة شيخ، فضيلة الدكتور، كلمة الدكتور لم تكن في الأزهر من قبل؟ ماذا جاء به؟ وهل أخذت الدكتوراه من بلاد الغرب لتسمي نفسك الدكتور؟ سأوافق، ولكن أنت صاحب العالمية، أعلى شهادة من أفضل وأعرق جامعة في التاريخ، بدَّلتها بكلمة دكتور هذا تشويه عندي لهذا النموذج، هذا من ضمن المسائل اللي أفقدتني الإحساس بالقيمة، قيمة الأشياء -يا أستاذ أحمد- أصبحت ضئيلة جداً، لم نعد نقيم الأشياء لا المادية، الموبايل اللي حضرتك بتقول عليه الناس كلها بتستعمله، شيء خلاص بقى زي ورقة الكوتشينه.

أحمد منصور: كله استهلاك..

د. هاني السبكي: استهلاك..

أحمد منصور: كل أموال الناس رايحة فيه من الطفل الصغير إلى الرجل الكبير..

د. هاني السبكي: إلى الرجل الكبير، قيمة الوقت لم تعد موجودة، السبع ساعات اللي بأعمل عليها MESSAGE، النكات اللي احنا، بدل ما أقعد معاك ونتواصل ونتكلم ويأتي في الحديث نكتة، لأ، هنكتفي إن أنا أبعت لك نكتة وترد علي بنكتة، وهكذا، هذا ما يحدث، وبدل ما أقعد معاك وأنا ماشي في العربية هأبقى أكلمك وأقول لك أخبارك أيه، والحقيقة اللي يشوفني بأعمل كده يقول.. يقول دا أنا راجل مشغول قوي، وهو فاضي ما بيعملش حاجة، رايح يشرب شيشة في القهوة، ونرى شكلاً آخر من المجتمع الحر المتفتح، الفتيات والشباب يملئون المقاهي.

أحمد منصور: الآن إحدى الراقصات قالت إن كان ممنوع نقابة الراقصات كانت تمنعهم من إن الواحدة تظهر صرتها، الآن البنات ماشيين في الشوارع وفي الفيديو كليب وفي كل حاجة صرتهم كده من غير أي.. شيء عادي إن البطن تبان، لأن الموديل الغربي طلع فيه البطن باينة، بدون ما الناس ترجع لأصولها، لجذورها، لثقافتها، لحضارتها، لقيمها، لشخصيتها هتبقى..

د. هاني السبكي: لو حبيت أن أضيف لك حتة.

أحمد منصور: تفضل.

د. هاني السبكي: الراقصات كانوا محترفات رقص، وكانوا مجتمع بذاته، وكانوا بيحترموا نفسهم قدر استطاعتهم بتغطية الصرة، دلوقتي الصرة أصبحت باينة مش كده؟

أحمد منصور: مش الصرة بس.

د. هاني السبكي: مش الصرة كل.. حاجات كثيرة جداً مفاتن الجسم كله، والأنكى من هذا أنهم أصبحوا راقصات، ادخل أي فرح، ادخل أي مكان وشغل مزيكا من المزيكا اللي إحنا بنسمعها دلوقتي هتلاقي الناس كلها، البنات مش قاعدة على بعضها، محترفات، أنا بأستغرب، هذا الفن الكامن بيظهر في الأفراح. أصبح الفرح رقص دلوقتي في بعض الأفراح بتتم وما بيجيبوش رقاصة وما بيجيبوش حد.

أحمد منصور: صلاح الدين حافظ (أمين عام اتحاد الصحفيين العرب) يقول في مقاله اللي نشر في أول أكتوبر الماضي: بأن العرب منذ أكثر من خمسين عاماً يعيشون في ظل أنظمة حكم فاسدة، مستبدة تحقق وتحمي مصالح أميركا، على حساب مصالحنا وحريتنا وتقدُّمنا نحن، ما الذي يرِّسخه، إضافة إلى ما سبق التعليم، الفنون، الدين رجال.. العلم، العلماء إلى ما ذكرناه، ما الذي يرسِّخه الفساد والاستبداد السياسي في نفسية وشخصية وهوية الشعوب العربية؟

[فاصل إعلاني]

الاستبداد السياسي وتأثيره في بناء نفسية وهوية الشعوب العربية

أحمد منصور: دكتور، كان سؤالي لك عن الاستبداد السياسي وتأثيره على بناء الشخصية والهوية العربية؟

د. هاني السبكي: هي علاقة ما بين الديمقراطية وما بين الإبداع والفكر في البلاد والإنتاج، كلما انخفضت نسبة الديمقراطية الحقيقية كلما انخفض الإبداع والتفكير، وبالتالي الإنتاج، كل البلاد التي لا تتمتع بديمقراطية عادلة ترى الإنتاج فيها يقل، يقل، يقل، الديمقراطية لدينا ولا ننتظر ديمقراطية الغرب، الديمقراطية العربية يجب أن يكون لها شخصيتها كما نتحدث عن الهوية، فلدينا الديمقراطية.. الديمقراطية التي تحمل هويتنا، علينا أن ننميها ولا نستورد الديمقراطية كما استوردنا التكنولوجي ولا..

أحمد منصور: تأثير دا أيه على الشخصية، على بناءها، على نفسيتها؟

د. هاني السبكي: تأثير هذا إن كلما قلت الديمقراطية كلما قل التفكير، لأن هأتكلم ليه؟ ما هو لن يسفر عن كلامي شيء.

أحمد منصور: ينتشر الجبن والخوف.

د. هاني السبكي: ينتشر الجبن والخوف والتقوقع، والانفرادية، وهذا ما نراه، أصبح كلٌ يعمل لذاته، روح الفريق اختفت، لم يعد هناك فريق.

أحمد منصور: ولم يعد هناك إبداع..

د. هاني السبكي: ولم يعد هناك إبداع، وإذا أنتجت سأنتج لنفسي، ولكي أنتج لنفسي عليَّ أن أتغاضى عن الإنسانيات والمشاعر، فتحولت إلى إنسان مادي، ومن لم يستطع هذا، تحول إلى نوع من العنف الداخلي والفساد النفسي.

أحمد منصور: تسمح لي أشرك بعض المشاهدين.

د. هاني السبكي: اتفضل.

أحمد منصور: عبد الرؤوف عبد الحميد من مصر، أخ عبد الرؤوف تفضل.

عبد الرؤوف عبد الحميد: أخ أحمد إزيك.

أحمد منصور: حياك الله يا سيدي.

عبد الرؤوف عبد الحميد: إزيك يا أستاذ أحمد، أنا سعيد طبعاً برقي قناة (الجزيرة) في إن هي بتناقش يعني مشاكلنا على الهواء مباشرة، والعالم كله شايفنا وبيدرس حالتنا على الطبيعة، وأنا دايماً لما أتكلم بأتكلم عن نفسي أو بأتكلم عن مصر، أي في برنامج في.. في (الجزيرة)، هو أنا بس ملحوظة بس عايز أسأل الدكتور هاني السبكي عليها، أنا على مشارف الخمسينات، وماشي في إحدى شوارع القاهرة الجميلة، والبنات لابسة قصير ولابسة جميل، فبأسأل زوجتي بأقول لها: البنات مالها مش حلوة كده ليه؟ قالت: لي لأ دا أنت اللي باين عليك اللي كبرت، فبيرجع السبب دا لبعض ملحوظات، هآخد رأي الدكتور هاني فيها بعد ما أقولها، يعني أنا بلغت قبل الميعاد أيام عبد الناصر في خطابه السياسي وخطاب الأزهر الديني، اتمتعت بالكيف وبالتهريج السياسي في عهد السادات، أصبح النهاردة الرومانسية اللي أنا عرفتها من عبد الحليم لقيتها في شعبان عبد الرحيم، الخطاب السياسي أصبح كاذب، خداعي ليَّ في صوتي في الانتخابات لما أنا بأديه لممثل ليَّ في إحدى الأحزاب، وأفاجأ بيغيَّر منهجه وسياسته وينضم للحزب الحاكم، يعني مدى ردود فعل الصدمة النفسية عليَّ، إن أنا إديت صوتي لواحد وخدعني، يعني.. يعني التضاربات السياسية والخطاب السياسي ومدى تأثيره علينا إحنا، في الوقت اللي إحنا..

أحمد منصور: أشكرك كثير يا أخ عبد الرؤوف. دا يعبِّر عن شريحة كبيرة جداً، بس اسمح لي لأن مشاهدين آخرين ينتظروا منذ مدة.

د. هاني السبكي: تفضل.. تفضل.

أحمد منصور: بس ركز في سؤال عبد الرؤوف عشان إحنا عندنا نماذج من 3 دول، الأخ أحمد بهنسي من السعودية، تفضل يا أحمد.

أحمد بهنسي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحمد منصور: عليكم السلام.

أحمد بهنسي: السلام عليكم.

أحمد منصور: عليكم السلام يا أخي.

أحمد بهنسي: أضم صوتي لصوت الدكتور عبد الرؤوف وأشكر رقيكم، وهو وفَّر علي 3 أسئلة فيبقى سؤالين، أولاً: أحب أسأل الدكتور هاني السبكي عن إمكانية التوافق أو التناغم بين تأصيل الهويات وما ينتج عنه حتمياً من تضاد هذه الهويات في المجتمعات التي تحوي أكثر من هوية أو مرجعية تاريخية أو دينية أو، وزيادة تأصيل هذه الهويات حتمياً ينتج عنه تضاد شديد بين هذه الهويات ولعلَّ تنعيم الأسطح، بحيث تتيسَّر التعايش يميع الهويات، فكيف التوافق في هذه المعادلة.

الجزء الثاني: تفتت الهويات، أي مثلاً هوية مرجعية دينية، ثم تتفتت لاتجاهات وأهواء، وخلاف في التفاصيل، وتناحر على التفاصيل بدل من أن تتجمع في هوية واحدة، فأحب رأي الدكتور هاني السبكي في هذه التوافقات والجمع بينها، وجزاكم الله خيراً.

أحمد منصور: شكر يا سيدي، سالم عبد الله من الأردن، تفضل يا أخ سالم.

سالم عبد الله: السلام عليكم.

أحمد منصور: عليكم السلام.

سالم عبد الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحمد منصور: وعليكم السلام يا سيدي ورحمة الله وبركاته.

د. هاني السبكي: عليكم السلام.

سالم عبد الله: لك ولضيفك يا أخ أحمد يعني.

أحمد منصور: حياك الله يا سيدي، تفضل.

سالم عبد الله: نحن نعيش حقيقة مجموعة أزمات يعني، أزمات كثيرة جداً وأمراض لا حصر لها، وهذه.. هذا الخلل، إنما خلل يصيب كل أجزاء المجتمع، بجميع نظمه التي موجودة، إن كان اجتماعية أو اقتصادية أو علمية أو تعليمية، أو تربوية أو إعلامية، والمرأة يعني جزء من المجتمع، وهي يعني تعتبر نصف المجتمع إن لم نقل تكن أكثر يعني، وهي ركيزة من ركائز المجتمع، لكن مشكلة المرأة ليست مشكلة عندنا نحن، وإنما هي نتاج المشكلة الغربية أصلاً، أزمة عندهم فصدروا هذه الأزمة لنا وطلبوا منا علاج إلها، يعني المرأة فقدت حقوقها غرب، وفقدت كرامتها غرب، وفقدت قيمتها غرب، وأصبحت سلعة تباع شيء عبارة عن من..

أحمد منصور: سؤالك في ظل هذا الوضع يا أخ سالم سؤالك.

سالم عبد الله: نعم، هذا انتقل إلى بلادنا، إن يكون إحنا نعيش داخل أنظمة تتبنى الفكر الرأسمالي كل الأنظمة الموجودة.

أحمد منصور: تكلمنا عن هذا.. سؤالك في إطار ما طرحته.

سالم عبد الله: لذلك يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعني علاج المشكلة أصلا، هو موجود في النظم الموجودة، يقول عليه الصلاة والسلام "ألا أن رحى الإسلام دائرة ألا فدوروا حيث دار، ألا إن السلطان والقرآن سيفترقان ألا فالزموا القرآن" إذن المشكلة هنا افتراق السلطان أم القرآن؟

نحن الآن نطالب بالديمقراطية والديمقراطية، يعني الديمقراطية ما هي نظام يعني فكرة غربية وليست فكرة من بلادنا وليست من يعني من.. من.. من وحي فكرنا.

أحمد منصور: ما هو الدكتور قال لابد أن تنبع، الدكتور قال يعني لابد أن تنبع من هويتنا وثقافتنا، أشكرك شكراً جزيلاً على ما أوضحت.

يعني ثلاث مداخلات في ثلاث أسئلة هامة، لكن أبدأ بعبد الرؤوف عبد الحميد وما أشار إليه.

د. هاني السبكي: طب فكرني بسؤاله.

أحمد منصور: هو بيقول إن قال لزوجته يعني هو على مشارف الخمسين، البنات مالها مش حلوة فقالت له إنه هو كبر في السن، فبيقول: الآن القيم تبدلت وتغيرت، منظور الأشياء الرومانسية اللي كان أخذها من عبد الحليم زي ما قال شافها في شعبان عبد الرحيم الآن.

د. هاني السبكي: أيوه.

أحمد منصور: الفروقات في الأنظمة السياسية ما بين عهد عبد الناصر إلى السادات، كمؤثرات سياسية عليه، سبب الصورة هذه والإفرازات التي أدت إليها في بالنسبة للأجيال، وطبعاً اتفق معاه أحمد بهنسي وقال إنه وفر عليه ثلاث أسئلة، وأضاف إليها سؤال التضاد في الهويات أحمد بهنسي، يعني الآن أفضل نموذج أشرح به سؤال أحمد بهنسي هو الطفل الآن انتشرت المدارس الأجنبية، الآن الشخص اللي ما بيوديش ابنه مدرسة أجنبية الآن..، فالطفل بيدخل الساعة سابعة الصبح يعيش في عالم أوروبا أو أميركا أو ألمانيا أو فرنسا، حسب المدرسة اللي هو فيها، وبعدين يخرج إلى عالم آخر بره، هذه، أين يجد هويته في المدرسة أم في البيت، أم في المجتمع، أم في المسجد إذا كان بيدخل يصلي؟ أين يجد الهوية في عملية التفتيت؟

د. هاني السبكي: هو مش واجدها حالياً، الوضع اللي إحنا بنتكلم عليه ده، كل هؤلاء يتحدثون عن فقدان القيمة، زي ما عبد الحليم حافظ كان بيعطي الرومانسية وأصبحت أخذها من عبد..

أحمد منصور: شعبان..

د. هاني السبكي: شعبان عبد الرحيم، ومراته لما قالت له أنت اللي كبرت، طبعاً هي بتهزر معاه، علشان ما.. ما تخشش في موضوع مالوش حل، إنما حقيقة الأمر إن اتضح لي..

أحمد منصور: يعني البنات حلوين لسه؟

د. هاني السبكي: آه، طبعاً بيحلووا، هي عايزة تبعده بس عن النظر إليها، المهم هذا التضاد وهذا الخضم اللي إحنا بنعيش فيه، أنا الحقيقة عايز أقول أن لا داعي لأن ننظر إلى هذا ونغوص فيه، وكأن هذا هو مستقبلنا، لكن أستطيع أن أقول دا عامل زي مرحلة المخاض.

أحمد منصور: ودا اللي أنا عايز أركز معاك الآن عليه، ما هو المخرج من هذه الصورة المؤلمة التي استعرضناها في مجال الأسرة، في مجال التعليم، في مجال الفنون في مجال الثقافة، في مجال حتى -ما يطلق عليهم- رجال الدين، وإن كان الدعاة يعني الذين يجب أن يقوموا، غياب المسجد، غياب الأسرة، غياب.. كل شيء فيه إفرازات اجتماعية سياسية وثقافية، كل شيء الآن فيه عملية تدمير للهوية وللشخصية.

د. هاني السبكي: أيوه.

أحمد منصور: ما هو المخرج بعيد عن إن إحنا نقول دور الحكومات، الحكومات الآن يعني الله يسهل لها..

د. هاني السبكي: هو الحقيقة دور الحكومات.

أحمد منصور: لكن كل واحد عايز ينقذ عيَّاله.

د. هاني السبكي: معلش.

أحمد منصور: الآن كلمنا عن الشخص اللي عايز ينقذ عياله.

د. هاني السبكي: أيوه، هو دور الحكومات بيأتي تباعاً لمطلب الناس، لأن هي مسألة عرض وطلب.

أحمد منصور: يعني اللي الحكومات بتعمله هو بناءً على معطيات الناس أنفسهم؟

د. هاني السبكي: طبعاً، الإذاعات والقنوات اللي إحنا بنعترض عليها دي.. دي مطلب الناس الحقيقي.

أحمد منصور: وبيروحوا يشتركوا فيها بفلوس..

د. هاني السبكي: بيروحوا يشتركوا فيها بيدفعوا فيها فلوس، وبعدين بنقعد على القهاوي ونشتكي.

أحمد منصور: يعني مقاطعة هذه الأشياء تكون مدخل.

د. هاني السبكي: ما فيش شك مقاطعة هذه الأشياء، والحسم من جوه الأسر، أنا.. أنا.. أنا رب الأسرة.

أحمد منصور: إذا الست بتضرب الراجل، فيه رجالة يعني بتضرب..

د. هاني السبكي: ما هو لازم أبحث عن وسيلة لحقوق الرجل أيضاً، إنما هذا الرجل وهذه السيدة داخل البيت، أنا مش فاهم بيعملوا أيه، بيشتكوا، ما حدش بيعمل حاجة، إحنا بنشتكي حلو قوي، ما فيش حد، ما فيش واحد سحب الكارت دا وقطَّعه وقال مش هأشترك فيه، ما فيش واحد شفَّر الديكودر اللي عنده علشان يبيح ما هو مباح، ويمنع ما يجب أن يُمنع، والمثل الأعلى داخل الأسرة، بيبيح لنفسه هذا، ويقول لأولاده لأ، أنتم لسه صغيرين، ما أنا بأنشئ.. بأنشئ التناقض داخل شخص واحد، أنا أبويا جزء مني فإذا عمل شيء ومنعني منه، لأ أنا مش هأصدقه بعد كده، أنا شطبت عليه..

أحمد منصور: يعني لابد من عودة الأب والأم كمثل وقدوة للبنت والولد.

د. هاني السبكي: بالضبط.. الأزهر أو المؤسسات الدينية، هؤلاء العلماء يحملوا علم جمّ، نريد أن نستفيد منه.

أحمد منصور: كانوا يحملوا.

د. هاني السبكي: والله لازال.

أحمد منصور: ما هو إفرازات المجتمع هي نفسها عليهم.

د. هاني السبكي: ولا زالوا موجودين.

أحمد منصور: زي ما الطبيب بيطلع.. زي ما الطبيب بيخرج.. بيتخرج بيتخرج ناس من الأزهر مش حافظين قرآن كويس، مش حافظين أحاديث كويس، وما يعرفوش يفتوا الناس، نموذج موجود نطبقه على كل الخريجين في كل المجالات.

د. هاني السبكي: إذا افترضنا هذا في الأجيال الحديثة، نلحق الأجيال القديمة قبل ما تنتهي وما يبقاش عندنا مرجعية زي ما الأستاذ فهمي هويدي أشار، المرجعية كان.

أحمد منصور: هو ضرب مثل على هيكل، الآن هيكل قالها، سأنسحب ولن أكتب، مئات المقالات لا تتركنا يا هيكل، كأن هنا الناس هتغرق في البحر، هيكل كان بيكتب.. بيكتب مقالات يعني.. يعني ما عادش في الأمة مرجعية فعلاً.

د. هاني السبكي: هذا صحيح.

أحمد منصور: يعني قبل 30 سنة، 40 سنة كان موجود العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، وعشرات من المبدعين..

د. هاني السبكي: دا صحيح، وكان..

أحمد منصور: الآن ما عادش فيه حد.

د. هاني السبكي: وكانوا أصحاب صالونات، وهذه الصالونات كان يدخلها الشباب ورواد الثقافة.

أحمد منصور: اللي هي عملية التوريث التي تشير إليها.

د. هاني السبكي: عملية التوريث، كان التوريث على جميع المستويات، في الأدب والفن والطب وبنسمع في التسجيلات القديمة.

أحمد منصور: هل يمكن أن يعود هذا يا دكتور.

د. هاني السبكي: يمكن أن يعود بسهولة جداً، إذا كل واحد سأل نفسه أو أفاض بدلوه في هذه التعليقات وفكر لحظة، طب أنا أعمل أيه، يعني المسألة تبدأ بالفرض.

كيفية الحفاظ على هوية الأجيال العربية

أحمد منصور: طب قل لي الآن باقي عندنا 3 دقائق، عايزين بسهولة كده نأخذ أيدي الناس، إلى إزاي كل واحد دوره كفرد، دور كأسرة، دور كمجتمع، لمحاولة النهوض والحفاظ على ما تبقى من الهوية واستعاد ما انفلت منها.

د. هاني السبكي: هأقولها في روشتة سريعة علشان الوقت.

أحمد منصور: 3 دقائق.

د. هاني السبكي: 3 دقائق، إذا كان ابنك بيتعلم في مدرسة أجنبية أو بيدرس اللغات، اطلقه ليتعلم كما يشاء وعليك في المنزل أن تتحدث معه بالعربية، لا داعي لأن تتحدث معه بالإنجليزية والعربية في آن واحد، اترك التعليم للتعليم..

أحمد منصور: بقت مصيبة الآن كل واحد بيتكلم يرطن كلمة فرنساوي على كلمة إنجليزي على..

د.هاني السبكي: وهو لا يعرف دي ولا يعرف دي، دي المصيبة كمان، فحافظ على هويتك وما فيش داعي أن تتشدق بالشكل الغير معروف في.. في.. في الشاشة، البس محترم عشان ابنك يقلدك، كل أكلك البيئي ولا داعي أن تسمي أكلك في البيت بمسميات غربية استُحدثت علينا، إحنا بنأكل ملوخية ورز وبامية، وبقينا نقول حاجات جديدة جداً بنجيبها من المطاعم الغربية، أنا لما بأروح مطعم بأنسى الجارسون بيقول أيه وأقول له فهِّمني بالعربي من فضلك، أنا فاهم هو بيقول أيه، بس أنا عايزه يحترم نفسه ويحترمني، لأن أنا قاعد في بلد عربي..

أحمد منصور: لو كل واحد عمل كده الأمور هتتغير.

د.هاني السبكي: بالضبط آه.

أحمد منصور: يعني الآن المبادرة كلها في إيد الشخص نفسه.

د.هاني السبكي: في إيد الشخص.

أحمد منصور: ما حدش يشتكي، كل واحد لابد أن يبدأ أن يعمل.

د.هاني السبكي: لابد أن يبدأ، علِّم ابنك التاريخ، إذا كان التاريخ دراسته اختفت من المدارس، احكي له ما في جعبتك من تاريخ، اعلى بالقيم التاريخية في نظر ابنك عشان يبقى له نماذج يقتدي بيها ويترك لاعب الكرة أو الفنان أو الرقاصة اللي هي قدوة له، بنتي مرة سألتني سؤال، وقالت لي: مش الرقاصة مهنة محترمة؟ قلت لها: بتقولي كده ليه؟ قالت لي: لأن أنا سمعتها في التليفزيون بتقول: دي مهنة محترمة ومهنة شريفة، أخذت مني ساعتين عطلت نفسي عن العيادة لحد ما أزيل هذه الفكرة من ذهنها، لأنها طفلة صغيرة، والكلام معها كان صعب، ولكن هذه الفكرة هي أخذتها في كلمة واحدة عبر الأثير، لزقت..

أحمد منصور: إذن المدخل الأساسي للحفاظ على الهوية العربية وعلى الشخصية العربية هو أن يستعيد الأب دوره داخل الأسرة، وتستعيد الأسرة دورها داخل المجتمع، ويستعيد الأستاذ في الجامعة دوره أيضاً تجاه طلبته، وأن يسعى الناس لأن يتخلوا عن الشكوى ويبدءوا بأنفسهم العمل ومن ثَمَّ هذه الحكومات سوف تتغير، مقاطعة -كما تقول- كل القنوات والأشياء المثيرة والمسيئة التي تسبب الدمار للإنسان. دكتور أشكرك شكراً جزيلاً.

د.هاني السبكي: عفواً.

أحمد منصور: على ما تفضلت به، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، وأعتذر للمشاهدين الذين لم أتمكن من أخذ مداخلاتهم بسبب ضيق الوقت.

في الختام أنقل لكم تحيات فريقي البرنامج من القاهرة والدوحة مصطفى حسين المخرج، وفريد الجابري من الدوحة، وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر : الجزيرة