الهجوم على العراق وجدوى الرفض العربي
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
تاريخ الحلقة: | 07/09/2002 |
– الهجوم الأميركي على العراق وجدوى الرفض العربي
– الأمن في أفغانستان في ظل محاولة اغتيال كرزاي
– هشاشة اتفاق ماشاكوس بعد سقوط توريت
– مستقبل عملية السلام في ظل إعلان شارون وفاة أوسلو وتوابعها
– نتائج قمة الأرض في جوهانسبرغ
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه:
واشنطن وبداية العد النازل لهجومٍ على العراق رغم النفي وعلامات التصعيد، فهل للرفض العربي دور الآن أم أنه قد فات الأوان؟
أفغانستان انفجارات ومحاولة اغتيال كرزاي هل الأمن هناك سراب في ظل عدم اليقين حول مصير ابن لادن؟
والسودان تعليق المفاوضات في ماشاكوس واستعداد حكومي لاسترداد توريت، فماذا لو فشل اتفاق ماشاكوس الأول؟
الهجوم الأميركي على العراق وجدوى الرفض العربي
ما أشبه اليوم بالبارحة، هذا إذا توتخينا الموضوعية في النظرة إلى الوضع القائم بين بغداد وواشنطن الآن، فالآلة العسكرية الأميركية تلقت أوامر الاستعداد للهجوم على العراق منذ مدة طويلة، وربما يصعب إيقاف عجلتها في هذه المرحلة حتى وإن لم تقترب ساعة الصفر بعد،والهدف ليس لتدمير أسلحة دمار شامل، فهذه ذريعة أصبحت بالية، بل من أجل تغيير نظام الحكم والتخلص من صدام حسين، وفي ظل الظروف الراهنة والمؤشرات العديدة لم يعد للمعارضة العربية والدولية مهما كانت دوافعها ومهما بلغت من مصداقية وحسن نية أي تأثير على المخطط الذي يبدو أن واشنطن ولندن توشكان على وضع اللمسات النهائية عليه.
![]() |
تقرير/سمير خضر: لم يعد السؤال اليوم هل سيمضي بوش قدماً في مشروعه لضرب العراق بل متى وكيف، وربما تتحدد الإجابة على هذين التساؤلين خلال قمة (بوش- بلير) إذ أصبح من الواضح الآن أن مثل هذا القرار لن يتخذ خارج الدائرة الأميركية – البريطانية الضيقة وإذا كانت هناك بعض الاعتراضات داخل بريطانيا على المشاركة في عمل عسكري ضد العراق، فإن الغالبية لن نترك الولايات المتحدة وحدها في الساحة، ليس فقط بسبب طبيعة العلاقات والتحالف بين البلدين، بل لأن لندن ترغب أيضاً في المشاركة في جني ثمار مثل هذه الحملة، وإذا كانت هناك اعتراضات من جانب الحلفاء التقليديين الآخرين مثل ألمانيا وفرنسا وغيرهما فإن الجميع سيلحق بالركب عندما ينطلق قطار العمل العسكري، وهذا ما يشكل على ما يبدو قناعة راسخة لدى صانعي السياسة في واشنطن.
الحرب على العراق بدأت بالفعل تماماً كما حدث قبل اثني عشر عاماً، حرب كلامية في البداية وتأليب للرأي العام الدولي ضد بغداد واتهامها بكل ما توفر من صفات للوصول في نهاية الأمر إلى قناعة راسخة لدى الرأي العام بأن العمل العسكري ضروري لا محالة في ظل التصلب الظاهري في موقف بغداد، وإذا كانت هناك إشاعات تخرج بين الحين والآخر حول الخطط العسكرية فإن الأمر لا يتعدى كونه تسريبات متعمدة من قبل البنتاجون لجس النبض، فالحرب القادمة لن تحمل في طياتها أسراراً كبيرة، والسيناريوهات المعدة لن تتجاوز ما هو ممكن عسكرياً، وقد بدأت معالم الاستعدادات بالوضوح من خلال عودة حاملات الطائرات من جديد إلى منطقة الخليج بعد أن غيرت وجهتها قبل عام إلى السواحل القريبة من أفغانستان، كما لم يفشِ البنتاجون سرا حين اقر بإرسال معدات وقوات إضافية لتنضم إلى الترسانة الأميركية في الكويت.
أما التساؤلات التي تثار من حين إلى آخر حول الطريق الذي ستسلكه هذه القوات في زحفها باتجاه بغداد، فليس لها قيمة على الأقل حتى الآن، فواشنطن تراهن على تحول جذري في مواقف دول المنطقة وخاصة دول الجوار العراقي وهي تعرف حق المعرفة أن الخطب النارية والتصريحات المتكررة الرافضة للضربة العسكرية لا تتعدى كونها رسائل موجها إلى الرأي العام الداخلي في العالم العربي، وأن دولاً مثل السعودية وسوريا ستضطر للتغلب على مخاوفها مهما كانت حقيقية أملاً في ألا تكون الهدف التالي على اللائحة الأميركية ولعل الجميع يدركون أن ذريعة أسلحة الدمار الشامل التي تستخدمها واشنطن ضد العراق ليست المحرك الرئيسي، بل هناك سياسة جديدة تهدف إلى إعادة رسم خريطة منطقة بأكملها، خريطة لا شك أن الكل يريد أن يجد لنفسه مكاناً عليها.
جميل عازر: ونتابع هذا الموضوع ومعنا من القاهرة الدكتور جمال عبد الجواد (رئيس وحدة العلاقات الدولية في مركز الأهرام)، دكتور جمال، أولاً واضح أن كل الاحتجاجات والاعتراضات العربية لم تغير من لهجة خطاب (بوش) ومعه أيضاً (بلير) في تعاملها مع الملف العراقي، في تقديرك أين يكمن الضعف في الموقف العربي؟
د. جمال عبد الجواد (رئيس وحدة العلاقات الدولية في مركز الأهرام): الضعف في الموقف العربي بيكمن في عدم القدرة الفعلية، عدم امتلاك أدوات ووسائل تجبر الولايات المتحدة على تغيير خططها أو تقنعها بخطط بديلة في الحقيقة، إذا الولايات المتحدة قررت القيام بعمل عسكري ضد العراق، فأدوات الضغط العسكري العربية بالتأكيد لا تستطيع إيقافها، الضغط الاقتصادي حتى الآن ماهواش مطروح، ولا أعتقد إنه هيبقى مطروح في الفترة المقبلة وما أعتقد إن السعودية أو دول الخليج هتبقى مستعدة مثلاً للتلويح بسلاح النفط دفاعاً عن العراق على الأقل أخذاً في الاعتبار الخبرة السلبية لهذه الدول مع العراق نفسه.
من جانب آخر إنه الموقف العربي الإجماعي المعارض لضرب العراق غير مسلح ببديل سياسي للضرب، هناك مشكلة متعلقة باتهامات دولية للعراق بامتلاك أو تطوير أسلحة دمار شامل هناك مقاومة عراقية لفكرة عودة المراقبين الدوليين، فيه حجج عراقية في هذا السياق، لكن جوهر الموقف هو المقاومة لفكرة عودة المراقبين الدوليين، المخرج زي ما هو واضح وعبر عنه عدد من السياسيين والمحللين هو استجابة العراق لعودة المفتشين، إبداء درجة عالية من التعاون وحسن النية في التعامل معهم لتفويت الفرصة على الولايات المتحدة وخصوم العراق في العالم..
جميل عازر: طيب.. يعني على.. على.
د. جمال عبد الجواد: دا ممكن يبقى جزء رئيسي من السياسة العربية بديل..
جميل عازر: على الصعيد العربي العام يعني ما هو المطلوب لإثبات وجود على الساحة الدولية وإثبات أن لدى العرب شيء من الإرادة؟
د. جمال عبد الجواد: المطلوب هو المصداقية والجدية، لا يكفي أن تقول أنني ضد ضرب العراق، ولكن ماذا بعد؟ هناك مشكلة مثارة بسبب العراق وحول العراق ما هي الأطروحات التي تقدمها؟ رفض الضربة ماهواش موقف، رفض الضربة دا موقف سياسي، موقف معنوي بيقول أنا بأدينها، لكن ما بيقولش بالضبط ماذا يمكن عمله.. أعتقد هنا تطوير خطة سياسية عربية ودا إحنا مش متعودين عليه للأسف في العمل السياسي العربي المشترك، نحن متعودين على إنه نقول نحن مع هذا البلد العربي في مواجهة الضغوط مثلاً التي يتعرض عليها.. يتعرض لها أو ضد هذا.. هذا الضغوط إلى آخره، لكن إن إحنا نطور فعل السياسي مبادرة سياسية متكاملة فيها مثلاً:
امتناع الولايات المتحدة عن توجيه تهديدات ضد العراق.
وفي نفس الوقت مطالبة العراق وأخذ موافقته على استقبال مفتشين دوليين.
تنظيم تحرك عربي جماعي بيتمحور حوالين هذه الفكرة.
خلق إجماع دولي ليس فقط حوالين رفض الضربة.
ولكن أيضاً حول طمأنة القلقين من سياسة العراق في مجال التسلح إلى آخره، ده الموقف المتكامل اللي أعتقد ممكن على الأقل يؤخر ضربة أميركية لوقت طويل، لكن حتى الآن الموقف العربي واقف في حدود الموقف التقليدي نحن ضد الضربة أو مع الشعب العراقي في مواجهة الضغوط في..
جميل عازر: في هذا.. نعم.
د. جمال عبد الجواد: وده مش موقف سياسي متكامل..
جميل عازر: نعم، في هذا السياق يشار كثيراً إلى الشارع العربي، هل تعتقد أن باستطاعة الشارع العربي أن يقوم بشيء فعال وأشدد هنا على كلمة فعال، ليس مجرد مظاهرات أو غير ذلك لكي يغير واقع الحال؟
د. جمال عبد الجواد: ما هو الشيء الفعال الذي يمكن للشارع العربي أن يفعله؟ هناك مستويين في هذا السياق:
مستوى راديكالي وجذري هو تغيير الأنظمة، وأعتقد إنه ده غير مقصود على الإطلاق في سؤال حضرتك.
المستوى الآخر هو مستوى إنه يمارس ضغوط على الأنظمة لتغيير سياستها، لكن في نفس الوقت فيه مشكلة ماذا تستطيع هذه الأنظمة وهذه الدول العربي أن تفعل لمنع ضربة أميركية؟ أنا أعتقد أنه الخيارات أمامها قليلة إذا ما كان القرار الأميركي نهائي بضرب العراق، ستبرئ نفسها أخلاقياً وسياسياً، لكنها لن تستطيع إيقافها، ومن ثم الشارع العربي في هذا السياق هيؤدي إلى الضغط على هذه الأنظمة وخلق حالة من عدم الاستقرار، لكن لن يترتب عليه -في اعتقادي- أي تغيير في الموقف السياسي يؤثر على مصير العراق، المقصود في كل هذا الحوار هو مصير العراق وإنه.. إنه ينجو من ضربة أميركية، لا أعتقد إنه في غياب مجمل الشروط السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالموقف العربي الرسمي إن الشارع العربي يمكنه أن ينقذ العراق، ربما يمكنه أن يخلق حالة عدم استقرار أو يزعج هذا النظام، وربما يقلب نظاماً آخر، ولكن ليس بالضرورة هذا كافياً لإنقاذ العراق إذا كان هذا هو المقصود.
جميل عازر: طيب أخيراً دكتور جمال، يعني هل تعتقد أن تخوف الحكومات العربية، أنظمة الحكم العربية سمها ما تشاء من ضربة للعراق ربما ناجم عن تخوف لما يمكن أن يحل بهذه الأنظمة من جراء غضب شعبي؟
د. جمال عبد الجواد: رفض هذه الأنظمة وقلقها من ضرب العراق أعتقد إنه له سببين، والسببين مبررين جداً ومشروعين:
السبب الأولاني: متعلق بما قد يحدث للعراق بسبب هذه الضربة، هل ستظل خريطة المنطقة على ما هي عليه، أم أنها ستتغير؟ هل سيظل العراق موحداً، أم سينقسم؟ هل طبيعة نظام الحكم في العراق من حيث قاعدة التأييد العرقية والدينية ستظل كما تعودنا عليها منذ تأسيس العراق الحديث في العشرينات من القرن الماضي أم ستتغير؟ كل دي اعتبارات جيواستراتيجية وجيوسياسية تهم دول المنطقة بالذات دول الخليج العربي اللي تفرق معاها جداً إذا كان العراق دولة واحدة أم أكثر، يفرق معاها جداً إنه العراق الحكم فيه مستند إلى الشيعة أم إلى السنة، إلى آخره، دا اعتبار واعتبار مهم بغض النظر عن طبيعة النظم السياسية.
الاعتبار الآخر هو الاعتبار المتعلق بحالة عدم الاستقرار السياسي اللي بالتأكيد ضربة أميركية للعراق هتخلقها في كافة أرجاء المنطقة إن هذه النظم لا تريد أن تتعرض لمثل هذه الحالة من عدم الاستقرار قد تفلت الأمور، قد تكون التكلفة عالية، دي بالتأكيد اعتبار مهم جداً، هذه الأنظمة بتحاول إنها تتجنب ضربة أميركية للعراق لتجنب مثل هذا الاحتمال أيضاً.
الأمن في أفغانستان في ظل محاولة اغتيال كرزاي
جميل عازر: دكتور جمال عبد الجواد في القاهرة، شكراً جزيلاً لك.
ربما يكون حامد كرزاي قد نجا من محاولة لاغتياله هذه المرة، وقد لا تكون الأخيرة، ولكن هذا الرجل الذي تسلم مقاليد السلطة في أفغانستان في ظروف استثنائية بالغة الخطورة والتعقيد لابد ويدرك أنه كان بذلك قد وضع دمه على كفه رغم كل ما يقال أو يشاع تلفيقاً عن استتاب الأمن والاستقرار في أفغانستان لا يقنع أحداً، لأن الواقع الذي تعيشه تلك البلاد لا ينم من قريب أو بعيد عن ذلك التصور، فبين بقايا القاعدة وطالبان وبين خصوم الأمس والقبائل المتنافسة على التسلط ووجود القوات الأجنبية تحت مسميات مختلفة ستظل أفغانستان تعيش هواجس الماضي القريب وظروف حرب أهلية مرشحة للاشتعال من جديد.
![]() |
تقرير/حسن إبراهيم: أين أسامة بن لادن؟ ومن أطلق النار على حامد كرزاي؟ ومن المسؤول عن التفجيرات التي تروع كابول منذ أسبوعين؟
أسئلة محمومة يعتقد المراقبون أن الإجابة على واحدٍ منها يجيب عليها كلها، فمنذ التفجيرات التي توالت بوتيرة مقلقة في أفغانستان تشير بأصابعها إلى تنظيم القاعدة الذي نشر في موقع على شبكة الإنترنت خطاباً نسب إليه يدعو الشعب الأفغاني إلى مقاومة الوجود الأجنبي على أرضه، فأين هو؟ أحي هو بن لادن أم غيبه الموت في كهوف تورابورا، أو ربما في أي موقع في جبال أفغانستان الوعرة، ترى أهو في خوست؟ لا أحد يستطيع أن يجزم، لكن مما لا شك فيه أن الأفغان بمختلف فصائلهم وتوجهاتهم يقيمون مشاعر متناقضة تجاه حكم الرئيس حامد كرزاي، وعلى عكس ما صرح به كرزاي أنه لا يفهم لماذا يحاول أي إنسان قتله، فإن كثيراً من الأفغان خاصة البشتون يريدون التخلص منه لأسباب كثيرة منها أنهم يعتبرونه رأس حكومة نصبتها الولايات المتحدة رغم أنه بشتوتني وبعضهم مثل الطاجيك يرونه عبئاً ثقيلاً على طموحاتتهم للانفراد بالسلطة، وقد وجه قلب الدين حكمتيار نداءً طالب فيه الأفغانيين بإعلان الجهاد ضد الوجود الأجنبي في أفغانستان، ولكن مما لا شك فيه أن الأسلوب الذي نفذت به محاولة الاغتيال يمكن أن يعزى إلى تنظيم القاعدة، الذي يعتمد على المباغتة أو الانتحارية، الوجه الآخر من الحرب ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان يكمن في باكستان المجاورة، حيث تنشط الحكومة الباكستانية في البحث عمن تقول الولايات المتحدة إنهم يختبؤون في أراضيها.
وتصريحات الحكومة الباكستانية تقلق الولايات المتحدة وتزيد من توترها كذلك، فتارة يصرح الرئيس مشرف باعتقاده أن بن لادن قد قضى نحبه، وتارة ينفي ما قاله ولا تختلف تصريحات المسؤولين الأمنيين الباكستانيين كثيراً عن أقوال رئيسهم وتعلم الولايات المتحدة أن باكستان بأغلبيتها السنية ومدارسها الدينية الدينية وتعدد الجماعات التي أعلنت تأييدها في الماضي لأسامة بن لادن وحكومة طالبان تشكل مجالاً خصباً لتجنيد عناصر تناويء الوجود الأميركي وإن لم تكن منضوية تحت لواء القاعدة أو طالبان.
قبائل التماس بين باكستان وأفغانستان البشتونية لها علاقات قديمة بأسامة بن لادن وحركة طالبان، وبما أنها تقطن مناطق وعرة في أعالي الجبال فمن الصعب على الحكومة الباكستانية السيطرة عليها، ناهيك عن إرسال حملة تفتيش ناجحة.
أما عنصر المباغتة فينتفي تماماً نظراً لتقوم تلك القبائل الساحق في معرفة مجاهل الجبال وكهوفها وسراديبها، ولم تقبل القبائل الحدودية وساطة من بعض رجال الدين الموالين للحكومة الباكستانية لإقناعهم بانضمامهم إلى جهود البحث عن المطلوبين من القاعدة أو طالبان.
مشهد سياسي وأمني يثير القلق لا شك في هذا، لكن كرزاي وحكومته يتخوفون من أن تفقد الولايات المتحدة اهتمامها بالمنطقة بعد أن تعثر على ضالتها.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل هذه الجولة وإياكم في (الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً بعض الفاصل:
شارون يعلن وفاة أوسلو وتوابعها فهل انتهى الأمل لإحلال السلام في الشرق الأوسط وماذا بعد؟
[فاصل إعلاني]
هشاشة اتفاق ماشاكوش بعد سقوط توريت
جميل عازر: سقطت توريت في يد الجيش الشعبي لتحرير السودان، وكادت تعيد الوضع إلى نقطة الصفر، أي إلى ما قبل اتفاق ماشاكوس، وما مبادرة الخرطوم إلى تعليق المفاوضات بين الجانبين وإعلان التعبئة لمحاولة استرداد توريت سوى الدليل على هشاشة الاتفاق الذي أثار الكثير من الآمال والتوقعات بشأن إنهاء الحرب الأهلية في جنوبي السودان، فالمسرح السوداني متعدد الأبعاد والأطراف ومتنوع العوامل والخصائص بحيث لا يمكن الوصول فيه إلى استقرار أو سلام إذا لم تتطابق المصالح المختلفة؟ أما كيف يمكن تحقيق ذلك فهنا تكمن المعضلة.
![]() |
تقرير/حسن إبراهيم: لم يجف بعد الحبر الذي كتب به تفاهم ماشاكوس الأول، الذي أشاع الأمل بالسلام في نفوس الكثير من السودانيين حتى قصفت الطائرات الحكومية المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان مما أدى إلى قتل مئات وجرح الآلاف على حد تصريحات منظمات الإغاثة الدولية العاملة في تلك المناطق.
وها هي الحركة الشعبية ترد الصاع صاعين للحكومة السودانية، ففي غمرة الجولة الثانية من المفاوضات بين الطرفين فاجأت الحركة الحكومة بهجوم خاطف على مدينة توريت الاستراتيجية، فقتلت حوالي 300 من عناصر الجيش والدفاع الشعبي وأحكمت حصارها للطرق المؤدية إلى جوبا عاصمة الإقليم الجنوبي.
وما أغضب الحكومة السودانية هو انضمام أفراد من الجيش السوداني وكتائب الدفاع الشعبي إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان.
وردت الحكومة السودانية بالانسحاب من المفاوضات وإعلان التعبئة العامة واتهام الحركة الشعبية بالخيانة، وهو ما يهدد باشعال جولة جديدة من الحرب في ظروف بالغة التعقيد فقد تزامنت هذه الانتكاسة لمفاوضات السلام بمستجدات هامة على الساحة السودانية:
-الغضب المصري بسبب استثناء مصر من المفاوضات وإحساس القاهرة بأن المفاوضات بداية مشروع انفصال للجنوب وللقاهرة أنصارها الكثيرون في السودان وهي تؤوى المعارضة السودانية الشمالية.
-حملة الاعتقالات التي طالت زعامات المؤتمر الشعبي الوطني وعلى رأسها الدكتور حسن الترابي عراب النظام السابق، وخطورة المؤتمر تأتي من تغلغل كوادره في الجيش وكتائب الدفاع الشعبي.
-والتململ الذي يبدو واضحاً في أوساط الجيش السوداني وخوف الحكومة السودانية من انقلاب عسكري قد يشعل حرباً أهلية في الشمال وبمباركة أطراف كثيرة داخل وخارج السودان.
-والرغبة الأميركية في إنجاح مفاوضات ماشاكوس قد تدفع الأجنحة الأكثر تشدداً في الحكومة السودانية إلى افتعال أزمة أو التصرف بطريقة قد تستجلب العداء الأميركي مرة أخرى خاصة بعد انسحاب الوفد الحكومي من ماشاكوس.
إذا أضيف إلى العوامل السابقة ما تتناقله وسائل الإعلام الغربية عن وصول شحنات من ذهب تنظيم القاعدة إلى السودان فإن الوضع يصبح مأساوياً، والخبر الأخير بغض النظر عن صحته أو اختلاقه يوضح أن هناك جهات تريد إدخال الحكومة السودانية في قائمة الجهات الداعمة للإرهاب لإفساد ما تحسن من علاقات بين واشنطن والخرطوم.
ومصر رقم صعب في المعادلة السودانية وتجاهلها أرهق أكثر من حكومة سودانية منذ الاستقلال عام 56، وربما لهذا يحاول السودان إصلاح ما تصدع من علاقات البلدين بعد تفاهم ماشاكوس في يوليو/تموز الماضي رغم وجود شكوك في أن تقبل القاهرة بتطمينات الخرطوم.
أما واشنطن فتريد إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات بأي ثمن، حتى ولو أثخنت الحرب جسديهما بالجراح، لكن أحد المحللين قال إن السلام أضحى كما في الماضي هدفاً صعب المنال.
مستقبل عملية السلام في ظل إعلان شارون وفاة أوسلو وتوابعها
جميل عازر: عندما كان (آرييل شارون) يتشدق في التلميح إلى إمكانية التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين لم يصدقه سوى المخدوعين بسرابٍ لا أكثر، فهذا الصهيوني العتيد الذي يترأس الحكومة الإسرائيلية لا يريد سلاماً إلا بما ينطبق مع المواصفات التي يحددها له، وإعلانه أن اتفاقات أوسلو لم تعد موجودة وأن ما تبعها من تفاهمات أو عروضٍ إسرائيلية أصبحت ملغاة ينبغي أن لا يكون مفاجئاً، فشارون هو الذي عاد إلى احتلال المدن الفلسطينية، وأمعن تقتيلاً بالفلسطينيين، وهو الذي يرفض تفكيك أي مستوطنة، ناهيك عن رفضه وقف التوسع الاستيطاني، وها هو الآن يكرِّس المبدأ الليكودي الذي لا يرى لوجودٍ في فلسطين إلا لليهود وحدهم، يستوردهم من مشارق الأرض ومغاربها.
![]() |
تقرير/سمير خضر: كانت الرسالة واضحة منذ البداية لكن لا أحد كان يريد تصديقها، ناهيك عن استيعابها، فعندما دخل شارون السلطة من أوسع أبوابها خرجت عملية السلام من النافذة، وعمل رئيس الحكومة الإسرائيلية كل ما في وسعه لإيصال هذه الرسالة، لكن البعض كان لا يزال يتعلق بأوهام، الأمر الذي اضطر معه شارون إلى الخروج على الملأ ليقول بوضوح إن اتفاقات أوسلو وكل ما أعقبها من تفاهمات في طابا وكامب ديفيد أصبحت ملغاة نهائية، ولكن الذي يعنيه شارون بتنصله من هذه الاتفاقية. من الواضح أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ينظر إلى مفهوم السلام من زاوية تختلف ليس عن نظرة الفلسطينيين إليها فقط، بل وعن كثير من الإسرائيليين، فالسلام عنده هو استسلام من جانب الفلسطينيين، إذ أن شارون يمثل جيلاً من الإسرائيليين شب وترعرع على وقع طبول الحرب، ولا يعرف سياسة سوى سياسة العصا الغليظة التي لا يتوانى أبداً عن إشهارها واستعمالها في وجه من يعتبرهم أعداءً لحق إسرائيل بالوجود ككيانٍ يهودي خالص.
أما الأجيال اللاحقة من الإسرائيليين فلا تزال ممزقة بين رغبتها في العيش بسلام مع جيرانها وبين الخوف المزمن الذي زرعته في نفوسهم المؤسسات العسكرية، إذ رغم أجواء الديمقراطية التي تتغنى بها إسرائيل فإن هذه المؤسسة تمسك تماماً بزمام القرار إما مباشرة من خلال صانع قرار ينتمي إليها، أو بشكل غير مباشر عبر تنفيذ ما ترتأيه مناسباً من عمليات، ولا أدل على ذلك من تبرئة العديد من الجنود من تهمة قتل فلسطينيين بدمٍ بارد رغم كل الأدلة والقرائن الدامغة لهم بارتكاب الجريمة، ولكن يحدث أحياناً أن تخطىء هذه المؤسسة وتخرج عن قاعدة سلوكها المعهود كما في حالة مروان البرغوثي، لأنها لم تغتله، خاصة وأن شارون قد أقر علناً بأنه كان يفضله ميتاً على أن يُقبض عليه حياً، ولماذا؟ لأن مجرد وضع البرغوثي في قفص الاتهام في محكمة إسرائيلية يُشكل مصدر قلق وإزعاج لوجه الديمقراطية الإسرائيلية في الغرب، حتى وإن كان هذا الغرب يصم في الغالب أذنيه عن هذه التجاوزات كي لا يتهم بالعداء للسامية.
وفي مواجهة مثل هذه الممارسات لا يرى الفلسطيني في سلطته التي انتخبها سوى تخبط وغياب للرؤية، وتمسك بمبادرات سلام تأتي من هنا وهناك دون أي أمل في رؤيتها يتجسد واقعاً جديداً على الأرض، فالواقع الذي يعيشه الفلسطينيون اليوم لا يختلف كثيراً عما ألفوه في السابق، ربما فقط مع قناعة أكبر بأن الفرج لا يمكن أن يأتي لا من الخارج ولا من الداخل دون دفع ضريبة الدم الباهظة، ولكن حتى متى؟
نتائج قمة الأرض في جوهانسبرغ
جميل عازر: انتهت قمة الأرض في جوهاسبرج، ومن غير المنتظر أن تصبح البيئة أفضل حالاً على المدى القريب أو المتوسط، ناهيك عن البعيد، فالطموحات التي ساورت العديد من دول العالم الثالث أو الدول الفقيرة، ومعها المدافعون عن البيئة وحقوق الإنسان تتحطم في مؤتمر دولي بعد آخر منذ قمة الأرض الأولى في (ريو) قبل عشر سنوات على صخرة المصلحة التجارية التي تمليها الشركات العملاقة في الدول الغنية، فهناك غياب للالتزام السياسي لتحقيق متطلبات التنمية المستدامة، وغياب الأخلاقيات في معاملة الشمال للجنوب، وهناك التناقض في عناصر التنمية، وفي الحفاظ على البيئة، فكيف يمكن مكافحة الفقر والمجاعة في ظل هذه الظروف؟
![]() |
تقرير/حسن إبراهيم: رغم مظاهر الاحتجاج المعتادة التي تصاحب القمم التي تجمع زعماء الجنوب والشمال، فإن القمة كانت ضعيفة المحتوى والإخراج، وبالتالي النتائج، ويبدو أنه لم تتكون بعد قناعة في العالم الغربي بزعامة الولايات المتحدة المنشغلة بالحفاظ على التحالف في الحرب ضد الإرهاب قناعة بأن التنمية المستدامة لن تتحقق إلا بتوفر شروط أساسية:
أولاً: إعفاء الجنوب الفقير من كامل ديونه.
وثانياً: تبادل المعلومات والتقنيات التي ترتقي في مستوى الصناعة والزراعة في الدول الفقيرة.
وثالثاً: توفير المناخ المناسب للتجارة، وسياسة الباب المفتوح لسلع الجنوب كي تدخل أسواق الشمال بدون قيود جديدة، لكن هيهات أن يتحقق كل ذلك بينما الشركات متعددة الجنسيات والدول الغنية هي التي تحدد أجندة المؤتمر، وتحدد سقف الطموحات العالم ثالثية، وفوق كل هذا يتنصل من التزامات سابقة وافق عليها الجميع وعلى مضض في قمتي.. (دي جانيرو) بالبرازيل، و(مونتري) بكندا.
من أهداف المؤتمر كذلك المحافظة على البيئة والحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى التي تسبب ظواهر ضارة بسلامة كوكب الأرض مثل الانحباس الحراري وظاهرة (النينيو) و(النينيا)، وكثير من الأمراض والآفات والكوارث التي تضاعفت وتيرة حدوثها في السنين الماضية، لكن كيف يتأتىَّ لهذا الكوكب أن يحافظ على توازنه البيئي والأقوياء فيه هم أكبر الملوثين؟! فعلى سبيل المثال تنسب الولايات المتحدة فيما يزيد على 36% من التلوث العالمي، وهذه بيانات أصدرتها وكالة البيئة الأميركية، وقوبلت الاقتراحات بتخفيض نسبة الاستهلاك للمحروقات باستهجان الشركات الكبرى، التي كان لها حضور كبير في المؤتمر، لأن مثل هذا التخفيض يضر بمصالحها.
أما الناشطون البيئيون والمكافحون من أجل عدالة توزيع الثروة فقد كانت لهم قارعة الطريق يتظاهرون فيها ويتحملون المياه المضغوطة التي واجهتم بها قوات مكافحة الشغب، ويجتمعون في قاعة منعزلة تماماً عن مكان انعقاد القمة.
الولايات المتحدة التي مثلها وزير الخارجية (كولن باول) تعرضت لأشد الانتقادات ليس بسبب سياساتها البيئية فقط، بل لموقفها من العراق، وكان لغياب الرئيس (بوش) عن المؤتمر مدلول مهم بالنسبة لموقفه من قضايا البيئة، وهو موقف يختلف عما اتخذه سلفه (بيل كلينتون) الذي وافقت إدارته على بروتوكولات (كيوتو) ،ولكن الإدارة الحالية انسحبت منها.
وبين خطابات (روبرت موجابي) الملتهبة في انتقاد السياسة البريطانية ضد بلاده بسبب موقفه من المزارعين البيض، وبين الانتصار المؤزر لقوى السوق والشركات الكبرى فإن السؤال الذي يؤرق الكثيرون، هل كانت قمة جوهانسبرج تسعى حقاً لتنمية فقراء الجنوب، أم تريد إبقاء الثروة في خزائن الشمال؟!
جميل عازر: وفي نهاية هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) نذكر حضراتكم أن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت).
تحية لكم، وإلى اللقاء.