الملف الأسبوعي

الأزمة العراقية، التحالف الأميركي البريطاني، رئيس الوزراء الفلسطيني

تعقيدات الأزمة العراقية بين الدبلوماسية المتعثرة والإصرار على الحرب، مستقبل رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأميركي في ظل معارضة الحرب، تداعيات تعيين أول رئيس وزراء فلسطيني، أسباب اغتيال جنجيتش وتداعياته على مستقبل صربيا.

مقدم الحلقة:

جميل عازر

ضيف الحلقة:

عدلى صادق: كاتب ومحلل سياسي

تاريخ الحلقة:

15/03/2003

– تعقيدات الأزمة العراقية بين الدبلوماسية المتعثرة والإصرار على الحرب
– مستقبل رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأميركي في ظل معارضة الحرب

– تداعيات تعيين أول رئيس وزراء فلسطيني

– أسباب اغتيال جنجيتش وتداعياته على مستقبل صربيا


undefinedجميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى جولة جديدة في (الملف الأسبوعي) وفيه:

-العراق ومجلس الأمن جهود دبلوماسية متعثرة وتطوير أسلحة تدمير شامل للتخلص من أسلحة تدمير شامل.

– المعارضة لحربٍ على العراق تهدد مستقبل رئيس وزراء بريطانيا والانتقادات في الولايات المتحدة تتصاعد.

– ومحمود عباس مرشح لرئاسة الوزراء الفلسطينية ينتظر إعلان خطة العمل، فما هي ردود الفعل؟ وما هي الأولويات؟


تعقيدات الأزمة العراقية بين الدبلوماسية المتعثرة والإصرار على الحرب

ازداد الموقف تعقيداً بالإعلان عن القمة التي سيعقدها ثلاثي جبهة الحرب (جورج بوش)، و(توني بلير)، و(خوسيه ماريا أزنار)، وتعتبر القمة دليلاً على تعثُّر عملية الحل الدبلوماسي للأزمة العراقية، أما إن كان الهدف النهائي هو التخلص من أسلحة الدمار الشامل المزعومة لدى العراق فإن الآلة العسكرية الأميركية لم تتوقف عن الدوران، بل قامت إضافة إلى الحشود الكبيرة براً وبحراً وجواً بما لديها من أسلحة متطورة بالإعلان عن تجربة أم القنابل ليكون مفعولها قريباً من مفعول قنبلة نووية، ومثل هذه الأسلحة ليست الوحيدة في الميدان، ويمكن أن يكون أمضاها السلاح النفساني للنيل من معنويات الجيوش.

undefined

تقرير/ سمير خضر: لا أحد يقول إن المواجهة العسكرية بين واشنطن وبغداد ستكون متكافئة، فالبون شاسع بين الجيشين عدة وعتاداً، وقد شهد العالم طرفاً من عدم التوازن هذا خلال حرب تحرير الكويت عام 91، عندما كان الطيارون الأميركيون يصولون ويجولون في سماء العراق، ويشنون هجمات بواسطة آلات حرب أشبه ما تكون بالخيال العلمي، لكن الزمان اليوم غير زمان الأمس، وما كان سلاحاً متطوراً فتاكاً أضحى اليوم أكثر تطوراً، فالحروب لم تعد تشن اليوم بواسطة الجيوش، بل بالتكنولوجيا، تكنولوجيا لم تعد سراً من الأسرار التي تحرص الدول على الحفاظ عليها، بل تفتخر بها وتعرضها على الملأ، ولسان حالها يقول: هذا ما لديَّ، وأرني كيف ستحمي نفسك، وقد يرى البعض في ذلك نوعاً من الدعاية والحرب النفسية التي تصاحب كل الحروب، وهذا صحيح، فإظهار القوة والعظمة العسكرية قد يحبط من معنويات الخصم، ويساهم في إنهاء الحرب بأقل خسارة ممكنة، وبأقصر فترة زمنية، لكنها تكشف أيضاً عن رغبة أكيدة في اللجوء إلى كل ما يتوفر في ترسانة واشنطن من آلات دمار، وخاصة في مجال الحرب الشاملة التي تتطلب تنسيقاً دقيقاً بين مختلف صنوف الأسلحة، فالمعروف أن الولايات المتحدة تعتمد اعتماداً شبه كامل على تفوقها الجوي، وتكرِّس لهذه الغاية كل الإمكانات العلمية والتكنولوجية اللازمة، إذ يحوي أسطولها الجوي على كافة أنواع الطائرات المقاتلة والقاذفة ابتداءً من الطائرات التقليدية من نوع F15 و16 مروراً بطائرات الشبح F117، وانتهاءً بالقاذفات العملاقة التي صُمِّمت أساساً لخوض حرب عالمية ضد العدو الشيوعي الأسبق، وعلى رأس هذه القاذفات الـ P52 والـ P1 و2، وقد صممت واشنطن قنابل من نوع خاص لاستخدامها ضد القوات العراقية، وعلى رأسها ما تسمى اليوم بأم القنابل، التي تزيد عن عشرة أطنان، والتي لها مفعول قنبلة نووية صغيرة، ولكن بدون الإشعاعات التي تصاحب القنابل الذرية، وقد حرص البنتاجون على تصوير ونشر صور تجربة هذه القنبلة في ولاية فلوريدا، وكأنه يريد إيصال رسالة ما إلى شخص ما قد لا يكون بالضرورة في بغداد، إذ إن أبعاد هذه الحرب تتجاوز حدود العراق بكثير.

إعلان

وإلى جانب الطائرات تتمتع الولايات المتحدة بأضخم أسطول بحري عرفته البشرية، وبمخزون هائل من الصواريخ عابرة القارات، وخاصة الصواريخ من طراز كروز وتوماهوك، أما القوات البرية الأميركية، والتي ستكون مهمتها دخول الأراضي العراقية والسيطرة عليها فإن تجهيزها لا يقل عما خُصِّص لسلاح الطيران، فمعظم هذه القوات مجهَّز بآليات ودبابات متطورة وبمروحيات لنقل الجنود، وأخرى تسمى صائدة الدبابات مثل مروحيات أباتشي، بهذه العدة تنوي أميركا الزحف على بغداد، وبهذه الأسلحة تستعد واشنطن لمواجهة القوات العراقية، لكنها لم تقل ولن تقول أبداً كم من الضحايا سيكونون من المدنيين الأبرياء.


مستقبل رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأميركي في ظل معارضة الحرب

جميل عازر: ومع تصاعد حدة الموقف إلى مستوى لم يعد بعده سوى البدء في العمليات العسكرية تتصاعد أيضاً نبرة المعارضة للحرب، فقد أصبحت تداعيات هذه المعارضة تُشكِّل هاجساً لرئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) الذي عندما يستقرئ تاريخ التورط العسكري البريطاني في حرب السويس عام 56 لابد وأن ترتعد فرائصه، وهو يستعرض ما حل بسلفه (أنتوني إيدن)، فتهديد واحد على الأقل من الوزراء بالاستقالة إذا خاض بلير حرباً على العراق قبل الحصول على قرار بذلك من مجلس الأمن الدولي يزيد من إحساسه بالكآبة، وهذا الإحساس يتضاعف لأن مجلس الأمن لم يوفر لبلير بعد المخرج من المأزق الذي زجَّ نفسه فيه.

undefined

تقرير/حسن إبراهيم: 47 عاماً ما بين التصعيدين، لكن التشابه بينهما مذهل، تشابه في اللاعبين، وتشابه في المنطلقات مع بعض الاختلافات الجوهرية، فإن كانت حرب السويس عام 56 تدشيناً لظاهرة جمال عبد الناصر وإعلاناً لاندثار لإمبراطورية البريطانية، فقد تكون الحرب المحتمل وقوعها الآن تدشيناً بإمبراطورية أميركية واندثاراً لظاهرة قومية عربية أخرى، أي الرئيس العراقي المستعصي صدام حسين، ولكن يبدو أن شبح أنتوني إيدن (رئيس وزراء بريطانيا الأسبق)، يؤرِّق مضجع خلفه المعاصر توني بلير، فكلا الرجلين تجاهلا الأصوات الرافضة للحرب في الشارع البريطاني وخارجه، واستعانا بخطأ (كيمبرلن) التاريخي، الذي عقد معاهدة عدم اعتداء مع الزعيم النازي (أدولف هتلر) لحشد الدعم لموقفهما الحربي، ومع ذلك ركب إيدن رأسه، وتآمر مع فرنسا وإسرائيل لشن العدوان الثلاثي على مصر ضد رغبة الولايات المتحدة ورئيسها عندئذٍ (دوايت أيزنهاور) التي كانت مع الاتحاد السوفيتي الطرف المهم في وقته وانسحاب قوات المحور الثلاثي من الأراضي المصرية، أما وقد انتهى الأمر بأنتوني إيدن إلى انهيار عصبي ثم استقالة، فإن توني بلير يجد في تلك السابقة التاريخية مؤرِّقاً، بينما يواجه تهديداً بالاستقالة من وزيرة التنمية الدولية (كلير شورت)، وربما آخرين من الوزراء ومعارضة شعبية متنامية.

والانقسام الحالي في حزب العمال بلغ من الخطورة ما لا يمكن لبلير أن يتجاهله، خاصة وأنه أصبح يعتمد على تأييد المعارضة من المحافظين في البرلمان، الأمر الذي لا يبعث على ارتياح بلير ومؤيديه، والآن عاد الأطراف الرئيسيون أنفسهم إلى المسرح، ولكن في أدوار ومواقف مختلفة، بلير و(شيراك) على طرفي نقيض من كيفية نزع أسلحة العراق المحظورة، وبلير وبوش في تحالف أصبح تراجع أي منهما عنه انتحاراً سياسياً، وروسيا بقيت على موقفها المعارض وكأنه تقليد متوارث ومع دخول ألمانيا إلى جانب فرنسا في معارضة الحرب على العراق يصبح الاتحاد الأوروبي منقسماً بقدر انقسام مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن، ومن هنا فإن التساؤل عن أسباب اتخاذ رئيس الوزراء البريطاني موقفه المؤيد للحرب على العراق والزج بنفسه في مأزقٍ سياسي قد يطيح به لابد وأن يأخذ في الاعتبار ما إن كان بلير يراهن على العلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة أكثر من مراهنته على العلاقة مع الاتحاد الأوروبي كسبيل لإعطاء لندن دوراً منفرداً فاعلاً في المسرح الدولي، وبالتالي المسرح الأوروبي حيث يواجه منافسة من محور برلين وباريس، وإذ تتزايد الضغوط على بلير في مجلس العموم البريطاني لا يبدو أن مجلس الأمن الدولي سيوفر له مخرجاً يحفظ ماء الوجه، وهكذا فإن ترتيب عقد قمة ثلاثية تجمعه مع الرئيس الأميركي جورج بوش وحليفهما الآخر رئيس الوزراء الإسباني خوسيه ماريا أزنار ربما يكون محاولة أخيرة قد توفر لبلير طوق النجاة.

إعلان

جميل عازر: والمعارضة للحرب في الولايات المتحدة ليست أقل تأثيراً في تداعياتها على مستقبل الرئيس الأميركي، رغم أنها تبدو أخف حدة بفضل الآلة الإعلامية الأميركية المؤيدة للحرب عموماً، ولم تتمثل تلك المعارضة في حجم المظاهرات التي شهدتها بعض المدن الأميركية فقط، بل وفي تصريحات مسؤولين وسياسيين حاليين وسابقين، يبدو أنهم غير مقتنعين بأن للحرب مبرراً كوسيلة لنزع أسلحة العراق المحظورة، طالما أن عمليات التفتيش عن تلك الأسلحة تدمر صواريخه وتتحقق من عدم وجود برامج لتطوير أسلحة نووية، وهي في الطريق إلى الكشف عما حل بالأسلحة الكيمياوية والبيولوجية.

تقرير/حسن إبراهيم – قراءة/ حسان الشوباصي: بينما تتزايد عزلة الرئيس الأميركي دولياً بسبب إصراره على الخيار العسكري لنزع أسلحة العراق، وبدلاً من أن يمنح الرئيس الأميركي نفسه فرصة للتراجع المشرف في هذه المواجهة أقحم جيشه في حالة من الشحن والجاهزية أضحى التراجع معها إراقة لماء الوجه، ورغم أن مختلف فئات الشعب الأميركي عبرت عن رفضٍ قاطع لإقحام بلادهم في حرب جديدة وأن أصوات الملايين من المحتجين قد هزت جنبات واشنطن وكثيراً من المدن الأخرى من الأطلسي وحتى الهادئ إلا أن تيار الرافضين لخيار القوة مع العراق توسع حتى شمل شخصيات في قمة الهرم السياسي الأميركي، بل تتوارد أنباء أن (بوش الأب) الرئيس الأسبق نفسه يعتقد أن سياسات ابنه تجاه العراق تفتقر إلى التروي، وقد عبر الدكتور (هنري كيسنجر) عن اعتقاده بأن هذه الحرب ستؤدي إلى الإخلال بموازين القوى في الشرق الأوسط، وهو ما سيؤدي في نهاية الأمر إلى الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن كان ما دق نواقيس الخطر في البيت الأبيض هو بروز معارضة داخل الكونجرس الأميركي، على رأسها السيناتور (روبرت بيرل) والسيناتور (كارل ليفين) والسيناتور (ديت كينيدي)، فالثلاثة قالوا إن شن حربٍ دون قرار دولي يؤدي إلى عزلة شبه كاملة لواشنطن، بل إن تيار المعارضة كاد يخرج على الخطوط الحمراء المتفق عليها ضمنياً في الممارسات السياسية الأميركية.

وفي هذا الإطار يبدو أن (جيم موران) (عضو الكونجرس عن شمال فرجينيا) قد تجاوز الحدود عندما اتهم المؤسسة اليهودية في الولايات المتحدة بأنها الدافع الرئيس للإدارة الأميركية لشن الحرب على العراق، وأن مصلحة إسرائيل لا مصلحة الولايات المتحدة كانت وراء الضغط الذي تمارسه منظماتٌ من قبيل (إيباك) والفيدرالية اليهودية على البيت الأبيض للمضي قدماً في شن الحرب، وقدس الأقداس في المؤسسة السياسية الأميركية هو اللوبي اليهودي وعلاقته بالسياسيين، وقلائل هم من تمكنوا من الإفلات من تهم معاداة السامية إن هم انتقدوا مراكز الضغط اليهودية، فمراكز الضغط اليهودية رغم وجودها العلني ورغم عدم إخفاء حتى أرقام تبرعاتها لإسرائيل يُحرَّم على الكثيرين انتقادها علنية، أو حتى في الجلسات الخاصة، فما بالك والرجل قد تجرأ على انتقاد المؤسسة اليهودية في الولايات المتحدة علنية، ورغم اتفاق كثيرين مع (موران) في انتقاده الإدارة الأميركية إلا أن إقحامه للمؤسسات اليهودية ألَّب عليه حتى الذين يتفقون معه في الرأي، (جوزيف ليبرمان) المرشح لمنصب نائب رئيس الجمهورية مع (آل جور) وصف تصريحات موران بالمخجلة، أما (آري فلايشر) (الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض الأميركي) وهو جمهوري يهودي، فقد دعا إلى إقصائه من الحياة السياسية رغم مسارعته إلى الاعتذار، ومهما يكن رد الفعل الذي أثارته تصريحات موران فإن معارضة كثير من صناع القرار الحاليين والسابقين في واشنطن للتهور العسكري أضحت أكبر من قدرة البيت الأبيض على تجاهلها.

جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، وفيه أيضاً بعد فاصل:

إعلان

صربيا جمهورية يوغسلافيا الاتحادية الكبرى بدون رئيس حكومة بعد اغتيال (زوران جنجيتش)، وبدون رئيسٍ للجمهورية أيضاً، فما هي التوقعات؟

[فاصل إعلاني]


تداعيات تعيين أول رئيس وزراء فلسطيني

جميل عازر: وإلى فلسطين إذ أذعن الرئيس ياسر عرفات للمطالب الدولية واتخذ الخطوة التي ظل عازفاً عنها لمدة طويلة، فاستحداث منصب رئيس للوزراء في السلطة الوطنية إجراء يصب في نهج الإصلاح الذي طُولب به عرفات، ولكنه تردد في قبوله، ربما لأن المطالبة به جاءت أولاً من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي (آرييل شارون) أما وقد رُشِّح للمنصب محمود عباس.. أو رَشَّح للمنصب محمود عباس رفيقه في الكفاح طوال عدة عقود، فإنه قد ضرب في ذلك عصافير عديدة بحجرٍ واحد، وما إعلان الرئيس بوش عن خطة العمل أو خارطة الطريق ولو مرغماً سوى إعلان نية لقبول الخطوة الأولى على طريق الإصلاح ولو بشروط.

undefined

تقرير/ سمير خضر: وفجأة طفا الملف الفلسطيني على سطح المستنقع العراقي، واضطر (جورج بوش) إلى ما ليس منه بد الربط مكرهاً بين الأزمتين بسبب الهزيمة التي لحقت بواشنطن على الصعيد الدبلوماسي، وبالذات في مجلس الأمن بوش أعلن على الملأ عزمه على نشر ما تسمى بخارطة الطريق التي تنص على إنشاء دولة فلسطينية بحلول عام 2005، لكنه ربط ذلك بتعيين رئيس للوزراء في السلطة الفلسطينية يتحلى بسلطات حقيقية وواسعة، كان من الواضح أن واشنطن تريد توجيه رسالة إلى طرفين، إلى العالمين العربي والإسلامي أولاً لكسب ودهما وهي تقرع طبول الحرب على حدود العراق وإلى حلفاء واشنطن المقربين وغير المقربين وبشكل خاص إلى الحليف البريطاني الأمين الذي يواجه أزمة داخلية حقيقية، فقد فشل توني بلير مرات عديدة في إقناع بوش بضرورة القيام بخطوة باتجاه الملف الفلسطيني لتبديد الاعتقاد الراسخ في الشرق الأوسط بأن الغرب يتبع معايير مزدوجة، وكم كانت سعادة بلير لسماعه تصريحات بوش هذه، رغم أنها لم تأت بجديد، فالمجلس التشريعي الفلسطيني أقر مبدأ تعيين رئيس للوزراء، ومنحه سلطات قد يسميها البعض واسعة، ويعتبرها البعض الآخر شكلية، ورغم أن المجلس التشريعي أطلق يدي رئيس الحكومة الفلسطينية المقبل محمود عباس في كل ما يتعلق بإدارة الاقتصاد والأمن الداخلي، فإنه أبقى صلاحيات الأمن الوطني والسياسة الخارجية ضمن نطاق الرئاسة، أي بين يدي عرفات.

مهمة أبو مازن لن تكون سهلة بالتأكيد، إذ يتعين عليه أولاً تبديد التكهنات التي راجت مؤخراً بأنه مرشح الولايات المتحدة وإسرائيل، وسيجد أبو مازن نفسه مضطراً للعب على كل ما يمتلكه من رصيد نضالي لصالح القضية الفلسطينية، لتبديد مثل هذا الانطباع، لكن الأمر لن يكون سهلاً والطريق أمامه لن يكون مفروشاً بالورود، فمحمود عباس لم يُخفِ يوماً استياءه مما يسميه انحراف الانتفاضة عن مسيرتها وتحويلها إلى مواجهة مسلحة مع إسرائيل، ونادى مراراً بوقف عسكرة الانتفاضة ووقف الهجمات الفدائية داخل الخط الأخضر، وهو الأمر الذي تنبذه حركتا حماس والجهاد الإسلامي، ناهيك عن كتائب شهداء الأقصى التي وُلِدت من رحم حركة فتح التي ساهم أبو مازن في تأسيسها قبل 37 عاماً، وسيكون التحدي الأكبر أمامه العمل على إقناع الفلسطينيين بوقف مثل هذه العمليات والعودة إلى العملية التفاوضية، لكن التحدي الأكبر من ذلك الذي سيواجهه سيتمثل في علاقته مع الرئيس عرفات، إذ يخشى كثيرون من حدوث تصادم بين رفيقي درب الكفاح الفلسطيني، تصادم في العقلية وتصادم بين شخصيتين تاريخيتين مختلفتين، والأهم من ذلك كله تصادم في الصلاحيات.

جميل عازر: وينضم إلينا من غزة (الكاتب والمحلل السياسي) عدلي صادق، أستاذ عدلي هل نسلِّم جدلاً بأن محمود عباس سيكون أول رئيس للوزراء في السلطة الفلسطينية؟

عدلي صادق: طبعاً هو أول رئيس وزراء في السلطة الفلسطينية، نسلم بموجب الوقائع التي حدثت على مستوى المجلس المركزي الفلسطيني، ومن قبله اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومن ثم المجلس التشريعي الفلسطيني، وتعديل القانون الأساسي، وتسليمه للرئيس عرفات، الذي أحاله بدوره إلى ديوان الفتوى والتشريع ليضع اللمسات الأخيرة عليه قبل إقراره وتكليف الأخ أبو مازن رسمياً.

جميل عازر: طيب.. مسألة إبقاء.. في الواقع مسألة صلاحيات رئيس الوزراء الفلسطيني وإبقاء قضية الأمن الوطني والسياسة الخارجية في يد الرئيس عرفات، هل يمكن أن يكون هذا الترتيب بمثابة السبب لاحتكاكات بين المنصبين؟

إعلان

عدلي صادق: هو في الواقع يعني لم تحدث القسمة بين الرئيس عرفات ومحمود عباس، لأن محمود عباس ما يزال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي هي القيادة السياسية التي تمثل مرجعية للسلطة الوطنية الفلسطينية، ما هو بصدده الأخ محمود عباس هو تشكيل مجلس وزراء يُعنى بقضية إدارة حياة المجتمع وبشكل جزئي بالأمن الداخلي بالشرطة والأمن الوقائي، لكن هناك بعض التشكيلات شبه العسكرية التي ما تزال تابعة للرئيس عرفات، وهناك السياسة الخارجية التي لابد أن تكون موصولة بالمرجعية الأعلى للقيادة الفلسطينية وهي الرئيس ياسر عرفات، فليس مجال.. لم تحدث قسمة، حتى يحدث الاحتكاك.

جميل عازر: نعم، طب، هل تعتقد أن كفاءة رئيس الوزراء الجديد سترتبط أيضاً بمدى مقبوليته لدى المجتمع الدولي، خاصة لدى إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة؟

عدلي صادق: هو بالضبط هنا هي الإشكالية، أن ما يريده الإسرائيليون وما يريده الأميركيون، وما يريده حتى الأوروبيون –وفي مقدمتهم بريطانيا- أنهم يريدون رئيس وزراء يُعنى بقضية المفاوضات وبقضية الأمن، وما يريده الفلسطينيون هو مجلس.. رئيس لمجلس الوزراء يتفرغ لإدارة أعمال هذا المجلس التي هي إدارة أعمال الحياة والتفصيلات اليومية وإدارة حياة المجتمع والإصلاح الهيكلي في السلطة الفلسطينية ومحاصرة كل ظواهر الفساد والترهل والتردي المستشرية في السلطة الفلسطينية، ترحيب الفلسطينيين.. الشعب الفلسطيني برئيس الوزراء جاء من هذا الجانب، من جانب أن الرئيس عرفات لم يكن يعطي اهتماماً لإدارة حياة المجتمع من جانب.. جوانبها التفصيلية، ولكن تعيين رئيس الوزراء لقي الارتياح من جانب الإسرائيليين والأميركيين مبدئياً من حيث هو مرجعية بديلة للرئيس عرفات وهذا غير صحيح أو أنه يمكن أن يكون مستقل في إدارة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وأنهم يريدون منه أن يعلن حرباً على المقاومة في.. في فلسطين، وهذا غير صحيح وغير ممكن، لأن الآن الخطوة الأولى والثانية والثالثة، وحتى العاشرة ينبغي أن تأتي من جانب الاحتلال إن كان صحيحاً ما يقوله الأميركيون والإسرائيليون بأنهم يريدون للتهدئة أن تتحقق ويريدون لعملية السلام أن تستأنف عليهم أن يعودوا إلى نقاط انتشارهم قبل 28 سبتمبر ليفسحوا المجال لأبو مازن لكي يتحدث مرة بالحوار الفكري وبحوار العقل وبحوار السياسة مع القوى التي الرافضة لعملية التسوية ومرة بضبط الشارع من خلال شواهد وبراهين على أن هناك شيء ممكن وفي اليد لابد أن نحافظ عليه، أما ونحن لا يوجد ما نخاف عليه أو نخشاه لا يستطيع أبو مازن أو غير أبو مازن ولا كل أجهزة الأمن أن تنفذ اتفاقية ضبط للمقاومة أو ما يسمونها الإرهاب أو غير ذلك، على هذا الجانب لا..

جميل عازر: طيب.

عدلي صادق: تفضل.

جميل عازر: إذا كانت المرجعية الفلسطينية ستظل متمثلة بشخص الرئيس ياسر عرفات، وإذا كانت إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة لا تريد التعامل مع ياسر عرفات، إذن دخلنا في حلقة مفرغة في إطار الإصلاحات هذه.

عدلي صادق: إحنا.. هي.. أنت تفضلت وقلت: لا تريد، الموضوع موضوع إرادة وإرادة مشوهة واستكبارية واستعلائية ومتعجرفة، لماذا لا تريد والشعب الفلسطيني يريد أن يغير قيادته وأن يغير ياسر عرفات بمزاجه وفي الوقت الذي يريد؟ لماذا يفرض على الشعب الفلسطيني أن يغير قيادته مع إنه الشعب الأميركي والشعب البريطاني في الشوارع يحتج على سياسات حكوماته ولا يطالب أحد بتغييرها؟ نحن الآن نتحدث عن قيادة فلسطينية لها رأس هرم وهو ياسر عرفات، نحن ليس يعني غزلاً في ياسر عرفات أو تمسكاً بعبقريته الزائدة ولكن رفضاً لهذا الاستكبار والعجرفة الأميركية والإسرائيلية، ياسر عرفات هو رأس هرم القيادة الفلسطينية، وياسر عرفات لا يمكن أن يُنحِّى بهذه الطريقة، وأنا أعتقد أنها كلها مجرد ذرائع، يعني خارطة الطريق التي تحدث عنها الرئيس بوش بالأمس وقال أنه سيطرحها للبحث وكمَّلت عنه (كونداليزا رايس) وقالت بعد دقائق إنه: هي مجرد فكرة يبحثوا فيها هي عبارة عن خطة إسرائيلية هم قدموا في.. الأميركان قدموا في ديسمبر 2002 خطة خارطة الطريق، الإسرائيليين دخَّلوا عليها حوالي مائة تعديل تمس قضايا جوهرية وأساسية يرتهن نجاح هذه الخطة بهذه التعديلات، منها أن نعلن أنه إحنا شطبنا حق العودة، وأن نعلن إنه استبدلنا القيادة الفلسطينية وأن نعلن إن.. أن إسرائيل غير معنية بموعد زمني محدد لتنفيذ مراحل هذه الخطة.

جميل عازر: طيب، أستاذ عدلي صادق في غزة شكراً جزيلاً لك.


أسباب اغتيال جنجيتش وتداعياته على مستقبل صربيا

لم يكن اغتيال رئيس وزراء جمهورية الصرب أمراً مستهجناً في منطقة شهدت من الحروب والصراعات ما لم تشهده منطقة أخرى في القارة الأوروبية، ولكن مقتل (زوران جنجيتش) يثير الكثير من التساؤلات ليس عن الدوافع فحسب، بل وعن المضاعفات بالنسبة لصربيا واتحادها مع الجبل الأسود أو (مونتينجرو) فالسياسي الصربي المغدور له من الأعداء كثيرون، وربما يتسبب اغتياله في زعزعة الاستقرار السياسي وكذلك الأمني في جمهورية لم تستطع اختيار رئيس لها بعد جولتين من التصويت وهي تتخذ خطواتها الأولى على طريق الديمقراطية بعد حقبة (سلوبودان ميلوشوفيتش).

undefined

تقرير/ أسامة راضي: نهاية زوران جنجيتش السياسية لم تكن مفاجئة لو لم تتم بهذه الطريقة، فحادث الاغتيال الذي قتل فيه سبقته محاولتان أخريان في بلد لم يخلو من الاضطرابات منذ سنوات، وقد يعكس ما أظهره تتبع منفذي الاغتيال من تداخل قيادات أمنية سابقة وتيارات سياسية معينة مع عصابات للجريمة المنظمة المتهمة بأنها الفاعل قد يعكس شكلاً من أشكال التعقيدات التي تكتنف الواقع الصربي عامة وعلى وجهٍ أخص زوران جنجيتش الذي التصق اسمه بتسليم الرئيس اليوغسلافي الأسبق سلوبودان ميلوشوفيتش إلى محكمة جرائم الحرب، ورغم ما أثير عن وجود علاقات لجنجيتش مع جماعات مشبوهة أقامها لتكريس سلطاته إلا أن مكافحة الفساد والجريمة المنظمة كانت من أولوياته المعلنة في إطار إصلاحات اقتصادية كان يأمل في أنها ستدخل بلاده الاتحاد الأوروبي في غصون عشر سنوات.

طريق الإصلاح الاقتصادي وعقباته، وأخطار استهداف عصابات الجريمة المنظمة لم تكن وحدها السبب في تذبذب شعبية الرجل صعوداً وهبوطاً في تاريخه السياسي الذي بدأ منذ السبعينات حين اعتقل وهو طالبٌ لتزعمه حركة طلابية مناهضة للشيوعية. وبينما خُلع عليه آنذاك وصف الشجاعة إلا أن الأمر تغير حين فر من بلجراد إلى الجبل الأسود خلال الحملة العسكرية لحلف شمال الأطلسي على يوغسلافيا خلال حرب كوسوفو عام 99 خوفاً من بطش ميلوشوفيتش الذي كان جنجيتش أحد أبرز معارضيه.

زوران جنجيتش الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة نجح ورفاقه في تكوين الحزب الديمقراطي عام 89 وأسهم بشكل رئيسي في إسقاط ميلوشوفيتش من الحكم حين قاد وآخرون مظاهرات مضادة له، وحين ساند خلفه (فويسلاف كوشتنيتسا) ووصولاً إلى تسليمه إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي عام 2001، وقد يكون تسليم ميلوشوفيتش أكسب جنجيتش معونات غربية أسهمت في تسهيل برنامجه الإصلاحي، لكنه أكسبه أيضاً كراهية العديد من القوى السياسية الصربية وتدني شعبيته في الشارع الصربي، أعداء الرجل إذن كثر وخاصة في معسكر القوميين المتشددين الذين اتهموه بأنه موالي للغرب.

نهاية جنجيتش بهذه الطريقة رأى فيها محللون ناقوس خطر يدق في صربيا بعد مرحلة من الإصلاح والديمقراطية وفي البلقان الذي عاش شهوراً من الهدوء بعد سنوات من التطهير العرقي، ويتخوف هؤلاء المحللون من بروز تيار القوميين في السلطة محل جنجيتش الذي عرف عنه أنه براجماتي معتدل مما قد يضع عراقيل أمام الصيغة الجديدة للاتحاد بين صربيا والجبل الأسود والذي أسهم في إنجازها، كما أن غياب جنجيتش الذي حرك مسيرة الإصلاح هو وتحالفه الحاكم والتي أثمرت نظاماً ديمقراطياً وليداً في صربياً قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من عدم الاستقرار وإحياء النزعات الاستقلالية لدى قومياتها المختلفة.

جميل عزر: وبهذا نختتم جولتنا في (الملف الأسبوعي)، نذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني، وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.

المصدر: الجزيرة