مواجهات في السعودية، الملف النووي الإسرائيلي
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
ضيف الحلقة: | أحمد الحملي: باحث في الشؤون الإسرائيلية |
تاريخ الحلقة: | 24/04/2004 |
– مواجهات تتحدى رموز السلطة في السعودية
– وحدة حال العراق وحيرة الأميركيين
– انتقادات للفضائيات العربية
– أسرار ديمونة وملف إسرائيل النووي
– السودان على مفترق طرق في دارفور
– الانتخابات البرلمانية في الهند
جميل عازر: مشاهدينا الكرام أهلا بكم إلى حلقة جديدة من الملف الأسبوعي وفيها.. جدة بعد الرياض مواجهات مع مطلوبين والتفجيرات تتحدى رموز السلطة في المملكة، العراق بين الفلوجة والنجف وحدة حال والأميركيون في حيرة، وكاشف أسرار مفاعل ديمونة موردخاي فعنونو يسلط الأضواء من جديد على ملف إسرائيل النووي.
مواجهات تتحدى رموز السلطة في السعودية
لا حاجة إلى برهان على أن السلطات السعودية تأخذ مكافحة الإرهاب على محمل الجد والدليل على ذلك تزايد المواجهات بين قوات الأمن والمطلوبين خلال الاثني عشر شهرا الماضية وهذا بطبيعة الحال قد يرضي أطراف خارجية تحث المسؤولين السعوديين على ملاحقة أنصار تنظيم القاعدة المتهمين بالمسؤولية عن تفجيرات كانت تستهدف أجانب بمن فيهم الأميركيون ولكنه يثير في الوقت ذاته حفيظة المعارضة التي ترى في العملية إذعانا لمطالب من تعتبرهم أعداء الأمة، غير أن التحول النوعي في الأهداف التي بدأت تختارها التفجيرات من أجنبية إلى أجهزة الدولة وإيقاع قتلى من المواطنين لابد وأنه يبدو للمسؤولين في المملكة تحدي مباشر لهم.
[تقرير مسجل]
حسن إبراهيم: المشهد غريب للغاية، فالمملكة العربية السعودية التي كانت تعتبر واحة الاستقرار في المنطقة العربية ورمز ما سمي تيار الاعتدال أضحت تعاني من أحداث متتالية تهدد أمنها وتوقع ضحاياه وقد يعزوا البعض هذا التغيير إلى الصبغة الأيديولوجية للبلاد ودور المؤسسة الدينية التي تقوم على أساس الدعوة الوهابية والتي أضحت أكثر راديكالية بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان مفرزة ظاهرة الأفغان العرب وبالتالي تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن رجل الأعمال السعودي الأصل.
بينما يعتقد آخرون أن الوهابية كانت ستصطدم بتيار الحداثة والتطور سواء قامت حرب أفغانستان أو لم تقم، فمنذ الطفرة النفطية في السبعينات من القرن الفائت والمملكة تبتعث آلاف الطلاب للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا حيث قضى هؤلاء أعواما طويلة ليس فقط في اكتساب العلوم بل في التواصل مع مجتمعات حداثية ديمقراطية لا يعتبر الدين فيها المحرك الرئيس للمجمع.
” بينما يعترض السلفيون الجهاديون على ما يرونه تفككا وتفسخا في الدولة السعودية وعلاقتها بالغرب والولايات المتحدة الأميركية، يشكو الليبراليون مما يرونه مظاهر محافظة متشددة وأسلوب حكم بطيء للغاية في إجراء إصلاحات يريدونها ” |
جيل الطفرة النفطية هذا اصطدم مبكرا بالحكومة السعودية فبينما يعترض السلفيون الجهاديون على ما يرونه تفككا وتفسخا في الدولة السعودية وعلاقتها بالغرب والولايات المتحدة الأميركية يشكوا الليبراليون مما يرونه مظاهر محافظة متشددة وأسلوب حكم بطيء للغاية في إجراء إصلاحات يريدونها ووصل التناقض بين التيارين ونظام الحكم مداه بعد الحادي عشر من سبتمبر وتزايدت الضغوط الأميركية على الحكام السعوديين للقيام بإصلاحات جذرية تبدأ بنظام التعليم وطريقة الحكم فيها لأنهما السبب المباشر في بروز ما يعتبر تيارا إرهابي يقوده الآن زعيم تنظيم القاعدة.
وربما تغفل وجهة النظر الأميركية أن وجودها العسكري على أارض السعودية لأعوام طويلة خاصة بعد الغزو العراقي للكويت قد أغضب الكثيرين خاصة في التيار السلفي الجهادي ورغم أن التيار الليبرالي السعودي مازال يمثله الأكاديميون والكتاب إلا أن الثائرين فيه لم يحملوا السلاح ولم يشقوا عصا الطاعة بل اتخذوا من رفع العرائض إلى ولي العهد الحاكم الفعلي للمملكة الأميرة عبد الله بن عبد العزيز وسيلة لتفعيل العمل من أجل الإصلاح ولكن ردود الفعل من الحكومة السعودية تراوحت بين الاستماع برحابة وبعض التململ من جهة والنداءات والمناشدات إبان برامج الحوار الوطني ثم الاعتقال والتنكيل من جهة أخرى، أما التيار المتشدد فقد ابتدرت الحكومة بعنف في النصح وإنذارات تطورت آخر الأمر إلى ما نراه الآن تفجيرات وقتل أفراد وقتل مضاد من الحكومة واعتقالات لأعداد كبيرة ممن تعتبرهم متطرفين، الحكومة السعودية بحاجة إلى القيام بإصلاحات هذا لا شك فيه فقد اعترفت بذلك صراحة لكن يبدو أن عنف الأصوليين وضعف الليبراليين قد اقنعا أجنحة مؤثرة في الحكومة السعودية بأنه لا طريق إلا التغيير البطيء ولو فقدوا بعض الضحايا أما الطفرات في أي اتجاه فقد تزيد من تأزيم الأوضاع في فترة حساسة من تاريخ السعودية والشرق الأوسط ككل.
وحدة حال العراق وحيرة الأميركيين
جميل عازر: ربما تعزا المعارك التي وقعت في الفلوجة وما أسفرت عنه من قتلى من مدنيين العراقيين والقوات الأميركية إلى مقتل من وصفوا بمقاولين أميركيين أربعة ولكن في الواقع دليل أيضا على أن الوضع الراهن في العراق قابل للاشتعال ليس في المثلث السني وحده بل وفي البصرة وفي النجف وكربلاء جنوبا وحتى الموصل شمالا والقائم غربا وربما لم يكن حجم المقاومة التي أبداها المسلحون في الفلوجة متوقعا وهكذا أيضا كان ذلك القدر من التلاقي بين الشيعة والسنة والتعبير عن وحدة الصف العراقي حتى من أعضاء مجلس الحكم وهذا تطورا لا يمكن أنه ما كانا ضمن حسابات سلطة الائتلاف وإلا لتعاملت مع الموقف بطريقة مختلفة أو هكذا يفترض المنطق.
[تقرير مسجل]
” إن أوراق من جنحوا إلى التشريح الطائفي لظاهرة المقاومة قد اختلطت بعد أن صارت وسائل الإعلام حبلى بأخبار من الفلوجة والنجف في آن معا ” |
ناصر آيت: حتى في أيام الحرب لم يأخذ الوضع في العراق كما الآن وجهة المجهول، ففي العراق المحرر إذا ما استعرنا التعبير الأميركي كثرت بؤر التوتر وليس بجميعها يليق عنوان المقاومة، لكن اللافت أنه على مدى أسبوع أو أكثر كادت الأضواء تخطف من بغداد وضواحيها فكانت القائم والكوت وتكريت وغيرها وكان أيضا أن أمتد الغليان غير المسبوق من قلب العراق إلى جنوبه ورأى مراقبون في ذلك أن أوراق من جنحوا إلى التشريح الطائفي لظاهرة المقاومة قد اختلطت بعد أن صارت وسائل الإعلام حبلا بأخبار من الفلوجة والنجف في آن معا لكن المتابعين للوضع غيرهم لا يجمعون في خانة واحدة الأحداث فيما تدعى مناطق السنة والشيعة.
ففي الفلوجة حيث يرمز المكان إلى سنة عراق ورفض الاحتلال بدأت نذر انهيار الهدنة الهشة في المدينة المحاصرة منذ الخامس من أبريل الجاري تلوح في الأفق ثم إن الأميركيين عازمون على اقتحام المدينة إذا لم يسلم مقاتلوها أسلحتهم الثقيلة وفقا للاتفاق الذي أبرموه مع أعيان المدينة، لكن تكرار سيناريو الهجوم الأميركي على الفلوجة يهدد برأي كثيرين بانتفاضة عارمة في عموم العراق، مناطق أخرى في العراق يخشى أن تضرب في عمق رمزيتها الشيعية هذه المرة فليست أقل توترا مناطق الشيعة أو مثلث كربلاء والكوفة والنجف ومعها جبهة البصرة التي فتحت حديثا وإن كانت لانطلاقة شرارة الغضب في الثلاث الأولى اعتبارات أخرى على صلة بغلق صحيفة الحوزة الناطقة وطلب الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر للعدالة.
والواقع أن الإعلان عن انهيار مفاوضات غير مباشرة بين الأميركيين والصدر المطلوب لهم حيا أو ميتا جعل المواجهة العسكرية في النجف ومحيطها على رأس الاحتمالات الواردة وقد عزز هذا الاحتمال حشد أكثر من ألفين وخمسمائة عسكري أميركي على مشارف المدينة واشتباكات متقطعة يتبعها هدوء نسبي على أبواب الكوفة وكربلاء بين القوات الأميركية وعناصر جيش المهدي الذي يصر الأميركيون على حله وخروج مقاتليه من المباني العامة، أما وعيد الصدر بعمليات استشهادية في حال دخول قوات الاحتلال العتبات المقدسة فلا يبدو أنه يروق للشيعة جميعهم ومنهم تيار محسوب على المرجع الشيعي الأبرز آية الله العظمى علي السيستاني ويبدو أن المرجعية الشيعية التي لم يرض الصدر على الأرجح بغيرها حكما يبدو أنها في حيرة من أمرها فالتعجيل بمقاومة المحتل ليس واحدا من خياراتها الحالية ولم يكن منذ سقطت بغداد كما أن إهانة زعيم شيعي لن يقعدها مكتوفة اليدين أو هكذا يفترض على الأقل.
جميل عازر: وما من شك في أن الأحداث في الفلوجة والموجهة مع مقتدى الصدر وما أظهرته من فجوات في جوانب عديدة دفعت الحاكم المدني الأميركي إلى التفكير في إدخال تحول جذري على سياسته في العراق وإذا كان اعتراف بريمر بأن لفئة معينة من البعثيين السابقين دورا في حكومة جديدة دليلا على إدراك واقعي لحال الوضع العراقي فإنه قد يجد حتى في أوثق مؤيديه في مجلس الحكم من ينتقدون موقفه هذا وهكذا تتضح الحيرة التي يواجهها الأميركيون الذين تتحكم بسياستهم في العراق أجندة انتخابات الرئاسة التي أملت تحديد موعد لنقل السلطة إلى العراقيين.
[تقرير مسجل]
سمير خضر: هذا ما آلت إليه مهمات هؤلاء الجنود جاؤوا إلى هنا تحت شعار جلب الحرية والديمقراطية وتوطيد الأمن والاستقرار وها هم بعد عام كامل لم يحققوا شيئا يذكر ليس بعد فحالة الحرب لا تزال سائدة في العراق على الأقل في جزء منه وربما كان هذا أحد الأسباب التي بدأت تدفع ببعض ممن يطلق عليهم أسم الائتلاف إلى إعادة النظر في جدوى وقوفهم إلى جانب الحليف الأميركي وبدأت أواصر التحالف بالتفكك بعد إعلان رئيس الحكومة الأسباني الجديد خوسيه لويس سباتيروا البدء بسحب قواته من الآتون العراقي متذرعا بعدم جدية واشنطن في منح دور رئيسي للأمم المتحدة هناك الأمم المتحدة كانت ولا تزال تشكل شوكة في خاصرة الإدارة الأميركية المحافظة، أوليست هذه المنظمة هي التي رفضت قبل عام منح بوش صكا أبيضا يخوله غزو العراق؟
لا أحد يعرف بعد من الذي أشار على بوش بأن الخلاص في العراق ربما يأتي على يد هذه الأمم المتحدة نفسها ليس كمنظمة بل كرمز، فجاء اختياره للسفير الأميركي في الأمم المتحدة ليكون سفيرا لواشنطن في العراق الجديد لعل وعسى أن ينجح نيغرو بوندي حيث فشل بول بريمر رغم كل السلطات التي يتمتع بها كونه الحاكم العام للبلاد منذ عام.
فسياسة بريمر في العراق تمثلت في سلسلة من الأخطاء لم يكن أقلها حل الجيش العراقي وترك الساحة مفتوحة أمام الفوضى وحكم المليشيات وها هو موعد تسليم السيادة للعراقيين يقترب دون أن تلوح في الأفق بادرة على استقرار الأوضاع، نيغرو بوندي سيرث إذا تركة ثقيلة من سلفه وسيجد صعوبة في التعامل مع بعض الملفات نظرا لأن لقبه سيقتصر على سفير الولايات المتحدة وليس حاكما للعراق كبريمر لكن الجميع يعرف أن صلاحياته لن تكون أقل من مندوب سام للإمبراطورية الأميركية في الشرق الأوسط وسيحاول نيغرو بوندي البناء على خبرته الواسعة في التعامل مع دول العالم الثالث من منظور أميركي ضيق فقد خبر العمل في جمهوريات الموزي في أميركا الوسطى وخدم في الفلبين وفيتنام وفي كل هذه المواقع عمل على تنفيذ سياسات كانت أحيانا تتجاوز شخصه رغم عدم ورود أسمه في بعض الفضائح مثل صفقة الأسلحة التي ابتاعتها واشنطن من إيران لصالح ثوار الكونترا في نيكاراغوا فالحيرة التي تواجهها واشنطن في العراق قد تستمر لمزيد من الوقت.
انتقادات للفضائيات العربية
جميل عازر: وبينما لا ضلع للجزيرة في الحرب على العراق وتداعياتها كانت القناة هدفا لانتقادات متكررة من المسؤولين الأميركيين عسكريين وسياسيين على حد سواء ولسنا بصدد التباهي هنا بدقة التقارير التي تبثها القناة إن كان من داخل العراق أو أي مكان آخر ولكن هذا الوضع يشير إلى أمرين أولهما هو أن السياسيين الذين يواجهون انتقادات في دولهم والعسكريين المتورطين في عمليات بل مجازر ضد مدنيين قد يسعون لطمس الحقائق والثاني يسلط الضوء على ما تواجهه وسائل الإعلام وخاصة التليفزيونية من متاعب وهي تحاول تزويد الجمهور بمعلومات في الظروف التي ينبغي أن يكون للصحافة فيها وجود.
[تقرير مسجل]
مكي هلال: مهاجمة وزير الدفاع الأميركي لقناتي الجزيرة والعربية ووصفه تغطيتهما في العراق بأنها محض أكاذيب في سياق المؤتمر السنوي لممثل الصحافة المكتوبة في الولايات المتحدة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة على ما يبدوا فحساسية المسؤولين الأميركيين المفرطة إزاء إعلام عربي وعالمي ينقل بالصورة والصوت ما يحدث ليس بجديد كما أنه يسلط الضوء على الصعوبات التي تواجهها وسائل الإعلام في تغطيتها لظروف الحرب.
فعندما نقلت الجزيرة الجانب المنسي من حرب أفغانستان عبر مراسلها هناك وبثت صورا لقصف المدنيين وخسائر الأميركيين جاء الرد سريعا بقصف مكتب الجزيرة في كابول ربما عملا بمبدأ أميركي معهود وهو إذا لم تعجبك الرسالة فأضرب حاملها وقبيل الحرب على العراق تكرر السيناريو نفسه مع نظام صدام حسين الذي أتهم الجزيرة بترويج أكاذيب بينما أتهمها الأميركيون بمساندة ذلك النظام فقصف مكتبا الجزيرة وأبو ظبي في بغداد وراح ضحية ذلك شهيد الخبر مراسل الجزيرة طارق أيوب.
” من المفارقات أن يختلف موقف المسؤولين الأميركيين من التغطية الإعلامية للتطورات في العراق وغيره عن موقف مؤسسات إعلامية أميركية مهمة، تعتمد الجزيرة وسواها كمصادر خبرية موثوق فيها وتعترف بدورها الإعلامي على الصعيدين العربي والعالمي ” |
وتوالت الاتهامات والانتقادات والتهديدات لأكثر من فضائية عربية بمجرد أن تم الأمر للأميركيين في العراق وتشكل مجلس الحكم بل إن رامسفيلد قال إن لديه أدلة على أن القناتين إياهما تعاونتا مع المقاومة لكنه لم يقدم هذه الأدلة وقد لا يكون مقتل مراسل العربية علي الخطيب ومصورها بنيران القوات الأميركية والاعتذار عن ذلك فيما بعد آخر حادث يتحول الصحفيون فيه إلى أهداف وليس غريبا في هذه الحالة أن تتكرر الاتهامات والانتقادات كلما تعثر الوضع كما حدث خلال الهجمات الأخيرة على الفلوجة وحصارها وعندما تطلب القوات المهاجمة سحب طاقم الجزيرة من المدينة لابد وأن يثير هذا الطلب التساؤل المشروع، لماذا؟ هل الصحافة طرف في القتال أم أن هناك شيئا تريد القوات إخفاءه عن المشاهد؟
ولعل من غريب المفارقات أن يختلف موقف العسكريين والسياسيين الأميركيين من التغطية الإعلامية للتطورات في العراق وغيره عن موقف مؤسسات إعلامية أميركية مهمة تعتمد الجزيرة وسواها كمصادر خبرية موثوق فيها وتعترف بدورها الإعلامي على الصعيدين العربي والعالمي فمجلة التايم الأميركية اختارت في عددها الأخير الخاص مائتا شخصية وجهة اعتبارية رأت أنها الأكثر تأثيرا في حياة الناس خلال القرن العشرين وكانت الجزيرة من بينها والسبب كما أوردته التايم تمتعها بالاستقلالية وقوة التأثير ومضت المجلة تقول إن قناة الجزيرة أغضبت حكومات عربية لأنها سمحت بظهور المدافعين عن الحريات وتطرقت إلى مواضيع تعد من المحرمات وكل ما سبق لا يعني أن أخطاء لم ترتكب، فالصحفيون بشر والمؤسسات الإعلامية يديرها بشر أيضا ولكن المهم بالنسبة للجزيرة على الأقل هو أنها تحاول بكل مهنية تفادي وقوع أخطاء وألا تكون بوقا دعائيا لجهة أو أخرى.
جميل عازر: ومن قناة الجزيرة في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في الملف الأسبوعي وفيها أيضا بعد فاصل.. السودان على مفترق طرق في دارفور ومنظمة حقوق الإنسان تطالب الخرطوم بتحسين سجلها هناك.
[فاصل إعلاني]
أسرار ديمونة وملف إسرائيل النووي
جميل عازر: أهلا بكم من جديد، ربما يكون قد تم الإفراج عن الفني النووي الإسرائيلي كاشف أسرار ديمونة مردخاي فعنونو ليس منة بل لانتهاء مدة محكوميته ولكن هذا المناوئ للتسلح النووي لا يزال تحت قيود فرضتها المؤسسة الاستخبارتية الإسرائيلية بحيث أصبح في ظلها وكأنه في سجنا ربما أوسع نطاقا صحيحا أنه تجرأ على كشف بعضا من أسرار برنامج إسرائيل النووي وزاد من التكهنات حول عدد ما تمتلكه من رؤوس نووية ولكن موردخاي فعنونو شخصية الأسبوع في الملف قد عزز بذلك أيضا سياسة إسرائيل في التزامها الغموض بشأن ما لديها فعلا من سلاح نووي.
[تقرير مسجل]
جيان اليعقوبي: خرج موردخاي فعنونو منتصب القائمة وبقسمات مليئة بالتحدي من سجنه الذي قضى فيها ثمانية عشر عاما معلنا أنه لم تعد لديه أسرار تستحق الذكر ولكن من سيصدق فعنونو الذي لا يملك فقط أسرار مفاعل ديمونة بل أسرار عن أخطر جاسوس عرفته الولايات المتحدة وهو جونثن بولرد الذي لا يزال يقبع داخل زنزانته محكوما مدى الحياة بتهمة الخيانة العظمة.
” فعنونو خرج من سجن صغير إلى سجن أكبر ولكنه بالتأكيد سيظل ولفترة طويلة أشبه بمعادلة قد يستعصي على الكثيرين فك كل أسرارها ورموزها ” |
ولد فعنونو في مدينة مراكش في عام 1954 لعائلة يهودية فقيرة الحال هاجرت إلى إسرائيل عام 1961 وفي مدينة بئر السبع أدخل فعنونو إلى مدرسة دينية تابعة لحزب المفدال اليميني راح بعدها يتنقل بين هذه الأحزاب التي احتضنت منذ البداية اليهود الشرقيين حتى انتهى به المطاف إلى حزب هاتحيا الذي يعتبر أكثر الأحزاب اليمينية تطرفا وبعد أن أنهى دراسته في كلية القانون ثم خدمته العسكرية الإلزامية قرأ فعنونو إعلانا يطلب عمال ذوي خبرة تقنية فتقدم للعمل بدون أن يعرف الطبيعة السرية لهذه الوظيفة وهكذا وجد نفسه داخل مفاعل ديمونة، لكنه قرر بعد ثلاث سنوات من العمل هناك أن يعود إلى صفوف الدراسة فتوجه لدراسة الفلسفة.
وفي رحاب الجامعة وبعد تعرفه على عدد من الطلبة الفلسطينيين غير فعنونو اتجاهه السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وانتمى إلى حزب ركاح الشيوعي، بعد التخرج عاد إلى عمله في ديمونة وشارك في الأعمال الهندسية أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وبعد عودته من هناك كثف نشاطه السياسي المعارض مما أزعج رؤساءه في العمل فقاموا بطرده وهنا قام فعنونو بتصوير المفاعل من الداخل قبل أن يتركه نهائيا ويهاجر من إسرائيل إلى أستراليا وهناك تخلى عن ديانته اليهودية واعتنق المسيحية واتخذ لنفسه عائلة جديدة في سدني أخذ يطوف على الصحف المحلية عارضا صوره السرية والحصول على أموال مقابلها ولكنه لم يلقى التجاوب المطلوب فتوجه إلى مراسل صحيفة صن دية تايمز الذي نصحه بالسفر إلى مقر الصحيفة في لندن وهناك أكتشف الموساد أمره وأعد له كمينا عن طريق امرأة استدرجته إلى روما حيث تم اختطافه ونقله مخدرا إلى إسرائيل وقدم إلى محكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن ثمانية عشر عاما قضى منها أحد عشر عاما داخل الزنزانة انفراديا، قد يكون فعنونو خرج من سجن صغير إلى سجن أكبر ولكنه بالتأكيد سيظل ولفترة طويلة أشبه بمعادلة قد يستعصي على الكثيرين فك كل أسرارها ورموزها.
جميل عازر: وينضم إلينا من القاهرة دكتور أحمد الحملي الباحث في الشؤون الإسرائيلية، دكتور أحمد أولا ما مدى ونوع الضرر الذي ألحقه فعنونو بالملف الإسرائيلي النووي؟
أحمد الحملي: هو الحقيقة مهوش ضرر هو أفاد إسرائيل لأنه هو سرب معلومات تتعلق بقدرات إسرائيل النووية إلى الصحافة العالمية وبالتالي إسرائيل امتنعت عن هذه الهمة وهذا خدم إسرائيل وأكد للعالم كله وخاصة للمنطقة العربية أن إسرائيل لديها قنابل ذرية ولديها قدرات نووية يعني إسرائيل ملتزمة طبقا للقانون الأميركي الصادر عن الكونغرس بأن أي دولة تحصل على مساعدات عسكرية محظور عليها القيام بإنتاج أسلحة نووية على الرغم من أن هناك تفاهم غير مدون وقع في سبتمبر عام 1969 بين إسرائيل في فترة حكومة غولدا مائير وفي فترة رئاسة الرئيس الأميركي ريتشار نيكسون الراحل هذا الاتفاق الغير مدون الولايات المتحدة التزمت صراحة بعدم ممارسة الضغط على إسرائيل للانضمام إلى الميثاق الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية مقابل أن تمتنع إسرائيل عن التصريح صراحة أن لديها القنابل الذرية ومقابل أن تمتنع إسرائيل عن إجراء تجارب نووية ومقابل أن تردد إسرائيل المقولة أنها لن تكون أول دولة في منطقة الشرق الأوسط تمتلك أسلحة نووية إذن موردخاي فعنونو خدم الدعاية الإسرائيلية وخدم صورة إسرائيل لأن إسرائيل كانت بتتمنى أن تسرب هذه المعلومات إلى الرأي العام سواء في منطقة الشرق الأوسط أو العالم عن قدرات إسرائيل النووية دون أن تكون إسرائيل ملتزمة بأنها اعترفت بمثل هذه التصريحات.
جميل عازر: طيب دكتور إذا كانت إسرائيل لم تجر تجارب على قنابل نووية أو تفجيرات نووية يعني معروفة كيف يمكن لها أن تكون قد تطورت قنابل؟
أحمد الحملي: هو هذا السؤال مطروح بالفعل لأنه هناك إمكانية لإسرائيل أنها أجرت تجارب في المحيط بمعرفة الولايات المتحدة الأميركية والدليل على ذلك إن أميركا في حالة قلق من أنه موردخاي فعنونو يتم إطلاق صراحة ويتوجه إلى أميركا ويخاطب الصحافة العالمية والرأي العام الأميركي ويكشف عن العلاقة الوثيقة السرية بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة في هذا المجال، أنا بس عايز أوضح شيء في هذا الصدد إلى أنه أحد الكولونات بالولايات المتحدة الأميركية كان قد نشر في شهر يوليو سنة 2002 مقال في موقع السلاح الجوي الأميركي على شبكة الإنترنت أكد أن إسرائيل تمتلك ما يقر من أربعمائة قنبلة ذرية بل ومجموعة من القنابل هيدروجينية ودي طبعا قوتها بتتراوح بتمثل ضعف القنابل الذرية ما بين مائة قوة وألف قوة دي نقطة، النقطة الثانية أيضا أنه فيه اتفاق وقع مع إسرائيل والرئيس الأميركي السابق بل كلينتون بالتعاون بين وكالات الطاقة الذرية الإسرائيلية الأميركية مما يتيح الفرصة لعلماء إسرائيل التعرف على نشاط الوكالة الدولية التي تتولى الإشراف على النطاق الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية في العام.
جميل عازر: طيب دكتور الحملي ما هو السيناريو الذي يمكن أن تتصوره المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية ويفرض عليها استعمال أسلحة نووية، خاصة على ضوء إحجامها عن استعمال مثل هذه الأسلحة في حرب عام 1973 في سيناء؟
أحمد الحملي: أنت طرحت نقطة بليغة الأهمية أعتقد أن إسرائيل لا تفكر يوما ما في الأيام أنها تستخدم هذه القدرات النووية والأسلحة الذرية ضد الدول العربية المجاورة لأنه إسرائيل ستصاب بالضرر غير أنه بدأ الإشعاع الذري يتسرب من المفاعل الذري والدليل على ذلك أنه فيه قضية مرفوعة أمام محكمة العدل العليا في داخل إسرائيل مقدمة باسم ما يزيد عن خمسة عشر من العاملين السابقين والحاليين في المفاعل الذري اصيبوا بالسرطان نتيجة لتسرب الإشعاع الذري وإن مجموعة من أسر المتوفيين الذين أصيبوا بالسرطان من العاملين السابقين في هذا المفاعل أيضا تقدمت لكن الإدارة الطبية التابعة للمفاعل الذري في ديمونة أخفت الوثائق الدالة عن إصابة هؤلاء العاملين بالسرطان خوفا من أن يكون ذلك اعتراف ببدأ تسرب الإشعاع الذري من المفاعل النقطة الثانية أنه المفروض المفاعل الذري يتم تغيره بعد فترة تصل إلى خمسين عاما حتى لا تتكر حادثة تشيل نوبل مرة أخرى داخل إسرائيل إذن إسرائيل بتستخدم هذا كسلاح ردع لكن لا تستطيع أن تتخذ قرار الأسلحة والقدرات النووية لأنها مدركة تماما أن إسرائيل ستكون أول من سيصاب بالضرر نتيجة لاستخدام هذه الأسلحة النووية لذا إسرائيل النهادره بتركز كل الاهتمام على تطوير الأسلحة التقليدية.
جميل عازر: طيب إذا جاءت الظروف التي يعني تهدد بقاء إسرائيل ككيان قائم بذاته على ساحة المعركة، هل تعقد أن بإمكان إسرائيل أن تستخدم مثل هذا السلاح تحت شعار إن صح التعبير الشعار اليهودي القديم علي وعلى أعدائك يا رب وذلك دون مثلا التنسيق أو استشارة أو طلب إذن من لنقل الولايات المتحدة؟
أحمد الحملي: هذا رأي مطروح بالفعل وصدر على لسان أكثر من مسؤول كبير في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أنه ده سلاح اليأس أنه في حالة تعرض إسرائيل إلى إنهاء الانهيار أو إلى هجوما يؤدي إلى انهيار للكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط إسرائيل لم تتردد باستخدام هذا السلاح إذن وهي قبل كده لمحت يعني لمحت لتعدادها أنها ممكن تستخدم لماذا السلاح إذا ما تعرض على قلب إسرائيل السد العالي وهكذا وممكن أن تضرب به سد الفرات وهكذا إذن إسرائيل هددت وصدر عنها عن لسان على لسان المسؤولين تصريحات من هذا النوع إذن هذا الرأي مطروح بسبب السلاح سلاح اليأس أي في حالة إذا ما تعرضت إسرائيل إلى لحظة من خيبة الأمل ولإحباط وتعرض الكيان الصهيوني إلى خطر الانهيار.
جميل عازر: طيب في حالة أنه لم تستخدم أسلحة نووية من قبل إسرائيل، متى يمكن وفي أي ظروف يمكن أن تراها تواجه إسرائيل وتجعل من هذا البرنامج النووي عبئا عليها؟
أحمد الحملي: إسرائيل بالفعل بدأت تدرك تماما أن هذا هو عبء عليها والدليل على ذلك أن سياسة الغموض التي تمارسها بالنسبة لقدرتها النووية تلاحظ أن إحنا النهارده ليس هناك بند في ميزانية الدولة بيشير إلى حجم النفقات المخصصة للمفاعل الذري في ديمونة أو في معهد سوريت للأبحاث المتقدمة إذا ليس هناك بند وأن الاعتمادات بتم سريا لهذا الاعتماد النقطة الثانية أنه بعد انتشار الإشعاع الذري بدأ النهارده يتردد أن عدد كبير جدا من العاملين الذين يعملون في المفاعل الذري في ديمونة بدؤوا يعتزمون الاستقالة الجماعية من هذا المفاعل ما لم إسرائيل تتخذ إجراءات لحماية هؤلاء العاملين وأشك كثيرا إسرائيل لديها القدرة لتتخذ هذه الإجراءات لحماية العاملين..
جميل عازر: دكتور ما تأثير كل هذه الاعتبارات على الموقف العربي من مسألة اقتناء سلاح نووي؟
أحمد الحملي: أعتقد النهارده بات من الصعب على أي طرف عربي أن يتحرك لامتلاك أسلحة دمار شامل خاصة بعد ما شاهدناه في أعقاب ضرب العراق في العام الماضي النقطة الثانية النهارده موقف الولايات المتحدة الأميركية والغرب من إيران وقدرات إيران النووية موقف الغرب أساسا من قدرات ليبيا النووية النهارده فيه محاولة لإجهاض أي محاولة عربية تستهدف بالدرجة الأولى امتلاك أسلحة دمار شامل وخاصة القدرات النووية.
السودان على مفترق طرق في دارفور
جميل عازر: دكتور أحمد الحملي في القاهرة شكرا جزيلا لك. عادت الحكومة السودانية إلى التفاوض مع حركتي تحرير السودان والعدالة والمساواة المتمردتين في دارفور بغربي البلاد وإذ استأنفت المحادثات في نجمينا عاصمة تشاد التي تقوم بواسطة بين الجانبين بعد إفلات الخرطوم من انتقادات شديدة في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بشأن مخالفاتها لحقوق الإنسان في دارفور ذاتها فأن من البديهي أن يعزز التوصل إلى اتفاق هناك من فرص نجاح المفاوضات في نيفاشا كي يحل سلام على الصعيد السوداني العام ولكن الضغوط الخارجية.. للضغوط الخارجية دور في المنحي الذي تسير فيه المفاوضات على الجبهتين فهل تكون النتيجة حفاظا على وحدة السودان؟
[تقرير مسجل]
” بعد تعثر مفاوضات نيفاشا وتحقيق وفد من الأمم المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان بإقليم دارفور خرجت لجنة المنظمة بتقريع للسودان فيه اتهامات بالتطهير العرقي وجرائم ضد الإنسانية ” |
حسن إبراهيم: بعد تعثر مفاوضات نيفاشا وتحقيق وفد من الأمم المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم دارفور خرجت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بتقريع للسودان فيه اتهامات بالتطهير العرقي وجرائم ضد الإنسانية مع اتهامات أخرى باستئناف التعذيب في السجون السودانية.
ويتساءل السودانيون ومراقبو الشأن السوداني وهم يرون الضغوط الخارجية تتوالى على كبرى بلاد أفريقيا مساحة وأكثرها شقاء أما آن للمسرح السياسي السوداني أن يشهد بعض الاستقرار؟ فالحرب الأهلية الطاحنة في جنوب السودان تتوقف نهايتها على اتفاق الأطراف في ضاحية نيفاشا قرب العاصمة الكينية نيروبي ويعتقد بعض المراقبين أن التنازلات التي قدمتها الحكومة للحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون غرنغ في اقتسام السلطة والثروة قد أغرت أقاليم سودانية أخرى تعاني من التهميش والإقصاء على حمل السلاح وها هي دارفور تحمل فيها حركة العدالة والمساواة وحركة تحرير السودان السلاح منذ فبراير شباط من العام الماضي أملا في إصلاحات جذرية وقسط عادل من التنمية لكن المشهد السياسي السوداني ليس فقط الحروب الأهلية في الجنوب والغرب فهناك المطالب الجماهيرية بالانفتاح السياسي خاصة وأن الإرث السوداني الحزبي راسخ الجذور في المجتمع السوداني الذي تتنازعه الطائفتين الخاتمية والأنصار من جهة والأحزاب الحديثة إسلامية أو علمانية من الجهة الأخرى وربما شكل البدء في ضخ وتسويق النفط السوداني عام 2001 منعطفا هاما في الحراك السياسي.
فالدول الغربية أضحت تنظر إلى السودان كمصدر طاقة ومركز جاذب للاستثمارات ينبغي أن تعاد صياغته وتكوينه بشكل يناسب تلك الاستثمارات وتزايد الضغط على حكومة السودان وعلى الحركة الشعبية لتحرير السودان كي يتوصلا إلى اتفاق ينهي الصراع الدامي خاصة وأن مناطق إنتاج النفط تقع في خط التماس ما بين الشمال والجنوب، لكن المطالبة بالانفتاح السياسي تشغل الكثيرين في السودان ويبدو أن الحكومة السودانية رغم إقصائها لعرابها السابق الدكتور حسن الترابي الذي أسس حركة المؤتمر الشعبي يبدو أنها راغبة في التوصل لمعادلة تبقيها في السلطة وتمنح بقية القوى السياسية نصيب منها صعوبة هذا التوجه تكمن في أن التيار الإسلامي الذي يحكم البلاد يتخوف كثيرا من مبدأ تداول السلطة ولا يعتقد أن التجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه السيد محمد عثمان الميرغني بكل فسيفسائه سيمد يدا لإنقاذ الحكومة من مأزقها في دارفور والجنوب وعلى الصعيد التحكم في العاصمة القومية ما لم تقدم الحكومة تنازلات واضحة في مبدأ تداول السلطة، السودان في مفترق الطرق وحتى لو تمكنت الحكومة من تخطي مشكلتي الجنوب ودارفور فإن الاقتصاد المتداعي وسوء الإدارة والفساد الذين ينخران في الجسد السوداني قد تطيح بأنساق سودانية كثيرة.
الانتخابات البرلمانية في الهند
جميل عازر: بدأت في الهند الانتخابات البرلمانية التي تنفذ على مراحل تمتد طوال شهر كامل والهند ليست كأي دولة ديمقراطية أخرى ولو لمجرد أن الناخبين فيها يعدون بمئات الملايين وليس من فسيفساء ثقافية ودينية وعرقية في أي مكان آخر تضاهي المجتمع الهندي تنوعا وتسامحا رغم ما يطرأ عليه من أعراض تطرف أحيانا وإذ تنعقد هذه الانتخابات في ظرف يشهد تحولا في العلاقة مع باكستان فأإها تجيء أيضا بينما يجري التركيز على تعاون الهند مع إسرائيل على الصعيد العسكري ولكن من غير المتوقع أن تسفر الانتخابات عن نتيجة تبدل أولويات استراتيجية بالنسبة للهند.
[تقرير مسجل]
” الهند كبرى ديمقراطيات العالم تعقد انتخاباتها البرلمانية ويأمل حزب بهاراتيا جاناتا تحقيق أغلبية برلمانية دون الحاجة إلى عقد تحالفات مع أحزاب أخرى والذي إن تم سيعد سابقة في تاريخ الهند الحديث ” |
محمد فال: كبرى ديمقراطيات العالم تعقد انتخاباتها البرلمانية وحزب بهارتيا جناتا يحاول تحقيق أغلبية برلمانية بدون الحاجة إلى عقد تحالفات وذلك ما سيكون سابقة في تاريخ الهند الحديث وحزب الكونغرس وزعيمته الإيطالية الأصل يحاول التقرب إلى الناخبين في هذه الانتخابات التي ستستمر قرابة الشهر ولا غرابة في ذلك فهناك نحو سبعمائة مليون ناخب تمر بلادهم بمنعطفات رئيسية لعل أهمها على الصعيد المحلي قضية كشمير والإصلاحات الاقتصادية فالهند تتغير بصورة كبيرة وما عادت صورتها النمطية منذ الاستقلال قبل ستة وخمسين عاما مناسبة للقرن الحادي والعشرين وهذا ما يراه كثير من الهنود وحتى من يسمون بالحرس القديم في حزب المؤتمر، الهند القديمة كانت هند علمانية يتعايش فيها الجميع على أساس المواطنة وهند اشتراكية تملك فيها الدولة والقطاع التعاوني معظم الصناعات الاستراتيجية بل وحتى الاستهلاكية والخفيفة لكن هند اليوم تتصاعد فيها أصوات قوية في الأغلبية الهندوسية تنادي بشعارات دينية يستهجنها المزاج العلماني القديم وتطالب الأغلبية الهندوسية بكثير مما يتناقض مع مبادئ هند نهرو التي كانت في طليعة دول عدم الانحياز وناصرت القضايا العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة وهذا يختلف عن هند بهارتيا جناتا التي تستقبل اريل شارون استقبال الأبطال رغم الرفض الشعبي الواسع الذي عبر عنه المثقفون الهنود في أكثر من مناسبة أبان زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي وعند مقارنة علاقات حزب المؤتمر بعلاقات منافسه الأكبر مع العالم العربي يتضح أن معظم التعاون الهندي الإسرائيلي تم في فترة حكم بهاراتيا جناتا واكتسب صفة استراتيجية حتى وصل إلى التنسيق في قضايا حساسة مثل الملف النووي وتقنيات الرادار والصواريخ والغواصات النووية وقد تجاوز حجم الصفقات في هذه المجالات مليار دولار ورغم أن أتال بيهاري فجباي يقول أن بلاده في حاجة ماسة إلي تحقيق توازن إزاء تعاون باكستان مع الصين والولايات المتحدة فإن عمق العلاقات الهندية الإسرائيلية يفوق أي تعاون حدث في الماضي ما بين الصين وباكستان. الهند تصوت إلى جانب القضايا العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولكنها تشكو من أن العالم العربي الذي طالما ناصرت قضاياه ينحاز عموما إلى وجهة النظر الباكستانية فيما يخص قضية كشمير وبينما كان القادة التاريخيون لحزب المؤتمر يغضون الطرف عن العلاقات العربية الباكستانية التي تعززها الرابطة الدينية فإن هند اليوم أضحت كما يبدو أكثر إلحاحا على الدول العربية لكي تلتزم التوازن في مواقفها من قضية كشمير ولا أحد يدري ما الذي ستسفر عنه الانتخابات ولكن من غير المتوقع أن تكون هناك مفاجآت قد تؤدي إلى تحول في أولويات الهند الاستراتيجية على الصعيد الدولي.
جميل عازر: وبهذا نختتم جولتنا في الملف الأسبوعي ونذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع الجزيرة نت في الشبكة المعلوماتية الإنترنت أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني، سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملف جديدا لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة الجزيرة في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج وهذا جميل عازر يستودعكم الله فإلى اللقاء.