الملف الأسبوعي

الأكراد والحملة الأميركية وموضوعات أخرى

حقيقة الموقف الكردي من الحملة الأميركية على العراق، الأهداف الحقيقية لزيارة الرئيس الإيراني لكابل، أسباب الحرب بين فتح والضنية في مخيم عين الحلوة، روبرت موغابي ومحاولة وقف التدهور الاقتصادي في زيمبابوي، كوكب الأرض بين الجفاف والفيضانات وتخريب الإنسان.

مقدم الحلقة:

جميل عازر

تاريخ الحلقة:

17/08/2002

– حقيقة الموقف الكردي من الحملة الأميركية على العراق
– الأهداف الحقيقية لزيارة الرئيس الإيراني لكابل

– أسباب الحرب بين فتح والضنية في مخيم عين الحلوة

– روبرت موغابي ومحاولة وقف التدهور الاقتصادي في زيمبابوي

– كوكب الأرض بين الجفاف والفيضانات وتخريب الإنسان


undefinedجميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيه:

العراق جلال طلباني يجتمع مع الأميركيين في واشنطن ومسعود برزاني يتغيب، فما حقيقة الموقف الكردي؟
محمد خاتمي في كابول رسالة تعاون مع أفغانستان أم تحذير من الوجود العسكري الأميركي هناك؟

وعين الحلوة مخيم في حرب بين فتح والضمنية قتلى وجرحى ولكن هل الأسباب أعمق مما هو ظاهر الآن؟

حقيقة الموقف الكردي من الحملة الأميركية على العراق

أثارت تصريحات جلال طلباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بعد محادثاته في واشنطن بأنه على استعداد للترحيب بقوات أميركية في المناطق التي يسيطر عليها بشمالي العراق قدراً كبير من الاهتمام بينما تتصاعد نبرة التهديدات من واشنطن وبنفس القدر من الاهتمام قوبل رفض مسعود برزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الدعوة التي وجهتها إليه الإدارة الأميركية لحضور محادثاتها مع ممثلين للمعارضة العراقية، ومهما تكن أسباب هذا الموقف الذي اتخذه برزاني واعتبر صفعة للمسؤولين الأميركيين، فإنه دليل على الشرخ العميق بين قيادتي أكبر فصيلين كرديين.

undefined

تقرير/ سمير خضر: لطالما كانت قصة كردستان تحكي رواية المعاناة، معانة من التدخلات الخارجية والتبعية لهذا أو ذاك، ومعاناة من تسلط أمراء الحرب، ولا يختلف اليوم كثيراً عن الأمس إلا من الناحية الشكلية، فمنذ انتهاء حرب الخليج الثانية يعيش أكراد العراق في شبه استقلال ذاتي عن السلطة المركزية واستطاعوا أن يبنوا لأنفسهم مؤسسات على أنقاض تلك التي ورثوها عن بغداد، لكن مشكلتهم بقيت كما هي، إذ لا هم بقادرين على تحقيق الاستقلال الذي كانوا يحملون به بسبب معارضة كل جيرانهم ولا هم بقادرين على الاستغناء كلية عن السلطة المركزية في بغداد، والأهم أنهم غير قادرين على توحيد أنفسهم إذ لا تزال عدة فصائل تتنازع السلطة في شمالي العراق وعلى رأسها الفصيلان الأكبران، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طلباني، العلاقة بين هذين الفصيلين بقيت تتأرجح بين الوئام المؤقت والحرب الطاحنة، وعلاقة كل منهما مع السلطة المركزية في بغداد كانت تتأرجح بين المهادنة والنزاع المسلح، ورغم ابتعاد الفصيلين عن بغداد في أعقاب حرب الخليج تحالف فصيل البرزاني مع السلطة المركزية لإخراج جماعة طلباني من أربيل وكثير من المناطق الكردية في الشمال واقتصرت مناطق نفوذه الآن على السليمانية وبعض المناطق المحيطة بها تاركاً طريق التجارة مع تركيا في أيدي جماعة البرزاني الذي يحظى منذ ذلك الحين بدعم ضمني من بغداد، خاصة وأن البزراني لم يضع نفسه يوماً في.. في خانة ما تسمى بالمعارضة العراقية رغم احتفاظه بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة.

إعلان

أما جلال طلباني فقد اختار اللعب على عدة محاور، المحور الإيراني الذي يمده بالسلاح والعتاد، والمحور التركي شريان الحياة لكل أكراد العراق، والمحور الأميركي الذي بدأت صورته تتضح شيئاً فشيئاً إذ لم يخفى طلباني ترحيبه بنزول قوات أميركية في المناطق التي يسيطر عليها من أجل حماية الأكراد كما يقول، ولماذا إذن تنزل هذه القوات في شمالي العراق إن لم يكن من أجل غزو عسكري أمريكي مرتقب، طلباني رمى نفسه بذلك في معسكر المعارضة المتحالفة مع واشنطن، ربما على أمل أن تتطور الأمور لصالح دولة كردية أو على الأقل إذ تعذر ذلك للإطاحة بغريمه برزاني آملاً في يصبح الزعيم الأوحد لكردستان العراق.

جميل عازر: ونتابع هذا الموضوع ومعنا من لندن وفيق السامرائي (رئيس جهاز المخابرات العراقي السابق)، سيد وفيق بداية ما هي قراءتك أولاً لترحيب طلباني باستضافة إن صح التعبير قوات أميركية ورفض مسعود برزاني الدعوة التي وجهت إليه للذهاب إلى واشنطن؟ هل في هذا مجرد إعلان مواقف في هذه المرحلة؟

وفيق السامرائي (المدير السابق للمخابرات العراقية): الحقيقة قبل ما أجي إلى هنا اتصلت بالإخوان في الاتحاد الوطني الكردستاني وفي أطراف أيضاً أخرى مختلفة، الشيء والواضح بأن السيد الطلباني لم يدع القوات الأميركية، بل هنالك كان التباس، حصل التباس في الترجمة وكذلك في تقطيع المواد، لأن المقابلة التي جرت مع CNN لم تكن مباشرة بل سجلت ثم جرى عليها مونتاج وأُخذت منها بعض الفقرات وأسيء فهم أو ترجمة فقرات أخرى،مثلاً إنه لم يقل بأن هنالك عشرات الآلاف من القوات في سوريا ومن الأفراد، كان يقصد من قوات المجلس الأعلى المتواجدة في إيران وليس في سوريا، فإذن المقابلة وما نقل عنها لم يكن دقيقاً بهذا الاتجاه فيما.

يتعلق أيضاً بدعوة القوات الأميركية السيد الطلباني نفى ذلك بمقابلة مع قناة (الجزيرة) ومن الناحية العسكرية ومن الناحية الاستخبارية لا أعتقد إن هناك فرصة حقيقية لاستقبال قوات أميركية أو لتواجد أو لنشر قوات أميركية كبيرة بوقت مبكر في تلك المنطقة لأسباب ومعطيات جغرافية وعسكرية وأمنية كثيرة جداً، إذا أخذنا من.. نعم.

جميل عازر: طيب.. بالنسبة لموقف مسعود برزاني، ما هي قراءتك في تلك إذن؟

وفيق السامرائي: أنا سمعت التقرير قبل قليل، أيضاً العلاقة بين بغداد وبين برزاني الحقيقة لا نستطيع أن نقول بأنه علاقة ود، ولا نستطيع أن نقول بأن هنالك اتصالات مستمرة وتنسيق مستمر، إلا في حدود معينة، حدود التبادلات التجارية بعض إجراءات الأمن، يعني أمن المنطقة على اعتبار عندهم حدود مباشرة أو خط تماس مباشر، أيضاً ذهاب السيد البرزاني إلى أنقرة، إلى أميركا فُسر باعتبارات كثيرة أنا لا أعتقد بأنه يمثل موقف معين حاد ضد المعارضة العراقية أو رفض أو مقاطعة للاجتماعات، لأن كل هنالك ممثل رفيع للسيد البرزاني حضر الاجتماعات ربما أن السيد البرزاني شخصياً لم يعتد على حضور الاجتماعات أو الإكثار من حضور الاجتماعات، وربما أيضاً السيد البرزاني يريد أن ينظر خلف المنظور أي ماذا تريد أميركا تفصيلاً؟ ما هي الأهداف المقررة؟ ما هي الأهداف المتوقعة؟ ما هي الاحتمالات؟ فلذلك الصورة عندما لا تكون واضحة قبل الاجتماع ربما حصل الذي حصل، يقولون مسألة لوجستية أيضاً.

إعلان

جميل عازر: طيب، لابد وأن الأميركيين يعولون على دور كردي في حالة قرارهم شن حرب أو هجمات على العراق، في تقديرك ما هو.. أو ما هي طبيعة مثل هذا الدور؟

وفيق السامرائي: أعتقد إن استخدام القوات الكردية ليس مستحيلاً، ليس مستبعداً تماماً، ولكن لا توجد معطيات تُرجح هذا الاحتمال حتى الآن، كي تقوم القوات الكردية بدور معين ودور مؤثر في أي عملية كبيرة تستهدف إسقاط النظام في العراق لابد من تأمين عدد من العناصر ولابد من إسناد القوات الكردية إسناداً قوياً مثلاً، يحتاجون إلى ما لا يقل عن مائة ألف من تجهيز الوقاية الفردية من الأسلحة الكيماوية يحتاجون إلى معدات تطهير كبيرة على مستوى الكتائب، ويحتاجون أيضاً إلى مستشفيات، ويحتاجون إلى تدريب كيماوي ويحتاجون إلى مستشفيات لمجابهة الضربات البيولوجية وربما حقن ملايين البشر بأمصال مضادة للضربات البيولوجية من الجدري والإنثراكس وغيرها من المواد المتعارف عليها أو المعروفة، المنطقة الكردية أيضاً في خط تماس مباشر قريب جداً مع القوات العراقية وتقع ضمن أهداف الصواريخ، فلابد من تهيئة الكثير من عناصر الاستعداد لمشاركة القوات الكردية ووفقاً لهذا الأساس، وفقاً لمعلوماتي الشخصية، بأن الأكراد لم يتلقوا دعماً حقيقياً مباشراً لتفادي مثل هذه الضربات وعليه تبقى مسألة مشاركة القوات الكردية مسألة افتراضية حتى الآن.

جميل عازر: طيب، مسعود برزاني يعتقد أو يعتبر القضية بين الأكراد وبين بغداد بأنها مسألة سياسية وقد وضع اشتراطات في السابق مقابل قبوله بدعم حملة أميركية على العراق من قبيل ضمان التعددية ونظام حكم ديمقراطي في العراق، عدم فرض ديكتاتور أو حاكم عسكري يتحكم برقاب الشعب العراقي، إذا أطيح بالرئيس صدام حسين، ما مدى واقعية هذا في الاعتبارات الأميركية؟ هل واشنطن مهتمة في هذا الشأن في تقديرك؟

وفيق السمرائي: والله، يا أستاذ جميل، أولاً إن العساكر.. العسكريين.. القادة العسكريين أعتقد مظلومين كثيراً في أن دائماً يوصفون بالديكتاتورية وبالاضطهاد وبالقمع، غالبية الديكتاتوريين في العالم هم ليسوا من العسكريين، وخاصة في البلاد العربية أيضاً، وإذا كان الكثير من الرؤساء أيضاً والعسكريين ولم يكونوا ديكتاتوريين والرئيس صدام شخصياً لم يكن عسكرياً بالأساس، المطالب الكردية طبعاً محددة بشكل أساسي على ضمان الحقوق القومية للشعب الكردي وأعتقد هذا حقهم، وأنا شخصياً من مؤيدي أن يأخذ الإخوة الأكراد حقوقهم كاملة، أن نعطيهم ما يريدون ضمن وحدة العراق وإذا اختاروا خيارات أخرى أيضاً هذا متروك إلى الشعب العراقي وإلى مسألة تصويت الشعب العراقي.

أما مسألة أميركا أن تقوم بالتغيير وفق اشتراطات معينة أعتقد إن الأميركان يقومون بالتغيير وفق اشتراطاتهم ووفق مصالحهم هم، هنالك مسألة النفط وهنالك التوازنات الاستراتيجية وهنالك مصالح متشابكة جداً بالمنطقة في الزيارة الأخيرة للإخوان أو المجموعات المعارضة، وأنا هنا في مكتب (الجزيرة) حصل اتصال من أحد الإخوان من أقطاب الحاضرين وكان يؤكد بأن الأميركان قالوا لهم بأنهم لا يسعون إلى حرب شاملة يريدون توجيه ضربات إلى النظام، ويريدون إحداث تغيير داخل فلسفة النظام بما تتوازن مع.. مع المطالب الكردية، وبالمناسبة أيضاً بأن هنالك أجواء ضمن المعارضة لا نستطيع أن نقول بأنها متناسقة تماماً، هنالك من يطالب بعمل عسكري واسع ضد العراق، هنالك من يطالب بعمليات خاصة تستهدف رأس النظام، يعني نقصد رأس النظام مو فقط الرئيس صدام حسين، ولكن مجموعة صغيرة جداً من الأشخاص والمحافظة على المؤسسات والمحافظة على القوات المسلحة ومؤسسات الدولة جميعاً.

جميل عازر: طيب، سيد وفيق، يعني أنت ركن في.. في المعارضة العراقية في.. في الخارج، ما هو أكثر ما يقلق بالنسبة للمستقبل في.. في العراق في حالة توجيه ضربة وتدخل عسكري أميركي ضد الرئيس العراقي؟

إعلان

وفيق السمرائي: أكثر ما يقلق كل الناس الخيرين هو احتمالات التدخل المباشر في فرض حكومة معينة، بخلاف ذلك لسنا قلقين من أي حال، لأن هنالك قوات مسلحة وأجهزة وقوى شعبية فاعلة، وهنالك ناس مثقفون، قطب من المثقفين داخل العراق، أي أن يترك الأميركان إذا أرادوا أن يقوموا بعملية جراحية معينة -إذا صح التعبير- أن يقوموا بعملية خاصة معينة ضد رأس النظام ضد قيادة هرم النظام أن يتركوا الأشياء لقرارات الشعب العراقي، لا يفرضوا توليفات معينة، وعلى الإخوان أيضاً في المعارضة العراقية أن يتحركوا بروح وطنية بعيدة عن النسب والتناسب والطائفية والعراقية.

نعم، الإخوان الأكراد لهم حقوقهم القومية ولا أحد يمكن أن ينكر ذلك، أما خلاف ذلك علينا أن نعيش كعراقيين بدون هذا التمايز اللوني والعرقي والطائفي الذي تريد بعض الأطراف أن تحدثه في العراق.

جميل عازر: رفيق السامرائي في لندن، شكراً جزيلاً لك.

الأهداف الحقيقية لزيارة الرئيس الإيراني لكابل

جاءت زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى كابول عاصمة أفغانستان بمثابة تعليق على مخاوف طهران من الوجود العسكري الأجنبي وخاصة الأميركي في أراضي جارتها، فمحاولة خاتمي تطمين حامد كرزاي (الرئيس الأفغاني) بأن إيران لن تدخل في الشؤون الأفغانية، وأنه مستعدة للتعاون مع كابول لم تخفي ما يخامر الجمهورية الإسلامية من هواجس إزاء نوايا إدارة (بوش) ووجود قواته على حدود إيران.

undefined

تقرير/ حسن إبراهيم: وصول الرئيس الإيراني إلى كابول له خلفيات محرجة لجميع الأطراف المعنية، فإيران كانت الداعمة الأكثر أهمية لتحالف قوى الشمال الذي تحمل وطأة الحرب ضد حكومة حركة طالبان لفترة طويلة قبل أن يأتي الغوث الأميركي بعد الحادي عشر من سبتمبر.

ولا يختلف اثنان على أن تحالف الشمال الطاجيكي هو الأكثر تنفذاً في كابول، لكن الولايات المتحدة لا تزال الداعم الأكبر للحكومة الأفغانية، وبحجة تصفية ما تبقى من تنظيم القاعدة وآخر جيوب الوجود ما تبقى من تنظيم القاعدة وآخر جيوب الوجود المسلح لحركة طالبان تشن القوات الأميركية حرباً لا هوادة فيها على ما تعتبره إرهاباً ومواقع إرهابيين، ورغم المساعدات الإيرانية للحرب ضد طالبان ودعمها لاتفاقية بون التي أتت بالحكومة الأفغانية إلى السلطة فإن الرئيس الأميركي لم يتوانى عن إدخالها ضمن ما سماه بدول محور الشر، وسمى معها العراق وكوريا الشمالية.

ويأتي الرئيس الإيراني إلى كابول وسط أنباء متضاربة عن خلافات بين حامد كرزاي رئيس أفغانستان ووزير دفاعه محمد قاسم فهيم، ونفي رسمي أفغاني لم يرو غرير المتربصين بالحكومة الأفغانية وهم كثر، ولم يقنع مراقبي الشأن الأفغاني، فحامد كرزاي ينتمي إلى القومية البشتونية التي تغلب على أهل باكستان ومعظم أفغانستان، لكن وزير الدفاع فهيم ينتمي إلى قومية الطاجيك التي باتت الأكثر قرباً من واشنطن، ومن يدري فقد تنجح زيارة الرئيس الإيراني إلى كابول وتعهده بمزيد من المساعدات والتعاون في تقوية أواصر العلاقة بين البلدين، ولكن هناك من يعتبرون الزيارة محاولة لدعم التيار المتشدد داخل الطاجيك الرافض للتأييد الأعمى للسياسات الأميركية وتأكيداً على رفض إيران للتهم الأميركية بأنها تقوم بإيواء عناصر من حركة طالبان أو تنظيم القاعدة.

وللزيارة أبعاد إقليمية متشابكة، فهي تأتي بعد ما يقارب شهرين منذ زيارة الرئيس الباكستاني (برويز مشرف) إلى كابول والتي أراد منها التقرب من حكومة أفغانستان التي تلوم باكستان على دعمها الطويل لحركة طالبان، وإيران التي تحاول توثيق علاقاتها بباكستان تدرك أن واشنطن تقف حاجزاً أمام التطبيع الكامل للعلاقات، لكن مصالح البلدين نتقاطع في كابول، ولابد للولايات المتحدة من التعامل مع هذا الواقع.

وليس الملف العراقي الأميركي ببعيد عن علاقات آسيا الوسطى المتشابكة، فالولايات المتحدة ساوت بين العراق وإيران في تصنيفهما ضمن محور الشر، وربما لم يختلف الأمر كثيراً عن الماضي حين كانت الولايات المتحدة تتبع أسلوب الاحتواء المزدوج تجاه إيران والعراق، ولعلها في استهدافها الحالي للعراق تعوِّل على عمل ضد الدولتين ولو بدرجات متفاوتة.

والوجود الأميركي العسكري الذي يمتد من باكستان وأفغانستان حتى دول آسيا الوسطى يسبب الكثير من القلق لطهران ويجعلها قليلة الثقة في جميع جيرانها، لذا تعتبر زيارة الرئيس الإيراني إلى العاصمة الأفغانية محاولة لكسر هذا الطوق.

إعلان

جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل هذه الجولة وإياكم في (الملف الأسبوعي) وفيه أيضاً بعد فاصل:

زيمبابوي (روبرت موجابي) رئيس بين مقتضيات الإصلاح الزراعي والضغوط الدولية، فكيف يتوقف التدهور الاقتصادي؟

[فاصل إعلاني]

أسباب الحرب بين فتح والضنية في مخيم عين الحلوة

جميل عازر: وإلى لبنان حيث تسلط الضوء -من جديد- على أوضاع الفلسطينيين سكان المخيمات هناك، فالاشتباكات التي وقعت أوقعت قتلى وجرحى في مخيم عين الحلوة أظهرت العلاقة بين هذه المخيمات والسلطات اللبنانية، بقدر ما بينت نوعية القوى المتنافسة في داخلها، ولكن هذا الوضع لا يمكن فصله عن المسرحين اللبناني والفلسطيني والتطورات الساخنة التي تشهدها الساحة الفلسطينية وهي تخوض الانتفاضة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإذا كان تسليم بديع حمادة (الأصولي اللبناني) إلى السلطات سبباً مباشراً للمواجهة التي يشهدها عين الحلوة، فإنه أيضاً واحد من مظاهر تبعات الحرب الأهلية.

undefined

تقرير/ سمير خضر: نجح اتفاق الطائف -على الأقل حتى الآن- في جلب الأمن والسلم لمجتمع لبناني عانى من خمسة عشر سنة من حرب أهلية طاحنة، عادت الحياة إلى طبيعتها في شوارع بيروت، ونسي اللبنانيون أو يحاولون تناسي سنوات الحرب والدمار، نعم، نجحت الطائف في إعادة الأمور إلى نصابها، ولكن في بيروت نفسها وفي أماكن عدة لا يزال لبنان ينزف، وفلسطينيو لبنان لم يجدوا لهم مكاناً في ترتيبات الطائف، فهم ليسوا لبنانيين، واتفق فرقاء الأمس ليس فقط على رفض توطينهم بل أيضاً على تجريدهم من إنسانيتهم، في صبرا وشاتيلا وفي عين الحلوة والبييامية والنهر البارد أكثر من 300 ألف محرومون من العمل لكسب قوتهم اليومي، يعيشون في مخيمات بالية, وويل لكل من تسول له نفسه إصلاح السقف الذي يؤويه داخل المخيم، المخيمات الفلسطينية في لبنان تعيش منذ اتفاق الطائف نوعاً من الاستقلال الذاتي المقرون بحصار صارم عسكري وسياسي واجتماعي واقتصادي، والدولة اللبنانية استمرت في سياستها الرامية إلى عدم إرسال الجيش لنزع سلاح المخيمات، إذ تقول أنها لا تريد أن تقع تحت طائلة الاتهام بأنها تضرب الفلسطينيين، وحركة فتح وما يعرف بالكفاح المسلح الفلسطيني تسيطر اليوم على معظم هذه المخيمات وتتلقى أوامرها مباشرة من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وهي لا تمانع التنسيق مع سلطات بيروت حفاظاً على ما تبقى من مصالح فلسطينية في لبنان، وإن كانت هناك نقاط احتكاك تحدث بين الفينة والأخرى.

لكن بعض التيارات داخل المخيم تحاول أحياناً تمرير أجندتها الخاصة ومنها على سبيل المثال عصبة الأنصار التي دخلت في صراع مرير مع الدولة اللبنانية انتهى بالحكم على زعيمها أبو محجن بالإعدام، بعض التيارات المتشددة في لبنان تحاول هي الأخرى الاستفادة من الوضع الخاص للمخيمات وتستخدمها كملاذ آمن أو كنقطة انطلاق لتحقيق مآربها، وإذا كانت الفصائل الفلسطينية التي تسيطر على المخيمات تقبل أحياناً بمثل هذه الأمور لاستخدامها ورقة مساومة مع الحكومة اللبنانية، فإن الأمور تخرج أحياناً عن السيطرة، وتؤدي إلى وقوع مصادمات مسلحة، ويبدو أن مقاتلي فتح قد ضاقوا ذرعاً باستغلال بعض هذه الفصائل للمخيمات التي كادت أن تتحول إلى مأوى للخارجين على القانون، فقرروا تنظيف بيتهم الداخلي بإتفاق ضمني مع السلطات اللبنانية.

لكن لكل شيء ثمناً، فالفلسطينيون يراهنون على الشرعية اللبنانية لتحسين أوضاعهم، لكنهم في الوقت نفسه قد يستعدون فئات كانت تقف إلى جانبهم أو هكذا كانت تدعي.

روبرت موغابي ومحاولة وقف التدهور الاقتصادي في زيمبابوي

جميل عازر: يصر الرئيس الزيمبابوي (روبرت موجابي) على الاستمرار في مشروع ما يسميه الإصلاح الزراعي رغم الآثار المدمرة التي جلبها على اقتصاد بلده التي تتبوأ مكانة بين أفقر دول القارة الأفريقية، واعتقال 53 من المزارعين البيض رفضوا التخلي عن مزارعهم، حفز بعضاً من دول الكومنولث على مطالبة موجابي بإجراء حوار حول هذه الإجراءات وإنهاء أعمال العنف ضد المزارعين البيض، وإلا فإنه سيواجه احتمال طرد زيمبابوي من المنظمة، وطالما ظل الرئيس الزيمبابوي يرى في الإصلاح الزراعي مخرجاً لمتاعبه السياسية مع بقاء الفساد والاستبداد في الحكم، فإنه سيظل أيضاً يدور في حلقة مفرغة.

undefined

تقرير/ حسن إبراهيم: المزارعون البيض يرفضون الانصياع لخطاب الرئيس موجابي، بينما تتهاوى زيمبابوي نحو المزيد من الفوضى الاقتصادية والسياسية ذات الطابع العنصري، لم يتصور أحد هذا المصير، للزارعين البيض في (روديسيا) السابقة، فمنذ استقلال البلاد أصر هؤلاء على البقاء ومواصلة الإسهام المؤثر في اقتصادها، ولا يختلف اثنان على أن الثروات التي جمعها المزارعون البيض إنما جاءت عبر علاقة الإنتاج التي ترسخت منذ أن اقتطع (سيسي رود) زامبيا الغربية أطلق عليها اسمه، لكن المزارعين البيض لم يكونوا جميعاً من أنصار حكومة الفصل العنصري، بل وأسهمت جمعية المزارعين الوطنية في النضال الإفريقي ضد حكومة (إيان سميث) العنصرية، لا جدال في أن الحقبة الاستعمارية أفرزت فقراً واسعاً في زيمبابوي، وبقي ملايين من السكان الأصليين يعيشون تحت خط الفقر لا يمتلكون أرضاً يفلحونها، وإن عملوا في الزراعة فهم أقنان في إقطاعيات البيض، لكن تاريخ استقلال زيمبابوي ليس بريئاً كل البراءة من آلام المواطنين الأفارقة، فقد اتسم موجابي بالفساد والإهدار للمال العام بشهادة كثيرين داخل وخارج الزيمبابوي، فبينما كانت البلاد نموذجاً للدولة العالم ثالثية في الألفية الماضية في طريق التنمية بقوة، وكادت أن تخيب توقعات (إيان سميث) رأس النظام العنصري المنحل، بأن البلاد بعده ستضيع، أبى موجابي بتصرفات حكومته إلا أن يحقق تلك النبوءة المتشائمة، تدهور البنى التحتية في البلاد أدى إلى ترييف المدن عبر الهجرة العشوائية إليها من ملايين الفلاحين الذين يعملون في مزارع حكومية أهملت الدولة الإنفاق عليها، وبقي الاقتصاد الزراعي في مجمله يعتمد على إنتاج المزارع الخاصة التي يفلحها المزارعون البيض بأحدث وسائل التقنية الزراعية، وبالتالي بقي لزيمباوي اقتصاد، وكان الدستور الذي وضع بعد الاستقلال ينص على أن المزارعين البيض الذين قرروا البقاء في البلاد يحق لهم الاحتفاظ بمزارعهم مع فرض ضرائب تتصاعد تدريجياً، وكان القانون الزيمبابوي يحمي جمعية المزارعين الوطنية من إجراءات المصادرة، لكن كل هذا تغير عام 99 عندما تفاقمت متاعب موجابي السياسية، ويقول بعض العارفين بخبايا حكومة هراري إن تورطه في حرب الكونجو، ورفض بريطانيا دعمه، ثم إحجام جمعية المزارعين الوطنية من تقديم الدعم له في هذه الحرب الطاحنة كانت من الأسباب التي دعته إلى الانتقام بهذه الصورة الشاملة، ويبدو أن هذا ما شجع موجابي على إعادة إحياء جماعة المحاربين القدامى بعدما كان قد أقصاها من الحياة السياسية في أواسط الثمانينات بعد أن ارتفعت أصوات داخلها ضد فساد حكومته، وأطلقت يد المحاربين القدامى تحرق وتدمر الحقول، وتحول البلاد إلى جحيم لكل مزارع أبيضٍ يتحدى قرار الإخلاء، ورغم الحظر الذي أعلنه الغرب، خاصة بريطانيا على تحركات موجابي ومسؤولي حكومته وحزبه، فإن من غير المتوقع أن يعدل موجابي عن قرارات اتخذها بشكل اعتباطي مشفوعٍ بقوانين تم استصدارها على عجل.

كوكب الأرض بين الجفاف والفيضانات وتخريب الإنسان

جميل عازر: غريب أمر هذا الكوكب، فبينما يتنازع أهله على خيراته وثرواته يرد لهم ما يلحقون به من مآسٍ الصاع صاعين، فموجات الجفاف التي تضرب الكثير من المناطق في القارات المختلفة تقابلها أمطارٌ غزيرة وفياضاتٌ مدمرة في البلد الواحد، وفي آنٍ واحد، إلى حد بلغت خطورته، بل تجاوزت ما ينجم عن حروب كبرى، من حيث الضحايا البشرية وحجم الخسائر المادية، وإذا كانت قمة الأرض في (جوهانسبرنج) ستبحث في كيفية حماية الكوكب من عبث العابثين، فإن عدم الالتزام بالاتفاقيات سيظل أكبر عامل وراء ما تشهده الكرة الأرضية من تقلبات مناخية مفاجئة.

undefined

تقرير/ جيان اليعقوبي: شد الطوفان الذي اجتاح دول وسط أوروبا أنظار العالم، الذي يبدو أن عليه أن يعتاد على مثل هذه الظاهرة، وأن يتخذ الاحتياطات في مواجهتها، لأنها تهدد بكوارث بيئية في مختلف أنحاء الكرة الأرضية، وقد أجبرت الفيضانات التي تهدد مدناً كبرى في أوروبا عشرات الآلاف على النزوح من منازلهم، بينما تسعى السلطات إلى إنقاذ الآثار الوطنية، والأعمال الفنية التي لا تقدر بثمن، ولم تستطع الأرصاد الجوية التي تمطر الناس بتقاريرها اليومية المفصلة التنبؤ بوقوع الفيضانات التي تسببت في خسائر في روسيا، وبالتحديد في أشهر منتجعاتها الأسود، وإلى مقتل العشرات في رومانيا وبلغاريات وتشيكيا، بينما تواجه النمسا أسوأ الفيضانات منذ قرن، وفي جزيرة (كابري) السياحية في إيطاليا غمرت السيول مركز الجزيرة وبيوتها ومتاجرها، مما أدى إلى فرار السياح منها، أما إقليم كتالونيا الأسباني وجزر (الباليار) فقد شهدت أمطاراً لم يسبق لها مثيل، وفي بريطانيا أجلت السلطات آلاف السكان على الساحل الشمالي الشرقي للبلاد.

وبينما كانت أوروبا تغرق شهدت الولايات المتحدة أسوأ موجة جفاف منذ خمسين عاماً، فهناك ست وعشرون ولاية أميركية تتوقع أن تشهد أقل إنتاج لها من القمح خلال ثلاثة عقود.

أما جنوب القارة الإفريقية فقد أدى الجفاف إلى تضور الناس جوعاً في أسوأ موجة منذ عقودٍ خلت.

وفي آسيا التي اعتادت انتظار أمطارها الموسمية بفارغ الصبر قتل المئات وتشرد عشرات الألوف بسبب التغيرات المناخية التي حولت هذه الأمطار إلى أعاصير دمرت حياة الآلاف من البشر.

وتأتي كل هذه الكوارث وكأنها متعمدة قبل أسبوع من قمة الأرض الثانية، التي تستضيفها (جوهانسبرج) وستكون فرصة سانحة لإعادة التأكيد على ما تقترفه يد الإنسان من تخريب لبيئة بسبب التلوث الصناعي والسياسات التنموية التي تتطلب اجتثاث مساحة واسعة من الغابات، الأمر الذي يفضي إلى ارتفاع درجة حرارة جو الأرض وذوبان الكتل الجليدية الكبرى في القطبين الشمالي والجنوبي، وغير ذلك من مظاهر الاضطراب المناخي، ولكن عدداً من العلماء وخبراء المناخ يقولون أنه لا يمكن أن نعلق كل كوارثنا على مشجب التلوث والانحباس الحراري كلما أرعدت السماء وفاضت الأنهار، ويقولون إن الأرض على امتداد ملايين السنين كانت دائماً في حلقة مناخية بين مدٍ وجزر، وإن الفيضانات والبراكين والزلازل جزء من قانونها الطبيعي فينبغي تقبله بدون ردات فعل مبالغ فيها.

جميل عازر: وفي ختام هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) أذكر حضراتكم أن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلومات الإنترنت، تحية لكم، وإلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة