التغييرات الأمنية الفلسطينية وموضوعات أخرى
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
تاريخ الحلقة: | 13/07/2002 |
– ملابسات ومدلولات التغييرات الأمنية الفلسطينية
– صحة رئيس الوزراء التركي وانعكاسها على الأزمة التركية
– الاتحاد الإفريقي بين التفاؤل والتشاؤم
– المجتمع الإيراني بين الإصلاحيين والمحافظين
– مؤتمر برشلونة عن الإيدز وكيف يمكن مواجهته
– الفضائح المالية والاقتصادية في أميركا
جميل عازر: مشاهدينا الكرام أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه:
التغييرات الأمنية الفلسطينية ملابسات ومدلولات فهل بدأت المعركة على الرئاسة؟
تركيا في أزمة حكومية، هل صحة رئيس وزرائها هي السبب أم الذريعة؟
وإيران مجتمع يتململ بين الإصلاحيين والمحافظين، فلمن تكون الغلبة؟
ملابسات ومدلولات التغييرات الأمنية الفلسطينية
أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي أول اتصالاته مع وزراء فلسطينيين من دون أن تسفر حتى الآن عن تغيير في الموقفين الإسرائيلي والأميركي اللذين يدعوان صراحة إلى تبديل الرئيس ياسر عرفات، وكان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية قد بعث برسالة إلى وزير الخارجية الأميركي كولن باول يُطلعه فيها على ما أجراه من تغييرات في أجهزة السلطة ويلتمس الضغط على إسرائيل لأنها.. لإنها احتلالها للمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، ولكن باول رد بإعلان ياسر عرفات شخصاً غير مرغوب فيه ولا تعامل معه، وإذ جاءت الاتصالات إثر محادثات أجراها مدير المخابرات المصرية مع الإسرائيليين والفلسطينيين يظل التساؤل مطروحاً حول مغزى التغييرات التي أحدثها عرفات.
![]() |
تقرير/سمير خضر: لا أحد يعرف بالضبط تفاصيل ما ناقشه مدير المخابرات المصرية مع ياسر عرفات، لكن المؤكد أن عمر سليمان لم يناقش مع عرفات عموميات السياسة بل تفاصيل أمنية محددة فهذا تخصصه، ولم يكن من المستغرب أن يتخذ الرئيس الفلسطيني عقب ذلك سلسلة قرارات لم يتوقعها أحد، على الأقل في القريب العاجل، وإذا كانت إقالة قائد جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية جبريل الرجوب قد أثارت العديد من التعليقات، وكثيراً من التذمر في صفوف ضباط هذا الجهاز، فإن قرار تعيين محمد دحلان في منصب مستشار الأمن القومي لا يزال يثير كثيراً من التكهنات حول طبيعة هذا المنصب، أهو قرار أمني محض يهدف إلى الانصياع للضغوط بشأن توحيد أجهزة الأمن الفلسطينية أم هو قرار سياسي بالدرجة الأولى بشكل رسالة موجهة إلى واشنطن وتل أبيب؟ ظاهر الأحداث يشير إلى بداية نهاية معركة كانت تدور فصولها في الخفاء بين الرجوب ودحلان، إذ رغم تصريحات الرجلين بأن العلاقات بينهما كانت ولا تزال ممتازة وبأنهما ليسا سوى جنديين لدى عرفات، فإن كل عناصر معركة الخلافة كانت متوفرة وجلية للعيان وإن كان كلا الرجلين يعرف تمام المعرفة أن معركة الخلافة لن تكون أبداً شأناً داخلياً فلسطينياً كما يحلو للبعض أن يصورها، فهناك لاعبون أساسيون في المنطقة وخارجها لا يمكن، بل لا يقبلون تجاوزهم، لا يمكن القول اليوم أن صعود أسهم دحلان وتهاوي أسهم الرجوب يشيران إلى حسم معركة الخلافة بشكل نهائي، فهناك الكثير من المتغيرات والوقائع على الأرض وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي لمعظم مدن الضفة الغربية ولا يبدو أن شارون وحكومته اليمينية مستعدون لإعطاء الأمر بانسحاب الجيش الإسرائيلي من هذه المناطق خاصة وأن هناك اليوم قائد جديد لهذا الجيش قد تكون له أولويات مختلفة عن سلفه، وقادة الجيش في إسرائيل غالباً ما ينجحون في فرض استراتيجيتهم على الحكومة يمينية كانت أو يسارية، وفي كافة الأحوال لن يتخلى شارون، بل من غير المنطقي أن يتخلى ببساطة عن المكتسبات التي حققها على الأرض دون أن يحصل على ثمن سياسي كبير ليس أقله أن تكون له كلمته في اختيار الزعيم الفلسطيني الجديد، هذا إن استطاع تحقيق حلمه القديم الجديد في تجريد عرفات من زعامته التاريخية.
صحة رئيس الوزراء التركي وانعكاسها على الأزمة التركية
جميل عازر: ما يزال (بولنت أجاويد) رئيس الوزراء التركي متشبثاً بمقاليد الحكم، رغم سلسلة الاستقالات التي تعصف بحكومته ويبدو أجاويد محاصراً ومغلوباً على أمره على الصعيدين الشخصي والسياسي وحالته الصحية التي تعتبر السبب المباشر للأزمة الحالية ليست إلا ذريعة لأن تركيا تواجه أكثر من مشكلة، فهناك شروط قبولها في عضوية الاتحاد الأوروبي، وهناك شروط صندوق النقد الدولي لإخراجها من الأزمة الاقتصادية، وكلها تتطلب إجراء إصلاحات وتحولات جذرية على المسرح الداخلي قد لا تكون حكومة أجاويد الائتلافية مؤهلة أو قادرة أو حتى راغبة في تنفيذها.
![]() |
تقرير/جيان اليعقوبي: أوضح إشارة لعمق الأزمة التي تواجهها تركيا هي قيام شخصيات دولية بإلغاء أو تأجيل زيارات كان من المقرر أن تقوم بها لأنقرة خلال الأيام القادمة، ومن أهمها زيارة (رامانا برودي) التي كانت ستكون الأولى من نوعها لرئيس مفوضية أوروبية منذ بدأت تركيا مساعيها الحثيثة للحصول على العضوية الأوروبية قبل أربعة عقود، وقد ترنحت حكومة (بولنت أجاويد) المؤلفة من ثلاثة أحزاب بعد استقالة عدد من وزرائه ونواب حزبه، وهذا الزلزال السياسي يراه بعض الأتراك مفيداً، فقد عجَّل مرض أجاويد في أن يواجه الأتراك أسئلة طال أمد تهربهم من الإجابة عليها بدءً من قانون الانتخابات إلى كل مشاريع القوانين التي من المفترض أن تضع تركيا على سكة الاتحاد الأوروبي، وحل القضية الكردية إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية ويتوقع الكثيرون أن تسفر هذه الأزمة عن ظهور حزب جديد يشكله الفرسان الثلاثة: حسام الدين أوزجان وكمال درويش وإسماعيل جيم، ولكل منهم مؤهلاته لإنجاح المشروع، فأزوجان بخبرته السياسية وعلاقاته مع البرلمان والمؤسسة العسكرية، وجيم بخبرته الدبلوماسية وتحمسه الشديد لدخول بلاده الاتحاد الأوروبي، ودرويش رجل واشنطن في أنقرة والمدعومُه بعلاقاته مع أوساط المال والأعمال في الغرب بشكل عام، في خضم كل هذه الأنواع العاصفة طلعت الصحف التركية قبل يومين بنتائج استفتاء جاء فيه: أن حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رجب طيب أزدوجان لا يزال الأكثر شعبية، حيث من المتوقع لو أجريت انتخابات مبكرة أن يتقدم على بقية الأحزاب بفارق لا يقل عن 20 إلى 25% فهناك الخطة التي وضعها صندوق النقد الدولي لخروج تركيا من أزمتها بتكلفة 16 مليار دولار، والتي يخشى الكثيرون أن تخرج عن مسارها إذا استبدل الطاقم القائم على تنفيذها الآن وهناك أيضاً ما هو أهم، فالعم سام يعد عدته لشن حملة عسكرية محتملة ضد العراق في أواخر العام الحالي أو بداية العام القادم وستلعب قاعدة (إنجرليك) دوراً محورياً في الحملة، والمطلوب حكومة تبدي أقصى قدر من التفهُّم والتعاون مع الحملة وتداعياتها المستقبلية.
الاتحاد الإفريقي بين التفاؤل والتشاؤم
جميل عازر: شهدت (ديربان) في جنوب إفريقيا مولد الاتحاد الإفريقي وزوال منظمة الوحدة الإفريقية، ولم يخرج أحد من القادة الأفارقة الذين أشرفوا على هذه الولادة عن المألوف في التعبير عن آمالٍ ساورتهم منذ عقود، ولكنها لم تتحقق لأسباب مختلفة، فالحديث عن وحدة أو اتحاد إفريقي شيء، وتحقيق ذلك على الصعيد السياسي والاقتصادي شيء آخر، ونظراً إلى السوابق وإلى الحاضر الإفريقي وما فيه من مشاكل بل وأزمات، فإن كل من يخشون بروز قارة متحدة لذلك الذي ارتأته قمة (ديربان) سينامون الليل طويلاً، بينما يحلُم الإفريقيون.
تقرير/حسن إبراهيم-قراءة/الزبيرنايل: طُويت صفحة منظمة الوحدة الإفريقية وولد الاتحاد الإفريقي، وتفاوتت الآراء حوله، المتشائمون يقولون إن هناك عقبات كثيرة ستجعل منه تجربة فاشلة بقدر ما كانت سابقتها، بينما المفرطون في التفاؤل يتصورونه نسخة إفريقية من الاتحاد الأوروبي سينمو ويشق طريقه مهما كانت المصاعب، لكن وحتى في الدورة الافتتاحية لم يسلم الكيان الوليد من النزاعات على المنطلقات، فالزعيم الليبي معمر القذافي -الذي يعتبر الاتحاد الإفريقي من بنات أفكاره- يتصور الاتحاد الإفريقي كياناً مشاكساً يتعامل بندية مع العالم الغربي، ويكون وسيلة مراجعة لنظم العلاقات في عصر العولمة والقطب الواحد، وهناك المحور الآخر الذي يقوده رئيس جنوب إفريقيا (تامو مبيكي) ويتصوره معولاً من معاول بناء الديمقراطية وترسيخ الاستقرار وحقوق الإنسان، فتلك هي أولى مبادئ الشراكة الغربية الإفريقية كما حددتها قمة الثمانية الكبار في كندا.
الفرق الأساسي بين المنظمة الراحلة والكيان الوليد أن الاتحاد الإفريقي يقر مبدأ تدخل في الدول الأعضاء في حالات انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، وقد حذَّر (كوفي عنان) الأمين العام للأمم المتحدة وهو غاني من الإفراط في التفاوت، فطموحات من قبيل سوق إفريقية مشتركة وعمله إفريقية موحدة، ومصرف إفريقي تعتبر من القفزات التي لا يمكن تحقيقها بدون إصلاحات هيكلية واستقرار سياسي ثم اقتصادي في مختلف دول القارة، ناهيك عن مصادر التمويل اللازم لبناء الاتحاد المرجو.
لاشك في أن إقرار مبدأ التدخل في شؤون الدول الأعضاء أثار بعض القلق لدى عدد من الزعماء، فكثير من الرؤساء الأفارقة تسنموا سدة السلطة عبر فوهة البندقية أو عبر انتخابات مشكوك في صحتها، أو يتزعمون أنظمة معروفة بفسادها المالي والإداري وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وقد يقول قائل إنه لو تم اختيار مقر جديد فربما يكون مؤشراً على جدية إفريقيا في التجديد، إلا أن مؤتمر دربن اتفق على إبقاء مقر الاتحاد في أديس أبابا كما كان مقراً لمنظمة الوحدة الإفريقية، وسيظل الاتحاد موضوع نقاش بين الفكرة والواقع إلى أن يثبت وجوده بالفعل وليس بالاسم أو الشكل فقط.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نتابع هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، وفيه أيضاً:
الإيدز في برشلونة حرب على الإنسانية ولكن من يمسك بمفتاح الفوز فيها؟
[فاصل إعلاني]
المجتمع الإيراني بين الإصلاحيين والمحافظين
جميل عازر: وإلى إيران حيث أعادت استقالة (آية الله جلال الدين طاهري) الحياة مجدداً إلى النزاع بين التيارين الإصلاحي والمحافظ في الحلبة السياسية، ويبدو أن احتدام المعركة بعد مظاهرات طلابية واعتقالات ينذر بأنه لا مخرج من هذا الوضع إلا في مواجهة حاسمة ربما تأخرت كثيراً، فالمسرح الإيراني لم يعد قادراً على مماشاة مقتضيات العصر على الصعيدين الداخلي والخارجي دون الخروج على مبادئ الثورة أو بعضها، الأمر الذي يضع المحافظين في موقف المدافع عن التركة الخمينية، بينما يجعل الإصلاحيين يبدون وكأنهم يريدون تدميرها.
![]() |
تقرير/حسن إبراهيم: ألقى الإصلاحيون في إيران القفاز في حلبة الصراع عندما قدَّم إمام جمعة مدينة أصفهان آية الله جلال الدين طاهري استقالته بسبب ما أسماه بالفوضى والفساد، بينما تُمعن المحاكم الإسلامية التي يسيطر عليها المحافظون في اعتقال كل من يحاول التأثير على ما يسمونه خط الإمام، والإمام هنا هو آية الله الخميني مفجِّر الثورة الإسلامية وقائدها وواضع دستورها، والذي تعتبر آراؤه قوانين يجب إطاعتها.
بعض الأكاديميين ومراقبي الشأن الإيراني خاصة والشيعي عامة يعتبرون خط الإمام ورقة توت يحاول بها المحافظون خاصةً من رجال دين مدرسة قم ستر اخفاقاتهم وعجزهم عن استعادة شعبيتهم الجماهيرية، فالانتخابات النيابية التي اكتسحها التيار الإصلاحي أوضحت أن فئة الشباب -وهم يمثلون 65% من الشعب الإيراني -يرفضون المحافظين بكل تزمتهم ورغبتهم في إبقاء النسق الاجتماعية والاقتصادية والعمل السياسي والدبلوماسي كما كان يتصورها الخميني، الجديد في المواجهة الحالية بين الإصلاحيين المقربين من رئيس الجمهورية محمد خاتمي والمحافظين الذين يقودهم مرشد الثورة الإسلامية ومن ورائه جمعية مدرسي قم الواسعة النفوذ، الجديد هو دخول الأحزاب العلمانية واليسارية حتى الراديكالية منها في ساحة المواجهة العلنية، وفي الماضي كان الإصلاحيون يختبئون تحت عباءة أحد كبار علماء الدين، لكن يبدو أن صبرهم قد نفذ، وما عاد للحسابات السياسية قيمة في نظرهم، ولازدواجية السلطات فإن الشرطة التي تتبع وزارة الداخلية قد تقرر السماح بمظاهرات طلابية، ثم تمنعهم من التجمهر أو حتى الهتاف، كوادر (البازداران) من أنصار حزب الله المحافظ، حدث ذلك في جامعة طهران الأسبوع الماضي، ولم تكن أحداث عام 2000 و2001 في الجامعة ذاتها ببعيدة عن الذاكرة، أما بالنسبة إلى الحوار مع الولايات المتحدة، الذي يدعو إليه بعض الإصلاحيين فنجد التيار المحافظ منكفئاً على التاريخ كأنه لم يتزحزح ساعة عن يوم احتلال طلاب حزب الله السفارة الأميركية، وخرج مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي يتوعد كل من تسول له نفسه التحاور مع الشيطان الأكبر.
إيران في مفترق طرق قد يكون تجاوزه محفوفاً بالمخاطر والمجازفات، لأن تجاوزه يحتاج إلى مرونة يبدو أن المخرون منها ضئيل.
جميل عازر: ونتابع هذا الموضوع، ومعنا من لندن باقر معين (المتخصص في الشؤون الإيرانية).
أستاذ باقر، أولاً: أين تكمن أهمية استقالة طاهري كدليل على التطورات في المسرح الإيراني، هل في استقالة إمام جمعة أصفهان بحد ذاتها أم في رد الفعل الذي استثارته؟
باقر معين (متخصص في الشؤون الإيرانية-لندن): والله أنا أعتقد بأن الاثنين كانا هام جداً، أولاً الاستقالة كان هام، لأن هذا بداية الحضور علماء الدين في مسرح الإصلاح، حتى الآن أكثر العلماء الدين ما كانوا في مسرح الإصلاح بهذه الصورة، وهذا الاستقالة هامة من هذه الناحية، وجواب آية الله خامنئي كان هام جداً لأنه أجاب له بمرونة وما كان له يقول أنا أعتقد معك بأن هناك فساد وهنا ظلم وهنا مشاكل تبعد بأشياء أخرى، ولابد أن نصلحها معاً.
جميل عازر: طيب، الإمام خاميني يعني وجه رسالة إلى طاهري يقبل فيها هذه الاستقالة، لكنه يعني يبدو أنه متهم في نظر طاهري بتحمل الفوضى والفساد على كل المستويات التي أشار إليها، وهذه اللهجة قوية جداً، هل تدل على ثقة بالنفس أو على قوة موقف من جانب التيار الإصلاحي الآن؟
باقر معين: والله الإصلاح.. للتيار الإصلاحي هنا طبعاً هم في موضوع الدفاع عن.. عن مواضعهم لأن المحافظين لهم خبرة في داخل المؤسسات الحكومية، ولكن أنا أعتقد لأول مرة القوة الموجودة في داخل المؤسسة الدينية يجيء إلى الأمام ويقول لآية الله خامنئي إحنا مع الإصلاحيين.. إحنا.. نحن مع السيد خاتمي ونريد الإصلاح.. نريد أن يكون الإصلاح بصورة سريعة، لأن الشعب طبعاً يفرون من.. من.. من علماء الدين الحاكم، وهذا أمر هام، والمسألة الأخرى هي يعني إحنا نرى الثورة الواقعية في داخل المؤسسات الدينية، هم يحكون الآن حول تحول الدين إلى الديمقراطية، وتحول الدين إلى العلمانية، وكثير من العلماء يحكون بصورة واضحة حول العلمانية، وليس حول ولاية الفقيه كما كان كثير منهم يتكلمون ويحكون حولها قبل 20 سنة.
جميل عازر: طيب، يعني هناك على ما يبدو دعوة إلى ما يسمى تجديد في المذهب الشيعي، خاصة ما دعا إليه الكاتب المعروف هاشم أدجالي، يعني هل هناك بالفعل توجه لتجديد المبادئ التي قامت عليها الثورة الإسلامية؟
باقر معين: الآن الناس يحكون في داخل إيران حول الاجتهاد الجديد من الناحية السياسية ومن الناحية الاجتماعية، ونحو المجتمع المدني كما قال خاتمي، هم يريدون أن يكون هنا اجتهاد جديد بين الإصلاحيين حول هذه المسألة، لأن أكثر الحكماء.. أكثر الحكام الموجود في داخل الجمهورية الإسلامية منتزعون إلى التيار المحافظ، وكثير من العلماء.. علماء المراجع هم من التيار غير المحافظ، ولكن الشبان.. الطلاب الشبان في داخل الحوزات العلمية في إيران أكثرهم يلائمون بالتيار الإصلاحي، وهم الذين يقولون الآن لابد أن يكون اجتهاد جديد نحو الإسلام والديمقراطية والأزمة الآن في إيران هي أزمة كيف نطبق الديمقراطية في داخل الإسلام كما طبقوها في المسيحية.
جميل عازر: طيب، (محمد سلاماتي) الأمين العام لمنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، وجه انتقاداً شديداً إلى جمعية مدرسي قم يعتبرها خصماً سياسياً وكذلك يقول إن ماضي المؤسسة -أي هذه الجمعية- تثبت أنها كانت دائماً في خدمة التيار المحافظ ورأسماليته التجارية، هل كون هذا التيار بازاراً جديداً له يعيدنا إلى أيام الشاة مثلاً؟
باقر معين: لا، إن الآن يعني المحافظين غير يعني حينما نحكي حول مسألة الاجتهاد هي في داخل الحوذة الدينية، ولكن المسألة الأخرى الموجودة الآن المحافظين بالخاص الذين هم في داخل المؤسسات الحكومية والمحافظة، هم يريدون إخراج الإصلاحيين من داخل المؤسسات الحكومية، حتى يهيئوا أنفسهم للانتخابات الرئاسة الجمهورية الجديدة بعد 3 سنوات، وأكثر.. أكثر جدال بين.. بين الطرفين.. جدال سياسي، ولكن في نفس الوقت هنا عناصر دينية كمسألة الاجتهاد وعناصر طلابية الذين هم أكثر راديكالية من كلتا الجناحين.
جميل عازر: طيب، أخيراً باقر، يعني هل هذه معركة حاسمة؟ هل ستخرج في نهاية الأمر بنتيجة يعني تضع الأمور.. مقاليد الأمور في يد تيار أو آخر بشكلٍ حاسم ونهائي؟
باقر معين: في نهاية الأمر أنا أعتقد بأن الغالب يعني سيكون الشعب له قدرة أكثر، ولكن هذا من.. في أمد متوسط أو بعيد، وفي أمد قريب الآن نرى المحافظين في القبة، والبيئة الدولية.. البيئة الدولية يعني المناسبات الدولية الموجودة مثل العلاقات بين أميركا وإيران، ومسألة الحرب الآتية لو هناك بين إيران والعراق سيؤثر على الأوضاع السياسية الإيرانية بصورة.. بصورة جداً.
مؤتمر برشلونة عن الإيدز وكيف يمكن مواجهته
جميل عازر: باقر معين في لندن شكراً جزيلاً لك.
التقى في برشلونة ما لا يقل عن خمسة عشر ألف طبيب ومسؤول في الخدمات الصحية وباحث ومندوب عن منظمات غير حكومية لبحث كيفية التصدي لوباء العصر، وقد قال (نيلسون مانديلا) رئيس جنوب أفريقيا السابق، أن الإيدز حرب ضد الإنسانية، وهي بالفعل حرب حصدت ملايين الأرواح، وتهدد بقتل ملايين أخرى وتدمير شعوب بكاملها، وخاصة في القارة الأفريقية، وبينما يوجد اتفاق حول طرق الوقاية للحد من انتشار هذه الآفة، فإن المؤتمر كان بمثابة إعلان النفير في معركة تبدو في الظروف الراهنة خاسرة في أفضل الأحوال.
![]() |
تقرير/ حسن إبراهيم: ربما كان مؤتمر برشلونة صرخةً في واد، وربما كانت المظاهرات صاخبةً بعض الشيء، لكن هذا لا يغير من الحقيقة المرعبة، خُمس سكان جنوب أفريقيا وثلث سكان موزمبيق، وربع سكان زيمبابوي، سيموتون بسبب مرض نقص المناعة المكتسب، وإن كانت العدوى بفيروس الإيدز تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي أو عن طريق نقل الدم، وهي حالة ضعف إنساني فإن الذي يثير الاشمئزاز هو أن ضعفاً إنسانياً من نوع آخر يقف حاجزاً بين ملايين الفقراء في جنوب أفريقيا وغيرها من بلاد العالم، وبين الحصول على أدوية تمنع استفحال الإصابة بالفيروس HIV إلى الإصابة بالمرض نفسه، هذا الضعف الإنساني هو الطمع في المكاسب المالية الذي يميز سلوك شركات صناعة الأدوية والعقاقير، فبينما تتوفر المعرفة التقنية في العالم لإطالة عمر المصاب بالفيروس أو حتى الذين ظهرت عليهم أعراض المرض فإن هذه الأدوية باهظة الثمن لا يستطيع مرضى العالم الثالث ولا حكومات الدول التي ينتمون إليها تحمله، الفقر وغياب التوعية هما البيئة الصالحة لتفشي الإصابة بالمرض، فبينما توزع المؤسسات الخيرية العوازل الطبية مجاناً في كثيرٍ من دول العالم الفقيرة تجد غالبية الرجال والنساء يستهجنون استخدامها، وفي بعض البلاد خاصة المحافظة منها تعتبر ممارسة الجنس خارج الزواج من المحرمات، فبالتالي يعتبر مجرد توزيع هذه العوازل من قبيل التشجيع على الرذيلة، وينجم عن هذا تفشي الإصابة بالفيروس بسبب غياب الوعي.
في جنوب أفريقيا المصيبة مضاعفة، فبينما تحاول الحكومة رفع ظلم تراكم على مدى أربعمائة سنة عن كاهل مواطنيها الأفارقة تجد السلطات نفسها تواجه حالة من الخلل الاجتماعي مع توافد أعداد كبيرة من العمال الذين يحاولون الدخول إلى أراضيها يومياً من الدول المجاورة خاصة من نامبيا وبوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق، وتتفاقم المشكلة مع وجود مئات الآلاف من الرجال والنساء يعيشون في ظروف اقتصادية سيئة تشجع على تفشي الدعارة وبالتالي انتشار العدوى بفيروس الإيدز.
العالم مطالب بالتدخل، هذا لاشك فيه، وهناك المثالان البرازيلي والهندي حيث ضربت الحكومتان عرض الحائط بكل مناشدات منظمة التجارة العالمية التي تطالب باحترام حق الملكية الفكرية لشركات الأدوية، فقد بدأت الدولتان في إنتاج عقاقير رخيصة تمنح للمرضى مجاناً أو بأسعار زهيدة، فالإنسان يجب أن يأتي قبل الدولار في سلم الأولويات حتى على حساب مخالفة الاتفاقات الدولية.
الفضائح المالية والاقتصادية في أميركا
جميل عازر: والمخالفات ليست بغريبةٍ على مديري بعض من أكبر الشركات الأميركية وأكثرها نفوذاً في حركة الاقتصاد، لكن تداعيات انهيار عددٍ من مثل هذه الشركات العملاقة لم تقتصر على أسواق البورصة وزعزعة ثقة المستثمرين فيها، بل طالت البيت الأبيض في واشنطن أيضاً، فاتهام (ديك تشيني) نائب الرئيس الأميركي وشركة الخدمات النفطية التي كان مديراً تنفيذياً فيها بارتكاب مخالفات، واتهام الرئيس (بوش) بالحصول على قروضٍ بفائدةٍ تفضيلية يسلط الأضواء -رغم النفي- على هذه الإدارة التي تجد نفسها محاصرةً في أكثر من اتجاه.
![]() |
تقرير/ سمير خضر: معركة غير متكافئة تلك التي تدور رحاها في دهاليز الحكم في واشنطن، معركة هدفها كسب سمع وقلب رجل واحد هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية، فمنذ توليه السلطة قبل ثمانية عشر شهراً جلب (جورج بوش) معه فريقاً من صقور اليمين فرضه عليه الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري، واعتقد البعض أن التجانس كان أحد نقاط القوة في هذا الفريق، ولكن سرعان ما بدأت تظهر علامات التصدع، وانقسم رجال بوش إلى ثلاثة معسكرات متباينة لكل منها أجندته الخاصة، المعسكر الأول يقوده (ديك تشيني) نائب الرئيس وإلى جانبه وزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) ووزير العدل (جون أشكروفت) معسكر يرى العالم من منظارٍ أميركي ضيق لا يبالي بآراء أصدقاء واشنطن وحلفائها ويمثل مصالح رجال المال والأعمال، وبالأخص كارت البترول الأميركي.
منذ اليوم الأول للإدارة الجديدة دخل هذا المعسكر في صراع على.. مع الفريق الذي يقوده وزير الخارجية والقائد السابق للجيش (كولن باول) نقطة الصدام الرئيسي كانت لمن سيستمع الرئيس، وبدأت مظاهر الخلاف تستفحل بين المعسكرين خاصةً بعد تبني بوش للعديد من الرؤى التي صاغتها وزارة الخارجية، لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قلبت الموازين لصالح معسكر المتشددين، وأصبح باول في شبه عزلة خاصةً فيما يتعلق بدور الحلفاء في الحرب ضد الإرهاب، وبسياسة واشنطن تجاه العراق والشرق الأوسط عامة، ولم يكن هناك من حكم بين الطرفين، سوى المعسكر الذي تقوده مستشارة الأمن القومي (كوندوليزا رايس) المقربة جداً من الرئيس بوش، فقد كانت تتبنى تارةً رؤية الصقور، وتارةً أخرى رؤية المعتدلين، وتقنع بها سيد البيت الأبيض، ويبدو أن المعركة المحتدمة حالياً بدأت تأخذ منحىً جديداً بعد الفضائح المالية والاقتصادية التي هزت الولايات المتحدة، تلك الفضائح التي تطال في المقام الأول نائب الرئيس شخصياً وربما قريباً أيضاً الرئيس نفسه.
جناح باول لم يستغل حتى الآن هذه الثغرة في معسكر خصومه، ربما لأنه يخشى أن يؤدي سقوط تشيني إلى سقوط الإدارة الجمهورية في الانتخابات المقبلة، لكن الأمور قد لا تبقى على حالها، فباول يشعر اليوم بالعزلة وبالتجاهل من قبل الرئيس، وقد يضعه ذلك أمام مفترق طرق، فإما استغلال الفرصة لشن هجومٍ معاكسٍ على خصومه، وإما الانسحاب نهائياً تاركاً هؤلاء الخصوم يغرقون وحدهم في مستنقع فضائح بدأت تُطبق عليهم.
جميل عازر: وبهذا نأتي إلى ختام هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، نذكر حضراتكم أن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر.
تحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.