عدد من أفراد رجال الشرطة الفلسطينية ينظرون إلى حطام مركزهم الذي دمرته القوات الإسرائيلية في نابلس بالضفة الغربية
الملف الأسبوعي

موضوعات من فلسطين وأفريقيا وإندونيسيا وإيرلندا

وقف إطلاق النار في ظل مخطط شارون لتدمير عملية السلام، والاتحاد الأفريقي بين الطموح والحلم، والأزمة بين الرئيس الإندونيسي والبرلمان، ومأزق الرئيس الفرنسي بين الانتخابات والاتهامات، وإيرلندا الشمالية ومحاولات التوفيق بين الجمهوريين والاتحاديين.

مقدم الحلقة

جميل عازر

تاريخ الحلقة

15/07/2001

– وقف إطلاق النار ومخطط شارون لوقف عملية السلام
– الاتحاد الإفريقي بين الطموح والحلم
– الأزمة بين الرئيس الإندونيسي والبرلمان
– مأزق الرئيس الفرنسي بين الانتخابات والاتهامات
– أيرلندا الشمالية ومحاولات التوفيق بين الجمهوريين والاتحاديين


undefined

جميل عازر: مشاهدينا الكرام أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه:

لا وقف لإطلاق النار والإسرائيليون يواصلون مخطط الهدم لمنازل الفلسطينيين لتدمير عملية السلام وأكثر.

الاتحاد الإفريقي بديلاً عن منظمة الوحدة الإفريقية طموح يتجاوز حدود الواقع، أم حلم قابل للتحقيق؟

الرئيس الفرنسي جاك شيراك بين وطأة التلويح باتهامه بالفساد وضغط الاستعداد لانتخابات الرئاسة.

وقف إطلاق النار ومخطط شارون لوقف عملية السلام

يخطئ من يظن أن حكومة أرئيل شارون تتصرف كرد فعل على الأحداث اليومية في أجندة انتفاضة الأقصى، وحتى لو توفر حسن الظن في نوايا رئيس الحكومة الإسرائيلية فإن تاريخ هذا الجنرال الدموي ورؤيته للصراع العربي الصهيوني يؤكدان أنه ينفذ مخططاً يكمن في صلب عقيدته الليكودية، وإلا كيف نفسر عمليات هدم البيوت الفلسطينية والهجمات على مراكز السلطة الوطنية والتلويح باغتيال أو تصفية رموزها على غرار ما حل بعدد من ناشطي الانتفاضة، وهل من دخان بدون نار؟ فيما أوردته مجلة Jeans في تقريرها الخارجي عن خطة عسكرية إسرائيلية لمهاجمة مناطق السلطة وتصفية قادتها وإرغامهم على الرحيل؟

تقرير/ سمير خضر: إذا كان هذا هو وقف إطلاق النار فكيف تكون الحرب إذن؟! هذا ما وصل إليه الوضع اليوم في الأراضي الفلسطينية، تبادل للاتهامات وتبادل لإطلاق النار، وتخوف من مغامرة شارونية يتوقعها الجميع على المدى القصير، فرئيس الحكومة الإسرائيلية لا يستطيع الاستمرار طويلاً في لعبة القط والفأر التي تدور رحاها بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ يتوجب عليه قريباً تقديم فاتورة مفصلة للناخبين الذين وثقوا به وبوعوده بجلب الأمن، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن، لكن أي مغامرة عسكرية تتطلب تخطيطاً دقيقاً، وها هو شارون يجوب عدداً من الدول الأوروبية لتمهيداً الطريق أمام عمل جذري قد يطيح بكل عملية السلام من خلال تصوير القيادة الفلسطينية وكأنها العائق الرئيسي أمام عودة الهدوء واستئناف عملية السلام، وحتى لو لم يحصل شارون على الضوء الأخضر من المجتمع الدولي فإن مجرد تسريب تفاصيل خطة إسرائيلية للإحاطة بالقيادة الفلسطينية يعتبر كافياً بنظره لممارسة مزيد من الضغط على الفلسطينيين، هذه الخطة تنص على اجتياح القوات الإسرائيلية لما تسمى بمناطق (أ) التابعة حصرياً لإدارة ونفوذ السلطة الفلسطينية وتصفية القيادات الفلسطينية جسدياً، أو إجبارها على الفرار إلى الخارج وأسر قوات الشرطة الفلسطينية، وبالطبع فإن النتيجة الوحيدة لمثل هذه الخطة هي القضاء نهائياً على عملية السلام، وهذا ما يريده شارون وائتلافه اليمني الحاكم حتى ولو أدى ذلك إلى إشاعة جو من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط بكامله.

إعلان

ومثل هذا التطور لا يمكن أن يسعد واشنطن أو حلفائها الغربيين الذين لا يرون بديلاً في الوقت الحاضر لياسر عرفات، وقد حذروا شارون مراراً من المضي قدماً في هذا السيناريو لأنه سيعني وصول قيادة أو قيادات فلسطينية راديكالية إلى موقع السلطة لا يمكن التفاهم معها، لأنها أصلاً ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وهو ما يمكن أن يشكل كابوساً لأي مسؤول إسرائيلي.

أما الفلسطينيون أنفسهم فإن العديد منهم يعتقد أن خطة شارون هذه قد دخلت حيز التنفيذ بالفعل من خلال عمليات الهدم المستمر للمنازل الفلسطينية التي تشكل مقدمة لهدم ما تم بناؤه منذ عام 93.

الاتحاد الأفريقي بين الطموح والحلم

جميل عازر: ربما يكون اجتماع القمة الإفريقية الأخير بمثابة بداية عهد جديد لإفريقيا، فقد بدأ العد التنازلي لتفكيك منظمة الوحدة الإفريقية أملاً في تعويضها بإنشاء اتحاد إفريقي، ويبدو أن القمة متفقة على وجوب العمل بسرعة لتحقيق هذا الحلم بحيث قلصت مدة ولاية الأمين العام الجديد للمنظمة من أربع سنوات إلى سنة واحدة، الأمر الذي يعني مولد اتحاد إفريقي في غضون عام،وحتى لو أمكن التحول من منظمة وحدة إلى اتحاد تظل هناك تساؤلات عديدة حول قابلية تنفيذ الاتحاد وتكوين مؤسساته مهما يكن طابعها والأسس التي ستقوم عليها.

تقرير/ حسن إبراهيم: شتان ما بين (أديس أبابا) عام1963 ولوسكا عام 2001م وجمهرة حكام إفريقيا الذين اجتمعوا لكي يشهدوا مولد الاتحاد الإفريقي أثارت في بعض المراقبين إحساساً بالتشاؤم، بينما استبشر البعض بمولد اتحاد على أنقاض منظمة الوحدة الإفريقية، فعند النظر إلى هؤلاء الزعماء نجد أن كثيرين منهم أتوا إلى الحكم عبر فوهات المدافع لا صناديق الاقتراع، وحتى الذي وصل إلى الحكم منهم عبر صناديق الاقتراع كانت نزاهة الانتخابات مشكوكاً فيها، وشتان بين ممارسة بروتوكولات العمل الديمقراطي وممارسة حقيقية ديمقراطية.

فعلى الرغم من رئيس زامبيا الدولة المضيفة نفسها (فريدريك شينوبا) قد أتى إلى الحكم إثر انتخابات ديمقراطية خلف فيها محرر البلاد (كينت كاوندا) فإنه يريد تعديل الدستور الديمقراطي لتبرير انتخابه رئيساً للمرة الثالثة، الحفل الافتتاحي كان تجمعاً لأكبر مجموعة مدينين في العالم، فكل إفريقي مدين بمبلغ مائة ألف دولار للمؤسسات والمصارف العالمية، وقد تقلص نصيب إفريقيا من التجارة العالمية إلى حوالي 3% بينما تحتوي أرض إفريقيا على حوالي 30% من المواد الخام في العالم، وعلى الرغم من تعدد التجمعات الاقتصادية الإقليمية في إفريقيا فإنه من الواضح أن القارة لا قبل لها بمجابهة متطلبات العولمة واتفاقية التجارة الدولية، "إفريقيا يسودها الفساد" هذه مقولة قد يتفق عليها معظم المراقبين، لكن الأشد فتكاً من الفساد هو غياب الرؤية المتميزة عن بقية العالم، فالإذعان لواقع العولمة لم ولن يفيد الدول الإفريقية وكان حكيم إفريقيا الراحل (جونيا سراريري) قد حاول التحذير مبكراً ومنذ مطلع الستينات من الانجراف وراء قطار الاقتصاد الغربي، لكن لم يستمع له كثيرون وكانت النتيجة كما نرى حالياً، لكن الزعيم الليبي متفائل فهو يبشر بدولة إفريقية واحدة من الأسكندرية وحتى رأس الرجاء الصالح، لكن يخشى المراقبون أن يتعامل الزعيم الوحدوي الزمن مع الاتحاد الإفريقي بنفس مقاييسه التي فشلت في إقامة دولة الوحدة العربية من اليمن إلى غطوان، ويخشى المراقبون من مخاطر القفز فوق المراحل التاريخية وأن ينزلق الكيان الجديد إلى لعبة التنافس حول الزعامة بين جنوب إفريقيا صاحبة أضخم وحدة اقتصاد في إفريقيا ونيجيريا أكبر بلاد إفريقيا من حيث عدد السكان ومصر بحكم دورها التقليدي في إفريقيا والعالم العربي.

إعلان

وبالطبع ليبيا التي لابد وأن يطمح زعيمها إلى رئاسة الاتحاد الإفريقي بسبب كونه صاحب فكرة الاتحاد أساساً وقدرته على الإنفاق لبلوغ هذا الهدف، ومما لاشك فيه أن المقارنة ظالمة بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، فأوروبا قد نضجت سياسياً وعلى نار هادئة، بينما الدول الإفريقية مازال معظمها في مرحلة تطور وتمر في أوضاع غير مستقرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وعلى صعيد العلاقات الثنائية أيضاً، وقد يختلف الاتحاد الإفريقي الوليد في التسمية عن منظمة الوحدة الإفريقية لكنه لا شك سيرث معظم مآسيها.

الأزمة بين الرئيس الإندونيسي والبرلمان

جميل عازر: لا يزال الرئيس الإندونيسي يصر على أن التهم الموجهة إليه بالفساد غير صحيحة، وبالتالي فإن مساءلته أمام البرلمان في شهر آب/ أغسطس القادم ليست ضرورية، بل وستعود بالضرر على إندونيسيا ووحدة أراضيها، ومن شأن هذا الموقف أن يضع الرئيس واحد في مواجهة مباشرة مع البرلمان الذي يريد عقد جلسة خاصة للتحقيق معه، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإطاحة به، وهذه المواجهة تنال من هيبة الرئيس الذي تمرد على أوامره أكثر من مسؤول وآخرهم مدير الشرطة الذي رفض أمر الرئيس واحد بعزله.

undefined

تقرير/ خالد القضاة: مازالت محاولات الرئيس واحد تتعثر دون تحقيق مصالحة سياسية مع خصومه والأحزاب الأخرى التي تصر على مساءلته أمام البرلمان بهدف عزله من الرئاسة، ويلجأ واحد بعد كل محاولة من هذا القبيل إلى التلويح مجدداً بإعلان حالة الطوارئ، ويبدأ تدريجياً بتنفيذ خطوات فعلية ضد بعض المسؤولين من ذوي النفوذ على أساس أنه المنفذ الوحيد –كما يرى- لإنقاذ البلاد من فوضى سياسية، الخطوة الأولى الجريئة التي قام بها واحد هي: إصدار أمر باعتقال قائد الشرطة الموجود حالياً خارج البلاد والذي رفض أمر الرئيس بإقالته من منصبه، وشملت الخطوة أيضاً أمراً باعتقال قائد شرطة العاصمة (جاكرتا) للسبب ذاته، ومع أن الرئيس واحد يجمل الأوامر التي يصدرها بأنها لصالح البلاد، فإن كل قرار من هذا النوع يزدان أيضاً ببعض التهم التي تبدو في ظاهرها مناسبة لخصومه.
الحركة الأخرى التي قام بها الرئيس واحد كانت بإجراء تعديلات بالجملة على أعضاء حكومته، غير أن رفض المسؤولين الأمنيين لقرارات العزل يعتبر المحك الذي يبين مدى الدعم الذي يستند إليه واحد، ومهما يكن فإنه الحركة الأخيرة في لعبة التهديد التي يمارسها الرئيس الإندونيسي هي إعلان حالة الطوارئ، لكن مثل هذا القرار قد تكون له عواقب وخيمة إندونيسيا في غنى عنها فرئيس الأركان وعدد آخر من كبار ضباط الجيش أعلنوا أنهم ليسوا مع توجهات واحد التي تعني حرمان البرلمان من صلاحياته، وفي الوقت نفسه يرون أن قرارات العزل تقحم العسكر ومسؤولي الأمن في معترك السياسة من جديد وهو ما لا يروق لهؤلاء في الوقت الراهن، المعارضون لواحد يتوقعون أن تعقد جلسة المساءلة في موعدها المحدد، بل قد تلجأ كتل برلمانية إلى تقديم الموعد المقرر لهذه الغاية، وفي حال أفضت مساءلة البرلمان إلى عزل الرئيس واحد وهي النتيجة التي تلوح في الأفق فإن المرجح هو أن تتسلم نائبته (ميجاواتي سوكارنو بوتري) رئاسة البلاد إلى حين انتهاء فترة الرئاسة الحالية عام 2004، لكن تسلمها الرئاسة وباعترافها قد لا يستمر طويلاً، لأن التخبط الذي تعيشه الساحة السياسية ينبئ بخطر انهيار النظام السياسي الهش نتيجة لأزمة القيادة، والملاحظ هو أن ميجاواتي تنأى بنفسها عما يجري في جاكراتا باستثناء اتهامها لبعض الجماعات التي لم تحددها بالاسم بأنها لجأت إلى أعمال العنف كوسيلة لتعزيز مصالحها بعد انهيار الاتصالات بين الأطراف السياسية الرئيسية، لكن وبالرغم من استمرار أعمال العنف الطائفية والانفصالية في إندونيسيا فإن الرئيس واحد الذي تحاصره المشكلات من كل جانب ما زال يركز جهوده فقط على النجاة من الإجراءات الوشيكة.

إعلان

جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً:

أيرلندا الشمالية ومحاولات التوفيق بين موقفي الجمهوريين والاتحاديين ولكن البون شاسع، فهل يسود منطق البندقية؟

مأزق الرئيس الفرنسي بين الانتخابات والاتهامات

الرئيس الفرنسي جاك شيراك رجل يجد نفسه في مأزق بينما ينبغي أن يركز نظره على التحضير للانتخابات الرئاسية في العام القادم بدلاً من محاولة الدفاع عن نفسه في وجه اتهامات له تنم عن فساد، فالقضية التي تؤرق شيراك لا تقتصر على شراء تذاكر سفر نقداً وهو ما اعترف به ويقول إنه حصل على تلك الأموال من حسابات سرية مخصصة شرعاً لرؤساء الحكومة الفرنسية، ولكن شيراك الذي تولى منصب رئيس الحكومة مرتين خلال العقدين الماضيين يجد وراء هذه الزوبعة إصبعاً اشتراكياً يحاول النيل من مكانته في نظر الناخب الفرنسي.

undefined

تقرير/ سمير خضر: من النادر أن يتعرض كبار المسؤولين السياسيين الفرنسيين إلى هجوم شخصي، بعكس ما يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو اليابان، فقد جرى العرف أن يحترم الشعب والصحافة والقضاء المنصب العام، حتى الحملات الانتخابية رئاسية كانت أو تشريعية لا تخرج عن هذا العرف، إذ يتجنب المتنافسون فيها القدح والذم في شخص الآخر، وبالذات في نزاهته الأخلاقية، لكن النموذج الأميركي بدأ يتسلل منذ فترة إلى دهاليز الحكم في فرنسا، وبدأت تظهر بوادر يعتبرها البعض إيجابية، في حين يرى آخرون أنها تغيير في سلوكيات رجال السياسة الذين لم يعودوا يتورعون عن أي شيء في سبيل الوصول إلى كرسي الحكم، هذه القضايا أصابت المجتمع الفرنسي في الصميم من خلال شخص رئيس الجمهورية، ولا يتعلق الأمر هنا بشخص جاك شيراك الرئيس، بل بما حدث أثناء ترأسه لبلدية باريس طيلة 18 عاماً، فهذه البلدية كانت ولا تزال دولة داخل الدولة الفرنسية تتمتع بموازنة أقل ما يقال عنها أنها خرافية، ويتمتع رئيسها أو عمدة المدينة بسلطات واسعة، وكان هذا السبب الذي حدا بجاك شيراك الطموح إلى الترشح لهذا المنصب عام 77 بعد تفاقم مشاكله مع الرئيس السابق (فاليري جسيكار دي ستان).

وبعد خروج شيراك من البلدية ودخوله قصر الإليزيه نشب صراعاً بين مختلف القوى السياسية الفرنسية للاستيلاء على هذا المنصب انتهى قبل أشهر بفوز الاشتراكي (جان بتران دونلوي) المقرب من رئيس الوزراء (ليون جوسبان) وقد يبدو الأمر مجرد لعبة انتخابية ديمقراطية، ولكن ظاهرياً فقط، فجوسبان هو المشرح الأكيد للاشتراكيين في انتخابات الرئاسة العام المقبل أمام الرئيس الحالي شيراك، ولا يوجد إذن أفضل من فضيحة قضائية شخصية لتمكن جوسبان من إقصاء شيراك عن مقعده في الإليزيه فما الذي وجده جوسبان؟ يقول أعداء الرئيس أنه استفاد من منصبه كعمدة لباريس لشراء تذاكر سفر نقداً بأموال غير معروفة المصدر، وربما كانت أموالاً تلقاها شيراك أو أعوانه كرشوة مقابل خدمة معينة وهو ما لا يمكن للقضاء الفرنسي أن يتهاون فيه، الرئيس شيراك اعترف أنه اشترى هذه التذاكر نقداً، لكنه يرفض فكرة الرشوة ويقول: إن مصدر الأموال هو الصناديق الخاصة التي توضع تحت تصرف رؤساء الحكومات الفرنسية، إذ تولى شيراك مرتين رئاسة الحكومة في عهد الرئيس الراحل (فرانسوا ميتران) كما أن القانون الفرنسي يبيح له التصرف بأموال الصناديق الخاصة كيفما أراد ومتى شاء، لكن قلة من الفرنسيين كانت تعرف بوجود مثل هذه الصناديق السرية، وبدأ البعض يتساءل: لماذا يمنح رئيس الحكومة مثل هذه الأموال، وبهذا، وحتى لو ثبتت براءة شيراك من تهمة الرشوة فإن الضرر المعنوي والسياسي أصبح كبيراً إلى درجة تعطي الأمل لجوسبان بالاستفادة من الموقف عندما يقف أمام الناخبين العام المقبل.

جميل عازر: وكنت قد تحدثت هاتفياً إلى أنطوان نوفل المحلل السياسي في باريس وسألته: هل لهذه الحملة ضد الرئيس شيراك مبررات قانونية؟

أنطوان نوفل (محلل سياسي- باريس): الحقيقة اللي منسوب لإله لم.. لحد الآن يعني لم يتأكد، هي المسألة ليست في اللي طارحينها حالياً، المقصود بالحقيقة، ليست الأسفار بحد ذاتها اللي حكيوا عنها، بل الصلة بين ها الأسفار، بين المال الذي استخدم نقداً لدفع بطاقات ثمن الأسفار وبين ما سُمى بفضيحة العقارات والأسواق الباريسية التابعة لبلدية باريس، القضاء يحاول أن يربط بين القضيتين، فإذا تمكن أن يربط بين القضيتين يكون قد ورط شيراك في قضية الفضائح التابعة لمدينة باريس.

إعلان

جميل عازر: طيب دستورياً، هل يمكن توجيه الاتهامات إلى الرئيس الفرنسي، أم أنه يتمتع بحصانة مطلقة؟

أنطوان نوفل: لا، طبعاً لكل دولة دستورها، فرنسا ليست أميركا، الرئيس بفرنسا وحسب دستور الجمهورية الخامسة ليست مواطناً عادياً، رئيس الجمهورية حتى الآن يتمتع بحرمة، وهذه الحرمة أكدها المجلس الدستوري، المجلس الدستوري أصدر حكماً منذ بضعة أشهر، يقول فيه: أنه لا يمكن التعرض لرئيس الجمهورية ما دام رئيساً ويقوم بمهامه أياً كانت التهم المنسوبة إليه قبل.. قبل توليه الرئاسة وبعد توليه الرئاسة، يمكن فقط التعرض لرئيس الجمهورية عندما يغادر رئاسة الجمهورية نهائياً.

جميل عازر: طيب، هل تعتقد أن المسرح السياسي الفرنسي تأثر مثلاً بسوابق أخرى خارج فرنسا -كما في حالة الرئيس الأميركي بيل كلينتون- من حيث توجيه الاتهامات إلى رئيس الجمهورية؟

أنطوان نوفل: لا شك أن هنالك –كما تفضلت- نوع من العدوى، الفرنسيون ينظرون إلى العدالة الأميركية أو على الأقل جزء من الفرنسيين ينظر إلى العدالة الأميركية كأنها العدالة الحقة التي لا تضع المسؤولين فوق القانون، الفرنسيون متشددون فيما يتعلق بالقانون بطبيعة الحال، ويريدون أن يخضع الجميع للقانون، ويريدون أن يكون رئيس الجمهورية كأي مواطن عادي يخضع هو أيضاً للقانون، الذي.. لا يُلام.. حتى الآن لم يثبت أي شيء على الرئيس شيراك، والمواطن الفرنسي يميز بين الأمور، يعتبر أن الرئيس شيراك ليس عليه ثوابت في الوقت الحاضر، أما الذي يأخذه على الرئيس شيراك هو أن الرئيس شيراك رفض أن.. أن يستقبل القضاة وأن يدلي بشهادته، الرئيس شيراك ليس متهماً حتى الآن، كل ما هو مطلوب منه هو أن يُدلي بشهادة حول موضوع معين.

جميل عازر: طيب، بالنسبة للرئيس شيراك وهذه القضية، ما مدى الضرر الذي ألحقته به، خاصة وأن فرنسا مقبلة على انتخابات رئاسية؟

أنطوان نوفل: هنالك نوع من الشك ينتاب الفرنسيين، الفرنسيين –كما قلنا- يتساءلون: لماذا الرئيس –ما دام بريئاً- لا يدلي بشهادته ولا يستقبل القضاء؟ هذا هو أحد المآخذ الأساسية على رئيس الجمهورية، رئيس الجمهورية من جهة ثانية يقول: إن القضاة، أو أوساط الرئيس بالأحرى تقول: إن القضاة الذي يريدون الاجتماع إلى الرئيس شيراك ينتسبون جميعاً إلى الحزب الاشتراكي، ينتسبون حالياً أو كانوا قد انتسبوا في السابق إلى الحزب الاشتراكي، إذن إنهم يعملون لحساب الحزب الاشتراكي ويعملون على صعيد سياسي أكثر مما يعملون على صعيد قانوني.

إيرلندا الشمالية ومحاولات التوفيق بين الجمهوريين والاتحاديين

جميل عازر: عاد الصراع الطائفي بين البروتستانت والكاثوليك في أيرلندا الشمالية أو يكاد إلى نقطة الصفر قبل اتفاقية الجمعة العظيمة التي مر عليها الآن أكثر من ثلاثة أعوام ولم تحقق إلا فترات متقطعة من الهدوء، فاستقالة (ديفيد ترمبل) زعيم اتحاديي ألستر من منصب الوزير الأول في الإقليم قبل أسبوعين كانت نذير شؤم أثار فزع الحكومتين البريطانية والأيرلندية من أن تعود لغة البندقية لكي تكون وسيلة التعامل بين الطائفتين، وبينما تحاول لندن ودبلن القيام بدور الوسيط المحايد يرى البروتستانت في نزع أسلحة الجيش الجمهوري الأيرلندي شرطاً للعمل باتفاق الجمعة العظيمة، بينما يحتاج الجمهوريون إلى ذلك السلاح كورقة ضغط.

undefined

تقرير/ حسن إبراهيم: (جيري آدمز) يرفض تسليم سلاح الجيش الجمهوري، (ديفيد ترمبل) ينتقده بشدة، بينما هلل الكاثوليك فرحاً، فآدمز وكثير من الجمهوريين يرفضون اختزال قضيتهم إلى مجرد نزع السلاح، أن القضية أكثر تعقيداً من ذلك، فاستقلال أيرلندا الجنوبية عام 1922م وضع أيرلندا الشمالية تحت رحمة البروتستانت بالكامل وتضاعف الظلم التاريخي للكاثوليك الذي أخذوا يتطلعون إلى الاتحاد مع أشقائهم في جنوبي أيرلندا، وهو ما رفضته بريطانيا طويلاً حتى عام 75 عندما أقر (جيمس كلاهان) رئيس وزراء بريطانيا العمالي بوجوب إشراك جمهورية أيرلندا في المفاوضات للتوصل إلى حل نهائي في أيرلندا الشمالية، لكن لم تبدأ مفاوضات جدية إلا في أواسط التسعينات عندما ألقت الولايات المتحدة بثقلها في الأزمة الأيرلندية، وتمكن رئيس مجلس الشيوخ الأسبق (جورج ميتشل) من جمع الأطراف في اتفاقية الجمعة العظيمة في آيار/ مايو من عام 98 إلا أن الأمور لم تهدأ إلا برهة عادت بعدها الأطراف البروتستانتية إلى التلويح بالقوة، ويقولون إن الجمهوريين غير جادين في العملية السلمية، بل وصل الأمر بـ (ديفيد ترمبل) الوزير الأول في الحكومة الإقليمية، والذي استقال من منصبه لممارسة مزيد من الضغط على الجمهوريين وصل به الأمر إلى المطالبة بإقصاء أعضاء (الشين فين) الجناح السياسي للجيش الجمهورية الأيرلندي ما لم يلق الجيش بأسلحة، وما ترفض (لندن)، وحتى (دبلن) الاعتراف به حتى الآن هو أن الجميع في أيرلندا يجب أن يلقوا السلاح بما في ذلك المنظمات البروتستانتية المسلحة مثل (قوة دفاع أرثر)، و(قوة متطوعي أرثر) وغيرهما، ولم تجرى إصلاحات تذكر في مجال الخدمات الاجتماعية، ولا في قوة الشرطة، التي يغلب عليها البروتستانت، كما نصت على ذلك اتفاقية الجمعة العظيمة في قلعة (ستون مونت)، ثم كيف يطالب الكاثوليك الجمهوريين بالهدوء والبروتستانت يخترقون أحيائهم بمسيراتهم السنوية، ليخلدوا انتصارات حدثت منذ ما يزيد عن ثلاث مائة عام وقد مرت في الثاني عشر من هذا الشهر مسيرة بروتستانتية تخلد ذكرى معركة (البوين) التي انتصر فيها البروتستانت.

وفي ظل الأجواء الحالية لم تمر المسيرة بسلام، والفارق مذهل في عدد الاستفزازات، فبينما يقوم البروتستانت بأكثر من ستمائة مسيرة كل عام، لا تزيد الكاثوليكية منها على عشر فقط، وبينما لا تريد بريطانيا العودة إلى حكم أيرلندا الشمالية مباشرة من لندن، فإن جمهورية أيرلندا لا تستطيع التنصل من مسؤوليتها التاريخية تجاه الكاثوليك، ذلك على الرغم من فتور الحماس الشعبي تجاه قضية الوحدة، لكن الخوف هو من التنظيمات الجمهورية الأكثر راديكالية من الجيش الجمهورية الأيرلندي مثل الجيش الجمهورية الحقيقي والجيش الجمهوري المستمر، وهذه مازالت تنطلق من جمهورية أيرلندا لبث الرعب في أنحاء بريطانيا، وما يخشاه المراقبون هو أن يزداد الطرفان راديكالية في ظل عجز لندن ودبلن عن تفعيل عملية السلام مرة أخرى.

جميل عازر: وبهذا نأتي إلى ختام هذه الحلقة من (الملف الأسبوعي) وبإمكانكم الوصول إلى مضمون هذا البرنامج بالنص والصورة والصوت عبر موقع الجزيرة نت على الشبكة المعلوماتية الإنترنت.

وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة