الملف الأسبوعي

الرئيس الفنزويلي، تجارة السلاح، مجاعات إثيوبيا، حقوق الإنسان

تداعيات الصراع بين مؤيدي الرئيس الفنزويلي ومناوئيه، مدلولات تجارة السلاح الدولية في ظل صفقة الصواريخ الكورية لليمن، تكرار المجاعات في إثيوبيا وأسباب التقصير في مواجهتها، أهمية قمة الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن، حقوق الإنسان.. انتكاسة كبيرة والذرائع كثيرة وإمكانية تحقيق تقدم.

مقدم الحلقة:

جميل عازر

تاريخ الحلقة:

14/12/2002

– تداعيات الصراع بين مؤيدي الرئيس الفنزويلي ومناوئيه
– مدلولات تجارة السلاح الدولية في ظل صفقة الصواريخ الكورية لليمن

– تكرار المجاعات في إثيوبيا وأسباب التقصير في مواجهتها

– أهمية قمة الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن

– حقوق الإنسان.. انتكاسة كبيرة والذرائع كثيرة وإمكانية تحقيق تقدم


undefinedجميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه:

فنزويلا صراع بين مؤيدي الرئيس (تشافيز) والمطالبين باستقالته في إضراب زاد الهوة بين الفقراء والأغنياء.

اليمن وصفقة صواريخ سكود الكورية الشمالية.. حق في التسلح للدفاع، ولكن ما هو الثمن؟

وإثيوبيا ملايين يواجهون خطر الموت جوعاً، ولكن ليس للمرة الأولى، فما هي الأسباب؟


تداعيات الصراع بين مؤيدي الرئيس الفنزويلي ومناوئيه

يتزايد الضغط على الرئيس الفنزويلي (هوجو تشافيز) للاستقالة من منصب خسره قبل بضعة شهور في انقلاب عسكري ثم استعاده بعد تدخل منظمة الدول الأميركية، والإضراب الذي يقوده مديرو الشركات وزعماء النقابات منذ الثاني من هذا الشهر تسبب في زيادة الشرخ بين مؤيدي الرئيس تشافيز ومعظمهم من سكان المناطق والأحياء الفقيرة ومديري المصالح التجارية وزعماء النقابات الذين يمثلون الطبقة الوسطى، ويمكن القول: إن الرئيس الفنزويلي شخصية مثيرة للنقاش والجدل بسبب ما ينتهجه من سياسات يرى فيها الكثيرون عودة إلى النظم الاشتراكية في فترة الحرب الباردة.

undefined

تقرير/ حسن إبراهيم: يبدو أن القوة التي تريد الإطاحة بهوجو تشافيز لا تقرأ التاريخ جيداً، أو أنها حصلت على ضمانات من داعميها الخارجيين بأن أخطاء تشيلي لن تتكرر مرة أخرى، فمظاهرات (كراكاس) وإضراب عمال النفط الذي أوقف صادرات البلاد من النفط وهو العماد الرئيسُ للاقتصاد تذكر بما حدث لـ(سلفادور أيندي) في تشيلي عام 73، فحينها توقفت الطبقة الوسطى عن العمل، وأخفى التجار البضائع، وأضرب عمال الشركات الرئيسة في البلاد، وخرج رجال ونساء وأطفال من أبناء الطبقة الوسطى يتظاهرون ضد الحزب الاشتراكي، وأكمل الجيش السيناريو الذي رسمته بعناية فائقة قيادة الجيش التشيلي وأصحاب الشركات الكبرى وبدعم واشنطن، أما في كراكاس القرن الحادي والعشرين فقد تمكن تشافيز من العودة إلى كرسي الرئاسة بعد انقلاب العسكر عليه في أبريل/ نيسان الماضي، وأظهر من التسامح قدراً غير مألوف في قارة اعتادت على إهدار دماء الخصوم، فلم يحاكم العسكر الذين انقلبوا على الشرعية الدستورية رغم أن الجماهير ناشدته عكس ذلك، الجماهير العريضة تؤيد تشافيز هذا لا شك فيه، فالرجل يدافع عن الطبقات المسحوقة، مثله الأعلى في ذلك الرئيس الكوبي (فيدال كاسترو)، ومن هنا فإن محاولة تشافيز لتطبيق إصلاحات تعتبر اشتراكية تثير مخاوف لدى الولايات المتحدة وطبقة رجال الأعمال المرتبطة بها، ولعل الإدارة الأميركية، التي أيدت الانقلاب الأول على تشافيز، تريد الآن الانتقام من الرجل الذي تجرأ على تحديها، وكان من كبار المؤيدين لسياسة خفض إنتاج النفط في أوبك لرفع الأسعار، كما أن تشافيز تخطى كل الخطوط الحمراء عندما زار بغداد و التقى بالرئيس العراقي صدام حسين، فالرئيس الفنزويلي ينتهج خطاً غير متناغم مع بيئة ما بعد الحرب الباردة والنزعة الاشتراكية التي تبدو واضحة في سياساته تغذيها استقلالية لا تبعث على ارتياح مصالح الدول الكبرى، فما الذي تريده المعارضة الفنزويلية؟ انتخابات مبكرة كما تقول؟! ولكن لماذا تعمل على إقصاء رئيس منتخب؟ وكيف يمكن إقناع فقراء فنزويلا بالتخلي عن رئيس يمثل أحلامهم ويوزع عليهم الأراضي الزراعية.

إعلان

فخطورة النزاع الحالي تمكن ليس في كونه صراعاً بين المعارضة والرئيس، بل بين طبقتين من السكان واحدة أقلية تحاول الإبقاء على الوضع الراهن بما فيه من غبن، وأخرى أكثرية تحاول الحصول على أسباب العيش الكريم، فهو نزاع قديم متجدد في بيئة لم تعد تؤمن بالقيم الاشتراكية، بل تحاول التأقلم مع قيم منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، وفنزويلا التي تعتبر خامس أكبر مصدر للنفط في العالم تكبدت خسارة 50 مليون دولار بسبب الإضراب الذي يؤيده مديرو شركات النفط الذين يهددون العمال بالتشريد إن هم لم يتوقفوا عن العمل، كما يستخدم المعارضون أساليب الإكراه لحمل صغار التجار على إغلاق محلاتهم التجارية، وفي ظل هذه الظروف ستظل فنزويلا على شفا حرب قد لا يتمكن تشافيز والملايين من مؤيديه أن يتفادوا خوضها، ولكن التحدي الأكبر هو ألا تتكرر مذابح (ساندياجو) في كراكاس.


مدلولات تجارة السلاح الدولية في ظل صفقة الصواريخ الكورية لليمن

جميل عازر: أخيراً تسلم اليمن صواريخ سكود وقطع الغيار التي ابتاعها من كوريا الشمالية، وقد انكشف أمر هذه الأسلحة التي كانت مخبأة تحت أكياس من الأسمنت عندما اعترضت قطع من الأسطول الإسباني الباخرة المحملة بالصواريخ في مياه بحر العرب، وتولى الأميركيون أمر احتجازها بعدئذٍ، وأثارت هذه الحادثة ردود فعل فورية وشديدة من واشنطن، التي طالبت اليمنيين والكوريين الشماليين بإيضاحات، ومع إصرار اليمن على أن الصفقة لا تنطوي على أي مخالفات وبسبب دور صنعاء في الحرب على الإرهاب أفرج الأميركيون عن الباخرة، ولكن لهذه الحادثة مدلولات على تجارة السلاح دولياً، والثمن الباهظ الذي تدفعه الدول المشترية، ومعظمها بحاجة ماسة إلى الإنفاق على مشاريع التنمية بدلاً من التسلُّح.


undefinedتقرير/ سمير خضر: زوبعة في فنجان، هكذا ينظر البعض إلى قضية السفينة الكورية الشمالية التي اعترضتها البحرية الإسبانية والأميركية في بحر العرب، السفينة كانت تقل خمسة عشر صاروخاً أرض – أرض من طراز سكود ابتاعتها الحكومة اليمنية من كوريا الشمالية، وهنا برزت قضيتان:

الأولى: منشأ هذه الشحنة كوريا الشمالية، إحدى الدول التي صنفها (جورج بوش) ضمن محور الشر.

والقضية الثانية: حق الدول أيًّا كانت في الحصول المشروع على السلاح للدفاع عن نفسها.

إذن إن إحدى تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت تشديد القيود على امتلاك السلاح، ولكن ليس أي سلاح، فواشنطن ومن ورائها موسكو ولندن و باريس تفضِّل الانتقائية في مجال مبيعات الأسلحة، فالأولوية هي لقواتها و خاصة القوات الأميركية التي بدأت تنتشر في شتى بقاع اليابسة وبحارها تحت مسمَّى الحرب على الإرهاب، وتأتي بعد ذلك الدول الحليفة والصديقة، ويفضل أن تبتاع هذه الدول سلاحها بالعملة الصعبة من الولايات المتحدة أو أصدقائها، وإلا ثارت وأثيرت الشكوك حول الغاية من هذا السلاح، فتجارة السلاح تبقى سوقاً لا غنىً عنها للدول الكبرى، فهي تدرُّ عليها المليارات سنوياً على شكل أسلحة قلَّما تستخدم إلا بأمر من بائعها.

وتتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول المصدرة للسلاح في العالم إذ تحتكر واشنطن ما يقرب من نصف الحجم الكلي لتجارة آلات الموت والدمار، متقدمة بشكل كبير على روسيا وفرنسا واليابان وبريطانيا، وتتصدر دول الشرق الأوسط -وخاصة الدول العربية- قائمة المشترين فدولٌ مثل إسرائيل والسعودية وتركيا ومصر وإيران تحصد لوحدها 50% من مشتريات السلاح في العالم، في حين أن النصف الآخر يتوزع على دول آسيوية في معظمها مثل تايوان والصين والهند وباكستان.

إعلان

لكن الملاحظ أن انتقائية سوق السلاح بدأت تتعزز في الآونة الأخيرة، وأصبح من النادر أن توافق الدول المصدرة على بيع أسلحة متطورة لا لعدم ثقتها في نوايا الشاري بل لخشيتها من عدم الاستقرار في بعض الدول والذي قد يؤدي بنظرها إلى وقوع هذا السلاح في أيدٍ تعتبرها إرهابية وأصبحت الحرب على الإرهاب اليوم تثير سخرية المخططين وأصحاب الرؤى الاستراتيجية، فهي تتلخص اليوم بحرب تشنها واشنطن وحلفاؤها ضد مجموعات اقتنت سلاحها من الدول نفسها التي تشن عليها هذه الحرب.

جميل عازر: وللتعليق على موضوع تجارة السلاح معي عبر الأقمار الاصطناعية من القاهرة اللواء محمد قدري سعيد (من مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية).

السيد اللواء، أولاً: ما هي أهمية تلك الصفقة من الأسلحة بالنسبة لليمن؟

اللواء/ محمد قدري سعيد (مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية): اليمن يعني هي كانت تمتلك من قبل هذه النوعية من الصواريخ ويبدوا أنها استهلكت منها كمية أثناء الحرب اليمنية -اليمنية التي انتهت بالوحدة اليمنية، واليمن مثل غيرها محاطة بدول كثيرة تمتلك أيضاً هذه النوعية من الأسلحة الخطيرة، وبالتالي هي كانت ترغب على ما يبدو في أن تؤمن نفسها بعدد معقول من الصواريخ.

جميل عازر: هل تعتقد أن مثلاً للعلاقة بين اليمن وإريتريا دور في شراء هذه الصفقة؟

محمد قدري سعيد: يعني ربما لا تكون العلاقة بينهما الآن يعني تمثل تهديد كبير بالنسبة لليمن، لكن في الحقيقة الدول لا تشتري السلاح من أجل تهديد حالي ولكن بشكل عام تشتريه لأي تهديد ممكن أن ينشأ في المستقبل.

جميل عازر: طيب، هل يمكن قراءة مدلولات سياسية في صفقات أسلحة من هذا القبيل؟

محمد قدري سعيد: بالتأكيد طبعاً، يعني السلاح له جانب فني وعملي وله جانب في نفس الوقت سياسي اليمن -كما يبدو- أنها كانت على يعني اتصال بكوريا الشمالية منذ وقت بعيد واستطاعت الحصول على هذه الصفقة التي يعني لا يمكن أن تحصل عليها من أي بائع آخر، وعندما جاء الوقت لتسليم الصفقة قررت استلامها برغم يعني الوضع المتفجر في المنطقة وأعتقد إن دا كان يمثل مخاطرة كبيرة.

جميل عازر: هناك دول تشتري أسلحة وهي تعرف أنها لن تستعملها، أو ربما تعرف أنها لا تستطيع أن تستعملها من الناحية الفنية، لا تستطيع حتى صيانتها، ما هي الأساليب التي يتبعها منتجو السلاح لبيع منتجاتهم هذه؟

محمد قدري سعيد: يعني عادة السلاح لا يباع بمفرده، يعني السلاح يباع أيضاً بإمكانيات التدريب عليه واستخدامه، ويوضع له طبعاً قواعد عملياتية معينة، وبالتالي يعني هناك بعض الانطباعات أن بعض الدول تأخذ السلاح وتخزنه، وأنا لا أعتقد إن في منطقتنا العربية بالذات مع التوتر الحالي إن دا بيحدث يعني هناك بعض الدول تستشعر أنها قد تكون في معمعة يعني السيولة الموجودة في المنطقة يمكن أن تكون عرضة لأي اعتداء، وبالتالي حصولها على السلاح بصرف النظر عن مدى تقييمنا لاستخدامه يمثل درجة ما من الردع بالنسبة للآخرين.

جميل عازر: طب ما هي أخطر الأسلحة التي تستعمل في الصراعات والنزاعات التي نشاهدها هذه الأيام في أنحاء مختلفة من العالم؟

محمد قدري سعيد: في الحقيقة هذه النوعية من السلاح يعني يلجأ إليها بعض الدول حتى اللي هم ما عندهمش يعني إمكانيات اقتصادية كافية لأنها تعطيهم قدرة على إيذاء الآخرين بتكلفة أقل، يعني لو قارنا هذه النوعية من الأسلحة بالدبابات مثلاً أو المدافع أو أي أشياء تقليدية من هذا القبيل نجد أن هذه الأشياء يعني أكثر تكلفة من هذه النوعية من الصواريخ، وبالتالي بيلجأ لها -على عكس ما الناس بتعتقد- اللي اقتصادهم ضعيف وليس اللي اقتصادهم قوي.

جميل عازر: إذن هل هناك ما ينظم تجارة الأسلحة على صعيد دولي؟ مثلاً هل هناك اتفاقيات على غرار اتفاقيات تحريم استعمال الألغام المضادة للأفراد؟

إعلان

محمد قدري سعيد: بالنسبة للأسلحة.. أسلحة.. للصواريخ بالذات هناك لا يوجد اتفاقية في الحقيقة تمنع أو تحرم عملية بيعها، لكن هناك نوع من.. بيسموه الـ Supply Control ، يعني التحكم في عملية الإمداد نفسها، بتجمع مجموعة من الدول بتتفق مع بعضها إنها لا تعطي هذه الأشياء للآخرين، منها -على سبيل المثال -نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ اللي هو (MTCR) Missile Technology Control Regime ودا بيتفق مجموعة من الدول بتوقع على نوع من الاتفاق التطوعي في هذه الحالة أنهم ملتزمون:

أولاً: بعدم نقل هذه الأشياء للآخرين.

ثانياً: تبادل المعلومات، يعني إذا حد منهم باع لحد ينقل هذه المعلومات للجهات الأخرى.

لكن في هذا المجال بالذات لا يوجد اتفاقية ملزمة، أيضاً الأسلحة التقليدية بشكل عام أيضاً لا توجد شيء ملزم بينظمها، إلا في بعض الأحيان اللجوء إلى تسجيل هذه المبيعات في الأمم المتحدة أو على المستوى الإقليمي كنوع من بناء الثقة بين الدول وبعضها، لكن طبعاً هناك بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل بالذات اتفاقيات معروفة مثل اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، أو الأسلحة الكيماوية، هذه الاتفاقيات عندما توقع عليها الدول بتلزمها بعدم.. بالتقيد ببنودها، وعدم امتلاك هذه الأسلحة أو بيعها للآخرين.

جميل عازر: اللواء محمد قدري سعيد في القاهرة، شكراً جزيلاً لك.

ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيها أيضاً بعد فاصل: حقوق الإنسان.. انتكاسة كبيرة، والذرائع كثيرة، فهل من مجالٍ لتحقيق تقدم على الإطلاق؟

[فاصل إعلاني]


تكرار المجاعات في إثيوبيا وأسباب التقصير في مواجهتها

جميل عازر: وإلى إثيوبيا التي تواجه حالة جفاف شديد، وأصبح ملايين من السكان بحاجة، ملحة إلى المعونة الغذائية، وتقدر مصادر الأمم المتحدة أن عدد المتضورين جوعاً في تلك الدولة الإفريقية قد يتجاوز اثني عشر مليوناً في بدايات العام القادم، والمجاعات ليست بطارئ جديد على إثيوبيا، الأمر الذي يثير تساؤلات عن أسباب التقصير في اتخاذ الاحتياطات لمواجهة آثار التقلبات المناخية مثلاً، وربما يقول قائل إن للمساعدات الدولية حدوداً، ولكن من الصعب للمجتمع الدولي أن يقف متفرجاً على مأساة تطول ملايين في إثيوبيا ودولٍ أفريقية أخرى، غير أن لسياسات الأنظمة في تلك الدول دوراً كبيراً في خلق معاناة شعوبها.

undefined

تقرير/ حسن إبراهيم: فلاحو قرية (جواني) الإثيوبية يعيشون على حشاش الأرض، هذه ليست مبالغة درامية، بل الواقع بكل قبحه، فسبعة ملايين مواطن إثيوبي يواجهون خطر الموت جوعاً هذه السنة بسبب تأخر الأمطار وفشل الموسم الزراعي، ويواجه سبعة ملايين آخرين نقصاً حاداً في الإمدادات الغذائية، وهذه القرية التي تقع على بعد 400 كيلو مترٍ من العاصمة (أديس أبابا) مثال لما يحدث في الريف الإثيوبي هذه السنة.

لكن لماذا.. لماذا يجوع مواطنو دولةٍ غنية بالموارد المائية؟ فهي منبع النيل الأزرق، ويمكنها أن تكتفي زراعياً بأراضيها الخصبة ومناخها المتنوع.

الأرقام تتحدث عن كارثة، يبلغ معدل دخل الفرد في إثيوبيا حوالي 100 دولار سنوياً، يعيش حوالي 57% من الإثيوبيين تحت خط الفقر، وتفوق الأمية في أوساط البالغين 65%، ولتفشي الأمراض مثل الإيدز والملاريا أنخفض معدل العمر إلى ثمانيةٍ وأربعين عاماً فقط، ويبلغ عدد سكان المناطق الريفية أقل من 15% من إجمالي السكان، أي حوالي 10 ملايين نسمة، ويقل مجمل صادرات البلاد الزراعية سنوياً عن 450 مليون دولار، مما يجعل إثيوبيا في ذيل بلاد العالم من حيث إنتاجية المزارع.

هذه الأرقام ينبغي أن تدق أكثر من ناقوس خطر في واحدة من أشد بلاد العالم معاناة، لكن أهل السياسة لهم حساباتهم، فالحرب حول مثلث (بادامي) الصحراوي الخالي من السكان والموارد بين إثيوبيا وإريتريا، وهي أشد فقراً من إثيوبيا أدت إلى إنهاك الدولتين، ورغم أن إثيوبيا كانت قد تعهدت للمؤسسات الدولية المانحة -خاصة صندوق النقد الدولي- بتخفيض إنفاقها على الدفاع إلى أقل من 5% من الناتج القومي، رفعت حربها مع إريتريا نسبة موازنة الدفاع إلى أكثر من 11% من الناتج القومي، وهي النسبة الرسمية الذي ترفضها المؤسسات المانحة التي تتهم الحكومة الإثيوبية بإهدار ما يزيد عن خُمس موارد البلاد على المجهود الحربي، وحيث أن الزراعة تحتاج إلى عوامل كثيرة غير الأمطار والتربة، فإن الإنسان المعافى عامل رئيسٌ في المعادلة، ولكن سوء التغذية والنقص في المواد الغذائية تسبب فيما يشبه مجزرة لأطفال إثيوبيا، حيث يموت 128 من كل ألف يولدون قبل أن يبلغوا الخامسة من العمر، وليس من تعزية لإثيوبيا أن تكون الدول المجاورة لها في حالة مماثلة من التردي، فالسودان يعاني من حربه الأهلية، وإريتريا المعادية فقيرة أيضاً، والصومال بتشرذمه وفقره أشد فقراً من إثيوبيا.

إعلان

ومن يدري فرب ضارة نافعة حتى ولو كان الثمن الإنساني باهظاً، فقد يدرك حكام إثيوبيا وجيرانها أن التقلبات المناخية ليست وحدها المسؤولة عن الكوارث والمجاعات، وأن الإنفاق على حروب لا طائل من ورائها يحرم الإنسان من لقمة العيش بأمان واطمئنان.


أهمية قمة الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن

جميل عازر: ربما تكون القمة الأوروبية التي انعقدت في كوبنهاجن واحدة من أهم القمم التي تقرر مصير الاتحاد، فالموافقة على انضمام عشر دولٍ جديدة إلى هذا الكيان الأوروبي بحلول الأول من مايو/ آيار عام 2004 تشير إلى الجدية التي يسير فيها الأوروبيون نحو توحيد قارتهم ليصبح عدد سكان الاتحاد 450 مليوناً، ولكن رغم الابتهاج الذي اختتم به القادة المجتمعون قمتهم في عاصمة الدانمارك لا تزال عملية التوسع تواجه صعوبات وعقبات، خاصة فيما يتعلق بانضمام قبرص بسبب موقف تركيا التي يرفض الاتحاد الاعتراف بها حتى الآن كجزءٍ من أوروبا.

undefined

تقرير/ سمير خضر: بدأت أوروبا الجديدة تأخذ الشكل الذي كان حلم كثير من أباطرتها وزعمائها، وحدة القارة الأوروبية تجسدت في كوبنهاجن ليس بقوة البندقية والدبابة -كما أرادها (نابليون) أو (هتلر)- بل بقوة المصالح المشتركة، ورغم بداياتها المتواضعة كسوق مشتركة نمت الوحدة الأوروبية على مدى نصف قرن لتضم معظم الدول التي كانت تُصنَّف ضمن ما كان يسمى بالمعسكر الغربي، وأصبحت العضوية في هذا النادي رديفاً للرقي والتقدم والنماء، وعنواناً للحرية والديمقراطية، لكن نصف القارة بقي خارج اللعبة، سواءٌ لأنه كان جزءاً من المعسكر الشيوعي الشرقي، أو بسبب الصراعات التي كانت تعتمره، وما أن سقط السور الحديدي الفاصل، أو ما كان يسمى مجازاً باسم جدار بارلين حتى بدأ التسابق المحموم بين المنعتقين من أسر الشيوعية للانضمام إلى نادي الأغنياء، لكن الباب بقي موصداً طيلة أكثر من عقدٍ أمام الطارقين على باب أوروبا، فالتجانس كان غائباً بين شرق القارة وغربها، وهذا يتطلب جهداً مالياً واقتصادياً من قبل الاتحاد الأوروبي لمساعدة الأعضاء الجدد على جسر الفجوة، ناهيك عن الجهد الذي يتعين على هؤلاء الأعضاء بذله في شتى المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

عشر دول حظيت بهذه الثقة في كوبنهاجن وأخرى لا تزال تنتظر وعلى رأسها تركيا، ومشكلة تركيا لا ترتبط فقط بكونها دولة مسلمة تقع معظم أراضيها خارج القارة الأوروبية، بل بطبيعة متطلبات العضوية التي تنص على تمتع الدولة العضو بنظام ديمقراطي وباحترام حقوق الإنسان، وهذا بالطبع ما لا يمكن لتركيا ادعاءه في الوقت الراهن خاصة مع استمرار هيمنة العسكر على شتى مناحي الحياة في البلاد، كما أن الاقتصاد التركي المتهاوي لا يشجع أي دولة عضو في الاتحاد على قبول عضوية تركيا، وإلا أصبح من الواجب على كل أعضاء الاتحاد تحمل مسؤولية النهوض بهذا الاقتصاد مما يشكل عبئاً مالياً كبيراً تنوء تحت ثقلة اقتصاديات هذه الدول.

أنقرة كانت تأمل الاستمرار باللعب بالورقة القبرصية، لكن هذه الورقة فقدت أهميتها وربما كان السبب في ذلك هو حلفاء أنقرة في شمال الجزيرة المقسمة وعلى وجه الخصوص رؤوف دنكطاش (زعيم القبارصة الأتراك) الذي لا يزال يظهر تعنتاً واضحاً إزاء خطة الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة، وبعد أن كانت قضية توحيد قبرص ورقة في يد تركيا أصبحت اليوم عائقاً أمام تحقيق طموحها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، هذا الشرخ في العلاقة بين أنقرة وحلفائها في شمال قبرص مرشح للتفاقم، وربما في المستقبل القريب جداً، فحسابات تركيا تغيرت وتغيرت معها استراتيجيتها ورؤيتها للمستقبل وهذا ما لم يستوعبه رؤوف دنكطاش بعد.


حقوق الإنسان.. انتكاسة كبيرة والذرائع كثيرة وإمكانية تحقيق تقدم

جميل عازر: وبينما كان التذرع بانتهاكات حقوق الإنسان في تركيا سبباً لرفض انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي أحيا المجتمع الدولي "اليوم العالمي لحقوق الإنسان" وسط مخاوف وقلق الجماعات المدافعة عن هذه الحقوق مما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة تحديات جديدة، وقد أشار (كوفي عنان) في هذا السياق إلى ما تنطوي عليه الحرب ضد الإرهاب من احتمالات لانتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي، ولعل في قول عنان: إن الأمن لا يمكن أن يتحقق على حساب الحرية ما يدل على أسباب القلق التي تساور الكثيرين ممن يرون أن حقوق الإنسان أصيبت بنكسات بعد الحادي عشر من سبتمبر من العام الماضي.

undefined

تقرير/ أسامة راضي: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اعتمد من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ثلاثة أعوام من إنشاء المنظمة الدولية لتكون بنوده بمثابة معايير مشتركة تلتزم بها الدول والشعوب للحفاظ على حرية وحرمة الإنسان وحقوقه بعد أن تعرضت الإنسانية لكوارث قبل وإبان الحرب العالمية الثانية، لكن مسيرة حقوق الإنسان لم تنطلق تماماً في هذا الاتجاه على الأقل في بعض مناطق العالم التي عانت بشكل أو بآخر من انتقاص حقوق سكانها سواءً من جانب المحتل أو من جانب حكومات وأنظمة غير ديمقراطية لم تحترم الإنسان وحقوقه.

مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان روجت لها ورعتها إلى حدٍ كبير الدول الغربية، ولذلك فقد ووجهت بالكثير من النقد باعتبارها سلعة أو بدعة غربية ليست سوى ذريعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى خاصة في أوج الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، فالدول الكبرى كالولايات المتحدة كثيراً ما استخدمت انتهاكات حقوق الإنسان في مجال علاقاتها الخارجية لأغراض سياسية، كما أنها كثيراً ما غضت الطرف عن انتهاكات مماثلة تمارس من قبل أنظمة حليفة لها وظلت تتباهى بإنجازاتها في مجال الحريات وحقوق الفرد.

أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت معطفاً تاريخياً في مجال حقوق الإنسان وربما في غيره من المجالات، فما اقتضته من رد من الأميركيين وحلفائهم كان متصلاً مباشرة بالكثير من جوانب ومقتضيات الالتزام بحقوق الإنسان، فهناك العديد من الأنظمة الحاكمة التي وجدت في مكافحة الإرهاب الذريعة المنشودة لممارسة القمع وحتى العنف ضد أفراد وجماعات حتى في الدول التي تتبجح بأنها القَيِّمُ على حقوق الإنسان، وإذ تفاقمت الأوضاع بدأت المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان تتذمر وتشير إلى الانتهاكات المتزايدة تحت شعار مكافحة الإرهاب، وثار الجدل ولا يزال حول تعريف الإرهاب ومن هو الإرهابي.

وهكذا جعلت إسرائيل من المقاومة الفلسطينية إرهاباً، وروسيا من المقاومة الشيشانية إرهاباً، والهند من المقاومة الكشميرية إرهاباً، وكان لابد أن تضيع الحقوق في المناخ الهستيري، بل وأن تفقد مثل هذه الدول بصيرتها في التمييز بين إرهاب لمجرد الإرهاب ومقاومة مشروعة للاحتلال.

ومن هنا كان لاتهام هذه الدول بانتهاك حقوق الإنسان ما يبرره لدى المدافعين عن تلك الحقوق، فحقوق الإنسان أصيبت بانتكاسة كبرى لا شك في ذلك وقد تتحول المجتمعات المتضررة من الانتهاكات إلى مجرد قنابل موقوتة ربما تكون أكثر هولاً وأشد دماراً مما شهده العالم يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وهذا ما ينبغي أن تحترس الإنسانية من حدوثه، بل وعليها العمل على تفاديه بكل ما أوتيت من قوة.

جميل عازر: وبهذا نختتم جولتنا في (الملف الأسبوعي)، نذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني، على أننا سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة