
الاستجابة العربية للفلسطينيين وموضوعات أخرى
مقدم الحلقة | توفيق طه |
تاريخ الحلقة | 08/12/2001 |
– سياسة شارون وحلم تطبيق الترانسفير
– عرفات بين مطرقة إسرائيل وسندان الحرب الأهلية الفلسطينية
– الولايات المتحدة والمشهد السياسي في أفغانستان بعد الحرب
– سقوط طالبان وملاحقة الملا عمر وبن لادن
– متغيرات الحياة في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي
توفيق طه: أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوع)، ومعنا هذا الأسبوع: (شارون) يسحق البنية التحتية الفلسطينية، ويمرَّغ كرامة السلطة الوطنية في التراب بما يعتبر تمهيداً لتطبيق سياسة ترانسفير.
استجابة عربية ضعيفة للمناشدات الفلسطينية، وعرفات بين مطرقة إسرائيل وسندان الحرب الأهلية الفلسطينية.
وتسليم طالبان لقندهار يسدل الستار على واحدة من أكثر تجارب الحكم إثارة للجدل، والولايات المتحدة تصرُّ على أسر أو قتل الملا محمد عمر.
سياسة شارون وحلم تطبيق الترانسفير
يبدو أن الحكومات الإسرائيلية استمرأت انتهاك رموز السيادة الفلسطينية، فبعد (باراك) هاهو (أرئيل شارون) يجتاح الأراضي الفلسطينية للمرة الثانية، وهذه المرة قصفت بالطائرات الإسرائيلية مقر الرئيس الفلسطيني، واجتلت المدن الفلسطينية. ولو كانت محاربة لإرهاب الفلسطيني هي المسوِّغ الذي تقدمه إسرائيل تبريراً لما تفعله ألا يمكن تسمية ما تفعله إسرائيل من استهداف للمدنيين الفلسطينيين إرهاباً؟ وما الذي يرمي شارون إلى تحقيقه؟ أهو حقاً إيقاف الانتفاضة، أم ترى يريد جعل حياة الفلسطينيين مستيحلة حتى يهاجر الشعب الفلسطيني كما هاجر عام 48.
تقرير/ حسن إبراهيم: إنها الحرب ضد الشعب الفلسطيني نفسه، ضد وجوده على أرض فلسطين والتي يصر الشعب الفلسطيني على تسميتها "فلسطين" لا يهود والسامرة، وعلى الرغم من كل تعقيدات الأرض، وكل القذائف من طائرات الأباتشي، ورغم الدم الفلسطيني الذي يسفك بدم بارد منذ ثلاثة وخمسين سنة فإن هذا هو لب القضية، جيش احتلالٍ غاشم، وشعب يتمسك بأرضه رغم أساطير الصهيونية عن أرض بلا شعبِ لشعبٍ بلا أرض، العالم بمن فيهم الولايات المتحدة يعترف بأن الوجود الإسرائيلي على أراضي الضفة والقطاع هو احتلال، ورغم تأييد الولايات المتحدة الكامل لإسرائيل، حتى وهي تقتل الفلسطينيين بدم بارد، رغم التأييد فهي تعترف بقرار الأمم المتحدة (242)، (338) وفي القرارين ما ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة والقطاع، وعودة اللاجئين وحسم لموضوع القدس، رغم كامب ديفيد، ووادي عربة، واتفاقية أوسلو وما تلاها من اتفاقات، فقد عجز العالم عن كبح جماح إسرائيل، فمن ذا الذي يجرؤ على انتقاد إسرائيل إلا بأصوات واهية على قتلها المعتمد للفلسطينيين، وإلى هدمها المتخلل لمنازلهم وإلى سحب هوياتهم، وتعذيبهم، وقصفهم بكل ما في جعبتها من أسلحة دمار، وهاهو شارون يحاول ليس فقط معاقبة الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية على العملية التي قامت بها عناصر من تنظيم حماس، بل هو يريد فرض واقع على الأرض قد يؤدي إلى تحقيق حلم إسرائيل القديم بالترانسفير، أي الهجرة الجماعية للشعب الفلسطيني، لكن هناك قراراً فلسطينياً بعدم تكرار ما حدث عام 48 عندما هاجر مئات الآلاف من الفلسطينيين بعد سياسة الإرهاب الإسرائيلية، وخفق الوعود العربية التي أكدت لهم بأن الجيوش العربية السبعة التي ستحارب إسرائيل ستهدمها على رؤوس أهلها، ثم تعيد الشعب الفلسطيني إلى قواعده سالماً.
التخندق إذاً والثبات على الأرض هو قرار شعبي فلسطيني قبل اتفاقات أوسلو التي أعادت بعض ناشطي الشتات إلى الداخل حكتماً، ومن هنا فإنه حال من ينقشع دخان قذائف طائرات الأباتشي تخرج الجماهير إلى الشوارع تدفن موتاها، وتضمد جراحها، وتنتظر جولة أخرى من القصف الإسرائيلي.
حكومة الائتلاف الإسرائيلية مضعضعة رغم ما قاله وزير الخارجية، زعيم حزب العمل (شيمون بيريز) إلا أنها تعلم أن إلقاء اللوم على عاتق عرفات، واتهامه بالفشل في كبح جماح التنظيمات التي تسميها إسرائيل بـ"الإرهابية" هو السبيل الوحيد لتبرير فشل أجهزتها الأمنية أمام الشعب الإسرائيلي، فشارون يهرب إلى الأمام،، ولن يتوقف حتى يثبت للشعب الإسرائيلي أن الفشل الأمني الإسرائيلي سيتحول إلى نجاح إن تم إذلال عرفات، وتدمير معظم البُني التحتية، لا فقط للإرهابي، بل للشعب الفلسطيني برمته، وإشعال حرب أهلية فلسطينية، أما عرفات فلعله يعلم في قرارة نفسه أن ورقته الرابحة هي التمسك بالشعب الفلسطيني بكل فصائله وقواه، لكن يبدو أن ضرورات السياسة تفرض عليه إجراءات مختلفة قد تؤثر على الوحدة الوطنية الفلسطينية.
عرفات بين مطرقة إسرائيل و سندان الحرب الأهلية الفلسطينية
توفيق طه: تطالب إسرائيل السلطة الوطنية الفلسطينية باعتقال جميع من تسميهم بـ"الإرهابيين"، وإسرائيل تعني هنا ناشطي حماس والجهاد، وهو أمر إن تحقق بالصورة التي تريدها إسرائيل فسوف يؤذن بحرب لا تبقى ولا تذر ما بين الفلسطينيين أنفسهم، ولعلَّ هذا يجعل الإسرائيليين أكثر سعادة. مصر التي أرسلت وزير خارجيتها إلى إسرائيل تريد التأكد من أن إسرائيل لن تقتل الرئيس عرفات لتفادي تعقيدات إضافية على أرض الواقع، وليس غريباً على الرئيس الفلسطيني أن يقاتل وحيداً، لكنها المرة الأولى التي يقف فيها فلسطينيو الداخل على شفا حرب أهلية.
تقرير /سمير خضر:هذا هو رد شارون على محاولات عرفات تحجيم عدو إسرائيل اللدود حركة حماس، مزيد من القصف الجوي على مقرات ومنشآت السلطة الفلسطينية ومزيد من مشاعر العداء والبغضاء لكل ما تمثله السلطة الفلسطينية، فشارون لا يخشى سوى شيئاً واحداً أن يتمكن الرئيس عرفات من تنفيذ تعهداته بالقبض على منفذي العمليات وينتزع منه ومن المتطرفين في حكومة إسرائيل الورقة الوحيدة التي يستطيع التلويح بها، والتي تتمحور حول عدم قدرة، أو عدم رغبة عرفات بوضع حد لما يعتبره شارون إرهاباً، ورغم عدم إعلان شارون رسمياً أن استراتيجيته تتلخص في التخلص من عرفات شخصياً، فإنه اعترف بهذا الهدف لبعض زعماء المنطقة ومنهم رئيس الوزراء التركي (بولنت أجاويد) الذي سارع إلى نشره على الملأ.
الرئيس الفلسطيني يجد نفسه منذ أمام خيارين أحلاهما مر، فإما الانصياع لإرادة شارون المدعومة أميركا ومواجهة حرب أهلية فلسطينية – فلسطينية، وإما مقاومة هذه الضغوط، الأمر الذي سيبرر بنظر واشنطن وتل أبيب استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية بهدف القضاء عليها نهائياً، وكلا الخيارين قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض سلطة عرفات ومكانته كزعيم تاريخي للشعب الفلسطيني.
(أنطوني زيني) جاء إلى المنطقة يحدوه الأمل في النجاح حيث فشل كل من سبقه فيه، اختفى عن الأنظار منذ بدء الهجوم الإسرائيلي وكأنه كان يقول لشارون أمضي ونفذ ما تريده وسأحاول لاحقاً إصلاح الأمور، وهاهو اليوم يعود إلى واجهة الأحداث ويجتمع ثانية بعرفات ليشجعه على الاستمرار في سياسة الاعتقالات التي يعتبرها تماماً مثل شارون غير كافية، فالمطلوب الآن من الرئيس الفلسطيني ليس مجرد اعتقالات، بل حملة منظمة ومستمرة ضد كل ما تعتبره واشنطن معادياً لإسرائيل، وعلى رأس هؤلاء حركة حماس، قوات الأمن الفلسطينية تجد اليوم نفسها في وضع ميؤوس منه، فهي تحاول من جهة تنفيذ أوامر الرئيس عرفات بالقبض على المطلوبين دون أن ينجم عن هذه المحاولات اشتباكات مسلحة تؤدي إلى حرب أهلية فلسطينية – فلسطينية تحقق أحلام المتطرفين اليهود، ومن جهة أخرى مواجهة العقبات التي يضعها شارون أمام تنفيذ هذه المهمة من خلال استمرار عمليات القصف للمقرات الأمنية الفلسطينية، وقد استطاعت الشرطة الفلسطينية لحد الآن تجنب الوقوع في الفخ الإسرائيلي رغم بعض الاحتكاكات مع أنصار حركة حماس في غزة، لكن الضغوط تتعاظم يوماً بعد يوم، وهاهو وزير الخارجية المصري يلقي بثقل بلاده السياسي في المعركة الدائرة بين شارون وعرفات على أمل تحويلها إلى معركة سياسية بدلاً من مواجهة مسلحة لن يكون فيها سوى خاسر واحد هو سنوات طويلة من عملية سلام أعادت بعض الأمل للمنطقة قبل أن يلقى هذا الأمل حتفه على يد شارون.
الولايات المتحدة والمشهد السياسي في أفغانستان بعد الحرب
توفيق طه: الحصيف من تعلم من أخطاء غيره، ويبدو أن العالم الغربي أخفق في تجنب الخطأ الذي وقع فيه الاتحاد السوفيتي، هذه المرة تتدخل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لمساعدة فصائل أفغانية في التغلب على حكومة معادية للغرب وكما حدث بعد جلاء السوفييت أواخر الثمانينات حيث تخلى الغرب عن البلاد بعد أن قضى مأربه، يبدو أن الأمور تسير الآن في هذا الاتجاه، فبعد الحماس الغامر لإقصاء طالبان وبدء عملية بناء النظام السياسي في (بون) تنذر الخلافات الداخلية في أفغانستان بأن تتطور إلى ما لا تحمد عقباه، فهل ستلعب الولايات المتحدة دوراً أكبر في إدارة شؤون أفغانستان، أم تكتفي بما حققته من اقتراب من مناطق النفط في دول آسيا الوسطى المتاخمة؟
تقرير /حسن إبراهيم: في هذا العنبر الفقير يرقد جرحى الأفغان، وإلى ألمانيا تحمل الطائرات الأميركية جرحى قواتها بعد أن قتلت قنبلة ذكية ثلاثة منهم، ولم يتوقف مقاتلو الميليشيات الأفغانية كثيراً عند حقيقة أن الجنود الأميركيين بعيدون عن الخطوط الأمامية، فالجيش الأميركي يقصف بقنابلة إما طائرة B 52 أو طائرة الهليكوبتر من طراز أباتشي، أما القتل المباشر والالتحام فيترك أمره إلى الأفغان، أشلاء مبان وبقايا بشر، هذا ما تبقى من قندهار، أحياء كاملة تحولت إلى خراب، وشعب حولته الحرب إلى مجموعة من اللاجئين والمتسولين والمرضى والجرحى والقتلى لكن هذا لم يشفي غليل الولايات المتحدة، فعلى الرغم من أن البنا التحتية لحركة طالبان وتنظيم القاعدة قد دمرت بالكامل، فإن الولايات المتحدة تصر على استمرار العمليات حتى يتم أسر أو قتل الرجلين، ولم ترضى الإدارة الأميركية عن أي اتفاق يسمح للملا عمر بالبقاء على قيد الحياة، أما على صعيد بناء النظام السياسي في أفغانستان فقد وقًعت الفصائل الأفغان المجتمعة في بون اتفاقاً بعد نجاحها في تشكيل حكومة موسعة منحت فيها معظم الوظائف السيادية لمجموعة أحمد شاه مسعود، وعين (حميد كرزاي ) البشتوني رئيساً لها ربما لكونه من عنصر البشتون لإرضاء باكستان أو ربما لأنه كان من ألد أعداء حركة طالبان التي يتهمها باغتيال والده في مدينة كويتا عام 99، وأمام عملية بون عقبات كثيرة بدأت من أحد الذين وقعوا عليهم ثم رفضوها وهو سيد أحمد جيلاني (أحد أهم الزعماء الروحيين والسياسيين للبشتون) ووصف الاتفاقية بالاجحاف، فمنح وزارة الخارجية والدخلية والدفاع لمجموعة واحدة لاشك يجعلها الأكثر نفوذاً، أما الزعيم الأوزبكي عبد الرشيد دوستم، فلم يكن جزءاً من العملية برمتها فبالتالي رفضها رفضاً باتاً واعتبرها إهانة منح فصيله وزارات يراها هامشية مثل الزراعة والصناعة والتعدين، وبالطبع يعقد موقف دوستم الموقف كثيراً، والرجل كثير الشك في خصومه من الطاجيك، وهو الذي احترف تغيير المعسكرات والتحالفات طوال حياته، وفي ظل إحساس كثير من البشتون بالمرارة تجاه الضربات التي وجهت لأبناء جلدتهم وما أسماه بعض علماء الدين البشتون بالفتنة التي مزقت أوصال قبائلها، فإن الصورة قاتمة للغاية قبيل انعقاد (اللوياجيركا) برلمان أفغانستان الموسع.
التقارب الإيراني الباكستاني قد يكون من الاشراقات القليلة لهذه الحرب القاسية، ومن المتوقع أن تخف حدة الصراع السني الشيعي في بعض مناطق الاحتقان الطائفي بباكستان مثل كراتشي، ولا يعرف بعد مصير العلاقات الأفغانية بدول أسيا الوسطى التي تتخامها، فكلها تعتبر معبراً إلى نفط بحر قزوين والاستثمارات التي تقدر بمئات مليارات الدولارات، وتعتقد أنه لهذا السبب وغيره من الأسباب تعد الولايات المتحدة نفسها لتواجد طويل المدى على الأراضي الأفغانية، لكن نعيم الثروات المتوقعة قد يحبطه جحيم البقاء في أرض أفغانستان القاسية.
توفيق طه: من قناة(الجزيرة) في قطر نواصل هذه الجولة في(الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً :
عقد كامل يمر على سقوط الاتحاد السوفيتي، ومحاولات روسية محمومة لاستعادة هيبة سقطت واتحاد انفرط عقده.
سقوط طالبان وملاحقة الملا عمر وبن لادن
يعتبر تسليم مقاتلي حركة طالبان أسلحتهم في قندهار بمثابة شهادة الوفاة للحركة بالصورة التي ظهرت بها منذ عام 95، ورغم أن الفصائل البشتونية التي استولت على المدينة تريد حل قضية طالبان بصورة تجنب تلك الفصائل إراقة الدماء إلا أن الولايات المتحدة ترفض أي حل لا يؤدي إلى قتل الملا محمد عمر ورفيق دربه أسامة بن لادن أو أسرهما.
تقرير/ سمير خضر: هكذا كانت قندهار قبل أسابيع، لهجة المقاومة ونظرات التحدي كانت واضحة على وجوه قوات طالبان في معقلهم وملاذهم الأخير، فقد حسبوا حساب كل شيء أو هكذا اعتقدوا، وظنوا ألا أحد يمكنه إخراجهم أو حتى التجرؤ علي منازلتهم هنا، وها هي قندهار اليوم ركام وحطام دمار شامل حل بها نتيجة القصف الأميركي المكثف لها ليلاً ونهاراً، ولم يعد أمام قائد الحركة من سبيل لتجنب مدنيته المزيد من الآلام سوى الرحيل عنها، ولكن ليس قبل تسليمها لأحد زعماء قبائل البشتون على حساب زعيم آخر، على أمل تجنب أن يحل بالمدينة وأهلها ما حل بمزار الشريف أو قندوز، ورغم حصول الملا عمر على عفو من رئيس السلطة الانتقالية (حميد كرازاي) فإن زعيم طالبان اختفى من المدينة عندما تخلى مقاتلوه منها، فهل استطاع الفرار؟وإلى أين ؟ وإلى متى؟
أسئلة كثيرة تدور في خلد الجميع، وعلى رأسهم أمراء الحرب الأميركية الذين جعلوا من القبض على الملا عمر أحد الأهداف المعلنة لحربهم في أفغانستان بالطبع إلى جانب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي يعتقد أنه يتحصن مع عدد من أتباعه في منطقة تورا بورا قرب جلال آباد، وبالتحديد في منطقة الجبل الأبيض التي تحولت منذ أسبوع إلى مركز للعمليات القتالية للقاذفات الأميركية ولعدة آلاف من مقاتلي تحالف الشمال الذين لم يعد لهم هم الآن سوى القبض على أسامة بن لادن، ويبدو أن هناك سباقاً محموماً بين عدد من أمراء الحرب الأفغان في تورا بورا للقبض على بن لادن على أمل الحصول على 25مليون دولار التي وعدت بها واشنطن كل من يجلب لها رأس زعيم القاعدة ما يجري في تورا بورا وما حل وسيحل بقندهار بعد رحيل طالبان، تساؤلات كثيرة لم تحصل على إجابة إلا بعد معرفة ما ستقوم به القوات الأميركية الموجودة على الأرض، أكثر من ألف من جنود مشاة البحرية لا يزالون يرابطو على أطراف قندهار، ولا يمكن لأحد أن يتصور أن يتقبلوا فكرة هروب الملا عمر من المدينة، والأرجح أنهم سيحاولون قطع الطريق عليه وملاحقته أينما ذهب، وهناك أيضاً بن لادن وأتباعه في منطقة الجبل الأبيض، حيث لا يمكن للقاذفات وحدها القضاء عليهم، ولابد إذن من تدخل عسكري بري من قبل القوات الخاصة الأميركية لملاحقتهم في الكهوف والمغارات التي تنتشر هناك بكثرة، حرب أفغانستان لم تنته إذن بعد، بل انتهت الجولة الأولى منها فقط.
متغيرات الحياة في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي
توفيق طه: كان سقوط الاتحاد السوفيتي مروياً وسقطت معه الثورة البلشفية التي أسهمت في تغيير العالم –كما نعرف- فثورة (فلاديمير التيش لينين) ضد الأمبراطورية الروسية عام 1917م كانت قفزاً على مراحل التغيير التاريخي التي رآها (كارل ماركس) الذي كان يدعو إلى بناء الرأسمالية، كي يبدأ التطور والاشتراكي ورغم أن الغرب ناصب البلاشفة العداء إلا أن الرأسمالية نفسها أدركت أنه لابد من إصلاحات اشتراكية لجعل النظام الرأسمالي أكثر إنسانية، لكن عوامل مثل البيروقراطية الروسية والقمع الذي مارسه الحزب الشيوعي وتداعيات المستنقع الأفغاني، ثم سباق التسلح المحموم مع الغرب أدت إلى الانهيار المحزن وما تلاه.
تقرير/ أكرم خزام: لم يبق إلا الرموز التي تخص في ثناياها أسرار إمبراطورية كانت تسمى بالاتحاد السوفيتي، الذي انتهى بمجرد تواقيع من قبل زعماء تربوا وترعرعوا وتسلموا مناصب حساسة في أبنيته الحكومية الضخمة.
الصمت الذي خيم على الشارع السوفيتي بعد الثامن من ديسمبر عام 91 لا يعكس حالة حزن على الهرم الضخم الذي سقط ولم يعد قادراً على لملمة أشلائه، فالناس تواقون إلى الحرية في التعبير والتنقل وإطلاق العنان للانخراط في هذا الحزب أو ذاك هرباً من العدوى بمرض السرطان الذي انتشر في نظام الحزب الواحد الأوحد، والناس تواقون إلى الملكية الفردية التي حرموا منها في نظام عمم عليهم حد اللباس، على أن البديل الذي وعد وعد بحياة رغيدة، ولكونه من الحرس السوفيتي القديم ولكونه لم يأت إلى السلطة بفعل ثورة حقيقية شرع بالاستئثار بالثروات الدفينة دون يعير اهتماماً لأوضاع الملايين التي أدركت أن انهيار الاتحاد السوفيتي حررها شكلياً، لكنه كبلها في عناء الهرب من الموت و… النظام الجديد الثراء والترف واللهو والسرقة والقتل من جهة والاحتجاج والصراخ والبحث عن بديل آخر من جهة ثانية.
القمم العديدة التي عقدت لكومنولث الدول المستقلة بهدف إعادة اللحمة وتطبيق الوعود بحياة رغيدة ظلت في إطار البهرجة والمجاملات الدبلوماسية مع أن عجزاً في إمكانية حدوث نقلة نوعية إن كان على صعيد العلاقات بين دول الكومنولث أو على صعيد الأوضاع في كل بلد على حدة وأمام هذه اللوحة يبدو اللحاق بالولايات المتحدة سمة تميز السياسة الخارجية للعديد من دول الكومنولث على اعتبار أن الأخ الأكبر في الكومنولث وهو روسيا، لا يستطيع حتى الآن لمً شمل الإخوة الصغار الذين عاشوا في الزمن الغابر في بيت سمي بالاتحاد السوفيتي.
هذه الحالة ستستمر في انتظار حدوث تغيرات في البني التحتية الفوقية لكل دولة من دول الكومنولث، لكن الثابت والأكيد أن الأمل بعودة الاتحاد السوفيتي تبدد وأن القادم الجديد لم يولد بعد.
أكرم خزام -الجزيرة -برنامج (الملف الأسبوعي) موسكو.
توفيق طه: وللتعليق على متغيرات الحياة في روسيا منذ سقوط الحكم الشيوعي في موسكو تحدثت عبر الهاتف إلى مراسلنا هناك أكرم خزام وسألته أولاً: أين هي روسيا على خريطة السياسة العالمية اليوم، بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ؟
أكرم خزام(مراسل الجزيرة – موسكو): تقسم الإجابة على هذا السؤال على مرحلتين، هناك المرحلة الانتقالية التي أعقبت الانهيار الاتحاد السوفيتي، أي مرحلة حكم (يلتسين)، والتي اتسمت كما هو معروف بالفوضى والاضطرابات والمظاهرات والاحتجاجات على الممارسات التي قام بها الرئيس (يلتسين) خاصة في السياسة الداخلية، إذ أنه من المعروف أن 60% حسب الإحصاءات الرسمية من عدد سكان في روسيا وصلوا إلى حد الفقر، المرحلة الثانية وهي مرحلة حكم الرئيس (بوتين) وهنا يمكن الحديث عن بداية نوع من الاستقرار في الحالة السياسية داخل الشارع السياسي الروسي، والسعي للنهوض بالاقتصاد الوطني واستعادة هيبة الدولة الكبرى على الصعيد الخارجي.
توفيق طه: نعم، على مستوى الناس يعني ماذا حققت هذه التوجهات الرأسمالية الجديدة، ماذا حققت للشعب الروسي من مكاسب؟
أكرم خزام: يعني أريد التأكيد على حقيقة توفيق، أولاً ما لفت نظري عن لحظة إعلان انهيار الاتحاد السوفيتي، وجود 18 مليون شيوعي في الحزب الشيوعي، لم يتظاهر أحداً احتجاجاً على إعلان انهيار الاتحاد السوفيتي، ما يعني أن الأغلبية أو الأكثرية المطلقة داخل روسيا أو داخل الاتحاد السوفيتي السابق عموماً كانت ترفض النهج السابق أو النظام القديم، لكنها وكما قلت في التقرير حلمت بنظام أفضل هذا النظام لم يحقق لها هذا الحلم أو هذه الطموحات التي كانت تعتمل بمخيلتها عموماً المتضررون من نهج اقتصاد السوق أو السياسة الرأسمالية الجديدة، وهم قلة أي الكبار في السن أو المتقاعدين، هم الذين يحلمون بعودة الاتحاد السوفيتي، أما فئة الشباب وهي الأكبر، فهي لا ترضى بالعودة وتحاول أن تجد لها طريقاً آخر، ليس على النمط الرأسمالي، وإنما على النمط الروسي.
توفيق طه: أكرم ماذا عن التغيرات في المجتمع الروسي من ناحية ثقافية ومن ناحية اجتماعية، كيف أثرت على حياة الناس؟
أكرم خزام: يعني معروف توفيق لديكم أنني خريج الأكاديمية المسرحية الروسية وأعمل في المسرح الروسي أكثر من مرة ولهذا.. يعني.. مطلع تماماً في هذا المجال أستطيع القول أن المسرح بذات لن يتضرر كثيراً من التغيرات التي حصلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
توفيق طه: بهذا نأتي مشاهدينا الكرام إلى ختام جولتنا في (الملف الأسبوعي) و تذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع الجزيرة نت في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، وسنعود- إن شاء الله في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام، لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا توفيق طه يستودعكم الله.