الملف الأسبوعي

تفجيرات تركيا، المقاومة العراقية، الملف النووي الإيراني

تداعيات تفجيرات تركيا، زيارة الرئيس الأميركي للندن واحتجاجات المتظاهرين ضده، تصاعد المقاومة العراقية وطرق التعامل الأميركي معها، أزمة الملف النووي الإيراني، دلالات محادثات شارون مع برلسكوني، الوعكة الصحية للرئيس المصري وآليات الدستور.

مقدم الحلقة:

جميل عازر

ضيف الحلقة:


محمد السعيد إدريس: الباحث والمحلل الإستراتيجي – القاهرة

تاريخ الحلقة:

22/11/2003

– تداعيات تفجيرات تركيا
– زيارة الرئيس الأميركي للندن واحتجاجات المتظاهرين ضده

– تصاعد المقاومة العراقية وطرق التعامل الأميركي معها

– أزمة الملف النووي الإيراني

– دلالات محادثات شارون مع برلسكوني

– سيلفيو برلسكوني.. شخصية الأسبوع

– الوعكة الصحية للرئيس المصري وآليات الدستور


undefinedجميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة من (الملف الأسبوعي)، وفيها:

تركيا مسرحٌ جديد للتفجيرات، فمن المسؤول عنها وما هي التداعيات؟

(بوش) في لندن فمن كسب الجولة العلاقة الخاصة مع بريطانيا، أم المحتجون على زيارته؟

وأوروبا وإيران النووية تعميق الهوة بين جانبي الأطلسي أم مهادنة محفوفة بالمخاطر؟


تداعيات تفجيرات تركيا

قد لا يختلف كثيرون حول أن التفجيرات في اسطنبول أولاً ضد كنيسين يهوديين، ثم بنك بريطاني الهوية والسفارة البريطانية في المدينة ذاتها تحمل طابع الهجمات على أهداف لها علاقة بالسياسة الأميركية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي بوجه عام، ولكن اتساع رقعة هذه الهجمات لتشمل دولة تحكمها حكومة محسوبة على التيار الإسلامي رفضت -إلى حدٍ كبير- التعاون مع واشنطن في حربها على العراق يثير تساؤلات عديدة، ليس بالنسبة إلى التوقيت والجهة التي قامت بتلك العمليات في تركيا فقط، بل وحول الجهة المستفيدة من ذلك والتداعيات المقصودة.

تقرير/ يوسف الشريف: لم يبقَ أمام الأتراك سوى التوجُّه بالدعاء إلى الله في ليلة القدر ليرفع عنهم الكرب الذي حلَّ بمدينة اسطنبول في الأسبوع الأخير من رمضان، إذ يبدو أنه قد جاء دور تركيا لتتعرف على ما يسمى بالإرهاب الدولي، والذي يشكل علامة استفهام كبيرة لدى الأتراك، الذين لطالما نظروا بعين الشك إلى تنظيم القاعدة وما يتبع له من تنظيمات.

undefined

استهداف كنيسين يهوديين يوم السبت الماضي بدا وكأنه عملية انتقام من اللوبي اليهودي في ذكرى مقتل أبو حمزة المصري أحد مساعدي أسامة بن لادن في الخامس عشر من نوفمبر الماضي، إلا أن استهداف القنصلية البريطانية بعد ذلك بخمسة أيام أعطى الأمر مدلولات أكبر وأخطر، فهذه الهجمات قد تتكرر مجدداً لتستهدف مصالح أميركية هذه المرة، وهو ما يحسب الأمن التركي حسابه من الآن.

الهجوم الأول على الكنيسين اليهوديين أعطى الفرصة لإسرائيل لاستغلاله سياسياً من أجل الدعاية للحرب ضد ما تسميه بالإرهاب العالمي، ومن أجل إقناع الأتراك بأن تركيا وإسرائيل تقفان في خندق واحد يستوجب التعاون بينهما، فقد نجح في استنفار الرأي العام التركي ضد التنظيمات الإسلامية والقاعدة بالذات، وهو ما لم تنجح فيه من قبل كل الدعايات السياسية والإعلامية في تركيا، ولذا فإن الأوساط التركية بدأت تتساءل عن توقيت هذه العملية وأهدافها الحقيقية.

الحكومة التركية أبدت تحفظها منذ البداية على اتهام تنظيم القاعدة، بل إنها منعت نشر تفاصيل التحقيق، لأنها وجدت أن البعض يستغل ما ينشر لتوجيه الرأي العام ضد إيران والجماعات الإسلامية، إلا أن ارتباك الحكومة بدا واضحاً للغاية، خصوصاً وأنها كانت قد تعجَّلت في المفاخرة بسرعة كشف هوية منفذي العملية الأولى دون أن يحول ذلك من وقوع الثانية.

عبد الله غول (وزير الخارجية التركي): التحقيقات مستمرة، وهناك من أُلقي القبض عليهم، وأعتقد أننا سنكشف هوية منفذي الهجوم الثاني كما كشفنا وبسرعة هوية منفذي الهجوم الأول.

يوسف الشريف: ومن المعروف أن تركيا وأحزابها الإسلامية كانت تدعم خلال الثمانينات المجاهدين في أفغانستان، وذلك في إطار استراتيجية صد المد الشيوعي الذي رسمتها أميركا لتركيا حينها، إلا أن أيًّا من المسؤولين الأتراك لم يحسب حساب ألف وخمسين مجاهداً تركياً تدربوا في أفغانستان، وعادوا بعد ذلك إلى تركيا لينضم جزءٌ مهم إلى تنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي بحثه -ولو متأخراً- مجلس الأمن القومي التركي، والذي بدا الجناح السياسي فيه وكأنه يحارب من كان يدعمهم سابقاً، ولعلَّ هذا الشعور كان وراء احتجاب الأحزاب الإسلامية عن التظاهر مع غيرها من الأحزاب اليسارية والعلمانية ضد الإرهاب، ويبقى أن الشارع التركي لا يزال رغم كل الأدلة التي تقول بأن تنظيم القاعدة يقف وراء هذه الهجمات لا يزال يبحث عن مدبِّرٍ آخر خفي يقف وراءها، مكررين سؤالهم حول مَنْ تخدم يا ترى عمليات القاعدة؟

منفذو الهجمات يقولون أنهم أرادوا تحذير وربما معاقبة تركيا لانضمامها إلى الصليبيين وتعاونها مع السياسات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وفي المقابل فإن الأوساط السياسية في تركيا وأميركا وإسرائيل تدرك بأن العلاقات بين أنقرة من جانب وكل من واشنطن وتل أبيب من جانب آخر في أسوأ حالاتها. ومن هنا يبرز التناقض، وبذلك تظل تدفع تركيا ثمن تذبذبها بين الحضارات بدلاً من أن تشكِّل نموذجاً لانسجامها كما كانت تعتقد.

يوسف الشريف -(الجزيرة) – لبرنامج (الملف الأسبوعي) – اسطنبول.

جميل عازر: وينضم إلينا من القاهرة الدكتور محمد السعيد إدريس (الباحث والمحلل الاستراتيجي).

دكتور محمد، دعنا نتناول هذا الموضوع من بديهيات التساؤل، لماذا تركيا في تقديرك؟

د. محمد السعيد إدريس: يعني أعتقد إن تركيا لها مكانة كبيرة بالنسبة للأحداث التي تجري الآن، تركيا تقع في شمال العراق، تركيا دولة إسلامية، تركيا بها حركة إسلام قوية يمكن أن تشكل قاعدة لأي عمل أو أي أهداف تسعى إليها جماعات إسلامية أخرى سواء داخل تركيا أو خارج تركيا، تركيا حليف للولايات المتحدة الأميركية عضو في حلف الأطلسي، وأيضاً لها علاقات تعاون استراتيجية مع إسرائيل، ولكن أنا أعتقد أن القضية ليست قضية تركيا فقط، فربما تبدأ مرحلة ما قبل 11 سبتمبر، يعني ما قبل 11 سبتمبر كان هناك تفجيرات ضد مصالح أميركية في مناطق متعددة، ربما تكون تركيا هي بداية سلسلة جديدة من المواجهات بين تنظيم القاعدة وبين الولايات المتحدة الأميركية وأعوانها، وبالتحديد بريطانيا، يعني من الخطأ أن نقتصر في تحليلنا للظاهرة الحالية على مسألة تركيا لماذا؟ ليس لا، ولكن الولايات المتحدة لماذا؟

السؤال الأهم هو المواجهة بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة، وهناك أطراف أخرى تعتقد أن يعني هناك أهداف يمكن أن تلصق بإسرائيل، يعني بمعنى أن ربما تكون هناك بعض الاختراقات الإسرائيلية في إحدى التنظيمات أو غيرها، لأن النظرة المباشرة الآن تقول أن هذه الضربات وبالذات ضربة الكنيسين اليهوديين في اسطنبول كانت تخدم أهداف إسرائيلية، لأن إسرائيل كانت قبل هذه العملية كانت تعاني من تحول في الرأي العام الأوروبي بشكل كبير، فتعتبر هي أكبر دولة مهدد للسلام في آخر استفتاء أُجري في الاتحاد الأوروبي، وكان هناك رأي عام أوروبي بشكل عام بدأ يناهض مسألة إسرائيل، وإسرائيل بدأت تعاني مما تسميه عودة اللاسامية الجديدة، جاءت هذه الأحداث وتفجير الكنيسين ليجعلا من إسرائيل ضحية، ويعيد إسرائيل مرة أخرى إلى وضع الدولة الضحية، الدولة التي تعاني من الاضطهاد العربي والإسلامي، وبالتالي فهي.. اتفضل..

جميل عازر [مقاطعاً]: طيب دكتور.. طيب دكتور محمد، يعني ألا يدهشك مثلاً أن هذه الهجمات جاءت بعد وقت قصير من إعلان أنقرة أنها لن ترسل قوات إلى العراق، إضافة إلى أنها لم تتعاون بالشكل الذي طلبته منها واشنطن قبل شن الحرب على العراق؟

د. محمد السعيد إدريس: يعني طبعاً إن هناك تساؤلات تثار بهذا الأمر أن.. ودا يعني في الاتجاه الآخر، اتجاه تحليل من المستفيد من هذه العمليات، هل هناك طرف ما يقف متستراً أو مستتراً خلف تنظيم القاعدة ويحقق أهداف بشكل خفي، أم لا؟ هذا المنظور للتحليل يضع تركيا في موقع الضحية ويقول أن هناك طرفاً معيناً يريد أن يعاقب تركيا على تردُّدها في الانصياع للمطالب الأميركية، ولكن المثير للأمر أن تركيا والبرلمان التركي والقيادة السياسية التركية وافقت على إرسال قوات إلى العراق، ولكن العراق مجلس الحكم الانتقالي وبالتحديد الأكراد العراقيين هم الذين وقفوا أو حالوا دون أن تركيا تدخل إلى العراق، أيضاً هناك كلام كُتب في الصحافة التركية كان يقول بعد سحب العرض التركي بالدخول العسكري أو التدخل العسكري في العراق، لأن تركيا لن يكون لها التأثير في مستقبل العراق أو في عراق المستقبل، بمعنى أن التواجد العسكري التركي في العراق كان يعني يمثِّل بداية تأسيس لنمط جديد من العلاقات التركية العراقية يجعل لتركيا نفوذ ما داخل العراق، وبالتالي يعني لا يمكن أن نعوِّل بأن هناك أطراف معينة يعني تتستر خلف الضربات التي حدثت أو التفجيرات التي حدثت حتى الآن وبشكل مباشر، حتى لا ندخل في نظرية المؤامرة أن نقول أن هناك من يعني يُعلن.. هناك من يعلن أنه هو الذي قام بهذه التفجيرات، هناك بالفعل خلايا فرعية كثيرة جداً تفرعت عن تنظيم القاعدة، وهذا تطور جديد، يعني بمعنى يمكن أن نتصور التصور الأول هو..

جميل عازر [مقاطعاً]: طيب ما الذي.. دكتور محمد، ما الذي.. ما الذي يمكن أن يحدث من تداعيات على المسرح السياسي الداخلي في تركيا خاصة بالنسبة للعلاقة بين هذه الحكومة المحسوبة على التيار الإسلامي وبين العسكريين؟

د. محمد السعيد إدريس: يعني للأسف أنا يعني ما حدث من تفجيرات يعني يسير في الاتجاه المعاكس لكل الطموحات التي كانت تتصور إمكانية تطوير علاقات عربية تركية في المستقبل، إمكانية تطوير دور تركي منفصل بدرجةٍ ما عن العسكريين الأتراك الموالين للولايات المتحدة الأميركية الذين يقودون تركيا نحو مزيد من الارتماء في أحضان أميركا، مزيد من العلاقات مع إسرائيل، الأحداث الأخيرة جاءت في صالح عودة تقوية شوكة العسكريين الأتراك على حساب حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي، إضعاف نفوذ هذا الحزب، إضعاف مكانة الحزب ومصداقيته في الشارع السياسي التركي ووضع علامات جديدة أو مراحل جديدة لتطوير علاقات إسرائيلية تركية، ويمكن أن نلاحظ أن قبل تفجير الكنيسين بحوالي أسبوعين كان رئيس الحكومة الإسرائيلية (شارون) قادم من موسكو، وطلب أن ينزل إلى أنقرة، ولكن هناك تحفظات تركية رفضت نزوله أو زيارته لتركيا في ذلك الوقت، مباشرة بعد تفجير الكنيسين، وزير خارجية إسرائيل يسافر إلى تركيا ويعلن أن الموساد يشارك في البحث عن الجناة وفي التحقيق، وتمارس إسرائيل دورها.. دورها كدولة راعية لكل يهود العالم بمعنى تمثيل كلام تطرحه إسرائيل بأن دولة إسرائيل وحكومة إسرائيل هي دولة كل يهود العالم، وأن لإسرائيل الحق في التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة لصالح الجاليات اليهودية، وهذا كله يخدم مسار غير مسار تطوير العلاقات العربية التركية، ولكن يخدم للأسف تطوير العلاقات التركية الأميركية والتركية الإسرائيلية في اتجاه ليس في صالح العرب ولا في صالح العراق، ولا في صالح مطالب عربية كنا نأملها من العلاقات العربية التركية في الآونة القادمة.

جميل عازر: دكتور محمد السعيد إدريس في القاهرة، شكراً جزيلاً لك.


زيارة الرئيس الأميركي للندن واحتجاجات المتظاهرين ضده

ربما كانت زيارة الرئيس (جورج بوش) البروتوكولية إلى بريطانيا ضرورية له وبنفس القدر لرئيس الوزراء البريطاني (توني بلير)، فالزعيمان يواجهان من الانتقادات الداخلية والخارجية ما يكفي لجعلهما يشعران بتأنيب ضمير إزاء ما ارتكباه من أخطاء، بينما كانا يحاولان شخصياً أو عبر وزرائهما وآلاتهما الدعائية تسويق مبرراتهما للحرب على العراق رغم ما يتظاهران به الآن من ثقة في النفس وتشبثٍ بالمواقف.

ولا يتوقع أحدٌ من الرئيس الزائر إلا أن يعلن نجاح زيارته، وتأكيدها على العلاقة التقليدية الخاصة بين لندن وواشنطن، ولكن هذا يتجاهل في واقع الأمر ما يمكن قراءته من مدلولات في المظاهرات الحاشدة التي استقبلته في لندن.

undefined

تقرير/ حسن إبراهيم: كان أول رئيس جمهورية أميركي يقيم في قصر باكنجهام مقر الملكة الرسمي، هو الرئيس الأميركي (ويدرو ويلسون) والثاني وهو جورج بوش، جاء بعده بأربعة وثمانين عاماً، وإن كان هناك فرق معياري بين الرجلين إلا أن ملامح الشبه لا تخطئها عين مراقب، فويلسون دشَّن بمبادئه الليبرالية عهداً جديداً بعد الحرب العالمية الأولى، قامت عليه عصبة الأمم، ولعل بوش يريد أن يدشن لعصر ما بعد نهاية الحرب على الإرهاب، ويحاول أن لا تلحق الأمم المتحدة بسالفتها التي انهارت تحت جنازير دبابات (هتلر) و(موسوليني)، وبالتالي فالزيارة وإن حفلت بالبروتوكوليات إلا أنها أظهرت متانة العلاقات الانجلوأميركية، وتأتي في وقت يحتاج فيه بوش إلى كل دعمٍ ممكن في حملته لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، وقد ألقى خطاباً حاول فيه تحديد معالم سياسته الدولية، فلا تهاون مع ما اعتبره إرهاباً، ولا مناص من استخدام القوة لفرض رؤيته للسلام العالمي، وانتقد أوروبا لموقفها من الحرب، بل وانتقد إسرائيل لإذلالها المستمر للشعب الفلسطيني، لكنه انتقد ما سماها بالجماعات الفلسطينية الإرهابية، وحث الدول الأوروبية على رفض التعامل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.

وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع توني بلير أكدا على عمق العلاقات بين البلدين، لكن هناك مواضيع شائكة في مجالات أخرى مثل القيود التي تفرضها واشنطن على استيراد الحديد والصلب من الاتحاد الأوروبي، والتي تنذر باندلاع حرب اقتصادية، خاصة وأن تصرف واشنطن لا تقره اتفاقية التجارة العالمية، ثم هناك موضوع الأسرى البريطانيين المعتقلين في قاعدة جوانتانامو بكوبا، والذين يقبعون منذ عام ألفين وواحد بدون توجيه اتهامات، وبدون حقوق قانونية.

لكن ما توقعه بوش ورجال أمنه حدث وبصورة ضخمة، فاقت التوقعات، فقد اكتظت الشوارع بالمحتجين على زيارة الرئيس الأميركي وتوريطه لبريطانيا في الحرب العراقية، بل أقام بعضهم تمثالاً لبوش، وأسقطه على غرار ما حدث لتمثال الرئيس العراقي يوم سقطت بغداد في التاسع من أبريل/ نيسان، ولم يفتَّ في عضد المتظاهرين استطلاع الرأي الذي نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، وأظهر أن 61% من الشعب البريطاني يرحبون بزيارة الرئيس الأميركي، بل وشكك معارضون لبوش في نتيجة الاستفتاء، واعتبروه محاولة من جناح بلير في حزب العمال لتثبيط مناهضي السياسة الأميركية.

بوش الذي يعاني جنوده الأمرين في العراق، ويشكل فشل قواته في القبض على أسامة بن لادن ومساعديه الأقربين إحراجاً متواصلاً، يواجه حملةً لإعادة انتخابه وهو غيرُ واثقٍ من التأييد الداخلي له، وبينما يحاول تسويق المثال الأميركي في عالم ضاق ذرعاً بالأحادية القطبية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، يبدو أنه دخل في دوامة يختلط عليه فيها الحلم بالواقع، وهذا لن يغير من تصور بعض معارضيه، بأن سياسته هي استعراض عضلات وهروب إلى الأمام.


تصاعد المقاومة العراقية وطرق التعامل الأميركي معها

جميل عازر: وحتى دون الهروب إلى الأمام أصبح جلُّ ما يقوم به الرئيس الأميركي الآن، مرتبطاً بالعراق بشكل أو آخر، وإذا كان جورج بوش لا يزال يرى في العراق الجبهة الأمامية في الحرب الأميركية على الإرهاب، فإن ذلك كما تؤكده العمليات المستمرة ضد قوات الاحتلال، أو إن شئت قوات التحالف، فالتصعيد في الهجمات كمًّا ونوعاً بما في ذلك استهداف المروحيات العسكرية، وطائرة تابعة لشركة شحن عالمية يقابله تصعيد في الرد بالهجمات الجوية والمدفعية والصاروخية على مواقع يقول الأميركيون إن المقاومة يستخدمونها لشن هجماتهم، ويبدو وكأن الحرب بعملياتها الرئيسة قد استؤنفت من جديد.

undefined

تقرير/ أطوار بهجت (مراسلة الجزيرة – بغداد): الأمواج السياسية والعسكرية تتقاذف القوات الأميركية في العراق كما لم تفعل منذ بداية الاحتلال، الحل السياسي برأي أصحاب القرار كان إنهاء صيغة الاحتلال، وتشكيل حكومة انتقالية قبل حزيران القادم، مع وضع جدولٍ زمني لصياغة الدستور، في خطوة اعتبرها كثيرون ابنة شرعية للمقاومة العراقية.

الحل العسكري كما يراه الأميركيون جاء مطرقةً حديدية وإعصاراً مدمراً، ومسميات أخرى تحاول الإدارة الأميركية من خلالها تلمُّس الحل لما أسماه المراقبون المستنقع العراقي.

عملية المطرقة الحديدية كانت إيذاناً ببدء استراتيجية جديدة للقوات الأميركية في التعامل مع المقاومة العراقية، العملية استمرت اثني عشر يوماً، واستخدمت للمرة الأولى منذ إعلان الرئيس جورج بوش نهاية الحرب على العراق سلاح الجو مع ضربات بالمدفعية وقذائف الهاون، الهدف كان مواقع قرب مطار بغداد الدولي، وسجن أبي غريب، فضلاً عن ضواحي بغداد الغربية والشرقية، وهي مناطق تعتبرها القوات الأميركية مقرَّاتٍ للمقاومة العراقية، التي شهدت عملياتها الأخيرة تصعيداً في الكم والنوع.

بحسب التصريحات الأميركية كانت الحصيلة قتل أربعة عشر من المقاومين، فضلاً عن جرح ثلاثة وعشرين واعتقال مائة وأربعة، هذا على صعيد بغداد، محافظات أخرى من العراق كانت لها حصتها أيضاً، الصواريخ الموجهة بالأقمار الصناعية دكت ما اعتبر مركزاً تدريبياً لرجال المقاومة في تكريت، في حين تلقت بعقوبة وسامراء ومناطق أخرى ضرباتٍ غيرها ضمن عملية جديدة أطلق عليها الإعصار المدمر.

بعد نغمة التحذير من القاعدة وإسلاميين متشددين، تسللوا عبر الحدود برزت من جديد نغمة التحذير من صدام حسين ونائبه عزة الدوري، وتخطيطهما لهذه الهجمات قبل الحرب الأخيرة، في تقارير وتصريحات كبار القادة العسكريين الأميركيين، وبما يؤشر إلى تخبط واضح في تحديد هوية المهاجمين، أو ربما كما يراه البعض رفضاً للاعتراف بهم مقاومة شعبية للاحتلال، الرئيس المخلوع حيَّا من جانبه المقاومة العراقية في رسالته الأخيرة قبل أسبوع، داعياً إلى استمرارها، المراقبون اعتبروا ذلك مصادرةً لجهد هذه المقاومة التي يؤكدون أنها لا يمكن أن تنحصر في البعث أو صدام حسين.

آخر فصول حكاية الفعل ورد الفعل كانت الصواريخ التي انطلقت صباح الجمعة الأخيرة من رمضان، لتضرب فندقي الشيراتون والميريديان، حيث مقر الصحفيين والشركات الأجنبية، وتطال وزارة النفط، في رسالة مفادها أن رسم الخريطة السياسية العراقية لم ينتهِ بعد.

وبينما تتصاعد حدة المواجهة ما بين القوات الأميركية والمقاومة العراقية، تتصاعد التحذيرات من حالة تململ وغضب من الوضع القائم بدأت تجتاح الشارع العراقي.

أطوار بهجت -(الجزيرة)- لبرنامج (الملف الأسبوعي)- بغداد.

جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيها أيضاً بعد فاصل:

شارون ومحادثاته مع (بيرلسكوني) دليلٌ على ذعر حقيقي من معاداة السامية في أوروبا أم محاولة للحد من تدهور سمعة حكومته؟

[فاصل إعلاني]


أزمة الملف النووي الإيراني

جميل عازر: وإلى إيران حيث لا يزال ملف برنامجها النووي مثيراً للنقاش والمخاوف في آنٍ واحد.

النقاش في أوساط المؤسسة الحاكمة حول المدى الذي يمكن أن تذعن عنده لإرادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما فيها من عنصر أميركي مؤثر، والنقاش في أوروبا ممثلة في موقف بريطانيا وفرنسا وألمانيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة ثانية، حول ما ينبغي اتخاذه من إجراءات لمنع إيران من تخصيب اليورانيوم لإنتاج البلوتونيوم لصنع أسلحة نووية، وبينما يبدو أن تفادي نقل القضية إلى مجلس الأمن الدولي هدفٌ إيراني وأوروبي يتعارض مع الموقف الأميركي الأولي، الذي مازال يتهم طهران بمحاولة إنتاج سلاح نووي، فإن هناك مخاوف في إيران وخارجها من احتمالات تطور الخلاف إلى مواجهةٍ ساخنة.

undefined

تقرير/ سمير خضر: نصرٌ كبير للدبلوماسية الإيرانية، لكن متاعب طهران لم تنتهِ بعد، هذه هي المحصلة الأولية لاجتماع مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، اجتماع أرادت واشنطن من خلاله الضغط على المجتمع الدولي لحثه على تبني موقفها الداعي إلى عزل إيران التي تجرأت على التفكير في امتلاك التكنولوجيا النووية، الوكالة صدَّقت على صيغة قرار تدعو طهران إلى الموافقة على تشديد عمليات التفتيش والرقابة على برنامجها النووي من خلال التوقيع فوراً على البروتوكول الملحق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ذلك البروتوكول الذي يرفض الكونجرس الأميركي حتى يومنا هذا التصديق عليه.

واشنطن كانت تريد صيغة أكثر تشدداً تقضي بتحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، لكن الثلاثي الأوروبي المكون من بريطانيا وفرنسا وألمانيا تصدى لهذه الفكرة، لا لأنه مقتنع تماماً بصدق النوايا الإيرانية فيما يتعلق بالطابع السلمي لبرنامجها النووي، بل لأن أوروبا تخشى قبل كل شيء ردة فعل طهران، التي لوحت علانية بأنها ستعتبر نفسها في حلٍّ من كل المعاهدات في مجال الطاقة النووية إن نجحت واشنطن في الحصول على مرادها.

مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي يجد نفسه اليوم بين فكي كماشة، فكٍ أميركي صلب طويل الأنياب وآخر أوروبي مهادن لا يريد أن يموت الذئب ولا أن تفنى الغنم، وربما لهذا السبب جاء تقرير البرادعي باهتاً وغير حاسم من أجل إرضاء هذا وذاك.

نعم، قامت إيران بأبحاث سرية في مجال تخصيب اليورانيوم واستخراج البولوتونيوم، نعم انتهكت إيران تعهداتها المترتبة في المجال النووي، كل ذلك اعترفت إيران به في وثائق رسمية سلمتها إلى الوكالة، لكن البرادعي لم يقدم أي دليل في تقريره يثبت أن برنامج طهران النووي مخصص للأغراض العسكرية، غير أن هذا لا يعني في رأيه ثبوت الطابع السلمي لهذا البرنامج، فالتحقق من ذلك سيستغرق بعض الوقت، اجتماعات فيينا ستتمخض على الأرجح عن قرارٍ يلوم إيران على إخفاقاتها في المجال النووي، ويدعوها إلى التوقيع على البروتوكول الإضافي، ولكنه لن يدين طهران بالشكل الذي توده واشنطن، التي باتت تدرك أن الأجواء الدولية ليست بعد مواتية لحشدٍ جديد ضد دولة إسلامية أخرى، لكن اللعبة لم تنتهِ بعد، ولن تنتهي على الأرجح لا اليوم ولا غداً طالما بقي ولوج العصر النووي حكراً على دول الشمال المتقدمة، وبمباركةٍ من واشنطن وإلا فالويل والثبور لمن تسول له نفسه امتلاك ناصية العلم، إذ سيعرض نفسه لغضب أميركا مع كل ما ينطوي عليه ذلك من احتمالات فرض عزلة دولية، وعقوبات وربما أيضاً الغزو العسكري.


دلالات محادثات شارون مع برلسكوني

جميل عازر: كان في إشادة رئيس الوزراء الإسرائيلي (أرئيل شارون) برئاسة إيطاليا الحالية للاتحاد الأوروبي، ووصفه إياها بأنها الأفضل لأوروبا على الإطلاق حتى الآن، ما يعبر فعلاً عن متانة العلاقة بين الجانبين، خاصة في عهد حكومة (سيلفيو بيرلسكوني) ويبدو أن شغل شارون الشاغل أثناء زيارته الرئاسة الأوروبية لم يكن تطورات الوضع على الجبهة الفلسطينية سياسة ومقاومة بقدر ما كان تعبيراً عن فزع مما يعتبر تنامياً في معاداة السامية في أوروبا، وربما يدرك شارون -كما يدرك كثيرون في الاتحاد الأوروبي- أن معاداة السامية ما هي إلا تعبير عن عدم رضا متفاقم من سياساته إزاء الفلسطينيين بوجه خاص وفي المنطقة المتوسطية بوجه عام.

undefined

تقرير/ مكي هلال: اكتسبت زيارة شارون الأخيرة لإيطاليا أهمية خاصة لدقة الظرف الذي تنزلت فيه، خصوصاً بعد تنامي فكرة اعتبار إسرائيل في نظر الأوروبيين مصدراً للخطر في الشرق الأوسط وتهديداً حقيقياً للسلام في العالم، وفقاً لما كشفت عنه نتائج الاستطلاع الذي أجرته مفوضية الاتحاد الأوروبي أخيراً، إذ اعتبر 59% ممن تم استجوابهم أن إسرائيل هي الأخطر تهديداً للسلم في العالم.

وكان الهدف غير المعلن لزيارة شارون مغازلة الرأي العام الإيطالي تحديداً في أعقاب استطلاع آخر أظهر أن سبعة عشرة في المائة من الإيطاليين يعتقدون أنهم من الأفضل لو لم تكن إسرائيل موجودة أصلاً، بينما ذهب اثنا عشر في المائة (12%) إلى أن على اليهود أن يتنازلوا عن إسرائيل لصالح الفلسطينيين، وهو ما مثل كابوساً معنوياً جديداً لشارون بعد أن نجحت إسرائيل لعقود من الزمن في استغلال المحرقة التي لم تكن إيطاليا بعيدة عنها.

ويرى مراقبون إسرائيليون أن هناك بوادر على ظهور نهج جديد من اللاسامية في أوروبا، يقوم على التحريض المباشر ضد اليهود وضد دولة إسرائيل، إذ باتت مهاجمة سياساتها أمراً مشروعاً بعد تمادي حكومة شارون في الحصار ودعم الاستيطان والاغتيالات، ومما زاد من قتامة الصورة وأكسب الفلسطينيين تعاطفاً متزايداً في أوروبا وفي إيطاليا على وجه الخصوص ذلك الجدار الأمني الذي تواصل إسرائيل بناءه على أرض فلسطينية، ورغم تصريحات شارون في روما بأنه يعتزم الاجتماع مع نظيره الفلسطيني قريباً فإن زيارته لم تحرز نجاحاً أو نتائج ملموسة رغم سلسلة الاجتماعات التي قام بها شارون مع رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي وقادة الجالية اليهودية في إيطاليا ومع (سيلفيو بيرلسكوني) الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي وطائفة من كبار المسؤولين الإيطاليين باستثناء مناقشة التعاون المشترك في مكافحة ما بات يُعرف بالإرهاب والعلاقة بينه وبين العداء للسامية في أوروبا، خصوصاً وأن الزيارة تزامنت مع تفجير كنيسين يهوديين في اسطنبول حاول شارون استغلاله للربط آلياً بين الظاهرتين وتصوير إسرائيل الضحية الأكبر دائماً، والمستهدفة من قِبَل الإرهاب كالغرب تماماً.

ولعل حظ شارون في توقيت الزيارة لم يكن بأفضل من نتائجها، إذ لم تحظ بتغطية إعلامية كبرى في وسائل الإعلام الإيطالية بسبب يوم الحداد الوطني الذي أُعلن في أعقاب مقتل ثمانية عشر عسكرياً إيطالياً في العراق، وقد أُلغي المؤتمر الصحفي الذي كان مقرراً عقده بمشاركة رئيس الوزراء بيرلسكوني للسبب ذاته.


سيلفيو برلسكوني.. شخصية الأسبوع

جميل عازر: وسيلفيو بيرلسكوني الذي يترأس الحكومة الإيطالية للمرة الثانية له من المعجبين والمنتقدين ما يمكن أن يحسده عليه كثيرون من الساسة، فهو مثير للإعجاب، لأنه رجل عصامي أوجد لنفسه مكانة ليس كأغنى إيطالي فقط، بل وكسياسي ثم صاحب إمبراطورية إعلامية تورط من أجلها في قضايا أفقدته رئاسة حكومته الأولى، رغم أنها عملت من أجله كبوق دعائي، وإذا كان في الجمع بين رئاسة الحكومة والإمبراطورية الإعلامية تضارب مصالح، فإن الناخب الإيطالي لم يرَ في هذا الاتهام من معارضيه ضيراً .

سيلفيو بيرلسكوني البالغ من العمر سبعة وستين ربيعاً شخصية الأسبوع في الملف، يمسك على ما يبدو بعصا سحرية أدخلت شيئاً من الاستقرار في المسرح السياسي الإيطالي.

undefined

تقرير/ جيان اليعقوبي: يمثل سيلفيو بيرلسكوني جيلاً من الساسة الإيطاليين الذين يمثلون أوروبا الجديدة، التي تحاول الاقتراب من الولايات المتحدة والابتعاد عن ماضيها الاشتراكي الذي ميزها عن معسكري واشنطن وموسكو طوال خمسة عقود من الزمن، وخلافاً لسابقيه الذين ترأسوا الحكومة في روما والآتين من خلفيات حزبية تقليدية فإن بيرلسكوني رجل مال وأعمال ويعتبر واحداً من أغنى أغنياء العالم حسب تصنيفات مجلة "فوربس" الأميركية.

ولإكمال صورة الوجاهة فهو كغيره من أساطين المال يملك نادي (أيه سي ميلانو) مفخرة الأندية الأوروبية في كرة القدم، كما يحتكر منظومة إعلامية كاملة تشمل صحفاً وإذاعات ومحطات تلفزة تقوم بتلميع صورته بدون أن يضطر لمجاملتها أو استرضائها.

بدأ صعود بيرلسكوني سلم السياسة عام 94، عندما شلت الخلافات الحزبية والفضائح السياسية البلاد مع بدء ما سُمي بحملة الأيدي النظيفة، والتي عمل فيها القضاة على الضرب بسيف صارم على يد كل الساسة الذين كانوا يعتقدون أنهم فوق المساءلة فتدحرجت رؤوس الكثيرين وفقد المواطن العادي ثقته في الجميع وخصوصاً في رموز اليسار الذي ظل مهيمناً على الساحة السياسية طوال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن مع بروز التيار اليميني في كل أنحاء أوروبا بدأ بيرلسكوني يقدم نفسه كبديل مقبول عن اليمين المتطرف أو اليسار المهزوم، باعتباره شخصاً عصامياً بنى ثروته بعرق جبينه محاطاً بعائلة متماسكة ومستعدة لتجاوز البيروقراطية الإيطالية المقيتة لتقديم الأفضل لناخبيه، وهكذا بدأ نجمه في السطوع ولإضفاء الشرعية على شخصه وعلى القوى التي تقف وراءه في الخفاء قام بتشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم (فورتسا إيطاليا) فاجأ الجميع في انتخابات عام 94 عندما اكتسح الساحة وشكل زعيمه بيرلسكوني حكومة ائتلافية، ولكن بعد مرور عشرة أشهر أصدر القضاء حكمه ضد بيرلسكوني لإدانته بتهمة التزوير في الإقرار الضريبي الخاص بشركاته، ولكنه لم يأبه كثيراً بهذه الخسارة وواصل نشاطه لجعل حزبه الوليد أكثر تنظيماً وهكذا اكتسح به انتخابات 2001 التي فاز فيها بنسبة أذهلت المراقبين.

ورغم هذا الصعود المفاجئ لبيرلسكوني فإن العديد من المراقبين مازالوا يواصلون دهشتهم من هذا الساحر الإيطالي الذي يخرج كل مرة أرنباً جديداً من قبعته، يدهش به الحضور الذين لربما سيكتفون يوماً بعروضه ويبحثون عن شخص أكثر جدية منه.


الوعكة الصحية للرئيس المصري وآليات الدستور

جميل عازر: وإلى مصر حيث أصيب مجلس الشعب بصدمة والأعضاء يشاهدون الرئيس حسني مبارك وهو يضطر إلى التوقف عن إلقاء خطاب دستوري لافتتاح الدورة الجديدة للبرلمان بمجلسيه الشعب والشورى، وإذ اعترف الرئيس مبارك لاحقاً بأن مخالفته نصيحة الأطباء بتأجيل هذه المهمة كانت غلطة لأن فترة استراحته بعد وعكة صحية لم تكن كافية، فإن هذه التجربة غير المقصودة أظهرت كيف يمكن حدوث فراغ مفاجئ في رئاسة الجمهورية، ولا مفر من أن يثير الموقف جملة التساؤلات عن ترتيبات خلافة الرئيس مع عدم وجود نائب له، إذ يصر حسني مبارك (الطيار الحربي وقائد سلاح الجو السابق) على أن الدستور المصري كفيل بمعالجة المسألة عندما يحين الوقت.

undefined

تقرير/ أسامة راضي: على الرغم من حرص المسؤولين في مصر على التأكيد على عدم خطورة العارض الصحي الذي ألم بالرئيس حسني مبارك إلا أن المسألة تفتح من جديد باباً واسعاً من التساؤلات حول مسألة الخلافة أو الاستخلاف الرئاسي في مصر، وعادة ما يؤكد الرئيس المصري عند إثارة قضية تعيينه نائباً له أن الدستور يحدد آليات انتقال السلطة، لكن تلك الآليات نفسها هي مثار أسئلة وقلق لدى قطاع واسع من المصريين، فما يحدده الدستور في حال غياب الرئيس أو عجزه عن القيام بمهامه هو أن يتولى رئيس مجلس الشعب هو والمجلس التشريعي للبلاد المنصب لفترة لا تتجاوز ستين يوماً، ينتخب خلالها مجلس الشعب بأغلبية ثلثي أعضائه مرشحاً بطرح اسمه في استفتاء شعبي، بهذه الطريقة الدستورية انتخب الرئيس مبارك إثر اغتيال سلفه أنور السادات الذي كان تولى رئاسة مصر بالطريقة نفسها، إلا أن كلا منهما انتخب لكونه كان يشغل أصلاً منصب نائب الرئيس، لكن هذا المنصب ظل شاغراً لاثنين وعشرين عاماً هي فترة حكم مبارك، وإن كان البعض يتحدث عن إعداد جمال مبارك نجل الرئيس لخلافة والده، لاسيما وأن نجمه صُعِّد حزبياً وإعلامياً في السنوات الأخيرة فإن المراقبين يستبعدون ذلك، كما يتشككون في إمكانية أن يخلف شخص مدني الرئيس مبارك بسبب ما للمؤسسة العسكرية من دور محوري يحافظ عليه نظام الحكم في مصر.

التكهنات حول من سيخلف مبارك تتناول أسماءً عدة معظمها من الدائرة العسكرية، لكن أوساطاً مصرية لا ترى حتى الآن شخصية مؤهلة تماماً لخلافته يمكن ترجيح كفتها على أخرى وتكون قادرة على الحصول على مثل هذا القدر من التأييد داخل المجلس الذي يسيطر عليه الحزب الوطني الحاكم، وتحظى في الوقت نفسه برضا المؤسسة العسكرية.

وبينما يبدي كثير من المصريين قلقاً إزاء إمكانية وقوع صراع حتى ولو محدود على السلطة في حال فراغ منصب الرئيس بصورة مفاجئة، يرى آخرون أن تلافي ذلك ينبغي أن يكون عبر إصلاحات سياسية جذرية تتضمن تعيين نائب للرئيس وتغيير طريقة اختيار الرئيس لتصبح بالانتخاب الشعبي المباشر وليس باستفتاء شعبي يقتصر على اسم واحد أُقر سلفاً من جانب النواب في البرلمان.

ويرى قطاع واسع من المصريين أن إجراء مثل هذه التعديلات الجذرية كفيل بتنشيط الحياة السياسية في مصر التي حث الرئيس مبارك نفسه على إخراجها من حالة الركود الشديد الذي تتسم به نظراً لعدم وجود قاعدة شعبية لأحزاب المعارضة أو الحزب الحاكم نفسه الذي يسعى حالياً لتحقيق تقارب يفتقد إليه مع الشارع المصري.

جميل عازر: وبهذا نأتي إلى ختام هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، نذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني.

سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.