الملف الإسبوعي
الملف الأسبوعي

الإخوان المسلمون والحكومة المصرية، هاشمي رفسنجاني

يتناول البرنامج في هذه الحلقة مواضيع عديدة منها العلاقة بين الإخوان المسلمين والحكومة المصرية، الفلسطينيون وانقلاب المستوطنين على شارون.

– العلاقة بين الإخوان المسلمين والحكومة المصرية
– الفلسطينيون وانقلاب المستوطنين على شارون
– تصاعد التحديات الأمنية أمام حكومة العراق
– أزمة صياغة الدستور الانتقالي السوداني
– مآرب ومخاوف موسكو في ذكرى هزيمة النازيين
– هاشمي رفسنجاني.. شخصية الأسبوع
– أول قمة عربية لاتينية


undefinedجميل عازر: مشاهدينا الكرام أهلا بكم إلى جولة جديدة في الملف الأسبوعي وفي هذه الجولة التصعيد بين الإخوان والحكومة المصرية هل سيؤثر على مسار الانتخابات الرئاسية القادمة؟ دخان السيارات المفخخة هل يخفي وراءه صفقة سياسية جديدة في العراق؟ والذكرى السنوية الستون لانتهاء الحرب العالمية الثانية وهل حملت بذور حرب باردة جديدة؟

العلاقة بين الإخوان المسلمين والحكومة المصرية

أقر البرلمان المصري تعديلا للدستور يسمح بالتنافس في الانتخابات الرئاسية ويُتيح القانون الجديد لكل من الأحزاب السياسية الخمسة عشر بالتقدم بمرشح عنه ولكنه، أي القانون الجديد، يفرض في ظل الظروف الراهنة في مجلس الشعب شرطا تعتبره المعارضة تعجيزيا، فأنّى لأي مرشح آخر غير الذي سيُمثل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم أن يحصل على تزكية خمسة وستين عضوا من أعضاء المجلس؟ ومع استمرار المظاهرات في القاهرة واعتقال عدد ملحوظ من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يتسلط الضوء على علاقة الجماعة بالحكومة ليس انتقاصا من شأن الأحزاب السياسية المعارضة وإنما لأن في تلك العلاقة تأرجحا منذ سنوات.

[تقرير مسجل]

سمير عمر: العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة المصرية ما أن تتحسن حتى تتوتر من جديد وبين لحظات التحسين وساعات التوتر تدور عجلة الزمن بين الطرفين اللذين يحرص كلا منهما على إبقاء قناة مفتوحة للحوار بل والتنسيق أحيانا. فأثناء الحرب على العراق كانت الجماعة هي الظهير السياسي للحكومة وغردت بعيداً عن أسراب المعارضة التي صعَّدت من تحركاتها المناهضة للحرب والمعارضة للحكومة في آن واحد، بينما كانت الجماعة تتظاهر في الأماكن المغلقة بالتنسيق مع الحزب الوطني الحاكم، غير أن الشهور الأخيرة شهدت تغيرا نوعيا في العلاقة بين الطرفين، تغيرا يرى الكثيرون أنه قد يقود إلى مرحلة صدام عنيف يُنهي مرحلة السلام البارد التي امتدت لسنوات. موقف الجماعة الملتبس من مسألة ترشيح الرئيس مبارك لفترة رئاسية جديدة كان أحد أسباب الخلاف داخل الجماعة التي بلغت من العمر سبعة وسبعين عاما، لكنه كان أحد أسباب التهدئة مع الحكومة، تهدئة أنهاها خروج الإخوان في مظاهرات في أكثر من عشر محافظات عقبته حملة اعتقالات واسعة طالت عددا كبيرا من كوادرها على الرغم من حِرص الجماعة خلال تلك المظاهرات على عدم الإشارة إلى مسألة ترشيح الرئيس مبارك وقصرت مطالبها على الإصلاح السياسي وإلغاء قانون الطوارئ وعدم تفريغ تعديل المادة السادسة والسبعين من الدستور من مضمونها، لكن التعديلات المقترحة على تلك المادة، التي قوبلت بالمعارضة من النواب المنتمين للجماعة، جاءت لتضيف سببا جديدا للتوتر بين الطرفين الذي صعدت من حدته إشارات من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي بقبول الحوار مع الجماعة أو بديل ديمقراطي آخر وهو ما فُسِّر على أنه مقدمة لتخلي الغرب عن مساندة النظام المصري حتى لو كان البديل هو الفزاعة الإسلامية القديمة. لكن الإخوان أعلنوا غير مرة أنهم يرفضون الحوار مع أي جهة أجنبية إلا عبر وزارة الخارجية المصرية، يفسحوا المجال أمام محور داخل الحزب الحاكم لا يرى غضاضة في الحوار معهم بل واستثمارهم لتخفيف الضغوط الخارجية المنادية بالإصلاح السياسي، فهل ستحمل الأيام المقبلة تقاربا بين الفريقين يحصل الإخوان بمقتضاه على بعض المكاسب السياسية أم تُراها ستصل بالتوتر إلى مرحلة الصدام العنيف؟ قراءة المشهد السياسي الحالي في مصر وفي القلب منه علاقة الإخوان بالحكومة لا يُرجح أيا من الإجابتين، لكن تاريخ العلاقة بين الطرفين يُغلِّب فكرة العودة إلى حالة اللا سِلم واللا حرب التي قد تُمكن الإخوان من الحصول على عدد أكبر من مقاعد البرلمان المصري أسوة ببرلمان العام 1987 الذي احتل الإخوان فيه أكثر من خمسة وثلاثين مقعدا وتمكن الحكومة من تهدئة الأوضاع الداخلية وتخفيف الضغوط الخارجية، سمير عمر لبرنامج الملف الأسبوعي-القاهرة.

الفلسطينيون وانقلاب المستوطنين على شارون

جميل عازر: لم تَخْبُ هجمة اليهود المتطرفين على الحرم القدسي الشريف وفيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة لدعواهم بأن الجدار الغربي القديم، المعروف لديهم بحائط المبكى، هو بقايا هيكل سليمان. وبينما تحاول السلطات الإسرائيلية إضفاء طابع حرية التعبير في نظام ديمقراطي على تلك الحملة فقد أكد المواطنون الفلسطينيون إصرارهم على حماية الحرم الشريف مهما يكن الثمن. وفي هذه الأثناء تلوح بوادر أزمة سياسية في إسرائيل نتيجة لتصعد الحملة اليمينية المتطرفة ضد أرييل شارون بسبب خطته للانسحاب من قطاع غزة، فإذا قِيس التطرف في إسرائيل بالموقف من شارون يبدو واضحا مدى ذلك التعصب عندما يتهم المستوطنون شارون نفسه بأنه يبيع إسرائيل، شارون غير صهيوني؟

[تقرير مسجل]

"
بعض الليبراليين بدأ يقارن شارون بديغول ومقتنعون بأن شخصية شارون ستكون قادرة على تنفيذ خطة الانفصال عن الفلسطينيين تماما
"
       تقرير مسجل

سمير خضر: كانوا فيما مضى من أشد أنصار شارون وكان شارون يقدم نفسه كنصير لقضيتهم، لكن الوضع اختلف الآن وانقلب السحر على الساحر وأصبح شارون في نظرهم أكبر خائن في تاريخ إسرائيل وبات شارون يرى فيهم مجرد متطرفين متعصبين يُعيقون مساره السياسي. كل ذلك بسبب خطة الانسحاب من قطاع غزة، رئيس الوزراء الإسرائيلي أوضح مرارا أن قرار الانسحاب من غزة سيرافقه تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية في إشارة منه إلى رغبته في إعادة رسم خريطة الدولة العبرية، تراجُعٌ في حدودها الغربية وامتداد لحدودها الشرقية. وبالطبع فإن الاستياء الشديد في صفوف المستوطنين ترافق مع شبه تمرد في صفوف حزب الليكود الحاكم بين مؤيد ومعارض وبين مَن يرى في الخطة نقلة نوعية إلى الأمام ومَن يرى فيها تراجعا خطيرا عن عقيدة الحزب خاصة وأن المستوطنين كانوا دوما يشكلون بوتقة انتخابية هامة لليكود. خطة الانسحاب من غزة خلطت أيضا أوراق اللعبة على الساحة السياسية الإسرائيلية فالأمر لم يعد يهم اليمين المتشدد فقط وهاهو اليسار العمالي والتيار اللبرالي والوسطي يجدون أنفسهم منقضين إلى هذه اللعبة من خلال اضطراهم إلى دعم خطة شارون لأنها ببساطة تتوافق مع أجندتهم، الأمر الذي يعني دعمهم لشارون الذي لم يكن يوما مثلهم السياسي الأعلى. حتى أن بعض الليبراليين بدأ يقارن شارون بديغول، فهم مقتنعون بأن شخصية مثل شارون فقط ستكون قادرة على تنفيذ خطة الانفصال عن الفلسطينيين تماما كما نجح ديغول في فصل فرنسا عن الجزائر. ولكن أين الفلسطينيون من كل ذلك؟ السلطة الفلسطينية لا تزال تشكك في نوايا شارون وحكومته، فهي ترى أن خطة الانسحاب من غزة كما تراها إسرائيل ليست سوى مناورة لتكريس الأمر الواقع الاستيطاني في الضفة الغربية من خلال قَضْم المزيد من الأراضي الفلسطينية، كما أن بعض أقطاب السلطة يعتبرون تمرد المستوطنين على شارون مجرد مسرحية معدة بإحكام تهدف إلى إعطاء ذرائع للحكومة الإسرائيلية كي تتنصل من التزاماتها إزاء خطة خارطة الطريق وتفاهمات شرم الشيخ الأخيرة. والواقع اليومي يُثبت لهم ذلك فإسرائيل لم تنفذ يوما أي بند من بنود خارطة الطريق بل أن بعض مسؤوليها اعتبرها في حكم الميت، كما أنها تضرب يوميا بعُرض الحائط تفاهمات شرم الشيخ التي وقعتها مع محمود عباس حتى قبل أن يجف الحبر الذي سُطِّرت به، وَضْع يعرف الجميع أنه لن يستمر طويلا وإذا كان الحديث اليوم عن انفجار في صفوف المستوطنين فإن انفجاراً في صفوف الفلسطينيين قد يكون أكبر وأعنف مما شهدته الساحة خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.

تصاعد التحديات الأمنية أمام حكومة العراق

جميل عازر: استعر القتال في منطقة القائم بغربي العراق عند الحدود مع سوريا بين حوالي ألف من الجنود الأميركيين والمقاتلين المتحصنين في المنطقة، حيث يتحدث الطرفان عن إيقاع خسائر فادحة في صفوف الطرف الآخر. وإذ استنكرت الأحزاب والهيئات الممثلة للسُنة العرب ومنها مجلس الحوار الوطني المؤلف من واحد وثلاثين تيارا الهجمات الأميركية على مدينة القائم والتي وصفها البعض بفلوجة ثانية أعلن رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري تمديد حالة الطوارئ في العراق باستثناء كردستان، الأمر الذي يدل على خطورة التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة والتي تعكس ما قاله رئيس هيئة أركان القوات الأميركية المشتركة بأن الحرب مع مَن وصفهم بالمتمردين قد تستغرق سنوات.

[تقرير مسجل]

عماد الأطرش: ما إن نالت حكومة إبراهيم الجعفري غير المكتملة حينها الثقة من الجمعية الوطنية العراقية بعد مخاض عسير حتى عمت مناطق الوسط العراقي وخاصة العاصمة بغداد موجات متتالية من السيارات الملغمة التي أوقعت عددا كبيرا من المدنيين، بالإضافة إلى استهداف القوة الأمنية العراقية من جيش وشرطة إلى دوريات القوات الأميركية. كان واضح أن تصاعد التفجير الأمني بشكل ملتهب إنما يهدف بالدرجة الأولى لإحراج حكومة الجعفري الانتقالية التي لابد وأن يكون الملف الأمني على سُلم أولويات برنامج عملها، بالإضافة بالطبع إلى تأهيل وتعزيز الجيش والشرطة وهما الذراع العسكرية لتنفيذ خطط الحكومة الأمنية وما ترغب به الإدارة الأميركية في العراق تمهيدا لتخفيض عدد قواتها في بلاد الرافدين. لم تكن رسالة التصعيد الأمني في اتجاه واحد فقط، فحِرص الجعفري على التمثيل السُني المقبول في حكومته أطال أمد المشاورات إلى حد كاد يُطيح بالتشكيلة الحكومية برمتها مع اقتراب انتهاء مهلة التأليف وشكَّل هذا الحرص فرصة لبعض القوى السُنية العربية للعودة إلى الساحة السياسية العراقية بعد إدراكها ربما لعقم مقاطعة الانتخابات العامة، لذلك كان تهديد الشخصيات السُنية بعدم المشاركة في حكومة أفرزتها بالدرجة الأولى العملية السياسية التي رَعَتها الولايات المتحدة منذ سقوط بغداد. كان لافتا تسمية اللواء عبْد مُطلق الجبوري نائبا لرئيس الوزراء وهو الذي فقد نجله النقيب في الجيش العراقي في ساحة القتال وكان لافتا أيضا تسمية شخصية سُنية لمنصب وزير الدفاع في وقت تشتد فيه حمى التفجير والتدمير، فهل يُشكل ذلك خطوة لتحقيق مقولة فرز ما يُسمى بالمقاومة عما يوصف بالإرهاب تمهيدا للحوار مع المقاومة واستيعابها لاحقا؟ رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال ريتشارد مايرز توقع أن تستمر المقاومة تسعة سنوات قبل أن يتم إخمادها في العراق، أما ممثل السيستاني في كربلاء أحمد الصافي وهو نائب في الجمعية الوطنية العراقية فقال من جهته إن الوضع الأمني في البلاد مرعب وهناك ثغرات في الخطط الأمنية المعتمدة حاليا. وأضاف الصافي في خطبة الجمعة في ضريح الإمام الحسين إننا نتساءل هل أن قوات الاحتلال الأميركية تغض النظر عن تلك الثغرات أم أن الحكومة بشكل أو بآخر تساعد في ذلك؟

أزمة صياغة الدستور الانتقالي السوداني

جميل عازر: ربما يتركز الانتباه الآن على ما يجري في دارفور بغربي السودان مع استمرار هجمات من عصابات مسلحة على قوافل المساعدات الإنسانية واستمرار الانتقادات من أطراف دولية حول موقف الحكومة السودانية مما يجري هناك. ولكن المسرح السوداني يشهد مشادة أخرى تتزايد حدة حول ما يوصف بأنه هيمنة الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان على المفوضية القومية لمراجعة الدستور واحتكارهما لاتفاقية نيفاشا التي أنهت الحرب الأهلية في الجنوب، فالمعارضة ترى في موقفي الحكومة والحركة تهميش لها وانتقاصا لدورها في عملية ستقرر مستقبل السودان إلى حد كبير، كما أن أحزاب المعارضة تصف نفسها بأنها الأكثر شعبية وأحقية في القيام بدور رئيس في صياغة الدستور الانتقالي.

[تقرير مسجل]

"
الدستور الجديد هو تمهيد لدستورين، أحدهما خاص بالجنوب ويحتكم في مصادره التشريعية إلى الأعراف والمعتقدات الجنوبية والثاني خاص بالشمال ويستند في أحكامه إلى الشريعة الإسلامية
"
       تقرير مسجل

محمد فال: الدستور الجديد هو في الواقع تمهيد لدستورين، أحدهما خاص بالجنوب ويحتكم في مصادره التشريعية إلى الأعراف والمعتقدات الجنوبية والثاني خاص بالشمال ويستند في أحكامه إلى الشريعة الإسلامية. ويرتبط الدستوران في البنود الفدرالية المتعلقة بقسمة السلطة والثروة والعلاقة بين المركز والأقاليم فقط لمدة الفترة الانتقالية أو في حال استمرار السودان موحَّداً، لكن إقرار هذا الدستور يُمثل أكبر تحدٍ وطني منذ اتفاقية السلام، فأحزاب المعارضة الشمالية رغم عدم إشراكها في المفاوضات رحبت بالاتفاقية لكونها أنهت حرب الجنوب، لكنها فوجئت بأمور اعتبرتها خطيرة ترتبت عن استفراد الحكومة والحركة بالاتفاقية، أولها قدسية الاتفاقية التي تجاوزت كل ما سبقها وتعلو على كل ما يلحق بها من دساتير واستحقاقات، كما أن التقيد المطلق بها شرط للتمتع بحق الترشح والعمل السياسي، الأمر الثاني كان تحديد نسب المشاركة في لجنة صياغة الدستور والذي أعطى الحكومة 52% وللحركة 28% تاركا 20% فقد قسمة بين الحركات الجنوبية والأحزاب الشمالية المعارضة وهي الأحزاب التي تعتبر نفسها الأكبر شعبية والأحق بتمثيل أكبر. الأمر الثالث هو تقسيم السودان إداريا في المسودة إلى منطقتين فدراليتين فقط، هما الشمال والجنوب بدل نظام السبعة أقاليم الذي كان قائم في السابق وهو ما ترفضه قوى المعارضة. على هذا الأساس رفضت الأحزاب الكبيرة المعارضة سواء في التجمع أو حزب الأمة أو المؤتمر الشعبي المشاركة في اللجنة التي انطلقت أشغالها رغم ذلك تحت الشعار الضمني مَن أراد أن يلحق بنا فليفعل. وتتفاوض الحكومة والحركة مع المعارضة حول الاشتراك فيما تتقلص المساحة الزمنية لوضع الدستور وهي ستة أسابيع فقط. الحكومة والحركة تعتقدان أنهما الأحق اليوم بتقرير مصير السودان بعد أن أخرجتاه من حرب مهلكة، لكن المعارضة تتهم هذين الطرفين بالذات بالمسؤولية عن استمرار الحرب أصلا واليوم عن مشروع سياسي إقصائي سيؤدي إلى تقسيم السودان بعد وضعه مجددا تحت الوصاية الدولية. كما أن استمرار التمرد المسلح في غرب السودان وشرقه يُفند في رأي المعارضة زعْم السلام الشامل الذي تبشر به اتفاقية نيفاشا، كل هذا الجدل يبرر التخوف مجددا من أن الدستور المنتظر قد لا يمثل نهاية المطاف وأن السودان الذي عرف منذ استقلاله العديد من محاولات وضع دساتير لم تدم ولم تُنهِ أزمات البلد مازال عليه اليوم أن يواصل السير في حلقة مفرغة من التجربة والخطأ في شأن خطير تتوقف عليه وحدة واستقرار البلد. 1953-2005 اثنان وخمسون عام ولا يزال السودان في المربع الأول كتابة دستور انتقالي، مربع ظل يغادره فقط ليعود إليه بعد انقلاب عسكري يَجُبُّ ما قبله أو ثورة شعبية تنهي مرحلة أو حرب أهلية تهدأ هدأة البركان النشط. وبعد الدساتير والمراسيم الكثيرة التي لم تُعمِّر إلا قليلا يجد السودانيون أنفسهم اليوم أمام مشروع دستور جديد وسلام جديد ما أحوجهما إلى الديمومة. محمد فال الجزيرة لبرنامج الملف الأسبوعي-الخرطوم.

جميل عازر: ومن قناة الجزيرة في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في الملف الأسبوعي وفيها أيضا بعد الفاصل أميركا اللاتينية والعرب قمة أولى تستشرف إمكانيات التعاون المستقبلي سياسيا واقتصاديا وتستفز حفيظة واشنطن وتل أبيب.

[فاصل إعلاني]

مآرب ومخاوف موسكو في ذكرى هزيمة النازيين

جميل عازر: استقبل الميدان الأحمر الشهير في قلب موسكو أبرز قادة العالم بمن فيهم الرئيس الأميركي جورج بوش في الذكرى الستين لانتصار الحلفاء على النازيين في ربيع عام 1945. وإذ لم يكن العرض العسكري الكبير الوحيد في عاصمة من عواصم الدول الكبرى التي خاضت غمار تلك الحرب إلا أنه كان الأكثر دلالة سياسيا، فالرئيس فلاديمير بوتين أراد تذكير العالم وخاصة الغربية منه بما قدمته روسيا من تضحيات قاربت ثلاثين مليون قتيل لهزيمة النازية والفاشستية، أما الرئيس الأميركي فقد جاء وفي جعبته أكثر من رسالة وهو يلوح براية الثورة الديمقراطية البيضاء في جورجيا إلى حد أزعج بوتن الذي دعا إلى منع تكرار نشوب حرب باردة أخرى.

[تقرير مسجل]

أكرم خزام: أن يجتمع الرابحون والخاسرون للاحتفال بالذكرى الستين للانتصار على النازية والفاشية في الساحة الحمراء التي اعتُبرت في العقود الأخيرة من القرن العشرين رمزا من رموز الشر حسب المفهوم الأميركي فتلك حكاية استثنائية وفريدة. وبالرغم من أن بوتن يُعتبر بالنسبة لوسائل الإعلام الأميركية والغربية قائدا ينوي استعادة هيبة الدولة الروسية على الطراز السوفيتي الديكتاتوري حسب تلك الوسائل فإن الزعماء الغربيين اصطفوا إلى جانبه أثناء الاحتفال وكأن الغرب تناسى هجومه على الشيوعية وعلى رجل الاستخبارات الذي يحاول بين الفينة والأخرى مشاكسة السياسة الأميركية. بيْد أن المصالح الغربية وهي متنوعة غلَّبت الاقتصاد على السياسة، فألمانيا الخاسرة في تلك الحرب لا يمكنها الاستغناء عن الغاز والنفط من روسيا وفرنسا تسعى جاهدة لإقامة حلف روسي ألماني فرنسي لمواجهة سياسة القطب الواحد الأميركية، أما الولايات المتحدة الأميركية فتتبع نهجا يجمع بين القول بعموميات عن شراكة استراتيجية مع روسيا في الحرب على ما تسميه الإرهاب الدولي والقول أمام زعماء دول البلطيق بأن الاحتلال السوفيتي سبَّب المصائب لتلك الدول ومن أهمها غياب الديمقراطية والحرية في إشارة طعنٍ إلى موسكو الرافضة لتعبير الاحتلال السوفيتي. الولايات المتحدة الأميركية وحسب الروسي تمارس حتى الآن أساليب الحرب الباردة ومنها ذهاب بوش إلى جورجيا التي تطالب بانسحاب القوات الروسية من أراضيها أمام اعتقاد من المراقبين أن القوات الأميركية ستحل بدلا عن الروسية في حال الخروج الأخيرة من الأراضي الجورجية وبالتالي يتم إحكام الطوق تماما على الحدود الروسية من جهة البلطيق وجورجيا ويتم إضعاف روسيا التي قالت في احتفالات الذكرى الستين للانتصار على النازية والفاشية إن السوفييت ساهموا بالقسط الأكبر في تحقيق الانتصار وإن على العالم ألا ينسى تضحياتهم وألا ينسى أن روسيا دولة نووية لا يجوز التعامل معها من موقع النظرة إلى جمهوريات الموز. بجمعها للعديد من زعماء العالم في احتفالات الذكرى الستين للانتصار على النازية والفاشية حققت روسيا نصرا دبلوماسيا، بيْد أن هذا النصر قد يتلاشى ويتبخر إذا ما استطاعت الولايات المتحدة الأميركية إحكام السيطرة على مناطق الاتحاد السوفيتي السابق التي تتعرض في الآونة الأخيرة لهزات سياسية ضخمة على أرضية الصراع الدولي على مصادر الطاقة. أكرم خزام الجزيرة برنامج الملف الأسبوعي-موسكو.

جميل عازر: وينضم إلينا من موسكو فيتالي نعومكين رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، أستاذ نعومكين أولا في تقديرك ما مدى قلق موسكو من موقف الغرب وبخاصة الولايات المتحدة إزاء الجمهوريات السوفيتية السابقة المحيطة بروسيا الاتحادية؟

فيتالي نعومكين– رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية: نعم هناك قلق معين يحس به زعماء روسيا نحو سعي الولايات المتحدة الأميركية إلى السيطرة على الجمهوريات السوفيتية السابقة أو على نشر ما يسمى بالديمقراطية وبطريقة.. بكل الطرق في الحقيقة طرق ديبلوماسية وغير دبلوماسية. ولكن في نفس الوقت هناك كما يبدو هناك شيء من الاتفاق بين موسكو وواشنطن، من جهة واشنطن لا تتخلى عن زعامته في هذه الجمهوريات السابقة.. في هذه الجمهوريات السوفيتية السابقة وزعامته في العالم عموما ومن جهة أخرى لا تريد أن تُقلق موسكو أكثر من اللازم ولذلك بوش عندما جاء بعد موسكو ذهب إلى.. اتجه إلى جورجيا وقبل ذهابه إلى موسكو قام بزيارة لاتفيا، الدولة التي يعني ترى إن الاحتلال السوفيتي تقريبا هو نفس الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية. ولكن جورج في نفس الوقت كان معتدلا جدا عندما مدح حكومة لاتفيا على ديمقراطيتها قال إن هذه الحكومة يجب أن تحترم الأقلية الروسية وفي جورجيا أيضا يعني حاول أن يهدئ ساكاشفيلي يعني الزعيم الجورجي وقال أن قضية الانسحاب الروسية من القواعد العسكرية لابد أن يتم على أساس الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها من قِبل الطرفين.

جميل عازر: طيب يعني عندما يستخدم الرئيس بوتن عبارة ينبغي ألا نسمح بعودة حرب باردة في مناسبة من هذا القبيل وكان يخاطب زعماء دول معنية في الحرب.. كانت معنية في الحرب العالمية الثانية، يعني لابد وأن يوجد له مبرر قوي ليقول مثل هذا الكلام.

"
هناك فئة من الرأي العام الروسي والنخب السياسية ترى أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى نسف الوحدة الروسية
"
    فيتالي نعومكين

فيتالي نعومكين: نعم له مبرر لأن هناك فئات أو أجزاء من الرأي العام الروسي والنخب السياسية الروسية ترى إن الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى نسف الوحدة الروسية التكامل تكامل الأراضي الروسية وحتى أن بعض الأوساط السياسية الأميركية في رأي هذه النخب السياسية الروسية تسعى إلى التقليل من الدور الروسي إلى.. في الحقيقة تخريب ما تقوم به روسيا في الجمهوريات السوفيتية السابقة وأيضا بأن أميركا لا تعترف بدور روسي ومصالح الأمن القومي الروسي في هذه الجمهوريات ولذلك هذا القول بأن الحرب الباردة لابد أن تضمحل ولا يمكن أن تعود أساليبها موجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإلى بعض الأقوال التي يعني نسمعها من الساسة الأميركان حول عدم وجود الديمقراطية في روسيا والانتقادات الموجهة نحو ما تُسمى بالإمبريالية الروسية وإلى آخره، ففي رأي بوتين وفي رأي السلطة الروسية روسيا تخلت عن الاتحاد السوفيتي والسيطرة على هذه المناطق بشكل قاطع ولكن لها مصالحها الواضحة فيما يخص الاقتصاد والأمن وأيضا التعامل الاقتصادي والأمني والسياسي مع هذه الجمهوريات وأيضا ظهور ما يُسمى بالثورات الملونة في هذه الجمهوريات السوفيتية أيضا مصدر قلق بالنسبة لموسكو ولذلك الرسالة التي يقوم بها بوش في موسكو هو رسالة أيضا هي واضحة بالنسبة لأن أميركا لا تتخلى عن دعم هذه الثورات وتصفها بأنها ثورات ديمقراطية. ولذلك هناك يعني اختلاف واضح في الآراء بين موسكو وواشنطن تجاه هذه الجمهوريات وأيضا روسيا تعتبر أميركا تسترشد قبل كل شيء يعني بأهمية النفط القزويني وأيضا البترول بشكل عام.

جميل عازر: طيب إذاً هل تعتقد أن الروس الآن وكأنهم يطالبون بسداد ولو معنوي لدين من الدول الغربية لما دفعوه من ضحايا بشرية هائلة العدد في التخلص من النازية والفاشية في أوروبا؟

فيتالي نعومكين: لحد ما ولكن هناك أيضا أهداف أخرى هناك قبل كل شيء الاعتراف بأن بالعداء التاريخي الذي يحس بها الشعب السوفيتي نحو الفاشية والنازية وكل الأنواع من هذا الشر هذا واضح تماما وهذا تلميح بأن روسيا لا يمكن أن تكون دولة مثلا قريبة إلى الفاشية أو بعيدة عن أي نوع من الهيمنة والإمبريالية. ومن جهة أخرى بوتين بهذه الاحتفالات أيضا يريد أن يضمن الدعم الداخلي لسلطته، لحكومته وأن يبين للغرب أنه مدعوم وأنه يهتم بكل الفئات من الشعب الروسي وأيضا أن رؤساء الدول الأخرى بما فيها دول رابطة الكومنولث أيضا جاؤوا إلى موسكو ويعترفون بدور الاتحاد السوفيتي ولا يزالون يحسون بأنه جزء من هذه الأسرة الكبيرة التي تسمى أسرة الجمهوريات السوفيتية السابقة.

جميل عازر: طيب هل لدى بوتين خطة استراتيجية لمواجهة هذا الزحف الغربي الديمقراطي أو المغلف بالديمقراطية تجاه الحدود الروسية؟

فيتالي نعومكين: مع الأسف في رأيي بوتين ليس لديه الآن أو لم يكن لديه حتى الآن أي نوع من هذه الخطة ولكن الواضح أيضا أن بوتين وإدارته تبذل الآن قصارى جهدهم من أجل وضع مثل هذه الخطة لأن بدون هذه الخطة لا تستطيع موسكو أن تواجه مثل هذا الزحف.

هاشمي رفسنجاني.. شخصية الأسبوع

جميل عازر: أستاذ فيتالي نعومكين في موسكو شكرا جزيلا لك، يثير هاشمي رافسنجاني الكثير من الجدل داخل المجتمع الإيراني منذ إعلانه اعتزام ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة المقررة يوم السابع عشر من يونيو/حزيران. ويرجح كثيرون أن رافسنجاني الذي يرأس مجلس تشخيص مصلحة النظام وهو من أقوى هيئات صنع القرار في إيران ويتدخل في كل شأن من الاقتصاد إلى المفاوضات النووية يُرجحون أن يكون الحصان الرابح في السابق إلى الرئاسة ربما ليقود علاقات إيران بالغرب على الأقل إلى طور نقاهة، فالتيار المحافظ الذي لم يتمكن الرئيس محمد خاتمي من تحجيمه طوال نوبتين رئاسيتين يقبض على خيوط اللعبة السياسية بأصابع من حديد قد لا يستطيع تطويعها سوى براغماتي مخضرم مثل هاشمي رافسنجاني شخصية الأسبوع في الملف.

[تقرير مسجل]

جيان اليعقوبي: نبيذ قديم في زجاجة جديدة هكذا ينظر المراقبون إلى ترشيح رافسنجاني لنفسه كرئيس قادم للجمهورية الإسلامية في إيران وكان يُنظر إلى رافسنجاني في وقت ما على أنه من القوى الإصلاحية ولكنه بمرور السنين اقترب كثيرا من التيار المحافظ حتى أصبح أحد صقوره المعروفين وخصوصا منذ انتخاب محمد خاتمي رئيسا لإيران عام 1997. وُلد على أكبر هاشمي رافسنجاني عام 1935 في بلدة رافسنجان لأسرة كبيرة العدد من مزارعي الفستق، غادر إلى قُم وهو في الرابعة عشر من عمره ليتابع تعليمه الديني هناك تحت إشراف آية الله الخميني، لكنه لم يصل إلى مرتبة عليا مثل آيات الله الآخرين وبقي حتى الآن من الكوادر الدينية الوسطي، لكنه عوّض هذا بتاريخ طويل من العمل السياسي شهد خلاله العديد من حالات الاعتقال والتعذيب في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، أما بعد قيام الثورة عام 1979 فقد تعرض رافسنجاني لمحاولة اغتيال ثم إهانة بالغة عام 2000 عندما كان يطمح في العودة إلى رئاسة البرلمان فتمكن بصعوبة من مجرد دخول المجلس بعد جدل عنيف دار حول شبهة تزوير في انتخابه واضطُّر بعدها إلى الانسحاب. عرفه الإيرانيون رئيسا حكمهم لفترتين كما تقلب في معظم المناصب العليا من رئيس للبرلمان إلى قائد للقوات المسلحة وانتهاء برئيس للجمهورية لفترتين امتدتا من عام 1989 إلى1997. ويقول الإيرانيون إن رافسنجاني هو الذي أقنع الإمام الخميني بقبول قرار مجلس الأمن بإنهاء الحرب الضروس التي استمرت ثمان سنوات مع جاره اللدود العراق. وقد بدأ رافسنجاني مبكرا في اكتساب سمعة الرجل المحاور المقبول غربيا وساعده هذا في إطلاق سراح العديد من الرهائن الغربيين من الذين اختُطفوا في لبنان في أوائل التسعينات. وفي الداخل عارض رافسنجاني التطبيق الصارم لقوانين الشريعة وشجع النساء على الانخراط أكثر في سوق العمل ومنهم ابنته فائزة، المعروفة بكونها ناشطة نسوية أغلق المتشددون صحيفتها المعروفة باسم جِن، فهل سيقوم رافسنجاني هذا السياسي المخضرم الذي لم تغب صورته عن الساحة الإيرانية على مدى ربع قرن والذي يضاهي تجار البازار في براعته في عقد الصفقات السياسية بتحقيق ما عجز عنه دهاة الساسة منذ إعلان أسس الثورة الإسلامية؟ أي التصالح مع الشيطان الأكبر في صفقة تاريخية لا تبيع فيها إيران روحها للشيطان ولكن تتقاسم معه النفوذ الإقليمي وتضمن بقاء النظام لعقود طويلة قادمة.

أول قمة عربية لاتينية

جميل عازر: شهدت العاصمة البرازيلية أولا قمة عربية لاتينية بمشاركة معظم الدول الأعضاء في الجامعة العربية واثنتي عشر دولة من أميركا الجنوبية ولكن في غياب الغالبية العظمي من القادة العرب وحضور مكثف لقادة أميركا اللاتينية. وتعتبر هذه القمة ترجمة عملية لمبادرة أطلقها الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا قبل أكثر من عام ونصف العام في إطار سياسته الرامية إلى تعزيز التعاون بين الجنوبيين في مواجهة الشمال الغني والمتغطرس حسب تعبير زميله الفنزويلي المشاكس هوغو شافيز. وهناك أكثر من عنصر يبرر قيام شراكة بين الجانبين إذا كانا جادين مع وجود جالية عربية الأصل لها دور ملحوظ في العديد من دول المهجر اللاتيني وقد وصل بعض أفرادها إلى مناصب قيادية.

[تقرير مسجل]

"
ركز الزعماء العرب على القضايا السياسية، أما زعماء دول أميركا الجنوبية فكانوا يتحدثون بالأرقام والإحصائيات مُركزين على تنشيط التعاون التجاري والاقتصادي
"
       تقرير مسجل

ديمة الخطيب: هل تكون برازيليا المدينة التي تنبض بتطلعات مستقبلية مسقط رأس تكتل متين له وزنه على الساحة الدولية أم أن قمة الدول العربية ودول أميركا الجنوبية ستدخل في سجل القمم المنسية التي يبقى فيها الكلام الجميل حبرا على ورق؟ اثنتا عشرة دولة في أميركا الجنوبية واثنتان وعشرون دولة عربية شاركت في أول قمة من نوعها تجمع بين منطقتين بأكملهما من العالم الثالث، لكن من تابع القمة يشعر بأن هناك فجوة واضحة بين الطرفين، الزعماء العرب ركزوا على القضايا السياسية وعلى رأسها فلسطين والسلام، أما زعماء دول أميركا الجنوبية فكانوا يتحدثون بالأرقام والإحصائيات مُركزين على تنشيط التعاون التجاري والاقتصادي. وكان الاستثناء الوحيد بينهم الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، الذي استغل الفرصة للتنديد بالسياسات الأميركية في العالم بما في ذلك العراق ما أثار حفيظة البعض بمن فيهم الرئيس العراقي جلال طالباني المشارك في القمة. وجاء إعلان برازيليا ذو العشرين صفحة بنسخته العربية قوي اللهجة سياسيا يُدين الإرهاب بجميع أشكاله، لكنه يعترف بحق مقاومة الاحتلال الأجنبي ويدعو لعقد مؤتمر دولي لتحديد معنى الجريمة الإرهابية ويطالب بإزالة كافة المستوطنات الإسرائيلية بما فيها مستوطنات القدس الشرقية ويندد بالعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا. لكن ما جدوى كل ذلك إذا كان ستة فقط من أصل اثنين وعشرين زعيما عربيا قد حضروا القمة مقابل ثمانية زعماء أميركيين جنوبيين من أصل اثني عشر، غياب زعماء أكبر حلفاء واشنطن أي الأردن ومصر والسعودية وكولومبيا فُسِّر على أنه نتيجة ضغوط أميركية معهودة، هذا إضافة إلى وجود انقسامات داخل كلا من المجموعتين لا تخفى على أحد. أجواء التفاؤل دفعت البعض مثل الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى التحدث عن ولادة حركة جديدة قائمة على الشراكة والصداقة وليس على المواجهة، آخرون قالوا إن مشروع التكامل جنوب جنوب سيعطي دول الجنوب موقفا أقوى في تعاملها مع دول الشمال وسيساهم في إنشاء عالم متعدد الأقطاب أكثر عدلا وتسامحا. فهل يمكن لهذه الدول أن تقاوم مغريات العلاقات الثنائية التجارية مع واشنطن وتستغني عنها مقابل الوقوف جبهة واحدة من أجل تسخير التجارة الحرة والعولمة لصالح مكافحة الفقر كما تقول وتتمنى؟ الثمرة الحقيقة الوحيدة لهذه القمة حتى الآن هي اتفاقية إطارية للتعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول ميركوسور أي الأرجنتين والأورغواي والباراغواي والبرازيل تُمهد لمفاوضات على منطقة تجارة حرة في المستقبل ويؤمل أن يساعد وجود حوالي سبعة عشر مليونا من أصول عربية في أميركا اللاتينية في تكثيف التبادلات التجارية التي تضاعف حجمها في العام الماضي بين الدول العربية والبرازيل ليتجاوز ثمانية مليارات دولار. الرئيس البرازيلي المبادر بعقد هذه القمة، لويس إناسيو لولا دا سيلفا، قال في ختامها إن العلاقات بين دول أميركا الجنوبية والدول العربية قد تغيرت إلى الأبد، بقي أن نرى حقيقة هذا التغيير ومداه على أرض الواقع، ديمة الخطيب لبرنامج الملف الأسبوعي-برازيليا.

جميل عازر: وبهذا نختتم جولتنا في الملف الأسبوعي ونُذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع الجزيرة نت في الشبكة المعلوماتية أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني، على أننا سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفا جديدا لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة الجزيرة في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج وهذا جميل عازر يستودعكم الله فإلى اللقاء.