فوز شارون، التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هجوما مومباسا
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
تاريخ الحلقة: | 30/11/2002 |
– فوز شارون بزعامة الليكود وتداعياته على الشارع الإسرائيلي
– محاولات إحياء التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظل الظروف الراهنة
– هجوما مومباسا وموقع كينيا في الحرب الأميركية الإسرائيلية على الإرهاب
– رئيس الإكوادور وتحديات الأزمة الاقتصادية والفساد
– نيجيريا بين مسابقة ملكة جمال العالم وتطبيق الشريعة الإسلامية
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه:
الليكود باقٍ على حالة حبَّا (لشارون) أم رفضاً (لنتنياهو)، ولكن ما هي التداعيات في الشارع الإسرائيلي؟
وقريع و(بورج) وقرع طبول السلام سباحة عقيمة بعكس التيار في إسرائيل أم إنقاذ لحزب العمل من التدهور؟
والإسرائيليون في ممباسا هجومان يثيران الهلع، ولكن ما هو موقع كينيا في الحرب بين الإرهاب ومكافحة الإرهاب؟
فوز شارون بزعامة الليكود وتداعياته على الشارع الإسرائيلي
لعل أصعب ما يمكن أن يتصوره المرء أن يخوض اثنان لهما نفس التوجهات والأهداف منافسة على زعامة حزب لا همَّ له سوى القضاء على كل ما هو فلسطيني، ورغم أنه لا فرق يذكر في نهاية المطاف بين أهداف (أرئيل شارون) و(بنيامين نتنياهو)، لكن للانتخابات مقتضياتها، فقد انبرى نتنياهو للتفوق في تطرفه على شارون منادياً بوجوب إقصاء عرفات وتغيير موقف الليكود من دولة فلسطينية مستقبلاً، أما وقد أعيد انتخاب شارون زعيماً للحزب الذي كان هو أحد مؤسسيه، فإن ذلك يدل على أن هذا الحزب يريد الاستمرار في سياسة القمع والعنف للتعامل مع الفلسطينيين شعباً وأرضاً ومؤسسات وقضية.
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: انتصار ساحق لأرئيل شارون على بنيامين نتنياهو، والليكود يبدو أشد قوة من أي وقت مضى، بل ومن أي حزب آخر في إسرائيل، ويبدو المشهد الإسرائيلي غريباً للكثير من مراقبيه، فرئيس الوزراء المتقدم في السن الذي لم يتخلَّ عن أساليبه العنيفة في التعامل مع الناشطين الفلسطينيين قدَّم نفسه على أنه الوحيد الذي يستطيع عقد اتفاقية سلام معهم نفس الفلسطينيين الذين مازالوا يعانون من سياسية القتل الجماعي التي ابتدعها (إيهود باراك) ورسخها على أرض الواقع شارون، ويحلو لكثيرين في إسرائيل والبعض خارجها تشبيه شارون (بمناحيم بيجين) رغم اختلاف المعطيات التاريخية.
منافسه بنيامين نتنياهو فشل فشلاً ذريعاً في تنحية الجنرال العجوز عن قيادة الليكود، ذلك رغم أن (بيبي) أضحى السياسي الليكودي المفضل عند أحزاب أقصى اليمين، وهو يحظى بدعم يهود الولايات المتحدة أكبر داعمي إسرائيل، لكن الموقف عشية فوز شارون لا يبشر بالانفراج، بل يدعو إلى التشاؤم وخيبة الأمل عند الفلسطينيين الذين حوصروا برا وجواً، وبعد عملية الجهاد البحرية في قطاع غزة اكتملت حلقات الحصار بحراً كذلك، فإن كان الناخب الإسرائيلي يبحث عن الأمان فلم تحققه له قفازات بيريز الناعمة ولا طائرات أباتشي باراك وشارون ولم تفتَّ في عدد الناشطين الفلسطينيين سياسات حصار مقر الرئيس الفلسطيني ولا هدم بيوت الناشطين ولا تجريف الأراضي الزراعية، ولا القتل بدم بارد حتى لموظفي الإغاثة الدوليين.
الدرس الذي عجز ساسة إسرائيل عن استخلاصه هو أن الاحتلال لن يمنح إسرائيل الأمان بل سيفاقم من مشاكلها، وأن استمرار سياسة تجويع الشعب الفلسطيني سياسة فاشلة، ولن تكسر حدة الهجمات بل ستؤدي إلى الغضب، والغضب يؤدي إلى التمترس خلف شعارات أكثر راديكالية، ومن ثم بذل الروح في سبيل إلحاق الأذى بإسرائيل ومواطنيها.
المعادلة المعكوسة التي كان يؤمن بها شارون مفادها أن الاستيطان سيمزق أوصال الكيان الفلسطيني المزمع إقامته، وأن الإسراف في القتل كفيل بتخويف الراديكاليين، وأنه لا مفاوضات إلا بعد الهدوء الشامل، ويعتقد مراقبو الشأن الإسرائيلي أنه تولدت قناعة داخل اليمين العلماني الإسرائيلي بأنه لابد من تسوية، وأن الاستمرار في النهج الحالي لن يؤدي إلا إلى الاستمرار في سياسة القتل وتلقي الضربات التي أفلح الفلسطينيون في تنويع وسائلها وتطوير طرق توجيهها، عملية (بيسان) التي استهدفت مركزا للتصويت قتلت خمسة إسرائيليين وجرحت عشرات منهم ثلاثة من أبناء ديفيد ليفي (وزير الخارجية الأسبق في عهد نتنياهو)، ثم أتت عملية ممباسا التي استهدفت سياحاً إسرائيليين وإطلاق صاروخ أو اثنين على طائرة مدينة إسرائيلية عند إقلاعها من مطار ممباسا، وتوعد شارون بالانتقام محملاً -كالعادة- السلطة ورئيسها ياسر عرفات المسؤولية عما حدث، ويمكن لشارون أن يستمر في برنامج قمعه الحالي بدون ضوء في نهاية النفق أو أن يستعد لزمن الخيارات الصعبة.
جميل عازر: ومتابعة لهذا الموضوع ينضم إلينا من الناصرة المحلل السياسي وديع أبو نصار.
أستاذ وديع، بداية ما هي العوامل التي أدت إلى هزيمة نتنياهو أمام شارون؟
وديع أبو نصار (محلل سياسي – الناصرة): نعم، هنالك ثلاثة عوامل رئيسية التي أدت إلى هذه الهزيمة:
العامل الأول: هو أن نتنياهو تخلَّى عن التنافس عن.. عن زعامة الليكود قبل عامين عندما شارون خاض المعركة الانتخابية ضد إيهود باراك، هذا الأمر أثر سلبياً على صورته لدى الكثير من أعضاء ومؤيدي الليكود.
العامل الثاني: هو أن نتنياهو فشل في إقناع الناخبين في حزب الليكود بأنه سيستطيع المضي قدماً في قمع الفلسطينيين أكثر مما قام به شارون بدليل أنه أثناء ترأسه لحكومة إسرائيل فشل في مواجهة الفلسطينيين، لا بل قدم -على حد تعبير بعض الليكوديين- تنازلات لهم.
أما العامل الثالث والأهم: فهو تمكن شارون وخاصة نجل شارون (عمري) وبعض المقربين من كسر جناح نتنياهو في داخل حزب الليكود خاصة في صفوف أعضاء المركز، الأمر الذي وطد سيطرة شارون على أكبر أهم رموز الحزب الداخليين.
جميل عازر: طيب أستاذ وديع، ما هي أهم الاختلافات في موقفي شارون ونتنياهو من القضية الفلسطينية؟
وديع أبو نصار: نعم، من الممكن الحديث عن ثلاثة اختلافات رئيسية بين الشخصين، وإن كانت يعني -بتقديري- ثانوية بنظر العرب:
الاختلاف الأول: هو كل الحديث عن الدولة الفلسطينية، فشارون يتحدث عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومحدودة الصلاحيات أو السيادة، على نحو ما لا يزيد عن 50% من المناطق الفلسطينية في الضفة والقطاع، أما نتنياهو فيتحدث عن كيان فلسطيني شبيه بحكم ذاتي الذي تحدث عنه مناحيم بيجين في أوائل المفاوضات التي أجراها مع المصريين في محادثات كامب ديفيد.
النقطة الثانية التي يختلف عليها الاثنان: هو كل ما يتعلق بالقيادة الفلسطينية، نتنياهو يتحدث عن رغبة جامحة للقضاء على كل القيادة الفلسطينية الحالية بجميع رموزها وبالأساس طرد الرئيس عرفات في حين يقول شارون بأنه في الوقت الذي يجب ألا نتحدث مع عرفات، لكن يجب الحديث مع رموز السلطة الفلسطينية الآخرين.
أما الأمر الثالث: فشارون يدعي بأنه من المهم أن.. أن يتوازى مع العمل العسكري ميدانياً عمل سياسي خاصة إرضاء للأميركان، في حين نتنياهو يشدد على النظرية الأمنية متجاهلاً الرأي العام العالمي والأميركي، ومحاولاً فرض الرأي العام الليكودي على الرأي العام العالمي.
جميل عازر: طيب. هل يمكن اعتبار هذه النتيجة والتأييد لشارون مقياساً للرأي العام الإسرائيلي بوجه عام؟
وديع أبو نصار: من حيث المبدأ نعم يعني وإن كنت أقول إن الرأي العام الإسرائيلي متقلب بعض الشيء يعني، فنحن نعلم أن الرأي العام الإسرائيلي هلل بنتنياهو عندما صرح بأنه سيدخل المعركة الانتخابية، ولكن سرعان ما تغير هذا الرأي العام، الأمر يشبه أيضاً في حزب العمل عندما كان وضع عمرام متسناع يعني تحت العديد من التساؤلات وقد فاجأ عمرام متسناع بعض العماليين عندما فاز بفارق كبير على خصومة، خاصة على بن أليعازر حيث كان يتوقع أنه سيفوز في أو على الأقل سيدفع إلى جولة ثانية من الانتخابات، فبتقديري الرأي العام الإسرائيلي متقلب وهنالك النسبة التي أستطيع تقديرها بنحو 30 إلى 40% من الإسرائيليين التي أستطيع أن.. أن أقول إنها نسبة مزاجية وتتأثر بالأحداث التي حولها.
جميل عازر: طيب هل يمكن -يعني- استباق تأثير هذه النتيجة على اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي في الانتخابات القادمة رغم أنه لا يزال أمامنا حوالي شهرين قبل موعد الانتخابات؟
وديع أبو نصار: نعم، بتقديري شهرين في السياسة الإسرائيلية هي مدة طويلة جداً، وهنالك يعني تحديات كبيرة وكثيرة أمام شارون ليعاد.. ليستطيع إعادة تشكيل حكومة.
التحدي الأول: هو أن نتنياهو لن يستسلم، وبتقديري السؤال الأكبر هو: إلى أي مدى نتنياهو فعلاً سيعمل على إنجاح الليكود وزيادة فرصه وحظوظه وبتقديري حتى لو شكَّل شارون الحكومة نتنياهو سيعمل كل ما بوسعه لتقصير عمر الحكومة المقبلة قدر المستطاع.
التحدي الثاني هو: إلى أي مدى سينجح شارون في ضمان كنيست يميني؟ نحن نعلم أن الانتخابات المقبلة لن تكون.. لن تشمل انتخابات مباشرة لرئاسة الحكومة، ومن ثم السؤال الأكبر هو: كم سيكون عدد أعضاء الكنيست الذين سيؤيدون الحكومة المقبلة في حال شكلها شارون؟ فإذا كان الـ 66 عضو كنيست -كما هو متوقع الآن- فستكون حكومة يمينية مصغرة ولكن هشة، أي أن انسحاب أحد الأحزاب من شأنه إسقاط الحكومة.
وبالتالي نحن الآن أمام العديد من التساؤلات والتحديات التي لا نعلم بعد كيف سيخرج منها شارون.
جميل عازر: طب أستاذ وديع أخيراً، كيف يمكن للقيادة الفلسطينية الحالية أن تغتنم هذه الفرصة لحشد تأييد لموقفها ولتأسيس دولة فلسطينية في نهاية الأمر، في هذه الفترة قبل الانتخابات؟
وديع أبو نصار: يعني أنا بتقديري إنه القيادة الفلسطينية بكل ما يتعلق في الانتخابات بشكل خاص وفي العلاقة مع الإسرائيليين بشكل عام يجب إتباع استراتيجية مبنية على ثلاث مبادئ رئيسية:
المبدأ الأول هو: التزام الصمت تجاه ما يتعلق بما يسمى معسكر السلام في إسرائيل فكل تصريح فلسطيني لقيادي.. لشخصية قيادية فلسطينية لصالح عمرام متسناع يضر بفرص متسناع أكثر مما يفيده.
الأمر الثاني.. المبدأ الثاني: هو مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي للأسف في خلال السنتين الأخيرتين وبالأساس منذ تأسيس السلطة ولكن مع الانتفاضة الحالية فشلت القيادة الفلسطينية في إقناع الرأي العام الإسرائيلي بأنها فعلاً ترغب بالسلام.
أما المبدأ الثالث الذي يعني يجب على القيادة الفلسطينية اتخاذه فهو: الظهور بمظهر أن قضية العلاقات مع إسرائيل هي علاقات استراتيجية وأنها تطمح فعلاً في التهدئة أكثر مما منها في العنف.
جميل عازر: وديع أبو نصار في الناصرة، شكراً جزيلاً لك.
محاولات إحياء التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظل الظروف الراهنة
هذا وقد يبدو غريباً ولدى البعض مستهجناً أن يقوم أحمد قريع (رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني) بإجراء محادثات في ظل الظروف الراهنة مع (أبراهام بورج) رئيس الكنيست الإسرائيلي وهو أيضاً من حزب العمل، ولهذا الصفة مدلولها في الوقت الراهن، لأن حزب العمل في حالة يرثى لها في استطلاعات الرأي الإسرائيلي العام على الأقل وبناءً عليه، فإن هذه المحاولة الثنائية لإحياء الاتصال أو التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد تكون خطوة استراتيجية ربما تصب في صالح العمل أكثر مما في الصالح الفلسطيني، ولكن الجانبين يواجهان الآن وفي الانتخابات القادمة خصماً مشتركاً اسمه شارون.
تقرير/ أسامة راضي: قناة أبرهام بورج وأحمد قريع الذي يرأس كل منها مجلساً تشريعياً ليست جديدة، كما أنها ليست الوحيدة التي برز حديث عنها في وسائل الإعلام بشكل وتوقيت لافتين، فقد جاء الاجتماع عشية انتخابات زعامة الليكود في منافسة جرت بين اثنين كلاهما مُرُّ بالنسبة للفلسطينيين كما أنها تأتي قبل شهرين من انتخابات برلمانية إسرائيلية تفيد استطلاعات الرأي حتى الآن أنها محسومة لصالح الليكود اليميني، الجانب الفلسطيني يدرك جيداً أن لقاءاته مع مسؤولي حزب العمل قد لا تكون ذات جدوى خاصة وأن الحزب كان شريكاً في حكومة شارون الائتلافية، وكان زعيم العمل المنقضية ولايته (بنيامين بن أليعازر) وزير الدفاع في حكومة شارون التي نكَّلت بالمدن الفلسطينية وسكانها، وحاصرت الرئيس عرفات وعرقلت كل جهد باتجاه السلام، كما أن حزب العمل موعود -وفقاً لاستطلاعات الرأي الإسرائيلية- بهزيمة قاسية في الانتخابات القادمة، وعلى الرغم من ذلك يواصل المسؤولون الفلسطينيون اتصالاتهم بالإسرائيليين عبر قنوات عدة منها قناة (بيلن – عبد ربه) التي ذكرت صحف إسرائيلية إنها تمخضت عن وثيقة سلام نهائية، كما أن هناك اتصالات أخرى سرية تدور بين سري نسيبة (المكلف بملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية) و(عامي أيالون) رئيس الاستخبارات الإسرائيلية، توصلت هي الأخرى إلى وثيقة لم يكشف عن مضمونها، سوى أنها تستند إلى حل يقوم على دولتين، وإذا كان الفلسطينيون يدركون أن جولاتهم واتفاقاتهم تلك لن تكون ذات جدوى مباشرة على صعيد السلام فعلى ماذا يراهنون إذن خاصة و.. أنهم أعلنوا وبقرار من قيادتهم عزمهم على مواصلة الحوار والتفاوض مع ما يعتبرونه معسكر السلام في إسرائيل، رغم أن ذلك المعسكر لا يتمتع حالياً بسلطة تنفيذية أو صلاحيات تفاوضية، قد تتعلق الإجابة بما ينفيه الفلسطينيون حول وجود صلة بين تلك المفاوضات وبين الانتخابات، بمحاولة التوصل إلى خطة سلام قد يطرحها حزب العمل الإسرائيلي على ناخبيه كطوق نجاة ينقذه من مصير غامض وينقذ ناخبيه من هواجسهم الأمنية، بينما يمنح أملاً للجانب الفلسطيني في استئناف مسيرة السلام.
أما ما يدفع الفلسطينيين إلى السير في هذا الاتجاه فيبدو أنه المزاج اليميني الآخذ في التصاعد في الشارع الإسرائيلي، والمصير الذي ينتظر اليسار الإسرائيلي الذي يعوِّل عليه الفلسطينيون ليقود عملية سلام معهم وهم يخشون من أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه حتى الانتخابات القادمة فإنه سيعني القضاء تماماً على كل بقايا اتفاقات السلام المحتمل وتحويل الاتفاقات التي تمت بشأنه سابقاً إلى أطلال.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً بعد فاصل:
نيجيريا في صراع بين دستورية تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال ومسابقة ملكة الجمال.. ثمنه عشرات القتلى.
[فاصل إعلاني]
هجوما مومباسا وموقع كينيا في الحرب الأميركية الإسرائيلية على الإرهاب
جميل عازر: وإلى كينيا حيث وقع هجوم على فندق في ممباسا وقتل أكثر من عشرة فيه وأُطلق صاروخان على طائرة ركاب إسرائيلية ولكنهما أخطأ الهدف رغم كون الفندق إسرائيلي الملكية مما يجعله هدفاً لجماعات مثل القاعدة والمقاومة الفلسطينية لابد من أن يثير الهجومان تساؤلات حول دور كينيا الأميركي الإسرائيلي في القارة الإفريقية، فهذا ليس أول هجوم من نوعه في الأراضي الكينية إذ سبقه الهجوم المدمر على السفارة الأميركية في العاصمة نيروبي قبل أربعة أعوام.
تقرير/حسن إبراهيم: لا يمكن فهم هجومي ممباسا ضد السياح الإسرائيليين إلا إن تم وضع المشهد السياسي الكيني بل والشرق إفريقي بأكمله تحت مشرط الجراح الدقيق، وممباسا مدينة متعددة الأوجه فهي الميناء الحيوي على المحيط الهندي وتشكل منفذاً لكثير من البلاد الإفريقية التي لا تحدها بحار وبالتالي تنشط فيها التجارة، وهي كذلك مقصد لآلاف السياح الغربيين ومن بينهم الإسرائيليون الذين استثمروا في قطاعات السياحة والعقارات في كينيا إجمالاً، لكن ممباسا تعتبر كذلك المدينة التي تضم أكثر الحركات القومية والإسلامية الكينية تشدداً، وهي بالتالي تعتبر مرتعاً خصباً لأجهزة الاستخبارات الغربية وخاصة الأميركية منها والتي أصبح وجودها مكثفاً منذ تفجير سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي عام 98، إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أدت إلى تفعيل الوجود الأميركي في كينيا عامة وممباسا خاصة، فالولايات المتحدة تحاول التغلغل في شرقي إفريقيا والقرن الإفريقي لمنع تحويل الصومال إلى أفغانستان أخرى، فهاجس بن لادن يلاحق الولايات المتحدة حتى في أدغال إفريقيا، وهناك عدة مؤشرات على استعداد ممباسا للتحول الراديكالي فقد أضحت المدينة منذ نهاية التسعينات معقلاً للحركات الإسلامية الراديكالية الكينية والتي قويت شوكتها منذ أن تحولت إلى الإسلام الراديكالي بعض الحركات القومية كحركة (منجكي) التي تعتبر نفسها خليفة لحركة (الماوماو) التي قادها في الماضي بطل الاستقلال (جغموكنياتا)، وتتهم الولايات المتحدة إسلاميي كينيا وجيبوتي والصومال بالتعاون مع تنظيم القاعدة وتقول: إن تجمع هذه الحركات أسبغ الحماية على أعضاءٍ في تنظيم القاعدة، ولهذا أرسلت الولايات المتحدة حشوداً عسكرية إلى جيبوتي وكينيا والصومال لمراقبة الحدود ما بين بلاد شرقي إفريقيا، لكن ما أثار حفيظة الحركات الإسلامية الكينية هو تغلغل إسرائيل في جميع أنشطة الحياة فيها، فقد امتلك الإسرائيليون -بتشجيع من حكومة الرئيس (دانيال أراب مويل)- فنادق وهيمنوا على قطاع السياحة، وبالطبع اعتبر كثيرون أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تحاول مد شباكها داخل المدينة، ومن هنا تأتي أهمية الهجومين الأخيرين فهما -إن صحت نسبتهما إلى تنظيم القاعدة، كما يحب كثيرون أن يصدقوا- يشكلان أول هجمة من القاعدة ضد أهداف إسرائيلية، ويشكلان نقلة نوعية وتقنية حيث استخدمت صواريخ (أرض – جو) في الهجوم على الطائرة الإسرائيلية، لكن الأهم من كل ذلك أن الهجومين يدلان على وجود من يضمرون كراهية في ممباسا تجاه إسرائيل ومن هم مستعدون لتقديم الدعم للحركات الفلسطينية هناك، فالشرق الإفريقي قد يصبح نقطة ساخنة في الحرب الأميركية الإسرائيلية ضد الحركات الراديكالية فلسطينياً وإسلامياً.
رئيس الإكوادور الجديد وتحديات الأزمة الاقتصادية والفساد
جميل عازر: ليس هناك كثيرون ممن يعتقدون أن فوز (لوسيو جوتييرس) في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها الإكوادور أخيراً سيكون نهاية لمتاعب تلك الجمهورية، فهي شأنها شأن معظم دول أميركا اللاتينية تعاني من أزمات اقتصادية مزمنة وفساد مستشرٍ وأوضاع سياسية غير مستقرة، وانتخاب (جوتييرس) رغم افتقاره إلى الحنكة السياسية يضيف شخصية أخرى ذات طابع يساري التوجهات إلى المسرح السياسي في تلك القارة، وربما ستكون مهمته في القضاء على الفساد في الحكومة أعنف بكثير من أي محاولة للتغلب على الضائقات الاقتصادية والاجتماعية في الإكوادور.
تقرير/ جيان اليعقوبي: على خطى فنزويلا والبرازيل ها هي الإكوادور تختار عسكرياً سجن قبل سنوات بسبب دوره في محاولة انقلابية ويصنف كيساري معتدل رئيساً لها هو الكولونيل لوسيو جوتييرس، وسيتولى الرئيس الجديد ذو الـ45 عاماً والمتحدر من أصل هندي أحمر مهام منصبه في الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني المقبل لولاية مدتها 4 سنوات، وقد صوت لجوتييرس الناخبون الفقراء والمتحدرون من أصل هندي بعد تعهده بمجانية الرعاية الصحية والإسكان الرخيص وشن حملة على الفساد، وهي نفس مطالب ثلاثة أرباع سكان كرتنا الأرضية الذين يعيشون في بلدان اصطلح على تسميتها بالعالم الثالث تحت رحمة حكومات مستبدة جعلتهم يطالبون بمكاسب حصلت عليها الشعوب المتقدمة منذ حوالي قرن من الزمان، ولضمان ألا يُساء فهمه في الطرف الشمالي من القارة الأميركية سارع (لوسيو) على خطى زميله البرازيلي (لولا) إلى التخلي عن الشعارات الحماسية والخطاب الثوري القديم وشد الرحال إلى واشنطن بعد الجولة الانتخابية الأولى في العشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لطمأنة سدنة البنك الدولي والمسؤولين والمستثمرين، كما لم ينسَ زيارة الخارجية الأميركية، حيث عَّدل من مواقفه السابقة من استخدام الجيش الأميركي لقاعدة (مانتا) العسكرية، وحرص (لوسيو) هناك على القول إنه ليس من مناهضي العولمة، وأضاف أنا لست شيوعياً أنا مسيحي في العمق، واحترم حقوق الإنسان.
الرئيس الجديد سيحكم بلداً غنياً بالنفط مثل البرازيل، ولكن اقتصاده لا يزال في طور النقاهة منذ بدء التداول بالدولار قبل عامين، وهي السياسة التي عارضها بقوةٍ آنذاك، لكنه عاد وأعلن قبل أيام أنه لا مفر من استمرار العمل بها، وتقول استطلاعات الرأي إن الناخبين اختاروا (جوتييرس) لأنهم رأوا فيه القائد القوي الذي سينظِّف الحكومة من الفساد، وهو يقول إنه مصمم على جعل الفاسدين يدفعون ثمن فسادهم في بلد يصنَّف الثاني بعد البراجواي بين دول أميركا اللاتينية من حيث انتشار الفساد، الذي يصل حجمه إلى ملياري دولار في العام، وهكذا بين دوامة الديون الخارجية واستحقاقاتها المرة، وتصميم القادة الجدد في هذه القارة العملاقة على التخفيف من الضائقة الاجتماعية التي تعصف بشعوبهم ربما تقف أميركا اللاتينية على عتبة عهد جديد بعد أن جربت حرب العصابات التي شنتها المنظمات اليسارية ونجحت واشنطن عن طريق وكلائها المحليين في كسر شوكتها، وذاقت مرارة سنوات الجمر على أيدي حكامها من العسكريين الفاسدين، وها هي الآن تأمل أن يكون قادتها الجدد أكثر رأفة بها ممن سبقوهم.
نيجيريا بين مسابقة ملكة جمال العالم
وتطبيق الشريعة الإسلامية
جميل عازر: منذ نيلها الاستقلال ونيجيريا تحاول الحفاظ على تماسك الموازييك العرقي والديني في ظل ظروف أسوأها حروب أهلية طاحنة، ومحاولات انفصال، وأفضلها انقلابات عسكرية وفقر مدقع، وعلى هذه الخلفية جاءت المواجهة التي أثارتها قضية مسابقة ملكة جمال العالم لتقام في شهر رمضان، فالأحاسيس مرهفة في المسرح النيجيري، والمتصيدون في المياه العكرة هناك كثيرون، والمشكلة التي أثيرت تسلط الأضواء من جديد على الوضع الداخلي في أكبر الدول الإفريقية سكاناً، كما تثير التساؤلات حول قضية استغلال المرأة بشكل مبتذل في رأي الكثيرين، لا ينم إلا عن ازدراء لنصف مجتمعات الإنسانية.
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: نيجيريا عملاق إفريقيا بسكانها الذين يناهزون 120 مليوناً، وأديانها المتعددة، وأعراقها وأجناسها ونفطها، ونيجيريا مأساة إفريقية بكل الفقر والإحن الطائفية والعرقية وتقلب العسكر والحكومات المنتخبة على سدة السلطة فيها، وهي كذلك وعد إفريقيا المتقد حماساً بأدبائها وعلمائها، وتاريخها، لكن وتيرة الضربات إلى شعرة معاوية التي تجمع النيجيريين لم تكن بحاجة إلى عقد مسابقة لملكة جمال العالم، وفي شهر رمضان لكي تتزايد، وما من شك أن ذلك مزيج لا يؤدي إلا إلى الانفجار، ولو حاولنا تتبع أصول القصة فهي ليست فقط أن من نظموا المسابقة قد تجاهلوا حساسية شهر رمضان في بلد يضم عشرات ملايين المسلمين ويطبق ست من ولاياته الشريعة الإسلامية، وليست القصة كذلك أن هناك من كتاب المقالات من يحاولون الاصطياد في الماء العكر لتأجيج نيران الفتنة الطائفية بين مسلمي ومسيحي نيجيريا ككاتبة المقال الذي أساء إلى شخص النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- بل تكمن جذور القصة في المبدأ نفسه، وهو ما يتفق عليه المسلمون المحافظون وجمعيات حقوق المرأة الغربية، بل وحتى الجمعيات النسوية الهندوسية، التي أقامت الدنيا ولم تقعدها عندما أقيمت مسابقة ملكات جمال العالم في (بومباي) بالهند، يعتبرون عرض جسد المرأة أمام حشد من البشر للحكم على مستوى جمالها حسب مقاييس لا تتوفر إلا عند أقلية من النساء، ثم تسوَّق هذه المقاييس لتصبح نبراساً لنساء العالم إنما هو نوع من الاستحواذ أو ما تسميه جماعات حقوق المرأة في الغرب الرق الجديد، ونيجيريا التي تمر بأقسى اختبار لوحدتها الوطنية منذ حرب (بيافرا) الطاحنة في الستينات لم تكن لتحتاج مزيداً من التأجيج للمشاعر الدينية وفي شهر رمضان، وبما أن (أبوجا) عاصمة لكل النيجيريين فإن كثيرين منهم يعتقدون أن الأولويات أمام الحكومة النيجيرية أكبر من مراعاة بروتوكول عقد المسابقة في بلد الملكة السابقة فـ(أجباني داريجو) النيجيرية توِّجت ملكة لجمال العالم عام 2001، وكانت أول إفريقية سوداء تفوز باللقب، وبالتالي -كما جرى التقليد- كان من المفترض إجراء المسابقة في بلدها الأم، لكن الناشطين الإسلاميين وغيرهم من مراقبي الشأن النيجيري يعتقدون أن الأمر ليس بهذه البراءة، فنيجيريا ومنذ تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في ستٍ من ولاياتها الشمالية المسلمة تواجه حملة غربية شعواء خاصة منذ الحكم على امرأة نيجيرية بالرجم لاتهامها بارتكاب جريمة الزنا وهي متزوجة، وثارت ثائرة كثيرين في العالم الغربي ضد نيجيريا، رغم أن دستورها الذي تم إقراره بعد حرب بيافرا يجيز للولايات المسلمة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيها، لكن أكثر الأمور إثارة للمشاعر هو ثنائية الموت في شوارع كادونا والجمال الهارب إلى لندن.
جميل عازر: وبهذا نأتي إلى ختام هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، نذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني.
سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر.
تحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.