
موضوعات من فلسطين وزيمبابوي والعراق وغيرها
مقدم الحلقة: | توفيق طه |
تاريخ الحلقة: | 19/01/2002 |
– الأوضاع في الأراضي الفلسطينية
_ أسرى طالبان والقاعدة بين قوانين الأسرى ورغبة الانتقام الأمريكي
– الانتخابات الرئاسية القادمة زيمبابوي
– إشكالية عودة المفتشين إلى العراق واحتمال توجيه ضربة عسكرية
– الاتحاد المحتمل بين شطري جزيرة قبرص بعد تاريخ دموي من النزاع
توفيق طه: أهلاً بكم إلي هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، ومعنا هذا الأسبوع: "شهداء الأقصى" تنقض تعهدها بالتوقف عن العمليات، وإسرائيل تعود لمحاصرة المدن الفلسطينية في آخر ضربة للعملية السلمية.
والولايات المتحدة تعتبر أسرى طالبان والقاعدة مقاتلين غير شرعيين.. رغم اتفاقية جنيف ورغم الاحتجاجات الدولية.
وفي زيمبابوي موجابي ومؤسسته العسكرية يتحديان العالم، بينما يزداد التغوّل على الديمقراطية ويتسع هامش الفقر.
الأوضاع في الأراضي الفلسطينية
لم يفلح صانع القرار الإسرائيلي في كسر حدة المقاومة الفلسطينية، ولو حطم محطة الإذاعة والتليفزيون، فرغم الحصار والتقتيل والاغتيالات يبقى للمقاتل الفلسطيني معرفته بالأرض واستعداده غير المحدود للتضحية، ولن تمر فترة طويلة قبل أن يدرك الشعب الإسرائيلي أن الاستمرار في إلقاء اللوم على عاتق ياسر عرفات لتبرير إبقائه محاصراً في رام الله لن يزيد الأمور إلا اشتعالاً، وتبقى الصورة القائمة حالياً شاهداً حياً على فشل سياسات شارون في إخماد جذوة الغضب الفلسطيني.
تقرير/ سمير خضر : مشهد جديد من تلك المشاهد التي اعتاد عليها الإسرائيليون وأصبحوا يعرفونها حق المعرفة، مقاتل فلسطيني يقتحم عليهم حياتهم، ويوجه نيران أسلحته عليهم، فيُقتل من يُقتل ويجُرح من يُجرح، وتكون النتيجة في الغالب مصرع هذا الفلسطيني وتعزيز روح التطرف والعنصرية والغلو في المجتمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين جميعهم، لكن أحداً منهم لا يطرح السؤال الهام والوحيد : لماذا؟ لماذا يحدث ما يحدث؟ من المسؤول؟ الشيء الوحيد الذي يبادر إلي ذهنهم الرد العسكري القاسي، إذ تقوم الطائرات والدبابات والصواريخ بالقصف العشوائي، وتكون النتيجة مزيداً من القتل والتدمير ومزيداً من الضحايا والألم الذي يؤدي بدوره إلي ردة فعل انتقامية أخرى، وهكذا تستمر دوامة العنف والعنف المضاد، دوامة لا بداية لها ولا نهاية أرادها أربيل شارون لتنفيذ مخططه الذي لم ينتخب على أساسه، بل على أساس جلب الأمن لمواطنيه، لكنه لم يجلب لهم في الواقع سوى مزيد من الألم. رئيس الحكومة الإسرائيلي يسير على خطى خطة جهنم التي وضعها، والتي تتلخص في هدفين لا ثالث لهما، الأول: الانفكاك نهائياً من اتفاقات أوسلو التي يعتبرها كارثة ووبالاً على حلمه في إسرائيل كبرى، والثاني: إطاحة القيادة الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات وتسوية حساباته القديمة معها، حتى وإن قدمت هذه القيادة تنازلات لم تكن تخطر على بال إسرائيلي، ومحاولة إيجاد قيادات محلية بديلة يعرف شارون تماماً إنها غير مستعدة للسير معه في هذه الخطة. فالسلطة الفلسطينية أصبحت اليوم مستهدفة أيضاً من الداخل بسبب سلسلة من الاعتقالات كان أبرزها اعتقال زعيم الجبهة الشعبية أحمد سعدات الذي تطالب إسرائيل بتسليمه لضلوعه في اغتيال وزير السياحة المتطرف (رحبعام زائيفي). ولكن في الوقت الذي اعتقل في سعدات انبرت إسرائيل للإعلان عن عدم رضاها رغم المظاهرات التي عمت الشارع الفلسطيني مطالبة بإطلاق صراح زعيم الجبهة الشعبية.كما تمكنت السلطة الفلسطينية من لجم معظم الفصائل أو على الأقل إقناع بعضها بضرورة احترام وقف إطلاق النار، ورغم أن ذلك يشكل مطلباً شارونياً فإن رئيس الحكومة الإسرائيلي حاول سحب البساط من تحت أقدام عرفات، فحين بدأ الهدوء يعم الأراضي الفلسطينية قامت القوات الخاصة الإسرائيلية بتنفيذ عملية كانت تعرف تماماً أنها لن تمر دون رد فعل انتقامي، وهذا ما حدث من خلال اغتيال قائد كتائب شهداء الأقصى في طولكرم رائد الكرمي، الذي وافق شخصياً على الالتزام بالهدنة التي أعلنها عرفات، لكن هذا الالتزام وهذه الهدنة ليست في مصلحة شارون التي رأى فيها محاولة لإجهاض مخططه. الدبابات الإسرائيلية أصبحت اليوم على مرمى حجر من مقر الرئيس الفلسطيني في رام الله، ويبدو أنها تنتظر الضوء الأخضر للإجهاز عليه شخصياً وقلب كامل المعادلة الشرق أوسطية رأساً على عقب.
أسرى طالبان والقاعدة بين قوانين الأسرى ورغبة الانتقام الأمريكي
توفيق طه: تستفز تصريحات وزير الدفاع الأميركي (دونالد رامسفيلد) مشاعر الكثيرين، فهو قد أصر علي أن أعضاء طالبان والقاعدة لا تنطبق عليهم مواد اتفاقية جنيف للتعامل مع أسرى الحرب، ولو طبقت الاتفاقية لحرمت رامسفيلد وبلاده من لذة الانتقام لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولن يكون باستطاعته استنطاق الأسرى بالأساليب العسكرية المعروفة، كما لن يكون بوسعه التفرقة في معاملة ما بين السجناء الغربيين والسجناء من أصول عربية أو أفغانية.
تقرير/ حسن إبراهيم : لم تعبأ الولايات المتحدة كثيرة بالانتقادات التي وجهتها إليها منظمات حقوق الإنسان بسبب سوء معاملتها لأسرى طالبان والقاعدة، فقد قُيِّد هؤلاء بالسلاسل إلى مقاعد الطائرات التي طارت بهم لمدة أربعة وعشرين ساعة من قندهار وإلى قاعدة جوانتنامو في كوبا، ثم أُعدت لإقامتهم أقفاص من الأسمنت المسلح والفولاذ في ذلك الجزء الاستوائي المناخ من العالم، وتصر الولايات المتحدة على أن المعاملة التي يلقاها أسرى طالبان والقاعدة إنسانية رغم رفضها التعامل معهم كأسرى حرب، بل سمتهم "مقاتلين غير شرعيين" لا تنطبق عليهم مواد اتفاقية جنيف للتعامل مع أسرى الحرب لعام 49،لكن مواد اتفاقية جنيف تحكي قصة أخرى، أولاً: المادة الثانية تنص على أن الاتفاقية تسري على كل حالات الحرب أو النزاعات المسلحة التي تنشب بين فصيلين متنازعين حتى لو لم يعترف الطرف الآخر بأن حالة الحرب تسري على النزاع القائم بينهما.
ثانياً: البند الثاني من المادة الرابعة من الاتفاقية والتي تعرف من هو أسير الحرب يقول بأن ذلك يشمل من كانوا أعضاء في مليشيات أو يقاتلون طواعية في حركات المقاومة المنظمة للاحتلال، حتى لو كان الأفراد يقاتلون في أرض غير أرضهم.
ثالثاً: تحرم المادة السادسة عشر من الاتفاقية التفرقة في المعاملة بين الأسرى على أساس الجنسية أو العنصر أو الديانة.
رابعاً: تحرم المادة السابعة عشر من الاتفاقية ممارسة أي ضغط نفسي أو جسدي لإرغام الأسرى على الإدلاء بأي معلومات، فما يجب على السجين الإدلاء به هو اسمه ورتبته فقط، وأن أي تحقيق مع الأسرى يجب إجراؤه بلغة يفهمونها.
خامساً :أما المادة السبعون من الاتفاقية فهي تعطي أسير الحرب الحق في كتابة الرسائل إلى أسرته لطمأنتهم على أحواله، وأن على من أسروه إيصال رسائله بانتظام عبر الوكالات الدولية المتخصصة. وبالتالي فإن وعيد وزير الدفاع الأميركي بأن بلاده ستحصل من الأسرى على كل المعلومات المهمة غير قانوني، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة تحتفظ بالأسرى في رقعة تقع خارج الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي لا تسري عليها قوانين الحقوق المدنية والقانونية الأميركية، لذا فلا توجد ضمانات بأن التعذيب لن يستخدم ضد الأسرى، وهو ما يخالف المادة السابعة عشر من الاتفاقية.
والتعتيم الإعلامي الذي فرض على الأسرى لا شك يخالف المادة السبعين من الاتفاقية التي تعطي الأسري الحق في تبادل الخطابات مع ذويهم. لكن أكثر ما سيحرج الولايات المتحدة أخلاقيا على الأقل هو نيتها محاكمة الأسير الأميركي (جون ووكر) أمام محكمة مدنية أميركية، بينما قد يمثل بقية الأسري العرب والأفغان أمام محاكم عسكرية سرية، في مخالفة صريحة للمادة السادسة عشر من الاتفاقية.
توفيق طه: ولإلقاء مزيد من الضوء على موضوع الأسرى واتفاقية جنيف تحدثت عبر الهاتف إلى كمال السماري من منظمة العفو الدولية، وسألته أولاً إن كان تصريح وزير الدفاع الأميركي بخصوص عدم سريان اتفاقية جنيف على أسرى طالبان والقاعدة يعفي واشنطن من التزاماتها تجاههم.
كمال سماري: أول شيء ليس من صلاحيات وزير الدفاع الأميركي وأي.. ولا أي وزير ولا أي حكومة أن تؤول حسب هواها اتفاقية جنيف، وأن تقرر من هو أسير الحرب بخلافه، الاتفاقية.. اتفاقية جنيف واضحة، والصليب الأحمر الدولي وهو الضامن لهذه الاتفاقيات في تنفيذها أعلن صراحة بأن هؤلاء هم أسرى حرب، فبالتالي ما تقوم به السلطات الأميركية بمحاولة لتأويل اتفاقيات جنيف هي فقط محاولة للتهرب من مواجهة الواقع ألا وهو احترام القوانين الدولية، هذا هو نزاع مسلح دولي بين قوى التحالف من جهة وقوى الطالبان والأعضاء والأعضاء المساندين لها .. إن كانوا من القاعدة أو من غيره، وهذا النزاع المسلح تنطبق عليه القوانين.. قوانين الحرب، ولا يمكن التنصل من هذه القوانين تحت أية علة.
توفيق طه: نعم، يعني هل ترى أن إعلان واشنطن من جهة أنها ستقيم محاكم عسكرية لمحاكمة المشتبه فيهم في تنظيم القاعدة وبين تصريح رامسفيلد، هل ترى يعني أي تناقض بين التصريحين؟
كمال سماري: لا، هو في واقع الأمر منذ البداية قالت الولايات المتحدة أنها ستحيل الذين سيتم اعتقالهم إلى محاكم عسكرية، وقلنا آنذاك في منظمة العفو الدولية أننا ضد المحاكم العسكرية أولاً لأنها لا تضمن المحاكمة العادلة، وقلنا أن المحاكم الأميركية مخوّلة ولديها صلاحيات في النظر في قضايا المشتبه في ضلوعهم في أحداث أيلول/ سبتمبر. أما بخصوص أسرى الحرب فالقوانين يعني واضحة إما أن يكونوا هؤلاء متهمين وتثبت ضدهم أنهم ارتكبوا جرائم حرب وبالتالي يتم محاكمتهم وفق القوانين، أو يتم إطلاق سراحهم.
توفيق طه: نعم لكن يعني لاحظنا أن واشنطن اقدمت على نقل هؤلاء الأسرى من أفغانستان إلى جوانتنامو وهي أرض يعني وإن كانت قاعدة أميركية إلا أنها خارج الأراضي الأميركية، ماذا يعني هذا بالنسبة لظروف محاكمتهم؟
كمال سماري: يعني بالتأكيد هذا في إطار محاولة التنصل من التزاماتها ومسؤولياتها الدولية اختارت الولايات المتحدة أن تحاكم هؤلاء أن تضع هؤلاء خارج يعني الدستور والمحاكم الأميركية كي لا يتم استئناف أو كي لا يتم يعني المحاكم الأميركية كانت بالتأكيد سترفض مثل هذه المعاملة، وضع أناس في.. في أقفاص واستجوابهم دون حضور أي محامي أو دون الاتصال بأي طبيب أو بأي قريب.
توفيق طه: يعني هل هذا يعطي الجهات الأميركية المختصة صلاحيات أكبر أو حرية أكبر في التعامل مع أولئك الأسري لانتزاع ما قالت إنها معلومات كاملة تريدها عن.. عن تنظيم القاعدة؟
كمال سماري: هو بالتأكيد هذا المعسكر تديره المخابرات الأميركية، وعملية الاستجواب هناك مستمرة، وهي.. وعملية الاستجواب هذه هي غير قانونية ومخالفة لجميع القوانين.
توفيق طه: الآن أستاذ كمال، هناك اجتماع لمنظمات حقوق الإنسان في دبلن، يعني على جدول أعمال هذه اللجان أي شيء يتعلق بمعاملة الولايات المتحدة لأسرى الحرب من تنظيم القاعدة وطالبان ؟
كمال سماري: قسم كبير من هذا المؤتمر دار حول تداعيات أحداث أيلول على الحقوق المدنية والسياسية وعلي الحريات في جميع أنحاء العالم بدءاً بالولايات المتحدة مروراً بآسيا والشرق الأوسط، وقدمت أوراق من قبل باحثين مختصين حول هذه التداعيات وحول المخاطر التي تحدق الآن بالحريات في جميع أنحاء العالم بدءاً بالولايات المتحدة.
توفيق طه: ومن قناة الجزيرة في قطر نتابع معكم هذه الجولة في الملف الأسبوعي، وفيها أيضاً بعد الفاصل: فرقاء الأمس يجمعهم رنين اليورو أكثر مما تجمعهم الروابط التاريخية الدموية.
الانتخابات الرئاسية القادمة زيمبابوي
ربما كان قدر أفريقيا أن يحكمها رجل على شاكلة (روبرتو موجابي)، فالرجل تسبب بسياسته في إفقار بلاده، وليست جميع المشاكل في زيمبابواي بالطبع من صنع الاستعمار والمزارعين البيض كما يردد موجابي، بل هي نتاج عهد طويل من الفساد والبيروقراطية وحكم الفرد، وها هو جيش زيمبابواي يعلن رفضه لفوز المعارضة في الانتخابات حتى لو حصلت على جميع أصوات الناخبين.
تقرير/ جيان يعقوبي: فيما تقرب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من موعدها المرتقب في مارس/ أذار المقبل يسود الشارع السياسي في زيمبابواي مزيد من الترقب والتخوف، حيث لا يخفي الكثيرون قلقهم من أن الرئيسي المخضرم (روبرت موجابي) لن يدخر وسعاً هو وحزبه الحاكم للفوز في هذه الانتخابات، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل البلاد ووحدة مواطنها موجابي البالغ سبعة وسبعين عاماً، والذي يحكم زيمبابواي منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1980،يواجه في الانتخابات القادمة أول تهديد جدي لنظامه، بعد أن نجح زعيم المعارضة (مورجانت فانجراي) في تسليط الأضواء على المضايقات التي يتعرض لها حزبه، "حركة التغيير من أجل الديمقراطية"، وفي حشد تأييد دولي لدعم للمعارضة وصل إلي تهديدات أطلقها الاتحاد الأوروبي ورابطة الكومنولث ضد الرئيس موجابي ما لم يستجب للمطالب الدولية بتوجيه دعوة لمراقبين دوليين يشهدون الانتخابات وتأمين الحرية الكاملة لوسائل الإعلام الوطنية والدولية لتغطيته.، رغم كل هذه الضغوط الداخلية والخارجية على نظام موجابي فإن المراقبين لا يتوقعون أن يستسلم الرئيس بسهولة أمام خصومه، فهو مدعوم من قبل جيشه وأجهزته الأمنية التي بناها طوال عقدين من الزمن، لهذا لم يكن غريباً أن يهدد قائد القوات المسلحة بعدم تأييد أي رئيس يختاره الناضبون يرى الجيش أنه غير مؤهل لهذا المنصب، وجاء هذا الموقف بعد أن قرر موجابي مضاعفة رواتب قوات الجيش والشرطة بنسبة مائة في المائة، تحسباً لأي تحرك من جانب المعارضة يستدعي تدخلاً عسكرياً، كما يعتمد موجابي على أنصاره في حزب زانو الحاكم وعلى المزارعين السود المستفيدين من عملية الإصلاح الزراعي، الذي حصلوا بمقتضاها على الأراضي التي كان يملكها البيض.
الصورة تبدو قاتمة في هراري، فالأزمة الاقتصادية الخانقة التي أوصلت الناس إلي مرحلة الجوع الحقيقي، وتفشي الفساد في صفوف النخبة الحاكمة، وتوقف صندوق النقد الدولي عن حقن شرايين النظام بمزيد من القروض، كلها أثارت أكبر موجة من الانتقادات للرجل القوي، وتبقى الانتخابات المقبلة الفرصة الأخيرة لشعب زيمبابواي كي يقرر مصيره بنفسه.
إشكالية عودة المفتشين إلى العراق واحتمال توجيه ضربة عسكرية
توفيق طه: إشارات متضاربة تلك التي تخرج من واشنطن بخصوص العراق، فالرئيس(بوش) مازال يهدد بغداد بضربة ماحقه إن لم يسمح بدخول المفتشين الدوليين إلي منشآت العراق العسكرية، ويبدو أن تصريحات الرئيس الأميركي دغدغت أحلام المعارضة العراقية بسيناريو أفغاني، تدور أحداثه على ضفاف الخليج، لكن إىي أن تتضح نوايا الإدارة الأميركية تبقى آمال المعارضة العراقية بدخول بغداد على ظهر دبابة أميركية مجرد أحلام.
تقرير/ سمير خضر : ألوف من العراقيين يجوبون شوارع بغداد لتخليد ذكري "أم المعارك "،تلك المعركة التي واجهت فيها بغداد تحالفاً دولياً لإخراج جيشها من الكويت. أحد عشر عاماً مرت ولايزال العراق يحتفل بهذه الذكرى، ففي نظر القيادة العراقية لم تشكل أم المعارك هزيمة بل بداية مواجهة طويلة الأمد، فها هي الولايات المتحدة التي قادت قوات التحالف قبل أحد عشر عاماً لا تزال تعاود الكرّة وتتحدث عن احتمال توجيه ضربة جديدة للعراق إذا لم تسمح بغداد بعودة المفتشين الدوليين للتأكد من خلوه من أسلحة الدمار الشامل. ولكن ومنذ أكثر من ثلاث سنوات خرج مفتشو الأمم المتحدة ولم يعودوا، فمهمتهم انتهت بنظر بغداد التي لا تزال تصر على أنها تخلصت من كل ترسانتها المحظورة بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، ودليلها على ذلك هو عدم تمكن فرق المفتشين من اكتشاف أي شيء ذي أهمية منذ سنوات طويلة. ومن الواضح أن واشنطن ومعها عدد من حلفائها لا تبالي بمثل هذه التصريحات إذ أن شغلها الشاغل لم يعد التفتيش عن الأسلحة بقدر محاولة تغيير النظام الحاكم في بغداد. ولكن ما البديل؟ الولايات المتحدة حاولت جاهدة لمّ شمل المعارضة العراقية في الخارج ،ولوحت لها بملايين الدولارات من أجل ذلك، لكن هذه المعارضة، والتي تعرف واشنطن تماماً بأنها لا تخطى بقبول داخل العراق، فشلت في تحقيق أي من الأهداف التي رسمها لا صانعوا القرار الأميركي، لا بل إن واشنطن قررت وقف صرف مساعداتها المالية لها بسبب ما ترى أنه تلاعب في أموال هذه المساعدات، كما أن دعوات هذه المعارضة لواشنطن لتحذو مع العراق حذوها مع أفغانستان لا تجد آذاناً صاغية، على الأقل حتى الآن رغم تعهد عدد من الفصائل باحترام حقوق الإنسان وعدم التورط في مجازر وخروقات كتلك التي ارتكبها تحالف الشمال بعد سقوط نظام طالبان، غير أن أي قرار يتعلق بالعراق من يبنع فقط من دهاليز البيت الأبيض والبنتاجون و لامبلي، فهناك لاعبون أساسيون كثُر، وقد تكون تركيا على رأس هذه القائمة، فأنقرة هي الحليف الإستراتيجي الأكيد لواشنطن في المنطقة، ولاعب هام على صعيد حلف الأطلسي، وبدونها لا يمكن أنُ يكتب النجاح لأي سيناريو يستهدف العراق، وحتى الآن لا يبدو أن تركيا مرتاحة تماماً لمشاريع واشنطن تجاه العراق، وخاصة بما يتعلق باحتمال تقسيمه إلي دويلات، وربما إنشاء دولة كردية على حدودها، وهذا بحد ذاته يشكل كابوساً لكل من يتبوأ مقاليد الحكم في أنقرة. أما القوى الدولية لأخرى وعلى رأسها روسيا فإنها تقتنع بعد بجدوي أي تحرك أميركي تجاه توجيه ضربة عسكرية أميركية للعراق، فمصالحها الاقتصادية مرتبطة بشكل وثيق مع بغداد، وهي لن تتنازل عن هذه المصالح لإرضاء سيد البيت الأبيض، حتى وإن كانت ذراع هذا السيد أصبحت اليوم طويلة جداً.
الاتحاد المحتمل بين شطري جزيرة قبرص بعد تاريخ دموي من النزاع
توفيق طه: وأخيراً إلي جزيرة قبرص حيث يحاول (جلافكوس كلاريدس) (ورؤوف دنكتاش )التوصل إلي صيغة تعايش بين شطري الجزيرة قد تتطور إلى اندماج، وقد عادت الروح إلى المفاوضات بسبب قرب انضمام قبرص اليونانية إلي الاتحاد الأوروبي، وبما أن تركيا لم تثبت بعد خلو سجلها من انتهاكات حقوق الإنسان يبدو أن دنكتاش يريد اللحاق بالقطار الأوروبي عبر جيرانه اللدودين.
تقرير/ حسن إبراهيم: يبدو أن اقتراب موعد التحاق الشطر اليوناني من قبرص بالاتحاد الأوروبي قد حرك المياه الراكدة في الجزيرة الممزقة، والتي دام الصراع فيها بين الأقلية المسلمة التركية والأغلبية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية ثمانية قرون ، إلا أن الصراع الحالي يعود إلي عام 55 عندما أصرت الطائفة اليونانية على الاتحاد مع اليونان، وكانت منظمة "أيوكا" الإرهابية الاتحادية (تؤمن) تقتيلاً في المسلمين وفي من يعارضها من القبارصة اليونانيين، وبما أنه كان ضباط من الجيش اليوناني يدعمون أيوكا فقد نشرت تركيا قواتها لمساعدة المسلمين الأتراك، ولم يتوقف التقتيل ما بين الطائفتين حتى بعد الاستقلال، فاضطرت الأمم المتحدة إلى نشر قوات ضغط سلام في الجزيرة عام 65، ومع اتساع الهوة بين شقي الجزيرة غزت تركيا شمالي قبرص في العشرين من يوليو /تموز عام 74، ثم في عام 83تشكلت جمهورية شمالي قبرص التركية برئاسة رؤوف دنكتاش، أما الشطر الأعظم من جزيرة قبرص فقد ظل جمهورية مستقلة يونانية خالصة يرأسها الآن جلافكوس كلاريدس.
ولا يمكن فصل الصراع القبرصي عن العلاقات بين تركيا واليونان، وكانت تركيا ترفض توحيد شطري الجزيرة ما لم تتم أولاً تسوية القضايا العالقة بحقوق التنقيب عن النفط في بحر"إيجه" وحقوق الصيد والحدود البحرية، وتتهم تركيا اليونان بدعم الأكراد الانفصاليين من حزب العمال الكردستاني، وتفجرت هذه القضية بشدة عندما اختطفت تركيا زعيم الحزب عبد الله أوجلان الذي ينتظر تنفيذ حكم بالإعدام حالياً. ودأبت قبرص اليونانية على التلويح بورقة الأسلحة المتقدمة التي ستشتريها من روسيا ودول أوروبا الشرقية، وهو ما يثير حفيظة تركيا التي ثار غضبها بسبب ما تراه تحيزاً أوروبياً تجاه قبرص اليونانية المسيحية. وكانت عضوية تركيا قد رُفضت على عهد رئيس الوزراء الأسبق مسعود يلمظ، وكان السبب الأهم هو سجل تركيا المتردي في حقوق الإنسان. دنكتاش يعلم أنه لن يستطيع العيش خارج الحماية التركية، فرغم الدخل من السياحة إلا أن قبرص التركية تبقى فقيرة للغاية، ولاشك أن توحيد الجزيرة تحت اتفاقية تضمن حقوق المسلمين هو السبيل الوحيد للخروج من المآزق المالية الكثيرة التي يمر بها الشطر التركي، ويعلم كلاريدس كذلك أنه لو لم يتم التوصل إلي حل نهائي لمشكلة قبرص التركية فإن الخط الفاصل بين شطري الجزيرة يمكن أن يتحول إلي جبهة حرب في أي لحظة.
توفيق طه: بهذا نأتي مشاهدينا الكرام إلى ختام جولتنا في الملف الأسبوعي، ونذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلي مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت ) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، وسنعود –إن شاء الله- في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة الجزيرة في قطر، تحية لكم من فريق البرنامج، وهذا توفيق طه يستودعكم الله.