بن لادن، مذبحة سياننمن، قضية لوكيربي، جنون البقر
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
تاريخ الحلقة: | 14/01/2001 |
– أسامة بن لادن رجل يطلب العالم رأسه
– دلالات صدور وثائق مذبحة سياننمن في بكين
– تطورات قضية لوكيربي في كامب زايست
– ذعر في أوروبا بسبب جنون البقر
– غضب شعبي أوروبي بعد اكتشاف استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب في الأسلحة الأطلسية
![]() |
جميل عازر: مشاهدينا الكرام نرحب بكم إلى هذا العدد الجديد من (الملف الأسبوعي) وفيه:
أسامة بن لادن أفغانستان معقله وطالبان مضيفته وبقية العالم تطالب به، فمَن يتحدى مَن؟
وثائق المذبحة في ساحة سياننمن وسيلة لإحراج القادة الصينيين، أم كشف لحقائق تاريخية؟
وجنون البقر في المحافل الأوروبية إلى أين المفر في وجه انتشار العدوى بين القطعان والبشر.
أسامة بن لادن رجل يطلب العالم رأسه
رجل يتحدى دولة بل دولاً وصف لا ينطبق في هذه الأيام إلا على شخص واحد اسمه أسامة بن لادن، يتهمونه بالإرهاب ولكنه يقول أنه مجاهد يدافع عن حياض ديار المسلمين، وربما لم يكن الأميركيون الذين تعاونوا معه سابقاً في أفغانستان يدركون أنه عندما كان يقاتل السوفييت هناك فإنه كان يجاهد ضد الوجود الأجنبي في بلد مسلم، وأن هذا هو لب عقيدته السياسية، وإذ يعتصم أسامة بن لادن في ظل حركة طالبان فإن ظهوره علانية للاحتفال بزواج نجله محمد إنما يوحي بأن الرجل الذي تطلبه واشنطن يعيش استناداً إلى الصور التي انفردت (الجزيرة) ببثها إلى الارتياح حداً لم يتوقعه الكثيرون.
![]() |
تقرير حسن إبراهيم: الدولة القُطرية هي آخر ما يتصوره المرء عندما يحاول وصف أفغانستان – طالبان، فما زال أبناؤها يتقاتلون منذ ما قبل دخول السوفييت إليها نهاية عام 79، وما تبقى من معالم لا يتعدى التضاريس الطبيعية، أما المدن فقد تحولت إلى أطلال، الخدمات لا وجود لها والاقتصاد مدمر بالكامل الثابت الوحيد في أفغانستان هو الحدود المعرفة دولياً، والتي لم تحاول حركة طالبان أو من يعارضونها تخطيها.
هذه الدولة الممزقة المنكوبة يعتبرها كثيرون في مختلف أنحاء العالم المصدر الأول للإرهاب فهي تستضيف أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الذي تعتبره واشنطن المتهم الأول في كل حادث يمس المصالح الأميركية، من تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 98، إلى تفجير المدمرة كول في ميناء عدن اليمني في أكتوبر من العام الماضي.
وأصبح بن لادن جزءً من ملامح أفغانستان التي تحكم حركة طالبان الجزء الأكبر منها، وأصبح سبباً في زيادة عزلة الحركة عالمياً حتى من جانب الدول الثلاث التي اعترفت بها وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة وباكستان.
فحركة طالبان تعتنق المذهب الحنفي الديومندي ويعتبر من أكثر مذاهب أهل السنة تشدداً بما ينطوي عليه من منع تعليم النساء لعدم توفر مدرسات وحظر عملهن لتعذر إمكانية الفصل بينهن والرجال في أماكن العمل القليلة المتبقية في أفغانستان، ولولا الضرورة لما سُمح لهن بدخول المستشفيات، وأصبح حلق اللحية جريمة يُعاقب عليها بالجلد، أما الاستماع إلى الموسيقى أو الرقص فهذا جُرم يُعاقب عليه بالسجن والجلد والغرامة وربما أكثر.
رغم العقوبات القاسية التي فرضتها الأمم المتحدة بضغط أميركي على طالبان لتسلم الشيخ أسامة بن لادن ورغم المعاناة التي تقاسيها الحركة من جراء ذلك، فإنها امتنعت حتى الآن عن الإذعان بل وتطالب الولايات المتحدة والمنظمة الدولية بأن تقدم أدلة تقبلها محكمة شرعية في كابول، وأن تقطع هذه الأدلة بجرم بن لادن.
وقد يصعب فهم صمود طالبان التي تنتمي بأكملها إلى قومية الباشتون الذين يعتبرون حماية المستجير واجباً اجتماعياً، والنكوص عنه عار شديد ولعل إقامة حفل زواج نجل أسامة بن لادن بحضور عدد من كبار مسؤولي طالبان بالشكل العلني الذي ظهر في الصور التي انفردت (الجزيرة) ببثها تعتبر تحدياً صارخاً من طالبان لكل من يحاول إجبارها على تسليم بن لادن أو غيره من زعماء من يُسمون بالأفغان العرب، ويمكن أن يقرأ البعض في هذه الصور أيضاً أن الأمن مستتب إلى حد كبير في أفغانستان رغم المعارك الطاحنة بين طالبان وقوات زعيم المعارضة الميداني أحمد شاه مسعود.
فالترتيبات اللوجستية لحماية بن لادن حتى يستطيع حضور حفل زواج ابنه علناً تتطلب إجراءات محكمة للغاية، واغتنم بن لادن المناسبة بإلقاء قصيدة عن القدس بوصفها قضية إسلامية في جو من الارتياح الذي بدا على حُرَّاسه أيضاً، فهل الملا محمد عمر أمير المؤمنين أم إرهابي؟
وهل أسامة بن لادن مجاهد في سبيل الله أم إرهابي؟ هذا يعتمد على المعسكر الذي يقف فيه من يتساءلون.
دلالات صدور وثائق مذبحة سياننمن في بكين
جميل عازر: صدر في الولايات المتحدة الأميركية أخيراً كتاب بعنوان (وثائق سياننمن) إشارة إلى تلك التظاهرة الدموية التي وقعت عام 89 في وسط بكين، وإذ تبين الوثائق انقساماً حاداً بين القيادة الصينية حول كيفية التعامل مع تلك الاحتجاجات الطلابية انبرى المتحدث باسم الخارجية في بكين لتكذيب أصالة تلك الوثائق وما ورد فيها، أما وقد أُنهيت الاحتجاجات بمذبحة راح ضحيتها عدد كبير من المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بالديمقراطية وبإصلاحات في نظام الحكم، فقد تركت وصمة محرجة لبكين في المحافل الدولية و في أوساط المؤسسات والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، وللقضية خلفياتها التاريخية.
تقرير/ سمير خضر: الثانية والنصف صبيحة الرابع من يونيو – حزيران عام 89، وصلت طلائع الجيش الشعبي الصيني إلى مشارف ميدان (سياننمن) حيث كان يحتشد نحو مليون طالب صيني منذ سبعة أسابيع للمطالبة بمزيد من الديمقراطية، وفجأة أطلق الجيش نيران أسلحته على المعتصمين، وتدفقت الدبابات على الميدان، ونجم عن هذا التدخل مذبحة لا يعرف أحد بالضبط عدد ضحاياها.
ويبقى السؤال لماذا تدخل الجيش بهذه الوحشية ضد تظاهرة سلمية؟ من أعطى الأوامر ولماذا؟
وفقاً لوثائق سرية تسربت مؤخراً تعود جذور المشكلة إلى أكثر من نصف قرن حين قاد (ماوتسي سونغ) قواته الثورية الشيوعية للسيطرة على بلاد الصين، وليؤسس عام 49 جمهورية الصين الشعبية، دولة حكمها ماو بقبضة من حديد ساندته في ذلك فئة قليلة من المقربين والمخلصين في الحزب الشيوعي.
لكن بعض هؤلاء كان يقع أحياناً تحت طائلة الغضب، غضب القائد والحزب وكانت العقوبة تتراوح بين الإعدام والإقامة الجبرية، (بن شيوكن) كان من بين هؤلاء إذ عانى طويلاً من الإقامة الجبرية إبان الثورة الثقافية، وظل شبح المعاناة وعقدة الاضطهاد يلاحقانه حتى بعد أن تسلم زمام القيادة، اتبع بن شيوكن سياسة انفتاح وإصلاح، لكن رياح التغيير هذه لم تكن بكافية بجيل الشباب من الطلبة الذين كانوا يرغبون في قطيعة تامة بين الماضي البغيض والحاضر الذي يبشر بمستقبل مشرق فتحركت جموعهم إلى ميدان (سياننمن) رمز حقبة الحكم الفردي، وتفاجأت القيادة الصينية بهذه الجموع، ورغم أن بعض القيادات كانت تتفهم مطالب المعتصمين فإنها كانت تتخوف من التهديد الذي تشكله الحركة على الحزب الشيوعي وقياداته.
ودار صراع خفي بين أركان الحكم وتركز بين الرئيس (شاو شيونج) ورئيس حكومته (ليبنج) ففي حين كان شاو شيونج ينادي بالحوار مع الحركة الطلابية كان ليبنج يطالب بإخضاع من يسميهم بأعداء الثورة، واحتدم الجدل بين أعضاء المكتب السياسي حتى قرر ليبنج لعب ورقة رجل الصين القوي (بان شياوبنج) فأقنعه بأن الحركة الطلابية تهدد سياسته الإصلاحية وبأنها ستتحول إلى ثورة لإسقاط الحكومة قد تؤدي إلى اعتقاله كما حدث إبان الثورة الثقافية، ويبدو أن هذه المقارنة حركت في بان شياوبنج مشاعر دفينة ومخاوف قديمة الأمر الذي دفعه إلى ترجيح كفة المنادين باستخدام القوة، وهذا ما حدث صبيحة الرابع من يونيو حزيران وتم القضاء على ما سُمي بربيع بكين.
ولم يقتصر الأمر عند حد قمع الحركة الطلابية بل جرت تصفية كل المعتدلين والإصلاحيين ودعاة الحوار داخل الحزب وفي مقدمتهم الرئيس شاو شيونج، وجيء بـ (جيانج زيمين) كونه شخصية مغمورة لم يكن لها يد في أحداث ربيع بكين لا من قريب ولا من بعيد، لكن ما تكشف عنه الوثائق المتسربة هو أن جراح سياننمن لم تندمل بعد وأن الصراع لا يزال في أوجه بين الإصلاحيين وبين المحافظين.
تطورات قضية لوكيربي في كامب زايست
جميل عازر: شهد كامب زايست في هولندا وهو مقر المحكمة الاسكتلندية الخاصة التي يمثل فيها المتهمان الليبيان بتفجير طائرة الركاب الأميركية فوق لوكربي في اسكتلندا قبل أكثر من اثنى عشر عاماً، تطوراً مفاجئاً في القضية فإعلان محامي الدفاع عن المقراحي وفحيمة أنهم لن يستدعوا شهوداً جدداً عجل في الوصول إلى مرحلة المرافعات الختامية، ولكن بغض النظر عما ستتخذه المحكمة من قرار في هذه القضية فإنه لن يكون نهاية لوكيربي، لأنها قضية معقدة ذات أبعاد قانونية وتداعيات سياسية تطول أطرافاً مختلفة.
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: ربما يكون من نافلة القول أن هناك صفقة في قضية لوكيربي، ففي تطور مفاجئ قرر الادعاء إسقاط التهمتين الأخف جنائياً أي التآمر على القتل الجماعي ومخالفة قوانين الطيران المدني والتركيز فقط على قضية القتل، وهناك أكثر من طريقة لقراءة هذا القرار، فمن ناحية يمكن فهمه على أنه ثقة من جانب الادعاء في مقدرتهم على إدانة المتهمين فحيمة والمقراحي بالقتل الجماعي وبالتالي يمكن أن يصدر عليهما حكم بالسجن المؤبد بمقتضى القانون الاسكتلندي الذي على أساسه تُجرى المحاكمة.
ومن ناحية أخرى يمكن أن يُفهم إسقاط التهمتين الأخريين بأنه إبعاد لشبهة مشاركة ليبيا كدولة في عملية القتل الجماعي، وبالتالي لن تتحول المحاكمة إلى مشروع لإدانة النظام الليبي، ويبدو أن هذا ما تعهد به الوسيطان الدوليان الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة، ورئيس جنوب أفريقيا السابق نلسون مانديلا للعقيد معمر القذافي لقاء موافقته على تسليم المتهمين، لكن بدون محاولة استباق لنتيجة المحاكمة يحق التساؤل عمن نفذ عملية لوكيربي فعلاً، أي من وضع الحقيبة التي تحتوي على متفجرات في رحلة الطائرة التي بدأت في مالطا.
الدفاع كان قد حاول التركيز على أن فصيلاً فلسطينياً هو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل هو الذي نفذ العملية لحساب الحكومة الإيرانية التي أرادت الثأر لضحايا الطائرة الإيرانية والتي أسقطها الأميركيون بصاروخ فوق مياه الخليج، وادعت هيئة الدفاع أن رد الحكومة السورية التي يتخذ أحمد جبريل من عاصمتها دمشق مقراً وثيقة تثبت هذه التهمة، إلا أن سوريا نفت أن يكون بحوزتها وثيقة من هذا النوع، ولا يُعتقد أنها كانت ستسلمها حتى لو كانت موجودة حقاً، ففي هذا بالطبع توريط لها ولحلفائها في إيران في هذه القضية، ثم أنها ستفسد علاقتها بليبيا التي سيحق لها التساؤل عن سبب الصمت السوري طوال سنوات عانت ليبيا خلالها من حظر دولي وعقوبات لا يزال بعضها قائماً حتى الآن.
ومما لا شك فيه أن هناك أطرافاً متعددة لها ضلع أو آخر بشكل مُتعمد أو غير مقصود وراء إيصال الحقيبة المفخخة إلى تلك الطائرة وما حل بركابها وبعض الأشخاص الذين كانوا على الأرض وكلهم أبرياء، أما أهالي الضحايا فسيظلون يتذكرون ذويهم بغض النظر عن نتيجة المحاكمة في (كامب زايست) وحتى في حالة تبرئة أو إدانة الليبيين المتهمين الآن في القضية فإن ذلك لن يكون نهاية الأمر.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً: اليورانيوم المنضب ذخيرة استعملها الأميركان في العراق وأوروبا لترتد بالوبال عليهم وعلى الأوروبيين.
[فاصل إعلاني]
ذعر في أوروبا بسبب جنون البقر
جميل عازر: تم اكتشافه أول الأمر في بريطانيا وانتشر إلى مختلف دول الاتحاد الأوروبي وتسبب في كارثة لمربي الماشية وأزمة في صناعة الأطعمة، إنه المرض الذي يُشار إليه مجازاً بجنون البقر، ولو بقي محصوراً في الماشية لما أثار ذلك القدر من القلق والجدل، ومع ظهور حالات من الإصابة في دول أوروبية كانت تعتقد أن قطعانها خالية من مسبب هذا المرض، فإن قدرته على الانتقال إلى الإنسان تبث الذعر لدى من يستهلكون لحوم الأبقار من مواطني الاتحاد الأوروبي، وينبغي أيضاً أن تثير مخاوف مستهلكي اللحوم المستوردة من دوله.
![]() |
تقرير/ : عاد مرض جنون البقر إلى الساحة من جديد بعد أن بات يمثل هاجساً لبني البشر ومصدر قلق في العالم أجمع، وكانت آخر نتائجه السياسية باستقالة وزيري الصحة والزراعة الألمانيين بسبب الانتقادات الحادة التي وُجهت إليهما بعد المخاوف من ظهور حالات جديدة من المرض في ألمانيا.
أول حالة عرفت بمرض جنون البقر كانت في بريطانيا عام 85، ولكن هذا الوباء الحيواني وصل إلى الذروة في عام 93 بنفوق نحو 170 ألف رأس من الماشية.
يُجمع العلماء على أن المرض نشأ عندما أُطعمت الأبقار أعلافاً تشتمل على فضلات مصنعة من المسالخ، وهناك تفسير آخر يتحدث عن التغيير الذي طرأ في أواخر السبعينات على الطريقة المستخدمة في إنتاج الأعلاف بعد حظر استعمال المذيبات وتخفيض درجات الحرارة اللازمة للقضاء على ما يوجد في الطعام من مرض الجرب المستفحل في الأغنام والذي يصيب جهازها العصبي المركزي.
وأدت الأساليب الجديدة إلى انتقال هذا المرض إلى البقر فيما أصبح يُعرف مجازاً بجنون البقر، وينطوي على موت خلايا الدماغ بحيث يصبح كثير المسامات كالإسفنج، وتؤكد هيئات طبية بما فيها منظمة الصحة العالمية أن انتقال المرض إلى الإنسان كان عن طريق أشخاص تناولوا لحوماً ملوثة بمسبب جنون البقر، خاصة وأنه يتركز في الدماغ والحبل الشوكي وأعضاء أخرى أهمها الطحال، وكلها تدخل في تصنيع أنواع مختلفة من الأطعمة للبشر.
المصابون بعدوى هذا المرض الذي يُشار إليه باسم الطبيبين اللذين اكتشفاه أصلاً (كريب سايت ياكوب) تظهر عليهم أعراض في مراحل مختلفة بعد انتقال العدوى إليهم، ومن بين هذه الأعراض اكتئاب واضطرابات في القدرة على التفكير، ويتطور المرض في المراحل اللاحقة إلى ظهور حركات غير إرادية، وعدم القدرة على التوازن أثناء الوقوف وينتهي الأمر في جميع الحالات بوفاة المريض، ولا تنطوي مشكلة جنون البقر على تداعياتها الصحية الخطيرة فقط ولكنها ذات أبعاد اقتصادية أيضاً، فقد شهدت الدول الأوروبية انخفاضاً شديداً في مبيعات اللحوم والأعلاف الحيوانية، وحظرت عشرات الدول استيراد اللحوم البقرية ومشتقاتها من بريطانيا بشكل خاص، ثم من أوروبا بشكل عام، كما تضررت من جراء ذلك صناعة تربية الماشية التي أُعدمت منها أعداد تقدر بالملايين في دول الاتحاد.
أما خطورة إصابة الإنسان بعدوى التسفنج الدماغي فيزيد منها أن هذا المرض المشابه لمرض الزهايمر الذي كان يصيب من هم فوق الستين من العمر أصبح لا يميز بين شاب وكهل وهو داء لا علاج له حتى الآن سوى العزوف عن استهلاك لحوم من مناطق موبوءة.
جميل عازر: ولإلقاء مزيد من الضوء على مرض جنون البقر كنت قد تحدثت عبر الهاتف إلى الدكتور رعد شاكر الطبيب الاستشاري في أمراض المخ والأعصاب بمستشفى (سيرن كوف) في لندن وسألته أولاً عن نطاق انتشار العدوى بهذا المرض بين مستهلكي اللحوم؟
د. رعد شاكر: الموضوع بدأ في عام 96 بالنسبة للبشر، وشُخص في أواخر الثمانينات في الحيوانات في البقر، وبعدين انتشر وكان يزيد، بدأت الحالات تزيد، آخر عدد إلى نهاية سنة 2000 في بريطانيا فقط 81 حالة مثبوتة و7 حالات مشتبه فيها، هذه خلال أربع سنين أو الخمس سنين الماضية وتوجد حالتين في فرنسا في البشر.
جميل عازر: طيب يتركز الحديث عن انتشار هذا المرض في أوروبا ماذا عن خارج أوروبا لم يتم تصدير أعلاف من النوع الذي تسبب في هذه الأزمة؟
د. رعد شاكر: نعم السبب اللي الآن يُعتقد هو السبب الرئيسي لانتشار الموضوع بين الأبقار هو أنه بقايا الأبقار وبقايا الخراف التي لا تستعمل في الغذاء الإنساني أو لغذاء الحيوانات كالعظام وبأجزاء من المخ والمعدة كانت تُسحق في مادة تعطى كعلف، والعلف هذا صُدِّر إلى مختلف أنحاء العالم بس المشكلة اللي نحن فيها هي في بلاد كثيرة، هل توجد سيطرة على هذه الأعلاف ومن يعرف من أين استورد وإلى من أُعطي ومن اشترى ومن باع.
جميل عازر: هل من السهل اكتشاف الإصابة بهذا الداء؟
د. رعد شاكر: بالنسبة للحيوان نعم، بس الشخص الذي يكون مسؤولاً عن الحيوانات يجب أن تكون رقابة بيطرية شديدة على هذه الأبقار، لأنه البشر هو بشر يا سيدي، فإذا رأى بقرة تسوي ثمن كذا من المال وفيها نوع من المرض الذي هو يشتبه أو صاحب البقرة قد يجوز أن تكون نفسيته أنه إذا كانت البقرة مريضة يمكن ذبحها قبل أن يكتشف المرض وقد يفقد كثير مادياً.
جميل عازر: طيب ماذا عن إصابة الإنسان؟ هل بإمكان الإنسان أن يكتشف أن العدوى قد وصلت إليه؟
د. رعد شاكر: في الوقت الحاضر لا يوجد صح أنه.. إلا أنه فترة الحضانة إذا.. إذا العدوى وصلت الإنسان، قد تحتاج إلى سنين قد تطول إلى عشرين، إلى ثلاثين سنة قبل أن تظهر أعراض المرض وبمثل هذه الفترة لا يوجد الآن شخص نستطيع أن نتأكد أنه الشخص هو حامل لهذا..، وحتى إذا كان حامل له لا يوجد تأكيد أنه سيؤدي إلى المرض خلال حياة هذا الشخص.
جميل عازر: إذن ما الذي يمكن للفرد أن يقوم به من احتياطات لتجنب الإصابة بجنون البقر هذا؟
د. رعد شاكر: الاحتياطات هي كثيرة أولاً على.. في أوروبا أو بريطانيا الآن مثلاً تجد الأبقار التي عمرها أكثر من ثلاثين شهر قد ذُبحت وتلفت من قبل الآن ست سنوات، لا يوجد في الطعام الموجود والمتوفر للشعب البريطاني أي بقرة أكثر عمراً من ثلاثين شهر، فمثلاً هناك كثير من الأمور التي يستطيع البشر أن يتوقع منها، لكن هذه أمور تكون.. الحكومة يجب أن تستصدر قوانين للوقاية من هذا الموضوع، ليس الشخص صعب عليه أنه يتجنب مثلاً أكل المخ يتجنب أكل عيون البقر، يتجنب أكل طحال البقر.
غضب شعبي أوروبي بعد اكتشاف استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب في الأسلحة الأطلسية
جميل عازر: وبينما يحاول الأوروبيون البحث عن طريقة للخروج بسلام من جنون البقر في وجه الغضب الشعبي، فإنهم بدأوا يواجهون مشكلة أخرى ناجمة عن استعمال القوات الأطلسية بقيادة الأميركيين ذخيرة تحتوي على اليورانيوم المنضب، وقد ثارت ثائرة الأوروبيون بعد ظهور أعراض مرضية على عدد من الجنود الذين شاركوا في عمليات عسكرية انكشفوا خلالها لليورانيوم المنضب في العراق أولاً ثم في البوسنة ويوغسلافيا، وتوفي بعض هؤلاء في دول أوروبية مختلفة.
وإذ ترى بعض الجهات في الذخيرة نوعاً من أنواع أسلحة الدمار الشامل، أليس من المنطقي اتهام الغرب عامة بازدواجية المعايير، بل وبمحاولة غش وخداع الرأي العام.
![]() |
تقرير/ سمير خضر: عشر سنوات وأطفال العراق يستصرخون، ولكن لا أحد يجيب، مئات الآلاف من الأطفال المشوهين، ومعدل وفيات فاق كل الأرقام القياسية عشر سنوات من العيش في بيئة تلوثت بما يعرف باليورانيوم المنضب بفعل حرب الخليج، ولكن وعندما بدأ الغرب نفسه يعاني من الأعراض نفسها عاد الاهتمام من جديد بهذه القضية.
اليورانيوم المنضب ليس سوى الشوائب أو الفضلات المتبقية من عمليات تخصيب خام اليورانيوم المستخدم في المفاعلات الذرية، وقد تنبه العلماء منذ عقود إلى خواص هذه الفضلات الفيزيائية والكيماوية وخاصة صلابة هذا المعدن، وسرعان ما وجد العسكريون ضالتهم إذا استخدموا اليورانيوم المنضب لصناعة رؤوس حربة توضع على القذائف، الأمر الذي يمكنها من اختراق دروع الدبابات بسهولة أكبر، لكن عملية الاختراق هذه تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة هذا المعدن مما يؤدي إلى انصهاره ومن ثم إلى تطايره على شكل بخار أو رذاذ، وتنجم الخطورة هنا من استنشاق هذا الرذاذ بكميات كبيرة مما يؤدي إلى تخزينه في جسم الإنسان، وهذا يؤدي على المدى الطويل إلى تراكم إشعاعات ألفا الذرية في الجسم، وبالتالي إلى إصابته بشتى صنوف السرطان وخاصة سرطان الدم، وأحياناً كثيرة يؤدي التراكم نفسه إلى الوفاة، أربع دول تستخدم اليورانيوم المنضب في ذخيرتها، الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ويُقال أن ترسانة إسرائيل تحوي أيضاً كميات من القذائف المزودة برؤوس اليورانيوم المنضب.
وقد تم استخدام هذه الذخيرة للمرة الأولى ضد العراق الذي تلقى وفقاً لتقرير عسكري بريطاني نحو 320 طن من اليورانيوم المنضب قادرة على انتزاع الحياة من نحو نصف مليون شخص.
لم يعر أحد في حينها أهمية لشكاوى العراق، واعتقد البعض أن بغداد تبالغ في وصف خطورة الوضع خاصة في منطقة البصرة، وربما لهذا السبب لم يتنبه أحد إلى استخدام اليورانيوم المنضب من جديد من قبل القوات الأميركية أثناء حرب البوسنة عام 95، وفي حرب كوسوفو عادت القوات الأميركية إلى استخدام قذائف اليورانيوم المنضب ضد المدرعات والآليات الصربية في الإقليم، لكن الضحايا هنا كان جنود الحلف الأطلسي، وبدأت تظهر أعراض السرطان على عدد من العسكريين البلجيكيين والإيطاليين، وثارت ثائرة الصحافة والرأي العام، وبدأت بعض الدول وعلى رأسها ألمانيا وإيطاليا تطالب بإجراء تحقيق يفضي إلى فرض حظر على استخدام اليورانيوم المنضب عالمياً.
لكن واشنطن ومن ورائها لندن لا تزالان تصران على أن القضية مُبالغ فيها وأن العلاقة بين اليورانيوم المنضب والسرطان لم تتأكد بعد، ويرى المحللون أن القضية عسكرية بالدرجة الأولى، فجنرالات الناتو لن يقبلوا بالتخلي عن معدن أثبت كفاءته العسكرية في اختراق أصلب أنواع الدروع، وحتى يتم ابتكار بديل عن اليورانيوم المنضب فإنه سيبقى بالخدمة بغض النظر عن عواقبه على البيئة وعلى صحة الإنسان.
جميل عازر: وبهذا نأتي إلى نهاية هذه الجولة في الملف الأسبوعي على أننا سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله. فإلى اللقاء.