
هجوم فدائي في قلب القدس وموضوعات أخرى
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
تاريخ الحلقة: | 11/08/2001 |
– هجوم فدائي في قلب القدس الغربية واحتلال إسرائيل لبيت الشرق في القدس الشرقية
– اعتقالات في لبنان تعكر جو المصالحة
– الولاية الثانية للرئيس الإيراني محمد خاتمي ومزيد من المواجهات بين التيارين الإصلاحي والمحافظ
– المصالحة الوطنية في السودان وإمكانية تنفيذ المبادرة المصرية الليبية
– الاستنساخ والانتقال بهندسة الجينات من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى هذه الجولة مع "الملف الأسبوعي" وفيه:
– هجوم فدائي في قلب القدس الغربية واحتلال إسرائيلي لبيت الشرق في القدس الشرقية، فهل بدأت معركة القدس الفعلية؟
– اعتقالات في لبنان تعكر جو المصالحة الذي أوجدته زيارة المطران صفير إلى جزين والشوف، فما الهدف ومن المسؤول؟
– والسودان بين المبادرة المصرية الليبية والتهديد بضرب المنشآت النفطية في الجنوب، هل للمصالحة الوطنية من مكان؟
هجوم فدائي في قلب القدس الغربية
واحتلال إسرائيل لبيت الشرق في القدس الشرقية
لم تكن العملية الفدائية في قلب القدس الغربية مفاجأة في إطار الوضع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا عندما نأخذ في الاعتبار القيود التي تفرضها القوات الإسرائيلية على تحركات الفلسطينيين والموقع الذي استهدفه الفدائي في قلب القدس الغربية، ومن هنا كانت المفاجأة أكبر وقعاً، إذ أثارت هلعاً في قلوب الإسرائيليين، كما لابد وقد فتحت ثغرة في مصداقية سياسة (إيريل شارون) وجاء احتلال بيت الشرق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في القدس الشرقية، يفتح جبهة أخرى في معركة القدس، بل معركة المصير للقضية الفلسطينية.
تقرير/ حسن إبراهيم: قنبلة بشرية في قلب القدس الغربية، ومسمار آخر في نعش مصداقية حكومة شارون، حيث عاشت المدينة واحداً من أكثر أيامها دموية، 15 قتيلاً وعشرات الجرحى، ومع صرخات الفزع التي دوت في أرجاء شارع يافا تصاعدت صيحات تطالب بالانتقام، حكومة شارون حاولت أن يأتي رد فعلها حاسماً، لكنه لم يكن حسب التوقعات، فقصفها لغزة، وطولكرم، ورام الله لم يختلف عما ظلت تفعله منذ بداية الانتفاضة ما أرعب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هو تمكن انتحاري فلسطيني من اختراق جدار الأمن الكثيف الذي يحيط بالقدس الغربية من فندق (الملك داعود) وحتى الطريق السريع إلى تل أبيب.
ويبدو أن منفذ العملية كان من الاطمئنان بحيث أنه انتظر ساعة الغداء حتى فجرَّ نفسه ومن حوله، لكن هل تعي إسرائيل الدرس؟ وهو درس قديم، لعل أول من كتبه كان يهودياً مفاد الدرس: لا تحاصر عدوك إلى درجة اختيار الانتحار، وهذا ما فعله الإسرائيليون بالشعب الفلسطيني، احتلال وحصار وتجويع ومحاولات متكررة لإذلال قيادة الشعب الفلسطيني وإظهارها كمن يتسول السلام والتفاوض وعندما أُغلقت الخيارات أمام الشعب الفلسطيني لم يجد أمامه إلا الحركات الراديكالية الإسلامية التي تعتبر الاستشهاد طريقاً إلى التحرير.
فلم يكن في تصريحات ياسر عبد ربه (وزير الإعلام في السلطة الوطنية الفلسطينية) مفاجأة، وهو يحاول أن يحقق مكاسب سياسية من العملية الفدائية، إذ ألقى بمسؤولية العملية على إرئيل شارون وسياساته، رغم أن الرئيس عرفات ندد بالعملية، وندد بها أيضاً الرئيس (جورج بوش) لكنه دعا الطرفين إلى التزام ضبط النفس ويأتي هذا ضمن الإطار الذي رسمه لدور إداراته المحدود في النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، رغم النداءات لمزيد من الفعل الأميركي، وبالتالي فإنه لا يستطيع الضغط على شارون أو محاكاة ما فعله والده مع إسحاق شامير، عندما ربط المساعدات الأميركية لإسرائيل بالذهاب إلى مؤتمر (مدريد) للسلام.
شارون غير قابل لإعادة التأهيل فهو يتخطى مرحلة الصقور من مناحم بيجن بطل مجزرة (دير ياسين) وحتى بنيامين نتنياهو الذي يكره العرب عامة والفلسطينيين خاصة منذ مقتل شقيقه في عملية للموساد في (انتمي) بأوغندا.
شارون يريد أن يجد مسوغاً كافياً وإن أمكن بغطاء أميركي لاقتحام أراضي السلطة الفلسطينية أملاً في أن يهرب آلاف الفلسطينيين من أراضيهم وترسيخ الاستيطان أو في أضعف الإيمان خفض سقف المطالب الفلسطينية إلى الحد الأدنى لكن من الواضح أن شعبيته بل وحتى مصداقيته قد تدهورتا في نظر الإسرائيليين، فحكومته لم ترعب الفلسطينيين، بل وكان أداؤها الأمني أقل مما وعد به أما العملية السليمة فقد أصبحت من مخلفات الماضي، ومن غير المتوقع أن تقبل الحكومة الإسرائيلية بفكرة إرسال مراقبين دوليين في الوضع الراهن، خاصة مع غياب ما يلزم من ضغط أميركي.
اعتقالات في لبنان تعكر جو المصالحة
جميل عازر: كان من المنطقي أن يتوقع اللبنانيون أن تكون زيارة البطريرك نصر الله صفير إلى جزينا والشوف في جبل لبنان مناسبة سعيدة لما انطوت عليه من مغاز في اتجاه المصالحة الوطنية، ولكن حملة اعتقالات عشرات من الناشطين من أنصار القوات اللبنانية المحظورة ومن التيار الوطني الحر الموالي للجنرال (ميشيل عون) عكرت ذلك الجو بقدر ما أثارته من تساؤلات عن الهدف من ورائها والأجهزة التي أمرت بها، ويبدو أن الوضع في لبنان لا يزال من الحساسية ما يدفع السلطات -حكومة كانت أم أجهزة أمنية- إلى التعامل مع مظاهر أي معارضة بشكل ينم عن عدم الثقة في النفس.
تقرير/ بيبه ولد أمهادي: البلد الذي كان كثيرون يرون أنه الأكثر انفتاحاً ومراعاة للحريات العامة في العالم العربي عرف بدوره سلسلة اعتقالات واشتباكات بين قوات الأمن ومناهضين للوجود السوري فيه، المشاهد التي لم يألفها كثير من اللبنانيين توشك أن تشوه سمعة لبنان، وأن تدعم شكوى بعض المتظاهرين من تكميم الأفواه وتقييد حرية التعبير، وتوحي بأكثر من سؤال عن الأهداف الحقيقية لموجة الاعتقالات والمحاكمات التي شملت عشرات من أنصار العماد ميشيل عون، والزعيم السابق لتنظيم القوات اللبنانية المحظور (سمير جعجع) الرواية الرسمية تقول أن مؤيدي الزعيمين المسيحيين قد نالوا من مكانة رئيس الجمهورية والجيش اللبناني وأساؤوا إلى قوات بلد شقيق إشارة إلى مطالبتهم بانسحاب القوات السورية من لبنان، وقد اتهمهم وزير الداخلية اللبناني (إلياس المر) بالتخطيط لتقسيم لبنان، ويفسح أمر الاعتقالات الذي لم يصدر عن رئيس الجمهورية ولا عن رئيس الحكومة المجال أمام تساؤلات وتأويلات عديدة يتعلق بعضها بعودة الجفاء إلى علاقات الرئيس (إميل لحود) ورئيس الوزراء رفيق الحريري اللذين لم تمضي على تعايشهما في السلطة سنة كاملة، أما القوات السورية التي مازال عشرون ألفاً من عناصرها ينتشرون في لبنان، فقد غدا انسحابها أو إعادة انتشارها على الأقل مطلباً يتجاوز هتافات المتظاهرين وقضية سياسية تكاد تكون الشغل الشاغل لشخصيات مؤثرة في لبنان.
ولم يعد الأمر يقتصر على العماد عون الذي يعيش في المنفى بفرنسا منذ أرغمته القوات السورية على الانسحاب من قصر (بعبده) عام 90 أو على (سمير جعجع) الذي ظل على الدوام يناهض الوجود العسكري السوري والاحتلال السوري كما يحلو للبعض أن يسموه رغم أنه بدأ خلال الحرب الأهلية بمباركة من المسيحيين ولحمايتهم، الآن بات هذا الوجود الذي يمتزج فيه الجانب العسكري والأمني بالسياسي والاستراتيجي مثار انتقادات يحمل لواءها الكاردينال (نصر الله صفير) والزعيم الدرزي (وليد جنبلاط) وقد التقى الرجلان في مناسبة مثيرة للانتباه لأنها تتعلق بمحاولة لرأب صدع عميق بين المارونيين والدروز بدأت ملامحه تتشكل في أواسط القرن التاسع عشر.
وخلال زيارة البطريرك الماروني لمنطقة الشوف أفرزت المرحلة الجديدة مفردات تتحدث عن المصالحة والتعايش وعن التفاهم والتعاون إلا أن المشهد اللبناني الذي يتسم غالباً بالتعقيد قادر على إنتاج مواقف سياسية تتجاوز بكثير إرادة الدروز والمارونيين للمصالحة، أما الظروف الإقليمية التي لم تستقر بعد، وقد لا تستقر قريباً، نظراً لاستمرار الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية، فإنها قد لا تحسم بالضرورة لصالح التخلي عن المظلة الأمنية السورية.
الولاية الثانية للرئيس الإيراني محمد خاتمي
ومزيد من المواجهات بين التيارين الإصلاحي والمحافظ
جميل عازر: وأخيراً أدى الرئيس الإيراني محمد خاتمي اليمين الدستورية لولاية ثانية وليبدأ مهمة تشكيل حكومته الجديدة، وهذه عملية قد تكون محفوفة بمزيد من المواجهات بين التيارين الإصلاحي والمحافظ ورغم أن الرئيس الإيراني سيحاول إضفاء طابع التوازن على الحكومة، فإن البرلمان الذي يهيمن عليه الإصلاحيون سيبدي دون شك قدراً كبيراً من الحساسية إزاء أي وزير محافظ أو حتى محسوب على التيار المحافظ، ولكن محمد خاتمي الذي يتعامل مع المشاكل بهدوء الواثق من نفسه لن يجد في أي تحد برلماني ما يعيقه عن مسيرة الإصلاح والانفتاح، لأنها في صلب استراتيجيته.
تقرير/ خالد القضاة: بدأت الفترة الرئاسية الثانية لخاتمي بداية صعبة بأن اكفهر الجو بين تياره الإصلاحي وخصومه التقليديين من التيار المحافظ حول مسألة دستورية، ففي إيران يجب أن يكون أعضاء مجلس مراقبة الدستور حاضرين جميعاً في مراسم تنصيب الرئيس الجديد للبلاد، ويتألف هذا المجلس من اثني عشر عضواً منهم ستة من رجال الدين يعينهم المرشد الأعلى (آية الله علي خامنئي) وستة من الخبراء القانونيين يختارهم البرلمان من بين قائمة قصيرة يقدمها له رئيس السلطة القضائية ويتولى مجلس مراقبة الدستور مسؤولية ضمان توافق التشريعات مع الشريعة الإسلامية وله سلطة الاعتراض على أي مشروعات قوانين يوافق عليها البرلمان، العثرة الأساسية أمام خاتمي تمثلت في عدم موافقة البرلمان إلا على واحد من القانونيين الثلاثة في المجلس ورفضه المرشحين الآخرين من بين الستة الذين قدمهم إليه رئيس السلطة القضائية وهو من التيار المحافظ.
وهذه هي المرة الأولى التي يرفض فيها أعضاء البرلمان مرشحين لعضوية المجلس منذ السنوات الأولى بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 79 حجة حلفاء خاتمي في البرلمان الذي يسيطر عليه الإصلاحيون هي أن المرشحين متحيزون سياسياً ولا يتمتعون بخبرة قانونية، وبهذا الرفض يكون البرلمان قد وجه ضربة إلى خصومه الرئيسيين، وأكد سلطته كهيئة منتخبة ديمقراطياً باختيار المسؤولين السياسيين، حلفاء خاتمي في البرلمان يعرفون جيداً إن مجلس مراقبة الدستور الذي يهيمن عليه المحافظون لا تروق له خطوات الإصلاحيين الانفتاحية، فقد تصدى هذا التيار لكثير من إصلاحات الفترة الأولى من رئاسة خاتمي التي استمرت أربع سنوات، وحظر القضاء الإيراني الذي يهيمن عليه المحافظون أيضاً نحو 40 صحيفة محسوبة على التيار الإصلاحي وأصدر أحكاماً بسجن حلفاء بارزين للرئيس وبالتالي يعتبر أعضاء البرلمان هذه القضية فرصة لاستعادة النفوذ والهيبة، انتهاء الأزمة التي اعتبرت لي ذراع بين التيارين جاء بتدخل المرشد الأعلى للجمهورية مما يرسخ قوة موقعه كصاحب الكلمة الأخيرة في البلاد ويعزز أيضاً دور رافسنجاني ومجلس تشخيص مصلحة النظام الذي له القول الفصل في النزاعات السياسية، وفي الوقت نفسه أعتبر هزيمة للتيار الإصلاحي الذي كان يسعى إلى تأكيد سلطة البرلمان المنتخب على سلطة المسؤولين المعينين.
جميل عازر: ومن قناة الجزيرة في قطر نتابع هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، وفيه أيضاً: الاستنساخ بعد النجاح مع الحيوان إلى التجارب مع الإنسان فهل التوقعات تبرر المجازفات؟
المصالحة الوطنية في السودان
وإمكانية تنفيذ المبادرة المصرية الليبية
كان لابد أن يثير تصريح أحد كبار المسؤولين السودانيين بأنه لا توجد نية لدى الحكومة للمضي في الاتجاه نحو استفتاء لتقرير مصير الجنوب الشكوك حول إمكانية توصل الأطراف السودانية إلى صيغة للدخول من خلالها إلى تنفيذ المبادرة المصرية الليبية، وقد جاء ذلك النفي وسط إعلان الحركة الشعبية عن عمليات قامت بها في ولاية الوحدة ضد منشآت نفطية، وتهديدها لشركات النفط الأجنبية بأنها ستكون هدفاً لعمليات قادمة، ورغم نفي الخرطوم لهذه الادعاءات، فإن الموقف بين الحكومة والمعارضة مُرشح لمزيد من التعقيد فهناك هوة واسعة وعميقة بين القول: لا مساومة على الإسلام والشريعة، وبين المطالبة بفصل الدين عن الدولة.
تقرير/ حسن إبراهيم: رغم قبول معظم فرقاء النزاع السوداني بالمبادرة المصرية الليبية، فإن المشهد السوداني مثير لقلق كبير، حرب تدور رحاها منذ ثمانية عشر عاماً بين الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يقوده دكتور (جون جرنج دي مابيور) والحكومة السودانية، وقد تأرجحت مطالب الحركة خلال هذه المدة فوصلت حد التناقض، فبينما كانت تقول في البداية: إنها تخوض حرب تحرير لإنشاء سودان جديد ديمقراطي وعلماني انكفأت جنوبياً لبرهة من الزمن، كان دكتور جرنج ينادي فيها بقيام دولة (الأماتونج) الاشتراكية في جنوبي السودان ثم بعد تحسن علاقة الحركة الشعبية لتحرير السودان مع مصر عادت الحركة وحدوية مرة أخرى.
هذه الحرب الطاحنة أسهمت في إسقاط نظام المشير جعفر النميري، وحكومة الصادق المهدي، وها هي تحارب حكومة الإنقاذ الوطني بقيادة الفريق عمر البشير، منذ مجيئها إلى السلطة وحتى الآن، ورغم التطور الإيجابي الذي أحدثته المبادرة المصرية الليبية إلا أنها لم تستجب لمطالب الحركة الشعبية الأساسية، أي تقرير المصير، وفصل الدين عن الدولة وتفكيك الحكومة السودانية وتشكيل حكومة انتقالية موسعة، وفي رد على ما يعُتبر تصلباً في موقف الحركة، أعلن الفريق البشير تمسك نظامه بمشروعه الحضاري الإسلامي والحرب ليست بين الحكومة وحركة جارنج فقط، بل إن الأحزاب السودانية المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي المعارض قبلت مبدأ حمل السلاح، وفتحت المعارضة الشمالية جبهة في شرقي السودان المعضلة الأساسية أمام المعارضة السودانية، هي أن مصر التي تستضيف التجمع في القاهرة منذ نشأته عام 90 ترفض انفصال جنوبي السودان لأن هذا سيخلق دولة أخرى تفصل ما بين مصر ومنابع النيل ويشكل تهديداً للأمن المائي المصري.
لكن مصر ليست اللاعبة الوحيدة في المعادلة السودانية، فإريتريا استطاعت عبر تحالفاتها أن تقلق النظام السوداني، وتراشقت الخرطوم وأسمرة الاتهامات حول من يدعم إسلامي إريتريا ويتحالف مع إثيوبيا ضدها، إلا أن تحسن علاقات إريتريا والسودان، حرم الجيش الشعبي لتحرير السودان من مساحة كبيرة للمناورة، فطفق يخوض حرب استنزاف جديدة ضد الحكومة السودانية، وهاجمت قواته مناطق إنتاج النفط في ولاية الوحدة، إلا أن نذر الخلاف قد بدت للعيان بين طرفي المبادرة الليبية المصرية، فبينما تقول ليبيا: إنها ستعقد قمة عربية إفريقية لمناقشة الشأن السوداني نفت مصر علمها بهذه القمة، ومن هنا عادت الحركة الشعبية لتحرير السودان لتخلط الأوراق من جديد، وتقول: إنها تقبل بمبادرة (الإيجاد) التي تنص على فصل الدين عن الدولة ومع كل تصريح يخبو أمل في حدوث تغير إيجابي في السودان على المدى القريب أو المتوسط.
جميل عازر: وكنت قد تحدثت إلى مضوي الترابي (الباحث والمتخصص في الشؤون السودانية) والمقيم في لندن، وسألته أولاً عن النقاط المشتركة بين موقفي الحكومة من جهة وأطراف المعارضة من جهة أخرى.
مضوي الترابي (خبير الشؤون السودانية-لندن): الشيء المشترك أنه المعارضة ممثلة في التجمع الوطني الديمقراطي وفي الأحزاب التي تعمل سواء كانت مسجلة أو معلنة داخل الخرطوم، والحكومة نفسها ممثلة في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، كلهم متفقون على أساس أنه السودان دولة موحدة هذا هو الشيء الأول، الشيء الثاني.. كلهم اتفقوا بأنه حكم الدولة مركزياً كما كان مستمراً منذ الاستقلال سنة 56 أدى إلى تراكم هذه المشاكل نسبة إلى أن البلاد واسعة جداً نسبة للتنوع العرقي، نسبة للتنوع الديني، نسبة للتنوع الجغرافي، نسبة إلى وجود بعض الجهويات المتقافزة.
جميل عازر: طيب، في تقديرك أستاذ مضوي يعني ماذا وراء التردد والتناقض في المواقف، مثلاً الحكومة تقول: إنها لن تمضي في شأن استفتاء على تقرير مصير الجنوب جون جرنج يعلن يوماً أنه يؤيد المبادرة الليبية المصرية، ثم يقول الآن إنه سيمضي في المبادرة.. مبادرة الإيجاد، ما السبب في مثل هذا التفاوت والتردد في موقف الجانبين؟
مضوي الترابي: بالنسبة للعقيد جون جرنج أعتقد بأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يدعه يتأرجح في موافقته على المبادرة الليبية المصرية، هو مبدأ تقرير المصير، لأن هذه المبادرة الليبية المصرية لم تتضمن مبدأ تقرير المصير أساساً، أما بالنسبة للحكومة السودانية والتأرجح الذي تراه ما بين تضارب تصريحات المسؤولين، وتضارب تصريحات المسؤول الواحد منهم بين اليوم والآخر، أعتقد بأن الموقف داخل الحكومة لم يُحسم حتى هذه اللحظة، وأعتقد بأن هنالك تياران داخل هذه الحكومة، تيار عقلاني –في رأيي- يدعو أو يحاول جهده أن يجد حل سلمي ديمقراطي لهذه المشكلة، وتيار سلطوي داخل التنظيم الحاكم مازال يعتقد بأن ما وصلت إليه البلاد هو نهاية المطاف السياسي والمراد بالنسبة لكل الناس.
جميل عازر: طيب ما تداعيات هذا على إمكانية إيجاد أرضية مشتركة بين المعارضة، وبين الحكومة للبدء في تنفيذ واحدة من المبادرتين أو المبادرتين معاً؟
مضوي الترابي: دعني –يعني- استطرد بعض الشيء، مبادرة الإيجاد يا أخ جميل، لم تتطرق إلى حل المشكل السوداني بصورة نهائية أي أنها لم تتطرق إلى مشاكل الحكم في الشمال أساساً أو إلى مشاكل الديمقراطية أو الانفتاح السياسي كانت مشكلة معنية فقط بإنهاء الحرب في الجنوب، وكانت يمكن –إذا مصر ذهبت في طريقها- أن تخلق في السودان أشبه.. ما يشبه بدولتين أو دولة واحدة بنظامين، نظام الديمقراطي مفتوح في الجنوب، ونظام شمولي قمعي في الشمال هذا من ناحية الإيجاد لكن إذا أخذنا المبادئ المشتركة داخل مبادرة الإيجاد، والمبادئ المشتركة داخل المبادرة الليبية المصرية كان يمكن أن نصل إلى حل سياسي للمشكل برمته لكن الذي أراه في اللحظة الحاضرة أن هناك بادرة وفرصة سانحة للفرقاء السودانيين لحل سوداني في مؤتمر جامع يطرح التسع نقاط مضافاً إليها بعض النقاط غير متضمنة كتقرير المصير في مبادرة الإيجاد، ليجتمع عليها الفرقاء السودانيين ويقرروا أمرهم بنفسهم.
الاستنساخ والانتقال بهندسة الجينات
من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان
جميل عازر: لم يكن علم هندسة الجينات بعيداً عن الجدل والنقاش منذ نشأته، فالاعتبارات الأخلاقية كانت تطغى على غيرها من الاعتبارات بما فيها المتعلقة بالبيئة، ولم يخرج المؤتمر الذي عقدته الأكاديمية القومية الأميركية للعلوم في واشنطن عن هذا النهج وهو يناقش موضوع الاستنساخ، خاصة عندما أعلن باحثان في هذا المجال أنهما يعتزمان الانتقال بهذا الفرع من هندسة الجينات من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان ونظراً إلى التداعيات الأخلاقية والمحاذير العلمية، لابد من التساؤل إن كانت التوقعات تبرر المجازفات؟
تقرير/ حسن إبراهيم (قراءة ماجد عبد الهادي): البداية كانت النعجة (دوللي) في عام 97، ثم تلتها سلسلة طويلة من عمليات الاستنساخ الناجحة لخراف وقرود، وحتى خنازير، لكن لم يكن الطريق ممهداً، فمجيء دوللي كان بعد أن فشلت مئات التجارب وولدت نعجات مشوهات، أو نافقات، ويومها دقت نواقيس الخطر، فالعلماء كانوا يتحرقون للحصول على الجائزة الكبرى، أي عملية استنساخ بشري كاملة، وهو ما يعني تفريغ بويضة من نواتها، لتوضع فيها نواة من جسم الشخص المراد استنساخه بالهندسة الجينية، حتى تبدأ في الانقسام لتصل بعدها إلى مرحلة بويضة مخصبة عندما يمكن زراعتها في رحم أنثي، ويتوقع العلماء أن تثمر التجربة طفلاً يعتبر نسخة طبق الأصل بكل تفاصيل الشخص المستنسخ لكن هل ستنجح التجربة، وهل يمكن أن تكرر في حالة الفشل؟ هذا ما يقلق مجموعة من العلماء الذين اجتمعوا في المؤتمر الذي عقدته الأكاديمية القومية للعلوم في واشنطن لمناقشة أمر الاستنساخ البشري من أبرز المعارضين الدكتور (رودلث جانيتش) الذي حذر من أن 5% فقط من أجنة الحيوانات المستنسخة تولد حية، وأن بعض هذه الحيوانات تفارق الحياة في وقت مبكر نظراً لتعدد التشوهات الوراثية الناجمة عن أخطاء في عملية الاستنساخ، لكن المسألة مختلفة في نظر بطلي النقاش الدائر، الدكتور (سديرنو أنتينوري) الإيطالي الجنسية، والدكتور (بانوس زافوس) مؤسس مركز كنتاكي للولادة والتخصيب اللذين يتعاونان معاً في حقل الاستنساخ ليس في مجال النعاج أو الخنازير بل في مجال استنساخ البشر وهذا ما يقلق العلماء ورجال الدين والسياسة، وكان الرئيس الأميركي الذي وصل إلى البيت الأبيض ببرنامج يقترب من موقف اليمين الديني المحافظ قد منع جميع أنواع البحوث على الاستنساخ البشري، بل وتخطى هذا إلى منع التجارب على خلايا الأساس، وهي الخلايا الأولية المستخلصة من البويضات الملقحة، وهي في أطوار الانقسام الأولى، ويرى كثير من المتدينين أن تلك الخلايا تستخلص من الأجنة المجمدة وإن لم تزرع في رحم أم بعد، فهي نتاج تخصيب بويضة وحيوان منوي، أي أنها بداية تكوين جنين آدمي، وهو ما يجعل منها إنساناً محتملاً لو زرعت في رحم امرأة.
هكذا فإن التجارب تعتبر عبثاً بالطبيعة، لكن أنتينوري وزافوس تعاهدا ببدء تجارب الاستنساخ البشري في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني وقالا: إن التجارب ستجري على اليابسة، لا على ظهر سفينة كما أشاع البعض، ولكن هذه الأبحاث وأهدافها تصطدم بكثير من المعايير الأخلاقية حتى ولو لم توجد شكوك في مدى إتقان تكنولوجيا الاستنساخ البشري، الأمر الذي يتطلب الحذر على الصعيدين الرسمي والعلمي.
جميل عازر: وبهذا نأتي إلى ختام هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) ونذكر حضرات المشاهدين أن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة الجزيرة في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج وهذا جميل عازر يستودعكم الله فإلى اللقاء.