
الحكومة اللبنانية، الحرم القدسي، سيزار في سوريا
– لبنان.. المعارضة وتشكيل الحكومة
– المتطرفون اليهود والاعتداء على الحرم القدسي
– أميركا وإسرائيل بين التواصل والتوتر
– العراق.. إنجازات واختلافات وعنف
– زيارة الرئيس التركي لسوريا
– بكين وطوكيو والتوتر في الشرق الآسيوي
– جونيشيرو كويزومي.. شخصية الأسبوع
جميل عازر: مشاهدينا الكرام أهلا بكم إلى جولة جديدة في الملف الأسبوعي وفيها.. تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة في لبنان بعد تخلي عمر كرامي عن المهمة، المتطرفون اليهود يهددون الحرم القدسي الشريف وشارون وبوش يتباحثان في خارطة الطريق.. والعراق قاب قوسين أو أدنى من تشكيل حكومة لصياغة دستور بعد عامين منذ سقوط بغداد.. إذاً حزم عمر كرامي أمره وقرر التخلي عن محاولة تشكيل حكومة تَخلف حكومته المستقيلة وقد طرأ منذ ذلك القرار تحول نوعي مهم في المسرح السياسي اللبناني في مفاجأتين، عندما أعلن زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وهو في العاصمة الفرنسية وبعد اجتماعه هناك بالعماد ميشيل عون أن على المعارضة أن تنضم إلى الحكومة الجديدة، ثم جاءت المفاجئة الثانية بأن اقترح المعارضون مرشح عنهم لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة وهو الوزير سابقا ورجل الأعمال نجيب ميقاتي، أما الآن وقد كلف ميقاتي وبدأت عملية التشاور لتشكيل الحكومة فإن إجراء الانتخابات قبل نهاية الشهر القادم أصبح مسألة أكثر قابلية للتحقق.
لبنان.. المعارضة وتشكيل الحكومة
[تقرير مسجل]
" |
حسن إبراهيم: عمر كرامي خارج الحلبة للمرة الأخيرة وهو الذي تردد ما بين الاستقالة وإعلان الفشل، فقد أعلن تخليه عن تشكيل الحكومة بل وخرج من لقاء عين التينة الذي يمثل تيار الموالاة لسوريا، ألقى كرامي اللوم على عاتق قوى المعارضة واتهمها بالفشل في حسم أمرها ولوهلة بدا أن الرئيس لحود ولبنان قد عادا إلى المربع الأول، فلا الانتخابات يمكن لها أن لها أن تعقد في موعدها في ظل فراغ دستوري ولا التعنت في المواقف ما بين الطرفين يمكن أن يقيم أود عملية سياسية هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة، المعارضة اللبنانية أنقذت الموقف بإعلان اختيار نجيب ميقاتي مرشحا عنها لرئاسة الوزراء وهو الذي قبِله الرئيس لحود، لكن لبنان هذا الأسبوع يتذكر تفجر الحرب الأهلية التي دارت رحاها ما بين عامي 1975– 1990 من القرن المنصرم، يوم سالت دماء غزيرة لبنانية وفلسطينية في حرب لم يكن فيها رابح، فصائل تشرذمت على أسس طائفية في الغالب، موارنة ودروز وسُنة وشيعة ثم فلسطينيون من مختلف الفصائل، مذابح الجبل وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، بل كان لبنان مسرحا لحروب عربية غير معلنة، أنظمة تقاتل بعضها بعضا على التراب اللبناني والمحصلة واحدة خسر الجميع، فلا الموارنة استطاعوا طرد الفلسطينيين من لبنان ولا الدروز أفلحوا في طرد الموارنة من الجبل ولا استطاع الفلسطينيون سحق حزب الكتائب الذي أتاه الدعم السوري عام 1976 وكانت النتيجة مجزرة تل الزعتر.. ويُعتَقد أن الدور الذي لعبه رفيق الحريري في إعادة أعمار لبنان والإنفاق على تعليم آلاف اللبنانيين في الخارج والداخل هو ما جعل منه محبوبا من كثير من اللبنانيين وجعل اغتياله حادثا بالغ الإيلام، الملاحظ في مظاهرات اللبنانيين التي اندلعت بعد وفاة الحريري والتي أدت إلى خروج القوات السورية بعد الضغوط الدولية الهائلة وصدور القرار 1559 انضباطها الشديد وخلوها من أحداث العنف ورغم التفجيرات التي استهدفت الأحياء المسيحية بعيد بدء انسحاب القوات السورية ورغم الأصوات التي ارتفعت ضد التفجيرات لم يحمل أحد سلاحه.. وحتى حزب الله اللبناني الذي يرفض التخلي عن السلاح لم يطلق رصاصة واحدة ضد مواطن لبناني واتفق أمينه العام السيد حسن نصر الله يلتقي الجميع حكومة ومعارضة في سبيل تجنب انفلات لا يبقي ولا يذر.. ومهما تكن التحديات التي تواجه اللبنانيين من المؤكد أنه لا توجد قوة داخل لبنان ستغامر بالسقوط في هاوية الحرب الأهلية مرة أخرى.
المتطرفون اليهود والاعتداء على الحرم القدسي
جميل عازر: يمكن القول أنه لا جديد في محاولة متطرفين يهود إسرائيليين الاعتداء على الحرم القدسي الشريف فقد استهدفوه منذ سنوات بل وعقود، غير أن للتحرك الذي قامت به فئة من هؤلاء قبل أيام أكثر من دلالة إذا تم النظر أليه من حيث التوقيت، فالاستعداد لانسحاب إسرائيلي من قطاع غزة يؤرق المستوطنين الذين يشكلون غالبية ولاة التطرف وهمهم الأوحد في هذه المرحلة هو عرقلة الانسحاب بكل الطرق.
[تقرير مسجل]
" |
وليد العمري: رب واحد وأديان ومتدينون كلا يصلى إلى ربه المعبود وليل القدس ليس كنهارها، الحرم القدسي الشريف قبة الصخرة والمسجد الأقصى لا تخفي المنظمات والجمعيات اليهودية المتطرفة إطماعها فيه بذريعة أنه جبل الهيكل، هذه المنظمات التي جمعت التعصب الديني مع التطرف السياسي تحت أسم حركة ريفافا والمعنى حشد عشرات آلاف لاقتحام المسجد الأقصى، الهدف المباشر تفجير الموقف لنسف خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون للانسحاب من غزة والأخطر خلق أمر واقع يتم من خلاله تقسيم الولاية الدينية والسيطرة على الحرم بين اليهود والمسلمين على غرار ما آل إليه الوضع في الحرم الإبراهيمي في الخليل بعد المذبحة التي اقترفها الضابط المستوطن باروخ غولدشتاين قبل نحو عشر سنوات، القائمون على الحركة المذكورة حددوا التاسع من الشهر المقبل لتحقيق مآربهم بعد أن فشلوا في تحقيق هدفهم في العاشر من الشهر الجاري حيث لم يلبي دعوتهم سوى بضعة عشرات، بالمقابل تدفق الآلاف من أهل القدس والعرب من داخل الخط الأخضر بعد أن تعذر على إخوانهم من الضفة الغربية الوصول بسبب الحصار والجدار، هؤلاء احتشدوا عند المداخل الخارجية للحرم والبلدة القديمة التي أغلقتها الشرطة الإسرائيلية، هذه الشرطة اتخذت إجراءات غير مسبوقة حيث حشدت نحو ألفين وخمسمائة عنصر في البلدة القديمة ومحيطها لمنع المتطرفين اليهود من الوصول وأيضا لمنع وقوع مواجهات بين الجانبين، إجراءات مشددة حالت دون تعرض الحرم للاقتحام في ذاك اليوم ولم تخلوا من صدامات متفرقة مع آلاف العرب المحتشدين على المداخل الخارجية، داخل الحرم التزم الآلاف الهدوء لكنهم استعدوا لصد أي عدوانا بصدورهم العارية إن اقتضى الأمر، أكثر من مائة مرة تعرض فيها الحرم لاعتداءات من جهات يهودية متطرفة منذ الاحتلال في عام 1967، من حرق المسجد الأقصى عام 1969 إلى محاولة تفجيره في أواسط الثمانينات، ثم افتتاح النفق أسفله في عام 1996 ولم تنتهي حملة المتطرفين اليهود للاستيلاء عليه، اثنتا عشرة منظمة يهودية تعمل من أجل السيطرة على الحرم وإقامة الهيكل اليهودي عليه بعد هدم المساجد، بعضها يعد التصاميم للهيكل الموعود والبعض يعد الأواني والأدوات وآخرون منهمكون بملابس الحاخامات إلى جانب آخرين يبحثون عن بقرة حمراء للتطهر برمادها بعد حرقها كوسيلة لتجاوز الحظر الذي تفرضه الديانة اليهودية على دخولهم إلى الحرم قبل وصول المسيح المخلص.. وبين المحللين والمحرمين لاقتحام الأقصى أصبح الحرم القدسي الشريف الأكثر حساسية دينية وسياسية في العالم بأثره ربما.. والفتيل الذي يتواصل اشتعاله مع مضاعفة المتطرفين اليهود محاولاتهم للاستيلاء عليه ينذر بشر ودمار للجانبين، وليد العمري الجزيرة خاص لبرنامج الملف الأسبوعي من القدس المحتلة.
أميركا وإسرائيل بين التواصل والتوتر
جميل عازر: وبينما يحتدم الخلاف أو هكذا يبدو بين شارون واليمين الإسرائيلي أو الاستيطاني المتطرف فإن العلاقات الأميركية الإسرائيلية تشهد أيضا بعض التوتر، ربما تكون مرشحة للمزيد وعند قراءة التصريحات التي أدلا بها الرئيس بوش وآرئيل شارون للصحفيين بعد محادثتهم في تكساس فإنها تنم عن أن الرجلين قد استخدما لغة مصارحة ربما وصلت إلى حد الخشونة ولكلا منهما دوافعه، فعندما يعلن بوش إنه طلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية ألا يقوم بأي نشاط استيطاني وأن يلتزم خارطة الطريق لا أحد يتوقع من شارون أن يلوذ إلى الصمت اللهم إلا إذا تبنى سياسة مناهضة للاستيطان، فهل مَن يصدق ذلك؟
[تقرير مسجل]
وجد وقفي: مع أنه كان الاجتماع الحادي عشر بين الرجلين إلا أن اللقاء الذي جمع بين الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون كان الأول في مزرعة بوش الخاصة بولاية تكساس، المكان الذي يستخدمه الرئيس الأميركي خلال لقاءاته مع مسؤولين أجانب لإطفاء أجواء حميمية غير رسمية وقد برزت هذه الأجواء خلال طبطبه بوش السياسية على كتف شارون لما وصفه بالمبادرة الشجاعة التي يجب على العالم أن يركز انتباهه عليها ويقصد خطة الانسحاب من غزة وبعض مناطق الضفة الغربية وهي القضية التي بسببها استبق شارون زيارته بالقول "إن إسرائيل على شفا حربا أهلية وذلك لعدم قبول المستوطنين المتطرفين بها"، الانسجام والتوافق كانا واضحين خلال اللقاء فيما عدا ملف المستوطنات وبدا ذلك واضحا في معارضة بوش توسيع المستوطنات الإسرائيلية، إلا أن شارون لم يظهر أي مؤشرات للعدول عن قراره بناء 3500 وحدة سكنية في أكبر المستوطنات الإسرائيلية، بل واتهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالعجز عن مكافحة ما وصفه بالإرهاب ومن بين الإيجابيات التي حققها شارون خلال زيارته تجديد بوش ضماناته بعدم تخلي إسرائيل عن أية أراضي تحت أية ظروف وفي ظل أي اتفاق سلمي في حال تنفيذ شارون خطة الانسحاب من غزة، شارون الذي قدم إلى واشنطن على أمل الحصول على مساعدات مادية تقدر بمليار دولار لتنفيذ خطة الانسحاب التقى الأعضاء اليهود في الكونغرس حسب وصف أحدهم وهو السيناتور جوزيف ليبرمان، كما التقي نائب الرئيس ديك تشيني ونائب وزير الدفاع المنصرف ورئيس البنك الدولي الجديد بول ولف ووتس ومع إنه لم ترشح أية تفاصيل عن نتائج لقاءاته هذه إلا أنه وبعد مرور يوم واحد جاء إعلان وزيرة الخارجية كوندليزا رايس تعيين رئيس البنك الدولي الأسبق جيمس ولفنسن مبعوث الرباعية الخاص لخطة فك الارتباط عن غزة وقد فُسر ذلك على أن تعاطف إدارة بوش مع مطلب شارون بتقديم مساعدة مادية لإسرائيل لتنفيذ انسحابها سيلبيه هذه المرة البنك الدولي وليس الكونغرس.. بناء الثقة بين الأطراف المعنية يتصدر أولويات بوش في المرحلة الحالية ولعل تركيزه على معارضته لأي توسع في النشاط الاستيطاني يأتي في هذا الاتجاه، بخاصة وإنه يستعد لاستقبال ولي العهد السعودي في الخامس والعشرين من الشهر الجاري والرئيس الفلسطيني أواسط الشهر المقبل، وجد وقفي للملف الأسبوعي واشنطن.
جميل عازر: وينضم إلينا من واشنطن دكتور إدموند غريب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية، دكتور إدموند هل نحن في صدد أن نشهد تحولا في العلاقة بين واشنطن وإسرائيل بشأن الملف الفلسطيني بوجه خاص؟
" |
إدموند غريب- أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية: جميل اعتقد أنه من المبكر القول بأننا سنشهد تحولا.. خاصة تحولا جذريا في الموقف الأميركي، فمن ناحية كانت هناك بعض الإيجابيات إذا نظرنا إلى الأمور من وجهه النظر الفلسطينية أو العربية، فقد تحدث الرئيس عن معارضته للاستيطان لتوسيع المستوطنات وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بضرورة الالتزام بخريطة الطريق وأيضا تحدث في السابق كما تحدث مؤخرا عن ضرورة قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا وقابلة للحياة، هذه إيجابيات ولكن في نفس الوقت فإننا سمعنا بأن الرئيس بوش لا يزال يؤيد فكرة المستوطنات السكانية الكبيرة وأن هذه.. أن هناك حقائق جديدة قد تمت منذ عام 1967 الأمر الذي يبرر أو قد يسمح للإسرائيليين بضم المستوطنات الكبيرة على الأرض وأيضا لا نري ضغوط وتحرك أميركي مباشر، حيث يرى الكثير من المحللين المتابعين لقضية الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بأن الولايات المتحدة يجب أن تقدم رؤيتها لطبيعة الحل النهائي.. للوضع النهائي لقضايا أساسية، بالنسبة لمستقبل القدس، بالنسبة للحدود، بالنسبة لعودة حق العودة للاجئين الفلسطينيين وأن الولايات المتحدة يجب أن تطرح وجه نظرها وبصراحة وأن تعيَّن شخصا على مستوى رفيع يتعامل مع هذه القضية بصورة دائمة إذا كانت فعلا تريد أن تحقق تقدم وإذا كانت هذه الخطوة الأحادية بالانسحاب من غزة قد تتحول في المستقبل إلى خطوة كبيرة نحو إعادة إحياء عملية السلام ككل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
جميل عازر: طيب، في تقديرك ما مدى جدية الرئيس الأميركي في رئاسته الثانية للتأثير على آرئيل شارون من أجل التحرك وتنفيذ خارطة الطريق؟
إدموند غريب: أعتقد أن الرئيس بوش الآن يعي جيدا بأن هناك حاجة لإعادة بناء الثقة بين الطرفين، الرئيس بوش أيضا يعي بأنه يجب أن يدعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأن.. خاصة أن هناك نظرة إيجابية للرئيس الفلسطيني على الأقل في البيت الأبيض وإن كان هناك نظرة أخرى في الكونغرس ويمكن أن نتحدث عنها فيما بعد، الرئيس بوش أيضا يعلم أن الوضع في المنطقة متوتر، يعلم أنه بحاجة لدعم ومساعدة من الدول العربية خاصة بالنسبة للأزمة الأميركية في العراق، يعلم أيضا بأنه يجب أن.. سيقابل عدد من الرؤساء العرب والمسؤولين العرب الذين سيسألونه عن ما فعله بالنسبة للمستوطنات وسيكون أولهم قريبا ولي العهد السعودي، إذاً هناك عدة أمور تضغط على الرئيس بوش ليتحرك وليتبنى موقف أكثر توازن بالنسبة لحل هذه القضية، كما أن طبعا هناك من يتحدث عن الدور التاريخي، بأنه يريد أن يكون له موقع في الطريق كصانع سلام ولكن في نفس الوقت فإن الأجواء السياسية في واشنطن وخاصة في الكونغرس الأميركى، فإن الرئيس طلب مثلا مائتي مليون دولار لدعم للسلطة الفلسطينية لعملية إعادة البناء ولكن لجنة الاعتمادات قام عضو الكونغرس وراء الثاني لمهاجمة القيادات الفلسطينية ولمهاجمة الرئيس الراحل عرفات وكأنه لا يزال هو الرئيس الجديد ووضعوا شروط إضافية وشروط صعبة على الفلسطينيين لتسليم.. قبل تسليم أي مساعدات مالية لهم وأيضا أزاحوا الفقرة التي عادة ما تكون موجودة في مثل هذه المشاريع التي تعطي الرئيس بوش الحق بتجاهل قرار الكونغرس إذا وجد أن ذلك في المصلحة الوطنية، إذاً هناك ظروف سياسية لا تزال تضغط بالاتجاه الآخر.
جميل عازر: طيب دعني أعود بك إلى مسألة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، بالنسبة للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.. الشرق الأوسط الكبير الآن أين النقاط التي يمكن أن يحدث فيها في تقديرك تصادم بين الجانبين؟
إدموند غريب: أعتقد أن موضوع المستوطنات هذا قد يكون أحد القضايا الرئيسية التي قد نرى تصادم إذا وجد الرئيس بوش أن لديه القدرة فعلا والرغبة على الاستمرار في هذه السياسة، فموضوع المستوطنات هو موضوع أساسي، أيضا قد يكون هناك نوع من الخلاف بين الطرفين حول موضوع التعامل مع.. كيفية التعامل مع القيادة الفلسطينية، فقد بدأنا نشهد في الآونة الأخيرة نوع من الحملة التي بدأت تشنها القيادة الإسرائيلية على الرئيس الفلسطيني وعلى القيادة الفلسطينية الجديدة، حيث بدأنا نسمع إشارات.. مثلا لم يشر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلا بكلمة (Chairman) وهي نفس العبارة التي استخدمها للإشارة إلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي كان يعترف به فقط كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ولم يشر إلى دوره كرئيس.. وأيضا تشويه دور القيادة الفلسطينية والضغط على الإدارة الأميركية بأن لا تتحرك أو تضغط على إسرائيل لإحياء العملية السياسية بالنسبة للعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية قبل تفكيك كل جذور الإرهاب كما يقول الإسرائيليون وكل البُنى الإرهابية، الأمر الذي قد يكون نوع من الروشتة بالأحرى لحرب أهلية فلسطينية وبالتالي فأن هناك تفهم أفضل من قبل الإدارة الأميركية للموقف الفلسطيني مما كان عليه في السابق.. ولكن الأيام القادمة ستظهر إلى أي مدى ستكون الإدارة مستعدة فعلا لتبني موقف أكثر حياد وأكثر استعدادا للضغط ليس فقط على طرف بل على طرفين في هذه العملية.
جميل عازر: إذاً دكتور إدموند باختصار ربما لا يوجد يعني تحول أو تغير جديد أو جذري في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة حول موضوع القضية الفلسطينية.
إدموند غريب: أعتقد أنه هناك بعض التغيير بما أن الرئيس الأميركي يريد فعلا أن يحقق بعض التقدم في هذا المجال ولكن السؤال الحقيقي يبقى هو إلى أي مدى الإدارة الأميركية مستعدة لطرح رؤية وهذه الرؤية الخاصة بها حول كيفية حل.. كيفية التوصل إلى الحل النهائي إلى الوضع النهائي حول القضايا الأساسية وحيث يرى كثيرون بأن الإدارة إذا أرادت تحقيق تقدم فعليها أن تفعل ذلك وبالتالي فإن هذا هو التحدي أمام إرادة.. أمام إدارة الرئيس بوش وإذا نجحت في ذلك فإنها وأصرت على ذلك فإنه بالإمكان القول بأننا سنرى بداية تغيير حقيقي ولكن ما لم يتم ذلك فإنه من الصعب رؤية تغيير راديكالي في النظرة الأميركية إلى هذه القضية وكيفية التعامل معها.
جميل عازر: دكتور إدموند غريب في واشنطن شكرا جزيلا لك ومن قناة الجزيرة في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في الملف الأسبوعي وفيها أيضا بعد الفاصل الرئيسيان التركي والسوري في دمشق والهموم المشتركة شغلهما الشاغل.
[فاصل إعلاني]
العراق.. إنجازات واختلافات وعنف
جميل عازر: يجوز للعراقيين القول أنهم أحرزوا تقدم على طريق تشكيل حكومة باختيار إبراهيم الجعفري لرئاسة الوزراء وبعد اختيار السياسي الكردي جلال طالباني رئيس للجمهورية مع نائبين له ولكن التنافس على المناصب الوزارية حتى في وسط الكتلة الواحدة عرقل مسيرة الإنجازات، الأمر الذي ينطوي أيضا على عناصر قد تؤخر تنفيذ الأجندة السياسية وعلى رأسها صياغة الدستور والاستفتاء عليه ثم إجراء الانتخابات ولكن العراق وبعد مرور عامين منذ سقوط بغداد الثاني أصبح مسرح تتجاذب جوانبه عناصر مختلفة، إنجازات واختلافات وعنف تتفاعل كلها في دوامة المعاناة التي يتحملها العراقيون كلهم.
[تقرير مسجل]
حسن إبراهيم: عامان مرا منذ سقوط التمثال هما عامان من العنف الذي يعصف بالأمن والاستقرار ولكن رغم الاستهداف المنظم لكل مرفق حيوي في العراق تحت مسمى محاربة الاحتلال ورغم تهديدات المسلحين صوَّت العراقيون بنسبة كبيرة وانتخبوا برلمانهم المؤقت، نعم لم يصوت الكثير من السُنة العرب لكنهم أُشركوا أخيرا في العملية السياسية ولو بمنحهم منصب رئيس البرلمان الذي لا يحمل الكثير من السلطات لكنه يعبر عن رغبة من المشاركين في العملية التأسيسية في إشراك السُنة العرب واعتراف بأنه لا يمكن إقصاء أي أحد في العراق الجديد، لكن المناصب السيادية الكبرى قد تم شغلها رغم المداولات والمساومات التي طال أمدها، جلال الطلباني رئيسا الجمهورية وإبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء وحاجم الحسني رئيسا للبرلمان، لكن ما يقلق العراقيون هو الأمن المنعدم تفجيرات كل يوم وقتلى وجرحى معظمهم من العراقيين الذين ينخرطون في الجيش الجديد أو الشرطة ويستهدف المسلحون هؤلاء رغم أن حوالي خمسمائة من علماء السُنة قد أصدروا فتوى تبيح الالتحاق بالمؤسسات الأمنية في شكلها الجديد. ومع الضغط الذي تتعرض له سوريا لا يمكن إلقاء تهمة الإرهاب على عاتقها كما جرت العادة، إذاً فما هو مصدر الهجمات التي أحالت حياة كثير من العراقيين إلى جحيم لا يطاق؟ يذهب بعض المتنفذين في العراق الجديد إلى حد اتهام بعض العناصر في الشرطة والجيش بالتواطؤ مع المسلحين وهو منحى خطير يكرس التشرذم على أساس طائفي وهو ما حذر منه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الذي وصل إلى العراق في زيارة مفاجئة وهي تاسع زيارة له منذ بدء العمليات العسكرية ضد النظام السابق في عام 2003 وقد حذر من خطورة التطهير السياسي داخل الأجهزة الأمنية، إلا أن العراق يمر بمرحلة صعبة، فمن ناحية أعتُبر انتخاب جلال الطلباني تقدما كبيرا في سبيل طمأنة الأكراد إلى أنهم لن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية، لكن هل تنتهي أحلامهم في كردستان مستقلة؟ هذا هو التحدي الذي يواجه الأكراد وهم يشاركون في صنع العراق الجديد، أكراد العراق يتمتعون بشبه استقلال كامل عن المركز منذ عام 1991 ولم تعاني مناطقهم من شدة العيش الذي فرضته العقوبات الدولية على باقي العراق ولهم مطالب قد يراها كثير من العراقيين شططا بل خطوطا حمراء خاصة فيما يتعلق بنفط كركوك أو التركيبة الإثنية فيها من عرب وتركمان وهم الذين يشاركون الأكراد في سكن المدينة، الشيعة يمتلكون القرار السياسي فالديمغرافية في صفهم وهم لهذا يقدمون التنازلات من أجل إقرار دستور ديمقراطي، فصندوق الاقتراع يعترف بالأعداد لكن الفسيفساء الشيعية تتراوح ما بين علمانيين ودينيين وحتى هؤلاء موزعون ما بين التيار الصدري الرافض للاحتلال وتيار آية الله السيستاني الذي يرى إتباع أسلوب الحوار والمقاومة المدنية مع القوات متعددة الجنسيات، ثم هناك حزب الدعوى والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وللتيارين علاقات تتفاوت في استراتيجيتها مع إيران، العراق يتلظى بنيران التفجيرات والسياسيون يناورون ويبقى إنسان العراق الخاسر أو المستفيد الأول من ناتج هذه العملية المعقدة.
جميل عازر: إلى سوريا جاء أحمد نجدة سيزار الرئيس التركي في زيارة تحتمل مدلولاتها الكثير من التأويل والتفسير لأنها تأتي في خضم تطورات إقليمية ذات أبعاد استراتيجية على أكثر من جبهة، صحيح أن هناك مصالح مشتركة بين أنقرة ودمشق وصحيح أيضا أن علاقتهما شهدت تحسنا مضطردا وخاصة منذ زيارة الرئيس السوري إلى أنقرة قبل بضعة شهور ولكن الأجواء الراهنة ابتداء مما يكتنف العراق وحتى الوضع في لبنان بما في ذلك تداعيات الانسحاب السوري والتطورات التي تشهدها المنطقة الشرق أوسطية بوجه عام تجعل التشاور بين الجارتين مسألة شبه عاجلة إن لم تكن ضرورة مُلحة.
[تقرير مسجل]
" |
سمير خضر: تركيا حفيدة ووريثة الإمبراطورية العثمانية تعاني مثل كثير من الدول الإسلامية ازدواجية في الشخصية، فهي دولة تبنت النظام العلماني والمنهج الديمقراطي وتحاول تقديم نفسها كنموذج للإصلاح السياسي في العالم الإسلامي.. وما تحالفها مع الغرب ومع الولايات المتحدة بشكل خاص إلا دليل نظري على قدرتها على التعامل مع واقع دولي فرض نفسه على العالم بأكمله، لكن تركيا القرن الحادي والعشرين بدأت تبحث لنفسها عن دور جديد بعيدا عن هيمنة واشنطن وكانت سياسة اليمين المحافظ الحاكم في واشنطن طوق النجاة الذي كانت تبحث عنه ومن هنا جاء رفضها للمشاركة في الحرب على العراق أو حتى السماح للقوات الأميركية بعبور أراضيها وكثيرا ما تحدثت الصحافة التركية عن شعور العداء في الشارع التركي تجاه الولايات المتحدة، فأنقرة تتحسس من أي محاولة للهيمنة على قرارها السياسي المستقل وربما لهذا السبب قرر الرئيس التركي المضي قدما في زيارته المبرمجة لدمشق رغم الضغوط الكبيرة التي مارستها الإدارة الأميركية لتثنيه عن ذلك، أحمد نجدة سيزار جاء إلى سوريا لسببين رئيسين، الأول كرئيس لدولة نجحت في إرساء قواعد الإصلاح والتغيير وفقا لمعايير غربية حتى وإن كان كثير من مواطنيها يعارضون هذا التوجه والثاني يستند إلى حسابات إقليمية ترتبت على غزو العراق وما نجم عن ذلك من فوضى سياسية ترى أنقرة أنها قد تؤدي إلى بروز دولة كردية في شمال العراق وفي هذه الحالة فإن التنسيق بين تركيا وسوريا وإيران لمنع حدوث ذلك يصبح في قمة الأولويات، لكن دمشق فسرت هذه الزيارة من منظور مختلف فهي قبل كل شيء تعبير عن رفض أنقرة الانصياع لرغبات واشنطن ومؤشر على دعم تركيا لمواقف سوريا الإقليمية سواء تجاه لبنان أو العراق، فالعلاقات بين البلدين شهدت تحسنا ملحوظا منذ عام 1998 عندما كان البلدان على شفير الحرب بسبب دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني، لكن سوريا حافظ الأسد خرجت حينها من المأزق من خلال قرارها إغلاق معسكرات التدريب الكردية وإبعاد عبد الله أوجلان الذي أُلقي القبض عليه لاحقا وحكم عليه بالإعدام أمام المحاكم التركية، لكن السياسة لا تخضع لحسابات الماضي وكم من تحالفات أنفضت لاعتبارات جديدة، لذا فأن تركيا اليوم ليس لديها ما تقدمه لسوريا في صراعها مع الغرب ولم يفت الرئيس التركي أن يوضح لمضيفيه أن الحل لهذا الصراع يكمن في دمشق نفسها وفي قدرتها ورغبتها في المضي قدما في إصلاحات يرنو إليها الشارع السوري أكثر من دوائر الحكم في واشنطن وباريس ولندن.
بكين وطوكيو والتوتر في الشرق الآسيوي
جميل عازر: عندما يختلف عملاقان آسيويان كالصين واليابان حول منطقة بحرية يتنازعان ملكيتها لابد وأن يستثار قلق أكثر من طرف ولكن عندما يتغذى ذلك الخلاف بنزعات قومية تستمد من التاريخ الحديث مؤججا لها ينبغي أن تُقرع نواقيس الخطر على أكثر من صعيد، فاشتداد الحرب الكلامية بين بكين وطوكيو أولا حول التصرفات اليابانيين أثناء احتلالهم الصين قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، ثم حول قرار طوكيو منح رخصا للتنقيب عن مصادر للطاقة في المنطقة المتنازع عليها في شرقي بحر الصين لا يجوز صرفه على أنه مهاترات عابرة لأنه يأتي وسط أجواء من التوتر في الشرق الآسيوي.
[تقرير مسجل]
عزت شحرور: الإعلانات التجارية لكبريات الشركات اليابانية المعروفة لم تعد تثير اهتمام الشباب الصينيين بل تستفز مشاعرهم القومية، ثورة مظاهرات غاضبة تعم العديد من المدن الصينية من الجنوب إلى الشمال بدأت بالمطالبة بمقاطعة البضائع اليابانية لكن نار غضبها تأجج لتحرق الإعلام اليابانية فيما علت الهتافات احتجاجا على اعتماد اليابان مناهج دراسية ترى فيها الصين طمسا لحقائق تاريخية تتعلق بفترة الاحتلال الياباني للصين منتصف القرن الماضي، الأطواق الأمنية التي فرضتها السلطات الصينية لم تمنع الجماهير الغاضبة من مهاجمة بعض الممتلكات اليابانية وإتلافها أو من الوصول إلى مقر السفارة اليابانية ومنزل سفيرها وقذفه بالحجارة والزجاجات الفارغة، ما يشاع من أن للرياضة روحا تتجاوز أحقاد الماضي وتقرب بين الشعوب لم تنفع هنا، فقد كانت نتيجة مباراة كرة القدم بين فرقي البلدين العام الماضي ثورة هياج وغضب وأعمال عنف، فموجة العداء لليابان ليست وليدة اللحظة بل متأصلة في الوجدان الصيني وتعود جذورها إلى تاريخ أليم من الاحتلال الياباني للصين أواسط القرن الماضي سقط خلالها أكثر من عشرين مليون ضحية، ناهيك عن فظائع أخرى يصعب محوها من الذاكرة الصينية وسط إصرار أبناء الجيل الذي عايشها والذين مازالوا على قيد الحياة على رواية فظائعها للجيل الجديد بكل تفاصيلها التي بقيت شاهدا دائما على تلك الحقبة الأليمة لكل الأجيال القادمة. وعلى الرغم من زيارة رئيس الوزراء الياباني كويزومي إلى الصين عام 2001 وتجوله في تلك المواقع وما بدا عليه من تأثر واضح إلا أن زياراته السنوية المتكررة بعد ذلك إلى ضريح ياسوكوني الذي يضم رفاة محاربين يابانيين ومجرمي حرب قد ساهم في تدهور العلاقات بين طوكيو وبكين بشكل أكبر وقد زاد من حدة ذلك التدهور ترويج اليابان لما بات يُعرف بنظرية الخطر العسكري الصيني والاتفاق الأميركي الياباني الذي اعتبر تايوان جزء من الأهداف الاستراتيجية الأمنية بين طوكيو وواشنطن، بالإضافة إلى احتدام التنافس على مصادر الطاقة بين الجانبين في بحر الصين الشرقي وإعلان اليابان مؤخرا نيتها وقف مساعدات التنمية الاقتصادية إلى بكين والتي تقدر بمليار دولار سنويا وأخيرا قيام اليابان باعتماد مناهجها الدراسية المثيرة للجدل والتي كانت الشرارة التي فجرت الموقف والشعرة التي قد تقسم ظهر العلاقات بين الجانبين، وسط أجواء من التوتر تأتي زيارة وزير الخارجية الياباني إلى بكين فيما تجد الحكومة الصينية نفسها أمام موقف حرج خال من أي هامش لمناورة سياسية أو دبلوماسية أمام شارع محتقن يطالب بعدم تقديم أي تنازل لعدو الأمس لكنه ثالث أكبر شريك تجاري للصين، عزت شحرور الجزيرة لبرنامج الملف الأسبوعي بكين.
جونتشيرو كويزومي.. شخصية الأسبوع
جميل عازر: وبينما تظل اليابان تحتفظ بمكانة ثاني أكبر اقتصاد في العالم فإن مجتمعها يتسم بطابع تقليدي تطل من خلاله بين حين وآخر نزعة قومية لا تروق لدول الجوار. ومن هنا فإن الأنظار تتركز في بعض المناسبات على رئيس وزرائها جونيشيرو كويزومي الذي جاء إلى الحكم قبل نحو أربعة أعوام واعدا بإحداث تحول في المسرح السياسي ورافضا الإذعان لذوي المصالح ولو كانوا أعضاء بارزين في حزبه الليبرالي الديمقراطي بعد فضائح الفساد التي تورط فيها سياسيون ورجال اقتصاد. ورغم إخفاقه في تحقيق بعض من وعوده للناخبين يظل جونيشيرو كويزومي شخصية الأسبوع في الملف، يتمتع بشعبية أضفتها عليه شخصيته قبل إنجازاته.
[تقرير مسجل]
زياتد طروش: جونتشيرو كويزومي رئيس وزراء لم يعهده التاريخ الياباني من قبل، السبب بسيط جدا فكويزومي قواعد التزمت السياسي الذي عُرف به أسلافه سواء أن كان الأمر في التصرف اليومي أو في مواقفه الرسمية، ولد جونيشيرو في الثامن من يناير عام 1942 في مدينة يوكوسوكا وقد حصل على شهادة جامعية في الاقتصاد ليبدأ بعدها رحلته في العمل السياسي بالانخراط في الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم وبشغل مناصب حكومية وحزبية عديدة بينها وزير للصحة ووزير للبريد والاتصالات، في إبريل نيسان من عام 2001 أختير كويزومي لرئاسة الحزب الديمقراطي الليبرالي وفي العام ذاته خلف يوشيرو موري على رأس الحكومة اليابانية، هذا الحدث رأى فيه الكثيرون نقطة تحول في اليابان فكويزومي تتجسد فيه مقومات رجل التغيير المناهض للمعتقدات والسياسات التقليدية وفوزه يمثل ثورة على التيار المحافظ داخل حزبه وعلى الفساد الذي لطخ سمعته طويلة عقود، كما أن قدومه أدخل ارتياحا كبيرا لدى المستثمرين اليابانيين الذين رؤوا فيه منقذ الإمبراطورية من الكساد الاقتصادي والفساد الذين عاشتهما خلال التسعينات.. ومن وقتها ولأول مرة في تاريخ اليابان تحول رئيس الوزراء الجديد إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية بكل ما يحمله المصطلح من مقومات، فهذا الرجل بشعره الرمادي المنطلق وببذلته الأرماني الأنيقة أصبح معشوق اليابانيين واليابانيات، صوره على القمصان وعلى الكؤوس وأجهزة الهاتف النقال وأغاني إلفيس بريسلي التي أعاد تسجيلها بطريقة الكراوكيه صارت مصدر تهافت منقطع النظير منذ صدورها، أما الإقبال على متابعة خطبه واجتماعاته العلنية فقد فاق ما يحظى به نجوم البيسبول والفن في اليابان مهما بلغوا من شهرة. ورغم أن شعبية كويزومي تأثرت في فترة من الفترات بقراره إرسال جنود إلى العراق وبأزمة الرهائن الذين اختطفوا هناك قبل أن يطلق سراحهم إلا أن هذه الشعبية تبقى الأعلى على الإطلاق في تاريخ رجال السياسة اليابانيين وقد يعود هذا في جانب منه إلى مواقف الرجل القومية، خاصة وأن عنصرا جديدا ولد في الساحة اليابانية والآسيوية بشكل مقدم كويزومي، فملف النزاعات التاريخية والإقليمية بين اليابان والصين برز إلى الساحة من جديد إذ اتبع الرجل سياسة قومية متشددة تجاه بكين لعل من أبرز ملامحها زياراته المتكررة لمعبد ياسوكوني الذي يمجد ضحايا الحرب العالمية الثانية بمن فيهم من أدينوا بجرائم حرب في الدول الآسيوية التي احتلتها اليابان.. ورغم أن البعض من أعدائه بمن فيهم خصومه داخل حزبه حاولوا ومازالوا تشويه صورته حتى وصل الأمر حد تشبيهه بهتلر اليابان الجديد إلا أن جونتشيرو كويزومي يظل بالنسبة لعموم اليابانيين رئيس وزراء لم يعهده التاريخ الياباني من قبل.
جميل عازر: وبهذا نختتم جولتنا في الملف الأسبوعي، نذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع الجزيرة نت في الشبكة المعلوماتية أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني، على أننا سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفا جديدا لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة الجزيرة في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج وهذا جميل عازر يستودعكم الله فإلى اللقاء.