الملف الأسبوعي

محاكمة صدام، الوضع في دارفور، قمة الأطلسي

تناقش الحلقة مثول صدام حسين أمام القضاء العراقي.. هل هو تحدٍّ للواقع أم تهرب منه؟ والحكومة العراقية المؤقتة.. أولويات ومهام عسيرة، كما تتطرق إلى دارفور بين باول وأنان وحكومة البشير.

مقدم الحلقة:

جميل عازر

ضيف الحلقة:

هاني الخصاونة/ وزير الإعلام الأردني سابقا والخبير في القانون الدولي

تاريخ الحلقة:

03/07/2004

– مدى شرعية محاكمة صدام والتهم المنسوبة إليه
– تحديات تواجه حكومة علاوي

– جون نيغروبونتي.. شخصية الأسبوع
– باول وأنان والوضع المأساوي في دارفور
– قمة حلف الأطلسي وابتسامات تخفي الخلافات

– تقارب إيجابي بين إسلام آباد ونيودلهي


undefinedجميل عازر: مشاهدينا الكرام أهلا بكم إلى جولة جديدة في الملف الأسبوعي وفيها، صدام حسين أمام القضاء العراقي تحدي للواقع أم تهربا منه؟ الحكومة العراقية المؤقتة نقل السلطة شكلياً أم فعلي لا فرق فالأولويات والمهام عسيرة ودارفور بين باول وأنان وحكومة البشير، النازحون والمهجّرون يبحثون عن حل.

مدى شرعية محاكمة صدام
والتهم المنسوبة إليه

أصبح أداء صدام حسين لدى مثوله أول مرة في المحكمة للاستماع إلى لائحة التهم الموجهة إليه موضوع الساعة فقد أختطف الرئيس العراقي السابق الأضواء مما كان يجري في العراق من تطورات وفي مقدمتها نقل السلطة إلى الحكومة المؤقتة وإذ أمتنع عن التوقيع على تلك اللائحة بحجة عدم حضور محامي له فإن ما أبداه من تحدي في حواره مع القاضي قد انعكس في حقيقة أنه مازال يعتبر نفسه رئيسا للجمهورية العراقية وفي أن مظهره كان مختلفا تماما عن أخر مرة شاهده فيها العراقيون والعالم معهم بعد إلقاء القبض عليه قبل نحو ثمانية شهور.

[تقرير مسجل]


انقسم الشارع العراقي ما بين مستنكر لإهانة رئيسهم السابق وما بين مطالب بسحله حسب التعبير العراقي

تقرير مسجل

حسن إبراهيم: مشهد ولا الخيال صدام حسين المجيد أمام قاضي في سن أولاده وكالبطل في التراجيديا الإغريقية كان المشوار من قصر الرئاسة والمجد إلى الحفرة ومشهد الاعتقال المهين ثم الأغلال والسجن والمثول أمام القضاء كان مليئا بالآلام، لقد فقد الرجل كرسي السلطة وولديه وبلاده وتهاوى مشروعه بكل إيجابياته وسلبياته وكما في التراجيديات لم يكن البطل متهم عاديا بل كان متحديا وعاطفيا وغير آبه بخطورة الوضع فالرجل يعلم أن احتمال حكم البراءة يشابه احتمال عودته إلى السلطة لكن وكما يعلم الجميع فإن في القضية ملابسات معقدة تعقيد المشهد العراقي، لعل أولها الناحية الإجرائية فصدام اعتبرته قوات الاحتلال الأميركية أسير حرب بكل ما تعنيه الكلمة من حقوق للأسير أبرزها حقه في الامتناع عن الإدلاء بمعلومات معينة وحمايته من الملاحقة القضائية، لكن القوات الأميركية تحولت الآن إلى جزء من قوات حماية دولية كما تصف نفسها والعراق أضحى بلدا مستقلا من الناحية النظرية فلديه حكومة ورئيس جمهورية ووزراء فما هي الكيفية التي سُلم بها صدام إلى هذه القوات وكيف يتحول أسير حرب كما أعترف بذلك القانون الدولي وزاره الصليب الأحمر في معتقله أكثر من مرة على أساس هذا التصنيف إلى مجرم تقاضيه محكمة من بلده ومن له الحق في محاكمته وكيف لمحكمة عراقية أن تحاسبه على جرائم بعضها دولي الطابع وما اختلافه عن سلوبودان ميلوسوفيتش الذي يحاكم في لاهاي أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة فالشارع العراقي أنقسم ما بين مستفظعين لإهانة رئيسهم السابق وما بين مطالبين بسحله حسب التعبير العراقي فالبعض مازالوا يعتبرونه رمزاً عراقياً والآخرون يقولون أن الرجل طال ظلمه الكثيرين وارتكبت في عهده فظاعات ضد حقوق الإنسان وأدخل العراق في مآزق لم يكن من ورائها طائل في الحرب مع إيران وفي احتلال الكويت. وإن كان العراق قد عُوقب دولياً كبلد عبر سلسلة من العقوبات أتت على الأخضر واليابس فيه فإن صدام نفسه لن يحاسب ولكن قد يتطلب الأمر وقفة تأمل بعيدا عن الاعتبارات العاطفية فالتساؤلات كثيرة ليس حول النواحي الإجرائية لمحاكمة الرئيس العراقي السابق فقط بل وحول نزاهتها وعدالتها وحتى الأهداف القصوى المتواخات منها فهناك من يقترحون أن تعمل المحكمة العراقية تحت رقابة دولية وبمعايير دولية بينما يدعوا البعض الأخر إلى انتظار قيام حكومة منتخبة لتحاكم صدام حسين وأقطاب نظامه باسم الشعب العراقي الذي انتخبها قد يكون صدام حسين أبدى شيء من التحدي في أول مثول له في المحكمة ملوحا بإصبعه في وجه القاضي الذي قرأ عليه لائحة التهم وربما قد يكون قد دافع عن غزوه للكويت غير أن لا أحد من رجالات عهده الذين جلسوا في المقعد ذاته قد تصرف بنفس الأسلوب رغم أنه مدنيون أو عسكريون كانوا شركاء في اتخاذ القرار أو تقديم المشورة ومن يدري فقد يكون في محاكمة صدام ونفر من أعوانه عبرة لمن يعتبر في العراق ذاته وفي الوطن العربي بوجه عام.

جميل عازر: وغنيا عن القول والحال هذا أن محاكمة صدام حسين تثير كثيرا من التساؤلات في العراق وخارجه حول شرعية الجهة التي ستحاكمه وحول صفته والقانون الذي سيحاكم تحت طائلته وللخوض في الجوانب القانونية لهذه القضية ينضم إلينا من عمان الدكتور هاني الخصاونة وزير الإعلام الأردني سابقا والخبير في القانون الدولي، دكتور هاني بداية هل من سند قانوني لصدام حسين كي يطالب بأن يُخاطب في المحكمة بأنه رئيس الجمهورية العراقية؟


غزو العراق جاء بقرار منفرد وبدون تفويض من مجلس الأمن أو من الأمم المتحدة، لذلك فإن صدام حسين من الناحية القانونية لا يزال الرئيس الشرعي للعراق

هاني الخصاونة

هاني الخصاونة: حقيقة هذه من بديهيات القانون الدولي أن الرئيس صدام حسين لا يزال الرئيس الشرعي للعراق وأنه قد تم غزو العراق بقرار منفرد مخالف للقانون الدولي ومخالف للشرعية الدولية وبدون تفويض لا من مجلس الأمن ولا من الأمم المتحدة وخلافاً للميثاق الذي يُحرم الحروب إلا في حالة الدفاع عن النفس أو في حالة التفويض من مجلس الأمن، فالذي اقترف الجريمة الدولية وفقا للقانون الدولي هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس صدام حسين من الناحية القانونية المحضة بالسلطة الفعلية فقدها لا يزال هو الرئيس الشرعي للعراق. وأود أن أضيف بأن الرجل عندما سُئل لماذا يُصر على كلمة الرئيس الشرعي للعراق تكلم بلغة المناضلين وليس بلغة الباحثين عن أصحاب المناصب فقال بأنني أُصر على هذه الصفة احتراماً لشعب العراق الذي انتخبني ولا يقبل مني أن أضعف وأقول أنا صدام حسين فقط.

جميل عازر: طيب في هذا وجهات نظر مختلفة من حيث انتخابه من جانب الشعب العراقي وأسلوب والظروف التي اُنتخب فيها ولكن هل هناك من سابقة والسوابق في القانون يعني تكون مرجعيات هل هناك من سابقة بالنسبة لهذه المحاكمة محاكمة صدام حسين بالذات؟

هاني الخصاونة: ليس هنالك سابقة وأنا أخ جميل يعني أتوجه من هذا المنبر للمذيعين العرب بصرف النظر عن من يملك الفضائيات العربية عندما نتحدث عن الظروف التي أُنتخب بها الرئيس صدام حسين رئيس الولايات المتحدة الأميركية الحالي أُنتخب بأقل من 50% في كل الديمقراطيات (Electoral Vote) المٌنتخبون لا يتجاوزون في بعض الأحيان 40% وفي بعض الأحيان 30% فالرئيس صدام حسين عندما أُنتخب في آخر انتخابات أُنتخب وفقا لإرادة شعبية انتخبته عبّر عنها الشعب العراقي ولكن هذا لا يعني أنني مقتنع شخصيا برقم 100% أو 99% أو أنه لا يوجد معارضون للرئيس صدام حسين لكن الرئيس العراقي صدام حسين مارس الرئاسة مُنتخباً من قبل الشعب العراقي ومعترفا به في القانون الدولي وله تمثيل في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية وفي كافة المنظمات الدولية المختصة.

جميل عازر: طيب بالنسبة لي هل هناك سابقة لمثل هذا الموقف؟

هاني الخصاونة: ليست هنالك سابقة والدليل ما شاهدناه من تخبط في موقف الاحتلال الأميركي قوات الاحتلال الأميركي أن بريمر الحاكم المدني أصدر في 10/12 عام 2003 قرارا بتشكيل محكمة جنائية مختصة بما أطلق عليه الجرائم الممتدة ما بين تاريخ 17 تموز 1968 حتى تاريخ 9/4/2003 فهي محكمة أُنشأت بقرار من الحاكم المدني ما يسمى بالحاكم المدني للاحتلال بالعراق وبالتالي أن الاحتلال غير شرعي والمحكمة التي أنشأها غير شرعية والممارسات التي تمت بتعيين القاضي ثم تعيين السيد سالم الجلبي وهو رجل يحمل جنسية غير عراقية ويشترك في مكتب معزِل حامل الجنسية الإسرائيلية ويُمول من قبل السلطات الأميركية والهدف كان في المحاكمة كما شاهدوا جميع الناس المفروض في أي محاكمة أن يشاهد وجه القاضي وهيئة المحكمة وأن يجري الصوت والصورة وأن تتم علنية المحاكمة كل الأمور التي لم يشاهدها العالم والتي سمعنا في داخل الولايات المتحدة الأميركية وفي بريطانيا وفي أوروبا وصفا لهذه المحكمة بأنها أبعد ما تكون عن القضاء السليم والشفاف والعادل الذي يتطلب القانون الدولي.

جميل عازر: طيب دكتور هاني وزير الخارجية الأميركي كولن باول قال يوم أمس إنه ينبغي التعامل مع هذا الرجل وفي ذلك إشارة إلى صدام حسين على أنه بريء إلى أن تثبت إدانته، هناك اتهامات موجهة إلى صدام حسين من هي الجهة إذاً التي ينبغي أن تنظر في هذه الاتهامات وأن تحاكم صدام إذا ثبتت براءته كان به وإذا أدين كان به أيضا؟


لا وجود للتهم المسندة للرئيس العراقي صدام حسين في قانون العقوبات العراقي أو في أي قانون آخر

الخصاونة

هاني الخصاونة: أولا أنا باعتقادي أن السيد باول وزير الخارجية الأميركي عندما يقول كل متهم بريء إلى أن تثبت إدانته هذه قاعدة قانونية مُجمع عليها كل حكومات العالم والبشرية كافة، الأمر الثاني أن التهم التي وُجهت للرئيس صدام حسين كما تعلم جنابك في قانون العقوبات دائما لا جريمة إلا بنص ولا عقوبة إلا بنص لا يجوز أن تنسب لإنسان جريمة السرقة إلا إذا كان قانون العقوبات ينص على السرقة، هذه التهم المسندة للرئيس صدام حسين ليست موجودة في قانون العقوبات العراقي ولا في أي قانون آخر مثل استخدام الغاز ضد الأكراد، قمع انتفاضة الشيعة، المقابر الجماعية الحرب ضد إيران، غزو الكويت، قتل رجال دين شيعة، قتل عشيرة بارزاني، هذه كلها جرائم ليست موصوفة في قانون العقوبات الهدف منها كان سياسي والهدف منها تذكير الناس بالفتنة بالعراق وهم يعلمون أن الرئيس صدام حسين ينتمي إلى حزب وإلى مجموعة تقوم مبادئها وأفكارها على تقديس الوحدة الوطنية للشعب العراقي وعلى عدم التفريق بين سُنّي وشيعي وكردي ومسلم ومسيحي وصابئي وعلى الأُخوة الكاملة لشعب العراق وعلى تحرير العراق وعلى المحافظة على ثروة العراق وعلى الالتزام العربي للعراق بدعم فلسطين وبدعم الأردن وبدعم كافة القضايا العربية هذه ليست جرائم موثوقة..

تحديات تواجه حكومة علاوي

جميل عازر: طيب دكتور هاني الخصاونة في عمان شكرا جزيلا لك، هذا وبينما انصب الاهتمام على موضوع محاكمة صدام حسين وأقطاب نظام حكمه كانت الحكومة المؤقتة تتسلم مقاليد السلطة وتقيم مراسم تنم عن اعتراف دولي بالوضع الجديد في العراق ولكن حكومة إياد علاوي أمامها مهام صعبة وهي تواجه عمليات مسلحة وإذ جاء ترتيب البدء في محاكمة الرئيس السابق كواحدة من أولى مهام هذه الحكومة لسبب أو آخر فإنها لابد وتريد تحسين معيشة المواطن العراقي إذا كان لها أن تكسب تأييدها غير أن التحدي يكمن في أن ذلك لن يتحقق إلا بعد إنعاش الوضع الاقتصادي المتردي لخفض معدل البطالة المرتفع ولإعادة بناء البنية التحتية والخدمات العامة.

[تقرير مسجل]

حسن إبراهيم: في العراق حكومة جديدة ووجوه قديمة جديدة وجيوش احتلال وعلم ووطن يئن وشعب يتوقع الكثير وينبغي له فقد آن الأوان، فبعد الدماء التي أُريقت منذ وقوع الغزو وحتى بعد سقوط التمثال واشتداد عمليات المقاومة من جهة والإرهاب الأعمى من جهة أخرى بعد كل ذلك يحق للعراقيين أن يتوقعوا من حكومة إياد علاوي الأمن والمأوى والكهرباء والعيش الكريم، لكن كلمات إياد علاوي ماهية انتقال تسلمه لسلطاته كان لها وقع لابد وأنه يقلق الكثيرين لما حملته من وعيد وتهديد لإجراءات استثنائية. كأنما العراق لم تكفه خمسة وثلاثون سنة من الإجراءات الاستثنائية ولكن لا يمكن الحكم على الوضع الراهن بموضوعية غير ذي صاحب مصلحة والعواطف متأججة والأمزجة ثائرة بسبب أو أخر والسؤال هو كيف يمكن للحكومة المؤقتة أن تبني على ما تحقق ربما يسجل لرئيس الحكومة المؤقتة أنه مد يده إلى من أسمهم شرفاء البعثيين لمساندة حكومته ودعاهم إلى نبذ العنف ورغم ذلك وحتى بظهور بوادر تعددية في العراق مع زوال نظام الحزب الواحد فإن هناك أيضا عناصر قد تهدد حتى وحدة العراق إذا سُمح لها بملء الفراغ وأقل ما يقال في ضوء الواقع هو أن الحكومة المؤقتة تواجه مستقبلا عسيرا ومحفوفا بالمخاطر وما من شك في أنها تتحمل عبئا إضافيا يحد من قدرتها على إقناع العراقيين عامة بأنها مستقلة القرار بينما تظل تحت حماية أميركية وتقبل بوجود قوات أجنبية في الأراضي العراقية وربما شعورا منه بهذا الواقع جاء الانتقاد المبطن الذي وجهه علاوي في خطابه إلى بول بريمر بسبب حله للجيش العراقي فرغم الابتسامات الدبلوماسية لم يستطع رئيس الحكومة المؤقتة إخفاء ذلك الشعور حتى وهو يحتفل داخل المنطقة الخضراء في واحد من قصور صدام حسين وإذ لا يمكن بلا يجوز الفصل بين أجندة الموقف الأميركي في العراق ومقتضيات انتخابات الرئاسة الأميركية فقد جاء التبكير ولو بيومين في نقل السلطة ومن غريب المفارقات أنه بدلا من تخفيض عدد القوات الأميركية وغيرها كما هو متوقع في ترتيب من هذا القبيل فقد زاد العدد بتعزيز مازال تعتبر في نظر الكثيرين قوات احتلال بغض النظر عن مسمياتها الجديدة ويعزز هذا الاعتقاد أن هذه القوات لن تكون تحت طائلة القوانين العراقية كما أنها لن تتلقى أوامر من الحكومة المؤقتة وإضافة إلى العمل على استتباب الأمن في أنحاء العراق هناك أولويات لا تقل صعوبة أمام حكومة أياد علاوي فمرافق تصدير النفط بحاجة إلى إصلاح لتأمين مصدر التمويل لمشاريعها ثم التحضير لانتخابات عامة في غضون ستة شهور وهاتان مهمتان قد تصنفان في إطار المستحيلات في ظل الظروف الراهنة.

جون نيغروبونتي.. شخصية الأسبوع

جميل عازر: ومن نيويورك حيث كان سفيرا لبلاده في الأمم المتحدة جاء جون نيغروبونتي إلى العاصمة العراقية ليفتتح سفارة أميركية في بغداد لأول مرة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل ثلاثة عشرة عاما وإذ يقال أن السفارة الأميركية هذه ستكون أضخم سفارة في العالم ومن المتوقع أن تضم مئات من الموظفين فإنها لا تشير فقط إلى الأهمية التي تعلقها واشنطن على وجودها الدبلوماسي وحضورها العسكري أيضا في العراق بل وإلى ضخامة المهمة المناطة بالسفير جون نيغروبونتي شخصية الأسبوع في الملف.


بدأ نيغروبونتي عمله في السلك الدبلوماسي عام 1964 في أسخن نقطة على الأرض فيتنام، ونجح في إحراز لقب مستر فيتنام لدهائه وقسوته في التعامل مع الملف الفيتنامي

تقرير مسجل

جيان اليعقوبي: بعد رحيل الحاكم المدني الأميركي بول بريمر أصبح العراق في عُهدة حكومة الانتقالية الجديدة بالإضافة إلى الرجل الذي عينه الرئيس جورج بوش سفيرا فوق العادة مطلق الصلاحيات في العراق الذي ينتظر صيفاً لاهباً على جميع الأصعدة، جون نيغروبونتي يشي لقبه العائلي بأصوله اليونانية ولد في لندن عام 1939 لأب ثري من ملاك السفن ثم تزوج من أمراه بريطانية تشاطره الجاه والثراء وبعد تخرجه من جامعة يل الأميركية العريقة اختار الالتحاق عام 1964 بالسلك الدبلوماسي ودشن عمله في أسخن نقطة على الأرض آنذاك وهي فيتنام ومن سيغون حيث نجح في إحراز لقب يلاحقه حتى الآن وهو مستر فيتنام لدهائه وقسوته في التعامل مع الملف الفيتنامي ألحقه ثعلب الدبلوماسية الأميركية هنري كيسنغر بالوفد الذي قاد المفاوضات مع مندوبي الفيتكوم في باريس من هناك انتقل نغروبونتي إلى دولة لا تقل عن فيتنام حساسية للأميركيين وهي هندوراس حيث أصبح سفيرا هناك إبان حربها الأهلية ثم انتقل إلى نيكارغوا وهناك لعب دورا بارزاً في سحق المقاتلين اليساريين المعروفين بالسندنيستا الذين بلغ عداء إدارة رونالد ريغان لهم حد إقدامها على بيع عدوتها الجمهورية الإسلامية في إيران سلاحا إبان حربها مع العراق وتمرير أرباح الصفقة السرية إلى جيش الكونترا الذي حارب المد الشيوعي في أميركا اللاتينية ويبدو أن نيغروبونتي على موعد متواصل مع الثورات فقد عُيّن بعد ذلك سفيرا لدي المكسيك في أوج انتفاضة الزباتيين ويقال أن هذا الدبلوماسي المتمرس قدم نصائح ثمينة للحكومة في كيفية قمع أنصار جبهة ثوار سباتيستا وليس غريبا على نيغروبونتي بعد كل هذه الخبرة في العمل الدبلوماسي والأمني أن يتقن التحدث إضافة إلى الإنجليزية بالأسبانية واليونانية والفرنسية والفيتنامية بطلاقة ورغم كل تلك المهام التي اضطلاع بها نغروبونتي لا يوجد ما يشير منها إلى خبرة في شؤون الشرق الأوسط إلا من حيث اشتهاره بأنه رجل قادر على التعامل مع الشارع بقدر تعامله مع كبار المسؤولين ومن هنا ربما جاء اختيار كولن باول له شخصيا ليتولى شؤون أول سفارة أميركية في بغداد بعد حقبة صدام حسين ويقول نيغروبونتي أن لديه ثلاث أولويات في بغداد الأولى سياسية وهي الإعداد للانتخابات والثانية أمنية تتمثل في تشكيل قوات عراقية والثالثة اقتصادية عبر تنشيط جهود إعادة الأعمار ومن يدري فربما ينجح جون نيغروبونتي في تحقيق هذه الأهداف ولكن العراقيين سيتعاملون في أي حال مع دبلوماسي محنك يُخفي قبضة حديدية وراء ما تنم عنه قسمات وجه من وداعة.

جميل عازر: ومن قناة الجزيرة في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في الملف الأسبوعي وفيها أيضا بعد فاصل حلف شمال الأطلسي قمة في إسطنبول لمواجهة التحديات من أفغانستان إلى العراق وحتى الشرق الأوسط الكبير.

[فاصل إعلاني]

باول وأنان والوضع المأساوي في دارفور

جميل عازر: وإلى السودان بل غربيّه وولايات دارفور والأزمة التي صارت أو أُثيرت فعكرت ما كان ينبغي أن يصبح جوا احتفاليا بعد الاتفاق الذي أبرمته الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان من أجل وضع حد للحرب الأهلية. فالوضع المأساوي الذي نجم عن القتال في دارفور ونزوحه مئات الآلاف إلى تشاد المجاورة فيما وصف بأنه تطهير عرقي وتفاقم أوضاع هؤلاء المشردين دفعت بوزير الخارجية الأميركي كولن باول وكذلك بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى المجيء إلى الخرطوم وأن يكون لكل منهما دوافعه الخاصة للإطلاع على أبعاد الأزمة ولحث الحكومة على القيام بما يكفل إيجاد حل.

[تقرير مسجل]


أضحت الحكومة السودانية بعد 11 سبتمبر من كبار المتعاونين مع أميركا بتسليمها ملفات لإسلاميين، لكن مأساوية الوضع في دارفور وضغوط بعض المنظمات أجبرت واشنطن على التحرك

تقرير مسجل

حسن إبراهيم: عيد الإنقاذ الخامس عشر لا يمر بدون منغصات فإذا كانت الحكومة السودانية تستعد لجعل عيدها احتفالية بالسلام الذي تحقق في نيفاشا وبالنفط الذي تزداد احتياطاته المكتشفة بسرعة غير مسبوقة جاءت أزمة دارفور لتلقي بظلها على المناسبة وبعد ما تغيّر تصنيف الحكومة السودانية من راعية للإرهاب إلى واحدة من أكثر الدول تعاونا في سبيل الحرب عليه وتمكنت من تطبيع علاقاتها مع معظم الدول الغربية أتى ملف دارفور ليثير عليها سخطا دوليا تجلى في التنديدات الموجة إليها فهم يتهمونها باللامبالاة تجاه نازحي دارفور وبالاستمرار في تسليح الجنجويد رغم نفيها المتكرر لذلك حيث يتحدث اللاجؤون عن غارات عن قراهم بدعم من طائرات الانتنوف قاذفة القنابل وقد لوحظ تبدّل في اللهجة التي تحدث بها وزير الخارجية الأميركي كولن باول في الخرطوم فلم تكن بقوة تصريحاته قبل الوصول إليها وكانت صوره مبتسما مع الرئيس السوداني أو وزير خارجيته دليلا على أن حملة انتقادات الحكومة السودانية ليست بالخطورة التي تصورها أعداءها أو حتى أصدقاءها، إرادات الدول تُبنى على كم معقد من العوامل والأولويات والمصالح المشتركة ويبدو أن كولن باول لا يريد قطع أواصر علاقة بين واشنطن والخرطوم لم تضمي بعد على تكوينها ثلاثة أعوام أي منذ الحادي عشر من سبتمبر، فالحكومة السودانية أضحت من كبار المتعاونين مع الولايات المتحدة وزودتها بملفات مفصلة عن إسلاميين كانت لهم علاقة بالحكومة السودانية في مطلع التسعينيات يوم كانت الخرطوم مرتعا لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وكثيرا من الذي يتصدرون لائحة الإرهاب الدولي هذه الأيام ونسيت واشنطن ذلك وساعدت الحكومة السودانية على التوصل إلى اتفاقية سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان لكن مأسوية الوضع في دارفور والضغوط التي مارستها المنظمات غير الحكومية على الإدارة الأميركية أجبرت واشنطن على التحرك وعلى أعلى المستويات، فمنذ زيارة قام بها جورج بوش الأب عندما كان نائبا للرئيس الأميركي عام 1985 يعتبر كولن باول أهم مسؤول أميركي يزور السودان وخطورة الوضع في دارفور لو تجاهلتها الإدارة الأميركية لتعرضت إلى انتقادات تشابه تلك التي تعرض لها الرئيس السابق بيل كلينتون عندما لم يتدخل لإيقاف مجازر رواندا وبورندي عام 1993 فالسنة الحالية مهمة لإدارة بوش الابن وهو مقبل على خوض معركة قد يخسر فيها السباق إلى البيت الأبيض وليس بوسع الأمم المتحدة على ما يحدث في دارفور فالوضع المأساوي أكثر خطورة مما يمكن إغفاله ولعل زيارة كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة والتي تصادفت مع زيارة الوزير الأميركي دليلا على قلق دولي شديد ولكن بينما تراوحت تصريحات المسؤولين الدوليين بين التلويح بالعقوبات ومحاولة التشجيع لإيجاد حلا يبقى هؤلاء في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ينتظرون مجيء إغاثات طال انتظارها ومخرجا من محنة لم يكونوا سببا فيها ولكن يبدو أن المفتاح السحري لمعضلة الدرافوريين أصبح معلقا بالمصالح النفطية.

قمة حلف الأطلسي وابتسامات تخفي الخلافات

جميل عازر: امتصت عن ابتسامات التي اعتلت وجوده قادة دول حلف شمال الأطلسي في قمتهم في اسطنبول إخفاء وجود بواعث للتوتر والتجاذب بينهم رغم أن هذه القمة كانت بمثابة تحدي للتحديات التي تواجه دول الحلف، فما زال الخلاف حول الحرب على العراق حاضر في أذهان هؤلاء القادة الذين عارضو والذين أيدوا الغزو على حدا سواء وكانت المشادة بين الرئيس الفرنسي والرئيس الأميركي حول اقتراحه الأخير تحديد موعدا لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي دليلا على أن الحساسية مازالت قائمة رغم الإعلان أثناء القمة عن نقل السلطة إلى العراقيين ويبدو أن الشأن العراقي شيء والتدخل في الشأن الأوروبي شيء أخر.

[تقرير مسجل]


بدأ بوش وبلير يشهدان بوادر انقشاع العزلة التي كانت مضروبة حولهما أوروبيا، في وقت لا يزال كثير من زعماء حلف الناتو يأملون في قرارة أنفسهم أن يخسر بوش معركة الانتخابات المقبلة

تقرير مسجل

سمير خضر: صورة جماعية ملئها البهجة والابتسامات المتبادلة هذا هو الانطباع الذي حاول زعماء حلف الأطلسي وضيوفهم تقديمه للعالم رغم الخلافات التي عصفت باجتماعاتهم لكن هذه الابتسامات كان لها ما يبررها بنظرهم فقد بدأت هنا عملية طويلة وصعبة تتلخص في محاولة رأب الصدع الذي نجم عن حرب العراق ولا يزال كثير من هؤلاء الزعماء يأملون في قرارة أنفسهم أن يخسر بوش معركة الانتخابات المقبلة، الرئيس الأميركي جاء إلى اسطنبول بأجندة علنية حث الناتو على إرسال قوات حفظ سلام إلى العراق لكنه أُضطر إلى الاكتفاء بتعهد الحلف لتدريب قوات الأمن العراقية وهذا يعتبر بحد ذاته نصرا لبوش وبلير يضاف إلى إتمام عملية نقل السلطة في بغداد إلى العراقيين، فقد بدأ الزعيمان يشهدان بوادر انقشاع العزلة التي كانت مضروبة حولهم أوروبياً وحتى لو جادل البعض في اسطنبول بأنها هذا النقل كانت خطوة رمزية إلا أنه يبقى تطورا هاما حصل على دعم العدو قبل الصديق ورغم ذلك لم تستطيع أسرة الناتو التوافق تماما حتى بعد تجاوز انقساماتها حيال الدور الحلف خارج مسرح عملياته التقليدي في أوروبا، فها هو حامد كرازي الزعيم الأفغاني الذي نصبته واشنطن في كابل يستجدي المزيد من القوات لمساعدة بلاده في حفظ الأمن تمهيدا لأول انتخابات عامة ستشهدها بلاده في مطلع الخريف المقبل ولكنه لم يحصل على وعد قاطع بهذا الشأن، الرئيس الفرنسي كان هو أيضا يوزع الابتسامات يمينا ويسار لا لأنه حصل على ما يريده بل لأنه أكد من جديد على قدرة باريس على الوقوف حجر عثرة أمام المارد الأميركي، الدولة المضيفة تركيا كانت هذه المرة محور الشد والجذر بين شيراك وبوش اهتم بشؤونك الخاصة قال شيراك لبوش الذي دعا أوروبا إلى تحديد موعدا لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وشيراك مثله مثل كل زعماء فرنسة السابقين لم يستسغ يوما أن تروج واشنطن لسياسات قد تُفسر على إنها إملاءات حتى وإن كان ذلك يصب في أخر المطاف في مصلحة الأوروبيين بمن فيهم الفرنسيون، فالدفاع المستميت لبوش عن تركيا كنموذج سياسي علمانيا مسلما في الشرق الأوسط يتقاطع مع الرؤية الفرنسية لكنه يسلط الأضواء أكثر على واشنطن كقائد للمعسكر الديمقراطي الغربي ومثل هذه القيادة ليست مستساغة لدى باريس أما الخطاب الذي ألقاه بوش في جامعة غلاتا سراي على ضفاف البوسفور فقد أمعن في الثناء على تركيا نموذج لكنه لم يُقاطع ولا مرة واحدة بالتصفيق فجمهور الطلبة كان منشغلا عنه يجوب الشوارع في تظاهرات تندد به وبسياساته جمهور مستعد لتقبل الرسالة الأميركية واحتضانها لكنه غير مستعد بتاتا لتقبل حاملها الذي لا يزال يقود أكثر من مائة وثلاثين ألف جندي على الأبواب الجنوبية الشرقية لبلادهم.

جميل عازر: وبينما يظل الوضع في العراق هاجسا ووجود القوات الأجنبية فيه مسبباً للاحتجاجات فإن حلف شمالي الأطلسي يعتبره ضمن إطار ما يوجهه من تحديات، فمن العراق إلى أفغانستان إلى الشرق الأوسط الكبير والصغير كان هناك قاسم مشترك بين مواقف دول الناتو متمثلا في الإرهاب ولكن كما أدرات الحرب على العراق مازال يوجد خلاف حول كيفية التعامل مع الظاهرة فالمتغيرات في المسرح الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة تفرض على الناتو بشكل متزايد التزامات خارج حدود دوله الأعضاء فالحلف الدفاعي الطابع أصلا يجد نفسه الآن يخوض غمار حروب ويواجه تحديات لم تكن داخلة في ميزانياته وحساباته العسكرية.

[تقرير مسجل]

محمد فال: حلف شمال الأطلسي بين مغريات التوسع ونذر التشرذم مفارقة باتت تتعمق مع كل تحد جديد يواجه المنظمة العتيدة خاصة منذ أن انفردت بالهيمنة الدولية إثر تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار حلف وارسو الشيوعي وفيما لم تطرح مطامح توسع الناتو الذي تمدد حتى حدود روسيا الاتحادية إشكالات تذكر وهرت معضلات جديدة بدأت باختلال توازن القوة العالمي وشملت إشكالية تحديد العدو البديل والأدوار الجديدة المطلوبة من منظمة عسكرية أُنشأت لخوض الحروب. غياب العدو الخارجي القوي واندلاع نزعات داخلية كالتي عصفت بمنطقة البلقان أدى إلى تحول دور الحلف من الدفاع عن حدود أوروبا ضد خطر خارجي إلى إخماد النزاعات الداخلية وإقرار الأمن في الساحة الأوروبية ونجحت واشنطن في قيادة قوات من الحلف لإعادة الأمن إلى البلقان على مرحلتين الأولى في البوسنة والثانية في كوسوفو، لكن يبدو أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر مثلت هزة كبيرة في ميزان حلف الناتو وبلورت العدو الجديد في شكل الإرهاب الإسلامي بدلا من الشيوعية فالهجمات المذكورة والتصور الأميركي الناجم عنها لطبيعة العدو الجديد عقّد الرؤية التقليدية عند الأوروبيين لطبيعة الخصم الذي أنشأ حلف شمال الأطلسي لمقارعته فما يسمى الإرهاب الإسلامي لا يتجسد في جيوش متماسكة ضمن حدود جغرافية واضحة والدفاع بمعناه التقليدي لا يكون إلا لصد خطر فعلي واضح المعالم. حالة أفغانستان شكلت نوعا من الاستثناء فهو بلد كانت تسيطر عليه حركة طالبان التي وفرت الحماية لتنظيم القاعدة العدو الأكبر الجديد للولايات المتحدة ومع ذلك حدثت مفارقة ربما شكلت بداية الشرخ في لُحمة حلف شمال الأطلسي فقد غزت واشنطن أفغانستان دون الاستعانة بحلفائها الأطلسيين وحتى دون أخذ مشورتهم لكنها زجت بهم بعد ذلك في عمليات حفظ الأمن هناك، ثم جاءت حرب العراق التي وضعت واشنطن جميع سيناريو هتها دون موافقة معظم دول حلف الناتو وفي تلك الأثناء تفجرت أزمة الدفاع عن تركيا التي كانت على وشك منح الولايات المتحدة قواعد على أراضيها لضرب العراق فرفضت دول الناتو إرسال قوات إلى تركيا لصد أي هجوم عراقي محتمل عليها والحق أن الخلاف بشأن الحرب على العراق أدى إلى تفرق كلمة الأوروبيين بمساندة بعضهم الحرب بزعامة بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وبعض دول أوروبا الشرقية بينما تشكل محور عصيان أوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا وأطلق هؤلاء فكرة قوة تدخل السريع الأوروبي خارج الناتو الذي تهيمن عليه واشنطن خاصة بعد إنشائها لقوة تدخل سريع أطلسية تحاول أن تعمل وفقا لشروطه الخاصة، هذه التصدعات تكرست خلال قمة الحلف في اسطنبول عندما عارضت فرنسا وألمانيا استخدام قوة التدخل السريع الأطلسية لمراقبة الانتخابات الأفغانية وكاد إرسال قوات من الحلف للعلب دور أمني مركزي في العراق مكتفية بالموافقة على تدريب عناصر الأمن العراقي. توسع حلف الأطلسي الذي لا يزال جاري على قدم وساق ربما لن يضمن له القوة المنشودة إذا لم تعالج أسباب الفرقة داخل الحلف ويتم التوصل إلى معادلة توازن ثابتة بين مطامح الزعامة على جانبي المحيط الأطلسي.

تقارب إيجابي بين إسلام آباد ودلهي

جميل عازر: أن تجيء المحادثات الأخيرة بين وزيري خارجية الهند وباكستان في أعقاب تسلم حكومة جديدة مقاليد السلطة في كل من إسلام أباد ودلهي فإن في ذلك دلالة مهمة على المنحى الذي تريد الجارتين انتهاجه لحل المشاكل المعلقة بينهما ومن شأن أي اتصال بين الجانبين أن يؤدي إلى شعور بارتياح على الصعيدين الإقليمي والدولي فكيف إذا أسفرت المحادثات عن اتفاق على تبليغ أحدهما للأخر باعتزامه إجراء تجارب صاروخية واستعادة علاقات دبلوماسية كاملة وأن تتخلى دلهي عن اعتراضها على انضمام باكستان إلى رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) فإن ذلك إضافة إيجابية مهمة أخرى.


علامات الانفراج والرسائل الإيجابية صدرت عن الجانبين الهندي والباكستاني رغم مخاوف عبّر عنها مراقبون بسبب تغييرات على رأس الحكومة في البلدين

تقرير مسجل

مكي هلال: بعد انقضاء ستة عقود من الانفصال ثم الصراع بين دلهي وإسلام آباد يبدو أن القوتين النوويتين في شبه القارة الهندية أدركتا بفضل توازن الرعب ربما أن خيار السلام والمحادثات أجدى من التصعيد ولغة الحرب التي خبر أهوالها واستحالة حل المشاكل من خلالها. علامات الانفراج والرسائل الإيجابية صدرت عن الجانبين رغم مخاوف عبّر عنها مراقبون لمجرد تولي حزب المؤتمر رئاسة الحكومة في الهند نظرا إلى أنه معروف بتشدده في قضية كشمير مقارنة بسلفه بهاراتيا جاناتا الهندوسي وزعيم فاشباييه تغيير في رئاسة الحكومة حدث أيضا على الجانب الباكستاني لكن بالاستقالة لا بالانتخابات حيث قدم ظفر الله جمالي استقالته ليتولى المنصب مؤقتا شجاعة حسين رئيس حزب الرابطة الإسلامية الحاكم الموالى للرئيس برويز مشرف، هذه التغييرات على رأس الحكومة في الجانبين قد تحمل تغييرا في التوجهات ربما يؤدي إلى حلحلة المواقف إيذاء قضايا مثل كشمير وسباق التسلح النووي بينهما فالمحادثات الأخيرة التي احتضنتها دلهي بين وزيري الخارجية الباكستاني والهندي جاءت بعد يوم واحد من استقالة ظفر الله جمالي وكانت المرة الأولى التي تتباحث فيها الدولتان بشكل مباشر حول النزاع على كشمير ذات الأغلبية المسلمة منذ فشل اجتماع القمة الذي عقد عام 2001 في أجرى بين مشرف وفاشباييه، حوض المحادثات بعقل مفتوح ذاك كان شعار الطرف الهندي في هذه المحادثات حيث تعهدت إسلام آباد بتعزيز خطوات بناء الثقة فأعلن الطرفان عن اتفاقهما على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في العاصمتين وفتح قنصليتين في كل من كراتشي وبومباي والتعهد بإبلاغ الأخر قبل إجراء أي تجارب صاروخية والإفراج عن السجناء من البلدين وهذه بلا شك إجراءات مهمة من شأنها أن تعزز خطوات سابقة كاستئناف الرحلات الجوية وأشكال النقل الأخرى وإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار المتعثر في كشمير منذ توقيعه في نوفمبر الماضي وهذا التحسن الواضح في العلاقات بين الجارتين يأتي حتما في إطار ما تشهده المنطقة من صراع وتوازنات وحرب على الإرهاب وفي هذا الإطار يبرز حرص كل منهما على التقارب مع الولايات المتحدة ويعتبر حصول إسلام أباد على صفة الحليف الأكبر لواشنطن خارج نطاق الناتو إنجازا مهما للرئيس مشرف أثار في حينه انتقادات من دلهي ومن البديهي أن محادثات حول معضلة شائكة مثل كشمير لم تسفر عن حل سريع وسحري ولكن مجرد المحاولة يعتبر تطورا إيجابيا فكشمير هي المشكلة التي إذا تمكنت الهند وباكستان من وضعها في الإطار الصحيح ضمن محاولات بناء الثقة بينهما فإنهما ستتمكنان من إحراز مزيد من التقدم على طريق إحلال سلام حقيقي في شبه القارة.

جميل عازر: وبهذا نختتم جولتنا في الملف الأسبوعي نذكر حضاراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع الجزيرة نت في الشبكة المعلوماتية الإنترنت أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفا جديدا لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة الجزيرة في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج وهذا جميل عازر يستودعكم الله فإلى اللقاء.

المصدر : الجزيرة