بيان باول، محادثات السلام السودانية، مأساة كولومبيا
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
| |
تاريخ الحلقة: | 08/02/2003 |
– مدى اعتبار بيان باول إعلاناً للحرب على العراق وردود الأفعال إزاءه
– تقدم محادثات السلام السودانية
– مأساة كولومبيا والجدل إزاء جدوى استكشاف الفضاء
– اعتزال الرئيس التشيكي هافل الحياة السياسية
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى جولة جديدة في (الملف الأسبوعي) وفيه:
(كولن باول) في مجلس الأمن الدولي بيانات مع مؤثرات صوتية ومرئية في خطاب لم يكن أقل من إعلان العزم على شن حرب على العراق.
والمعارضون في أوروبا وخارجها للحرب غير مقتنعين بالحجج الأميركية والبريطانية.
وكارثة كولمبيا ما هي المبررات للتضحية والمجازفة بحياة الرواد من أجل استكشاف الفضاء؟
مدى اعتبار بيان باول إعلاناً للحرب على العراق وردود الأفعال إزاءه
استخدم وزير الخارجية الأميركي أسلوباً درامياً في عرضه للمعلومات عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، وإذا كان كولن باول مقتنعاً بكل ما أدلى به أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، فإنه لم يكن مقنعاً لكثيرين منهم، أما وقد أشاد بالتقرير البريطاني لاحتوائه -ما وصفها- تفاصيل دقيقة عن المراوغات العراقية، فلم يكن يدري أن الحكومة البريطانية كانت ستعترف لاحقاً بعد انفضاح أمرها بأن تقريرها اقتبس حرفياً وبالأخطاء اللغوية أجزاء من أطروحة قدمها قبل سنوات باحث في معهد (مونتيري) لمركز الدراسات الدولية في كاليفورنيا، وليس معلومات استخباراتية كما ادَّعت الوثيقة البريطانية، وإذا كانت الحجج الأميركية تستشهد بافتراءات من هذا القبيل، أفلا يمكن اعتبار بيان باول بأنه مجرد تكتيك لإعلان حرب؟
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: من الطبيعي أن يحاول السياسي التأقلم مع مختلف الظروف، وأن يغير خطابه ليناسب المعطيات المرحلية، لكن أداء وزير الخارجية الأميركي كولن باول في مجلس الأمن الدولي كان مثيراً للدهشة وفي بعض الأحيان للإشفاق، فالعالم شاهد نسخة يمينية متشددة من كولن باول لا علاقة لها بالمنطلقات الليبرالية للجنرال السابق، فهو حضر ويلات الحروب من فيتنام وحتى العراق، ويعلم أنه يتعامل من داخل إدارة جل قادتها لم يذهبوا إلى القتال يوماً واحداً في حياتهم.
ولعل ما يقلق الجنرال السابق أنه يعرف جيداً الثمن الباهظ الذي تدفعه الأطراف كلها في الحرب حتى القوية المنتصرة منها، والأدلة التي تقدم بها باول إلى مجلس الأمن شملت تسجيلات صوتية باللغة العربية لمحادثات من المفترض أن تكون بين ضباط قياديين في الجيش العراقي، وتُرجمت إلى الإنكليزية بتصرف جديد وصور توضيحية قال باول: إنها مصانع أسلحة محظورة صورتها الأقمار الاصطناعية الأميركية.
ثم لإثبات علاقة العراق بتنظيم القاعدة قدم باول صورة الزرقاوي أحد زعماء تنظيم القاعدة الذي أقام في العراق بُعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ردود الأفعال على خطاب باول لم تتغير كثيراً على الصعيد الدولي، حتى ظن كثير من المراقبين أن باول كان يخاطب الشعب الأميركي ليبرر له الحرب في ظل المعارضة المتزايدة، وأكبر دليل على الشكوك التي مازالت تؤرق الناخب الأميركي هو أن أسعار البورصة لم تتجاوز حد التفاؤل الحذر، وما يزيد من متاعب الإدارة الأميركية الحالية هو تقديمها ميزانية للكونجرس احتوت على أكبر عجز في تاريخ الولايات المتحدة يناهز الثلاثمائة والثلاثين مليار دولار، واحتوت الميزانية كذلك على زيادة ضخمة في ميزانية الدفاع تناهز الـ 15 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى الأربعين مليار دولار موازنة لوزارة الأمن الداخلي الجديدة.
وتجد باول الجنرال الحذر قد عاد إلى طبيعته في مجلس الشيوخ الأميركي، وهو يحذر من تبعات الحرب، وأنها قد تحدث اضطرابات غير مسبوقة في منطقة الشرق الأوسط.
لكن الأسرة الدولية رغم كل ما قاله باول لم تغيِّر كثيراً من مواقفها خاصة الدول الكبيرة، مثل: فرنسا وروسيا والصين وألمانيا، فهذه الدول تصر على أن باول لم يأتِ بجديد، وأن كل ما قاله كان إما قابلاً للنقد أو للتقليل من أهميته، وزير الخارجية البريطاني (جاك سترو) أعلن أن الوقت قد حان للتخندق خلف واشنطن في حربها المعلنة على الإرهاب، وأنه لابد من نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية بالقوة إن لزم الأمر.
ويبدو أن الولايات المتحدة تدرك أن ما قدمته لم يفلح في زحزحة مواقف الكبار خاصة أصحاب حق النقض الفيتو منهم، لذا فقد قال الرئيس الأميركي: إنه لا حاجة إلى قرار جديد، وأنه لا مناص من استخدام القوة إن لم يشرع العراق في نزع أسلحته، وحتى إن أغضب التلويح بالقوة الكثيرين، فلا يبدو أن واشنطن تعبأ كثيراً بالرأي العام العالمي.
جميل عازر: وما من شك في أن البيانات التي أدلى بها كولن باول لم تحقق على الأقل الهدف الظاهري المعلن لها، فالمعارضة للحرب على العراق -في واقع الأمر- ازدادت ضراوة والإصرار على إعطاء فرق المفتشين الوقت الكافي لإنجاز ما فوضتهم الأمم المتحدة به زاد إلحاحاً، أما وقد أبدى العراقيون استعداداً أكثر من قبل لتلبية متطلبات البرادعي وبليكس في شأن التعاون بشكل ملموس مع المفتشين الدوليين، فإن ذلك لا يبدو كافياً في الوقت الراهن على الأقل لدرء غائلة الحرب، ويبدو أنه ما أن يحين موعد تقديم بليكس والبرادعي تقريريهما المنتظرين في الأسبوع القادم حتى يكون الوقت قد فات أصلاً.
تقرير/ أسامة راضي: نفاذ صبر الولايات المتحدة يبدو أنه ليس مدفوعاً بموقف العراق أو معارضي الحرب فقط، بل من إدراكها أن الوقت ليس في صالحها، فخطاب باول وبعده بوش جاء في سياق غير مواتٍ لواشنطن أو لأقرب حلفائها كبريطانيا وأستراليا، فأستراليا التي تعتبرها واشنطن من أخلص حلفائها تسودها روح تعارض الحرب، وتغطي ثلاثة أرباع الرأي العام، وقد سجلت تلك المعارضة سابقة في تاريخ البرلمان الأسترالي، إذ صوَّت مجلس الشيوخ ولأول مرة بعدم الثقة في سياسات رئيس الوزراء (جون هاورد) الذي أرسل وحدات عسكرية إلى منطقة الخليج لمساندة القوات الأميركية.
أما بريطانيا فإن رئيس حكومتها (توني بلير) الواقع تحت ضغط من حزبه وتدنٍ في شعبيته وتنامي المعارضة الشعبية للاشتراك في تلك الحرب، فقد بدأ يغير لهجته، وبدلاً من التأكيد على أن بريطانيا ستخوض الحرب حتى وإن لم يصدر قرار دولي جديد، يتحدث بلير حالياً عن ضرورة خوض حرب من خلال الأمم المتحدة، خاصة بعد أن فشل في إقناع الرئيس الفرنسي (جاك شيراك) بدعم قرار ثانٍ تسعى لندن وواشنطن لاستصداره من مجلس الأمن تأييداً لموقفيهما.
المراقبون لا يرون تغيراً في موقف بلير، ويعتبرون أن تصريحاته الأخيرة تكتيكاً أو موقفاً استهلاكياً أكثر من كونها موقفاً مبدئياً، فهو لم يتخل عن لهجة الذاهب إلى الحرب، كما لم يتخل عن قناعة في لندن وواشنطن بأن دولاً كفرنسا وروسيا ستبادر للقفز إلى عربة الحرب قبل تحركها، لاعتقاده بأن المشاركة في الحرب ستكون أفضل لتلك الدول من تهميش دورها في لعبة قد تعيد صياغة المنطقة، وكما لم تر فرنسا في أدلة باول ما يحملها على تغيير موقفها، اتخذت روسيا موقفاً مماثلاً، بإعلانها أن خطاب باول لم يحمل ما يمكن أن يكون دليلاً ملموساً، لاسيما وأن عناصر تسوية سياسية لا تزال متوفرة من وجهة النظر الروسية التي تصر على أن استخدام القوة ينبغي أن يكون الخيار الأخير، بما ينطوي عليه من مجازفة كبرى وعواقب محتملة.
أدلة باول اعتُبرت في بغداد محض ادعاءات وافتراءات للاستهلاك المحلي ولنسف مهمة مفتشي الأسلحة، ويبدو أن بغداد لم تنتظر غير ذلك من واشنطن، لكنها تحرص -على كافة المستويات- على نفي حيازتها أسلحة دمار شامل أو صلتها بتنظيم القاعدة، وبدلاً من الرد على الخطابات التصعيدية للمسؤولين الأميركيين بالمثل، حرص الرئيس العراقي على الظهور في أول مقابلة تليفزيونية منذ اثني عشر عاماً في هدوء الواثق من الانتصار في حرب لن تكون الأولى التي يخوضها للتصدي لحملة أميركية يؤكد أنها من أجل السيطرة على النفط والهيمنة على المنطقة والعالم.
تقدم محادثات السلام السودانية
جميل عازر: أعلنت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان أنهما حققتا تقدماً ملحوظاً في محادثاتهما في نيروبي، مما دفع الوسطاء من الإيجاد إلى التفاؤل بأن إحلال سلام في أكبر دول القارة الإفريقية مساحة، قد أصبح في متناول يد السياسيين، فمجرد التوصل إلى اتفاق على مبادئ وليس تفاصيل اقتسام السلطة والثروة يعتبر إنجازاً مهماً، لأن القضيتين كانتا العقبة الرئيسة التي تعترض سبيل إنهاء الحرب الأهلية في جنوبي البلاد، وإذا كان الجانبان لا يزالان يعكفان على وضع التفاصيل، فإن قول ممثل الحركة الشعبية بأنهما اتفقا على إطار لحكومة وحدة وطنية سيزيد من التفاؤل حتى وإن بقيت المعارضة الشمالية خارج المفاوضات.
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: يبدو مفهوم السودان الوطن في طريقه إلى إعادة التعريف، فالضغط الأميركي أكثر من الاستنزاف المستمر منذ عام 83 من القرن المنصرم قد أجبر طرفي النزاع على العودة إلى المفاوضات في نيروبي. والغرض -كما تقول الحكومة والحركة- هو البحث عن آليات متعددة: آلية رقابة لوقف إطلاق النار، وآلية لاقتسام السلطة والثروة، وقبل كل ذلك تعريف لمفهوم الوطن.
فلم يعد يكفي المواطن الجنوبي أن يقال له -وهو يعيش على أطراف المدن نازحاً منذ أمد طويل- إن المواطنة هي أساس الحقوق، بينما لا يناله من موازنة التنمية إلا النذر اليسير الذي يُلقى إليه في شكل معونات متفرقة، ومواطن الشمال -بأحزابه الراسخة في القدم- لا يكفيه اتفاق من الحكومة السودانية، التي يراها تمثل حزباً إسلامياً واحداً، هوالحركة الشعبية لتحرير السودان، لهذا فإن معظم جولات المفاوضات السابقة كانت ناقصة لا تُرضي الطموحات السودانية، ويبدو أن تلويح (جون دافوس) المبعوث الأميركي بالعقوبات، قد فتح أبواباً كانت موصدة في الوجدان الشمالي السوداني على الأقل، فالحركة والحكومة تتحدثان عن الكونفدرالية التي كانت خطاً أحمر ترفض جميع الحكومات السودانية تجاوزه، بل وكانت من النقاط التي سوغت للكثيرين في الماضي تخوين الدكتور (جون جارنج) عندما فتح الموضوع عام 99 في القاهرة.
ومع تخطي الحاجز النفسي كان لابد للطرفين من الإجابة على السؤال المعضلة، في أي جولة مفاوضات وهو: أين تقع حدود جنوب السودان؟ وهل تضم المناطق التي تسمى مهمشة مثل جبال النوبة في الشمال الغربي السوداني ومناطق (البجئة) في أقصى الشرق؟
ولعل السؤال الذي يمكن أن يطرح هو: عن جدية الحركة الشعبية في التمسك بهاتين المنطقتين بما يلقيه ذلك من أعباء على حصتها من الثروة الموعودة، نفط وأراضٍ خصبة وماء وفير؟ لكن الحقول المنتجة الآن تقع في مناطق التماس بين الشمال والجنوب، لذا فإن آلية وقف إطلاق النار قد ركزت على إيقاف العمليات حول مناطق إنتاج النفط.. والسؤال الذي يطل برأسه دائماً هو سؤال الهوية، عروبة السودان أم إفريقيته أم الخليط الأفروعربي الذي يحاول الشمال تسويقه؟ ثم هناك الإسلام الذي لا يرفضه الجنوبيون ولا الشماليون المعارضون بل يرفضون التطبيق المتشدد للإسلام الأصولي، إن كان ذلك لا يكفي فالمشهد السياسي السوداني يزداد تعقيداً بإقصاء الحكومة من المفاوضات للأحزاب المنضوية تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي ومعظمها شمالي، فهل الرسالة هي: أن الحكومة لا تقدم تنازلات لمن لا يحمل السلاح؟ وهذه معضلة بحد ذاتها، فرغم عدم مشاركة هذه الأحزاب التي يقودها محمد عثمان الميرغني (زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، راعي طائفة الخاتمية) إلا أنها تمثل ملايين السودانيين، ولن يحقق الاستقرار للحكومة استمالتها لبعض المنشقين عن الأحزاب الطائفية، فقد أثبت التاريخ السوداني المعاصر أن انشقاق هذه الأحزاب لا يزيدها إلا قوة، حتى لو أصبح دكتور جون جارنج نائباً لرئيس الجمهورية.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً بعد فاصل:
(فاتسلاف هافيل) رمز الانتصار على الاستبداد في أوروبا الشرقية يعتزل الرئاسة التشيكية بطيب خاطر.
[فاصل إعلاني]
مأساة كولومبيا والجدل إزاء جدوى استكشاف الفضاء
جميل عازر: وإلى الفضاء الذي أصيبت دوائر استكشافه في الولايات المتحدة وخارجها بنكسة حادة، بعد أن أصبح الانطلاق بالمكوك (كولمبيا) مسألة تكاد تكون روتينية، وإلى أن يتمكن العلماء في وكالة (ناسا) الأميركية من معرفة أسباب الكارثة التي حلت بالمكوك وطاقمه، فإن الجدل حول جدوى الاستمرار في رحلات فضائية بشرية سيزداد احتداماً، رغم أن السياسيين سيظلون يقولون في هذه المرحلة: إن البرنامج الفضائي سيتواصل.
ولكن استكشاف الفضاء الذي كان ميداناً من ميادين الحرب الباردة، أصبح نشاطاً يحظى باهتمام البشرية جمعاء حتى ولو انحصر في دولةٍ أو اثنتين الآن.
![]() |
تقرير/ سمير خضر: كان السباق أو بالأحرى التسابق نحو الفضاء إحدى الركائز التي التزمت بها كل الإدارات الأميركية منذ 40 عاماً، سباق محمومٌ أطلقه الرئيس الأسبق (جون كيندي) حين وعد الأميركيين بإنزال أول رجلٍ على سطح القمر في غضون سنوات قليلة، ولهذا لم ير الأميركيون في الـ 20 من يوليو/ تموز من عام 69 سوى تتويجاً لهذا الحلم، لهذا التعهد، فقد وطأت قدما (نيل أرمسترونج) سطح القمر وتحول الحلم إلى حقيقة، لكن مغامرة الفضاء تحولت لاحقاً إلى شبه روتينٍ يومي، فقد حل مكوك الفضاء محل الصواريخ، وأصبحت المغامرة أقل إثارة حتى جاءت كارثة المكوك (شالنجر) عام 86، والتي أدت إلى إيقاف الرحلات الفضائية لسبعة أعوام.
واعتقد كثيرون أن الدروس المستقاة من انفجار شالنجر كانت كافية حتى حلت الكارثة الأخيرة، إذ لا يمكن فهم أسباب تحطم المكوك كولومبيا من دون النظر في السياق التاريخي والتكنولوجي والمالي لصناعة الفضاء، فمشروع مكوك الفضاء تم تصميمه في الستينات وبدأ العمل على إنشاء المركبة في السبعينات، وانطلقت الرحلة الأولى للمكوك كولمبيا في الثمانينات، وبهذا يمكن اعتبار تكنولوجيا مكوك الفضاء شبه بالية رغم الصيانة المستمرة والكلفة العالية لكل رحلة من الرحلات، فوكالة الفضاء الأميركية ناسا لم تحصل على المخصصات اللازمة لبناء إسطولٍ كبير من المركبات، وإنما خمسةٍ فقط تجاوزت كلفة كل منها الملياري دولار، وذلك في وقتٍ كانت فيه رحلات الفضاء قد بدأت تفقد بريقها، وبدأ الكونجرس يقلِّص من اعتماداته المالية للناسا، ومع ذلك اتفقت واشنطن مع العديد من الدول على البدء في إنشاء محطةٍ فضائيةٍ دولية، وبدأت على الفور في تنفيذ هذا المشروع باستخدام مكوك الفضاء كناقلٍ للمعدات ولأطقم رواد الفضاء إلى جانب المركبات الروسية بالطبع، ومنذ بدء برامج الرحلات الفضائية كان المعنيون يعرفون أن الخطر الأكبر لا يتمثل في الانطلاق نحو الفضاء، بل في العودة منه، فالاحتكاك مع الغلاف الجوي يرفع درجة حرارة سطح المركبة إلى أكثر من 3 آلاف درجةٍ مئوية، الأمر الذي يستدعي تركيب غلافٍ واقٍ مكونٍ من المئات من القطع المكونة من السليكون التي تمتص وتبدد هذه الحرارة الهائلة، ويبدو أن ما حصل مع كولمبيا هو فشل هذا الغلاف العازل لسبب لا يعرفه أحدٌ بعد، وكانت عواقب هذا الفشل مأساوية، إذ أدت الحرارة الهائلة إلى تفكك المكوك إلى عدة قطع على ارتفاعٍ ناهز الـ 60 كيلو متراً فوق سطح الأرض، وتفككت معه أجساد رواد الفضاء، وشاهد العالم كله الكارثة في بثٍ حي على الهواء.
برنامج الفضاء الأميركي يعاني اليوم من نكسة، لكن عواقبها لن تكون كارثية، فالفضاء سيستمر في جذب الإنسان إليه كما كان عليه الحال منذ الأزل.
جميل عازر: وينضم إلينا من القاهرة الدكتور مسلم شلتوت (الباحث في شؤون الفضاء في مركز الدراسات الفلكية والجيوفيزيائية). دكتور شلتوت، أولاً هل رواد الفضاء هدول من قبيل السوبرمان؟ ما هي مؤهلاتهم حتى يصلوا إلى هذه المرحلة؟
د. مسلم شلتوت: رواد الفضاء كانوا في البداية لابد إن يكونوا أساساً طيارين، يكونوا متمتعين بلياقة بدنية عالية، لكن مع تقدم تكنولوجيا الفضاء أصبح ليس بالضرورة أن يكون اللياقة البدنية بتاعته سوبر، لكن ممكن يكون شخص عدَّى الـ 45 سنة أو الـ 50 سنة، ويكون عالم، ويكون مهندس لإجراء التجارب في الفضاء الخارجي.
جميل عازر: طيب هل عملية استكشاف..
د. مسلم شلتوت: بالنسبة..
جميل عازر: دكتور شلتوت، هل عملية استكشاف الفضاء مجرد إنجازات تكنولوجية؟
د. مسلم شلتوت: عملية استكشاف الفضاء ليست علمية.. ليست عملية علمية فقط، أو تكنولوجية، ولكن استكشاف الفضاء بيؤدي إلى أشياء علمية إحنا ما نقدرش نجريها على الأرض، يعني مثلاً أنا عندي حالات من البلازما بنلاقي درجة الحرارة بتوصل إلى حوالي ملايين الدرجات، ما أقدرش أعملها في المعمل، أو كذا ألف (جاوس) اللي هو المجال المغناطيسي، بجانب إن مكوك الفضاء أو محطات الفضاء برضو بتستخدم ليس لاستكشاف الفضاء، ولكن استكشاف الأرض عن طريق الاستشعار عن بُعد، عن طريق إجراء تجارب في انعدام الجاذبية بنسميه (micro gravity) ديت بتفيد في مجال الهندسة الوراثية، أو في الوصول إلى أنواع جديدة من المواد الجديدة، فعملية غزو الفضاء بتؤدي إلى تقدم التكنولوجيا وبتُحدث ثورة تكنولوجية على مستوى العالم كله، يعني مثلاً عملية البث والإذاعة والتليفزيون عن طريق الأقمار الصناعية، عملية الاتصالات، عملية الطب عن بُعد، دي كلها نتيجة الثورة التي حدثت في غزو الفضاء.
جميل عازر: طيب، في أيام الحرب الباردة كانت عمليات استكشاف الفضاء تعتبر يعني ميدان منافسة بين الكتلة الشيوعية والكتلة الرأسمالية إن.. إن صح التعبير، ما الذي تغيَّر الآن في هذه.. في هذه العملية؟ هل نقول إن نظرة الإنسان إلى الفضاء تغيرت عما كانت عليه في بدايات عمليات الاستكشاف؟
د. مسلم شلتوت: آه يعني سنة 1957 هو كان أول غزو للفضاء عن طريق (سبوتننك 1) اللي هو من الاتحاد السوفيتي، العملية كانت واخذه دور المنافسة، وفعلاً نيجي نلاقي إن رغم إن الأميركان نزلوا على القمر بإنسان، لكن الاتحاد السوفيتي حقق حاجات كبيرة جداً في مجال الفضاء، زي صواريخ الإطلاق بتاعته كانت أقوى، زي اللي هي المحطات المدارية، عملية استيطان الفضاء، يعني إنه يقعد فترة كبيرة في الفضاء كانت أكتر، لكن بنبص نلاقي إنه من بعد عملية انهيار الاتحاد السوفيتي العملية تغيرت تماماً، أصبح البرنامج الأميركي هو اللي ماشي بخطوات سريعة، بنلاقي إن البرنامج الروسي دلوقتي بيتعاون مع البرنامج الأميركي، زي محطة الفضاء (ألفا)، واتجه العالم بدلاً من عملية المنافسة إلى عملية.. إلى عملية المشاركة، فبنلاقي المحطة المدارية ألفا الدولية ديت عبارة عن محطة أميركية روسية أوروبية يابانية وكندا داخلة فيها.
جميل عازر: طيب السؤال الذي يطرح نفسه، عندما تقع كوارث من قبيل ما حصل للمكوك كولمبيا هل إرسال رواد إلى الفضاء لا يزال له ما يبرره من ناحية النتائج التي يمكن الحصول عليها من التجارب التي تُجرى في مثل هذه الرحلات؟ ألا يمكن للتكنولوجيا أن تطور تجارب يمكن إجراؤها بدون بشر؟
د. مسلم شلتوت: يعني عملية الكوارث التي تحدث دية أعتقد إنها لن توقف مسيرة استكشاف الإنسان للكون، وزي ما سيادتك كنت في السؤال الماضي، فعلاً يعني عملية إن أنا أرسل أقمار صناعية إلى الخارج وأدرس الكون بأشعة (جاما)، وأدرس الكون بأشعة (إكس)، والأشعة تحت الحمراء وأبعت التليسكوب الفضائي (هابل)، دا قدم لنا معلومات هائلة جداً ما كناش.. لا يمكن نوصل لها .. على الطريق العادي، عملية الكارثة دي، الكارثة دي ما بتتكرر في أي برنامج فضائي، في البرنامج الفضائي الأميركي و حصلت قبل كده، سنة 86 وحصلت في البرنامج الفضائي للاتحاد السوفيتي، ولأي برنامج فضاء، لكن لا يمكن تقدر توقف المسيرة، عملية إن إحنا نستكشف الكون دا مش عملية ترفيهية، لأ دا.. أو كمالية بالنسبة للجنس البشري، لأ دا إحنا.. دي عملية ضرورية يعني … سواء من الناحية الفيزيائية، الناحية، الكيميائية، الناحية دلوقتي البيولوجية، الناحية الجيولوجية دية كلها دي عادت.. أصبحت علوم.. تدخل في علوم الفضاء، فدية مسيرة لابد منها لأنها بتخدم جميع العلوم الأساسية وبتخدم التكنولوجيا بعد ذلك.
جميل عازر: دكتور مسلم شلتوت في القاهرة شكراً جزيلاً لك.
اعتزال الرئيس التشيكي هافل الحياة السياسية
سلم الرئيس التشيكي فتسلاف هافيل السلطات الرئاسية المؤقتة إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب إثر انتهاء فترة رئاسته القانونية، وفتسلاف هافيل حارب بالقلم أنظمة الاستبداد الشيوعي وزُجَّ به في السجون، ولكنه أصبح رمزاً للكفاح من أجل الحرية، رغم القمع الذي مارسه النظام الشمولي في تشيكوسلوفاكيا التي أصبح أول رئيس لها بعد زوال الحكم الشيوعي، أما وقد اعتزل السياسة امتثالاً للدستور فإن هافيل يظل ظاهرة تركت بصماتها، وسيذكره التشيك والسلوفاكيون حتى بعد احتجابه عن أضواء المسرح السياسي.
![]() |
تقرير/ سمير خضر: براغ نوفمبر من عام 89 جموع حاشدة من المتظاهرين تجوب شوارع العاصمة التشيكية للمطالبة بوضع حدٍ لأربعين عاماً من الحكم الشيوعي، كانت تلك البداية بداية الثورة، بداية تحول سياسي واقتصادي واجتماعي، بدأت سلمياً و انتهت سلمياً فيما عُرف لاحقاً باسم الثورة المخملية، لم يكن زعيم هذا التحول الديمقراطي رجل سياسة مخضرم، بل مجرد رجل أدب وفن عرفه التشيك من خلال كتاباته المسرحية التي تركز على الجانب الإنساني بعيداً عما يدور من جدل في الساحة السياسية الداخلية والخارجية، فتسلاف هافيل برز كبؤرة إجماع وطني بعد أن فقد الشعب الثقة برجال الحكم السابقين الغارقين في مستنقع الشيوعية والقهر والإذلال، ولم يكن أمامه بعد بديل يتمتع بالمصداقية ممن يدَّعون الديمقراطية وينادون بالانعتاق من قبضة المعسكر الشرقي، وأصبح هافيل على مر السنين رمزاً لهذه الثورة المخملية السلمية، وانتخب مرتين رئيساً للدولة في ظل فترة تحول هامة في تاريخ البلاد.
لم يكن هافيل يفقه حينها شيئاً في السياسة وإدارة اللعبة، وربما لهذا السبب عانى كثيراً خلال فترة حكمه للبلاد خاصة من جراء حياته الخاصة التي تخللتها مغامرات عاطفية انتهت بزواجه من سكرتيرته، ورغم كونه أصبح مصدر تندر مواطنيه فإن هافيل حافظ على سمعته كرجل دولة نظيف، لكن أكبر إنجازاته كان قيادة هذا التحول المنشود والذي كاد أن يتحول إلى كابوس بعد انفصال سلوفاكيا حيث استطاع إقناع مواطنيه بأن من حق أي شعب كان الحصول على حريته واستقلاله.
عانت جمهورية التشيك ومواطنيها كثيراً خلال تلك الحقبة، لكنها نجحت في شق طريقها في خضم الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، كما وضع هافيل بلاده على الخارطة الأوروبية والدولية من جديد، وربما يكون أكبر إنجازاته في هذا المجال إقناع أوروبا بقبول التشيك عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن خطت (براغ) ما كانت لا تحلم به سابقاً وهو ولوج معسكر الأقوياء.. معسكر حلف الأطلسي كعضو فاعل كامل العضوية.
لكن لكل بداية نهاية، فالدستور التشيكي لا يعترف بالرئاسة مدى الحياة، وجاء اليوم الذي اضطُر فيه هافيل للتخلي عن السلطة لافساح المجال أمام غيره، وحتى الآن فشل البرلمان التشيكي في التوافق على مرشح مقبول من الجميع، فالمعركة تحتدم بين اليسار واليمين، بين المحافظين والليبراليين، بين دعاة الرأسمالية ودعاة الاشتراكية، فهذه هي المرة الأولى التي يجد فيها التشيك أنفسهم على المحك.. محك الاختيار الذي لا يخلو من مقارنة مع شخص فتسلاف هافيل.
جميل عازر: وبهذا نختتم جولتنا في (الملف الأسبوعي).
نذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني.
وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، تحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.