الملف الأسبوعي

الانقسام الحاد في مجلس الأمن، الانتخابات السورية

الانقسام الحاد في مجلس الأمن في ضوء الجلسة الأخيرة، الدور التركي في شمال العراق بين الضغط الأميركي والارتياب الكردي، دلالات نتائج انتخابات مجلس الشعب السوري، مدلولات زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر على أرض الواقع الفرنسي الجزائري.

مقدم الحلقة:

جميل عازر

تاريخ الحلقة:

08/03/2003

– الانقسام الحاد في مجلس الأمن في ضوء الجلسة الأخيرة.
– الدور التركي في شمال العراق بين الضغط الأميركي والارتياب الكردي.

– دلالات نتائج انتخابات مجلس الشعب السوري.

– مدلولات زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر على أرض الواقع الفرنسي الجزائري.

– أهداف وتداعيات تحدي كوريا الشمالية لأميركا.


undefinedجميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى جولة جديدة في (الملف الأسبوعي)، وفيه:

مجلس الأمن الدولي ساحة اعتراك دبلوماسي، (بليكس) والبرادعي يزيدان من حدة الانقسام، فهل يذعن للضغط الأميركي والبريطاني ويقبل بشن حرب على العراق؟

تركيا في شمالي العراق بين ضغط أميركي وارتياب كردي، فما هو الدور الذي ترتئيه أنقرة؟

والجزائر ترحيب حار بالرئيس الفرنسي، و(شيراك) يرتقي إلى مستوى الحدث، ولكن ما هي مدلولات الزيارة على أرض الواقع الفرنسي الجزائري؟


الانقسام الحاد في مجلس الأمن في ضوء الجلسة الأخيرة

تحوَّل مجلس الأمن الدولي إلى ميدان رماية دبلوماسية ربما تؤدي إلى نتيجتين رغم كل ما يقال عن محاولات تفاديهما، فالحرب الأميركية على العراق قادمة لا محالة بغض النظر عما قاله بليكس والبرادعي عن تعاون عراقي غير مسبوق مع لجان التفتيش، وبغض النظر عما سيسفر عنه التصويت على مشروع القرار الثلاثي، وهناك أيضاً ترسيخ الانقسام الدولي بين كتلة ترى في الحرب وسيلة للتعامل مع المشاكل الدولية، وأخرى تنادي بالدبلوماسية لحل القضايا التي تهدد فعلاً الأمن والسلم العالميين، وهذا استقطاب للمسرح الدولي كان مألوفاً أيام الحرب الباردة، حيث كان التراشق بالفيتو أمراً شائعاً.

undefined

تقرير/ سمير خضر: البعض رأي فيه سجالاً بين موقفين متناقضين، والبعض الآخر فسَّره على أنه محاولة لاستقطاب الآخرين، لكن الجميع يتفق على إن الحرب.. حرب العراق قد بدأت فعلاً في مجلس الأمن، حربٌ بين معسكر صقور تقوده واشنطن ومعسكر سلام تقوده فرنسا، الأول يريد تحويل هذه الحرب إلى واقع عسكري على أرض العراق، والثاني يريد إبقاءها في إطار السجال السياسي أو بالأحرى النظري، وبين هذا وذاك وجد (هانز بليكس) ومحمد البرادعي نفسيهما بين فكي كمَّاشة، فقد حاول الرجلان البقاء ضمن نطاق صلاحياتهما وتخصصهما التقني البحت، لكنها في الواقع أعطيا كلا المعسكرين الذخيرة التي مكنتهما من شن الهجوم على الآخر، فما الذي قاله بليكس والبرادعي بالضبط، باختصار أكدا أن التعاون العراقي جيد وفي ازدياد مطرد، وهذا الازدياد من منظور معسكر السلام يعني أن عمليات التفتيش تؤتي أكلها، لكنها من منظور المعسكر الآخر تعني أن التعاون العراقي لم يرقَ إلى درجة الكمال أي عدم التزام ببنود قرار مجلس الأمن التي تنص على تعاون كامل 100%، تفسيران متناقضان للوضع نفسه وللعبارات نفسها يؤكدان على عدم واقعية الحديث عن وحدة مجلس الأمن، خاصة مع تلميح بعض القوى الكبرى في المجلس إلى أنها على استعداد للتضحية بهذه الوحدة باللجوء إلى سلاح الفيتو، ففرنسا وروسيا تلوحان باستخدام حق النقض ضد مشروع القرار البريطاني الأميركي الإسباني المعدل الجديد، والفيتو يعني هنا نقض قرار الأغلبية في المجلس، وواشنطن ولندن تؤكدان على أنهما ستتجاهلان قرار المجلس إذا لم يوافق على إعطائهما ضوءاً أخضر لمهاجمة العراق، أما الأعضاء غير الدائمين، فبعضهم أعلن موقفه: مع الحرب مثل إسبانيا وبلغاريا، أو ضدها مثل ألمانيا وسوريا، والآخرون يخضعون اليوم لضغوط يسميها البعض مساومة، ويتذمر البعض الآخر من أنها ليست سوى مقايضات أو رشىً لشراء ذمم على المستوى الدولي، ولا يبدو أن الحرب التي تدور رحاها في مجلس الأمن ستضع أوزارها عما قريب، فعجله الآلة العسكرية الأميركية بدأت بالدوران منذ مدة، وأصبح من الصعب إيقافها، إذا أخبرت القيادة العسكرية الأميركية الرئيس الأميركي بأنها أصبحت اليوم جاهزة للعمل، ولم يتبقَ إذاً سوى اتخاذ القرار بغض النظر عن موقف هذا أو ذاك، فرهان واشنطن يتركز الآن على ما بعد بداية العمليات العسكرية، رهان على انفراط عقد المعارضة الفرنسية الروسية الألمانية ومسارعة هذه الدول إلى محاولة الحصول على جزء من الكعكة العراقية والتخلي عن المثل والقيم التي لم يَعُد لها وجود في عالم القطب الواحد.

إعلان


الدور التركي في شمال العراق بين الضغط الأميركي والارتياب الكردي

جميل عازر: القطب الأوحد يحاول اجتذاب تركيا إلى موقف يفتح أمام القوات الأميركية بوابات العبور إلى شمالي العراق على مصاريعها، وهذا سيضع على عاتق أنقرة مسؤوليات، ويعطيها دوراً ربما لا تستطيع النهوض أو لا ترغب القيام به لاعتبارات كثيرة، فالأكراد العراقيون في المقام الأول لا يخفون خشيتهم من تبعات دخول تركيا شريكاً في الحرب على العراق، والأتراك أنفسهم مرتابون من مخططات الولايات المتحدة للمنطقة بما في ذلك مستقبل الأكراد فيها، وقد كانت المظاهرات التي شهدتها كردستان العراق أوضح تعبير عن الشكوك المتبادلة بين الجانبين، الأمر الذي لابد ويثير قلق واشنطن وأنقرة معاً.

undefined

تقرير/ أسامة راضي: مشاعر الخوف تسيطر على أكراد شمال العراق مما يتوقعونه في حال دارت عجلة الحرب، وما الحديث عن ثورة قد تندلع من جانبهم ضد الوجود العسكري التركي في مناطقهم إلا رد فعل لما يخشون أن يحيق بهم من جانب الجيش التركي الذي نكَّل بأشقائهم في تركيا، فقد خاض الجيش التركي 15 عاماً من الحرب في جنوب شرقي تركيا على عناصر حزب العمال الكردستاني، وهي معارك قتل فيها أكثر من 36 ألف شخص، ولم تنتهِ إلا باعتقال زعيم الحزب عبد الله أوجلان في عام 91، وشهدت مناطق شمالي العراق بعضاً من حملات الجيش التركي وملاحقاته لأولئك الثوار الأكراد الذين يطمحون إلى إقامة كيان مستقل في المناطق الكردية، ويطالبون بالحقوق الثقافية لأكراد تركيا الذي يشكلون نحو 20% من سكانها، الخطر الذي يشعر به أكراد العراق من التدخل العسكري التركي دفعهم لتوحيد صفوفهم، فقد اتفق الفصيلان الرئيسيان الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستانيان على تشكيل قيادة موحدة لتوجيه الحزبين عسكرياً وسياسياً في المرحلة القادمة، وهي خطوة تبدو تنفيذاً لاتفاقية وقعها زعيما الحزبي في واشنطن عام 94، ولم يُصدِّقا عليها إلا قبل أشهر، الأكراد حذروا تركيا من ثورة تنتظر جيشها إن هي تدخلت عسكرياً في مناطقهم حتى وإن جاء تدخلها تحت قيادة أميركية. خاصة وأنهم حديثو عهد بالسيطرة على ثلاث محافظاتٍ في شمال العراق وهي دهوك والسليمانية وأربيل. إحكام الأكراد قبضتهم على تلك المناطق، وخاصة منطقتي الموصل وكركوك الغنيتين بالنفط هو ما تخشى تركيا أن يشجعهم على إعلان دولة مستقلة، ولذلك تبدو أنقرة عازمة على نشر الآلاف من جندها في شمال العراق بأهدافٍ معلنة، هي منع قيام دولة كردية في الشمال العراقي لقطع دابر حدوث الشيء نفسه في مناطقها الجنوبية الشرقية الكردية الغالبية.

إعلان

انفراد تركيا من بين القوى الإقليمية بالتدخل في شمال العراق قد يضيف تعقيدات للموقف خاصة إذا ما حاولت تغليب التركمان على أطرافٍ أخرى، وهو ما قد يفسر أنباءً صحيفة تحدثت عن تحركات في شمالي العراق لقواتٍ من فيلق بدر الشيعي المعارض المدعوم من إيران، وسواءٌ كانت المخاوف محصورة في شمال العراق أو إقليمية نظراً لتشتت الأكراد بين كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا، فالولايات المتحدة أعلنت رغبتها في مشاركة تركيا في العمليات المنتظرة في شمال العراق، شريطة أن يتم أي تحركٍ تركي بالتنسيق التام مع القوات الأميركية، وتبرر الولايات المتحدة هذه الرغبة بأنها لمحاولة تجنب أي معارك قد تندلع بين الجيش التركي وأكراد العراق، لكن مراقبين يعتقدون أن التنسيق التام الذي تطلبه واشنطن ليس إلا لاحتواء تركات الجيش التركي، لا سيما وأن أهداف كل من الجانبين قد تصطدم في لحظةٍ ما.


دلالات نتائج انتخابات مجلس الشعب السوري

جميل عازر: لم يكن في نتيجة انتخابات مجلس الشعب السوري أي مفاجآت رغم أنها الأولى في عهد الرئيس بشار الأسد الذي وعد بإصلاحاتٍ على أكثر من صعيد عندما تسلَّم الحكم بعد وفاة والده، فالجبهة التقدمية بقيت المهيمنة على المجلس بزعامة حزب البعث، وسينبغي لأي تغيير أن يمر عبر القنوات المألوفة في ظل قوانين هي ذاتها بحاجة إلى إصلاح، ومن هنا فإن المدافعين عن حقوق الإنسان والمطالبين بالحريات في سوريا سيجدون أن عليهم الانتظار قبل أي انفراج، خاصةً وأن المعتذرين يشيرون إلى ما يصفونها ظروفاً خاصة تواجهها القيادة السورية وحرسها القديم.

undefined

تقرير/ حسن إبراهيم: فوزٌ متوقع للجبهة الوطنية التقدمية في الانتخابات النيابية السورية، وتساؤلات المواطنين والمراقبين واحدة، ما الذي تغير؟ فالانتخابات التي تعتبر الأولى منذ خلافة الرئيس بشار الأسد لوالده حافظ عام 99 لم تأتِ بالجديد 176 مقعداً من مقاعد البرلمان السوري الـ 250 مخصصةٌ للجبهة الوطنية التقدمية، ورغم أن كثيرين تفاءلوا في بداية عهد الرئيس الابن لانفتاح سياسي وشفافية حاول الناشطون السوريون في مجال حقوق الإنسان والعمل السياسي اغتنام الفرصة، وبدءوا تجربة منتديات وصالونات سياسية، ولكنهم سرعان ما دفعوا الثمن، محاكمات وملاحقات أدت إلى سجن بعضهم وصمت آخرين، فالحرس القديم في سوريا مازال ممسكاً بكل ما أُوتي من سلطة، وحتى البرلمان الجديد في عهد بشار الأسد لن يختلف عن سابقه من حيث عدد المقاعد المخصصة للجبهة الوطنية التقدمية التي يهيمن عليها حزب البعث الحاكم، الأمر الذي ينطوي على مدلولات واضحة بالنسبة لإحداث تغييرات تفي بالتطلعات، ويمكن القول إن موقع سوريا الجغرافي فرض عليها منذ القدم أن تكون نقطة تقاطع مشاريع سياسية متباينة وموجات استعمارٍ متتالية، وفي العصر الحديث تصادمت سوريا بمشروعها القومي العربي مع المشروعين الصهيوني في إسرائيل ومشروع الانعتاق الفينيقي الماروني في لبنان، وها هي تنوء تحت عبء احتلال إسرائيل لهضبتها في الجولان ووجودٍ عسكريٍ مكثف في لبنان يتناقص ويتزايد حسب الضغوط الدولية، أو حسب التملل اللبناني المدعوم دولياً، وكان انعكاس التحديات الخارجية على المواطن السوري كبيراً، فقبضة الحكومة على منافذ التعبير السياسي والاقتصاد، بل حتى الهويات الإثنية المتعددة كانت حديدية، ولعل البرلمان السوري الذي لم يشهد حالة واحدة من التمرد على الخط الرسمي الحكومي بحكم تركيبته أبلغ معبر عن الحالة السورية التي ليست استثنائية في منطقة الشرق الأوسط إلا من حيث طول مدتها، أي منذ استيلاء الرئيس الراحل حافظ الأسد على السلطة عام 70، فيما يسمى بالثورة التصحيحية، وقد بدأ الرئيس بشار بإدخال إصلاحات في بنية الاقتصاد السوري، ونجح في تعديل قوانين الاستثمار التي أدت إلى اجتذاب بعض الرساميل العربية والأجنبية، وفي هذه الأثناء مازالت المآخذ القديمة على جبهة حقوق الإنسان وحرية التعبير قائمة دون أي تغيير، ويعزو بعض المعتذرين التقصير في هذه المجالات إلى الأوضاع التي تواجهها سوريا ابتداءً من المواجهة مع إسرائيل، والمشاكل مع تركيا، والآن التهديد الأنجلو أميركي بضرب العراق، ويساور السوريين قلق كبير من أن تستغل إسرائيل الحرب المحتملة لتنفيذ مخططاتها ضد دمشق ولبنان بحجة القضاء على المقاومة اللبنانية، ناهيك عن الفلسطينيين، وهكذا فإن مطالبة البرلمان السوري الجديد بإجراء إصلاحات جذرية قد تكون أكثر مما يستطيع تقديمه، وفي ظل هذه الظروف يبقى زمام المبادرة السياسية والاجتماعية في يد القيادة السورية.

إعلان

جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً بعد فاصل:

كوريا الشمالية مزيد من التحدي لواشنطن على أكثر من صعيد، ولكن ما هي الأهداف وما هي التداعيات؟

[فاصل إعلاني]


مدلولات زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر على أرض الواقع الفرنسي الجزائري

جميل عازر: كان لحرارة الترحيب الذي لقيه الرئيس الفرنسي (جاك شيراك) في زيارته الرسمية الأولى للجزائر أكثر من مغزى، وقد عكس هذا الاستقبال ما يجده خليفة (شارل ديجول) من شعبية في الدول الإسلامية قاطبة بسبب موقفه الرافض لحربٍ أميركية على العراق، وقد اغتنم شيراك هذه الشعبية فقابل الجزائريين بدفءٍ مماثل وبإيماءةٍ تنم عن تحول في نظرة باريس إلى مستعمرتها السابقة عندما وضع إكليلاً من الزهور على ضريح الشهداء الجزائريين.. شهداء الثورة، ورغم ذلك فإن للجزائريين أولوياتهم في العلاقة مع فرنسا على المستوى المحلي والثنائي وكذلك العربي والإسلامي الأوسع نطاقاً.

undefined

تقرير/ سمير خضر: "شيراك فيزا.. شيراك فيزا" بهذه العبارة استقبلت حشود الشباب الجزائري الرئيس الفرنسي الذي يطأ أرض بلادهم في أول زيارة رسمية، تأشيرة دخول إلى فرنسا، تأشيرة هروب من الواقع المرير، فالتاريخ يحكي لنا هنا قصة علاقة حب وجفاء، تقارب وتباعد بين شعبين تعايشا وتحاربا على مدى سنين طويلة، شوارع باريس ومارسيليا وليون وغيرها من المدن الفرنسية لا تزال إلى يومنا هذا شاهداً على المد الجزائري في القارة الأوروبية، مدٌ تتسارع وتيرته رغم بوادر التطرف العنصري في الشارع الفرنسي والذي لا يمثل (جان ماري لوبان) سوى أحد مظاهره، أما شوارع الجزائر العاصمة، ووهران وعنابة وغيرها من مدن الجزائر فإنها تزخر بمظاهر التراث الحضاري والمعماري الذي خلَّفه المستعمر الفرنسي وراءه قبل رحيله في مطلع الستينات تحت وطأة ضربات جيش التحرير، ورغم انعتاق الجزائر رسمياً من الاستعمار والتباعد بينها وبين باريس، فإن العلاقة العضوية استمرت، فالفرنسية لا تزال اللغة المهيمنة في الجزائر وما يسمى بمعسكر الفرنكفونية يمسك بزمام الأمور في البلاد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولا يزال حلم الهجرة إلى فرنسا يداعب مخيلة كثير من الجزائريين، كل ذلك لا يطمس بالطبع الاعتبارات الأخرى وعلى رأسها شخص الرئيس الفرنسي، إذ لا أحد يشكك اليوم في أن شيراك أصبح الشخصية السياسية الأكثر شعبية في العالم العربي بسبب موقفه من الحرب التي تريد واشنطن شنها على العراق. وشيراك ما انفك يلمح إلى أن العالم العربي سينظر إلى مثل هذه الحرب على أنها تجسيد لصدام الحضارات وكرر هذه المقولة أمام البرلمان الجزائري الأمر الذي حدا بالرئيس بوتفليقة إلى الإقرار بأن شيراك يستحق عن جدارة جائزة نوبل للسلام.

إعلان

الجزائر المستقلة احتفت رسمياً وشعبياً برئيس الدولة التي كانت تصول وتجول في بلادهم دون حسيب أو رقيب، لكن أصواتاً أخرى ارتفعت لتعبر عن موقف مغاير، فإذا كان هناك من أضفى على شيراك صبغة القدسية فإن هناك أيضاً من عاب عليه صمته تجاه ما يعتبرونه ظلماً واقعاً على دعاة الهوية الأمازيغية، وهناك آخرون انتقدوا كلامه المعسول غير المقرون بالأفعال وخاصة في المجال الاقتصادي ومكافحة الفقر والبطالة والتنديد بما يعتبرونها انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان.

لكن جميع الجزائريين يتفقون على الحد الأدنى الذي يتمثل في فتح صفحة جديدة واعدة في العلاقات مع فرنسا التي يعتبرونها بوابة أوروبا وبوابة الانفتاح على واقع جديد لا يزال في نظرهم حلماً بعيد المنال.

جميل عازر: وينضم إلينا من باريس (الباحث في العلاقات الدولية) دكتور خطار بودياب، دكتور خطار، أولاً ما الذي فعله شيراك ليكافأ على الصعيدين الشعبي والرسمي في الجزائر بذلك الترحيب الحار؟

د. خطار بودياب: مساء الخير، أعتقد إن موقف شيراك من الأزمة العراقية كان له الأثر الكبير، لكن يتوجب التذكير أيضاً إنه منذ سنتين عندما حل زلزال في الجزائر أتى شيراك الذي كان يزور تونس والمغرب وقتها في زيارة عاجلة إلى منطقة باب الواد، ومنذ ذلك الحين حصل بينه وبين الجزائريين ود أخذ يتكرس أكثر فأكثر مع مواقفه الدولية، لابد من القول أيضاً إن فرنسا خرجت من الجزائر بما يمكن أن نسميه سلام الشجعان، وذلك ترك أثراً كبيراً، هناك اليوم في حدود 2.5 مليون أو 3 ملايين شخص جزائري أو من أصل جزائري يعيش في فرنسا، إذن هناك علاقة حب وجفاء، هناك علاقات متشابكة إنسانية واقتصادية وثقافية، الاستعمار الفرنسي ترك وراءه آثاره، ترك إدارة تمشي، ترك اقتصاد، وترك أيضاً ثقافة لا تزال حية اعتبرها يوماً من الأيام الجزائريون نوعاً من الغنيمة بعد حرب الاستعمار، إذن كل ذلك ساهم ويسهم في تقوية واستمرار العلاقة، ومواقف شيراك الشخصية الأخيرة أعطتها دفعاً إضافياً.

إعلان

جميل عازر: طيب دكتور، استعرضنا العلاقة بين فرنسا والجزائر ما هي أعقد المشاكل التي تعتري هذه العلاقة؟

د. خطار بودياب: أعتقد أن أعقد المشاكل لا تزال مسألة الهجرة، مسألة الهجرة من.. من جنوب المتوسط نحو دول أوروبا الغربية ومحاولة وضع جدار برلين جديد تشكل عائق كبير، كل الشباب هناك يفتش على المجيء إلى الجنة الأوروبية، هناك مشكلة أساسية، فهذا الشعب الجزائري الذي ضحى كثيراً بالمليون شهيد لينال استقلاله لا يجد اليوم مفراً من محاولة الهجرة إلى أوروبا وإلى فرنسا تحديداً بأي ثمن، إنه فشل دولة الاستقلال، وأتت الحرب الأخيرة لتزيد هموم الجزائريين ولتزيد أيضاً قلق الفرنسيين.

هناك ترابط يجب عدم النسيان بأن الجزائر بقيت إقليماً فرنسياً حتى عام 1962، الاستقلال حديث العهد، الدولة الجزائرية سرعان ما تعرضت بعد موت الرجل القوي فيها هواري يومدين لهزات، لكن الآن يمكننا القول إن التعقيدات الأخيرة الناتجة عن مشاكل الحركات الإسلامية وعن مواضيع أخرى أخذت في الحلحلة، وهناك اليوم عقد صداقة ما بين باريس والجزائر تكرَّس بإعلان صداقة خلال زيارة شيراك يمكن أن يتطور إلى معاهدة كما حصل الأمر بين برلين وباريس وهذا يعني طي صفحة تاريخ أليم، وما اعتذار رئيس شيراك عبر موضع الأكليل على مقبرة لشهداء الجزائر وما محاولة الرئيس بوتفليقة أيضاً لطي الماضي الأليم إلا محاولة للقفز إلى الأمام لتبيان المصالح المشتركة الكبيرة والقوية بين البلدين.

جميل عازر: طيب دكتور خطار ما الذي يمكن أن يقوم به الرئيس الفرنسي يعني الجمهورية الفرنسية بوجه عام في مساعدة الجزائر على تخطي المحنة شبه الحرب الأهلية التي تدور فيها.

د. خطار بودياب: المصادر المطلعة هنا تعتقد بأن الجزائر تخلَّصت من عبء هذه الحرب، لا تزال هناك بعض مصادر القلق والتوتر في بعض المناطق، لكن مشروع الوفاق المدني الذي أحدثه الرئيس بوتفليقه المصالحة الوطنية أحدثا تقدماً كبيراً الموضوع في الجزائر يتعلق بشكل خاص في تطور الجزائر بنفسها، أي إن هناك إمكانيات كبيرة للاقتصاد، فالجزائر بلد كبير منتج للنفط والغاز، وهناك مسالة الخصخصة التي تتطلع عليها الدول الغربية، وتتنافس عليه أيضاً الولايات المتحدة والجزائر، وهذا ربما يشكل أحد أسباب الاهتمام الفرنسي الكبير بالجزائر لأنه في البوابة الخلفية لفرنسا تسعى باريس لأن يكون.. تكون منطقة المغرب العربي خلفيتها كما هي المكسيك مثلاً بالنسبة للولايات المتحدة، سيزيد الاهتمام ستزيد الشراكة بنظري، لكن ذلك بتوقف على تطور الجزائر الداخلي على القدرة على الخصخصة في مجال النفط وعلى القدرة أيضاً على حكم أكثر شفافية وديمقراطية وانسجاماً مع متطلبات العولمة.

إعلان

جميل عازر: طيب على مسألة ذكر النفط، والنفط مجال تدور حوله المنافسات الدولية، هل تعتقد أن زيارة (شيراك) عبارة عن جزء من المعركة.. معركة تصادم المصالح الفرنسية بالمصالح الأميركية والبريطانية والدولية الأخرى في الجزائر؟

د. خطار بودياب: نعم. إنها إحدى الجوانب فما بعد 11 سبتمبر 2001 قررت الولايات المتحدة أن تتخذ من عدة دول مصادر قوة لها أو قوى إقليمية مؤثرة، ومن هذه الدول بالضبط الجزائر، حصل بعض الإهمال حتى للمملكة المغربية التي كانت صديقة تاريخية للولايات المتحدة، فرنسا الآن تحاول عبر سياسة مغاربية فعالة تنطلق نحو تونس والجزائر والمغرب، ونحو تطبيع أيضاً مع ليبيا، تنطلق نحو إعادة مواقعها هناك وعدم السماح للولايات المتحدة التي تمكنت في السنوات الأخيرة من تحقيق إنجازات كبيرة في حقل النفط الجزائري على حساب الشركات الفرنسية، نعم.. إذن إحدى جوانب زيارة شيراك للجزائر هي محاولة دعم المواقع الفرنسية في وجه هجمة أميركية على الطاقة في العراق والجزائر وغيرها ومن أنحاء العالم.

جميل عازر: طيب، لنأخذ نتائج هذه الزيارة، ما هو مردودها لكل من الرئيس بوتفليقة والرئيس الفرنسي؟

د. خطار بودياب: أعتقد إن لها مردود بالنسبة للرئيس الفرنسي الذي يخوض مواجهة دبلوماسية صعبة مع الولايات المتحدة قد وجد في الاستقبال الحار في الجزائر مؤاساة له، لم يحصل في الجزائر هذا الاستقبال بملايين الأشخاص إلا عندما حلَّ جمال عبد الناصر في الجزائر عام 1956، إذن بالنسبة لشيراك وللسياسة المغاربية في فرنسا حصل تقدم، إعلان الصداقة مع الجزائر هو تأسيس لعلاقة متينة تتخطى حدود الماضي، وفيها أيضاً نوع من الشراكة الاقتصادية أساساً بزيادة الاستثمارات الفرنسية في الجزائر والمبادلات الإنسانية والاقتصادية، من ناحية الجزائر بالذات.

الرئيس بوتفليقة الذي يطمح لولاية رئاسية ثانية وجد أيضاً في هذه الزيارة ضالته وأعتقد إن ذلك يشكل أيضاً لعبة ضمن موازين القوى الداخلية في الجزائر، هذه الزيارة تندرج إذن في سياق علاقة تاريخية معقدة شهدت الكثير من الصعود والهبوط لكنها علاقة لابد منها، ولا يمكن لأي من الطرفين الاستغناء عنها.

إعلان

جميل عازر: دكتور خطار بودياب (الباحث في العلاقات الدولية في باريس) شكراً جزيلاً لك.


أهداف وتداعيات تحدي كوريا الشمالية لأميركا

عنوانه التحدي وربما الاستفزاز وإنما إلى حد يثير الكثير من التساؤلات عن الأهداف، فإعلان كوريا الشمالية عن استئناف تجاربها الصاروخية في أعقاب تنشيط مفاعلاتها النووية وانسحابها من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وحتى اعتراض طائرة تجسس أميركية لابد أن يستثير سخط واشنطن التي تصر على أنها لن تذعن لمطالب (كيم جونج إل)، ولكن الزعيم الكوري الشمالي يقرأ في انشغال الولايات المتحدة بالأزمة العراقية من المؤشرات ما يجعله يتخذ موقفاً يبدو للبعض غير منسجم مع قدرة كوريا الشمالية على تحدي العملاق الأميركي.

undefined

تقرير/ حسن إبراهيم: قد لا يكون هدف (كيم جونج إل) إبرام معاهدة سلام مع الولايات المتحدة أو إقامة علاقات دبلوماسية مع واشنطن أو الحصول على مساعدات أميركية، بل يريد إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية لإخراج الأميركيين من الشطر الجنوبي، هذا -على الأقل- ما يراه أحد المقربين من الزعيم الكوري الشمالي، ولكن التمني شيء وتحقيق الهدف على أرض الواقع شيء آخر، وهذا يطرح التساؤل عن الهدف الرئيسي من وراء إثارة الكوريين الشماليين للأزمة الحالية بنبرة من التحدي الذي يبدو أنه يتجاوز حدود قدرتهم العسكرية، فرغم أنه لدى الشماليين جيش يضم مليون عسكري ولديهم من الصواريخ ما يمكن أن يشكِّل سلاحاً استراتيجياً متوسط المدى، على الأقل يبدو في هذه المرحلة أن الثمن الذي يمكن أن تدفعه بيونج يانج سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً لا يبرر ذلك الموقف المتشدد، فما الذي يريده كيم جونج إل فعلاً؟ يمكن القول إنه عند إمعان النظر في الوضع الداخلي نجد أن الحالة الاقتصادية التي تمر فيها كوريا الشمالية وخاصة ما يعانيه كثيرون بسبب الجفاف الذي أدى إلى نقص في المواد الغذائية قد يؤدي إلى تململ أو اضطرابات شعبية، رغم أن الشعب الذي يحكمه نفس النظام منذ ما يزيد عن نصف قرن لم يتعود إلقاء اللوم على حكومته وعندما تجد بيونج يانج نفسها محاصرة بين تدويل قضية برامج تسلحها النووي وبين رفضٍ أميركي لمبدأ معاهدة عدم اعتداء أو حتى حل المشكلة من خلال محادثات ثنائية يبدو في إثارة أزمة بالشكل المطروح الآن مخرجاً جديراً بالمجازفة وتخيَّرت بيونج يانج التوقيت المناسب لإظهار حالة من الاستقطاب تجاه العدو الإمبريالي، كما تسميه، فالإعلان عن إعادة تفعيل برنامج بيونج يانج النووي جاء في أعقاب وصف الرئيس الأميركي لكوريا الشمالية بأنها واحدٌ من ثلاثي محور الشر وقطع واشنطن إمدادات النفط التي وعدت بتقديمها إلى الكوريين الشماليين، وتصعيد لهجة الاستخفاف بالقوة الأميركية أتى في خضم انشغال واشنطن بحربها المزمعة ضد العراق، وهناك عامل آخر وهو مجيء رئيس جديد إلى الحكم في كوريا الجنوبية معروف بميله إلى الحوار مع بيونج يانج لحل المشاكل العالقة، ولعل أوضح وربما أخطر وسائل لفت انتباه واشنطن إلى جدية موقف الكوريين الشماليين هو إنهاء تجميد تجارب صواريخهم المتوسطة المدى.

إعلان

تم نزع فتيل الأزمة النووية السابقة عن طريق المفاوضات، ولكنَّ عناصر التوتر الأخير بين الجانبين قد استعصت على الوساطة حتى الآن، وربما لا تقبل واشنطن بأقل من نزعٍ تام لبرنامج التسلح النووي والكيمياوي والبيولوجي في كوريا الشمالية الأمر الذي لا يبدو قابلاً للتحقيق في ظل الظروف الراهنة، وهذا ما يرشِّح كوريا بشطريها لمرحلة محفوفة بالمخاطر.

جميل عازر: وبهذا نختتم جولتنا في (الملف الأسبوعي) ونذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع الجزيرة نت في الشبكة المعلوماتية الإنترنت أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني، وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة