
موضوعات من أفغانستان وإيرلندا والسودان وفلسطين
مقدم الحلقة: | توفيق طه |
ضيوف الحلقة: | : |
تاريخ الحلقة: | 12/01/2002 |
– مجازر الأفغان العرب في أفغانستان
– التقارب الإسرائيلي الهندي وأثاره على الدول العربية والإسلامية
– استمرار الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلنده
– انعقاد مؤتمر الإيجاد في العاصمة السودانية الخرطوم
– أزمة سفينة الأسلحة والسلطة الفلسطينية
توفيق طه: أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، ومعنا هذا الأسبوعي مجازر بشعة في أفغانستان بحق من يسمون "الأفغان العرب" في ظل تجاهل شبه كامل من الدول العربية لمصير مواطنيها، والعلاقات الهندية الإسرائيلية تثير قلق باكستان والكثير من دول العالم الإسلامي بسبب التنسيق بين الدولتين في المجالين النووي والتقني. واضطرابات عنيفة في إيرلندا الشمالية بين الأغلبية البرتوستانتيية والأقلية الكاثوليكية، والكاثوليك يتهمون الحكومة البريطانية بالانحياز البروتوستانت.
مجازر للأفغان العرب في أفغانستان
لم يتوقف مسلسل قتل الأفغان العرب وانتهاك أعراضهم على أيدي الأفغان المتحالفين مع الولايات المتحدة، أما الدول العربية التي تطارد تنظيم القاعدة وأعضاءه فلن تأبه كثيراً لمصيرهم في أفغانستان، ويثير تصريح وزير الدفاع الأميركي بأن اتفاقية جنيف لا تنطبق على أسرى القاعدة يثير مخاوف كثيرة حول تعرضهم لعقوبة الإعدام إذا عقدت الولايات المتحدة المحاكم العسكرية.
تقرير حسن إبراهيم: ترى ما هو نوع الخوف الذي يدفع الشاب في مقتبل العمر إلى تفجير نفسه بهذه الصورة؟ لكن يبدو أن ذلك كان أرحم من الوقوع في يد قوات الحكومة الانتقالية أو أسوأ، أي الوقوع في أيدي القوات الأميركية، فما أشيع عن التعذيب أو ما تسميه الولايات المتحدة وسائل ضغط إيجابية للحصول على معلومات، ما أشيع كفيل بأن يرعب أشجع البشر، ولعل أكثر ما يحز في نفوس الأفغان العرب هو أن الذين ينكلون بهم ينتمون إلى نفس الشعب الذي قاتلوا معه لمدة أعوام طويلة للغزو السوفيتي، ولم يكن يتصور أحد هذه النهاية المأساوية من قتل وانتهاك للأعراض، وكان الاستهداف الدموي للعرب قد بدأ منذ دخول قوات التحالف الشمالي كابول، فاستباحوا دماء وأعراض المقاتلين العرب، ورغم عدم توفر الكثير من الصور إلا أنه من المؤكد أن ما مورس في كابول في وضح النهار لا يقارن بالبشاعة التي مورست بعيداً عن الكاميرا، ثم ارتكب القائد الأوزبكي عبد الرشيد دستم مجزرة قلعة جانجي قرب مزار شريف، حيث قتل مئات الأفغان العرب من تنظيم القاعدة بدم بارد، وعندما عرض عشرة من أسرى العرب، الذين قال رجال القبائل الأفغان: إنهم استسلموا في تورا بورا على الصحافة الدولية بدت عليهم علامات الإعياء وسوء التغذية، واعتراف سجانوهم بوجود اثني عشر أسيراً آخرين لا يمكن عرضهم لسوء أحوالهم الصحية كما قالوا، وهو ما يعطي الانطباع أن التعذيب يمارس لانتزاع الاعترافات.
الإدارة الأميركية تخلت عن كل قواعد الحرب كما حددتها الاتفاقيات الدولية عندما يأتي أمر لتنظيم القاعدة الذي هز مسلمات أميركية كثيرة عن منطقة (الشرق الأوسط)، مثال ذلك اجتذاب تنظيم القاعدة لكثير من الخليجيين وهو ما يزعج الولايات المتحدة بسبب علاقتها الاستراتيجية مع هذه الدول، فزعيم القاعدة أسامة بن لادن سعودي الأصل، والناطق الرسمي باسمها كويتي هو سليمان أبو غيث، ولعب تنظيماً للجهاد الإسلامي والجماعات الإسلامية المصريين دوراً أساسياً في تكوين تنظيم القاعدة والتأثير كيد على زعيمه أسامة بن لادن، ذلك رغم مصر كانت أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل، وتعتبر من أقرب أصدقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويبدو أن الحل الأفغاني قد لقي هوى عند كثير من الدول العربية التي تعتبر الأفغان العرب مشكلة أمنية، وترحب بالتخلص منهم ولو على الطريقة الأفغانية الأميركية، لكن قد يرتد السحر على السحر وقد تفرز هذه الأحداث موجة راديكالية جديدة تعم بلاد العالم العربي خاصة في ظل ما يراه كثير من المراقبين تعسفاً من الولايات المتحدة التي يبدو أنها تريد أن تعاقب جميع أعدائها مرة واحدة من تحت ذريعة محاربة الإرهاب ويفقد المراقبون أيضاً أن الإنذار الأميركي لإيران بأن تسلم جميع لاجئ القاعدة لديها يأتي في هذا السياق.
التقارب الإسرائيلي الهندي وأثاره على الدول العربية والإسلامية
توفيق طه: يعتبر كثير من المراقبين أن تقارب إسرائيل والهند أسدل الستار على التعاطف الهندي مع القضايا العربية، فالتعاون بين البلدين وبمباركة أميركية وصل إلى المشاريع النووية المشتركة، وهو ما سيشكل تهديداً لباكستان من جهة وللعالم العربي من جهة أخرى، وقد يقود إلى مزيد من التشدد الهندي حول موضوع كشمير.
: منذ حصولها على الاستقلال قبل أكثر من نصف قرن عانت الهند كثيراً في كشمير، فحركات التحرر الوطني في هذا الإقليم ساهمت في تنامي العداء المتجزر بين نيودلهي وإسلام أباد، ووصل هذا العداء إلى حد دخول البلدين في حروب شاملة، ورغم اتهامات الهند المتكررة لباكستان بدعم وإيواء وتسليح المقاتلين الكشميريين بقيت علاقة نيودلهي بالعالمين العربي والإسلامي جيدة، ورغم أن الهند اعترفت أيضاً بدولة إسرائيل عام 50 فإنها لم تتبادل معها البعثات الدبلوماسية رسمياً إلا عام 92، وزير الخارجية الإسرائيلي (شيمون بيريز) وصل هذه المرة إلى نيودلهي وفي جعبته عروض لا يمكن لأي مسؤول هندي التغاضي عنها، وأول هذه العروض هو تعاون أمني استخباراتي في مجال مكافحة الإرهاب، الذي تعتبر الدولتان أنهما من ضحاياه، رغم أن تعبير الإرهاب لا يزال مختلفاً قلباً وقالباً عند كلاهما، فالهند تعتبر المقاتلين الكشميريين إرهابيين، وهو ما لم تعلنه تل أبيب صراحة، وإسرائيل تعتبر الفلسطينيين إرهابيين بخلاف الهند التي كانت على مدى عقود من أكبر مناصري حق الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير، لكن البلدين وجدا نفسهما اليوم في سلة واحدة، فالهند استطاعت إقناع دول العالم المؤثرة بما لم تستطع فعله خلال خمسين عاماً وهو أن مقاتلي كشمير ليسوا سوى حفنة من الإرهابيين الذين ينبغي استئصالهم واستئصال مصادر الدعم الموجودة في باكستان، واغتنم الإسرائيليون الفرصة، وبدءوا يلوحو لنيودلهي بجذرة الخبرة التي اكتسبوها في مجال محاربة ما تعتبره إسرائيل إرهاباً فلسطينياً، وعرضوا على الهند التعاون في هذا المجال، ولم تفوت نيودلهي الفرصة، فالتعاون مع إسرائيل يحقق بنظرها عدة أهداف: الأول: نقل هذه الخبرة الإسرائيلية في مجال القمع إليها، وثانياً: الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة وخاصة في مجال طائرات التجسس والتنصت من نوع فالكون أوكس، والتي يبدو أن واشنطن أعطت مباركتها لبيعها لنيودلهي، وثالثاً وأخيراً: إن التعاون مع إسرائيل لابد وأن يلقى الترحاب في واشنطن ويبعدها قليلاً عن العدو الباكستاني اللدود خاصة بعد التقارب المذهل بين واشنطن وإسلام أباد من أجل استئصال نظام طالبان وتنظيم القاعدة من أفغانستان، أما بالنسبة لإسرائيل فإن زيارة (شيمون بيريز) تشكل بحد ذاتها رسالة لباكستان، مفادها أن تل أبيب لا يمكن أن تقبل أبداً بامتلاك دولة مسلمة للسلاح النووي، ومن خلال ذلك يتم توجيه رسالة أخرى للعالم العربي، مفادها أن الدعم السياسي والدبلوماسي الذي كانت تقدمه نيودلهي للقضايا العربية قد انقضي إلى غير رجعة.
استمرار الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلنده
توفيق طه: طال أمد الصراع بين البرتوستانت الذين يريدون البقاء تحت التاج البريطاني، والكاثوليك الذين يريدون توحيد الجزيرة تحت العلم الأيرلندي، ورغم التنازلات التي قدمها الجيش الجمهوري الأيرلندي في موضوع الأسلحة إلا أن المنظمات البرتوستانتية ترفض قبول أي شيء دون النزع الكامل لأسلحة الجيش الجمهوري، وهو ما يرفضه الجيش الجمهوري قبل نزع أسلحة الميليشيات البرتوستانتية كذلك.
تقرير/ جيان اليعقوبي : اندلعت دورة جديدة من أعمال العنف في أيرلندا الشمالية وسط تبادل أفراد الطائفتين المتصارعتين –الكاثوليك والبرتوستانت- الاتهام ببدء إثارة النزاع، وتندلع الشرارة عادة من أبسط الحوادث، لأن نار الأحقاد القديمة مازالت كامنة في النفوس ولا تنتظر سوى صفعة من هنا أو لكمة من هنا لتبدأ بعدها المواجهة التقليدية بين البروتستانت الموالين لبريطانيا والكاثوليك الطامحين لإقامة أيرلندا الموحدة مسرح الأحداث هذه المرة مدرسة ابتدائية، هي مدرسة (Holy erous) الكاثوليكية، الواقعة في حي يقطنه بروتستانت، وهو نفس الحي الذي شهد مواجهات عنيفة قبل أقل من شهرين، عندما أفزع متظاهرون بروتستانت تلميذات كاثوليكيات كُنَّ في طريقهن إلى هذه المدرسة، وقام وقتها ريس الوزراء (ديفيد ترمبل) بنزع فتيل الأزمة عندما اقتراح إقامة منتدى للتفاوض بشأن مستقبل هذا الحي. مسيرة السلام في إيرلندا الشمالية مازالت تتعثر بالرغم من النوايا الحسنة التي يبديها الجانبان، ونجح المتطرفون من الجانبين دائماً في إفشال كل خطوات التهدئة، فعندما يعلن الجيش الجمهوري الإيرلندي عزمه نزع أسلحة يعمد المتطرفون البروتستانت إلى تقديم مشاريع قوانين تقترح استمرار رفع الأعلام البريطانية فوق المباني الحكومية في (بلفست) وأن يستمر العمل بالتاج البريطاني كشعار لقوات الشرطة المحلية الجديدة التي بدأت مهامها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وعندما قررت الحكومة البريطانية إغلاق أربع قواعد أمنية تابعة لها في أيرلندا الشمالية تبين أن عدد القوات البريطانية سيظل كما هو بالرغم من إغلاق هذه القواعد، لهذا لا يثير الدهشة عندما ينشر تقرير إحصائي يقول: إن 72% من الطرفين يرفضون العلاج في المراكز الصحية في المناطق التي يهمن عليها الطرف الآخر، قد يعتقد البعض أنه أمر مثير للدهشة أن يبقى هذا الحقد الموروث بين طائفتين تنتميان إلى الدين نفسه في قارة أعتقد الكثيرون أنه لم يبق فيها مكان للمشاعر الدينية أو القومية المتأججة وسط حمة الوحدة الأوروبية واليوريو وفتح الحدود، ولكن الواقع بفلست يقول شيئاً آخر.
توفيق طه: مازلنا نتابع معكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، وفيها أيضاً بعد الفاصل من ينقذ السلام من الجرافات الإسرائيلية؟ وإلى متى سيبقى الشارع الفلسطيني متماسكاً؟
[فاصل إعلاني]
انعقاد مؤتمر الإيجاد في العاصمة السودانية الخرطوم
توفيق طه: يبدو أن رؤساء (الإيجاد) الذين اجتمعوا في العاصمة السودانية لم يتوقعوا أفضل مما خرجوا به من قمته، فمعظمهم يناصب الآخر العداء، ومعظم بلادهم تعيش تحت خط الفقر، بينما تدور حرب طاحنة في السودان الذي استضاف القمة، ووضع كهذا لا يتوقع منه الكثير ما لم تحدث تغييرات جذرية على مستوى القيادة في تلك الأخطار المنكوبة.
تقرير/ حسن إبراهيم: كثيرة هي تلك الأعباء التي ألقيت على عاتق قمة دول الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف والتصمر، التي تعقد في العاصمة السودانية الخرطوم، وتتكون الهيئة من سبع دول، هي السودان، وكينيا، وإثيوبيا، وأوغندا، وأريتريا، والصومال، وجيبوتي، وكالعادة انتهت القمة ولم تنجز شيئاً يذكر، اللهمَّ إلا بعض الإجراءات الشكلية من قبيل تجديد رئاسة المؤتمر للرئيس السوداني عمر البشير، وأن تعقد القمة القادمة في العاصمة الأوغندية كمبالا، وبالطبع أدانت القمة الإرهاب ومن يمارسونه، ولو الظروف الدولية لعلم العالم أن هذه الدولة تعجز عن إطعام مواطنيها دع عنك تمويل الإرهاب الدولي، إلا أن هاجس الحادي عشر من ديسمبر هيمن على مباحثات القمة، وأخذت بعض دول الليجاد مثل السودان والصومال تتسابق في الآونة الأخيرة على التنصل من الإرهاب ومن أي صلة بالجماعات الإسلامية الراديكالية، وفي حين أن هذه المهمة قد تكون سهلة بعض الشيء على الحكومة الانتقالية الصومالية ورئيسها عبد جلاد حسن إلا أنه سيكون من الصعب على الحكومة السودانية دفع هذه التهمة، وهي التي صعدت إلى السلطة إثر انقلاب عسكري قامت به كوادر الجبهة الإسلامية القومية عام 89، وكانت الولايات المتحدة قد قصفت السودان عام 98 إثر تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام ظناً منها أن مصنع الشفاء السوداني من ممتلكات أسامة بن لادن وأن المصنع كان ينتج عاز (VX) القاتل. الصومال الممزق بحكومته الضعيفة يحاول نفي التهمة معتمداً على ضعفه كسلاح إقناع، فالولايات المتحدة تدرك أن الحكومة الانتقالية لا تكاد تسيطر على بعض أحياء مقديشيو، التي ظلت مرتعاً للجماعات المسلحة، أما السودان الذي يرأس القمة، التي يتوقع من دولها أن ترعى مشروع السلام السوداني يعلم أن الفشل الذي يصاحب جميع المحاولات لإحلال السلام في جنوب السودان ينبع من أزمة الهوية المزمنة في السودان، وأن عدم إدراك التعدية الدينية والعرقية في السودان من قبل حكام الخرطوم المتعاقبين منذ الاستقلال هو ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة، وتتردد أقوال عن وساطة أميركية لجمع الرئيس (البشير) وقائد حركة التمرُّد جون جارنج في جنيف للتوصل إلى أرضية مشتركة قد تمهد لحل مشكلة جنوب السودان، لكن الرئيس البشير وإلى وقتٍ قريب كان يجرِّم كل اتصال بين جارنج وأي قوة سياسية سودانية، ويقبع الشيخ الدكتور (حسن الترابي) رهن الاعتقال المنزلي منذ العام المنصرم بتهمة توقيع مذكرة تفاحم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، فترى هل سيطلق البشير صراح الترابي؟ وما هي التنازلات التي يمكن أن يقدمها لزعيم الحركة الشعبية؟ هناك قضايا أخرى ملحة مثل النزاعات الإثيوبية الصومالية والجوع الطاحن الذين يعاني منه مواطنو دول الإيجاد، ومشاكل الإيدز، وضعف البنى الأساسية وغيرها، لكن يبدو أنه وفي غمرة محاولة كسب ود واشنطن فيما يتعلق بالحرب ضد الإرهاب لم تصبح هذه القضايا في مقدمة أولويات زعماء الإيجاد.
توفيق طه: ولتقديم وجهة نظر سودانية في مجريات الأمور في الخرطوم وقمة الإيجاد، تحدثت إلى المستشار الإعلامي لتنظيم المؤتمر الشعبي المعارض (المحبوب عبد السلام المحبوب)، ومسألته أولاً عن تقويمه لقمة الإيجاد نجحت أم أخفقت؟ المحبوب عبد السلام المحبوب: في تقديري أن هذه القمة مثل سابقتها كانت وبالاً على الحكومة السودانية، في القمة السابقة اضطر الرئيس البشير إلى أن يقطع القمة ويغادر، لان السيد تعبان دنجوال الوحدة الولاية التي تضم البترول كان يجلس إلى يمين الدكتور (جون جارنج)، وفي هذه القمة اتحد الدكتور (ريك مشار) ودكتور (جون جارنج) في حركة واحدة، لذلك لم تجد الحكومة السودانية إلا أن تلجأ إلى عقدتها المزمنة، وهي موضوع الإرهاب، وهذه مزاودة أصبحت واضحة مع رؤساء الأفارقة، لذلك لم يمر من توصيات الحكومة السودانية إلا توصية واحدة فلم يوافق الرؤساء على تنعقد قمة لوزراء الداخلية، ولم يوافقوا حتى على أن تنعقد قمة لرؤساء الأجهزة الأمنية، فما من حكومة من الحكومات الإفريقية التي حضرت إلى هذه القمة إلا ولها تجربة مع الحكومة السودانية، ما يثبت هذه. يفقد هذه حكومة مصداقيتها تماماً.
توفيق طه: نعم، يعني في رأيك يعني التطورات العالمية الحالية، الحملة الأميركية على الإرهاب، يعني فرضت نفسها على.. على القمة، هل كانت هذا لمصلحة القمة أم ضد مصلحتها؟
المحبوب عبد السلام: التطورات الأخيرة بالطبع أثرت على القمة سلباً، ولكن المشكلة في السودان ليست هي التطورات الأخيرة، لكن مشكلة السودان هي.. الفتنة الداخلية التي لم تنجح الحكومة في احتوائها، والشقاق الداخلي الذي أتاح فرص للتدخل الأجنبي، لأن.. قبل قمة الإيجاد وصلت وفود أميركية من الأجهزة الأمنية ثم وصل وفد المبعوث الأميركي، وهو الآن يصول ويجول في مناطق جبال النوبة، وكذلك بقية المشكلة السودانية كلها السياسية ما تزال مطروحة أمام الحكومة السودانية، فلذلك الحكومة السودانية بفشلها في الوصول لأي صورة من صور الإجماع الوطني ومزاورتها فقط بالشعارات جعل كذلك هذه القمة في موقف صعب، مثل ما هي تضع السودان كله اليوم في موقف شديد الصعوبة.
توفيق طه: نعم، لكن يعني، هذه التدخلات الأجنبية هذه التدخلات الأميركية، جهود الوساطة يعني، هل أبعدت السودان عن خريطة الدول التي تُصنف أميركياً بأنها داعمة للإرهاب، أم إن السودان مازال يعني هدفاً محتملاً، وربما الهدف التالي للحملة الأميركية؟
المحبوب عبد السلام: كما أخبرتك موضوع الإرهاب بالنسبة إلى هذه الحكومة هو عقدة مزمنة، وكل الدول الإفريقية وحتى الدول الإفريقية العربية كذلك لها تجارب مع هذا النظام مع الذين يسيطرون الآن على مقاليد الأمور في السودان ومع الذين يسيطرون على الأجهزة الداخلية كلها الأمنية وأجهزة وزارة الداخلية هم ذات الوجوه التي ورطت السودان في كثير من.. الوسائل التي أدخلته إلى هذا الملف ملف الإرهاب، وهو يحاول أن يبيض سجله بأيما طريقة، ولو فتح السودان كله لتدخلات، هذه هي المشكلة.
توفيق طه: نعم، إذاً كيف نفسر يعني هذا الاهتمام الأميركي بـ.. يعني والجهود التي يجري الحديث عنها للجمع بين الرئيس البشير وجارنج في.. في مبادرة ربما تكون في جنيف؟
المحبوب عبد السلام: الذي ينقص هذا النظام هو الرؤية والخطة والقيادة السياسية المتكاملة التي يمكن أن تقدم عملاً سياسياً متكاملاً، هذا هو الذي ينقص هذا النظام، أما اللقاءات بين الدكتور جون جارنج والرئيس البشير فكانت متاحة دائماً، القمة السابقة رفض الرئيس البشير أن يلتقي بالدكتور (جون جارنج) رغم استعداد الدكتور جون للقائه، وغادر العاصمة نيروبي التي انعقدت فيها القمة، فالمشكلة ليست في اللقاء، الحركة الشعبية دائماً مستعدة للقاء، والحكومة السودانية تلتقي بها كل حين، وهنالك لقاءات دورية، لكن مش خلاف مع..
توفيق طه: نعم، لكن سؤالي سؤالي عفواً يعني.. سؤالي هو عن الدور الأميركي، لماذا هذا الاهتمام الأميركي بجهود التسوية الآن؟
المحبوب عبد السلام: أنا قلت أن سبب الدور الأميركي وسبب التدخلات العالمية حتى الإقليمية منها هو فشل هذه الحكومة في أن تصل بالمشكلة السودانية إلى صورة من صور إجماع الوطن.
توفيق طه: نعم، السيد المحبوب، يعني كنت الشخص الذي وقع مذكرات التفاهم بين المؤتمر الشعبي بين الترابي.. وجارنج، ما هو سر هذا التقارب بعد سنوات من العداء والاختلاف الأيديولوجي بين الرجلين؟
المحبوب عبد السلام: والله نحن جلسنا في الحكم نحواً من اثني عشر عاماً، وهم جلسوا في الحرب القتال نحواً من ثمانية عشر عاماً، ونحن حركة متجذرة في الشعب ممتدة من.. من حتى من جنوب السودان إلى أقصى شماله، وكذلك حركة لها أبعادها السياسية والفكرية، وجلسنا لأنه يكفي ما.. ما كان بيننا من قتال وما قدمنا من شهداء، جلسنا الآن أنه ينبغي أن ننظر إلى.. إلى صورة من صور الإجماع الوطني، وحتى عندما جلسنا لم نكن نظن أننا لا يمكن أن نصل إلى صيغة من صيغ التفاهم، ولكننا وصلنا وقلنا إنها خطوة نحو السلام، وخطوة نحو الإجماع الوطني، وخطوة نحو العمل السياسي بالنسبة لحركة الشعبية أكثر مما هو نحو العمل العسكري.
أزمة سفينة الأسلحة والسلطة الفلسطينية
توفيق طه: وأخيراً: إلى فلسطين حيث دأبت حكومة (شارون) على افتعال الأزمات مع الفلسطينيين كلما زار المنطقة مبعوث أميركي، فإسرائيل أتت بموضوع سفينة الأسلحة لنسف أي تقدم يمكن أن تثمر عنه زيارة (أنتوني زيني) إلى المنطقة، وبالطبع استفزت إسرائيل الفلسطينيين بمواصلة سياسية الاغتيالات وهدم المنازل حتى اضطرت حركة حماس إلى الرد عسكرياً، وهو ما قد يوقع حماس والسلطة في دائرة عنف قد تخمد جميع أحلام التحرر الفلسطيني.
تقرير/ سمير خضير: من الصعب على المرء أن يتصور قيام السلطة الفلسطينية بنقل هذه الشحنة الضخمة من السلاح والعتاد الحربي الإيراني على متن سفينة بهدف تفريغها في ميناء غزة الذي تراقبه إسرائيل ليل نهاراً، ومن الصعب أيضاً تصور السهولة التي حصلت فيها الاستخبارات الإسرائيلية على المعلومات الكاملة عن السفينة، بحيث تمكنت عن اعتراضها على مسافة خمسمائة كيلو متر إلى الجنوب من إيلات، وغني عن القول السرعة الغريبة التي اعترف بها المدعو (عمر عكاوي) بمسؤولية ومسؤولية السلطة الفلسطينية عن هذه الشحنة، تساؤلات كثيرة لم تلق لحد الآن إجابة عليها، وكأن الأمر مجرد مؤامرة جديدة تضاف إلى سلسلة واسعة من العمليات التي تهدف إلى تقويد السلطة الفلسطينية وإظهارها وكأنها أحد مراكز الإرهاب العالمي أو على الأقل عدم قدرتها على تحمل مسؤلياتها والالتزام بتعهداتها، لكن أحداً لم يحاول تفسير معنى أن تكون السفينة قد حملت بسلاح إيراني لا يمكنه بأي حال قلب موازين القوى العسكرية، إذ ما يمكن لعدد من صواريخ الكاتيوشا أن تفعل مقابل الدبابات والمروحيات القاذفات الإسرائيلية؟ ثم منذ متى كانت إيران تمد عرفات وسلطته بالسلاح؟ أليس هو نفس الزعيم الذي أدانته المؤسسة الرسمية الإيرانية مراراً وتكراراً لتوقيعه على اتفاقات أوسلو؟ عملية اكتشاف سفينة الأسلحة تتزامن أيضاً وبمحض الصدفة مرة أخرى مع جولة جديدة للمبعوث الأميركي الجنرال (أنتوني زيني) للمنطقة، جولة جديدة جاءت بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية على صعيد تخفيف حدة العنف من خلال حملة من الاعتقالات بهدف نزع ورقة التوت التي يختبئ خلفها شارون وحكومته، فإسرائيل لا تزال تطالب بفترة تهدئة قبل البدء بإجراءات تخفيف الحصار والدخول في مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، والتهدئة التي تطلبها إسرائيل تعني فقط امتناع الفلسطينيين عن مقاومة الاحتلال وعدم التصدي لقواتها حتى ولو دفاعاً عن النفس، تهدئة إذاً من طرف واحد لا تشمل إسرائيل، ولذا وفي كل مرة يختلق شارون الذرائع، ويرسل قواته لقصف الفلسطينيين مدنيين كانوا أم عسكريين، إذ لا فرق في نظره بينهم، ولو لم يكن شارون إسرائيلياً وفي حماية أميركية غربية تمنحه حصانة مطلقة لحوكم كمجرم حرب وأغدقت عليه كافة الأوصاف، ولكن هي دباباته وآلياته تنتزع دون وازع عشرات المنازل من قواعدها، وتلقي بسكانها في العراء تحت البرد والمطر، وهي نفسها التي تحاصر الرئيس الفلسطيني في رام الله، و لا أحد يستطيع إقناع شارون بفك هذا الحصار رغم الابتسامات العريضة وكلمات التشجيع التي يسمعها الفلسطينيون من المبعوثين الدوليين الذي ما أن يخرجوا من اجتماعاتهم مع الفلسطينيين حتى تتغير نبرتهم كي لا يشعر الإسرائيلي بالانزعاج.
توفيق طه: بهذا نأتي –مشاهدينا الكرام- إلى ختام جولتنا في (الملف الأسبوعي)، ونذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع الجزيرة نت في الشبكة –المعلوماتية الإنترنت، وسنعود إن شاء الله في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر. تحية لكن من فريق البرنامج، وهذا توفيق طه يستودعكم الله.