مؤتمر إسطنبول، الانتخابات الإسرائيلية، صراع ساحل العاج
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
ضيف الحلقة: | ألان غريش: رئيس تحرير لوموند دبلوماتيك |
تاريخ الحلقة: | 25/01/2003 |
– مؤتمر إسطنبول والإخفاق في حل المأزق العراقي
– المعارضة الفرنسية والألمانية للحرب الأميركية على العراق
– الانتخابات الإسرائيلية بين متسناع وشارون
– محادثات باريس لإنهاء الصراع في ساحل العاج
– تصاعد التوتر بين الهند وباكستان من جديد
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى جولة جديدة في (الملف الأسبوعي)، وفيه:
اسطنبول والاجتماع السداسي إخفاق في إيجاد حل للمأزق العراقي، ونجاح في تحميل بغداد المسؤولية لتفادي الحرب.
استفحال الخلاف بين جانبي الأطلسي باريس وبرلين تعارضان شن حرب، وواشنطن تصفهما بأوروبا القديمة.
والانتخابات الإسرائيلية بين معسكر (متسناع) الواعد بسلام تفاوضي ومعسكر (شارون) المتوعد بسلام الدبابة والاحتلال.
مؤتمر إسطنبول والإخفاق في حل المأزق العراقي
يبدو أن الحكومة التركية رغم حداثة عهدها قد مارست لعبة دبلوماسية ذكية في نجاحها بعقد الاجتماع السداسي رغم أنه كان على مستوى وزراء الخارجية لا رؤساء الدول، كما كان متوقعاً في الأصل، ورغم عقم البيان الختامي، ومع عجز المجتمعين في اسطنبول عن اقتراح مخرج عملي من المأزق بين العراق والولايات المتحدة لابد من التساؤل لماذا لم تعقد الدول العربية قمة طارئة لاتخاذ موقف موحَّد جازم وصريح من الحرب المحتملة ضد العراق؟ وما الذي حفز مصر وسوريا والسعودية والأردن على التوجه إلى إسطنبول وبمشاركة إيران لإيجاد حل لقضية تمس العرب أولاً وأخيراً أكثر من غيرهم، أم أن هذه اللفتة العربية كانت لمجرد رفع العتب عن هذه الدول في حالة وقوع حرب؟
![]() |
تقرير/ جيان اليعقوبي: المضيفون الأتراك وضيوفهم العرب والإيرانيون يريدون تحقيق هدفين متناقضين في الوقت نفسه، أي توصل إلى حل سلمي للأزمة العراقية والظهور بعدم معاداة الولايات المتحدة في حال اندلاع الحرب، هذا أولاً.
أما ثانياً فإن ما تمخضت عنه قمة اسطنبول يؤكد تماماً هذا التناقض، فالبيان الختامي الذي ربما كان أطول بيان في التاريخ لأن المشاورات حول إصداره بشكله النهائي استغرقت ما لا يقل عن عشر ساعات كاملة، ناشد جهة واحدة فقط من الصراع وهي بغداد بالانصياع لقرارات الأمم المتحدة دون مطالبة واشنطن في المقابل مثلاً بالتمسك بحل عن طريق مجلس الأمن الدولي، ولكن من السذاجة أن يكون المرء قد توقع شيئاً أكثر من هذا من اجتماع تم الترتيب له على عجل وبمستوى أقل مما كان مرجواً له، ولابد أن ظهور أنقرة على المسرح في دور قيادي إقليمي يثير حساسية تاريخية لدى بعض إن لم يكن جميع المشاركين في الاجتماع، وقد انعكس ذلك على الصيغة التي خرج بها البيان الختامي الذي اشتمل على عبارات إنشائية فيها كما يقول المثل: "من كل فن طرف"، وتراوحت بين الدعوة إلى طرح حل سلمي للأزمة العراقية والمطالبة بحل القضية الفلسطينية وبتفعيل دور الأمم المتحدة، وهذه الحيرة التي وجد الوزراء العرب أنفسهم فيها ليست جديدة على منطقة الشرق الأوسط والخليج بالتحديد، فهي على أبواب حرب ثالثة خلال عقدين من الزمن كانت فيها المنطقة في عين العاصفة، ومع ذلك يبدو إن التاريخ سيظل يكرر نفسه في هذه المنطقة مع تغيير طفيف في تفاصيل السيناريو، فما حدث مع عاصفة الصحراء قبل ثلاثة عشر عاماً يبدو وكأنه سيتكرر مع عاصفة أشد هولاً وقوة، تسبقها اجتماعات هنا وهناك، وتصريحات نارية مرة وفاترة أخرى، وما يقال في الغرف المغلقة يقال عكسه في العلن، والمنطقة سائرة إلى مجهول سواء وقعت الحرب أم لم تقع، فواشنطن مصرة على تغيير، إما تغيير الأنظمة أو الوجوه أو المعادلات حرباً أم سلماً، لا فرق، ومن هنا يتضح عجز قادة المنطقة في الارتقاء إلى مستوى المسؤولية إزاء هذه التطورات، أي مواجهة المخططات المعدة، وهي للغرابة مخططات معلنة وهدفها واضح، فالإدارة الأميركية التي أعلنت أن عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل لم تعد هدفاً بحد ذاتها تريد تغيير النظام الحاكم في العراق لكي تتفرغ للتعامل مع جهات أخرى وهو هاجس يقلق أكثر من دولة في اجتماع اسطنبول.
المعارضة الفرنسية والألمانية للحرب الأميركية على العراق
جميل عازر: ومن الجائز القول والحالة هذه إن مظاهرة في برلين أو باريس، أو لندن، أو واشنطن ربما تكون أقوى تأثيراً على الموقف الأميركي والبريطاني مما ورد في بيان وزراء الخارجية الستة، فالتصريحات التي أدلى بها كلٌ من (جيرهارد شرودر) المستشار الألماني، و(جاك شيراك) الرئيس الفرنسي كانت تصريحات مدروسة من حيث توقيتها وتعبيرها عن مزاج الشارع في فرنسا وألمانيا، بل وفي أوروبا بوجه عام، ولكن رد الفعل الأميركي جاء ليؤكد أن الأعصاب على جانبي الأطلسي متوترة إلى حدٍ يوحي بأن هناك اعتبارات أخرى غير المرجعية الدولية وراء التناقض بين موقفي أميركا وبريطانيا من جهة وفرنسا وألمانيا وأوروبيين آخرين من جهة أخرى.
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: تبدو العزلة الأميركية شبه كاملة، ورغم هيبة الدولة العظمى والقطب الأوحد لم يتسنَ للإدارة الأميركية فرض رؤيتها للصراع مع العراق على بقية دول العالم، فثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تعارض اندفاع واشنطن إلى شن حرب على العراق بدون صدور قرار بذلك من مجلس الأمن، وتوافقها في الرأي دول هامة مثل النرويج وألمانيا، وهما من أهم حلفاء واشنطن في أوروبا، فالنرويج إحدى أكبر القوى النفطية في العالم والتي تقع فيها كبرى القواعد البحرية الأميركية رفضت المنطق الأميركي، وألمانيا بقوتها الصناعية والمالية أكدت على لسان مستشارها جيرهارد شرودر رفضها القاطع للعمل العسكري أو المساهمة فيه، وكان لقول وزير الدفاع الأميركي إن فرنسا وألمانيا تعبران في موقفهما المعارض للحرب عن عقلية أوروبا القديمة وقع غير مستحسن لدى باريس وبرلين، فرد وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا على تصريحات رامسفيلد غير الدبلوماسية بعنفٍ موازٍ، الولايات المتحدة تحاول إقناع الآخرين بأن العراق فوتت فرصة الحل الدبلوماسي بناءً على استقرائها المسبق لتقرير (بليكس) والبرادعي في السابع والعشرين من الشهر الجاري، ورغم ذلك فإن هناك من يرون أن تلميح وزير الدفاع الأميركي إلى أن واشنطن يمكنها أن تقبل بخروج صدام حسين وأسرته من العراق بديلاً عن الحرب ما يثير الاستهجان وسط كل تلك الاستعدادات والحشود للحرب، وربما يكمن وراء هذا التناقض إحساس واشنطن بأنه ليس في مقدورها تجاهل المعارضة المتزايدة محلياً وعالمياً لمعالجة مشكلة أسلحة الدمار الشامل بحرب على العراق، فحتى الحكومة البريطانية التي يتسم موقفها بتأييد مطلق لواشنطن بدأت تبدي علامات على تأثرها بالمعارضة الداخلية المتصاعدة، والمتفرس في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الأميركي (كولن باول) ووزير الخارجية البريطاني (جاك سترو) يجد أن بريطانيا تحاول جاهدة التوفيق بين تأييدها لواشنطن، وبين الرأي العام البريطاني الذي لا يختلف كثيراً عن نظيره الأوروبي، وللأوروبيين موقفٌ من هيمنة واشنطن على القرار الدولي، ناهيك عن الأوروبي، ومن هنا فإن التطابق في الموقف بين الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني جيرهارد شرودر يشكِّل تعبيراً عن الرأي العام الذي لا يريد الانسياق وراء إملاءات واشنطن، وربما يكون لتوقيت الحديث صراحةً في باريس وبرلين عن عدم وجود مبررٍ حتى الآن لشن حربٍ على العراق علاقةٌ بموعد تقرير رئيسي فرق التفتيش، وكذلك خطاب حالة الاتحاد المقرر أن يدلي به الرئيس (بوش) أمام الكونجرس في الثامن والعشرين من هذا الشهر، وربما يجد المعارضون مشجعاً لهم في الأداء العراقي الأخير في إدارة الجدل بكفاءة عبر ما يسميه المراقبون ثنائية التعاون مع المفتشين ودبلوماسية المؤتمرات الصحفية.
جميل عازر: وينضم إلينا من باريس الكاتب والمحلل السياسي ألان غريش (رئيس تحرير لوموند دبلوماتيك) أستاذ ألان، أولاً: ما هي في رأيك الدوافع الحقيقية وراء معارضة ألمانيا وفرنسا للموقف الأميركي من العراق؟
ألان غريش: أظن فيه 3 دوافع، أولاً إن الطبقة السياسية الفرنسية والألمانية يميناً ويساراً بتفهم إن الحرب ضد العراق هتكون كارثة في المنطقة، وإن ستؤثر بشكل سيئ على المنطقة عموماً، وعلى كمان على مشكلة فلسطين والعراق بين إسرائيل وفلسطين.
ثانياً: فيه مفهوم إن هذا الحرب سيكون له تأثير سيئ في العلاقة بين الغرب والإسلام، ودا أظن فيه اهتمام كبير، خصوصاً إن قضية الإسلام وعلاقة أوروبا بالإسلام مش بس قضية خارجية، ولكنها هي قضية داخلية، مع ملايين الناس في.. في أوروبا هم مسلمين.
والسبب الثالث هو: الرأي العام، أظن في كل.. في كل أوروبا، وخصوصاً في فرنسا وألمانيا الرأي العام بيفهم إن هذه الحرب ما لها معنى، هو ضد العرب، وفيه فرق كبير بين موقف الرأي العام اليوم، والموقف اللي كان في الـ 90- 91، 90-91 كان فيه مفهوم هنا إن فيه هجوم ضد الكويت، وفيه أسباب لهذه الحرب، اليوم ما فيه هذا.. ما فيه سبب لهذه الحرب.
وأخيراً إن الرأي العام اللي كان له تعاطف مع الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر بيفهم إن حكومة بوش بتستغل اللي حصل في 11 سبتمبر لسياسة مالهاش علاقة مع 11 سبتمبر، لها علاقة مع سياسة هيمنة، وأظن لهذا السبب الرأي العام الفرنسي والأوروبي ضد هذه الحرب.
جميل عازر: طيب هذه الاعتراضات الأوروبية إن صح التعبير، يعني ليست بشيءٍ جديد، ولم يتغير شيء في الموقف الأميركي إلى الآن، هل تعتقد أن هذه الوقفة المشتركة بين ألمانيا وبين فرنسا يمكن أن تكون أقوى تأثيراً على موقف أميركا، بحيث أن تحمل الرئيس بوش على تعديل موقفه من المشكلة العراقية؟
ألان غريش: لا، بالأسف ما بأفكر، ولازم نفهم إن حتى الموقف الفرنسي على الأقل غير موقف ثابت، فيه أسباب أخرى بتدفع الحكومة الفرنسية إن تأخذ موقف في اللحظة الأخيرة أظن تأييد للموقف الأميركي، أو.. السبب الأول إن أظن الطبقة السياسية والحكومة الفرنسية بتفهم إن على كل حال هيكون فيه حرب، وعلى كل حال في الأخير هيكون فيه هجوم أميركي على العراق، وإذا رفضت فرنسا هذا الحرب بعد انتصار أميركا وزن فرنسا في المنطقة.. يعني في العراق وعلى مشاكل البترول وغيرها هيكون صغير، يعني قليل قوي.
والسبب الآخر لازم نفهمه إن العلاقة بين فرنسا والولايات المتحدة علاقة حليف حلفاء.. حلفاء منذ 50 سنة، حلفاء بعد.. يعني في الحرب العالمية الثانية، في الحرب الباردة، ما.. يعني مافيش لحظة في التاريخ هذه الـ 50.. 50 سنوات الأخيرة إن فرنسا أخذت موقف ضد الأميركان في قضية حساسية للأميركان حتى في أزمة 62 أزمة كوبا (ديجول) أخذ موقف تأييد أميركا، فهل يمكن للطبقة الحاكمة في فرنسا أن تأخذ موقف بوضوح حتى الأخير ضد الأميركان؟ فيه تساؤل على الأقل، يعني ليه غير واضح إن هذا الموقف هيكون حتى اللحظة الأخيرة يعني؟
جميل عازر: طيب ألا تعتقد أن إذا سلَّمت في نهاية المطاف فرنسا وألمانيا وأوروبا بوجهٍ عام للإملاءات الأميركية يعني هذا أن أوروبا لا رأي لها في قضايا دولية من قبيل التعامل مع المشكلة العراقية؟
ألان غريش: صح، عندك حق، لكن فيه مشكلة أخرى إن يعني مافيش موقف موحد من أوروبا، يعني اتكلمنا على موقف فرنسا وألمانيا، وكل الناس عارفين إن موقف إنجلترا بتؤيد الولايات المتحدة، ولكن فيه دول أخرى بتؤيد أميركا، يعني إسبانيا وإيطاليا أخذت مواقف تأييد للأميركان، فواحد من المشاكل إن إحنا مش في حوار بين أوروبا موحدة وأميركا، إحنا بين حوار.. يعني حوار ومشاكل بين الولايات المتحدة ودول أوروبية مالهاش موقف موحد، ودي أحد مشاكل أوروبا، يعني أوروبا مش قوة عظمى سياسياً، يعني كل قرار لازم يكون قرار بين 5 و10.. 15 دولة.. دول، ودول لها مصالح مختلفة، دا أحد أظن المشاكل، ودا طبعاً إذا كان فيه موقف موحد لكل أوروبا، تأييد موقف ألمانيا وإيطاليا أو.. موقف ألمانيا وفرنسا كان فيه إمكانية إن أوروبا تلعب دور أكبر، بس حتى الآن ما فيه هذا الموقف.
جميل عازر: طيب أستاذ ألان، في تقديرك ما هي أخطر تداعيات حرب على العراق بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط بوجهٍ عام؟
ألان غريش: أظن يعني هذه منطقة الشرق الأوسط منذ 50 سنة عرفت 7 حرب.. حرب.. حروب، يعني 5 حرب بين العرب وإسرائيل، و2 حرب في الخليج، العراق وإيران والكويت وحرب جديدة يعني هتخلق مشاكل جديدة، يعني ودي في منطقة يعني مليانة من المشاكل ومن الأزمات، وخصوصاً مشكلة فلسطين، فمافيش أي مفهوم إن هذه الحرب ممكن تؤيد إلى حاجة تانية من مشاكل جديدة في هذه.. في هذه المنطقة خصوصاً وإن سياسة بوش الابن غير سياسة بوش الأب في 90-91، كان واضح بعد 90-91 إن بوش بعد الحرب هيدخل، حتى يحل المشكلة بين العرب وإسرائيل اليوم هذه الحكومة الأميركية بتؤيد إسرائيل وبتؤيد شارون 100%، ومافيش أظن أي إمكانية إن تضغط هذه الحكومة الأميركية بعد الحرب، حتى تحل المشكلة الفلسطينية فأظن هذه الحرب هتؤدي إلى إرهاب أكبر، يعني ودي أحد المشاكل اللي إحنا أظن بنفهمها في أوروبا، إن الحرب.. يعني هتكون.. يعني هتؤيد التيار الإرهابي بين الشباب.. بين شباب مسلمين وبين شباب عرب، علشان مش هيكون فيه أي أمل لأي حل سياسي أو لأي حل، ودي مشكلة كبيرة طبعاً، وأظن بنحسها في أوروبا.
جميل عازر: ألان غريش (رئيس تحرير لوموند دبلوماتيك) في باريس، شكراً جزيلاً لك.
ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، وفيها أيضاً بعد فاصل:
الهند وباكستان: دلهي تشتري أسلحة وتطبق صواريخ واتهامات، وإسلام آباد تنفي تأييدها للمقاتلين الكشميريين، والتوتر يتصاعد بينهما.
[فاصل إعلاني]
الانتخابات الإسرائيلية بين متسناع وشارون
جميل عازر: وإلى إسرائيل حيث يستعد الناخبون للتصويت في انتخابات تنعقد ربما في أخطر منعطفات الصراع بين الصهيونية والعرب، وصعود شعبية اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة (أرييل شارون) رغم حمَّام الدم الفلسطيني والإسرائيلي، إنما يثير التساؤلات، بل واستهجاناً حول مزاج الناخبين الإسرائيليين، فإذا كانت نتائج استطلاع الرأي العام دليلاً على الاتجاه الذي سيسير فيه التصويت في الانتخابات، فإن الإسرائيليين الذين يتمسكنون أمام العالم ويدَّعون بأنهم يريدون السلام، سيعيدون شارون وزمرته إلى الحكم، وهذا لا يعني سوى الاستمرار في سياسة البطش والتدمير والعزل وغير ذلك من صفات أنظمة الفصل العنصري.
![]() |
تقرير/ سمير خضر: لن ينتخب الإسرائيليون هذه المرة رئيس وزرائهم، بل فقط أعضاء مجلسهم النيابي، وكلهم أمل في أن تفرز صناديق الاقتراع أغلبية واضحة وحكومة مستقرة في زمن عَزَّ فيه الاستقرار، لكن الأمل شيء والواقع شيء آخر ولإن كانت قضايا الفساد التي هزت مؤخراً الليكود وزعيمه قد أعطت بصيصاً من الأمل لحزب العمل وزعيمه، فإن هذا الأمل تبدد على وقع طبول الحرب الأميركية ضد العراق، التي ردد شارون صداها في الشارع الإسرائيلي كخطر داهم مفترض يستدعي توحيد الجبهة الداخلية ويمكن تفسير عودة الليكود لاحتلال الصدارة في استطلاعات الرأي بالصورة التي ترسخت في أذهان الإسرائيليين عن حزب العمل وزعيمه، إذ يرى كثيرون في (عمرام متسناع) سياسياً ساذجاً في طروحاته، ولما لا، وهو يعلن صراحة أن المفاوضات لا تُجرى إلا مع عدو؟ وبالتالي، فإنه إذا وصل إلى سدة الحكم سيتفاوض مع عرفات وسيقدم تنازلات من أجل السلام تصل إلى حد إخلاء قطاع غزة وإزالة العديد من المستوطنات، مثل هذا الخطاب لم يعد يجدي مع الشارع الإسرائيلي الذي نجح شارون في تعبئته ضد شخص عرفات وضد كل ما هو فلسطيني، كما أن متسناع يعاني من عدم قدرته على تسويق شخصه وشخصيته، فاليسار لا يعرفه والعلمانيون يرون فيه دخيلاً على الحلبة السياسية، والمتدينون ينبذون فيه علمانيته، حتى أنصاره داخل حزب العمل بدءوا يعيدون التفكير في مسألة زعامته للحزب، بعدما أشارت آخر استطلاعات الرأي إلى أن (شمعون بيريز) أوفر منه حظاً في تحجيب الليكود، ورغم ذلك فإن هذه الاستطلاعات نفسها تشير إلى أن الوضع الحالي لن يتغير كثيراً بعد الانتخابات فالليكود مرشح لتحقيق نصر كبير، بسبب عدم قناعة الناخب الإسرائيلي بوجود بديل للسياسة الحالية، خاصة فيما يتعلق بمسألتي الأمن والاقتصاد اللتين ستحسمان الصراع، فتردِّي الوضع الاقتصادي ناجم بشكل رئيسي عن تردي الوضع الأمني، وشارون مؤهَّل بنظر الإسرائيليين أكثر من متسناع للتعامل مع القضايا الأمنية، وربما كان هذا واحداً من الأسباب التي دفعت بالقاهرة إلى دعوة معظم الفصائل الفلسطينية للحوار استكمالاً للحوار الأول الذي بدأ في غزة في أغسطس/ آب الماضي، حوار فلسطيني – فلسطيني بالدرجة الأولى لكن شبح السياسة الداخلية الإسرائيلية يبقى ماثلاً أمام المشاركين فيه، إذ إن من بين ما تقترحه مصر على المشاركين الموافقة على وقف مؤقت للعمليات الفدائية في إسرائيل، التي ترى القاهرة فيها أحد أسباب تصلب وتطرف الشارع الإسرائيلي، ومثل هذا القرار لو اعتُمد قد يساهم في تعزيز الشعور بالأمن لدى الناخب الإسرائيلي وربما يدفعه إلى الإحجام عن التصويت وفقاً للاعتبارات الأمنية، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على شارون وحزبه.
محادثات باريس لإنهاء الصراع في ساحل العاج
جميل عازر: توصلت حكومة الرئيس الساحل العاجي (لوران جباجبو) وفصائل المتمردين بعد تسعة أيام من المحادثات في باريس إلى اتفاق لإنهاء النزاع بين الجانبين، وكان التمرد قد بدأ في أكبر منتج للكاكاو في العالم عندما انتفضت الحركة الوطنية الساحل عاجية في التاسع عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي احتجاجاً على ما تعتبره تمييزاً في سياسات جباجبو المسيحي الجنوبي ضد المسلمين الشماليين، انضم إلى التمرد فصيلان آخران يطالبان الرئيس بإعلان موعد لانتخابات مبكرة، بينما توترت العلاقات بين اثنتين على الأقل من جارات ساحل العاج، هما: ليبيريا وبوركينا فاسو، وهاتان تريان في سياسات جباجبو عنصرية لا تطيقها دول أخرى مجاورة تخشى من أن تنتشر عدوى الاضطراب إليها، فاندفعت إلى القوة المستعمرة السابقة فرنسا، بحثاً عن مخرج.
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: فرحة الجماهير العاجية بمفاوضات السلام في باريس قد تكون بمثابة استفتاء على رئاسة لوران جباجبو، فالرجل ذهب إلى باريس، وكان في جعبته مشروع سلام يشتمل على ضم المتمردين إلى حكومة وحدة وطنية، ورغم الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العاصمة الفرنسية بعد تسعة أيام من المحادثات يظل الوضع في ساحل العاج مرهوناً بردود فعل إفريقية، فقد أطل تشاس تيلر رئيس ليبيريا برأسه من بين الثقوب الكثيرة في الثوب العاجي المهلهل، وهاجم الحدود بقواته زاعماً أن المتمردين وكذلك قوات الحكومة قد هاجما نقاطه الحدودية فشنت القوات الليبيرية هجوماً على غربي وجنوب غربي ساحل العاج صدَّته القوات العاجية بالتعاون مع القوات الفرنسية، وحتى لو كان في القول بعض الصحة حيث من المحتمل أن تكون قوات الحكومة أو قوات المتمردين قد عبرت الحدود في خضم الكر والفر المعهودين في حروب العصابات، فمن المؤكد أنه ليس من مصلحة الحكومة أو مصلحة المتمردين توسيع نطاق الصراع إلى درجة استعداء تايلر الذي احترف التدخل في الصراعات الفرنكفونية خدمة لطموحاته الإقليمية، فقواته أججت أو أسهمت في تأجيج تمرد توتسي البانيا مولينجي في الكنغو، ثم من بعدهم التمرد الذي قام به الهوتو وكان يعرقل اتفاقية لوساكا التي أنهت الحرب في سيراليون، وكان لقواته السهم الأكبر في دعم (جوناس سافيمبي ) زعيم حركة يونيتا الراحل، كما أنه يحاول تسويق نفسه كرأس حربة مشروع أمركة إفريقيا الفرنسية، وها هي قواته تشن هجوماً على جارة إفريقية رغم وجود عشرات آلاف الليبيريين الذين يعملون ويعيشون في ساحل العاج وقد ينتقم منهم المواطنون العاجيون بما يهدد بحدوث مجزرة، وهذا ما يحاول أن يتفاداه القادة الأفارقة الذين توافدوا على باريس لبحث الأزمة الساحل عاجية، فزعماء السنغال وبوركينا فاسو وليبيريا وغانا ومالي يخشون من امتداد المتاعب من ساحل العاج إلى بلادهم، وما وصول طلائع قوات حفظ السلام الإفريقية من السنغال إلا دليل على مدى القلق الذي يساور هذه الدول من التطورات في داخل جارتها، ومع التوصل إلى الاتفاق بين حكومة جباجبو والمتمردين برعاية فرنسا فإن ساحل العاج ستواصل محاولة لملمة أطرافها المبعثرة بعد أن أخذتها على حين غرة هذه الحرب المفاجئة، وتدعمها القوات الفرنسية التي آلت على نفسها حماية الرعايا الفرنسيين والأجانب بصورة عامة، لكنها وجدت نفسها جزءًا من الصراع الذي يُخشى أن يتحول إلى سيناريو كارثي قد يُماثل ما يحدث في الكنغو أو جنوبي السودان في بشاعته.
تصاعد التوتر بين الهند وباكستان من جديد
جميل عازر: عاد التوتر إلى سابق عهده في العلاقات بين الهند وباكستان ليطول هذه المرة العلاقات بين إسلام آباد وواشنطن بعد قول السفيرة الأميركية فيها إن على باكستان أن تُنهي الإرهاب في أراضيها، فثارت ذوبعة دبلوماسية بين الجانبين، كما ثار غضب جماعات إسلامية باكستانية، ولا عجب طبعاً أن تقول باكستان إن هذا الموقف انحياز أميركي سافر إلى جانب الهند التي تبادلت مع الباكستانيين عمليات طرد دبلوماسيين، أضف إلى ذلك إعلان دلهي عن صفقة أسلحة مع روسيا بما فيها غواصات وحاملة طائرات وإجراء تجربة صاروخية يصبح الوضع بين الجارتين النوويتين مرشحاً لمزيد من التدهور.
![]() |
تقرير/ أسامة راضي: يبدو أن فصل التصعيد الهندي الباكستاني الذي لا يكاد يهدأ حتى يشتعل قد بدأ من جديد بعد أشهر من الهدوء النسبي، ففي أعقاب اتهامات متبادلة بين البلدين بتعرض كبار دبلوماسييهما لمضايقات استخبارية في الأخرى بادرت الهند إلى طرد أربعة من أفراد البعثة الدبلوماسية الباكستانية متهمة إياهم بالتجسس، وهي خطوة تلتها خطوة باكستانية مشابهة وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل، وهذا التبادل الدبلوماسي بين الجارتين اللدودتين ليس الأول في تاريخ العلاقة بينهما، وإن طال هذه المرة دبلوماسيين كبار، لكن اللافت فيه أنه جاء في سياق تصعيدي على مستوى الاستعدادات العسكرية وعلى المستوى السياسي أيضاً، فقبل أيام وقعت الهند وروسيا اتفاقاً عسكرياً اعتبرت إسلام آباد أنه سيؤدي إلى الإخلال بتوازن القوى في المنطقة، ويبدو أن الاتفاق يؤطر لتعاون الجانبين في إنتاج الأسلحة ولتزويد الهند بغواصات تعمل بالطاقة النووية وقاذفات استراتيجية وجيل مطور من الطائرات المقاتلة، وفي استعراض واضح لقوتها وهي تستعد للاحتفال بعيدها الوطني جاءت تجارب الهند على إطلاق صواريخ مطورة منها صاروخ قصير المدى من طراز (أكاش) وآخر من طراز (آجني 1) متوسط المدى ومزود بقدرات نووية.
الأجواء إذن تنذر بعودة التوتر الذي كاد أن يشعل حرباً العام الماضي حين حشدت الدولتان مليون جندي بعد اتهام هندي لباكستان بدعم مسلحين هاجموا مبنى البرلمان الهندي، تلقين باكستان بقدرتها العسكرية الهند درساً تاريخياً لا يُنسى أو تمكن القدرات النووية الهندية من محو باكستان من الخريطة جاءت في إطار تهديدات وتحركات تعزف الهند فيها على أوتار ملفات دولية مفتوحة كملفيِّ أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب.
ويبدو أن الهند نجحت في استمالة الولايات المتحدة التي تضطلع بشكل رئيسي بالملفين وكانت تعتبر باكستان حليفة لها في المنطقة، فقد أشارت تقارير استخباراتية أميركية إلى أن إسلام آباد تساعد كوريا الشمالية في تطوير أسلحتها النووية منذ عام 97، وهو ما نفته باكستان رسمياً.
أما على صعيد الإرهاب فلم تكف الهند عن اتهام باكستان بأنها مركز للنشاط الإرهابي وأنها لا تزال تُسلح وتُدرب الكشميريين الذين تلصقهم الهند بالإرهاب وتدعو المجتمع الدولي إلى مقاومتهم، وهذا ما يبدو أن الأميركيين قد قبلوا به، فقد حذرت واشنطن إسلام آباد من استمرار تسلل أعضاء الجماعات الدينية المسلحة إلى الجانب الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير معلنة أنها ستعمل على ضمان قيام باكستان بوقف عمليات التسلل إلى كشمير بشكل نهائي.
جميل عازر: وبهذا نختتم جولتنا وإياكم في (الملف الأسبوعي) نذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني، وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق هذا البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، وإلى اللقاء.