
العنف الإسرائيلي وجولة كاسترو
مقدم الحلقة | جميل عازر |
تاريخ الحلقة | 19/05/2001 |
– تطور العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين
– جامعة الدول العربية وعهد جديد
– جولة كاسترو في منطقة الشرق الأوسط
– أزمة الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية
– الخطة المقدونية لقمع المتمردين الألبان والتأجيل الأوروبي
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى هذا العدد الجديد من (الملف الأسبوعي) وفيه: إسرائيل ترد على حماس بطائرات وصواريخ وتقرير (ميتشيل) في مهب الريح.
جامعة الدول العربية، أمين عام جديد فهل تبدأ عهد الإصلاح والتغلب على ذات البين؟
وأزمة الطاقة في الولايات المتحدة هل هي مُفتعلة لمصلحة عمالقة النفط الأميركيين أم حقيقية ذات أبعاد ومضاعفات؟
تطور العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين
من الأعيرة المطاطية إلى الرصاص ثم الصواريخ الموجهة بالليزر والطائرات الحربية، ومن الحجارة إلى الرشاشات والهجمات الاستشهادية، لا يمكن إلا أن تكون الحرب بعينها، فهذا هو حال المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ اندلاع انتفاضة الأقصى قبل حوالي ثمانية أشهر، والتصعيد في الموقف ترافق أصلاً مع تصاعد نجم أرييل شارون في نظر المواطن الإسرائيلي الذي لابد وقد خدعه الجنرال السابق بالتعهد الذي قطعه على نفسه لإخماد الانتفاضة، وتوفير الأمن، فنجح بدلاً من ذلك في تأجيج الانتفاضة وجَعْل مزيد من مواطنيه أهدافاً للغضب الفلسطيني، ولا نصر في الموقف كما يرتأيه شارون إلا للجانب الأطول نفساً في معركة المصير.
تقرير/ حسن إبراهيم: عملية (نتانيا) تفرز نقلة نوعية في العنف الإسرائيلي الموجه ضد الفلسطينيين، ودخول الطائرات ثابتة الأجنحة المعركة لأول مرة منذ بداية الانتفاضة، و(نتانيا) التي تكررت فيها العمليات الفلسطينية لم تشهد مثيلاً لعملية يوم الجمعة التي قُتل فيها بالإضافة إلى منفذها سبعة من الإسرائيليين، وأطلق الفلسطينيون النار على سيارة إسرائيلية غربي رام الله فقتلوا مستوطناً وهو ضابط في الجيش الإسرائيلي، وجرحوا مستوطنة، ردت إسرائيل بقصف نابلس بواسطة طائرات F.16 الأمر الذي أدى إلى مقتل ستة من الفلسطينيين وسابع في رام الله وجرح عشرات آخرين.
التصعيد الأخير قد يُضعف منطق تقرير لجنة (ميتشيل) الذي يرى أنه لا حاجة لإرسال قوة حماية دولية للفلسطينيين رغم إقراره بأن إسرائيل تفرط في استخدام العنف، ويضمر التقرير الذي يساوي بين العنف الفلسطيني والعنف الإسرائيلي يهمل الفارق الضخم في الإمكانيات العسكرية والبشرية بين الجانبين، ويتناسى أن العنف الفلسطيني هو من قبيل مقاومة قوات الاحتلال وهو مشروع حسب القانون الدولي، ويدعو التقرير إلى إيقاف التوسع في الاستيطان بكل أشكاله والعودة إلى مائدة المفاوضات من حيث انتهت في عهد (إيهود باراك) لكن ديناميكية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ومنذ قيام دولة إسرائيل في الخامس عشر من مايو/ آيار عام 48 وحتى يومنا هذا تثبت أن المقاومة هي ما يجذب الإسرائيليين نحو طاولة المفاوضات.
الرد الفلسطيني على التفوق العسكري الإسرائيلي هو سلاح الرعب، وهو الهاجس الأول لدى دولة إسرائيل، التي تأسست لمنح اليهود ملاذاً آمناً ووطناً بعد الاضطهاد الأوروبي التاريخي لهم، وكما قال عبد العزيز الرنتيسي، القيادي في حركة حماس، فإن قذائف الهاون قد لا تكون بفاعلية الصواريخ الإسرائيلية لكنها تجبر معظم المستوطنين على النوم في المخابئ، وهذا يزيد من إحساس الإسرائيليين بفشل سياسات شارون، وفلسفة شارون العسكرية تقوم على استهداف المدنيين حتى يصيبهم الرعب ليرتدعوا، ما أغفله شارون هو أن الاستخدام المفرط للقوة يُفقد إسرائيل تعاطف أصدقائها قبل أعدائها، وهنا تتجلى مدى الخسارة الإسرائيلية بسبب نأي إدارة بوش بنفسها عن التدخل النشط في الصراع، ولا يساعد موقف إسرائيل أوروبياً إصرارها على السماح للمستوطنات بالنمو الطبيعي.
تسود الحيرة والإحباط صفوف الفلسطينيين بسبب غياب الرد العربي الحاسم على المستويين الشعبي والرسمي، فمظاهرة يوم النكبة في القاهرة كبرى العواصم العربية لم تتعد بضع مئات من ناشطي الأحزاب السياسية والنقابات المهنية وبالطبع حاصرتها قوات الأمن المركزي المصري خوفاً من التحام الجماهير معها، وقبلها قمع الأردن مظاهرة في ذكرى الانتفاضة، أما العواصم العربية الأخرى فقد خلت من أي مظهر من مظاهر الاحتجاج أو التعاضد مع الفلسطينيين، إذن فما هي حدود المتاح أمام القيادة أمام السلطة الفلسطينية؟ رئيس السلطة الوطنية عرفات مازال يتجول بين العواصم العربية، يأمل في إجراء عربي حازم ويناشد مجلس الأمن توفير حماية للشعب الفلسطيني، ولكن ما من مجيب!! ويظل شارون يتعامل مع الوضع من كافة جوانبه ببطش وبلا هوادة، غير أن المستقبل بكل تأكيد سيظل لصالح الأطول نفساً في هذه اللعبة.
جامعة الدول العربية وعهد جديد
جميل عازر: أما وقد أصبح لجامعة الدول العربية أمين عام جديد، فإن في ذلك ما يبعث على التفاؤل والتساؤل: وماذا بعد؟ فرئيس الدبلوماسية المصرية السابق عمرو موسى معروف بميوله العربية القومية، وكما يدرك كل مراقب لشأن الجامعة العربية، فإنها في حالة تتطلب بل تستجدي الإصلاح على مختلف الأصعدة، وفي جميع الأجهزة، وإذا كان ترشيح عمرو موسى أصلاً محاولة من الرئيس المصري للحيلولة دون حدوث انقسام عربي حول الشخصية التي تخلف عصمت عبد المجيد، فإن الأمين العام الجديد مؤهل شخصياً وخبرة لرأب الصدوع التي تعتري الصف العربي.
تقرير/ سمير خضر: هل هو فعلاً عهد جديد أم استمرار لواقع مرير قائم منذ 56 عاماً هو عمر هذه المؤسسة، الجامعة العربية؟! فمنذ تأسيسها عام 45 كانت البوتقة التي تنصهر فيها الخلافات العربية-العربية، وكانت المكان المُفضل للتنفيس عن الخلافات والانقسامات وأحياناً الأحقاد بين من يُطلقون عليهم اسم زعماء الأمة.
بيت العرب-كما يحلو البعض أن يسميه- كان بيتاً للشقاق والنفاق حاول بعض القائمين عليه تغيير حاله ليكتشفوا أنهم مجردون من كافة الصلاحيات، فكل من شغل منصب الأمين العام شعر في يوم ما أنه ليس سوى موظف من الدرجة العاشرة لدى اثنين وعشرين مديراً يشكلون زعامات العالم العربي، لم يكن الأمر بمُستغرب، فهكذا أُريد لهذا الجامعة أن تكون، إلا أنه ومنذ سنوات قليلة بدأت تتعالى النداءات الداعية إلى تغيير هذا الحال، ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟
كانت الخطوة الأولى صغيرة ولكنها مليئة بالمعاني، إقراراً مبدأ القمة الدورية، فالتواصل أفضل من التجافي، والتنفيس عن مكنون النفس أفضل من كبته وتركه عرضة للانفجار، وفي قمة عمان اختار زعماء الأمة عمرو موسى ليخلف عصمت عبد المجيد في منصب الأمين العام للجامعة العربية، وفجأة تغيرت نظرة الشارع العربي لهذه الجامعة، وبدأ الأمل يدب من جديد أو بالأحرى لأول مرة في النفوس، فقد عرف العرب عمرو موسى منذ عقد من الزمان سياسياً ودبلوماسياً عربياً، لا يشك أحد في إخلاصه لقضايا أمته وفي قدرته على الدفاع عنها، لكن هذه الخُصْلة نتسحب أيضاً على كل من سبقه في هذا المنصب، فما الذي يميزه إذن عن غيره؟
من الواضح أن صراحة عمرو موسى ومواقفه المعلنة شكلت رأياً عاماً عربياً لعب في صالحه، فرغم أنه لم يكن في السابق سوى وزير خارجية مصر ومهندساً لدبلوماسيتها، فقد كانت له مواقف خاصة به، كان يعبر عنها بين الفينة والأخرى، خاصة تجاه القضيتين العربيتين الرئيسيتين: فلسطين والعراق، وكان أحياناً يخرج عن إطار مهمته كوزير للخارجية ليعبر عن مواقف شخصية صريحة غالباً ما كانت تزعج قادة إسرائيل وتثير أحياناً تساؤلات في دوائر صنع القرار الغربية، وعلى رأسها واشنطن، فهل يعني هذا أن الجامعة العربية تحت قيادة عمرو موسى ستتغير؟!
من الصعب تغيير مؤسسة تعمل منذ أكثر من نصف قرن على أسس غير سليمة، ولا يوجد عاقل يتوقع ثورة داخل بيت العرب، لكن ما يعني الشارع العربي اليوم ليس تغيير واقع بقدر ما هو التعبير علناً وصراحة عن رفض هذا الوقع أي تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية وعدم التواري وراء ستار من الدبلوماسية المهذبة التي شبعت منها الشعوب العربية، وربما كانت التحدي الرئيسي والوحيد أمام الزعيم الجديد لبيت العرب هو المحافظة على الأسلوب الذي عرف به، والأيام القادمة كفيلة بإظهار ذلك.
جولة كاسترو في منطقة الشرق الأوسط
جميل عازر: عدو عدوي صديقي، هذا ما يبدو أنه القاسم المشترك بين الزعيم الكوبي (فيدل كاسترو) وقادة عدد من الدول التي زارها في جولته الأخيرة، ففي إيران وماليزيا وسوريا وليبيا كان الدكتور كاسترو يتعامل مع أنظمة حكم لا تُضمر حباً لواشنطن، فهي إما تخضع لعقوبات أميركية أو أنها مدرجة على قائمة الدول المتهمة أميركياً برعاية الإرهاب، ولكن القاسم المشترك الأعظم بين جميع الدول التي زارها الزعيم الكوبي، ومن بينها قطر والجزائر هو أنها دول منتجة للطاقة.
تقرير/ خالد القضاة: جولة الرئيس الكوبي خارج أميركا اللاتينية تُعتبر رحلة دبلوماسية نادرة يقوم بها كاسترو في العقدين الأخيرين، فقد شملت دول تربطها بهافانا علاقات قديمة قدم الثورة الكوبية وفي مقدمتها الجزائر، ورغم أن الهدف المعلن لزيارة كاسترو إلى الجزائر هو تعزيز التبادل التجاري، فإن الروابط بين البلدين تعود إلى أيام أن كانا حليفين لعملاق واحد هو الاتحاد السوفيتي، ومنذ أن كان عضوين بارزين في حركة عدم الانحياز؟
أما إيران فقد أعلن الرئيس الكوبي صراحة أنه يزورها ليس لأغراض تجارية، وإنما لأهداف سياسية ترمي –حسب ما قال- إلى التصدي للإمبريالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة، ورغم التناقض الكبير بين النظام الشيوعي في كوبا والنظام الإسلامي في إيران، فإن البلدين يلتقيان في نقطة مهمة هي العداوة لواشنطن التي تفرض عقوبات اقتصادية، وتمارس ضغوطاً سياسية على كل من هافانا وطهران.
المحطة الثالثة لكاسترو كانت ماليزيا وقد وصفها بأنها زيارة لتعزيز الاستثمار والعلاقات الثنائية في مجالات التجارة والعلوم والتكنولوجيا، وأشاد بما وصفها روح التحدي التي تتحلى بها ماليزيا تجاه واشنطن، وقد جاءت الزيارة رداً على زيارة قام بها إلى كوبا في العام الماضي رئيس الوزراء الماليزي، الذي كان يسير على خطا كاسترو في انتقاد ما يصفانها بالهيمنة على العالم.
وفي قطر حل الرئيس الكوبي ضيفاً في زيارة جاءت رداً على الزيارة التي قام بها أمير قطر إلى هافانا في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وكانت تلك أو زيارة رسمية يقوم بها زعيم خليجي إلى كوبا، وعلاقات قطر وكوبا حديثة العهد ولم تبدأ بشكل كامل إلا في نهاية الثمانينات، وقد ركزت زيارة كاسترو على إنعاش وتعزيز التعاون بين الدوحة وهافانا، خاصة بالنظر إلى علاقات قطر الوثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية.
ثم إلى سوريا التي يزورها كاسترو لأول مرة أيضاً رغم أن علاقاته بدمشق كانت ولا تزال قوية، ووُصفت الزيارة بأنها مهمة جداً لسوريا لما تحمله من دعم سياسي ومعنوي للموقف السوري إزاء إسرائيل حليفة واشنطن، ولم يُعلن عن الزيارة في وقت سابق لأسباب قيل أنها تتعلق باعتبارات أمنية، ويكمن القاسم المشترك بين كوبا وسوريا في تصنيفهما لدى الأميركيين بأنهما دولتان ترعيان الإرهاب.
وانتهت جولة كاسترو في المنطقة بزيارة ليبيا ويرتبط البلدان بعلاقات وثيقة انطلاقاً من النظام الاشتراكي الذي يجمعهما رغم اختلاف المسميات والعدو المشترك المتمثل لهما في الولايات المتحدة، وكان البلدان أيضاً من الحلفاء البارزين لما كان يُسمى الاتحاد السوفيتي، وقد وصف الرئيس الكوبي زيارته إلى طرابلس بأنها زيارة إلى صديق قديم، وأن الثورتين الليبية والكوبية كان لهما أهداف متشابهة، وليس إذن من غريب الصدف أن يتحدث كاسترو في كل مراحل جولته الماراثونية بالانتقاد والتقريع للسياسات الأميركية.
[فاصل إعلاني]
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في الملف الأسبوعي، وفيه أيضاً مقدونيا خطة عسكرية لإخراج المتمردين الألبان من القرى الشمالية والأوروبيون يضغطون لتأجيلها.
أزمة الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية
ربما يكون الاكتفاء الذاتي هدفاً ترنو إليه كل الدول والأنظمة، ولكنه في مجال النفط يصبح صعب المنال وهذا ما اعترف به الرئيس الأميركي وهو يتحدث عن خطته للتغلب على أزمة الطاقة التي تعاني منها الولايات المتحدة، ولعل في إشارة (جورج بوش) إلى أن النقص في الإمدادات هو أخطر مما كان في عام 73 عندما فرضت الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية حظراً نفطياً على الغرب لمساندته إسرائيل في حرب ذلك العام دليلا على أن الطاقة والسياسة موضوعان مترابطان.
ومن هنا قد تجد واشنطن نفسها مضطرة إلى التعامل نفطياً –على الأقل- مع نظم قد لا تستسيغها كإيران والعراق.
تقرير/ حسن إبراهيم: أن ينقطع التيار الكهربي في إحدى مدن العالم الثالث أمر اعتيادي للغاية، لكن أن تعيش مدن مثل: لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وغيرها من المدن الأميركية الكبيرة ظلاماً دامساً فهذا ما لم يكن يتصوره أحد، أو ليس استهلاك الكهرباء والقدرة على توفيرها من علامات التطور؟! مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة تمر في أسوأ أزمة طاقة في تاريخها، فهي تضاهي حتى تلك التي نجمت عن حظر الدول العربية لتصدير النفط إلى الغرب إبان حرب 73، ففي تلك الفترة لم تكن الأزمات وليدة نقص حقيقي بل لأسباب سياسية، أما الآن: فهناك نقص فعلي في كل مستويات التوليد الكهربائي. هناك أولاً: عجز في إنتاج ما يكفي من النفط وهو ما سيدعو الولايات المتحدة إلى زيادة معدلات استيرادها للنفط من الخارج، وحتى لو توفر النفط الخام، فإن القدرة الإنتاجية لمصاف النفط تعجز عن تكرير كميات كافية، وأسوأ من كل هذا أنه حتى لو توافر النفط الخام فإن هناك نقصاً مريعاً في صيانة محطات توليد الكهرباء وارتفاع تكلفة بناء محطات جديدة.
ومن المفارقات أن إدارة الرئيس جورج بوش تضم أفراداً كانوا مديرين نافذين في كبريات شركات النفط، وعلى رأسهم بوش نفسه ونائبه، ودعا الرئيس بوش إلى فتح المجال للتنقيب عن النفط في ألاسكا، وفي سواحل المحيط الهادي، وحتى في المحميات الطبيعية، وهو ما أشاع جواً من التشاؤم في أوساط المدافعين عن البيئة، وكان الرئيس السابق بيل كلينتون قد أعلن تلك المناطق محميات يُحظر فيها التنقيب عن النفط أو الغاز الطبيعي خوفاً من التلوث البيئي، لكن البيئة ليست من أولويات هذه الإدارة التي تريد التنصُّل من برتوكول (كيوتو) وترفض قبول أن الولايات المتحدة تعتبر أكبر ملوث للبيئة عالمياً، فهي لا ترى في ثاني أكسيد الكربون عنصراً مهماً في ظاهرة الانحباس الحراري.
فالرئيس بوش الذي كان حاكماً لولاية تكساس قلب صناعة النفط الأميركية يرفض مبدأ أن يتقشف الأميركيين في استهلاك الوقود أو الكهربا، وقال: إن إدارته لن تتدخل لتغيير نمط الحياة في الولايات المتحدة، فهو يعتقد أن التوسع في إنتاج النفط وتكريره، وزيادة الاعتماد على الطاقة النووية هو السبيل لمعالجة مسألة الطاقة على المدى البعيد، ولا تزال هناك معارضة لبناء محطة طاقة نووية جديدة نظراً لمشكلة التخلص من النفايات النووية، التي لما يتوصل العالم بعد إلى طريقة آمنة لتخزينها أو طرق معالجتها.
جميل عازر: وقد تحدثت إلى البروفيسور علي الصايغ من مؤتمر الطاقة المتجددة في لندن، وسألته أولاً: هل هناك بالفعل أزمة طاقة في أميركا؟
علي الصايغ: في الواقع هنالك أزمة مفتعلة، الأزمة المفتعلة هي كالتالي: أن كاليفورنيا.. مقاطعة كاليفورنيا بالذات من سنين عديدة، مو هذه أول سنة، لأنها أغنى مقاطعة موجودة في أميركا من ناحية أولاً: الأفلام العالمية، من ناحية رؤساء الأموال الكبار يسكنون فيها، ولذلك هي استقطبت معظم المياه من جميع المقاطعات أو الدويلات المحيطة بكاليفورنيا هذا أول شيء، هذا أن الماء هو عبارة عن طاقة هادئة أصبحت تستمد من مقاطعات جانبية لها، ثانياً: الكهرباء نفس الشيء تستهلك من الكهرباء أضخم بكثير من أي مقاطعة في أميركا، فأصبحت تحتاج أن تأخذ كهرباء من المقاطعات المجاورة فالمقاطعات المجاورة رفضت بهذا السبب لأنه لماذا أن كاليفورنيا يعني تغذى من قبلهم، فأصبحت العملية هي عملية مفتعلة، في حين أن الطاقة متوفرة، يعني أميركا تقدر أن تستفيد من الطاقة من كندا، تقدر تستفيد من الطاقة من المكسيك، تقدر تستفيد من الطاقة من الدول الأخرى لكنه أبت أن تعمل هذا الشيء فـ..
جميل عازر ]مقاطعاً:[ طيب، ما هي.. ما هي تداعياتها السياسية المتوقعة على المسرح الخارجي، بمعنى –مثلاً- هل ستؤدي وتدفع واشنطن إلى إعادة النظر -مثلاً- في تعاملها مع دول مثل إيران والعراق؟
علي الصايغ: أنا في رأيي أن الرأي العام الأميركي وخاصة الحكومة الحالية يعني تحاول أن تعتمد على نفسها بدون هذه الدول، يعني بدون اعتمادها.. يعني بدون اعتمادها على الشرق الأوسط لأن –الواقع- الرأي الأميركي أو –بالذات- الحكومة الحالية أنه تحاول أن تقول: أن أميركا هي كل شيء.
جميل عازر: بالنسبة للخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي ودعوته –مثلاً- إلى الاعتماد على النفس، إلى فتح المحميات البيئية للتنقيب عن النفط والغاز، وكذلك إلى تطوير الاعتماد على الطاقة النووية، هل تعتقد هذه الخطة يمكن تنفيذها من الناحية العملية دون صعوبات؟
علي الصايغ: في الواقع هذا شيء أقدر أقول مستحيل، لأن الرأي العام العالمي أن الرئيس الحالي بالكثير يطول أربع سنوات، لأن الخطة حتى لو بدأت من الآن تستغرق على الأقل بين خمس سنوات إلى عشر سنوات لبناء Infrastructure الحالي لبناء..
جميل عازر: البنية التحتية.
علي الصايغ: لبناء Nuclear capability وبناء المواد الأخرى اللي كان يعني يصبو لها، فأنا في رأيي هي عبارة عن شيء مؤقتي، لكن يطمن رؤساء الأموال، والناس الذين ساهموا في إمداده بالمال للانتخاب أنه هو حاول أن يخدمهم.
جميل عازر: طيب، أستاذ علي الصايغ. هل تعتقد أن الولايات المتحدة بدأت من هذه النقطة تتقوقع على نفسها؟
علي الصايغ: بالضبط، لأنه لو نظرنا مثلاً للخمس سنوات الماضية أميركا فيها أكبر مركز للبحوث الطاقية خاصة لبدايل الطاقة، فيها أكبر مراكز ومؤسسات للحفاظ على البيئة، فيها أنظمة كثيرة أُنشئت وأموال وضعت على الجنب للإنفاق على الحفاظ على البيئة والمساهمة في المشاريع الدولية والعالمية، هذه كلها وُضعت على الجنب أو أوقفت خلال هذه الفترة، فهذا طبعاً راح يحصل مدى وصدى كبير ليس عالمياً فقط وإنما في داخل أميركا.
الخطة المقدونية لقمع المتمردين الألبان والتأجيل الأوروبي
جميل عازر: ربما كان من تبعات تشكيل حكومة ائتلافية عريضة القاعدة في مقدونيا أن قويت النبرة التي بدأت السلطات في تلك الجمهورية البلقانية تتحدث بها إلى المتمردين الألبان ولكن الرئيس المقدوني علم قبل غيره أن الدعم الأوروبي ومن حلف الناتو بوجه خاص مطلوب إذا كان لسياسة التهديد والوعيد أن تنجح قبل الإقدام على تحرك عسكري شامل لطرد المسلمين من شمالي مقدونيا، وهذا ما يُقلق مسؤولي الحلف الأطلسي الذين يرون أن نجاح لغة البندقية في مقدونيا سيكون نذير شؤم للمناطق المجاورة.
تقرير/ سمير خضر: لم يجرؤ أحد بعد على وضع إصبعه على جوهر القضية، جوهر المشكلة المقدونية، إذ لا يزال هناك طرفان لم يتفقا بعد على معادلة الاستقرار على تعريف واحد واضح لما ينبغي أن يكون، فهناك أولاً وأخيراً الحكومة المقدونية التي تسيطر عليها منذ استقلال البلاد الأغلبية السلافية، حكومة لعبت منذ البداية ورقة التقارب مع الغرب وخاصة إبان أزمة كوسوفو إذ منحت قوات حلف الأطلسي كل التسهيلات اللازمة لشن الحرب ضد نظام (ميلوسوفيتش) في بلجراد، كما لعبت بذكاء ورقة الديمقراطية والاستقرار في منطقة لا تعرف الاستقرار، وسمحت بوجود معارضة منظمة وفاعلة وإن كانت هذه المعارضة غير قادرة على تغيير قواعد اللعبة لكونها أصلاً معارضة ألبانية، أي تنتمي إلى الأقلية العرقية التي لا أمل لها بالسيطرة على مقاليد الحكم في سكوبيا.
كان هناك إذن استقرار ظاهري شكلي في هذه الجمهورية اليوغسلافية السابقة، لكن تدخل الغرب لصالح الألبان في كوسوفو قلب موازين اللعبة الداخلية، وأعطى الألبان الانطباع بأن قضيتهم أصبحت مسموعة في دوائر صنع القرار الغربي، صحيح أن ألبان مقدونيا يتمتعون بمزايا لا يحظون بها في أماكن أخرى في البلقان، لكن ذلك لا يمنع أن يكون لهم مطالب أخرى عمدت معظم الحكومات المتعاقبة في اسكوبيا إلى تجاهلها، لذا لم يكن ما المستغرب أن تعمد بعض الفئات الألبانية إلى حمل السلاح ضد الحكومة المركزية وتحاول تحقيق ما تحقق أو لم يتحقق في كوسوفو، لكن الغرب وذراعه المسلح حلف شمال الأطلسي وقف في وجههم، إذ لا أحد يرغب في عودة التوتر وعدم الاستقرار إلى البلقان، ولا أحد يرغب في تحمل مسؤولية قوافل جديد للاجئين تجوب طرقات الجنوب الأوروبي.
ولم يكن من المُستغرب أيضاً أن يقف الغرب وقفة رجل واحد إلى جانب سكوبيا وأن يمارس في الوقت نفسه ضغوطاً بشأن إعطاء دور أكبر للأقلية الألبانية في إدارة شؤون البلاد، فتشكلت إذن حكومة وحدة وطنية لا عن قناعة، بل بضغط من (سولانا) و (روبرستون)، على أمل عزل المتمردين عن قواعدهم الجماهيرية، لكن القرى الحدودية التي تمركزوا فيها المقاتلون لا تخفي تعاطفها مع حملة السلاح الذين يحصلون من السكان المحليين على المال والغذاء والكساء، وأحياناً التعاون في رصد تحركات القوات المقدونية، سكوبيا تعترف بهذا الواقع لكنها تفسره على أنه وضع يجد فيه السكان الألبان أنفسهم رهائن ودروعاً بشرية لمجموعة من الإرهابيين، فأين هي الحقيقة إذن؟!
أغلب الظن أنها ما بين هذا وذاك، وأغلب الظن أن منطقة البلقان ستبقى عرضة لعدم الاستقرار بسبب غياب الرؤية والمشروع السياسي إذ إن مشروع إعادة تشكيل منطقة البلقان فشل منذ اليوم الأول لتفكك الاتحاد اليوغسلافي.
جميل عازر: وبهذا نأتي إلى ختام جولتنا في (الملف الأسبوعي)، ونشير إلى أن بإمكانكم الوصول إلى مضمون كل حلقة من حلقات هذا البرنامج بالصوت والصورة والنص عبر موقع الجزيرة نت في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.