المؤسسة العسكرية العراقية، تركيا وموقفها تجاه حرب العراق
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
ضيف الحلقة: | محمد مصدق يوسفي: باحث في الشؤون الجزائرية |
تاريخ الحلقة: | 11/01/2003 |
– دور المؤسسة العسكرية العراقية في ظل الاحتفال بيوم الجيش
– تركيا بين رفض الحرب على العراق والإذعان للضغوط الأميركية
– فضائح شارون المالية في ظل الانتخابات الإسرائيلية
– الجزائر.. عنف قديم متجدد ومجازر متواصلة واستكانة رسمية
– القضية القبرصية بين الضغوط التركية وطموحات كليريدس
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى جولة جديدة في (الملف الأسبوعي)، وفيه:
العراق احتفال بيوم الجيش وسط حشود أميركية وبريطانية تسلط الأضواء من جديد على دور حماة الديار.
عبد الله جول زيارة للجوار تبين تأرجح أنقرة بين رفض الانضمام إلى حرب على بغداد والإذعان للضغوط الأميركية.
والجزائر عنف قديم متجدد ومجازر متواصلة واستكانة رسمية، فهل من مخرج؟
دور المؤسسة العسكرية العراقية
في ظل الاحتفال بيوم الجيش
يمكن القول إنه لا جديد في الملف العراقي، فالتصريحات التي أدلى بها (هانز بليكس) ومحمد البرادعي عن عدم عثور مفتشي دائرتيهما على ما يثبت قطعاً أن العراق طوَّر أسلحة دمار شامل منذ عام 98 لم توقف تدفق الحشود العسكرية الأميركية والبريطانية بأنواعها المختلفة على المنطقة، وإذ أحيا العراق ذكرى تأسيس جيشه في هذا الظروف، فلا مناص من تسليط الأضواء على دور المؤسسة العسكرية القادم على ضوء ما قامت به عبر تاريخ العراق الحديث منذ أفول الإمبراطورية العثمانية، وخلال فترة الانقلابات والإطاحة بالملكية والحرب مع إيران ثم غزو الكويت وما لحقه من تبعات.
![]() |
تقرير/ جيان اليعقوبي: احتفال العراق بالذكرى الثانية والثمانين لتأسيس جيشه الوطني يأتي هذه المرة بمذاق مختلف، حيث يختلط الاحتفال بظلال التهديدات الأمريكية بشن حرب شرسة لتغيير النظام الحاكم في بغداد، يعود تاريخ تأسيس الجيش إلى عام 21، أي عشية إعلان العراق دولة مستقلة ودخوله عضواً رسمياً في عصبة الأمم، مع أنه كان فعلياً تحت الوصاية البريطانية التي نصبت فيصل الأول ملكاً على هذا البلد، وانعكست تلك الوصاية على تشكيلة الجيش العراقي طوال العقود الثمانية التي تلت ذلك، فكبار الجنرالات ينحدرون من العرب السنة، أما الجنود فهم من الطبقات الفقيرة والريفية بالتحديد، وجُلُّهم ينتمي إلى الجنوب الشيعي، وكان هذا مصدر قلق خفي للقيادة العراقية أثناء حربها الضروس مع إيران، ولكن هؤلاء الجنود أثبتوا أن ولاءهم كان للوطن قبل أي اعتبار آخر، بدأ الجيش مسيرة أدخلته في متاهات السياسة منذ ثلاثينات القرن الماضي حين قام أحد كبار ضباطه وهو الكردي بكر صدقي بأول انقلاب عسكري في تاريخ الشرق الأوسط، وقد أُجهض الانقلاب، ولكن انقلاب 58 نجح في إيصال العسكر إلى السلطة، وتكرر الأمر مرة أخرى عام 68، غير أن وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى سدة الحكم في ذلك العام لا يعني أن الأمر ظل على ما هو عليه، فقد بدأ البساط يُسحب شيئاً فشيئاً من تحت أقدام المؤسسة العسكرية لينحصر القرار في النهاية بيد الرئيس صدام حسين.
وزاد من ترسيخ هذا الوضع خوض الجيش العراقي حربين طاحنتين عامي 80، وبعدها عام 90، وكانت الحربان كارثة على العراق بكل المقاييس، فقد أخرجته الأولى مثخناً بالجراح التي تمثلت في الديون والبطالة ومئات آلاف الأسرى والمفقودين والمعوقين، وأخرجته الثانية إلى ظل الارتهان للحصار الأميركي المتخفي خلف علم الأمم المتحدة.
والآن والعراق يقف على مفترق الطرق ليقفز الجيش مرة أخرى إلى واجهة الأحداث، مرة خلف القيادة التي تعد نفسها لمواجهة أقوى جيش في العالم وأخرى خلف الغازي الأميركي الذي ينسق مع قادة عسكريين سابقين لتغيير وجه النظام إلى آخر تصفه واشنطن بالمدني والديمقراطي.
تركيا بين رفض الحرب على العراق والإذعان للضغوط الأميركية
جميل عازر: وفي هذا السياق تنظر تركيا بعين الخطورة إلى أي تحول في العراق قد لا يخدم مصالحها.. مصالحها، خاصة وأنها مازالت تعاني من تبعات عاصفة الصحراء، ومن هذا المنطلق قام رئيس الوزراء التركي عبد الله جول بزيارة لسوريا ومصر والأردن، ثم السعودية للتباحث حول المسألة العراقية، وبما أن الحكومة التركية الجديدة لم تتمكن حتى الآن -كما يبدو- من وضع الخطوط الرئيسية سياساتها على الصعيدين الداخلي والخارجي فإنها تصرح مرة بأنها ضد حرب على العراق، وتارة أخرى تعلن أنها لها حقاً في نفط كركوك، وتارة ثالثة يسمح رئيس وزرائها للأميركيين من معاينة قواعد جوية تركية لتقييم ملاءمتها لأي عملية ضد العراق، فما الذي تهدف إليه أنقرة؟
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: تُرى هل أتى عبد الله جول يسوِّق حرباً أميركية على العراق، أم أتى حقيقة لبذل جهود الساعة الأخيرة لمنعها، أم أنه أتى لينفي تهمة أن تركيا توفر لواشنطن غطاءً إسلامياً في مقابل عضويتها في الاتحاد الأوروبي؟
لقد زار جول سوريا ومصر والأردن أملاً في التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة العراقية بدلاً من الحرب التي تحشد الولايات المتحدة قواتها لشنها، لكن التداعيات المحتملة للحرب هي الهاجس الأول على سلم الأولويات السياسية لتركيا وسوريا، فعدا موضوع مياه نهر الفرات العالق بين البلدين منذ فترة طويلة هناك قضية أكراد العراق واحتمال أن تترسخ النزعات الانفصالية بين الأكراد في سوريا وتركيا، وبالطبع هناك النزاع التاريخي حول لواء الإسكندرون، الذي انتزعته تركيا.
لكن تركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية، وتتمنى تزايد الضغط الأميركي على الأوروبيين لحملهم على قبول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، أعلنت موافقتها على فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الأميركية، فالحزب يريد تخفيف صورته الإسلامية بإعلان التزامه بحلف شمالي الأطلسي والعلاقات مع إسرائيل، إلا أن أنقرة رغم هذا أشارت إلى عدم استطاعتها اتخاذ قرار المشاركة في الحرب قبل تقديم المفتشين الدوليين تقريرهم حول أسلحة الدمار العراقية للأمم المتحدة أواخر الشهر الجاري.
تصريحات جول عن رفضه خيار الحرب لا يعني الكثير سواء لسوريا أو لغيرها من الدول العربية، فتركيبة نظام الحكم التركي تضع هذا الخيار في يد الجنرالات ومجلس الأمن القومي التركي، خاصة وأن المؤسسات العسكرية مازالت تتوجس خيفة من التوجهات الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، وتنتظر أنقرة -التي تشهد علاقاتها بدمشق تحسناً- زيارةً للرئيس السوري لا يُعرف بالضبط الجو الملائم لها، فسوريا التي لا تزال تشعر بظلم من أزمة المياه المزمنة مع تركيا، وتعيش عقدة سلخ لواء الإسكندرون لم توقع حتى الآن بروتوكول الحدود السوري التركي، الأمر اللافت في زيارة جول لمصر ولقائه بالرئيس المصري حسني مبارك ثم بالأمين العام لجامعة الدول العربية هو طلبه أن تنضم تركيا إلى الجامعة بصفة مراقب وهو ما إن حدث سيشكل أول وجود تركي سياسي رسمي على الساحة العربية منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في عشرينات القرن المنصرم، ورغم خصوصية العلاقات التركية – الأردنية ومشاركة الأردن بصفة مراقب في بعض المناورات التركية – الإسرائيلية في الماضي، فإن الظرف الحالي واستعار أوار الانتفاضة الفلسطينية ودقة الموقف الأردني حولت زيارة (جول) إلى جولة اقتصر اهتمامها على الشأن العراقي، وكانت الصحف التركية قد ذكرت أن رئيس الوزراء التركي قد يزور العراق ويلتقي بالرئيس العراقي صدام حسين، أملاً في التوصل إلى حل يُخرج المنطقة من حرب سماها بعض المراقبين حرب الخيارات المظلمة.
فضائح شارون المالية في ظل الانتخابات الإسرائيلية
جميل عازر: لعل في قرار لجنة الانتخابات الإسرائيلية إيقاف بث حديث رئيس الوزراء (أرييل شارون) إلى الصحفيين وهو يشن هجوماً على زعيم حزب العمل (عمرام متسناع) وآخرين أكثر من مدلول، فشارون كان يدافع عن نفسه في وجه اتهامه وابنيه بالفساد ويرى وراء هذه الاتهامات أصابع متسناع (زعيم حزب)، العمل وغيره ممن يجدون في مآسي شارون مبعث شرور وارتياح له، ولكن رئيس لجنة الانتخابات اعتبر هجوم شارون على منافسه الرئيس في الانتخابات القادمة نوعاً من الدعاية الانتخابية، وهذا يتعارض مع القوانين الانتخابية المرعية في إسرائيل، ولم تثر ثائرة شارون وحده، بسبب قطع تصريحاته وإنما ثار العمل أيضاً، لأنه اعتبر حتى ذلك الجزء الذي سمعه الجمهور محاولة للتستر على فضائح الفساد في حزب الليكود.
![]() |
تقرير/ سمير خضر: فجأة لم يعد الحديث في الشارع الإسرائيلي عن البرامج والوعود الانتخابية للمرشحين، بل عن شخص شارون وأسرته، وبدأ الناخب الإسرائيلي يتساءل: لماذا أُعطي صوتي لرجل يستغل منصبه لكسب الملايين في حين أن الضائقة الاقتصادية تتفاقم في البلاد، ألا يُفترض برجل السياسة التحلي بحدٍ أدنى من النزاهة في دولة تدعي الديمقراطية وسيادة القانون، أم أن هذا القانون يشمل فلاناً ولا ينطبق على علان؟
تساؤلات كثيرة تدور في الشارع الإسرائيلي بعد اكتشاف رشوة قدمها ملياردير يهودي من جنوب أفريقيا إلى نجلي شارون، رئيس الحكومة الإسرائيلية يرفض كلياً تهم الفساد المواجهة له، لكنه لم يستطع تفسير مبلغ المليون ونصف مليون دولار التي ظهرت فجأة في حساب أسرته، فالأمر لا يتعدى في نظره مجرد تسريبات ذات أهداف سياسية وهو مُحق في ذلك، إذ كثيرون هم أولئك الذين سيُسرون بتفجير فضيحة من هذا القبيل، فضيحة تطيح بشارون دون المساس بالليكود كما يتمنى ويشتهي (نتنياهو) هو وأنصاره أو فضيحة تطيح بشارون وبحزبه كما يأمل -سراً أو علانية- زعيم حزب العمل عمرام متسناع، آخر استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع واضح في شعبية الليكود وزعيمه في أوساط الناخبين وإن كان الأمر لم يصل بعد إلى الحد الذي آلت إليه الأمور في فضيحة مشابهة ألمت برئيس الوزراء الأسبق (إسحاق رابين) في السبعينات أو تلك التي أطاحت بالرئيس السابق (عيزرا وايزمان) قبل عامين، لكن أي تراجع لليكود سيعود بالفائدة على الأحزاب الأخرى، ويبدو أن حزب العمل وزعيمه الجديد لن يكون هو المستفيد، بل حزب (شينوي) الوسطي القديم الذي بقي في الظل لسنوات طويلة قبل أن يستعيد اليوم بعض العافية، ومن المتوقع أن يحصد هذا الحزب أصوات الناخبين الذين ملُّوا لعبة السياسة التقليدية في إسرائيل بين يسار عمالي حالم وعاجز ويمين متطرف عقائدي ومشلول الحركة وبهذا يمكن لحزب (شينوي) أن يحل محل حزب (شاس) الديني في لعبة تشكيل الحكومات وإسقاطها في إسرائيل.
فضيحة شارون ونجليه لم تقضِ بعد على الليكود أو شعبيته، فالأكيد اليوم أنه سيتخطى بنجاح ولو محدود امتحان الانتخابات المقبلة، لكن الثمن سيكون عالياً، إذ إن خروج الليكود بانتصار محدود سيدفعه إلى التوجه إلى الأحزاب الأكثر تطرفاً خاصة إذا ما استمرت العمليات الفدائية الفلسطينية في العمق الإسرائيلي كتلك التي وقعت أخيراً في تل أبيب، فالمعروف عن الناخب الإسرائيلي تقديمه الاعتبارات الأمنية على غيرها وإذا كان له الخيار بين تيار سياسي يدعي السلام دون إمكانية تحقيق الأمن وبين تيار آخر يحقق الأمن على حساب المعايير الأخلاقية، فإنه على الأغلب سيتغاضى عن معايير النزاهة وسيادة القانون.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، وفيها أيضاً بعد فاصل:
القضية القبرصية بين ضغوط تركية قبرصية على (دنكطاش) وطموحات (كلاريدس) في الانضمام بقبرص إلى الاتحاد الأوروبي.
[فاصل إعلاني]
الجزائر.. عنف قديم متجدد ومجازر متواصلة واستكانة رسمية
جميل عازر: وإلى الجزائر، حيث كان الأسبوع دامياً بشكل لم تشهد القوات الحكومية مثله منذ بضع سنوات، وباستثناء عدد القتلى من قوات الدرك في كمائن نصبتها لهم الجماعات المسلحة، فإن هذا ليس بجديد على المسرح الجزائري سوى أن المواجهة اتخذت نمطاً جديداً فنصب كمائن واستخدام أسطوانات غاز لتفجير طوابير القوات المسلحة تسببت في مقتل أكثر من مائة منذ بداية العام الجديد، ولا فرق إن كانت جماعات مسلحة جزائرية أو أفغان عرب أو حتى قاعدة هي التي شنت الهجمات، فإن الدم الذي يُسفك يظل دماً جزائرياً، لا يبدو أن هدره سيتوقف في غياب مبادرات جديدة من السلطات السياسية لتستمر الحرب بين الاستئصاليين والإسلاميين.
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: مقتل 56 دركياً جزائرياً في كمين نصبته الجماعات الإسلامية المسلحة لن يكون آخر الهجمات بكل تأكيد تقريباً، فمسلسل القتل الدامي مستمر منذ إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات النيابية عام 91، لكن لا يبدو أن فرقاء الأزمة الجزائرية يذكرون نقطة الانطلاق وهم في غمرة حمام الدم، فقد تشعبت القضية الجزائرية، بل ودُوِّلت بعد تدخل أطراف خارجية فيها، فرنسا القوة الاستعمارية السابقة تشير إليها كثير من جماعات الإسلام السياسي على أنها أبرز القوى الدولية التي تتدخل في الشأن الجزائري، بل ويتهمها البعض بأنها التي أوعزت إلى الجنرالات بإنهاء حكم الرئيس (الشاذلي بن جديد) وأنها هي التي وفرت الغطاء الدبلوماسي للانقلاب على الشرعية الدستورية، لكن من الذي يستطيع تبرير ذبح الأبرياء والأطفال والنساء في حرب أهلية حقيقية راح ضحيتها ما يزيد عن 100 ألف مواطن وهو رقم مرعبٌ يفوق حصاد بعض الحروب الدامية في مناطق أخرى من العالم، وبمقارنةٍ بسيطة فإن الصراع الأيرلندي أدى إلى مقتل حوالي 3 آلاف مواطنٍ منذ تفجر العنف في عام 69، أي أن عدد الضحايا أقل 33 مرة من عدد ضحايا الجزائر منذ عام 91.
ظاهرة الإسلام السياسي تعتبر المتهم الأول في المشكل الجزائري، لكن جهاتٍ كثيرة تعتقد أن هناك العديد من المنظمات الاستئصالية اقترفت من الجرائم ما يوازي، بل في بعض الأحيان يفوق ما ارتكبته الجماعات الإسلامية المسلحة، ومما لا شك فيه أن العائدين من الجهاد في أفغانستان أو من يسمون الأفغان العرب أضحوا الشغل الشاغل لأجهزة الاستخبارات الغربية، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، واكتشاف الكثير من الخلايا الراديكالية التابعة لتنظيم القاعدة في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، أو هكذا اتهمتهم الأجهزة الاستخباراتية الغربية، ومن هنا يأتي التركيز الفرنسي والأميركي وفي الآونة الأخيرة البريطاني، خاصة بعد توالي اكتشاف الخلايا الراديكالية الإسلامية في لندن، كانت آخرها خلية تحاول صنع غازٍ سامٍ في لندن، وكان أعضاؤها السبعة من الجزائريين، ولاشك أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يحس بوطأة الأزمة، فهو الذي سارع بعد انتخابه رئيساً للجمهورية عام 99 إلى تفعيل قانون الوئام المدني، وأصدر عفواً عاماً عن حاملي السلاح ضد الدولة، استفاد منه مئات من الجيش الإسلامي للإنقاذ التابع للجبهة الإسلامية للإنقاذ، ولكن القتل مازال مستمراً بوحشية، وحتى لو تجمعت في يد الرئيس الجزائري كل المعلومات الاستخباراتية، وتعاونت معه جميع دول الغرب والشرق فإنه لا مناص -كما هو واضح- من حوارٍ تنضوي تحته كامل فسيفساء المجتمع الجزائري، لأن البديل مرعب.
جميل عازر: وللتعرف على الخيارات الجزائرية في ظل تصاعد العنف، ينضم إلينا من لندن محمد مصدق يوسفي (الباحث في الشؤون الجزائرية) سيد محمد، أولاً إلى ماذا تعزو هذا التصعيد في.. في العنف في الجزائر؟
محمد مصدق يوسفي: في اعتقادي -الأستاذ جميل- أن هناك ثلاث عوامل أساسية لهذا التصعيد الجديد لأعمال العنف، وهذا التدهور في.. في.. في الوضع الأمني في الجزائر، العامل الأول وهذه.. العوامل الثلاثة الأساسية مرتبطة ببعضها البعض، وبعضها هو نتاج لعامل آخر.
العامل الأول: في رأيي أن الجماعات المسلحة تريد إثبات وجودها، أن هذه الجماعات موجودة على رغم الخطاب الرسمي الذي لا.. لا يتوقف صباح مساء عن الترديد من أن الجزائر ربما في الربع ساعة الأخير من حالة العنف، وبعض المسؤولين الكبار أصبحوا يتحدثون عن أن الجزائر الآن خرجت من الأزمة، وهناك حديث عن مرحلة ما بعد الإرهاب في الجزائر، فهذه الجماعات تريد أن تثبت أنها موجودة من خلال عمليات استعراضية، عمليات كبيرة، ربما ذات صدى إعلامي كبير داخلياً وخارجياً، وتصل إلى الرأي العام الخارجي، وكذلك من بين هذه الجماعات تريد إثبات وجودها في.. في مواعيد معينة، معروف في الجزائر أنه كلما يأتي مواسم معينة سواء دينية أو وطنية، أو.. أو سياسية إلا وتكون هناك تصعيد في العمل الإرهابي.. عمل الجماعات المسلحة، هذه المرة اليوم الأستاذ جميل برنامجك (الملف الأسبوعي) يتزامن مع الذكرى الحادية عشر لتوقيف المسار الانتخابي في الجزائر عام 92، في 11 يناير/ كانون الثاني، وكذلك يتزامن مع 13 يناير وهو تاريخ انتهاء الفترة المخصصة لقانون الوئام المدني الذي سمح -كما جاء في تقرير الأستاذ حسن إبراهيم- وسمح بنزول مسلحي الجيش الإسلامي للإنقاذ، فهذا العامل الأول.
جميل عازر: طيب العامل الثاني.. نعم.
محمد مصدق يوسفي: العامل الثاني أن الجماعات، أن هناك حالة من التسيب والتراخي فيما يسمى بقوات الأمن وبلجان اليقظة في الجزائر، وهذا كذلك ناتج عن الخطاب الرسمي الذي لا يتوقف من كبار المسؤولين أنه الجزائر والله انتهت المشاكل، وهناك أصبح تراخي، ليس هناك تلك اليقظة التي كانت من قبل في القرى والمداشر من قبل المجندين، من قبل حتى قوات الأمن والجيش، وعندما نرى شهادات الناجين من الجماعات.. من العائلات التي تعرضت للمجازر، سواء في وسط البلاد أو في شرقها يقولون أننا لم نكن نتوقع إطلاقاً أن تحدث مجازر، نظراً للاستتباب النسبي في الأمن مدة ثلاث سنوات لحد الآن.
العامل الثالث والأساسي الذي اعتبره هو عامل أساسي وهو: تذبذب خيارات السلطة الجزائرية، أن السلطة الجزائرية لحد الآن ليس هناك خيار، والله إذا كانت هناك موجة المصالحة الوطنية فالجميع مصالحون كما حدث عام 99، فالرئيس الجزائري دخل الانتخابات الرئاسية وكل أطياف الساحة السياسية الجزائرية رفعوا شعار المصالحة.
جميل عازر: طيب أستاذ محمد..
محمد مصدق يوسفي: للأسف الشديد بعد أحداث.. أحداث سبتمبر.. نعم.
جميل عازر: نعم، أستاذ محمد، دعني.. دعني أسألك في هذا الإطار، ما هي في اعتقادك أبرز ملامح المسرح السياسي في الجزائر في هذه الفترة بالذات؟
محمد مصدق يوسفي: والله هناك يعني نوع.. مرات يعني أنه هناك نوع من.. من العبثية حقيقة، نعترف أن هناك تحسن كبير في الوضع الأمني في الجزائر منذ وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة، لكن نحن نرى بأنه الوضع الأمني يحسب، أو هناك قانون ما.. ما أسميه بقانون الكل أو اللا شيء (all or nothing) ليس من قبل عندما كان يسقط 600 فرد في الأسبوع، والآن يسقط 90 أو.. أو 80 أو ربما حتى 10 في الأسبوع نقول أنه الوضع والله متحسن، ولو سقط جزائري واحد سواء كان مدنياً أو عسكرياً فدليل على أنه ليس هناك استتباب للأمن، هناك أزمة في الجزائر، الآن هناك مزايدات في هذا.. في.. في هذا الجانب.
أنا أعتقد أن الملامح الموجودة الآن هو أنه هناك نوع من العبثية، بحيث أنه كل طبقة سياسية الآن تسير مع الخطاب الاستئصالي من قبل كان خطاب مصالحاتي، بعد أحداث سبتمبر الجميع بما فيهم السلطة بما فيهم كبار المسؤولين الآن والله مع الاستئصال ونحن مع.. والله أميركا اللي هي قوى عُظمى في العالم تستأصل الإرهاب فلماذا نحن نطالب بالمصالحة الوطنية، فإن كان..
جميل عازر[مقاطعاً]: طيب إذن أستاذ محمد.. أستاذ محمد يعني ما هو السبب في هذا الجمود السياسي عدم وجود مبادرات من الجانب السياسي على الأقل لمتابعة الوئام المدني؟
محمد مصدق يوسفي: والله أستاذ جميل، يعني هناك احتمالين إما.. الاحتمال الأول: إما أن الرئيس الذي وعدنا بيعني بأمور وقضايا كبيرة رفعها وأطلقها المصالحة الوطنية، الوئام في الجزائر، عزة الجزائر وكرامتها، يعني إطفاء نار الفتنة، إما أن هذا الرئيس اصطدم بقوى معادية هذه القوى في الجيش أو في التيار الاستئصالي المتمسك والموجود في دواليب السلطة، وإما أن هذا الرئيس و.. ويجب أن يفصح عن.. عن أسباب عجزه، إما أن هذا الرئيس فقط رفع تلك الشعارات للأسف الشديد للاستهلاك وهو يريد الآن الدخول في ولاية رئاسية ثانية في رئاسيات 2004، هذا الرئيس الجميع يذكر أنه في عام 99 دخل الانتخابات كمرشح إجماع، كل الأحزاب كانت معه وكذلك الجيش كان معه ولم يستطع أن يفعل شيء فماذا.. فماذا ننتظر من.. من رئيس لم.. لم يسبق لرئيس في الجزائر أن يستجمع كل هذا التأييد وهذا التحالف بكل أطيافه، ولم يستطع أن يفعل شيء، أعتقد أن في الجزائر هناك نوع من العبثية، يا أخي.. هذه المجازر التي ونحن لا نفرق بين عسكريين ومدنيين إذا كان الذين قُتلوا في البُليدة أو في الشلف أو الذين قتلوا في بسكرة وبين بسكرة وباتنة كلهم أبناء الجزائر، والجزائر يا أخي الآن 11 سنة ونحن نعيش في هذا المأزق، ما هو.. ما هو الحل؟ الحل هو أن تكون هناك مصالحة وطنية في الجزائر وأن تكون هناك خيار واضح يا أخي ليس زي الموضة يعني إذا جاءت المصالحة فالجميع مصالحة، إذا جاء الاستئصال، الجميع استئصال.
جميل عازر: أستاذ محمد، محمد مصدق يوسفي في لندن شكراً جزيلاً لك.
القضية القبرصية بين الضغوط التركية وطموحات كليريدس
إذا أريد الحكم على القضية القبرصية بمعيار حاله (رؤوف دنكطاش) الصحية فإن قبرص تواجه بالفعل مشكلة قد لا تجد حلاً سهلاً لها، فزعيم القبارصة الأتراك في وضعه الصحي قد لا يكون قادراً على الاشتراك في المحادثات المقررة مع القبارصة اليونانيين الأسبوع القادم بشأن خطة الأمم المتحدة لإعادة توحيد الجزيرة، كما أن دنكطاش صار يواجه ضغوطاً من أنقرة ومن جماعته في شمالي الجزيرة لأنهم لا يريدون أن يفوتهم قطار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي سيركبه نظراؤهم اليونانيون قريباً، وإذ يتطلع الرئيس القبرصي (جلافكوس كلاريدس) إلى ضمان تسجيل اسمه في صفحات التاريخ على أنه الذي قاد قبرص إلى الاتحاد الأوروبي فإنه لا يزال أمام الجزيرة طريق شائك لتسوية مشكلة انقسامها.
![]() |
تقرير/ أسامة راضي: يبدو أن عجلة إحلال السلام بدأت في الدوران في قبرص التي استعصت مشكلتها على الحل 30 عاماً أو تزيد، فالخبراء القانونيون من شطري الجزيرة بدءوا ولأول مرة في بحث الجوانب القانونية داخلياً ودولياً لدولة موحدة وفقاً لخطة الأمم المتحدة التي أمهل الطرفان حتى نهاية فبراير المقبل للاتفاق بشأنها، وتقضي الخطة بإقامة دولة كونفيدرالية على غرار النموذج السويسري بمجلس رئاسي يضم ممثلي الجانبين ويتناوب أعضاؤه على الرئاسة، وتعيد الخطة رسم المناطق الخاضعة للجانبين، وهو ما تتحفظ عليه تركيا إذ ستتقلص مساحة كيان القبارصة الأتراك إلى 28% من مساحة الجزيرة بدلاً من حوالي 40% يسيطرون عليها حالياً، كما تضع الخطة جدولاً زمنياً وعددياً لإعادة توطين عددٍ من القبارصة اليونانيين نزحوا من مناطق سيطرة القبارصة الأتراك.
الخطة ليست جديدة، إلا أن ما عجَّل في تحريكها بشكلٍ رئيسٍ أمران مترابطان، فالشطر اليوناني من الجزيرة على وشك توقيع معاهدة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون الشطر التركي ما لم يتوصل الجانبان إلى اتفاق، كما أن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا وحصولها على ما يمكن وصفه بنصف وعدٍ بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ساهم إلى حدٍ ما في تهدئة الأعصاب في أنقرة ومن ثَمَّ في تهيئة الأجواء للتفاوض الجدي، خطة الأمم المتحدة حظيت بموافقة ثلثي القبارصة الأتراك وفق استطلاعات رأي أجريت هناك ووفق ما بدا خلال مظاهرات حاشدة للقبارصة الأتراك.
وبينما لا يزال الطرفان المباشران للأزمة في مرحلة تفاوض يبدو موقفا الطرفين المحركين لها متقاربين، فأثينا قبلت الخطة كأساس للتفاوض، أما أنقرة ورغم تحفظاتها فقد أعلنت رسمياً أنها ستغير سياساتها تجاه القضية منتقدة طريقة ساستها السابقين الذين طالما هددوا بضم شمالي الجزيرة في حال انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي قبل التسوية.
التغير في سياسة تركيا تجاه قبرص يبدو أنه قد لا يمر بهدوء خاصة بعد دخول جنرالات تركيا على الخط وإعلان مساندتهم لدنكطاش الذي يرفض الصيغة المطروحة لتوحيد الجزيرة، موقف العسكريين في تركيا قد يتم التغلب عليه خاصة بتزايد أصوات القبارصة الأتراك المؤيدين للتسوية والذين يرى بعضهم أن دنكطاش أصبح عقبة تحول دون إعادة توحيد الجزيرة وانضمامها إلى أوروبا، جزيرة قبرص إذن قد تنتظر حدثين سعيدين خلال أشهر هما استفتاءان على الوحدة وعلى الانضمام إلى أوروبا والحدثان أغريا جلافكوس كلاريدس (رئيس قبرص) على ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثالثة لا يطمح منها سوى بستة عشر شهراً تتوج رئاسته وتدخله التاريخ، لكن تلك الانتخابات الرئاسية التي ستجرى الشهر القادم قد تعطل سير المفاوضات لبعض الوقت، كما يمكن أن تأتي نتيجتها بوجهة نظر جديدة في السلام المطروح.
جميل عازر: وبهذا نأتي إلى ختام جولتنا في (الملف الأسبوعي) ونذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني.
وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.