اللويا جيرغا بين حقبتين وموضوعات أخرى
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
تاريخ الحلقة: | 15/06/2002 |
– اللويا جيرغا بين عهد من السلام وحقبة من الاقتتال
– إستراتيجية (بوش) في حل أزمة الشرق الأوسط
– أهداف زيارة (رمسفيلد) للهند وباكستان
– حالة أجاويد الصحية وانعكاسها على الحالة التركية
– مباريات كأس العالم في ظل الصراعات الداخلية للفيفا
![]() |
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، وفيه:
أفغانستان اللوياجيركا وحامد كرزاي بداية عهد جديد من السلام أم حقبة أخرى من الاقتتال التناحر؟
شارون يعود من واشنطن ولا يزال يمسك بخناق عملية السلام بمباركة من بوش، فهل أصبح السلام سراباً مع استمرار الاجتياح الإسرائيلي؟
و(رامسفيلد) في شبه القارة الهندية بعد جولة خليجية، تهدئة للموقف بين الهند وباكستان أم محاولة لتوسيع رقعة الحرب ضد الإرهاب؟
اللويا جيرغا بين عهد من السلام وحقبة من الاقتتال
لابد من اعتبار اجتماع المجلس القبلي الأعلى أو اللوياجيركا في العاصمة الأفغانية أعظم إنجاز على الصعيد الداخلي في تلك الدولة التي مزقتها حرب أهلية وتناحر قبلي، وأهمية الإنجاز لا تعود إلى ما تحقق في الاجتماع بل إلى حقيقة أنه أمكن جمع هذا العدد الكبير من ممثلي القبائل والعرقيات المختلفة وهي على طرفي نقيض في المسرح السياسي الأفغاني، وبغض النظر عن الضغوط والإغراءات التي مارستها القوى الخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة حتى أمكن عقد هذا اللقاء، فإن أمام حامد كرزاي، رئيس الدولة الجديد، من المشاق ما قد لا يبشر بخير لأفغانستان.
![]() |
تقرير/حسن إبراهيم: لم يكن غريباً أن يفوز حامد كرزاي برئاسة أفغانستان، فمنذ أن قاد الحكومة المؤقتة التي أفرزها مؤتمر بون، والعالم الغربي وبخاصة الولايات المتحدة منهمك في تلميع صورته، فقد كان حاضراً يوم ألقى الرئيس بوش خطاب حالة الاتحاد في الكونجرس الأميركي وأضفت عباءة كرزاي عليه مكانة نجوم المجتمع، ورغم الضجة التي أثارتها جماعات الضغط القبلية والسياسية الأفغانية في اللوياجيركا، فقد أدت سياسية الكواليس التي اتبعتها القوى المؤيدة لكرزاي إلى انسحاب منافسيه من التنافس على منصب رئاسة الدولة، دكتور برهان الدين رباني -الرئيس الأسبق- انسحب رغم أن ماضيه ومكانته العلمية وفوق كل ذلك قوميته الطاجيكية تجعله في موقف قوي، أما الملك السابق ظاهر شاه، فقد تنازل لكبر سنه، وللتغيير الذي أصاب ثراتبيية القرار البشتوني بعد سنين طويلة من حكم طالبان، ففاز حامد كرزاي بأغلبية ساحقة، إذ حصل على 1295 صوتاً، بينما حصلت مسعودة جلال على 121 وكانت حصة النيل محفوظ ندائي 89 صورتا، وبالطبع كان ترشح امرأة في اللوياجيركا سابقة تاريخية، رغم أنه لا يعكس أوضاع المرأة الأفغانية التي تمزقها المجاعة والبطالة والأمية والقمع التقليدي، لكن اللافت في المجلس القبلي الأعلى، أن اللجنة التي اختارت أعضاءه كانت معينة من الأمم المتحدة، وهو ما قاد إلى اتهامات شتى بالانتقائية في اختيار ممثلي ووجهاء القبائل، وربما يدرك الرئيس الجديد أن أولى مهامه هي رأب الصدوع بين الأفغان أنفسهم قبل التفكير في إعمار أفغانستان، وقد يكون التغيير في نبرة حديثه عن طالبان مقدمة لذلك، فقد حرص على التمييز بين من أسماهم بالعناصر الطيبة في حركة طالبان والعناصر المخربة، وإذا أراد النجاح في هذا المسعى يتحتم عليه كبح جماح أمراء الحرب الذين استمرؤوا التربح من بنادقهم، وهذه ناحية يزيدها تعقيداً وجود أجنحة متنافرة أصلاً في الحكم مثل كتلة الطاجيك والأوزبك ولا تثق في كرزاي كثيراً لكونه بشتونياً.
أفغانستان في مفترق طرق، ولابد من احترام الخصوصية الأفغانية التي ترفض الأجنبي، وقد يشكل اشتباك حرس أفغانيين مع الجنود الألمان الذين كانوا يحرسون محل انعقاد اللوياجيركا مثالاً على ما يمكن أن تتدهور إليه الأمور إذ لم يحسم وضع القوات الأجنبية في البلاد، يقول المراقبون إن الكرة في ملعب كرزاي، ويبقى عليه تحديد الأهداف كي يبدأ مهمته بشكل يجنب بلاده حرباً جديدة.
جميل عازر: وستظل أفغانستان في موقعها الجغرافي في مفترق طرق للمصالح الاستراتيجية الخارجية التي ظلت منذ قرون تهدد الاستقرار في تلك الدولة، ولاستقراء المستقبل الأفغاني على ضوء التطورات الأخيرة، ينضم إلينا من القاهرة دكتور حسن أحمد أبو طالب (الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، والمتخصص في الشؤون الأفغانية) دكتور حسن، المشاكل التي يتعين على رئيس أي دولة في أفغانستان أن يعالجها مشاكل تعتبر في غاية الصعوبة، هل تعتقد أولاً أن حامد كرزاي هو الرجل المؤهل لخوض هذه المعركة.
د.حسن أحمد أبو طالب: في الحقيقة أعتقد ذلك، لسببين السبب الأولاني إنه هناك ما يمكن أن نسميه حالة من حالات الدعم الكبير الدولي والإقليمي لشخص حامد كرزاي، الشيء الآخر أو العمل الآخر هو يتعلق لمجموعة التوازنات الجديدة التي استقر عليها الوضع الأفغاني خلال الستة أشهر الماضية اللي كان بيرأس فيها حامد كرزاي مهمة الإدارة الانتقالية وفقاً لاتفاق بون، طبعاً هذين السببين بيحتاجا إلى شيء من الدعم الدولي والدعم الإقليمي والدعم الداخلي حتى يمكن لكرزاي أن يواجه يعني قائمة المشاكل الكبيرة للغاية في خلال السنة والنصف القادمة، إن شاء الله، أهم شيء.
جميل عازر [مقاطعاً]: طب في تقديرك دكتور حسن، ما هي المرجعية التي يمكن أن يستند إليها حامد كرزاي في.. في دولة لا وجود للمؤسسات فيها؟
د.حسن أحمد أبو طالب: دا صحيح، هناك مرجعية الآن، هو مرجعية أنه قد انتُخب أو قد اختير من قبل مندوبين القبائل الذين مثلهم اجتماع اللوياجيركا في خلال الأيام الماضية، هذه المرجعية تعد مرجعية شبه مؤسسية وفقا للنمط التقليدي الأفغاني، وهو هذا التقليد يعطي مرجعية كبرى لكرزاي في هذا الجانب، إضافة إلى أن هناك اتفاق (بون) بيحدد هذه الإجراءات لمدة سنتين حتى إتمام مهمة بناء دستور، اللجنة التي سيتم اختيارها من 111 عضو، وأيضاً حتى تنتهي الحكومة التي يقودها حامد كرزاي في خلال الـ18 شهر المقبلة لإعداد البلاد لانتخابات عامة، ناهيك بقى عن التأييد الدولي والإقليمي العام، إذن هناك مرجعتين، مرجعية داخلية، وأيضاً مرجعية اتفاق بون للسلام، هاتين المرجعتين كبيرتين، ولا يمكن التقليل من.. من شأنهما نظراً لغياب فكرة المؤسسية في أفغانستان وفقاً للظروف المحيطة بها الآن.
جميل عازر: طيب ما هي أولويات كرزاي في هذه الظروف؟
د.حسن أحمد أبو طالب: الحقيقة هناك أربع أولويات وأستطيع أقول أنها متداخلة بين بعضها البعض، مهمة تشكيل الحكومة مهمة ليست باليسيرة إطلاقاً، لأنها عليه.. لأنه عليه أن يحيط هذه الحكومة بتأييد قبلي وعرقي وشيء من التوازن الداخلي، عليه أيضاً مهمة الأمن، تأكيد حالة الأمن في البلاد، وهذه المهمة بتتداخل مع قضيتين كبيرتين للغاية، القضية الأولى الوجود الأجنبي الذي حتى هذه اللحظة يبدو أنه محاط بدرجة معينة من الغموض، ما هي مرجعيته؟ ما هي أيضاً تأثيراته في الداخل؟ ما هو دوره؟ هذه أمور بتحتاج إلى توضيح، إضافة إلى الشق الآخر فيما يتعلق بالأمن وهو احتواء التأثيرات السلبية لقادة وأمراء الحرب وقادة الميليشيات المنتشرين في طول البلاد وعرضها، وهذا يتعلق أيضاً بقضية أخرى هي قضية إعادة بناء جيش أفغاني موحد وقوات أمنية موحدة في الداخل. القضية الثالثة وهي قضية إعادة الإعمار، وهذه القضية أكبر من.. يعني من قدرات كرزاي كما هو معلوم، وقدرات الحكومة الأفغانية حتى لو كانت أفضل حكومة يمكن اختيارها في.. وفقاً للظروف العامة، قضية إعادة الإعمار بتحتاج إلى دعم دولي وإلى تدخل دولي وإلى مؤسسات دولية، وإلى خطة إعمار حقيقية، هذه المهمة يعني أتصور أنها تفوق كرزاي وغير كرزاي. المهمة الأخيرة…
جميل عازر [مقاطعاً]: والرابعة؟
حسن أحمد أبو طالب: المهمة الرابعة، وتتوافق.. يعني مهمة عاجلة، أستطيع أن أقول أنها مهمة توفير بعض الخدمات الضرورية لبعض الأماكن التي تعد الأكثر تضرراً، وأيضاً لبعض الفئات التي تعد الأكثر يعني خضوعاً للتأثيرات السلبية وفقاً لميراث الحرب الأهلية.
جميل عازر: نعم.
د.حسن أحمد أبو طالب: هنا المرأة بتبرز، وقضية الأطفال وتعليمهم بتبرز على قمة هذه الأولويات.
جميل عازر: طيب، دكتور.. نعم.
د.حسن أحمد أبو طالب: هذه القضايا الأربعة متداخلة، ويصعب أن يتم.. أن يقوم كرزاي بأي دور إيجابي فيها ما لم يتوافر دعم من الداخل ودعم من الخارج.
إستراتيجية (بوش) في حل أزمة الشرق الأوسط
جميل عازر: دكتور حسن أحمد أبو طالب في القاهرة شكراً جزيلاً لك.
كان للتصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي أثناء وبعد محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أكثر من مدلول، فأن يعلن عن تأييده لسياسة آرييل شارون، بعد أيام قليلة من استماعه لوجهة النظر العربية ممثلة في خطة الرئيس حسني مبارك لإعلان دولة فلسطينية على خلفية المبادرة السعودية أمر يبعث على الاستهجان أكثر من الحيرة، وسنظل -على ما يبدو- في حيرة من موقف الرئيس الأميركي إلى أن يعلن استراتيجية واشنطن ورؤاها للشرق الأوسط على المدى القريب والأبعد.
![]() |
تقرير/سمير خضر: من الواضح أن البيت الأبيض أصبح محجاً للقاصي والداني، فساكنه فرض نفسه سيداً للعالم ولمصيره ومقدراته، ولا يختلف مسؤولو الشرق الأوسط عن غيرهم في ذلك، فقد وضعوا عن قصد أو دون قصد مستقبل المنطقة بأكملها بين يدي (جورج بوش).
الجميع ينتظر ما سيعلنه الرئيس الأميركي أو بالأحرى ما سيقرره من خلال الإعلان عن استراتيجية سياسية أميركية جديدة، والكل يريد أن تتبنى هذه الاستراتيجية رؤيته لسبل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو على الأقل أن تأخذ بالاعتبار همومه وهواجسه الآنية والمستقبلية، ولكن يبدو أن الجميع ينتظر حلاً سحرياً لن يكون كذلك، فبوش لن يتخذ قراره وحد، بل بناء على توصيات من تيارات متجاذبة أحياناً، ومتنافرة في غالب الأحيان.
هناك أولاً: المواقف المتناقضة داخل الإدارة الأميركية، والتي يمثلها وزير الخارجية (كولن باول)، وعلى النقيض منه (ديك تشيني) نائب الرئيس، وزدة الخلاف بينهما هو مسألة الدولة الفلسطينية وسبل التعامل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
فالأول يرى في الدولة السبيل الأمثل لضمان أمن إسرائيل وفي عرفات الزعيم الشرعي المنتخب للفلسطينيين رافضاً بذلك ضغوط شارون بضرورة تنحية عرفات عن منصبه كشرط أساسي للعودة إلى طاولة التفاوض.
أما الثاني فينادي بالتأني قبل الموافقة على إعلان الدولة الفلسطينية ويتبنى رؤية شارون لاتفاقات مرحلية طويلة الأمد، مع ضرورة تحييد الرئيس الفلسطيني، ويتعين الآن على بوش نصرة أحد الفريقين على الآخر أو الخروج برؤية وسط بين الاثنين، ولا أحد يعرف بعد كيف سيتمكن من ذلك، وإلى جانب التناقضات الداخلية هناك الاختلافات الجوهرية بين الفرقاء في المنطقة، والتي تتفاقم مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على المدن الفلسطينية، فالجانب العربي يتبنى بالكامل الموقف الفلسطيني، ويعتبر أنه قد آن الأوان للدخول في عملية أوسلوية جديدة، ولكنها عكسية، فأوسلو تبنت مبدأ الأمن يقود إلى الدولة، وما يريده العرب اليوم هو الدولة تقود حتماً إلى الأمن، الأمن للجميع وليس للإسرائيليين فقط كما يحلم شارون وحكومته اليمينية المتطرفة التي لا تخلو هي أيضاً من التجاذبات بين تيار يدعو إلى إعادة الاحتلال بالكامل ونفى عرفات من الخارج وبين تيار آخر يخشى من أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى زيادة شعبية الرئيس الفلسطيني في الداخل والخارج، وكل ما يجري الآن على الأرض هو محاولات أميركية يائسة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية والضغط باتجاه مزيد من الإصلاحات في السلطة الفلسطينية دون أي جهد مقابل للمطالبة بإصلاحات مشابهة في عقلية حكام إسرائيل.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نتابع هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً:
كأس العالم في اليابان وكوريا الجنوبية مباريات ووراء كواليس الفيفا تناحر واتهامات بالفساد والمحاباة.
[فاصل إعلاني]
أهداف زيارة رمسفيلد للهند وباكستان
جميل عازر: لقد جاء وزير الدفاع الأميركي سريعاً إلى منطقة الخليج وأدلى بتصريحات وهو في الكويت عن موقف واشنطن من العراق، ولم يكن فيها مفاجآت، لأنه قرر ما سمعناه سابقاً مرات ومرات، ولا داعي لترديدها هنا، ثم توجه إلى الهند واتفق مع قادتها على أن فلول القاعدة وطالبان موجودين في أزد كشمير الباكستانية للتسلل إلى الهندية، وعندما وصل إلى إسلام آباد اتفق مع قادتها بأنه لا دليل على وجود تلك الفلول، ومن هنا لابد من التساؤل عما يريده (دونالد رامسفيلد) من ورائه ومن ورائه الإدارة الأميركية.
![]() |
تقرير/حسن إبراهيم: يبدو أن المحللين قد فشلوا في تحديد أطر مفهومة لجولة وزير الدفاع الأميركي (دونالد رامسفيلد)، فلو كان الهدف نزع فتيل الأزمة الباكستانية الهندية وحشد تأييد دولي لضربة أميركية قاسمة ضد العراق لكان ذلك مفهوماً، وقد أدت تصريحات (رامسفيلد) إلى زيادة الهوة بين السياسة الأميركية الجديدة والرأي العام في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، واتهام (رامسفيلد) للعراق بأنه دولة تدعم الإرهاب ليس له مبرر إلا من خلال تعريف الأميركيين وحدهم للإرهاب والإرهابيين، وأصبح إلصاق التهمة بالعراق في نظر الكثيرين -بما فيهم حلفاء واشنطن- أمراً صعباً للغاية، ومحاولة (رامسفيلد) الدبلوماسية على صعيد الصراع الهندي الباكستاني حول كشمير أثارت استهجاناً في إسلام آباد ونيودلهي، فالأزمة بين البلدين كانت في سبيلها إلى بعض الانفراج حتى قبل أن تطأ قدم (رامسفيلد) شبه القارة، وأشاع إعلان رئيس الوزراء الهندي (آتال بيهاري فاشبايي) بأنه يقدر المحاولات الجادة للرئيس (برفيز مشرف) للجم الجماعات الإسلامية المتطرفة، وأنه بذلك يوجه إعادة فتح المجال الجوي الهندي أمام الطيران المدني الباكستاني أشاع كثيراً من الارتياح في البلدين وباقي المنطقة، فما الذي فعله زعيم جناح الصقور في الإدارة الأميركية؟ صرح بأن عناصر من طالبان والقاعدة تستعد للقيام بعمليات ضد الهند وباكستان عبر الخط الفاصل بين جامو وكشمير الهندي وآذاد كشمير الباكستانية، وأنه لذلك سيرسل قوات أميركية لتتعقب هذه العناصر، بالطبع ثار غضب المعارضة الهندية الرافضة لأي وجود أجنبي عسكري على أراضيها، ودافعت الحكومة الهندية عن الصديق الأميركي الذي يشاركها في حملتها ضد الإرهاب الأصولي، أغرب ما حدث كان تراجع (رامسفيلد) في إسلام آباد عن تصريحاته في دلهي بعد كل الضجة التي أثارها بقوله: إنه ليس من المؤكد أن عناصر طالبان والقاعدة موجودة في كشمير، وأن تصريحاته بُنيت على توقعات بعض العاملين في أجهزة الاستخبارات بأن كشمير بسبب موقعها الاستراتيجي تشكل ملاذاً مثالياً لتلك العناصر، بلغة الأرقام لم يفلح (رامسفيلد) في حشد تأييد لضربة ضد العراق، ولم يلعب دوراً أساسياً في نزع فتيل الأزمة بين الهند وباكستان، فلماذا قام بجولته؟ يعتقد المراقبون أن صقور الإدارة الأميركية يريدون إبقاء التوتر على درجة تضمن الوجود العسكري الأميركي وتبقي خيوط الحل في واشنطن.
حالة أجاويد الصحية وانعكاساتها على الحالة التركية
جميل عازر: تسلطت الأضواء في الآونة الأخيرة على (بولنت أجاويد) رئيس الوزراء التركي الذي يمارس مهام منصبه وهو على فراش النقاهة من توعك صحته لأسباب مختلفة، ويمكن اعتبار حالة هذا السياسي التركي المخضرم الصحية انعكاساً للوضع الاقتصادي في جمهورية أصبح للأصبع الأوروبي في شؤونها دور حتى قبل أن يبدأ التفاوض على دخول تركيا إلى منتدى الاتحاد الأوروبي، وبينما تدور مهاترات بين رئيس الوزراء وحزب واحد على الأقل في الائتلاف الحاكم حول تشريعات مطلوبة للإصلاحات الاقتصادية يظل (بولنت أجاويد) وحالته الصحية شغلاً شاغلاً للصحافة المحلية والمهتمين في الشأن التركي على حدٍ سواء.
![]() |
تقرير/جيان اليعقوبي: عطس أجاويد فمرضت تركيا، الأزمة الصحية التي يمر بها باشبكان تركيا، أي رئيس وزرائها أثارت المخاوف داخل الحكومة الائتلافية التي تضم ثلاثة أحزاب، كما أثارت مخاوف أسواق المال من إجراء انتخابات مبكرة تؤثر على برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي قدم بموجبه صندوق النقد الدولي إلى تركيا 16 مليار دولار.
ويعاني (أجاويد) من مجموعة من العلل والأمراض كافية لإعاقة أي شاب عن عمله، فكيف برجل في السابعة والسبعين؟ وتصر زوجته السيدة (راهشان) على القول إن زوجها قادر على إدارة شؤون البلاد حتى وهو على فراش المرض مما أثار انتقادات الكثيرين وعلى رأسهم المتربصون بمنصب رئاسة الحكومة.
ومن حق النخبة التي تسيِّر شؤون البلاد أن تقلق من احتمالات غياب أجاويد عن المشهد السياسي، فهو واحد من أكثر الزعماء الأتراك خبرة في الحياة السياسية منذ دخوله كتائب في البرلمان لأول مرة عام 59، ليعاد انتخابه 19 مرة بعد ذلك، وكان أجاويد قد حُرم من العمل السياسي زمن الانقلابات العسكرية، فاستعان بزوجته لتأسيس حزب اليسار الديمقراطي عام 85 قبل أن يتولى رئاسة الحزب بعد عامين عندما رُفع الحظر عن الزعماء السياسيين.
ويخشى اليسار الآن أن يختفي زعيمه فجأة فيفقد كل شعبية له بسبب تخبط تركيا في أزمتها الاقتصادية، كما يتخوف الكثيرون من رحيله لأن البديل قد يكون (دولت بهجلي) زعيم الحركة الوطنية التي تحتل في البرلمان مقاعد مساوية لتلك التي لحزب اليسار الديمقراطي، غير أن هذا سيثير بالإضافة لاعتراض اليسار مواجهة مع حزب الوطن الأم الشريك التالت الأصغر، بسبب اختلافه العميق مع القوميين بشأن خطط الإصلاح الاقتصادي ومعالجة القضية الكردية، وسط الاستحقاقات التي تنتظر تركيا من دخول الاتحاد الأوروبي إلى مستقبل جزيرة قبرص إلى قرار إعدام أوجلان، وسط كل هذا يرى الأتراك زعيمهم يحكمهم من على فراش المرض، فهل رجعت تركيا إلى حالة الرجل المريض كما حصل قبل مائة سنة أم أنها مقبلة على تغييرات جذرية كما فعلت لمعالجة الحالة المرضية بالانقلاب على الخلافة وتغيير وجهة البلاد 180 درجة؟
مباريات كأس العالم في ظل الصراعات الداخلية للفيفا
جميل عازر: ومن الشغل الشاغل لتركيا إلى الشغل الشاغل للعالم، إذ اعتاد جمهور كرة القدم على مشاهدة مباريات بطولة كأس العالم مرة كل أربع سنوات، وهذه مناسبة تكلف مبالغ طائلة تفوق في حجمها ميزانيات عشرات من الدول، ويقوم على ترتيب هذه المباريات منظمة عالمية تُعرف اختصاراً باسم (الفيفا) يشرف عليها رئيس يمارس صلاحيات تعتبر استبدادية في العديد من النواحي، وإذ تعقد صفقات متنوعة لا يعرف عنها أعضاء الفيفا كان لابد من الإشارة بأصابع الاتهام بالفساد إلى المسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم، ومن هنا أخذ كثيرون يرون أن هذا قد أفقد رياضة كرة القدم جوهرها، وربما تحولت دون رجعة إلى رياضة خاصة من حيث جمهورها ولاعبوها.
![]() |
تقرير/سمير خضر: قد يبدو المنظر مألوفاً للكثيرين، حالة من الهيجان والفوضى مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن، هذا المشهد يدور في موسكو بين رجال الشرطة وجمهور غاضب لخسارة الفريق الروسي في كأس العالم لكرة القدم، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن هذه البطولة لم تعد شأناً رياضاً أو حتى وطنيا، فقد تحولت هذه اللعبة مع الوقت إلى ظاهرة سياسية اقتصادية واجتماعية تهدد بنسف مبدأ الروح الرياضية، حسابات الفوز والهزيمة أصبحت تُدرس اليوم بعناية في أروقة الحكم في شتى أنحاء العالم، وأي هزيمة باتت تعتبر اليوم كارثة قومية.
أما التبعات الاجتماعية فقد أصبحت منهلاً لعلماء النفس لدراسة سلوكيات الإنسان خاصة مع تحولها إلى ظاهرة عنصرية جديدة أخطر بكثير من أطروحات بعض الأحزاب والقيادات السياسية اليمينية والفاشية، ولأن كانت التبعات السياسية الاجتماعية تشكل ظاهرة خطيرة فإن الأخطر يكمن في تحول كرة القدم إلى تجارة رابحة تدر المليارات، فالأندية أصبحت تتسابق لدفع مبالغ خيالية لأفضل اللاعبين، وشتان ما بين الثلاثة ملايين دولار التي كان يتقاضاها جوهرة القرن العشرين (بيليه) وبين السبعة والستين مليوناً التي يتقاضاها (زين الدين زيدان) بعده بعشرين عاماً، ولم يعد من الغريب أن تتسمر أنظار العالم على انتخاب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم أكثر مما تبالي بانتخاب رئيس الولايات المتحدة أو فرنسا.
هذا الموقع يحتله اليوم السويسري (جوزيف بلاتر) الذي أُعيد انتخابه قبل انطلاق بطولة كأس العالم، أعيد انتخابه بالنسبة للبعض، أو اشترى منصبه بالنسبة للبعض الآخر، أو اغتصبه بالقوة بالنسبة للكثيرين، (بلاتر) يهيمن اليوم على إمبراطورية مالية وتجارية تقدر موازنتها بأكثر من عشرين مليار دولار، أما أصولها المالية والعقارية فتتجاوز هذا المبلغ بعشرات المرات.
ويخشى كثيرون أن تتحول اللعبة الأكثر شعبية في العالم تحت سلطة (بلاتر) إلى إحدى رياضات النخبة مثل الجولف والفروسية، وهم يدللون على ذلك بمنع بث المباريات بدون دفع مبالغ باهظة لا يقدر عليها إلا أصحاب الدخل العالي، فالجميع يعرف اليوم أنه لا يستطيع أن يتابع مباريات البطولة على شاشات التلفاز إلا بعد دفع مبلغ معين هو أو دولته نيابة عنه.
جميل عازر: بهذا نختتم الجولة في (الملف الأسبوعي) ونذكر حضراتكم أن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت.
وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.