جنود سوريون يفحصون موقعاً مضاداً للطائرات إثر قيام إسرائيل بقصف محطة رادار سورية بسهل البقاع
الملف الأسبوعي

سوريا وإسرائيل وحزب الله وموضوعات أخرى

سوريا وإسرائيل وحزب الله والغارات المتبادلة، والسودان والقبول بالمبادرة المصرية الليبية، وتركيا والنزاع بين التيار الإسلامي والعلماني الحاكم، وميلوسوفيتش أمام محكمة جرائم الحرب، والعراق وهزيمة مشروع العقوبات الذكية.

مقدم الحلقة

جميل عازر

تاريخ الحلقة

08/07/2001

– سوريا وإسرائيل وحزب الله والغارات المتبادلة
– السودان والقبول بالمبادرة المصرية الليبية
– تركيا والنزاع بين التيار الإسلامي والنظام العلماني الحاكم
– ميلوسوفيتش أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب
– العراق وهزيمة المشروع البريطاني "العقوبات الذكية"


undefined
جميل عازر: مشاهدينا الكرام أهلاً بكم إلى هذه الجولة من "الملف الأسبوعي" وفيه:

سوريا وإسرائيل وحزب الله وغارات على رادار واحدة ضد رادار الأخرى ومزاعم عن تجربة صاروخ اسكود سوري.

السودان.. وافقت الحكومة والمعارضة على القبول بالمبادرة المصرية الليبية، فهل من مبرر للتفاؤل لقرب إنهاء الحرب في البلاد؟

سلوبودان ميلوشيفيتش في قبضة المحكمة الدولية لجرائم الحرب، هل عدم اعترافه بشرعيتها يعفيه من المساءلة؟

سوريا وإسرائيل وحزب الله والغارات المتبادلة

لا يمكن اعتبار الهجوم الإسرائيلي على محطة رادار سورية إلا محاولة من حكومة شارون لتأكيد وضع المسؤولية عن عمليات حزب الله في مزارع شبعا على كاهل سوريا، وما من شك في أن إعلام إسرائيل بعد ذلك الهجوم عن أن سوريا أطلقت صاروخاً تجريبياً من طراز أسكود يوم الهجوم ذاته يصب في الجانب الدعائي الإسرائيلي للتشكيك في نوايا دمشق، رغم أن وزير الدفاع السوري نفي القيام بتجربة من هذا القبيل، ولابد أن القيادة السورية تجد نفسها في موقف حرج بين الرد على الهجمات الإسرائيلية بما ينطوي عليه من تبعات قد لا تكون في صالح سوريا الآن وبين محاولة تبرير ضبط النفس للشارع السوري.

سمير خضر: ليس بالمستغرب أن يحاول المرء الخروج من أزمة عن طريق تصديرها إلى الآخرين، ولا تشذ الدول عن هذه القاعدة، فإسرائيل شارون أصبحت على يقين من أن الحل الوحيد المتاح لأزمتها مع الفلسطينيين هو بتصديرها إلى الخارج حتى ولو كان ذلك يعني سلوك سبيل توسيع رقعة النزاع في المنطقة ليشمل أعداءً تقليديين، فإسرائيل تمتلك الخبرة الكافية في هذا المجال، ومنذ عدة أشهر حاولت إسرائيل مراراً نقل الجبهة الداخلية المشتعلة إلى سوريا عبر البوابة اللبنانية التي يتحكم بها مقاتلو حزب الله، لكن دمشق استطاعت بذكاء تحاشي السقوط في هذا الفخ على الأقل حتى الآن وبشكل خاص عقب تعرض قواتها في لبنان إلى غارات الطيران الإسرائيلي، لكنها استمرت مع ذلك بلعب ورقة حزب الله بالكفاءة نفسها التي كان يقوم بها الرئيس الراحل حافظ الأسد، وذلك من خلال تسخين الجبهة إلى حد معين لا يصل أبداً إلى مرحلة الاشتعال والخروج عن نطاق السيطرة، كما اكتفت دمشق بإجراء تجربة لصاروخ اسكود بعيد المدى لإيصال رسالة واضحة إلى تل أبيب رسالة يفهمها جيداً (أرئيل شارن) وطاقمه الحاكم، ومفادها أن صواريخ دمشق لن تكون كصواريخ حزب الله، وبالطبع فإن أي سخونة تطرأ على الجبهة الإسرائيلية السورية تثير قلق الغر الذي سارع إلى إطلاق دعوات ضبط النفس ومارس، أو بالأحرى يحاول ممارسة ضغوط على أطراف النزاع، الغرب لا يحبذ رؤية نزاع عسكري شامل في المنطقة لن يؤدي إلا إلى تهديد مصالحه الحيوية والاستراتيجية، وإذا قدر لهذا النزاع أن ينشب فإن ساحته ستكون على الأرجح الأرض اللبنانية التي لم تعد تحتمل مزيداً من الفرقة والتمزق والدمار، كما أن عامل حزب الله بات يلعب دوراً رئيسياً في معادلة التوازن الإقليمي إذ إن هذا التنظيم أثبت في الماضي أنه قادر على تحقيق ضربات موجعة لا يرغب أحد فيها حالياً، فهي لن تعمل سوى على إثارة نزعة شارون العدوانية ودفعه إلى مغامرة عسكرية جديدة قد تطيح بكل آمال السلام التي تولدت في مدريد وأوسلو وواي ريفر قبل أن تصدم بحاجز كامب ديفيد والانتفاضة، لكن نجم حزب الله لن يمر بدون ثمن، وحتى تقبل إسرائيل ومن ورائها حلفاؤها في الغرب بدفع هذا الثمن فإن الوضع على الحدود الشمالية لإسرائيل لن يعرف الاستقرار.

إعلان

السودان.. والقبول بالمبادرة المصرية الليبية

undefinedجميل عازر: لابد أن يكون قبول أطراف الصراع في السودان بالمبادرة المصرية الليبية واستعدادها لحضور مؤتمر بادرت القاهرة إلى التحضير له بداية عملية ستكون طويلة ومحفوفة بالمخاطر والعقبات ولا شك أن المبادئ التسعة التي تطرحها المبادرة تواجه الحكومة والمعارضة جملة تحديات، ولكن إذا أريد فعلاً الانتقال بالسودان إلى سلام واستقرار فإن على الأطراف المعنية أن تكون مستعدة لتقديم تنازلات ربما تبدو مستحيلة في الوقت الراهن، وإلا فإن قبول المبادرة لن يكون أكثر من محاولة هذا الطرف أو ذاك لكسب الوقت على حساب استمرار معاناة المواطنين.

حسن إبراهيم: المبادرة المصرية الليبية ليست عصى موسى السحرية، لكن يبدو أن فرق النزاع على السلطة في السودان يتعاملون معها على هذا الأساس، قبلت الحكومة بعد أن تأكدت أن تجمع الوطنية الديمقراطية قبل بها بعد ضغوط من مصر الذي تستضيفه على أراضيها، أما الحركة الشعبية لتحرير السودان فقد رحبت بالمبادرة بتحفظ، فالمبادرة منقوصة في رأي الحركة لأنها تخلو من حق تقرير المصير الذي تراضت عليه جميع الفصائل السياسية، وقالت الحركة: إن قبولها بالمبادرة رهين بدمجها -أي المبادرة- مع مبادرة المنظمة الإفريقية لمكافحة الجفاف والتصحر (الايجاد) ومن شروط الحركة الشعبية لتحرير السودان توقفت الحكومة السودانية الكامل عن التنقيب أو ضخ أو تصدير النفط الذي يستخرج من جنوبي وجنوب غربي السودان، وكما تقول الحركة فإن الحكومة السودانية تستخدم عائدات النفط في الإنفاق على الحرب وتقوية المشروع الحضاري الإسلامي الذي على أساسه يقوم النظام الحالي في الخرطوم، التحدي المطروح أمام السياسيين السودانيين حكومة ومعارضة هو تقدير مدى الخراب الذين لحق بكل مرافق الحياة في البلاد، فالجوع الذي يعصف بسكان غربي وجنوبي السودان والذي تصر الحكومة السودانية على تسميته بالفجوة الغذائية وصل مراحل لا يمكن السكوت عليها، أضف إلى هذا التردي في معظم الخدمات واستشراء الفساد في مختلف مرافق الحياة مع استمرار تذبذب موقف الحكومة تجاه حرية الصحافة والتعبير، ويستمر اعتقال الناشطين والسياسيين وأشهرهم الدكتور حسن الترابي عَّراب النظام السابق، من الجبهة الأخرى يأتي الإصرار المصري على استثناء مبدأ تقرير المصري من المبادرة من أن مصر تخشى أن يؤدي هذا إلى انفصال جنوبي السودان، وهو ما سيخلق واقعاً جديداً في معدلات النيل لا تستطيع مصر تحمله، وإذا أضفت إن هذا هو إصرار الرئيس الإثيوبي (ميليس زيناوي) على بناء سد بحيرة تانا العملاق فإن مصر ستواجه تهديداً لصميم استراتيجيتها المائية، ومن هناك تضفي الحركة الشعبية لتحرير السودان على الموقف تعقيداً إضافياً، فالحركة -وأيدها في ذلك التجمع الوطني الديمقراطي- تصر على فصل الدين عن الدولة وتفكيك نظام الإنقاذ في مرحلة انتقالية، وعلى الرغم من أن الحكومة السودانية قبلت بمبدأ الحكومة الانتقالية فقد تركت الباب واسعاً أما تفسيرات أخرى للمبادرة، فالحكومة قالت: إنها كانت دائماً تؤيد مبدأ توسيع مواعين المشاركة وهذا يختلف عن حكومة انتقالية قومية تتساوى فيها جميع الأطراف السياسية، ولا يعتقد أن أكثر الأجنحة ليبرالية في الحكومة السودانية تقبل مبدأ فصل الدين عن الدولة، فذلك يعني انتفاء الحاجة للنظام نفسه، والذي قام أساساً لتطبيق برنامج إسلامي، أما التوقف عن ضخ النفط فيعني عملياً توقف الحياة في السودان، فما عادت هناك قدرة للخزينة السودانية على شراء المحروقات من الخارج لسد احتياجات البلاد، وسيؤدي حقاً إلى حالة تذمر وغليان لا قبل للنظام السوداني بمقاومتها في هذه المرحلة، إذن فقد قبل الجميع بالمبادرة، لكن وضع بعض العراقيل قد ينسفها بالكامل، ويخشى المراقبون أن يعود الجميع إلى نقطة البداية.

إعلان

تركيا والنزاع بين التيار الإسلامي والنظام العلماني الحاكم

undefinedجميل عازر: النزاع بين التيار الإسلامي في تركيا ونظامها العلماني الحاكم ليس بجديد وتعود جذوره إلى الدستور الأتاتوركي الذي فصل الدين عن الدولة، وما انضمام حزب الفضيلة إلى سلفه حزب الرفاه للدخول في ملفات المحظورات السياسية في تركيا إلا تأكيد على الهوة بين الجانبين وقد يتمنى العلمانيون الأتراك زوال الإسلاميين من المسرح السياسي تماماً، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، فما أن صدر قرار حظر الفضيلة حتى أعلن قادة التيار الإسلامي عزمهم على تشكيل حزب جديد لتجد المؤسسة العلمانية نفسها في مواجهة تبعات أو تداعيات جديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

خالد القضاة: تعيش الساحة السياسية في تركيا فراغاً كبيراً منذ أن قررت المحكمة الدستورية حظر حزب الفضيلة بتهم تتعلق بأنشطة مناؤة للنظام العلماني الحاكم فيها، وجاءت الخطوة الأولى من زعيم الحزب المنحل (رجائي كوتان) بإعلانه عن بداية تشكيل حزب جديد يتم الانتهاء من إجراءاته خلال أسبوعين ومن المتوقع أن يضم الحزب الجديد ما لا يقل عن 50 من النواب الذين يمثلون الحزب المنحل، غير معروف حتى اللحظة مَنْ سيقود الحزب الجديد، لكن الشخصيتين البارزتين حسبتما ترجح أوساط حزبية في تركيا هم (الطيب أردوغان) وهو رئيس سابق لبلدية اسطنبول وقد سُجن 4 أشهر عام 99 بسبب خطاباته التي اعتبرت ذات أساس ديني وعرقي، وهناك (نجم الدين أربكان) وهو رئيس وزراء سابق معروف بتوجهه الإسلامي، ويعتبر أربكان رائداً في السياسات الإسلامية في تركيا، ويُقال إن هذين الرجلين يتشاوران منذ فترة لتوحيد الحركة الإسلامية في تركيا.

سياسياً توقع محللون بأن يزداد عدد الأعضاء المستقلين في البرلمان بسبب الحظر الذي صدر ضد حزب الفضيلة وكان ثالث أكبر الأحزاب السياسية في البلاد ورابع حزب له توجه إسلامي يحظر نشاطه خلال الأعوام الثلاثين الماضية، وكان ذلك سيؤثر أيضاً على الائتلاف الحكومي الذي يضم ثلاثة أحزاب كُبرى، لكن البرلمان لم يطرد سوى عضوين من نواب الحزب وغض الطرف عن المائة الآخرين في خطوة يبدو أنها جاءت لتجنب فوضى سياسية، على المستوى الاقتصادي يمكن تقييم تبعات قرار المحكمة الدستورية بأثره البالغ على الاقتصاد التركي في هذه المرحلة بالذات، فالقرار من شأنه أن يثير عدم استقرار سياسي في وقت مهم للإصلاح حيث ينهمك البرلمان في تنفيذ برنامج إصلاح مالي بدعم من صندوق النقد الدولي قيمته أكثر من 15 مليار دولار، أكثر ما قد تخسره تركيا من قرار المحكمة الدستورية هو في الساحة الأوروبية، فقد انتقد مجلس أوروبا قرار المحكمة واعتبره ضد المبادئ الديمقراطية، وهذه الخطوة الأوروبية من شأنها إضعاف الجهود التي تقوم بها أنقرة في محاولاتها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن ما تفعله في الساحة الداخلية ينعكس على صورتها لدى الغرب حتى لو بررت أفعالها بأنها لكبح جماح حركات دينية تتهمها بأنها تدعم مجموعات أصولية، وفي جميع الأحوال يصعب الجزم فيما إذا استفاد العسكر وإذا استفادت تركيا من العلمانية طوال 80 سنة.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً: العراق والأمم المتحدة وهزيمة مشروع القرار البريطاني بشأن العقوبات الذكية، فهل بدأ العد التنازلي لرفع العقوبات عن بغداد؟

ميلوسوفيتش أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب

undefinedتم تسليمه إلى المحكمة الدولية لجرائم الحرب في لاهاي، وصرف النظر عن المحامين ليدافع عن نفسه أمام محكمة أعلن عدم اعترافه بشرعيتها، فالرئيس اليوغسلافي (سلوبودان ميلوشيفيتش) المتهم بارتكاب جرائم حرب في البوسنة و كوسوفو اتبع تكتيكياً.. يهدف إلى تأخير إجراءات محاكمته أملاً منه في إحباط ما يعتبرها مؤامرة شمال أطلسية لتمريغ أنف الصرب في الرغام، وقد يكون هناك مبرر لتصرفات هذا السياسي البارع في المراوغة إذا نظرنا إلى ازدواجية معايير العدالة الدولية، ورغم أن ميلوشيفيتش يناطح الحيطان في هذا الموقف فكم من رئيس دولة أو حكومة سابق أو حالي في أنحاء العالم يمكن توجيه نفس الاتهامات إليه

حسن إبراهيم: كان مشهداً مهيباً، رئيس جمهورية السابق يقتاد إلى قاعة محكمة جرائم الحرب الدولية، وقد رفض سلوبودان ميلوشفيتش تعيين محامٍ يدافع عنه، بل واجه المحكمة وحيداً، فهو يرفض الاعتراف بها ويطالب بمحاكمة قادة حلف شمالي الأطلسي بسبب غاراتهم المدمرة على يوغسلافيا، وبسبب ما أسماه بالحصار الجائر المفروض على بلاده، وفي (بلجراد) تظاهر أنصار ميلوشفيتش وأعداؤه غضباً لكرامتهم الوطنية التي يعتبرون أن أوروبا والولايات المتحدة تصران على انتهاكها، بينما يحاول السياسيون البارزون في الحكومة اليوغسلافية بما فيهم الرئيس (بوتسلاف كوتشونيتسا) التنصل من الصفقة التي بموجبها سلمت يوغسلافيا رئيسها السابق إلى محكمة جرائم الحرب، لكن لماذا ميلوشفيتش؟ ألإنه رئيس الدولة التي تحدت الناتو والولايات المتحدة؟ أم لأنه حقاً مذنب كما يقولون؟ فهو لم يكن يختلف كثيراً في سجله الدموي العنصري مثلاً عن (فانيو توجمان) رئيس كرواتيا الراحل وأحد الموقعين على الاتفاق الذي أنهى حرب البلقان الأولى عام 95 في (دايتون) بولاية (أوهايو) ثم لماذا لم تكن الأسرة الغربية بنفس الإصرار على ملاحقة (راودوفان كارديتش) و(رادكوم لاديتش) الذين يلقبان بجزاري البوسنة، يعتقد الصرب أن أوروبا ومن ورائها الولايات المتحدة تحاول تمريغ كرامتهم في الوحل والاعتقاد السائد أن مشروع الاضطهاد هذا مستمر منذ عهد بعيد، ولعل مسلسل الاستفزازات الأوروبية للصرب يرجع إلى عهد اعتناقهم للعقيدة الأرثوذكسية، لكن العداء تبلور مشروعاً سياسياً عندما استعان الـ (هابسبرج) بالعثمانيين لدحر الملك (لازرو) ملك الصرب في القرن الـ 16 في معركة (برشتينا) حاضرة صربيا القديمة، واستمر العنف ضدهم مع الهجرة الجماعية للأتراك من الأناضول إلى البلقان مما غير الجغرافيا السياسية بالمنطقة، ولو تصفحنا أجندة مؤتمر باريس الذي عُقد في العاصمة الفرنسية عام 1913م لوجدنا انتصاراً لتعنت الهابسبرج في موضوع الصرب والبلقان، حتى أدى الاحتقان إلى اغتيال ولي عهد الهابسبرج (فردينا ند) واندلاع الحرب العالمية الأولى، ولم تخمد نار الحرب حتى مع تكوين جمهورية يوغسلافيا على يد المارشال (دوزني بروستيتو) بعد الحرب العالمية الثانية، ويتساءل كثير من المراقبين من غير الصرب عن العدالة في تشكيل المحكمة بهذه الصورة، فلو طبق مبدأ المحاكمة على أساس ارتكاب جرائم الحرب على بلاد كثيرة في العالم، وعلى زعماء كثيرين لازدحمت ردلهات المحكمة بالمهتمين، فمن يحاسب أرئيل شارون على جرائمه منذ عام 56 وحتى يومنا هذا مروراً بمجزرة صبرا وشاتيلا؟ ومن يحاسب من قتل أطفال العراق الذي تقول الأمم المتحدة إن حوالي المليون منهم قد توفي من أثر الغارات الأميركية البريطانية أو بتأثير اليورانيوم المنضب، أو بتأثير نقص الغذاء والدواء؟ وترى من يحاسب الولايات المتحدة على ما قامت به في حرب فيتنام؟ ولهذه المعايير المزدوجة وللإحساس بالاضطهاد التاريخي الذي مورس على الصرب، ربما لهذا كله يصر سلوبودان مليوشوفيتش على عدم الاعتراف بمشروعية المحكمة الدولية لجرائم الحرب.

إعلان

جميل عازر: ولتوضيح موقف القانون الدولي من تسليم الرئيس اليوغسلافي السابق ومثوله أمام محكمة جرائم الحرب كنت قد تحدثت عبر الهاتف إلى الدكتور جعفر نوري -أستاذ القانون الدولي بجامعة لندن -وسألته أولاً: ما هي القوانين الجنائية التي سيحاكم مليوشوفيتش بموجبها؟

د. جعفر نوري (خبير قانون دولي-لندن): الواقع هناك طبعاً جرائم الحرب ابتداءً اتفاقيات جنيف وإحدى الاتهامات الموجهة للسيد ميلوشوفيتش هي مسألة انتهاكه لاتفاقيات جنيف، وهناك المسألة الأخرى المسائل التمييز العرقي والعنصري، هذه كله هناك اتفاقيات دولية تحاسب عليها بشكل أساسي، هناك أيضاً قضايا حقوق الإنسان التي انتهكت بشكل واسع ومسألة جريمة الـ (جينسا) التي أقرت باتفاقية الأمم المتحدة لسنة 48 وقضايا حقوق الإنسان العهديين الدوليين الذي يثبت الحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري وكلها يوغسلافيا هي عضو فيها، ولذلك هذه كلها وثائق يمكن أن يحاكم بموجبها بالإضافة إلى مسائل السوابق القضائية اللي وجدت في الحرب العالمية الثانية بالنسبة إلى محاكمات (نورمبرج) و (طوكيو) وإلى ما يجري الآن من محاكمات في لاهاي بالنسبة للقضايا التي سبقته بالنسبة للمتهمين في قضايا كوسوفو والبوسنة والهرسك.

جميل عازر: طيب، بسبب الزوبعة الإعلامية التي اكتنفت قضية ميلوشوفيتش، كيف يمكن ضمان محاكمة عادلة له وسط هذا الصخب الإعلامي حول اقترافه وجرائم وتصويره بأنه بطاش ورجل مجازر؟

د. جعفر لوري: نعم، أستاذ جميل هناك مسألة أحب أؤكدها أن المشكلة الأساسية في جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل أساسي هي متعلقة، المتهمين فيها هم الحكام حصراً، أي لا يتهم فيها الإنسان العادي، لسبب بسيط لأن أي فرد عادي عندما يعتدي على حقوق الآخرين هناك قوانين الجنائية والعقوبات فيما يخص تناول ذات الشخص، أو أمواله فيما يخص قانون تجاري ومدني وأحوال شخصية، فعندما عجزت القوانين الداخلية عن إيقاف انتهاكات الحكام لحقوق الإنسان بات للمجتمع الدولي اللي أخذ هذه المهمة على عاتقه خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية منذ إعلان حقوق الإنسان الذي وضع بداية لقانون دولي إنساني لإيقاف الانتهاكات هذه، أما فيما يخص المحاكمة العادلة، أنا باعتقادي أي قاضي يحترم نفسه، وهذه أمانة مسلمة لديه أن هناك مسألة قضية معينة، هو لن يتأثر بها.. بهذه الحملة الإعلامية سواءً كانت ضد أو إلى جنب.

جميل عازر: طيب، ما هي أهم تداعيات قضية ميلوشوفيتش في المحكمة الدولية لجرائم الحرب هذه؟

د. جعفر نوري: الواقع أنا كما ذكرت قبل قلي أنه المتهمين الأساسي في قضايا انتهاك حقوق الإنسان هم الحكام أنفسهم حصراً وليسوا الأفراد العاديين، ولذلك الواقع أنه هذه، أنا كما قلت هي يعني مسالة نوع من مؤشر سوء وإنذار لكل ديكتاتور مارس ضد اضطهاد ضد شعبه أو زج شعبه في مسألة حروب ومشاكل وانتهاكات حقوق الإنسان، يعني القدسية اللي كانوا الحكام يحاولون أن يفرضوها على أنفسهم هذه انتهت كل ما يتطور الرأي العام العالمي ويتعزز القانون الدولي كلما تضعف هذه المسألة، ولابد أنه الرؤساء والحكام يحاسبون نفسهم قبل أن يدخل الوقت.

سبق الرئيس الفرنسي (ديجول) أن قال مسألة كبيرة: أن الأمم المتحدة هي مجرد آلة ضخمة، ولكن هذا الأمر بصراحة تغير الآن.

العراق وهزيمة المشروع البريطاني "العقوبات الذكية"

undefinedجميل عازر: فشل مشروع القرار البريطاني الخاص بتعديل نظام العقوبات الدولية المفروضة على العراق وتحطم على صخرة الموقف الروسي إزاء هذه العقوبات، ولا أحد يفاجئ بترحيب العراق بهذا التطور الذي تعتبره بغداد انتصاراً لها وهزيمة نكراء للسياسة التي تقودها واشنطن بدعم قوي من لندن بشأن الحصار المضروب على العراق، ولكن حتى مع تمديد برنامج النفط مقابل الغذاء يبقى هدف العراق لرفع الحصار جملة وتفصيلاً بعيد المنال، فالخلاف مع الأمم المتحدة متعددة الجوانب وسيحتاج حله إلى إعادة النظر في مواقف عديدة، غير أن الموقف الروسي بوجه خاص قد يكون نقطة البداية.

سمير خضر: وأخيراً سقط المشروع الأميركي البريطاني ربما إلى حين، لكن مفهوم العقوبات الذكية بحد ذاته بات مبعث سخرية في أروقة الأمم المتحدة، إدارة الرئيس بوش لم تخف منذ مجيئها حقيقة أن العراق سيكون على رأس اهتماماتها رغم معارضة دول الجوار العربي، على الأقل علانية، وأعلنت واشنطن مراراً أنها تدرس هذه الفكرة وستعرضها على حلفائها في أوروبا وفي الشرق الأوسط، وظن العالم أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على فرض إرادتها من جديد على المجتمع الدولي في الوقت الذي كانت فيه بغداد تستصرخ العالم ضد هذا المشروع الذي يكرس بنظرها حالة الحصار إلى ما لا نهاية، وعندما عرضت واشنطن مشروعها على حلفائها بغطاء بريطاني معهود، لم تلق سوى الفتور، وأحياناً الرفض، لكن الجميع كان يعرف إن مقاومة الإرادة الأميركية ستكون صعبة للغاية وأحياناً مكلفة سياسياً واقتصادياً، وما أن عرض المشروع على مجلس الأمن حتى تصدت له (موسكو) التي لم تعلن صراحة رفضها له، بل تحفظها الشديد عليه الأمر الذي دفعها إلى تقديم مشروع مضاد يضمن جدولاً زمنياً محدداً لرفع الحصار، وهو ما تنادي به بغداد من زمن، رغم أن المشروع الروسي يحاكي نظيره الأميركي فيما يتعلق بضرورة عودة مفتشي الأسلحة الدوليين، ورأت واشنطن في الخطوة الروسية المفاجئة تحدياً لم تكن تتوقعه من موسكو، فروسيا (بوتن) لم تعد روسيا (يلتسين) وإن لم يكن الفرق لا يتعدى كونه تكتيكياً، فالروس لم يعودوا يمتلكون وسائل مواجهة القطب الأميركي خاصة إزاء مشروع الدرع الصاروخي الذي تريده واشنطن، وربما كان تصلب موسكو إزاء قضية العراق أحد نتائج هذا المشروع الصاروخي الأميركي وبذلك تكون بغداد قد استفادت من هذه المواجهة بين موسكو وواشنطن ولكن إلى حين، فالوضع قد لا يتسمر طويلاً، وما مآسي العراق منذ عام 90 إلا نتيجة للتقارب بين هذين البلدين، فروسيا لا تزال بحاجة إلى مليارات صندوق النقد الدولي الذي تتحكم الولايات المتحدة في مفاتيح خزائنه، وإذا كان موقف موسكو الأخير لا يمثل سوى مقايضة فإن على بغداد تقديم عرض أفضل هذا الحليف الروسي الذي يبحث أولاً وأخيراً عن مصالحه، وبذلك تستطيع بغداد إقناع أصدقائها بأن مصالحهم معها وإن اختلفوا معها حول السياسات والمبادئ.

إعلان

جميل عازر: وبهذا نأتي إلى ختام جولتنا في (الملف الأسبوعي)، ونسترعي الانتباه إلى أنه بإمكانكم الوصول إلى صفحات هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت على موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، وسنعود إليكم في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله. فإلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة